لة ايزان للقانونيةمية واست اسا لدرا762 د الل الثاني،د الث، العد ثا شعبان3417 هـ/ حزيران1036 م* تاذ مساعد أس، لرياضمية، اس بن سعود ا نمدامممعة الشريعة، جافقه، كلية ا ال قسم أصول. الشرعيتأصيل العاصرةتجميل ات العمليا ل د.لد نمد عبيدات خا* البحث:صول تاريخ و3 / 3 / 5102 م البحث: تاريخ قبول52 / 05 / 5102 م ملخصعاصرة، وبيانتجميل ات الوف على حقيقة عمليا الوقذه الدراسة إدف ه تهمنوع. والجائز منها الشرعي لتأصيل ال منظور، فما كانوع نع جائز، ون: نومليات على نوعت الدراسة أن الع وقد أظهر أدة السم إهات أو إعاإزالة التشورض وداواة ورفع ا قبيل الائز، فهو من ا خلقته صلر. وقدظورة فهو من ا ضرورد امسن أو لغ، أو نلق اه تبديل وأما ما كان فينوع منها.مئز من الان ا لبيالستدلية وطرق اصوى القواعد ادراسة علت ال اشتملAbstract The purpose of this study is to identify the nature of contemporary cosmetic operations, and to clarify the stance of religious legalization whether they are permissible or prohibited. The study shows that the operations are of two types; the permissible type, and the prohibited type. To explain, plastic surgeries conducted for the purpose of therapy, as removing distortions, are permissible. But if plastic surgeries are to be conducted for the purpose of changing God’s creation, especially if unnecessary, then they are prohibited. The study includes the fundamental rules and methods of inference to differentiate the permissible type from the prohibited.
46
Embed
the purpose of therapy, as removing distortions, are ...م1036 ناريح/ـه3417 نابعش ،يناثلا ددعلا ،ثلاثلا دللمجا 762 ةينوناقلاو ةيملالإا
This document is posted to help you gain knowledge. Please leave a comment to let me know what you think about it! Share it to your friends and learn new things together.
Transcript
م1036 حزيران/ هـ3417 شعبان ثالث، العدد الثاني،اجمللد ال 762 لدراسات اإلسالمية والقانونيةلمليزان ا جملة
.قسم أصول الفقه، كلية الشريعة، جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية، الرياض ،أستاذ مساعد *
لعمليات التجميل املعاصرة التأصيل الشرعي
*خالد حممد عبيدات د.
م52/05/5102 تاريخ قبول البحث: م5102/ 3/3 تاريخ وصول البحث:
ملخص
تهدف هذه الدراسة إىل الوقوف على حقيقة عمليات التجميل املعاصرة، وبيان التأصيل الشرعي للجائز منها واملمنوع.
وقد أظهرت الدراسة أن العمليات على نوعني: نوع جائز، ونوع حمظور، فما كان من صل خلقته فهو من اجلائز، قبيل املداواة ورفع املرض وإزالة التشوهات أو إعادة اجلسم إىل أ
وأما ما كان فيه تبديل خللق اهلل، أو جملرد احلسن أو لغري ضرورة فهو من احملظور. وقد اشتملت الدراسة على القواعد األصولية وطرق االستدالل لبيان اجلائز من املمنوع منها.
Abstract
The purpose of this study is to identify the nature of contemporary
cosmetic operations, and to clarify the stance of religious legalization
whether they are permissible or prohibited.
The study shows that the operations are of two types; the permissible
type, and the prohibited type. To explain, plastic surgeries conducted for
the purpose of therapy, as removing distortions, are permissible. But if
plastic surgeries are to be conducted for the purpose of changing God’s
creation, especially if unnecessary, then they are prohibited. The study
includes the fundamental rules and methods of inference to differentiate
the permissible type from the prohibited.
762 لدراسات اإلسالمية والقانونيةلمليزان ا جملة
م1036 حزيران/ هـ3417 شعبان ثالث، العدد الثاني،اجمللد ال
خالد عبيدات التأصيل الشرعي لعمليات التجميل املعاصرة
:مقدمةاحلمد هلل الذي خلق اإلنسان يف
أحسن تقويم، وكرم ابن آدم على سائر العاملني، والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني وعلى آله وصحبه أمجعني،
ومن سار على نهجهم إىل يوم الدين. أما بعد؛ فقد اجتمعت نصوص
-وكل من عند اهلل -الوحي: القرآن والسنةلتمثل الشريعة الكاملة الشاملة، ولكن على الرغم من كثرة النصوص الشرعية إال أنها مل تبني كل ما حيدث يف مستقبل اإلنسان تفصيال. فكان ال بد من إقرار االجتهاد ووضع قواعده ورسم طريقته الصحيحة،حتى ال يكون هناك مانع من التطور، ومواكبة احلداثة والتغريات النافعة، مع احملافظة على الثوابت اليت حتمي األمة من
االنصهار، وتبعدها عن الوقوع يف املضار. ومن املعلوم أن املستجدات يف احلياة
كثرية، وهي تتطور مع تطور العلم، وقد العاملون فيه قفز الطب قفزة نوعية يستحق
الشكر والتقدير، فتمكن الطب احلديث من زراعة األعضاء، وجراحة التجميل والرتميم واملعاجلة بالليزر وحتسني األعضاء املشوهة، وإزالة األعضاء الزائدة يف اجلسم، وعمليات تصغري املعدة وربطها، وشد
الرتهالت وشفط الدهون وغريها كثري يف تنا حائرة أمام هذا احلقل. فهل تقف شريع
هذه القضايا املعاصرة؟ مع العلم أن باب االجتهاد مل يسد ومل يغلق، لذا كان ال بد من الوقوف على حقيقة هذه املستجدات وعرضها على ميزان الشريعة الربانية، من خالل التأصيل الشرعي هلذه القضايا، أي االستناد إىل مصادر أصول الفقه املتعددة،
احلكم متسرعا نابعا من حتى ال يكون نه ال ميكن إثبات إهوى أو شطط. إذ
األحكام الشرعية إال بعد عرضها على الكتاب والسنة وقواعد االستدالل.
ألجل ذلك كله عزمت أن أخوض التأصيل الشرعي -يف هذا املوضوع
ولست مقتصرا البحث -لعمليات التجميل على جراحة التجميل، ولكين أرى أن
الوسائل احلديثة قد تعدت الطرق اجلراحية إىل غريها من الطرق، كالشفط والشد والليزر... فكانت تسمييت للبحث "عمليات
التجميل ال جراحة التجميل".
وتكمن أهمية هذه الدراسة مبا يلي: ن موضوعها من أهم املوضوعات الطبية إ .1
املعاصرة. يهاـات ودواعـاملعرفة حباالت هذه العملي .2
762 لدراسات اإلسالمية والقانونيةلمليزان ا جملة
م1036 حزيران/ هـ3417 شعبان ثالث، العدد الثاني،اجمللد ال
خالد عبيدات التأصيل الشرعي لعمليات التجميل املعاصرة
تريح بال الكثريين احلائرين بني الرفض هلا أو القبول.
اإلملام حباالت هذه العمليات واإلحاطة .3بأحكامها، متكن من الرد على كل الشبهات
اليت قد تثار حول مجود الدين ورجعيته.
تؤكد هذه الدراسة أن شريعتنا قادرة .4 على جماراة األحداث ومواكبة التطورات.
، فهي تتمثل مشكلة الدراسةأما باألسئلة التالية:
ما هو التجميل؟ وما هي عمليات .1 التجميل؟
هل حث اإلسالم على التجمل والتزين؟ .2
حكم تعلم الطب، وجراحة التجميل ما .3 خصوصا؟
ما هي الضوابط والقيود إلجراء عمليات .4 التجميل.
هل أصل اإلسالم لعمليات التجميل .5اجلائزة؟ وهل وقع مثل هذه العمليات أو
قريبا منها يف تاريخ اإلسالم؟
ما هي أهم العمليات املعاصرة اليت .6 حتتاج إىل بيان حكم الشارع.
: فقد أهداف هذه الدراسةأما عن هدفت إىل ما يلي:
الوقوف على حقيقة هذه العمليات .1 وصورها.
ن التأصيل الشرعي حلاالت هذه بيا .2 العمليات.
بيان آراء العلماء وأدلتهم حول صور .3 هذه العمليات.
: الدراسات السابقةومن خالل البحث يف املؤلفات
املعاصرة حول هذه العمليات وقع يف يدي املنشورات التالية:
قضايا طبية معاصرة يف ميزان الشريعة .1اإلسالمية للدكتور حممود السرطاوي، وقد اشتمل الكتاب على حبث موجز جلراحة
التجميل.
دراسات فقهية يف قضايا طبية معاصرة .2جملموعة من املؤلفني، واشتمل الكتاب على حبث خمتصر يف جراحة التجميل للدكتور
حممد شبري.
ملعاصرة، لألستاذين: فقه القضايا الطبية ا .3األستاذ الدكتور علي حمي الدين قره داغي، واألستاذ الدكتور علي يوسف احملمدي. وقد اشتمل الكتاب على عدة موضوعات فقهية
معاصرة، كان واحد منها جراحة التجميل.
فإن الدراسات السابقة ،ويف اجلملة كانت جمملة وخمتصرة وركزت على اجلانب
قط ومل تستوعب مجيع العمليات الفقهي فمكان استقراء املعاصرة. فحاولت قدر اإل
م1036 حزيران/ هـ3417 شعبان ثالث، العدد الثاني،اجمللد ال 722 لدراسات اإلسالمية والقانونيةلمليزان ا جملة
خالد عبيدات التأصيل الشرعي لعمليات التجميل املعاصرة
العمليات التجميلية املعاصرة وحصرها، مزودا الدراسة بقرارات جممع الفقه
اإلسالمي وبعض الفتاوى املعاصرة.
وجاءت دراسيت هذه اليت ختتلف طريقة مع اعتزازي -حبثي فيها عن دراسات غريي
وإمنا عرضت هلذه -ا قدموهوافتخاري مباملستجدات على األصول والقواعد الكلية، مع عرض آلراء الفقهاء، حيث قمت بتأصيل املسألة تأصيال شرعيا؛ ألن أصول الفقه هو الذي يضبط مناهج الفقهاء وطرق االستدالل، وبدونه يتحول الفقه إىل مسائل
طائشة من غري منهج علمي رصني.
جي يف كتابة هذا البحث وكان منه كما يلي:
املنهج االستقرائي: وذلك باستقراء .1نصوص الكتاب والسنة والشروحات واألقوال املنقولة عن األئمة والعلماء املتعلقة مبوضوع البحث، مستأنسا بالكتابات
املعاصرة من أهل االختصاص يف هذا اجملال.
املنهج االستنباطي: وذلك باستنباط .2د الفقهية املتعلقة باملوضوع بعض القواع
للوصول إىل أحكام املستجدات الفقهية.
هذا باإلضافة إىل املنهج العلمي من خالل ما يلي:
عزو اآليات إىل سورها وأرقامها، .1وختريج األحاديث من األمهات املعتمدة، مع احلكم على احلديث إن مل يكن خمرجا
يف أحد الصحيحني. رد األقوال إىل أصحابها من مصادرها، .2
وبيان املرجع الذي ذكر فيه القول، واملرجع الذي اعتمدته يف الغالب أدرجته يف قائمة
املصادر واملراجع.
ختريج األحكام من النصوص الشرعية .3 وفق املناهج املعتمدة أصوليا.
ذكر الرأي الراجح وأدلته وأقوال .4مع عرض املسألة العلماء املؤيدين مما يتوافق
حيث دون عرض أدلة املخالفني ومناقشتها. ن الدراسة ليست فقها مقارنا وإمنا دراسة إ
تأصيلية.
وقد اقتضت طبيعة هذا البحث أن أجعله يف مقدمة ومتهيد وثالثة مباحث
وخامتة: أما املقدمة فقد احتوت على أهمية
واملنهج املوضوع ومشكلة الدراسة، وأهدافها املتبع فيها.
التمهيد: يف معنى التأصيل الشرعي.واملبحث األول: متعلقات عمليات
التجميل، وقد اشتمل على أربعة مطالب: املطلب األول: التعريف بالتجميل واأللفاظ
722 لدراسات اإلسالمية والقانونيةلمليزان ا جملة
م1036 حزيران/ هـ3417 شعبان ثالث، العدد الثاني،اجمللد ال
خالد عبيدات التأصيل الشرعي لعمليات التجميل املعاصرة
ذات الصلة. املطلب الثاني: حكم الطب والتداوي.
املطلب الثالث: حكم اجلراحة التجميلية. الرابع: ضوابط عمليات التجميل.املطلب
واملبحث الثاني: يف عمليات التجميل اجلائزة شرعا، وقد اشتمل على ثالثة مطالب:
املطلب األول: أنواع العمليات اجلائزة. املطلب الثاني: التأصيل الشرعي جلوازها.
املطلب الثالث: التكييف الفقهي للعمليات اجلائزة.
ليات التجميل واملبحث الثالث: يف عماحملظورة شرعا، وقد اشتمل على ثالثة
مطالب: املطلب األول: أنواع العمليات احملظورة.
املطلب الثاني: التأصيل الشرعي حلظرها.
املطلب الثالث: التكييف الفقهي للعمليات احملظورة.
واخلامتة: حيث تضمنت أهم ما توصلت إليه الدراسة من نتائج وتوصيات.
وأخريا: ال أزعم أن دراسيت هذه خالية من الثلم والقصور، وال أدعي أني قد مجعت مجيع أطرافها؛ لسعتها وتشعبها،
، فالكمال هلل املتعال، والعصمة لرسوله وأسأل اهلل أن يسدد اخلطأ، ويغفر الزلل، وأن أكون قد استفدت وأفدت، وانتفعت
ونفعت فيما حبثت.
.تأصيل الشرعيبيان معنى ال: متهيدالتأصيل مشتق من األصل، ومجعها
أصول. وهذا يستوقفنا بدءا تعريف األصول؛ ألن األصول والقواعد للعلوم مبنزلة األساس للبنيان، واألصول لألشجار؛ ال ثبات هلا إال
. (1)بهايقول شيخ اإلسالم: )البد أن يكون
اجلزئيات؛ مع اإلنسان أصول كلية ترد إليها ليتكلم بعلم وعدل. ثم يعرف اجلزئيات كيف وقعت؟ وإال فيبقى يف كذب وجهل
اللغة: ما يبنى عليه غريه. وقيل: األصل هو . (3)احملتاج إليه
ال يقال: أصله تأصيال: جعلت له أص ل الشيء: جعل ثابتا يبنى عليه غريه، وأص
.(4)له أصال ثابتا يبنى عليهوعرف األصول يف االصطالح: بأنه
األدلة، قال الغزالي: )إن أصول الفقه عبارة عن أدلة األحكام ومعرفة وجوه داللتها على األحكام من حيث اجلملة ال من
.(5)حيث التفصيل( ثــأي أن أصول الفقه يكون يف البح
م1036 حزيران/ هـ3417 شعبان ثالث، العدد الثاني،اجمللد ال 727 لدراسات اإلسالمية والقانونيةلمليزان ا جملة
خالد عبيدات التأصيل الشرعي لعمليات التجميل املعاصرة
عن أدلة الفقه إمجاال، أما الفقه فهو يبحث للعلم بأحكام األفعال الشرعية من أدلتها التفصيلية. فأصول الفقه عبارة عن املناهج
.(6)واألسس اليت تبني الطريق وتوضحه للفقيهإرجاع وبهذا يكون معنى التأصيل:
القول والفعل إىل أصل وأساس يبنى عليه غريه. والقرآن والسنة هما أصل العلوم. والتأصيل فيه بيان األصل من كتاب اهلل أو من سنة رسول اهلل يف مسائل الشرع
وقضاياه الفقهية.
متعلقات عمليات التجميل :املبحث األولالتعريف بالتجميل واأللفاظ : املطلب األول
. ذات الصلة
أوال: التجميل واجلمال والتجمل والتزين يف اللغة، مصدر من (7)التجميل
الفعل جمل مبعنى حسن، وهو ضد القبيح، واجلمال: احلسن، يكون يف الفعل واخللق.
: مصدر اجلميل، (8)واجلمال يف اللغة والفعل جمل وجمل الرجل مجاال فهو مجيل )واجلمال( بالتشديد: أمجل من اجلميل،
ومجله أي زينه، ومجلتها: أي زينتها. : تكلف اجلمال، ويقال: (9)والتجمل
جتمل أي: كن مجيال، أو افعل ما جيملك )فالتاء( للطلب، واجلمال يقع على الصور
ني. واملعا
فإن لفظ الزينة تداخل مع ،لذلك اجلمال.
التزين: لفظة مبعنى ازدان، بدليل أن مراد اجلمال والتجمل هو احلسن، واحلسن بالضم هو اجلمال، فالزين، نقيض الشني.
.(10)وهو اسم جامع ملا يتزين به
املعنى االصطالحي للجمال: حبيث ينم عن هو التناسق واالنسجام
واجلمال الذي .(11)مغزى ومعنى حمدديعرفه كل اجلمهور مثل صفاء اللون، ولني امللمس، وغري ذلك مما ميكن أن يكتسب. والنوع الثاني: اجلمال احلقيقي وهو أن يكون كل عضو من األعضاء على الفصل
. (12)ما ينبغي أن يكون من اهليئات واملزاج)جتميل وجتمل كما أننا جند ألفاظ
ومجال وزينة( مرتادفة، إال نه يف التجمل والتجميل زيادة طلب اجلمال وصنعه،
والتكلف به والبحث عنه. وعليه، فإن املعنى االصطالحي
للتجميل: هو كل ما من شأنه حتسني الشيء يف مظهره بالزيادة عليه أو اإلنقاص منه، أو
تهذيبه. املطابق الصطالح وهذا هو املعنى
علماء التجميل يف عملياتهم التجميلية، إذ هم ميارسون عمليات التكبري والتصغري
722 لدراسات اإلسالمية والقانونيةلمليزان ا جملة
م1036 حزيران/ هـ3417 شعبان ثالث، العدد الثاني،اجمللد ال
خالد عبيدات التأصيل الشرعي لعمليات التجميل املعاصرة
واإلنقاص والزيادة والنحت والرتميم، بغرض إزالة العيب وحتسني املظهر؛ يقول القرطيب: )وأما مجال اخللقة، فهو أمر يدركه البصر، ويلقيه يف القلب متالئما، فتعلق به
غري معرفة بوجه ذلك وال النفس من .(13)نسبته ألحد من البشر(
ثانيا: الطب والتداوي واجلراحة. الج اجلسم : هو ع(14)الطب يف اللغة
وطبيب: أي والنفس، يقال: رجل طبعامل بالطب، واملتطبب: الذي يتعاطى علم الطب، ومجع القلة أطبة، والكثرة أطباء، ويطلق الطب على معان أخرى: كالرفق واحلذق، فالطبيب رفيق، والطبيب: احلاذق
املاهر بعمله، وكل حاذق طبيب عند العرب.واملراد بالطب يف االصطالح: هو
: "كل (15)على اجلانب املادي، قال ابن القيمطبيب ال يداوي العليل بتفقد قلبه وصالحه وتقوية روحه وقواه بالصدقة وفعل اخلري واإلحسان واإلقبال على اهلل والدار اآلخرة، فليس بطبيب، بل متطبب
قاصر". :وهو لفظ يدخل يف الطب. (16)اويالتد
والتداوي مصدر )تداوى( أي: تناول الدواء،
مأخوذ من داواه: أي عاجله؛ وعليه فإن التداوي يكون باستعمال ما به شفاء املرض بإذن اهلل، سواء كان عقارا أو جراحة، أو
رقية. : مأخوذة من (17)اجلراحة يف اللغة
وتأتي اجلرح، ومجعها جراح وجراحات،ي مبعنى الكسب، ومنها قوله تعاىل: وهو ٱلذ
ل ويعلم ما جرحتم بٱنلذهار يتوفذىكم بٱلذ [.60]األنعام:
وهذا هو املعنى املناسب لبحثنا، وذلك ألن اجلراحة الطبية، مشتملة على شق اجللد، واستئصال الداء، وبرت األعضاء
بآلة اجلراح.وزراعتها وتعترب اجلراحة عند األطباء فرعا
مستقال من الفروع الطبية، يشتمل على مهام معينة... لذلك اصطلح األطباء على تعريف اجلراحة بتعريف مستقل حيدد املفهوم منها عند أهل االختصاص. فقالوا: "هي صناعة ينظر بها يف تعريف
ض أحوال بدن اإلنسان من جهة ما يعرلظاهره من أنواع التفرق يف مواضع
.(18)خمصوصة وما يلزمه"اليت -فتكون معنى اجلراحة الطبية
: "هي إجراء -يتفرع عنها اجلراحة التجميليةجراحي بقصد إصالح عاهة أو رتق متزق
م1036 حزيران/ هـ3417 شعبان ثالث، العدد الثاني،اجمللد ال 722 لدراسات اإلسالمية والقانونيةلمليزان ا جملة
خالد عبيدات التأصيل الشرعي لعمليات التجميل املعاصرة
أو عطب، أو بقصد إفراغ صديد أو سائل مرضي آخر أو استئصال عضو مريض أو
.(19)شاذ"واجلراحة التجميلية هي إحدى فروع
الطب املختصة بالعمل اجلراحي، وما يستلزمه من عناية قبل وبعد العملية، وما
يرافقها من عقاقري ومستحضرات. فنخلص أن املقصود بالعمليات
التجميلية: هي تلك اليت تتعلق بالشكل، واليت يكون غرضها عالج العيوب الطبيعية
على الشكل، واليت تؤثر يف أو الطارئة .(20)القيمة الشخصية أو االجتماعية للفرد"
.حكم الطب والتداوي :املطلب الثانيمن املعلوم أن رسالة اإلنسان يف
الوجود هي االستخالف يف األرض وعمارتها، وصناعة احلياة على ضوء منهج اهلل، وهذا يتطلب منه أن يكون سليما قويا
قادرا على العمل والعبادة.صحيحا لذلك كان لزاما على األمة أن خيرج
من بينها من يرعى سالمة أفرادها، إذ بغري الطب يتعرض الناس للهالك، ألن الذي أنزل الداء أنزل الدواء، وأرشد إىل استعماله
من تعلمه ، فكان ال بد (21)فبدونه ال (22)ألنه من فروض الكفايات"
ميكن احلفاظ على األنفس، واألبدان واألعضاء، وما ال يتم الواجب إال به فهو واجب؛ ألن حفظ النفس من الضرورات
اخلمس. : "وأما العلوم العقلية (23)يقول النووي
فمنها ما هو فرض كفاية كالطب". أما التداوي، فكان األمر به على
سبيل الوجوب ال الندب، وذلك من خالل استقراء النصوص وروحها، وليس أدل
على الوجوب من حديث الرسول جاءت »الذي رواه أسامة بن شريك: نتداوى؟ أاألعراب فقالوا: يا رسول اهلل:
فقال: نعم يا عباد اهلل تداووا، فإن اهلل عز إال وضع له شفاء غري داء وجل مل يضع داء
«واحد، قالوا: ما هو؟ قال: اهلرم(24).
فقد دل احلديث مبنطوقه على وجوب التداوي واألخذ باألسباب، ال التواكل وادعاء أن الشايف هو اهلل، فهذا ما يتنافى مع مقصود الشارع احلكيم، ألن الشايف هو الذي أمر بالتداوي، ومن هنا حرم
فات والشعوذة والتمائم. اخلرايقول ابن القيم: "إن التداوي ال ينايف
التوكل، كما ال ينافيه دفع اجلوع والعطش .. والبد مع هذا .واحلر والربد بأضدادها،
االعتماد من مباشرة األسباب، وإال كان
722 لدراسات اإلسالمية والقانونيةلمليزان ا جملة
م1036 حزيران/ هـ3417 شعبان ثالث، العدد الثاني،اجمللد ال
خالد عبيدات التأصيل الشرعي لعمليات التجميل املعاصرة
. حكم اجلراحة التجميلية: املطلب الثالثإذا كان تعلم الطب الزما، فإن من
الطب ما هو جراحي يعاجل العيوب والشني يف بدن اإلنسان، ويهتم باألعضاء اليت رتب
، (26)الشارع على االعتداء عليها ضمان وديةإذ لوال قيمتها ملا رتب الشارع على االعتداء
اجلروح والقصاص، ولوال عليها الديات يف فمن ٱعتدى عليكم قيمتها، ملا قال تعاىل:
بمثل ما ٱعتدى عليكم فٱعتدوا عليه [.194]البقرة:
هذا، وقد تكون جراحة التجميل ضرورية تعاجل عيوب خلقية، كالتصاق
، األصابع، والتصاق التوائم، واألنف اجملدوعوالشفة املفلوجة، أو عيوب طارئة على البدن، ناجتة عن مرض أو حادث. كزراعة
للبدن. األعضاء وترميم احلروق املشوهة فإن األصل يف عمليات ،وعليه
التجميل املتضمنة مصاحل ضرورية أو حاجية هو اإلباحة، إذ ليس بالضرورة أن يكون مقصود العملية هو التحسني فقط، لكن قد تتوافر دوافع توجب إجراء العملية التجميلية، ألنه كما قيل يف اجلراحة الطبية يقال يف اجلراحة التجميلية، فالقياس بينهما
حلاجة إليها، واحلاجة تنزل منزلة جبامع ا الضرورة.
واجلراحة التجميلية جاءت لتليب حاجة من حاجات اإلنسان نظرا لتطورات احلياة العصرية، وحدوث التشوهات اخللقية، فال جيوز أن نصدر حكما أوليا يقضي مبنع إجراء العمليات لعلة أنها تغيري
ات هو يف خلق اهلل، بل قصد هذه العمليإزالة الضرر وجلب مصلحة، أو دفع
مفسدة، كما سيأتي الحقا.ومن قرارات جممع الفقه اإلسالمي
:(27)بهذا الشأناألصل يف حكم التداوي أنه مشروع؛
وختتلف أحكام التداوي باختالف األحوال واألشخاص:
فيكون واجبا على الشخص إن كان أحد أعضائه تركه يفضي إىل تلف نفسه أو
أو عجزه.
ويكون مندوبا إن كان تركه يؤدي إىل ضعف البدن، وال يرتتب عليه ما سبق يف
احلالة األوىل.
. ضوابط العمليات التجميلية :املطلب الرابعالضوابط اليت سأذكرها هي قواعد
تضبط العمليات التجميلية عن االحنراف حظور، إذا روعيت ستمنع من ـكاب املـبارت
م1036 حزيران/ هـ3417 شعبان ثالث، العدد الثاني،اجمللد ال 726 لدراسات اإلسالمية والقانونيةلمليزان ا جملة
خالد عبيدات التأصيل الشرعي لعمليات التجميل املعاصرة
الوقوع يف احملظور الشرعي. أن ال تكون العملية املنوي إجراؤها .1
حمل نهي شرعي خاص، والنهي الشرعي ما يدل على التحريم أو إثم فاعله أو الوعيد
ملن يرتكبه. أن ال يكون الدافع للعملية تغيري خللق .2
ألجل التشبه (28)اهلل تعاىل أو تغيري الشكلبالكفار والفجار، أو التشبه بالنساء، أو
تشبه النساء بالرجال.
على الطبيب أن يكون الناصح األمني .3للمريض، وعليه أن يقيم حالته، هل تستحق العملية؟ أم هو جمرد شعور بالنقص وحب يف التقليد؟ وبالتالي ال بد أن يطرح
-الطبيب جمموعة أسئلة قبل إجراء العملية:
اد إزالتها أثر على هل للشكوى املر صحة اإلنسان؟
هل املراد تغيريه خيالف اخللقة املعهودة يف اإلنسان؟
هل يزول تضرر املريض مبجرد العملية؟ كم عمر املريض؟ وما جنسه؟ وما مدى
احلاجة هلذه العملية؟أن يتحقق يف العملية شروط اجلراحة .4
الطبية عموما، وهي:
ملية،أن يغلب على ظن الطبيب جناح الع وإال عد اعتداء على اجلسد بال مربر، أي ال
جيوز أن جيعل اجلسد املكرم حقل جتارب وموضعا للعبث.
أن يأذن املريض أو وليه بالعملية، إذ ال (29)جيوز للغري أن يتصرف يف ملك اآلخر
)بدنه أو أعضائه أو أطرافه ومنافعها( بغري من داواه إذنه وقد عاقب رسول اهلل
د نهيه عن ذلك، والعقوبة ال تكون إال بع .(30)بسبب تعد
أن يكون الطبيب مؤهال ملثل هذه العمليات وإال أثم وضمن، فاملتطبب اجلاهل ال حيل له مباشرة العملية حتى لو
: "إذا تعاطى علم (31)أذن له. يقول ابن القيمالطب وعمله، ومل يتقدم له به معرفة، فقد هجم جبهله على إتالف األنفس، وأقدم بالتهور على ما مل يعلمه.. قال اخلطابي: ال أعلم خالفا يف أن املعاجل إذا اعتدى فتلف املريض كان ضامنا، واملتعاطي علما وعمال
ال يعرفه فقد تعد".
ء العملية ضررا أال يرتتب على إجرا .5أكرب من الضرر املوجود، فإذا نشأ عن العملية التجميلية ضرر أكرب من الضرر املوجود فهو حمرم، سواء كان ذلك للتداوي
ن من مقاصد الشريعة إأو التجميل. حيث جلب املصاحل ودرء املفاسد، ودرء املفاسد أوىل من جلب املنافع إذا تعارضتا، وعليه؛
722 لدراسات اإلسالمية والقانونيةلمليزان ا جملة
م1036 حزيران/ هـ3417 شعبان ثالث، العدد الثاني،اجمللد ال
خالد عبيدات التأصيل الشرعي لعمليات التجميل املعاصرة
ف من ضرر اجلراحة أخذ إذا وجد بديل أخ به.
أن ال ينتج عن العملية غش أو تدليس، .6فإذا كان القصد من العملية التظاهر خبالف الواقع، حبيث تبدو املرأة الكبرية كالصغرية، والدميمة كاجلميلة خداعا للخاطب، فهو
حمرم.
عمليات التجميل اجلائزة :املبحث الثاني
.شرعاسأبني يف هذا املبحث أنواع العمليات
اجلائزة، والتأصيل الشرعي هلا من عموم األدلة، ثم سأفصلها حتليال مع ذكر أقوال العلماء يف جوازها، واألدلة اليت تعضد
أقواهلم، جاعال ذلك يف مطالب ثالثة.
.أنواع العمليات اجلائزة: املطلب األولبشرة واجللد: النوع األول: ما يتعلق بال
واحلقن، وشفط الدهون. النوع الثاني: ما يتعلق باألعضاء:
كقطع الزوائد، وترميمها، وزراعة األعضاء بالستيكية. املعدنية، أو البالتينية أو ال
النوع الثالث: ما يتعلق بالشعر: كوصله بغري شعر آدمي، وزرعه، وإزالته باحلف أو
النتف أو الليزر، وخضبه باحلناء أو الصبغة. وفصل جممع الفقه اإلسالمي حاالت اجلواز
:(32)اليت يقصد منهاإعادة أعضاء اجلسم إىل احلالة اليت خلق -أ
اإلنسان عليها.
إعادة الوظيفة املعهودة ألعضاء اجلسم.-ب
إصالح العيوب اخللقية. -ج
إصالح العيوب الطارئة من آثار احلروق -د واحلوادث.
التأصيل الشرعي للعمليات : املطلب الثاني
. اجلائزةوهنا سأسوق أدلة من القرآن الكريم،
ومن السنة النبوية، واإلمجاع، والقياس، والقواعد الفقهية، تؤيد وتربهن على صحة جواز إجراء عمليات التجميل على
العموم.
.أوال: القرآن الكريم ن في قوله تعاىل:-1 نس حسن لقد خلقنا ٱل
أ
تقويم: أي أعدل [. فأحسن4]التني: تقويم قامة وأحسن صورة، ذلك أنه خلق كل حيوان منكبا على وجهه، إال اإلنسان خلق
فهذا دليل من اهلل .(33)مديد القامة منتصباعلى اإلنسان أنه خلقه يف أحسن صورة وأمجل شكل، منتصب القامة، سوي األعضاء، حسن الرتكيب، ليس فيه عيب وال
م1036 حزيران/ هـ3417 شعبان ثالث، العدد الثاني،اجمللد ال 722 لدراسات اإلسالمية والقانونيةلمليزان ا جملة
خالد عبيدات التأصيل الشرعي لعمليات التجميل املعاصرة
املخلوقات حبسنه شني، يتميز عن باقي .(34)ومجاله
فأصل خلق اهلل لإلنسان من غري عيب، لكن إن طرأ عليه عيب أو شني، أال يستدعي ذلك إعادة رده إىل أصل خلقته اليت خلقه اهلل عليها؟! عندها كيف يقال أن عمليات التجميل بعمومها تغيري يف خلق
اهلل؟!
ركم قوله تعاىل:-2 سن صوركم وصوذ ح
فأفإذا كان اهلل عز وجل، قد .[64 ]غافر:
ابدع يف تصوير اإلنسان على أحسن شكل، وميزه عن باقي املخلوقات، فهذه منة من اهلل علينا. بدليل أن اإلنسان ال يتمنى أن تكون صورته على خالف ما يرى من سائر
الصور.
جال حني ولكم فيها قوله تعاىل:-3وإن .[6 ]النحل:تريحون وحني تسحون
كان سياق اآلية عن األنعام وحسنها يف إال .(35)رواحها وتسرحيها ومجال النظر إليها
أن اهلل عز وجل جعل لنا فيها مجاال وحسنا وبهاء، فدل النص بإشارته على أن اهلل تعاىل
أعين حب -أنعم علينا مبا يوافق فطرتناألن التجمل باألنعام من أغراض -اجلمال
أصحاب املواشي، ومفاخر أهلها. يقول : "اجلمال يكون يف الصورة (36)القرطيب
وتركيب اخللقة، ومجال األنعام والدواب من مجال اخللقة... وهو مرئي باألبصار، موافق
للبصائر".
زينتك قوله تعاىل:-4 م ۞يبني ءادم خذوا مسجد
يف هذه .[31]األعراف: عند كلاآلية حث للناس على صنع الزينة والتكلف بها، خاصة يف مناسبات اجلماعات
كحضور الصلوات واألعياد واالجتماعات،واستقبال الناس، وهذا يكون باللباس الساتر
.(37)اجلميل وكل ما هو مستحسن
م قوله تعاىل:-5 قل من حرذ ٱلذتي زينة ٱللذخرج لعبادهۦ
ومعناه أن .[32 :]األعرافأ
اإلسالم مل حيرم الزينة، بل أنكر على من ادعى ذلك. بدليل هذه اآلية وآية األمر بالزينة عند كل مسجد "لكنه حذر من اإلسراف بها خشية الغرور والكرب كما
.(38)حصل مع قارون"
ثانيا: السنة النبوية ما رواه ابن مسعود عن رسول اهلل .1"وهذا .(39): "إن اهلل مجيل حيب اجلمال
حث واضح وصريح على أن اجلمال من مقاصد الشريعة، وال يتنافى مع التزين يف الثوب واملظهر، وليس داع من دواعي الكرب.
عن األحوص اجلشمي قال: رآني النيب .2 فقال: -ةـاب باليـأي ثي -لي أطمارـوع
722 لدراسات اإلسالمية والقانونيةلمليزان ا جملة
م1036 حزيران/ هـ3417 شعبان ثالث، العدد الثاني،اجمللد ال
خالد عبيدات التأصيل الشرعي لعمليات التجميل املعاصرة
لك من مال؟ قلت: نعم. قال: ومن "هل أي املال؟ قلت من كل ما آتى اهلل من اإلبل والشاء، قال: فلرتى نعمته وكرامته عليك، فهو سبحانه حيب ظهور أثر نعمته على
.(40)عبده"
على كلفة ويف هذا بيان منه التجمل، ألن التجميل يكون بصنع اجلمال
نعمة اهلل يف املظهر وامللبس، وهذا حتدث با اليت جيب أن يرى أثرها على عباده مذ
وأ
ث ك فحدل وكما [.11 ]الضحى:بنعمة ربل "كفاك شاهد منظري على خمربي". قيل:
وعن جابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنهما .3فرأى رجال ثائر قال: أتانا رسول اهلل
الرأس، فقال: "أما جيد هذا ما يسكن به شعره"؟ ورأى رجال وسخ الثياب،
.(41)فقال: "أما جيد هذا ما ينقي به ثيابه"فتسريح الشعر عالمة من عالمات
اجلمال، إذا وجود الشعر على الرأس باعث على اجلمال، وال يتم هذا إال بالعناية به
أو زراعة املتساقط كما بالتسريح واخلضاب سيأتي تفصيال، ألن االهتمام بالشعر أمرفطري شرعي، فقد روى أبو هريرة عن رسول
.(42)اهلل أنه قال: "من كان له شعر فليكرمه"عن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال: .4
: "خري ثيابكم البياض،... قال رسول اهلل
وإن من خري أكحالكم اإلمثد إنه جيلو .(43)وينبت الشعر"البصر
ويف هذا داللة على جتميل الشكل باالكتحال، الذي ما زال يزين به إىل اآلن، وما هو إال واحد من وسائل التجميل املستعملة مع التحمري والتبييض، اليت نص
فمن عادة الناس أن يرغبوا يف النساء وخيتاروهن إلحدى هذه اخلصال، فهي املرغبة يف النكاح، وهي اليت يقصدها الرجال، وهذا احلديث خرب عما يف الوجود ال أمر بذلك. والشاهد: أن اجلمال مطلوب
ومقصود.
ثوبا جديدا على عمر بن رأى النيب .6اخلطاب فقال له: "البس جديدا، وعش
وهذا يوحي (45)محيدا، ومت شهيدا"باالهتمام بالشكل واملظهر، ألن اللباس
ون فاإلسالم يطلب من املؤمن أن يك قويا يف كل شيء، يف بدنه وجسده وعقله وعقيدته، وال شك أن السمنة املفرطة يف
م1036 حزيران/ هـ3417 شعبان ثالث، العدد الثاني،اجمللد ال 722 لدراسات اإلسالمية والقانونيةلمليزان ا جملة
خالد عبيدات التأصيل الشرعي لعمليات التجميل املعاصرة
البدن تؤدي إىل ضعف القوة والتعرض ملخاطر األمراض، كما أن وجود التشوهات يف البدن، تؤثر على مجيع البدن وتضعفه، وبالتالي تضعف قدراته، ويضعف تفكريه،
مه ال فيقل عطاؤه وإنتاجه، ألن املشغول بهميكن أن يفلح يف األمور األخرى. وقد يوقع العيب يف اجلسم صاحبه يف اإلحراج، فيكون عرضة لالستهزاء والسخرية، فيتوارى عن أنظار الناس، ولرمبا فرض على نفسه عزلة، وانقطع عن عمله. واللجوء إىل العمليات التجميلية يف مثل هذه احلاالت تكون رمحة
اول اهلروب من بهذا املريض، الذي حي الواقع املرير. .ثالثا: اإلمجاع
حيث أمجعت األمة على مشروعية (47)التداوي باجلراحة الطبية كاحلجامة
والبرت، ومل يعرف خمالف أو منكر هلذه اجلراحات، فكانت إمجاعا من زمن الصحابة إىل يومنا هذا، وكما أسلفنا فإن
الطبية، اجلراحة التجميلية هي فرع اجلراحة .(48)تأخذ يف بعض ظروفها حكم الوجوب
رابعا: املعقولالنفس اإلنسانية مصانة مكرمة، ال -1
جيوز االعتداء عليها ابتداء، ثم جيب بذل الوسع للحفاظ عليها وإنقاذها، وال شك أن
العمليات اجلراحية تدخل يف إنقاذ النفس، وإحيائها، وقد امتدح اهلل تعاىل كل من سعى
إىل مقام اجلراحة الطبية، وتقاس عليها جبامع احلاجة إليها، وأن كليهما تداو، والتداوي مشروع ألنه عالج ملرض أو إصالح لعيب خلقي أو طارئ. ويشرع للمرضى ذوي
على الضررين العيوب إزالتها باجلراحة، بناء . -اجلسمي واملعنوي-املالزمني للعيوب
ثبت أن رسول اهلل غير األمساء -2القبيحة إىل أمساء حسنة، ونهى عن تسمية األبناء بأمساء قبيحة، فنهى عن اسم غراب ملا فيه من الغربة واخلبث، وغري اسم أصرم وشيطان واحلكم. كما صح أنه غري اسم
مجيلة وقيل مطيعة، ابنة عمر من عاصية إىل .(49)وغير بره إىل زينب وقيل جويرية
فإذا كان هذا جائزا يف األمساء فمن باب أوىل أن جيوز يف تغيري العيوب اجلسدية جبامع إزالة القبح الذي يسبب الضرر
حيث حرم اإلسالم .(50)ضرار""ال ضرر وال كل ما هو ضرر وأذى ومفسدة، فال جيوز
722 لدراسات اإلسالمية والقانونيةلمليزان ا جملة
م1036 حزيران/ هـ3417 شعبان ثالث، العدد الثاني،اجمللد ال
خالد عبيدات التأصيل الشرعي لعمليات التجميل املعاصرة
اإلضرار ابتداء، وال جيوز البقاء عليه تبعا، ، (51)ومتثل هذه القاعدة أصال شرعيا كليا
وتفرع عنها قواعد كثرية، كقاعدة: "الضرر .(52)األشد يزال بالضرر األخف"
ومن البدهيات أن وجود الشني والعيب يف اجلسم ضرر، جيتمع العقالء على إزالته، وأن هذا العيب ضرر دعت احلاجة إىل جتميله بناء على قاعدة "احلاجة تنزل منزلة
وقد .(53)الضرورة خاصة كانت أم عامة"أصبحت احلاجة اليوم ماسة لوجود جراحة التجميل. يقول الشيخ الزرقاء: "الضرورة
ال بد منه، واحلاجة هي احلاجة امللجئة إىل ما هي اليت تستدعي تيسريا أو تسهيال ألجل
.(54)احلصول على املقصود"قاعدة )األصل يف األشياء اإلباحة .2
ويظهر مثرة هذه القاعدة (55)وليس احلظر(يف املسكوت عنه، مع العلم أن أكثر العمليات التجميلية معاصرة، ال نص خاص فيها. جاء يف احلديث: "إن اهلل حد حدودا فال تعتدوها، وفرض لكم فرائض فال تضيعوها، وحرم أشياء فال تنتهكوها، وترك أشياء من غري نسيان من ربكم،
اقبلوها، وال تبحثوا ولكن رمحة منه لكم فلذلك ال يسوغ حتريم عمليات .(56)عنها"
التجميل مبجملها، فليست هذه قاعدة
مطردة؛ ألن اإلضرار والغش والتدليس ليس موجودا يف كل العمليات التجميلية، وعليه، فإن تعميم العلة مبنع التحسني غري مقبول، وأن العلة متى فقد اطرادها دل
، ألن احلكم يدور مع على إبطال عليتها العلة وجودا وعدما.
التكييف الفقهي للعمليات : املطلب الثالث
.اجلائزة وأدلتها املراد بالتكييف:
، (57)التكييف: من الكيف وهو القطع وتكيف الشيء: صار على حالة وصفه معينة، وكيف فهو مكيف واملفعول مكيف.
يؤدي إىل وكيف الشيء: أحدث تغيريا فيه .(58)انسجامه مع شيء آخر
واصطالحا: هو حتديد الواقعة املستجدة إلحلاقها بأصل فقهي خصه الفقه اإلسالمي بأوصاف تقريبية؛ بقصد إعطاء تلك األوصاف للواقعة املستجدة عند التحقق من اجملانسة واملشابهة بني األصل والواقعة
.(59)املستجدة يف احلقيقةالفقهي: نسبة إىل الفقه، وهو أما
العلم بأحكام األفعال الشرعية كاحلل ، فهو (60)واحلرمة والصحة والفساد وحنوها
إذا معرفة حال الشيء وبيان صفاته، أو بيان ماهيته وحقيقته. لذلك كان لالختالف
م1036 حزيران/ هـ3417 شعبان ثالث، العدد الثاني،اجمللد ال 727 لدراسات اإلسالمية والقانونيةلمليزان ا جملة
خالد عبيدات التأصيل الشرعي لعمليات التجميل املعاصرة
اد بالتقشري هو التقشري الشباب، واملرالكيميائي السطحي وليس العميق، ويعاجل به: التجاعيد، وآثار حب الشباب والندب، والتشققات اجللدية، وإزالة الومحات، واألورام اجللدية. أما التقشري بالليزر فمن فوائده: معاجلة جتاعيد الوجه، والومحات الدموية، والشامات السطحية، ومعاجلة
واألورام السرطانية، كما ميكن إزالة الثآليل . فمثل هذه (70)بعض أنواع الوشم به
العمليات، كسابقتها إن أجرتها املرأة بإذن الزوج، إذ ليس فيها تدليس وال تغيري خللق اهلل، لكن بشرط أن يكون التقشري يسريا
722 لدراسات اإلسالمية والقانونيةلمليزان ا جملة
م1036 حزيران/ هـ3417 شعبان ثالث، العدد الثاني،اجمللد ال
خالد عبيدات التأصيل الشرعي لعمليات التجميل املعاصرة
وتزال به الطبقة العليا من اجللد امليت، جل وهذا يندرج ضمن التزين املشروع أل
الزوج، فقد يكون يف وجه املرأة من التشوهات ما ينفر زوجها عنها، وبإزالته بالتقشري حتقيق ألهداف الزواج من السكن واملودة واحملبة عمال بقاعدة )الضرر يزال(. يقول النووي: "وألن احلرام هو املعقول
ما لو احتاجت إليه للعالج ألطلب احلسن، .(71)فال بأس به"
(72)ذا ما ذهب إليه ابن اجلوزيوه وما رجحه الدكتور حممد (73)والعيين
. وميكن أن نستدل هلذا املذهب مبا (74)شبريروي عن أم سلمة قالت: "كانت النفساء جتلس على عهد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أربعني يوما، فكنا نطلي وجوهنا
عادة للخلق إىل ما كان عليه.وفيه إأما احلديث الوارد يف النهي عن التقشري
وهو املروي عن عائشة: "كان رسول اهلل
"يا يلعن القاشرة واملقشورة" وأنها كانت تقول:فإن (79)معشر النساء إياكن وقشر الوجه"
هذين اخلربين موقوفني على عائشة، وسندهما ضعيف. ولعل النهي هنا ملا فيه أذى يلحق جراء التقشري، إذ ينسحق أعلى اجللد ويبدوا ما حتته من البشرة. وهذا ال يكون إال بالتقشري العميق، وهو ما ذهب إليه
.(81)والشوكاني (80)املانعون: املناوي
األصولي، فنجد أما من ناحية الرتجيح أن املروي عن عائشة أحاديث متعارضة منها ما يثبت ومنها ما ينفي، والذي عليه اجلمهور أن املثبت يقدم على النايف؛ الشتمال املثبت على زيادة علم وأنه يفيد التأسيس،
.(82)والتأسيس أوىل من التأكيد
شد التجاعيد: وقريب من ذلك شد .3ئيا بوسائل التجاعيد، وهي تتم اآلن كيميا
حديثه دون أن ترتك آثارا جانبية، وتظهر التجاعيد عادة عند سن الشيخوخة، حيث تقل مرونة اجللد وتضعف خالياه، وقد تظهر أحيانا يف سن الشباب، ألسباب
فإن حكم عملية ،صحية أو نفسية لذلكفإن ،شد التجاعيد خيتلف تبعا لسن املرأة
ا كانت صغرية يف السن وحدثت فيهالتجاعيد ألسباب مرضية، فيجوز هلا معاجلة املرض واآلثار املرتتبة عليه، شريطة
م1036 حزيران/ هـ3417 شعبان ثالث، العدد الثاني،اجمللد ال 722 لدراسات اإلسالمية والقانونيةلمليزان ا جملة
خالد عبيدات التأصيل الشرعي لعمليات التجميل املعاصرة
أن ال تؤدي هذه العملية إىل ضرر أكرب منه... واهلل تعاىل أعلم. ألن إصابة الوجه بالتجاعيد يف سن مبكرة غري معتادة، بل هي تشوه وعيب، وهذا مستثنى من عموم
بل هو إعادة –املغريات خللق اهلل–التحريم اخللقة إىل أصلها املعتاد، فهي عملية إلزالة
.(83)الضرر، أما التجميل فجاء تبعا
وإذا كانت عمليات شد التجاعيد يف الوجه جائزة، فإنه جيوز أيضا شد البطن جراحيا، إلزالة الرتهالت املنفرة، الناجتة عن احلمية أو تصغري املعدة أو السمنة
حيث ليس يف هذه العملية تدليس املفرطة، وال تغيري خللق اهلل.
احلقن: كما وجيوز حقن الوجه إلزالة .4 ،(84)التجاعيد، سواء بالشحوم أو بالكوالجني
. واحلقن عملية معاصرة مل (85)أو بالبوتكستكن موجودة بأصلها، وإمنا دلت كتب الفقهاء على أن نفخ اخلدين قد عرفوه، جاء
لقد سيق هذا الكالم يف معرض ن إاحلديث عن خيار الرد بالعيب، إذ
توريم ضرع الدابة تدليس وغنب، أما توريم وجه اجلارية فال خيار فيه.
قد منعه وإذا كان احلقن كالتحمري والشد، فالفقهاء لغري املتزوجة، أو اليت ال سيد هلا، أما للمتزوجة فهو مباح حسب أقواهلم إن كان إلزالة العيوب والتشوهات ال لغرض
التدليس.إزالة الندبات والومحات والثواليل: فإذا .5
كانت عمليات شد التجاعيد جائزة، فإنه من باب أوىل جواز إزالة الندبات والثواليل
ت، ألنها عيب موجود يف اجلسم، والومحاوبإزالتها يعود اجلسم إىل أصل خلقته اليت خلقه اهلل عليها، كما أنه ليس فيها تدليس وال تضليل، وال يتوقف عليها ضرر الحق
يستدعي املنع. (87)وقد أباح الفقهاء قطع السلعة
واخلراج؛ ألنها مل تكن (88)والثالولوإمنا طرأت ،(89)موجودة يف أصل اخللقة
وتوقع الشفاء". شفط الدهون: ومن فشل بإزالة الدهون .6
بطرق احلمية والتمارين الرياضية، يلجأ إىل عملية شفط الدهون جراحيا، فقد تظهر متوضعات شحمية عند النساء وعند الرجال
722 لدراسات اإلسالمية والقانونيةلمليزان ا جملة
م1036 حزيران/ هـ3417 شعبان ثالث، العدد الثاني،اجمللد ال
خالد عبيدات التأصيل الشرعي لعمليات التجميل املعاصرة
أيضا، فتتضمن عملية شفط الدهون إزالة خاليا الشحم املعندة من اجلسم، واليت تكون على شكل متوضعات متمركزة؛
لتها ميكن التخلص من الشحم دائما، فبإزاألن اجلسد يتوقف عن صنع اخلاليا
.(91)الشحمية اجلديدة
مع العلم أن شفط الدهون تقنية حديثة، إال أن الفقهاء قدميا نصوا على جواز ممارسة الزوجة لبعض الوسائل اليت من شأنها ختفيف الوزن )اهلزال(، أو
كدوا على التداوي بقصد السمن، فهم أتعديل قوام اجلسم بتناول األطعمة املسمنة، أو باالمتناع عنها، أو باستخدام احلقن، ما مل
.(92)يؤد ذلك إىل ضرر أكرب منهوالشك أن هذه الدهون املرتاكمة
فيها إضرار باملريض من جانبني: نفسي وحسي. ويف شفطها وإزالتها إزالة للضرر
قاعدة الشرعية تنص املوجود واملتوقع. وال يزال. على أن الضرر
ويدخل حتت هذه املسألة عملية تصغري الثدي إذا زاد حجمه عن احلد املعتاد، فتلجأ املرأة لتصغريه إذا أدى إىل إجهادها، أو أنه تضخم تضخما نشأ عنه تشويه مظهر صدرها، فسبب هلا ضررا
وع نفسيا و انطواء. عند ذلك يعترب هذا الن من العمليات من قبيل التداوي املشروع، ال
.(93)من قبيل التدخل يف خلق اهلل: "واملرأة إذا (94)جاء يف الفتاوى اهلندية
كانت تسمن نفسها لزوجها فال بأس،... وسئل أبو مطيع عن امرأة تأكل القبقبة وأشباه ذلك تلتمس السمن، قال: ال بأس
ما مل تأكل فوق الشبع". فكما أن الفقهاء قد نصوا على جواز
التداوي للتنحيف، فإنهم قد نصوا على جواز التداوي ألجل السمنة، وبذلك هم جييزون حقن اجلسم بالشحوم، أو املواد املصنعة ألجل تقويم األعضاء الناقصة يف
ن هناك فوارق بشرية يف إاجلسم. حيث أصل التكوين اخللقي، كما هو عند بعض
ساء، ولرمبا تأججت خالفات زوجية من النأجل عيب يف جسم الزوجة ال يليب الغريزة اجلنسية عند الرجل، فما هو وجه املنع أن حتقن الزوجة العضو املعيب، )كالثدي مثال!(. وتكبريه حسما للخالف، وللمحافظة
على عش الزوجية، خاصة أن ذلك ال يؤدي إىل تدليس، وال تغيري ألصل اخللقة؛ خاصة يف حاالت إزالة الكتل السرطانية من الثدي، فإن ذلك يتطلب ترميمه من
. (95)أجل إعادته إىل أصلهفإن األصول الشرعية ال متنع ،وعليه
جواز عمليات شفط الدهون أو حقنها يف اجلسم؛ ألنها من قبيل العالج، وتندرج يف
م1036 حزيران/ هـ3417 شعبان ثالث، العدد الثاني،اجمللد ال 726 لدراسات اإلسالمية والقانونيةلمليزان ا جملة
خالد عبيدات التأصيل الشرعي لعمليات التجميل املعاصرة
. فلو أن شابا (96)عموم مشروعية التداويروز يف الثديني و اتضح من حتت حدث له ب
فإنه جيوز له شفط الدهون ،املالبساملتموضعة إلزالة هذا الربوز ما مل ينشأ عن
. (97)ذلك ضرر، ولكن بالضوابط الشرعية: أن العمليات اخلاصة باجللد اخلالصة
مباحة أصال، ألنها ال ترمي إىل تغيري أصل ة اخللقة، وإمنا تهدف إىل عودة اخللق ألصلها، وال يقصد منها التدليس ابتداء.
ثانيا: العمليات املتعلقة باألعضاء قد يولد املرء ويف أحد أعضائه زوائد،
كإصبع سادس يف اليد أو القدم، وسن زائدة، أو أذن ملتصقة، وقد يتعرض اإلنسان حلادث، فيفقد إحدى أصابعه أو أسنانه، أو يكسر أنفه أو تبرت شفته، فهل جيوز أن يلجأ
إىل جراحة التجميل لتعديل اخللل؟ من املعلوم للجميع أن هذه الزوائد: -1
الزوائد عيب يف جسم اإلنسان، ألنها ليست يف أصل اخللقة اإلهلية اليت خيلق عليها اإلنسان، وقطع هذه الزوائد يزيل النقص ويزيل الشني، كما أنه بإزالتها ليس فيها تغيري يف خلق اهلل، وإمنا هو إعادة إىل أصل اخللقة،
وليس فيه تدليس أو تضليل أو غش. الشارع احلكيم عندما ويؤيد ذلك أن
أوجب الدية يف األعضاء، مل يوجبها يف
األعضاء الزائدة، ألن قطع الزوائد ال يوجب نقصا، بل جعل يف قطع الزوائد
، تشريفا لآلدمي وتكرميا، ألنها (98)حكومةجزء من يده لكن ال منفعة فيها وال زينة، وهذا ما عليه مجهور الفقهاء من احلنفية
.(99)ملالكية واحلنابلةوالشافعية وا: "ألن هذه الزوائد (100)جاء يف املغين
ال مجال فيها، إمنا هي شني يف اخللق، وعيب يرد به املبيع، وتنقص به القيمة، فكيف يصح قياسه على ما حيصل به اجلمال؟ ثم لو حصل به مجال ما، لكنه خيالف مجال العضو الذي حيصل به متام اخللقة، وخيتلف
عنه اختالفا كثريا، فوجبت فيه احلكومة". فإن الزوائد يف جسم ،وبناء على ذلك
اإلنسان عيب وشني يف اخللقة املعهودة، جيوز إزالتها بإذن صاحبها أو وليه، ال فرق بني ذكر وأنثى، صغري أو كبري، على أن ال يرتتب على قطها ضرر أكرب )ولو أن فتاة خشيت عدم الزواج ألجل هذا العيب، جيوز استئصاله، ألن بقاءه يسبب هلا حرجا،
.(101)يعود البدن إىل أصل خلقته(وبإزالته
: أما ترميم النقص يف ترميم النواقص -2اخللقة املعهودة، كاألنف املبتور، أو السن الناقص، أو األذن الناقصة، أو الشفة املمزقة، فهذا جائز أيضا، ألن فيه إعادة إىل
722 لدراسات اإلسالمية والقانونيةلمليزان ا جملة
م1036 حزيران/ هـ3417 شعبان ثالث، العدد الثاني،اجمللد ال
خالد عبيدات التأصيل الشرعي لعمليات التجميل املعاصرة
أصل اخللقة، وليس تغيريا هلا، كما أنه ليس لحق فيه تدليس وال ضرر يلحقه أو ي
اآلخرين. وقد تعرض الفقهاء حلكم بناء
األعضاء من املعادن كالذهب والفضة، أو استقطاع قطعة من اجلسم ليأكلها املضطر.
: "ولو أراد املضطر أن (102)يقول النووييقطع قطعة من فخذه أو غريها ليأكلها، فإن كان اخلوف منه كاخلوف يف ترك األكل أو
ى األصح بشرط أشد حرم، وإال جاز عل أال جيد غريه، فإن وجد حرم قطعا".
فإذا جاز أخذ القطعة من اجلسم لألكل، وهو إتالف هلا بالكلية، جاز أخذ اجللدة لزرعها يف موضع آخر من جسمه إلزالة شني فاحش، ال سيما وأن الشني الفاحش يف العضو الظاهر كخوف طول
.(103)املرضهد من السنة تبني كما أن هناك شوا
جواز تركيب أعضاء معدنية بدال من األعضاء املبتورة، فقد روى عبد الرمحن بن طرفة: "أن جده عرفجة بن سعد قطع أنفه يوم الكالب، فاختذ أنفا من ورق فأننت عليه،
.(104)أن يتخذ أنفا من ذهب" فأمره النيب ففي هذا احلديث داللة على جواز
معاجلة األنف املبتور بالذهب، وإذا كان زرع العضو بالذهب، فمن باب أوىل أن
جيوز بغريه. وعليه فقد أجاز اجلمهور شد السن بالفضة أو بالذهب إذا تعذر استعمال
.(105)غريه
: فيمكن استعمال ترميم السن -3احلشوات التجميلية وتلبيس السن املتآكل
، فيجوز جتميل (106)بالفضة أو البالتنياألسنان بتقوميها، أو زراعتها أو ترميم املتآكل
: "ومن (107)منها، جاء يف خمتصر الطحاويحتركت سنه ومل تنب منه فال بأس أن يشدها
بالفضة... وجيوز شدها بالذهب".
وهذه هلا شواهد من السنة أيضا، فعن : "اندقت ثنييت عبد اهلل بن أبي سلول، قال
أن أختذ ثنية من يوم أحد فأمرني النيب . وقد ضبب عثمان أسنانه (108)ذهب"
بذهب. وقد سئل ابن شهاب الزهري عن شد األسنان بالذهب فقال: ال بأس به، وقد شد عبدامللك بن مروان أسنانه بالذهب. واملراد: إذا اندفع الضرر بالفضة هو األوىل،
.(109)بوإال جاز استعمال الذه
وبناء على جواز زراعة عضو الشفة: -4مكان عضو ناقص أو مشوه، وترميم الشني، فإنه جيوز معاجلة الشفة املشوهة )األرنبية( وتقوميها، كما وجيوز ترميم األذن، وتكبريها، ألن فيها عيبا وشينا،
ل اخللقة ـو إىل أصـود العضـل يعـوبالتجمي
م1036 حزيران/ هـ3417 شعبان ثالث، العدد الثاني،اجمللد ال 722 لدراسات اإلسالمية والقانونيةلمليزان ا جملة
خالد عبيدات التأصيل الشرعي لعمليات التجميل املعاصرة
املعهودة، وال يعد هذا تغيري يف خلق اهلل.
كذلك يصح جتميل ثقب األذن: -5؛ ملا صح (110)األذن بثقبها وتعليق احللق بها
يف اخلرب: "أن ابن عباس سئل: أشهدت ؟ قال: نعم، ولوال منزليت العيد مع النيب
منه ما شهدته من الصغر، فأتى العلم الذي ثم عند دار كثري بن الصلت، فصلى
خطب، ومل يذكر أذانا وال إقامة، ثم أمر بالصدقة، فجعل النساء يشرن إىل آذانهن وحلوقهن، فأمر بالال فآتاهن، ثم رجع إىل
."(111)النيب ويف لفظ آخر: "فجعلت املرأة تلقي
، واخلرص هو احللقة (112)خرصها وسخابها"املوضوعة يف األذن، والسخاب هو اخليط
الذي ينظم به اخلرز. أما ما استدل به املانعون )الشافعية
وما رجحه ابن اجلوزي( لثقب األذن، قوله هم تعاىل: ينذ منل
هم ول نذ ضلذ
هم ول وألمرنذ
نعان ٱل كنذ ءاذ هم فليبتل نذ نذ م وألمر فليغيل
للذ أن هذا الفعل إ[ 119 ]النساء:خلق ٱمن أمر الشيطان، وهو قطع األذن أو شقها
فهذا .(113)وثقبها، ألن البتك هو القطعقياس فاسد، فإن أمر الشيطان هلم كان يف شق أذن الناقة اليت ولدت هلم مخسة أبطن، فكان البطن السادس ذكرا، شقوا أذن
الناقة، وحرموا ركوبها واالنتفاع بها، ومل تطرد عن ماء وال عن مرعى، وقالوا: هذه حبرية، فشرع هلم الشيطان يف ذلك شريعة
قب أذن األنثى من عنده، وهذا خيتلف عن ثللبس احللي... فهي حمتاجة للحلي، فثقب األذن يف حقها مصلحة هلا، خبالف
.(114)الصيب
ن ثقب األذن للتزين إوعليه نقول: ولبس احللي ليس فيه خمالفة شرعية، وليس فيه تغيري خللق اهلل. وهذا ما قال به احلنفية واحلنابلة. وليس أدل على اجلواز من علم
ول بفعل الناس له، وإقرارهم على الرسذلك، فلو كان مما ينهى عنه، لنهى القرآن
.(115)أو السنة عنهن جراحات األعضاء تصح إ :اخلالصة
بها الزراعة والرتميم، وإزالة الزوائد، كما يصح ترميم األنف واألذن والشفة.
باجلراحة والنحت، إن تصغري األنف: -6النفسي لصاحبه، كان مشينا ويسبب األذى
وهو يتم يف عيادات اجلراحة التجميلية، . (116)وتعد عملياته ناجحة بنسبة عالية
)ولو أن فتاة ولدت بأنف كبري احلجم، يسبب هلا إحراجا شديدا، ال مانع من الناحية الشرعية أن جتري له عملية جتميل
رط أن ال يرتتب على إجراء ـره، بشـلتصغي
722 لدراسات اإلسالمية والقانونيةلمليزان ا جملة
م1036 حزيران/ هـ3417 شعبان ثالث، العدد الثاني،اجمللد ال
خالد عبيدات التأصيل الشرعي لعمليات التجميل املعاصرة
.(117)(هاهذه العملية ضرر يلحق
ثالثا: العمليات املتعلقة بالشعر. ما يتعلق بالشعر هو وصله وزراعته،
وإزالته وخضابه.
فهو ،أما عن وصله املشروع وصله: -1الزيادة فيه من غريه، وهذا جائز للمتزوجة بإذن زوجها أن تصل شعرها بشعر طاهر غري آدمي، وهو ما نص عليه الشافعية واحلنفية وأمحد والليث والقاضي عياض،
وذلك ملا فيه من (118)وما رجحه ابن قدامةحتسني املرأة لزوجها من غري مضرة، وألنه
اهلل. ليس فيه تدليس وال تغيري خللق (119)قال النووي: "إنها إن وصلت
بشعر طاهر من غري آدمي، فإن مل يكن هلا زوج وال سيد فحرام، وإن كان ففيه أوجه أصحها عندهم: إن فعلته بإذن الزوج أو
.(120)السيد جاز وإال فحرام"وقد رجح ابن قدامة وصله بغري
: "أما (121)الشعر ألن احلاجة داعية إليه فقالوصله بغري الشعر، فإن كان بقدر ما تشد به رأسها فال بأس به، ألن احلاجة داعية إليه، وإن كان أكثر من ذلك ففيه روايتان.. والظاهر أن احملرم هو وصل الشعر بالشعر ملا فيه تدليس، واستعمال املختلف يف جناسته، وغري ذلك ال حيرم لعدم هذه
حة من حتسني املعاني فيها، وحصول املصل املرأة لزوجها من غري مضرة".
وأما وصله بغري شعر آدمي كاحلرير والصوف والكتان، فهو جائز، قال
: "وال بأس بوصله بصوف (122)النوويوخرق.. وربط خيوط احلرير امللونة وحنوها، ملا ال يشبه الشعر، فإنه ليس مبنهي عنه، ألنه
ليس بوصل، إمنا هو للتجمل والتحسني".
وزرع الشعر باألماكن اخلالية أما زرعه: -2فليس فيه بأس، لعدم التدليس؛ وألن فيه
العودة إىل اخللقة املعهودة. : "وإن مل يكن (123)يقول ابن جنيم
للعبد شعر يف حليته فال بأس للتجار أن يشعروا على جبهته، ألنه يوجب زيادة يف
القيمة". وجيوز للرجل زرع اللحية قياسا على
؛ ألن هذا من (124)جواز إزالة املرأة اللحيةباب إزالة العيب وليس من باب الزيادة
.(125)على ما خلق اهلل
وهي الشعر املستعار، وأغلبها الباروكة: -3يكون من شعر صناعي، فمن أجاز وصل
، ألنها (126)الشعر بشعر صناعي أجازهاتتجمل بها املرأة أمام زوجها ولو كان على
رأسها شعر أصلي. عريات ــوهي ش اعية:ـوش الصنـالرم -4
م1036 حزيران/ هـ3417 شعبان ثالث، العدد الثاني،اجمللد ال 722 لدراسات اإلسالمية والقانونيةلمليزان ا جملة
خالد عبيدات التأصيل الشرعي لعمليات التجميل املعاصرة
دقيقة، تصنع من مواد بالستيكية، وتلصق لتبدو رموش مبادة خاصة على جفن العني
العني غزيرة. فهذه من اجملمالت املعاصرة اليت مل يرد فيها نص على منعها، فتبقى على أصل اإلباحة، وال تدخل يف الوصل احملرم،
.(127)وليس فيها تغيري خللق اهلل
وهو إزالة الشعر بالضوء والليزر: -5عملية مشرتكة بني الليزر والضوء، حيث
موجي معني، يتم استعمال ضوء ذي طول يتم امتصاصه بواسطة صبغة )امليالنني( املوجودة جبذور الشعر، فتتحول الطاقة الضوئية إىل طاقة حرارية، تدمر جذور
. أما إزالة (128)الشعر واخلاليا املولدة هلاالشعر عن وجه املرأة باحلف وغريه فيجوز، ألنه أذى تدفعه املرأة عن نفسها، وليس هو
ة، بل بإزالته رد إىل من خلقتها املعهوداخللقة القومية اليت خلقت عليها املرأة، وليس تغيري خللق اهلل، بل هو من املستحبات اليت تتزين بها املرأة لزوجها، إذ
ن الطباع السليمة ال تألف وجود الشعر إ يف وجه املرأة.
وال يقاس هذا على التنمص، ألن .(129)خرب التنمص خاص باحلاجبني
عدو، ومن فعل ذلك يزين نفسه للنساء فهو مكروه، وجوز بعض احلنفية اخلضاب
.(144)بالسواد مطلقا ونسب ذلك ألبي يوسفومما يؤيد وجهة اجمليزين حديث: "إن
أحسن ما اختضبتهم به هلذا السواد، أرغب لنسائكم فيكم، وأهيب لكم يف صدور
.(145)عدوكم" كما نقل عن بعض الصحابة اختضابهم
بالسواد، منهم عثمان، وعبد اهلل بن جعفر،
م1036 حزيران/ هـ3417 شعبان ثالث، العدد الثاني،اجمللد ال 727 لدراسات اإلسالمية والقانونيةلمليزان ا جملة
خالد عبيدات التأصيل الشرعي لعمليات التجميل املعاصرة
.(146)واحلسن واحلسني، وقال به ابن اجلوزيويرفع هذا اخلالف بني األحاديث
نه ليس فيها إاملبيحة واملانعة بالتأويل، إذ ناسخ ومنسوخ، وأن الصحابة قد فعلوا
إذ خيتلف باختالف نظافة الشيب، (147)ذلكفمن كان شيبته تكون نقية أحسن منها مصبوغة فالرتك أوىل، ومن كانت شيبته
وهذا ما أيده .(148)تستبشع فالصبغ أوىلكذلك يؤيد .(149)الدكتور السرطاوي
اجمليزين املرجحات األصولية، فإن أكثر األصوليني يقدمون اخلرب املثبت على اخلرب النايف الشتماله على زيادة علم، كما أن املثبت يفيد التأسيس والنايف يفيد التأكيد،
.(150)والتأسيس أوىل من التأكيد
تجميل احملظورة عمليات ال: املبحث الثالث
.شرعاسأبني يف هذا املبحث أنواع العمليات
احملظورة شرعا، والتأصيل الشرعي ملنعها من عموم األدلة، ثم سأفصلها حتليال مع ذكر أقوال العلماء يف منعها، والتكييف الفقهي
التشبه وتقليد اآلخرين. قد جوزنا وهذه العمليات كما نرى
بعضها حباالت، فكنا قد ذكرنا أن شد الوجه والتجاعيد جائز لغري العجوز بضوابط، كما أجزنا وصل الشعر بغري شعر آدمي، وأجزنا كذلك تنظيم احلاجب وإزالة شعر الوجه ألنه ال يدخل يف النمص، وأجزنا تركيب وزراعة األسنان وجتميلها،
ألن ذلك ال يدخل يف التفلج. فهما ال جيوزان ،وأما الوشم والوسم
حبال، كما سنرى.وكذلك صح مبا هو ثابت من األدلة
أن األعضاء املعيبة تغري، أما إجراء عمليات تغيري شكل األنف والشفتني والعينني، من غري مربر أو حاجة تستدعي، سوى حب التقليد وإشباع النزوات، فهذا يدخل حتت
لشرعي. احملظور ا ذه ـــل يف هـظ أن األصـلحـذلك نـل
722 لدراسات اإلسالمية والقانونيةلمليزان ا جملة
م1036 حزيران/ هـ3417 شعبان ثالث، العدد الثاني،اجمللد ال
خالد عبيدات التأصيل الشرعي لعمليات التجميل املعاصرة
العمليات هو اإلباحة، ولكن قد تكون حمظورة يف حاالت خاصة قد نبه إليها
الشارع احلكيم داللة أو إشارة.
التأصيل الشرعي للعمليات : املطلب الثاني
. احملظورةأمجلنا ذكرا العمليات احملظورة، نوبعد أ
سنبني يف هذا املطلب األصول الشرعية اليت تشهد للمنع، وهي أدلة نقلية وعقلية.
الكريم. نأوال: من القرآ
قوله تعاىل: .1 نذ خلق ٱللذ : ]النساء فليغيل[ فقد تعهد الشيطان أن يضل ابن آدم، 119
صنع العرب يف ويأمر بتغيري خلق اهلل، كما البحرية، وكل من حاول العبث يف أصل اخللقة من غري حاجة فقد أطاع الشيطان وعصى الرمحن. واملعنى الذي حرمت ألجله
. (151)هذه األمور هو تغيري خلق اهلل"
ل يب قوله تعاىل: .2 إنذ ٱللذ ا ول تعتدويوال شك أن .[190:]البقرةٱلمعتدين
تصرف اإلنسان يف بدنه إلشباع نزعة غرور تعرتيه، والتطلع إىل حتسني جسدي مبالغ فيه هو اعتداء. كذلك تصرف الطبيب يف جسم
اإلنسان من أجل ربح مادي اعتداء أيضا.
ثانيا: السنة النبوية: ه:ــوقول (152): "خالفوا املشركني"قوله .1
وعمليات التجميل .(153)"خالفوا اليهود"اخلاضعة للنزوات واألهواء، واليت مل جتر كعالج ملرض، إمنا غايتها تقليد الغري والتشبه بهم، وقد يكونون من أهل الكفر والضالل، وقد أمرنا مبخالفة الكفار يف
عقائدهم وشعائرهم وأشكاهلم. (154): "من تشبه بقوم فهو منهم"قوله .2
إجراء وعليه ف (155)واملرء مع من أحب"العمليات التجميلية تشبها بالفجار والفسقة
حرام شرعا.
منع اإلسالم تشبه الرجال بالنساء، أو .3النساء بالرجال، وقد روى ابن عباس رضي اهلل عنهما: "لعن رسول اهلل املتشبهني من الرجال بالنساء واملتشبهات من النساء
. (156)بالرجال"
وعليه؛ فإن التغيري يف الشكل والتكوين الفسيولوجي ال يصح، ومعلوم أن لكل من الذكر واألنثى خصائص
جسدية متيزه عن اآلخر. فالعمليات اليت تغري بالشكل تفضي إىل
تدليس، والتدليس يؤدي إىل غنب وتعزير، وهو حرام، واملفضي إىل حرام حرام.
. (157): "من غش فليس منا"قوله .4فالعمليات احملظورة إذا ترتب عليها غش وخداع أو تضليل حراما. فإجراء املرأة
م1036 حزيران/ هـ3417 شعبان ثالث، العدد الثاني،اجمللد ال 722 لدراسات اإلسالمية والقانونيةلمليزان ا جملة
خالد عبيدات التأصيل الشرعي لعمليات التجميل املعاصرة
لعملية قبل الزواج ولن يدوم أثرها، ومت الزواج على هذا األساس، ثم ما لبثت أن أمضت مدة من الزمن حتى عاد العيب والشني يف جسمها، فهذا هو التدليس الذي
ء يوقع يف احلرمة، وهذا ما جعل الفقهايؤكدون يف معظم أحكامهم على جواز
العمليات للمتزوجة إذا كان بإذن الزوج. وكذلك إجراء العمليات اليت تؤدي إىل
تنكر وتغيري الشكل، من أجل اهلروب من املسؤولية اجلنائية أو املالحقة القضائية أو املطالبة املالية، هو من قبيل الغش واخلداع
جعل الفقهاء ينصون احملرمني، وهذا الذي على جواز العمليات إن مل تؤد إىل تدليس.
ثالثا: القواعد الفقهية:ؤدي العمليات التجميلية يف قد ت وهي اليت ختلفت -إىل ضرر آخر -بعضها
عن ضوابط وقيود اجلواز. فإذا كان وجود العيب فيه ضرر فال يعين أن نزيلها مبا
فالقاعدة الفقهية يرتتب عليه ضرر أكرب، . (158)تنص على أن )الضرر ال يزال مبثله(
فإذا مل جيز إزالة الضرر بضرر مثله، مل جيز مبا هو أعظم منه ضرر من باب أوىل.
رابعا: من املعقول:العمليات العبثية ليست جتميلية، وإمنا .1
لة ـما فيها من املثـروع، لـهي إيالم غري مش
املنهي عنها. ذه العمليات سعيا من يقبل على ه .2
وراء رغباته، يتولد لديه قناعات بأن الشكل اآلخر أفضل، وغريه أفضل، وهكذا يبقى يبحث دون أن يصل إىل قناعة حمددة، واحملصلة أن العامل النفسي هو الذي يدفعه، فإن مل يرض مبا منحه اهلل يعش أبد
الدهر كئيبا.
التكييف الفقهي للعمليات : املطلب الثالث
. احملظورة أوال: الوشم والوسم:
: الوشم مفرد (159)الوشم يف اللغة واجلمع وشم، واتشم فالن، أي: جعل يف جلده الوشم، واستوشم فالن: أي سأله أن يشمه، واملستومشة اليت تطب الوشم، والوامشة هي فاعلة الوشم، والوشم هو العالمة، ويعاجل بدخان الشحم حتى خيضر.
والوشم يف االصطالح الفقهي: هو ما حيصل بغرز إبرة أو خميط يف ظهر الكف أو املعصم أو الشفة أو أي مكان يف اجلسم حتى يسيل الدم، ثم حيشى موضع الغرز
.(160)بالكحل أو النورة أو النيلة أو اليبلجوحكم هذا التحريم مطلقا سواء كان
للرجل أو املرأة، وإن كان احلكم للمرأة أشد حترميا ملا فيه من إظهار التربج والزينة
722 لدراسات اإلسالمية والقانونيةلمليزان ا جملة
م1036 حزيران/ هـ3417 شعبان ثالث، العدد الثاني،اجمللد ال
خالد عبيدات التأصيل الشرعي لعمليات التجميل املعاصرة
أسفل الشفة، ويأثم فيه الوامشة واملستومشة على السواء، إال إذا كانت
.(161)البنت صغرية، فإن اإلثم يلحق بفاعله، (162)واألدلة على حتريم الوشم كثرية
اءت بصيغة اللعن، واللعن ال يكون إال ج على كبري.
ففي احلديث: "لعن اهلل الوامشات .(163)واملستومشات... املغريات خلق اهلل"
ويف احلديث أيضا: "أن رسول اهلل نهى عن مثن الدم ومثن الكلب، وأكل الربا
.(164)وموكله، والوامشة واملستومشة"الوشم اعتداء على إضافة إىل أن
أصل اخللقة اإلهلية، وفيه ضرر من غري حاجة، كما أنه ال يزول بالغسل كمواد التجميل اليت تستعملها املرأة، لذا لو استومشت املرأة باحلناء أو مواد التجميل املعهودة اليت تزول بالغسل جاز هلا على أن
.(165)ال تبديه لغري احملارم
مسألة: هل جيب إزالة الوشم؟ مبا أن الوشم أصله دم مسال اختلط
مع الكحل فاخضر لونه، والدم كما هو معلوم جنس إذا خرج من البدن، فإن الذي يفتى به عند الشافعية واحلنابلة وجوب إزالته إن أمكن ذلك، فإن تعذر إزالته إال باجلرح جيرح، إال إذا خيف حدوث شني
عيب أكرب من إزالته يف العضو، فاحش أو .(166)عندها تكفي التوبة
ذا غسل طهر ألنه أثر إوعند احلنفية: يشق زواله، ألنه ال يزول إال بسلخ اجللد أو جرحه، فإذا كان ال يكلف بإزالة األثر الذي يزول باملاء احلار والصابون، فعدم
.(167)التكليف هنا أوىلوالوسم هو كي يرتك أثرا الوسم:
واضحا، فيأخذ حكم الوشم يف املنع نه فيه تعذيب وإيالم من إوالتحريم، حيث
غري ضرورة أو حاجة.
ثانيا: التفليج والوشر:
التفليج هو: أن يفرج بني املتالصقتني )الثنايا، والرباعيات( باملربد وحنوه، فيحدث
ملرأة. بينها انفراج يظهر احلسن عند اوالوشر: هو برد األسنان لتحديدها، فيظهر
.(168)حسن املرأة ومجاهلاوقد جاء اللعن ملن تفعل هذا الفعل يف
.(169)واملستوشرة" والواشرة.. حديث "الواصلة.وما يدل على حتريم التفليج والوشر، ما
روي من احلديث اجلامع عن ابن مسعود أنه قال: "لعن اهلل الوامشات واملستومشات واملتنمصات واملتفلجات للحسن املغريات خلق اهلل تعاىل، فبلغ ذلك امرأة من بين أسد، وكانت تقرأ القرآن الكريم، فأتته فقالت: ما
م1036 حزيران/ هـ3417 شعبان ثالث، العدد الثاني،اجمللد ال 726 لدراسات اإلسالمية والقانونيةلمليزان ا جملة
خالد عبيدات التأصيل الشرعي لعمليات التجميل املعاصرة
الوامشات حديث بلغين عنك أنك لعنتواملستومشات واملتنمصات واملتفلجات للحسن املغريات خلق اهلل، فقال عبد اهلل:
وهو ومالي ال ألعن من لعن رسول اهلل يف كتاب اهلل، فقالت: لقد قرأت ما بني لوحي املصحف فما وجدته، فقال: لئن كنت
ي قرأتيه لقد وجدتيه، قال اهلل عز وجل: وماوما نهىكم عنه ٱلرذسول فخذوه ءاتىكم
.(170) ["7: احلشر] فٱنتهواكما أن مناط التحريم يف احلديث هو
إظهار احلسن واجلمال من غري داع، كما أنه ال يعد عالجا للسن، ال زراعة وال تركيبا وال تقوميا، ومبا أنه إظهار ملفاتن املرأة
اهلل يكون حراما، خاصة أن وتغيري خللق من تفعل ذلك هي العجوز ومن قاربها يف السن، إظهارا لصغر سنها، وإبداء حملاسنها.
.(171))وقد اتفق العلماء على حتريم الوشر(
حيرم وصل ثالثا: وصل الشعر بشعر آدمي:الشعر بشعر آدمي أو بشعر جنس أو الواصلة لغري ذات الزوج، وذلك لعموم النصوص
. (172)الصحيحة اليت تنهى عن ذلككحديث: "كان رسول اهلل يلعن الواصلة
.(173) واملستوصلة..." قالت:ـول اهلل، فـرأة رسـوقد أتت ام
عرها أفأصله؟ ـس وقد متزق شوإن ابنيت عر
.(174)فقال: "لعنت الواصلة واملستوصلة"كما أن معاوية بن أبي سفيان، أخرج من شعر، فقال: مسعت رسول اهلل كبة
ينهى عن مثل هذا، وقال: "إمنا هلكت بنوا ."(175)إسرائيل حني اختذ هذه نساؤهم
حاديث قال ابن حجر: )ويف هذه األ حجة ملن قال حيرم الوصل يف الشعر... ألن داللة اللعن على التحريم من أقوى الدالالت، بل عند بعضهم من عالمات
.(176)الكبرية()وهذه األحاديث صرحية وقال النووي:
.(177)يف حتريم الوصل(فتكمن حرمة الوصل بأن فيه تدليسا
كما أن فيه تشبها باليهود الذين أمرنا مبخالفتهم، أما إذا وصلته املرأة بإذن زوجها بغري شعر آدمي، فجائز ألنه ليس فيه تدليس.
بينا فيما مضى بن التنمص رابعا: التنمص:هو إزالة شعر احلاجبني بالكلية أو ترفيعهما، وهذا هو موضع النهي الوارد يف احلديث "لعن رسول اهلل الواصلة
ن إإذ (178)واملستوصلة والنامصة واملتنمصة"يف التنمص اعتداء على أصل التكوين
املعهود، وتغيري له. : )التنمص حرام ملا (179)يقول الشربيين
يف ذلك من التغرير(.
722 لدراسات اإلسالمية والقانونيةلمليزان ا جملة
م1036 حزيران/ هـ3417 شعبان ثالث، العدد الثاني،اجمللد ال
خالد عبيدات التأصيل الشرعي لعمليات التجميل املعاصرة
أما األخذ من احلاجبني بهدف تهذيبهما فلم ير العلماء به بأسا.
، وكره العلماء نتف خامسا: نتف الشيبالشيب ألنه إيالم من غري حاجة، وال يصح إال إذا كان لغاية إرهاب العدو، ألن النص
.(180)ورد يف املنعفقد روى عمرو بن شعيب عن أبيه
نهى عن نتف الشيب عن جده "أن النيب .(181)وقال: "إنه نور املسلم يوم القيامة"
"ونتف (182)جاء يف حاشية الطحاوي فهو مكروه للتزين ال لرتهيب ،الشيب العدو".
فإنه مكروه وإن قصد بالنتف ،وعليه ملنع؛ ذلك التلبيس على النساء فهو أشد يف ا
.(183)ألنه التدليس بعينه"وعلة النهي عن النتف دون اخلضاب؛
إذا سادسا: شد التجاعيد للمرأة العجوز:كنا قد أجزنا شد التجاعيد باعتباره مرضا، فإنه حيرم على املرأة الكبرية لفقدانه أسبابه، فهو عند الكبرية ليس مرض يستوجب
ن وجود التجاعيد يف فرتة إالعالج، إذ الشيخوخة طبيعي، حيث تقل مرونة اجللد.
ال يصح فإنه ،ومبا أن احلكم متعلق بالتدليسإجراء عمليات تعديل القوام للعجوز
ن التدليس حبقها إوالشفط واحلقن، حيث واضح.
تصغري الثدي إذا كان حجمه :سابعامقبوال، وليس فيه تضخم غري معهود، فتلجأ املرأة لتصغريه أو تكبريه حبثا عن
واحلكم هلذه احلالة املنع، نظرا مجال زائد، لعدم احلاجة إىل هذه العملية ولدخوهلا يف التغيري خللق اهلل املنهي عنه، وملا يرتتب عليه من تدليس خاصة إذا كانت املرأة
.(186)متقدمة يف السن
:اخلامتةبعد أن وفقنا اهلل إىل االنتهاء من هذا
البحث، بقي أن نشري إىل أهم النتائج والتوصيات اليت توصلت إليها الدراسة.
.النتائج: أوالاألصل يف العمليات التجميلية اإلباحة، .1
وقد تتوافر دوافع توجبها، وتقاس على اجلراحة الطبية جبامع احلاجة إليها،
واحلاجيات تنزل منزلة الضروريات.
قدام على عمليات التجميل مضبوط اإل .2 بضوابط شرعية وصحية، ال جيوز ختطيها.
م1036 حزيران/ هـ3417 شعبان ثالث، العدد الثاني،اجمللد ال 722 لدراسات اإلسالمية والقانونيةلمليزان ا جملة
خالد عبيدات التأصيل الشرعي لعمليات التجميل املعاصرة
، دمشق، 2القاموس الفقهي، دار الفكر، ط .60، ص1، جه1408
( ابن القف، العمدة يف اجلراح، دار املعارف 18) .54، ص1العثمانية، حيدر باد، ج
جلنة النشر العلمي، املوسوعة الطبية (19)احلديثة، وزارة التعليم العالي، القاهرة،
.450، ص3، ج1970، 2ط
القرة داغي، علي حميي الدين، واحملمدي، ( 20)علي يوسف، فقه القضايا الطبية املعاصرة،
، 2006، بريوت، 2دار البشائر، ط .530ص
( أخرجه أبو داود من حديث أبي الدرداء، 21)كتاب الطب، باب الدواء واحلث عليه
قال الشوكاني: يف إسناده 712، ص4جامساعيل بن عياض وفيه مقال، لكن إذا حدث عن أهل الشام فهو ثقة. انظر:
.39، ص9الشوكاني، نيل األوطار ج
( مغين ه977( الشربيين، حممد علي، )ت22) .60، ص3احملتاج، دار الفكر، بريوت، ج
( النووي، أبو زكريا حييى بن شرف 23)( روضة الطالبني، ه676الدين، )ت
،ه1405املكتب اإلسالمي، بريوت، .725، ص7ج
( أخرجه الرتمذي يف اجلامع، كتاب 24)الطب، باب الدواء واحلث عليه، وقال
(، وأبو 2039عنه: حسن صحيح، رقم )داوود، يف السنن، كتاب الطب، باب
(، وابن 3855الدواء واحلث عليه رقم )، 13حبان يف صحيحه، كتاب الطب ج
. وصححه األلباني يف غاية املرام 426ص
222 لدراسات اإلسالمية والقانونيةلمليزان ا جملة
م1036 حزيران/ هـ3417 شعبان ثالث، العدد الثاني،اجمللد ال
خالد عبيدات التأصيل الشرعي لعمليات التجميل املعاصرة
(.292، رقم)178، ص1ج
.15، ص4ابن القيم، زاد املعاد، ج (25)
يف دية ما دون النفس: "ويف ( وقد قال 26)األنف إذا أوعي جدعه مائة من اإلبل ويف املأمومة ثلث النفس، ويف اجلائفة مثلها، ويف العني مخسون، ويف الرجل مخسون، ويف كل اصبع مما هنالك عشر من اإلبل، ويف السن مخس، ويف املوضحة مخس". أخرجه أبو داود يف سننه، كتاب الديات،
(. 4546م هي، برقم )باب الدية كوالرتمذي يف جامعه، كتاب الديات، باب
(، 01387الدية كم هي من اإلبل، رقم )والبيهقي يف السنن واآلثار، باب مجاع
(. 05140الديات فيما دون النفس، رقم )وصححه األلباني يف السلسلة الصحيحة
. واجلائفة: 654، ص4( ج1997رقم )البطن هي الطعنة اليت تبلغ اجلوف يف
والدماغ. واملأمومة: هي اجلرح العميق يف الرأس وقريب من املخ.
(. دورة 68/5/7انظر قرار اجملمع رقم )( 27)ذو القعدة 17-12املؤمتر السابع جبدة )
م.1992مايو 14-9(. املوافق ه1412
( ذكر املفسرون أن املراد بالتغيري هو 28)التغيري احلسي، راجع يف ذلك: الطربي،
، 5البيان عن تأويل القرآن، ججامع ، والقرطيب، أبو عبداهلل حممد بن 282ص
(، اجلامع ألحكام القرآن، ه671أمحد )ت، 389، ص5القاهرة، دار الشعب، ج
وابن العربي، أبو بكر حممد بن عبداهلل، (، أحكام القرآن، بريوت، دار ه543)ت
، 500، ص1، ج1الكتب العلمية، ط)ت وابن حيان، حممد بن يوسف،
(، البحر احمليط، حتقيق: عادل أمحد ه745وعلي معوض، بريوت، دار الكتب
369، ص3، ج1993، 1العلمية، ط
انظر فقه هذه القاعدة: الزرقا، مصطفى، (29)، دمشق، 2القواعد الفقهية، دار القلم، ط
463، ص1989
، 4( النووي، شرح صحيح مسلم، ج30) .199ص
.139ص، 4( ابن القيم، زاد املعاد ج31)
173قرار جممع الفقه اإلسالمي رقم (32)، الدورة الثامنة عشرة، ماليزيا 12، ص18ج (.ه1428مجادى اآلخرة، 24-29)
( انظر: الطربي، جامع البيان عن تأويل 33)، 307، ص1القرآن، دار ابن حزم، ط
م1036 حزيران/ هـ3417 شعبان ثالث، العدد الثاني،اجمللد ال 222 لدراسات اإلسالمية والقانونيةلمليزان ا جملة
خالد عبيدات التأصيل الشرعي لعمليات التجميل املعاصرة
.10، ص2007
انظر: ابن عثيمني، فتاوى البلد احلرام (125). وقال الشيخ عطية صقر يف 1185ص
م(: 1997فتاوى دار اإلفتاء املصرية )مايو قال احملققون كابن اجلوزي وغريه: أن زرع الشعر إذا كان يدوم كالشعر العادي فال
ا إذا كان ينبت غش فيه وال خداع، أممؤقتا ملدة ثم خيتفي فهو كالباروكة إن قصد به التدليس والغش عندما يريد الزواج مثال، أو قصد به فتنة اجلنس اآلخر فهو حرام. أما إذا مل يقصد شيئا من ذلك فال