ﻞـﻴـﺋاﴎإ ﰲ نﻮـﻴﻨﻴـﻄـﺴﻠﻔﻟا · ﻊﻤﺘﺠلماو ،ﺔﺳﺎﻴﺴﻟاو ،ﺦﻳرﺎﺘﻟا ﰲ تاءاﺮﻗ:ﻞﻴﺋاﴎإ ﰲ...

الفلسـطـينيـون يف إرسائـيـلقـراءات يف التـاريخ، والسيـاسـة، واملجتـمع

نـديـم روحـانـا أريج صباغ-خوري محرران

2011

مـدى الكرمل

املركز العربي للدراسات اإلجتماعية التطبيقية

2

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمعتحرير: نديم روحانا وأريج صباغ-خوري

The Palestinians in Israel: Readings in History, Politics and SocietyEdited by: Nadim N. Rouhana and Areej Sabbagh-Khoury

هيئة التحرير: محمد أمارة، محمد حاج يحيى، راسم خماييس، نادرة شلهوب-كيفوركيان،

مصطفى كبها، عادل مناع، خليل نخلة، محمود يزبك

تصميم وإنتاج: وائل واكيم

ISBN: 965-7308-16-x

© كل الحقوق محفوظة (تموز 2011)مدى الكرمل- املركز العربي للدراسات اإلجتماعية التطبيقية

اللنبي 51، ص.ب. 9132، حيفا 31090هاتف: 8552035-04، فاكس 04-8525973

[email protected]

3

املحتويات

مقدمةاألبحاث حول الفلسطينيني يف إرسائيل: بني األكاديمي والسيايس

5أريج صباغ خوري ونديم روحانا

النكبة16هنيدة غانم

رون الفلسطينيون يف إرسائيل املهج26أريج صباغ-خوري

الحكم العسكري47يئري بويميل

التجنيد اإلجباري للدروز يف الجيش اإلرسائييل- خلفية تاريخية58قيس فرو

أنظمة الطوارئ68يوسف تيسري جبارين

مجزرة كفر قاسم 75عادل مناع

يوم االرض84خليل نخلة

لجنة املتابعة العليا لقضايا الجماهري العربية يف إرسائيل91محمد أمارة

السجناء السياسيون الفلسطينيون100عبري بكر

مناطق األفضلية القومية110راسم خماييس

البدو الفلسطينيون األصالنيون يف النقب: تمدين قرسي وحرمان من االعرتاف120إسماعيل أبو سعد

املواطنة العربية الفلسطينية يف إرسائيل128أورن يفتاحئيل

4

مـدى الكـرمل – املركز العربي للدراسات اإلجتماعية التطبيقية

كـلـمـة شـكـر

بدايـة نود أن نشـكر مجموعة من الزمالء الذين سـاهموا يف إنجاح مـرشوع هذا الكتاب يف

مختلـف مراحله وإنتاجه باللغات الثالث (العربية والعربية واإلنكليزية). نقدم شـكرنا أوال،

إىل هيئـة التحرير االستشـارية، التي سـاهمت يف اختيـار مداخل الكتـاب واختيار املؤلفني

ومراجعة بعض املواد، وقدمت املشورة للمحررين، وساهمت كذلك يف تحضري قائمة األسماء

واملصطلحات؛ ونشكر أيضا جميع أصحاب املقاالت التي احتواها هذا الكتاب؛ ونقدم شكرنا

إىل الزمـالء والزميالت الذيـن عملوا عىل مراجعة املقاالت مع مؤلفيها. كما ونشـكر كال من:

املديرة املساعدة يف «مدى الكرمل»، السيدة إيناس حاج، ملساعدتها بمرافقتها مراحل املرشوع

املختلفة، والعمل عىل إتمامه عىل أحسن وجه؛ والسيد نبيل الصالح، ملراجعته بعض الفصول

املكتوبة بالعربية والعربية؛ والسـيدة كيت روحانا، ملسـاعدتها القيمة يف تحرير بعض املواد

باإلنكليزية.

الفـلـسـطـيـنـيـون فـي إرسائـيــل

قــراءات يف التـاريـخ، والسيــاسـة، واملجـتـمـع

نـديــم روحـانـا أريـج صبـاغ-خـوري

محرران

2011

مـدى الكرمل

املركز العربي للدراسات اإلجتماعية التطبيقية

مقـدمـة

األبحاث حول الفلسطينيني

يف إرسائيل: بني األكاديمي والسيايس

أريج صباغ-خوري ونديم روحـانـا

6

مقدمة

األبحاث حول الفلسطينيني يف إرسائيل: بني األكاديمي والسيايس

أريج صباغ-خوري* ونديم روحانا**

كان الفلسـطينيون، الذين أصبحوا مواطنـني يف دولة إرسائيل بعد قيامها عام 1948، جزءا

متجانسا من نسيج املجتمع الفلسطيني بعامة، وبذلك كانوا جزءا فاعال يف مقاومة املرشوع

الكولونيايل للحركة الصهيونية التي عملت عىل بناء دولة يهودية يف فلسطني. وإثر بدء النكبة

عام 1948 التي تشـكل الوجه اآلخر إلقامة دولة إرسائيل تحقق تجزؤ املجتمع الفلسـطيني

وانهياره، وبدأ فصل جديد يف تاريخ الفلسـطينيني يف إرسائيل، ويف تاريخ بقية الفلسطينيني

بالرضورة. بدهي أن جذور تشـكل هذا الفصل تعـود إىل ما قبل نكبة 1948، إال أن النكبة،

بتداعياتهـا الكثـرية، تظل الحدث األبرز يف هـذا التاريخ من حيث تأثريهـا عىل جميع صيغ

التشكل يف النواحي االجتماعية والسياسية والثقافية.

يجـدر بأيـة قراءة ناقدة للتاريخ االجتماعي للفلسـطينيني يف إرسائيل، أن تعترب هذا الفصل

الجديـد من تاريخ الفلسـطينيني امتدادا للتاريخ الفلسـطيني قبل بـدء النكبة، وأن تعتربه

ا يف سـريورته. ال شـك أن لهـذا التاريخ خصوصيات فارقة تحـددت بتداعيات منعطفا حاد

النكبة عىل فلسطينيي 48، وبقيام دولة إرسائيل التي عزلت الفلسطينيني فيها عن محيطهم

العربي وأخضعتهم، بالتايل، لرضوريات املرشوع الكولونيايل اإلرسائييل بإثنيته وبملء حدته.

حسب هذه الرضوريات، سلبت إرسائيل موارد الفلسطينيني، وتحكمت بهم عرب اتباع سياسة

حاولـت مصادرة عالقتهم بوطنهم وميزت ضدهم يف مجـاالت متعددة، وعاملتهم بوصفهم

أعداء يف مجاالت أخرى. جدير باإلشـارة إىل أن املبنى السيايس اإلرسائييل، الذي يمكن وصفه

عىل أنه ديمقراطي عندما يتعلق األمر باملجتمع اليهودي، رغم نواقصه ومشـاكله الجوهرية،

أثر عىل مسـارات تطـور املجتمع العربي، وأضـاف مدماكا لعمارة تاريخ الفلسـطينيني يف

أريج صباغ-خوري هي طالبة دكتوراة يف قسم العلوم االجتماعية وعلم اإلنسان يف جامعة تل-أبيب، وباحثة يف مدى الكرمل- *املركز العربي للدراسات االجتماعية التطبيقية.

** بروفيسـور نديـم روحانا هو أسـتاذ يف كلية القانون والديبلوماسـية يف جامعة تافتس يف بوسـطن، واملدير املؤسـس ملدى الكرمل- املركز العربي للدراسات االجتماعية التطبيقية.

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

7

إرسائيل ال يمكن التغايض عن قراءته.

منـذ بدء النكبة حتى اليوم، وجد الفلسـطينيون يف إرسائيل أنفسـهم عىل هامش اهتمامات

املجتمع الفلسـطيني، وعىل هامش تشـكالته االجتماعية والسياسـية، وعـىل هامش حركته

الوطنية التي تشـكلت يف املنفى واألهداف التي وضعتها لنفسـها. ولم يتغري هذا املوقع عىل

الهامش الفلسـطيني تغريا ملحوظا رغم بعض أشـكال التواصل بني الفلسطينني عىل شقي

الخط األخرض منذ عام 1967، ولم يتغري حتى حني بدأ مركز الحركة الوطنية الفلسـطينية

باالنتقال إىل الضفة الغربية وقطاع غزة منذ ثمانينيات القرن املايض مقرتبا بذلك من الناحية

الجغرافيـة إىل الفلسـطينيني يف إرسائيل. يذكر، مع ذلك، أن حـال االنوجاد عىل الهامش بدأ

يتغـري تدريجيا، وعىل نحو متسـارع يف الفـرتة األخرية، وبدأ تغريه يكشـف كمون القوة يف

التطور االجتماعي والسيايس لهؤالء الفلسطينيني، ويكشف، بالتايل، إمكانية تأثري هذه القوة

عىل التشكالت املستقبلية يف الرصاع بني إرسائيل والفلسطينيني وعىل آفاق حلول هذا الرصاع

(روحانا، 2008).

عىل نحو مواز، غري أنه مختلف بالرضورة، تشكل املجتمع الفلسطيني يف إرسائيل عىل هامش

املجتمـع اإلرسائيـيل كذلـك. إن اإليديولوجية الثاوية خلـف بناء الدولة اليهودية واسـتمرار

مرشوع التهويد جعال الفلسطينيني أعداء محتملني أبدا، وجعال منهم معيقا إسرتاتيجيا إزاء

الهدف املتمثل يف تحقيق الدولة اليهودية. حسمت، بذلك، إمكانية تشكل الفلسطينيني كجزء

من املجتمع اإلرسائييل، وظلوا أيضا عىل الهامش.

توازي درجة االهتمام بكتابة التاريخ االجتماعي والسـيايس للفلسـطينيني يف إرسائيل درجة

االهتمام السـيايس الذي نالته قضيتهم فلسطينيا وإرسائيليا وعامليا. لقد انعكست الهامشية

التـي كانـت من نصيبهم عىل مدار نحو خمسـة عقود عىل درجة اهتمـام البحث العربي أو

الفلسطيني، وبقيت مصادر املعرفة األكاديمية عنهم محدودة طوال فرتة مديدة. صحيح أن

الفلسطينيني يف إرسائيل حظوا بمكانة عالية يف سياسات املراقبة األمنية والتحكم اإلرسائييل،

إال أن األكاديميا اإلرسائيلية، هي األخرى، لم تزد اهتمامها البحثي بهم إال بعد احتالل سـنة

1967 (Samooha and Cibulski, 1978). مع ذلك، ظل هذا االهتمام املحدود يف مداه ويف

منطلقاته النظرية والفكرية، ولزمن غري بعيد عن زمننا هذا، املصدر الرئييس ملعرفة وتحليل

التاريخ االجتماعي والسيايس واالقتصادي للفلسطينيني داخل إرسائيل.

يف مراحل النتاج األكاديمي األوىل حول الفلسـطينيني، شـكلت األكاديميـا اإلرسائيلية مركبا

ـا من مركبات بناء وتربيـر إقامة الدولة اليهودية عىل أنقاض املجتمع الفلسـطيني ويف مهم

8

األبحاث حول الفلسطينيني يف إرسائيل: بني األكاديمي والسيايس

أرضه. هنا، كانت املؤسسة األكاديمية-كسائر مؤسسات املجتمع والدولة املعرفية والثقافية-

دة لخدمة أيديولوجيا الدولـة اليهودية التي عملت بصورة دؤوبـة عىل طمس الذاكرة مجنـ

والوجود الفلسطينيني. اقرتن، بذلك، اإلنتاج املعريف بالخطاب األيديولوجي املهيمن يف إرسائيل

(رام، 1993؛ Kimmerling, 1992)، وكان إنتاج املعرفة عن الفلسطينيني مرتبطا ارتباطا

ا بتعريـف املرشوع الصهيونـي لذاته ولآلخـر، ومرتبطا باملركبـات التربيرية التي جوهريـ

رافقتـه. كانت األذرع األمنيـة اإلرسائيلية املختلفة هي املوكلة بجمـع وتركيز املعلومات عن

الفلسـطينيني يف إرسائيـل، وتعاملت معهم عىل أنهم أبناء أقلـيـات دينية وكطابور خامس.

ولعبت األكاديميا يف ذلك دورا مهما.

امتازت األبحاث اإلرسائيلية عن الفلسـطينيني يف إرسائيل، يف بداياتها، بقلتها وبضيق أفقها

النظري والفكري. لقد أشار بعض الباحثني الذين راجعوا النتاج األكاديمي اإلرسائييل حول

الفلسطينيني يف إرسائيل يف مراحله األوىل-حتى أواسط السبعينيات-إىل ثالث ميزات رئيسية

اتسـمت بها تلـك املرحلة. امليـزة األوىل، قلة االهتمـام األكاديمي بالفلسـطينيني يف إرسائيل

وتجاهلهم حتى عند الكتابة حول املجتمع يف إرسائيل. امليزة الثانية، التقاسم الوظائفي الذي

حصل داخل األكاديميا يف تلك الفرتة حيث أوكل البحث األكاديمي املتعلق بالفلسـطينيني يف

إرسائيل بموجبه إىل املسترشقني وإىل أقسام االسترشاق املعروفة بعالقتها الحميمة باملؤسسة

األمنيـة اإلرسائيلية، وأوكل إىل أقسـام علوم االجتماع والعلوم السياسـية، باملقابل، دراسـة

املجتمـع اليهـودي يف إرسائيل. امليزة الثالثـة، اعتماد الكثري من هذه األبحـاث عىل نظريات

التحديـث وعىل التشـديد عىل العوامل الثقافية كمعيقات رئيسـية يف عمليـة التحديث وبناء

املؤسسات العرصية والتنظيم السيايس وتحقيق التغيري االجتماعي.1

عكسـت هذه املميزات -مجتمعة- الرتابط العضوي بني السيطرة السياسية والفكرية، وبني

النتاج األكاديمي. وعليه، من املمكن تعريف هذه املرحلة من النتاج األكاديمي عىل أنها مرحلة

املعرفة املؤسسـاتية، املرحلة التي تعكس -عىل وجه العموم- إنتاج املسـيطر حول املسيطر

عليـه. ألن ذلك كذلك، زخرت هذه املرحلة باإلشـكاليات النظرية واملعرفيـة والتربيرية التي

حـدت من قيمتهـا األكاديمية عىل نحو بالغ. من املمكن، مع ذلك، االسـتفادة من مخرجاتها

باعتبارها مادة لدراسـة آليات السيطرة -معرفيا وسياسيا- أكثر مما يمكن االستفادة منها

بوصفها مصدرا معرفيا حول التغريات االجتماعية والسياسية واالقتصادية للفلسطينيني يف

إرسائيل.

1 عىل سبيل املثال، انظروا مراجعات: Asad (1975); Haidar and Zureik (1987); Nakhleh (1977); Smooha and Cibulski (1978); Zureik (1993);رام (1993)؛

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

9

لقـد تزايد النتاج يف أواخر سـتينيات القرن العرشين (بعد احتـالل عام 1967)، وتصاعدت

وتريته يف السنوات الالحقة مع ازدياد أهمـية الفلسطينيني يف إرسائيل، واتخذ توجهات فكرية

مختلفة اسـتمر بعضهـا يف اعتماد التوجه املؤسسـاتي، وانطلق بعضهـا يف اتجاهات نقدية

متعددة. صحيـح أن بعض التوجهات األكاديمية النقدية أخذت تتحدى التوجه املؤسسـاتي

هـذا، إال أن التغيـريات الجديـة يف العلـوم االجتماعية اإلرسائيلية، وغريها مـن املعارف حول

الفلسـطينيني يف إرسائيل، بدأت بعد إتفاقية أوسلو والشعور اإلرسائييل العام بثبات املرشوع

الصهيوني، يف إطار الجهد الفكـري األكاديمي اإلرسائييل للمراجعة الذاتية، من جهة، وبروز

وا التوجهات األكاديمية القائمة، كادر من الباحثني الفلسطينيني وغري الفلسطينيني الذين تحد

مـن جهة أخرى.2 لقـد انفلت عدد من هـؤالء الباحثني مـن املحدوديات النظريـة واملعرفية

التـي ميـزت غالبية األبحاث يف األكاديمية اإلرسائيلية واسـتعملوا أدبيـات مقارنة مع حاالت

كولونيالية أخرى، واسـتثمروا دراسـات التابـع، واألدبيات حول العالم الثالث، والدراسـات

النسوية والجندرية، وقدم بعضهم أسسا نظرية ومعرفية جديدة حول هذا املوضوع.

أخـذ، بذلك، الحقـل املعريف حـول الفلسـطينيني يف إرسائيل، وبمسـاهمة باحثـني نقديني

فلسـطينيني وإرسائيليني وآخرين، يتغري بالتوازي مع ازدياد أهميتهم السياسية، ومع نشوء

جيل جديد من الباحثني وقيام بعض املؤسسـات البحثيـة العربية التي أخذت باالنعتاق من

تأثري األكاديميا اإلرسائيلية وبإنتاج وتبني وتشجيع األسس النظرية ملعرفة جديدة.

ال زالت، مع ذلك، مخرجات املراحل الجديدة من النتاج املعريف يف األكاديميا اإلرسائيلية، وغريها،

حول الفلسـطينيني يف إرسائيل بحاجة إىل مراجعة معمقة. من الواضح أن االتجاهات النقدية

الحديثـة يف األكاديميـا اإلرسائيلية التي طالـت علوم االجتماع، والتاريخ، والعلوم السياسـية،

واآلداب، والدراسـات الثقافيـة وغريها، مـن الواضح أنها غـريت صورة النتـاج املعريف حول

الفلسطينيني يف إرسائيل. يبقى هذا التغيري، مع ذلك، محصورا، يف معظمه، ضمن أطر معرفية

تمليهـا الوالءات السياسـية واأليديولوجية -كالـوالء لفكرة الدولة «اليهوديـة والديمقراطية»

ولأليديولوجيـا الصهيونية بعامة، وكمعاداة املنطلقات الفكرية والنظرية للدراسـات الجديدة

التي تعتمد عىل الدراسات الكولونيالية وما بعد الكولونيالية والتقليل من أهمية هذه الدراسات.3

2 لتفسريات ممكنة حول ظهور األبحاث األكاديمية النقدية انظروا: روحانا وصباغ-خوري (2006).3 انظروا، مثال، مراجعة روزنهك (1995) التي تتقىص التطورات الجديدة يف العلوم االجتماعية اإلرسائيلية حول الفلسطينيني يف إرسائيـل، وتراجـع بعض التوجهـات النظرية الجديـدة، ولكنها -من ناحية أخرى- تكشـف، من خـالل عملية التقيص، املحدودية النظرية والفكرية للمؤلف وتفسرياته لدور الدولة يف إنتاج عالقات القوة والسياسات الناتجة منها، فاألسباب التي يطرحها تتغاىض عن البنية الكولونيالية والسياسـات التي تمليها هذه البنية إلقامة واسـتمرارية الدولة اليهودية. ويميز هذا

التوجه أبحاثا إرسائيلية كثرية.

10

األبحاث حول الفلسطينيني يف إرسائيل: بني األكاديمي والسيايس

من أمثلة املراجعة الرضورية أن األبحاث القديمة والجديدة، التي تناولت التاريخ االجتماعي

والسـيايس للفلسـطينيني يف إرسائيـل، لم تتطـرق بغالبيتهـا إىل مراحل تاريخيـة مهمة يف

تجربتهـم الفرديـة والجمعية، مثل مرحلة التشـكل االجتماعي والسـيايس عقب بدء النكبة

وفرض الحكم العسكري (أي بعد املرحلة التي حول فيها الفلسطينيون من أكثرية إىل أقلـية

يف وطنهـم، ومـن أصحـاب الوطن إىل غرباء فيـه). كان لتلك املرحلـة، يف حينها ويف الحقب

الالحقة، إسـقاطات مركزية عىل بلورة هوية الفلسـطينيني الجماعيـة، واملبنى االجتماعي،

وتشـكل تنظيمهم السـيايس، وصياغة خطابهم السـيايس. لقد عاش الفلسطينيون يف هذه

الفـرتة الحرجة تهجري غالبية شـعبهم وفقـدوا التواصل معه ومع سـائر أمتهم ومحيطهم

العربي.

فرضـت إرسائيـل خـالل هـذه الحقبة وسـائل رقابة من أجل سـلب مـا تبقى مـن املوارد

للفلسـطينيني من ناحيـة، ومن أجل إحكام السـيطرة السياسـية ومنع التنظيم السـيايس

القومي وفرض الهيمنة الفكرية اإلرسائيلية والخوف من املؤسسـة األمنية من ناحية أخرى.

ويف مرحلة ما بعد الحكم العسـكري واحتالل سـائر أجزاء الوطن الفلسطيني سنة 1967،

تم اسـتبدال جهاز الحكم العسكري بوسائل سيطرة ورقابة شتى استعمل بعضها بصورة

مكثفة يف فرتة الحكم العسـكري (مثل أنظمة الطوارئ). تراوحت هذه الوسـائل بني فرض

الهيمنة الفكرية وبني اسـتعمال اآلليات القانونية وأنظمـة الطوارئ لتجريم ونزع الرشعية

عـن خطابات مناهضة لطبيعة دولة إرسائيل كدولـة يهودية. يف جميع هذه املراحل، لم يلق

التاريـخ السـيايس والتحـوالت االجتماعية التي طـرأت عىل مبنى املجتمع العربي الدراسـة

الكافية واالهتمام املالئم، كذلك لم تلق الفرصة التاريخية للتواصل مع املجتمع الفلسـطيني

يف الضفـة والقطـاع بني سـنة 1967 وحتى نهايـة العقد األخري من القرن املـايض، لم تلق

الدراسة الكافية لفحص آثار هذا التواصل وأسباب محدودياته.

تطلق عىل الفلسـطينيني يف إرسائيل عدة تسـميات: العرب يف إرسائيل؛ عرب 1948؛ العرب

اإلرسائيليـون؛ عرب إرسائيل؛ العرب الفلسـطينيون يف إرسائيل؛ الفلسـطينيون يف إرسائيل؛

األقلـية الفلسطينية؛ األقلـية العربية؛ عرب الداخل؛ وغريها من التسميات. ولهذه التسميات

تداعيات مختلفة، حيث إن التسيمات التي تطلق هي تسميات مقرتنة بسياسات التمثيل4، وال

تعكس - يف ما تعكس- هوية الفلسـطينيني يف إرسائيل فحسـب، وإنما تعكس كذلك املوقف

التحلييل الذي يسـتخدم هذه التسـميات. لقد رأينا أهمـية أن يشمل هذا الكتاب بابا يتناول

4 ملراجعة هذه التسميات املختلفة واستعماالتها يف سياقات مختلفة انظروا: رابينوفيتش (1993).

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

11

هذه التسـميات املختلفة، وأن يتناول تجربتهم السياسـية بعامة. ورغم االختالف يف تسمية

الفلسـطينيني يف إرسائيل، تجدر اإلشـارة إىل أنه يف اسـتطالع أجراه مركز «مدى الكرمل»

أشـار نحو %66 من املشرتكني إىل أنهم يعرفون أنفسهم عىل أنهم فلسطينيون يف إرسائيل.

هناك، باملقابل، مجموعات من الفلسـطينيني يف إرسائيل، جزء مـن املواطنني العرب الدروز

وجزء من البدو يف األسـاس، ال تعرف نفسـها عىل أنها فلسطينية، بل تعرف نفسها عىل أنها

عربية أو عربية إرسائيلية. ولذلك، فإن اختيار التعريفات يف حد ذاته هو مسـألة إشـكالية،

وبخاصـة عند أخذ كيفية تعريف هذه املجموعة لنفسـها بعني االعتبار، بعيدا عن األسـباب

السياسـية املختلفة التي أفضت إىل إنتاج هذه التعريفات التي تعكس هويات. ورغم أن هذه

الهويات هي مبتكرة، إال أنه يمكن تجاهل وجودها يف الصورة التي هي عليها اآلن، إذ إن أثر

الهوية املبتكرة عىل الواقع السيايس واالجتماعي ال يقل بسبب كونها هوية مبتكرة.

تنبع أهمـية هذا الكتاب، كذلك، من ازدياد أهمـية الدور السيايس الذي يلعبه الفلسطينيون

يف إرسائيل بسـبب زيادة الوعي السـيايس وبسـبب التغريات االجتماعية والسياسية التي مر

فيها املجتمع الفلسـطيني يف إرسائيل منذ بدء النكبـة. تنبع أهمية الكتاب، أيضا، من ازدياد

تأثري الفلسـطينيني، بالنتيجة، عىل مجرى الرصاع اإلرسائييل الفلسطيني. من هذه التغريات:

زيـادة الـوزن الديمغرايف للفلسـطينيني يف إرسائيل؛ إعادة بناء طبقـة متعلمة بعد أن كانت

هذه الطبقة واألغلبية السـاحقة من الطبقة الوسطى الفلسطينية قد هجرت خالل نكبة عام

1948؛ إعادة بناء مؤسسـات وطنية بعد أن هدمت أو سـيطرت املؤسسة اإلرسائيلية عليها؛

إقامة مؤسسات مجتمع مدني عربية مختلفة تعنى بعدة مجاالت؛ الحالة الفلسطينية الراهنة

والطريق املسدود الذي وصلت إليه املفاوضات اإلرسائيلية الفلسطينية وحل الدولتني؛ ظهور

حـزب التجمـع الوطني الديمقراطي الذي حـول فكرة تغيري طابع دولـة إرسائيل من دولة

يهودية إىل دولة ديمقراطية لكل مواطنيها إىل ثقافة وخطاب سيايس مهيمن لدى الفلسطينيني

يف إرسائيـل. باإلضافـة إىل هذه التغريات، ثمة تأثري لعوامل عربيـة وعاملية مختلفة، كالتأثري

املبارش لسـقوط االتحاد السـوفييتي، وفك االرتباط بني مواقف الحزب الشـيوعي اإلرسائييل

ومواقف االتحاد السـوفييتي من مسألة الرصاع «العربي اإلرسائييل». وتكمن أهمـية العامل

األخري يف أن الحزب الشـيوعي قام بدور مركزي يف املشـهد السيايس الفلسطيني يف إرسائيل

(خاصة قبل ظهور تيارات فكرية أخرى)، ورسخ خطاب شعار «دولتان لشعبني» يف الوعي

الفلسـطيني يف إرسائيل دون التعامل مع دالالت هذا الخطاب بخصوص االعرتاف بإرسائيل

كدولة يهودية. كذلك إن االنكشـاف عىل العالم العربي والعالم بأرسه -وال سـيما االنكشاف

12

األبحاث حول الفلسطينيني يف إرسائيل: بني األكاديمي والسيايس

عـىل الفضائيات العربية املرئية- أدى أدوارا مهمة، لـم تدرس آثارها عىل نحو كاف بعد، يف

تشـكل الوعي السيايس واالجتماعي ويف تحديد العالقة مع العالم العربي وإرسائيل. وقد زاد

من أهمية هذا االنكشـاف أنه ترافق مع انحسـار مكانة وسائل اإلعالم العربية التي سيطرت

عىل مصادر املعلومات السياسية للنخب العربية ملدة طويلة.

من املالحظ أن مركز االهتمام السيايس واألكاديمي لدى الفلسطينيني يف إرسائيل أنفسهم قد

أخذ، يف العقدين األخريين، يتحول من التشـديد عىل تفاصيل مسـتحقات املساواة واملواطنة

املتسـاوية، إىل األسـئلة املرتبطة بتشـكل الهوية الفلسـطينية، ومن ثم -بعد ترسيخها- إىل

طرح األسـئلة الجوهرية حـول النكبة، وتاريخ إقامة دولة إرسائيـل، والطبيعة الكولونيالية

للدولـة اليهوديـة، ومكانة النكبة يف تشـكل العالقة بني إرسائيل والفلسـطينيني يف مختلف

أماكـن تواجدهم، ويف تفسـري بنية النظام اإلرسائيـيل وعالقته باملجتمع الفلسـطيني داخل

إرسائيل.

يف هذا الكتاب، اختريت بعض املصطلحات األساسية حول الفلسطينيني يف إرسائيل بالتعاون

مع هيئة تحرير الكتاب، ولم يكن من السـهل تحديد املصطلحات الرئيسية التي سيتضمنها

هـذا الكتاب بسـبب التجربة السياسـية واالجتماعية املركبة منذ بـدء النكبة وكثرة األحداث

التاريخيـة ووترية التغيريات السياسـية واالجتماعية. مع ذلك، كان من السـهل اإلجماع، يف

هيئة التحرير، عىل أهمـية أغلبية املداخل كالنكبة، والحكم العسكري، ويوم األرض.

بطبيعـة الحال، نحـن نتطرق إىل الفلسـطينيني يف إرسائيـل كمجموعة قومية مـرت وتمر

بتجارب سياسـية وتاريخية واجتماعية مشـرتكة سـيجري رصد بعضهـا، من وجهة نظر

نقديـة، من خالل املداخـل يف هذا الكتاب سـنتطرق -يف اآلن ذاتـه- إىل الرتكيب االجتماعي

والسـيايس، وإىل االختالفات الداخلية يف املجتمع الفلسـطيني، هذه االختالفات التي ترسـخ

بعضها بعد النكبة بفعل انهيار املركز السـيايس واالجتماعي الفلسطيني واختفائه املفاجئ،

وبفعل السياسـات اإلرسائيلية وفقدان التواصل االجتماعي والقيمي والسيايس للفلسطينيني

مع محيطهم العربي.

يركز هذا الكتاب، باإلضافة إىل تناوله تجربة الفلسطينيني الجمعية ومركبات العالقة بينهم

وبني دولة إرسائيل، عىل التغريات االجتماعية وتشكالت الوعي السيايس والهوياتي الداخلية.

اخرتنـا، لتحقيـق ذلك، مصطلحات وأحداثا (كمجزرة كفر قاسـم وهبة أكتوبر، عىل سـبيل

املثال) ومؤسسـات تسـاعد يف إلقاء الضوء عىل التجربة الجمعية للفلسـطينيني، بما يف ذلك

عالقتهم بدولة إرسائيل والسياسـة اإلرسائيلية تجاههم (كاألحزاب السياسية ولجنة املتابعة

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

13

عىل سـبيل املثال).كذلك هناك بعض املداخل التي تطرقت إىل مؤسسات وقوانني (كالكريين

كييمت وقانون املواطنة، عىل سبيل املثال) ال تنبع من تاريخهم أو تجربتهم الجمعية، إال أنها

تؤثر تأثريا مبارشا يف تجربتهم ومكانتهم الجماعية.

يسـعى هذا الكتاب إىل املساهمة يف تأريخ التجربة الفلسطينية يف إرسائيل بمنظور وخطاب

مختلفني عن املنظور والخطاب اإلرسائيليني السائدين. واملقصود أننا نسعى إىل عرض تجربة

الفلسـطينيني يف إرسائيل من وجهة نظر نقدية، وبرسدية مختلفة عن الرسدية القائمة التي

كتبـت -يف املعتاد- من املنظور املهيمن. نحن ال ندعي أن األبحاث حول املداخل التي نتطرق

إليها هنا غائبة أو ال توجد حولها أبحاث نقدية. يف الواقع إن بعض املساهمني يف هذا الكتاب

قد أثروا الحقل املعريف يف أبحاثهم حول املواضيع املنشـورة هنا نفسـها. ولكننا نرى أهمـية

يف نرش هذه املداخل يف كتاب واحد وعىل نحو مبسـط ومفهـوم للمهتمني واملهتمات بقضايا

الفلسـطينيني يف إرسائيل وباللغات الثـالث: العربية والعربية واإلنجليزيـة. كذلك إن بعضا

مـن املعطيات واملعلومات يف هذه املداخل غـري متوافرة إال يف لغة واحدة من بني هذه اللغات

الثـالث. ولذلك، نحـن نرى أهمـية يف نرشها للقراء يف العالـم العربي وللمجتمع اليهودي يف

إرسائيـل وللقارئ االجنبـي. وبذلك، نحن نأمل أن يتحول مركز «مـدى الكرمل» -الذي أعد

ونرش هذا الكتاب - إىل شباك ملعلومات حول الفلسطينيني يف إرسائيل، تكتب من وجهة نظر

نقدية تجاه السياسـات اإلرسائيلية، وتجاه التجربة الفلسـطينية القومية والعوامل الداخلية

التـي تعيق أو تسـهل تطور تجارب أفراد واعـني ملكانتهم السياسـية ولتجربتهم الجمعية

واالجتماعية وطامحني إىل تغيريها.

إن معظم املسـاهمات، يف هذا الكتاب، تتعاطى مع القضايا املركزية تعاطيا نقديا، وتعرض

بديال للخطاب املؤسسـاتي اإلرسائييل السـائد. فقد تناولت كتابات مختلفة مسـألة «تمثيل

التابع»، أو «من يستطيع أن يكتب عن املضطهد» (انظروا مثال: Spivak, 1994). نحن نرى

أن الكتابة عن قضايا الفلسـطينيني يف إرسائيل وعن سياسـة املؤسسـة اإلرسائيلية تجاههم

يرتبطان -يف األسـاس- بالتوجهات الفكرية والنقدية للكاتب وليس بهويته القومية. ولذلك،

جاء توجهنا إىل إرشاك يهود إرسائيليني يتبنون نظرة سياسية وفكرية نقدية يف الكتابة حول

الفلسطينيني يف إرسائيل.

سيالحظ القراء االختالف يف التوجهات الفكرية والبحثية التي اتبعها الباحثون لكتابة املقاالت

يف املداخل املختلفة يف هذا الكتاب. ويعكس ذلك اختالفات فكرية ومنهجية تنبع من الفروق

يف االعتماد عىل مدارس أكاديمية مختلفة، وتعكس أيضا طبيعة املهمة التي أوكلت للمؤلفني،

14

األبحاث حول الفلسطينيني يف إرسائيل: بني األكاديمي والسيايس

فالتعليمات التي أعطيـت للمؤلفني واملؤلفات كانت عامة وتتطلب أن يأخذ الباحث/الباحثة

أربعة محاور مركزية يف عني االعتبار: (1) إعطاء تعريف عام للمدخل والتطرق إىل السـياق

التاريخي؛ (2) السـعي إىل رفع مسـتوى الوعي واملعرفة حـول املصطلح؛ (3) االعتماد عىل

ه بحثي نقدي؛ (4) التطرق إىل بعض النقاط التحليلية، عىل أن يركز الباحث عىل املدخل توج

كحدث مهم يف تشكل املجتمع الفلسطيني وربطه بالوضع الفلسطيني العام.

ختامـا، نشـري إىل أننا وحدنـا األرقام الواردة يف األبـواب املختلفة يف هذا الكتـاب (مثل عدد

الالجئني الفلسطينيني وعدد الفلسطينيني الذين بقوا يف الجزء من فلسطني الذي أقيمت عليه

دولة إرسائيل)، كما وحدنا املصطلحات املتعلقة بالفلسطينيني يف إرسائيل التي سنستخدمها

يف هذا الكتاب. ويف ملحق هذا الكتاب الذي سننرشه الحقا، سنتطرق إىل اختيارنا للمصطلحات

املختلفة، وإىل االعتبارات التي وجهتنا الختيار هذه املصطلحات دون سواها.

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

15

املراجع

العربية

روحانـا، نديـم (2008). وثيقـة حيفا والفلسـطينيون يف إرسائيل: من هامش سـيايس اىل مركـز أخالقي. يف خليل نخلة (محرر)، مسـتقبل األقلية الفلسـطينية يف إرسائيل (صفحات: 76-142). رام الله: مدار-املركز

الفلسطيني للدراسات اإلرسائيلية.

اإلنجليزية

Asad, T. (1975). Anthropological texts and ideological problems: An analysis of Cohen on Arab villages. Economy and Society, 4(3), 251-282 .

Kimmerling, B. (1992). Sociology, ideology and nation-building: The Palestinians and their meaning in the Israeli sociology. American Sociological Review, 57(4), 446-460.

Haidar, A., & Zureik, E. (1987). The Israeli seen through the Israeli cultural paradigm. Journal of Palestine Studies, 16(3), 68-86.

Nakhleh, K. (1977). Anthropological and sociological studies on the Arabs in Israel: A critique. Journal of Palestine Studies, 6(4), 41-70.

Smooha, S., & Cibulski, O. (1978). Trends in research on Arabs in Israel, 1948-1976. Asian and African Studies, 12, 263-278.

Spivak, G. (1994). Can the subaltern speak? In P. Williams and L. Chrisman (Eds.), Colonial discourse and post-colonial theory: A reader (pp. 66-111). New York: Columbia University Press.

Zureik, E. (1993). Prospects of the Palestinians in Israel. Journal of Palestine Studies, 22(2), 90-109.

العربية

أوري، رام (1993). املجتمـع والعلـوم االجتماعية، علم اجتماع مؤسسـاتي وعلم اجتماع نقـدي يف إرسائيل. يف رام، أوري. (محرر). املجتمع اإلرسائييل: جوانب نقدية. تل أبيب: بريروت.

رابينوفيتش، داني (1993). حنني رشقي: كيف تحول الفلسطينيون إىل «عرب إرسائيل». نظرية ونقد، 4، 151-141.

روحانا، نديم، وصباغ-خوري، أريج (2006).السيطرة، حيز التسامح، وامتيازات املسيطر. يف هرتسوغ، حانا والهد، كينريت (محررتان). يعرفون ويصمتون: آليات اإلسكات واإلنكار يف املجتمع اإلرسائييل. القدس: فان

لري وهكيبوتس همؤوحد.

روزينهـك، زئيـف (1995). «تطورات حديثة يف علم اجتماع الفلسـطينيني يف إرسائيل: عـرض تحلييل». مغاموت (وجهات)، 37(2-1)، 190-167.

الفـلـسـطـيـنـيـون فـي إرسائـيــل

قــراءات يف التـاريـخ، والسيــاسـة، واملجـتـمـع

نـديــم روحـانـا أريـج صبـاغ-خـوري

محرران

2011

مـدى الكرمل

املركز العربي للدراسات اإلجتماعية التطبيقية

الـنـكـبـة

هـنـيـدة غـانـم

17

الـنـكـبـة

هـنـيـدة غـانـم*

النكبة هي الكارثة التي حلت بأبناء الشعب الفلسطيني عام 1948 إثر قيام القوات اليهودية

(اإلرسائيلية الحقا) بعملية تطهري عرقي واسعة ابتغت إخالء فلسطني من سكانها األصليني،

يف سبيل إقامة دولة قومية لليهود فيها.

أدت عمليات التطهري إىل طرد نصف السـكان الفلسطينيني من فلسطني التاريخية، و85%

ـ «دولة إرسائيل»، حيث من الفلسـطينيني الذين كانوا يعيشـون يف ما أصبح يعرف الحقا ب

حول هؤالء الفلسـطينيون إىل الجئني يعيشـون يف الدول العربية املجاورة، إضافة إىل الضفة

الغربية وقطاع غزة. إىل هذا، ينضاف قتل وجرح آالف الفلسطينيني (Abu-Sitta, 1999). وعمدت

القـوات الصهيونية -خـالل الحرب وبعدهـا- إىل تدمري ومحو قرى ومعالـم مدنية كاملة؛

إذ دمـرت هذه القوات مئات القرى الفلسـطينية تدمريا كامال، وأخلـت خمس مدن (صفد؛

ا. وواجهت األحياء الغنية بيسـان؛ طربيا؛ برئ السبع؛ املجدل) من سكانها العرب تفريغا تام

يف القدس (كالقاطمون، والبقعة، والطالبية) املصري نفسـه. كذلك أخلت القوات هذه خمس

مدن أخرى (يافا؛ حيفا؛ عكا؛ اللد؛ الرملة) من السواد األعظم من سكانها الفلسطينيني. ولم

تنج من الدمار والرتحيل إال مدينة النارصة، وذلك بأوامر مشددة من بن غوريون تهدف إىل

تجنب إغضاب الفاتيكان والعالم املسيحي (عبد الجواد، 2006).

ويف الفرتة الواقعة بني 29/11/1947 (قرار تقسـيم فلسطني) وتموز عام 1949 (تاريخ

توقيع آخر اتفاقية هدنة مع سـوريا)، نفذت القوات الصهيونية، بالقوة العسـكرية، عملية

طرد الفلسـطينيني من بالدهـم (بابيـه، 2007؛ Khalidi, 1959, 1961, 2005)، تحت

سـتار الدفاع عن النفـس. وبذلك، تحول ما يرتاوح بني 770,000 و780,000 من سـكان

فلسـطني إىل الجئني (Abu-Lughod, 1971, p. 161) - وهم سـكان 532 قرية ومدينة،

وأراضيهم تشكل %92.6 من مساحة إرسائيل (أبو ستة، 1997)1.

ترافقـت النكبة بالعمـل مبارشة عىل تصفية املالمـح العربية للبالد وبعملية تدمري املشـهد

د. هنيدة غانم هي مدير عام مدار – املركز الفلسطيني للدراسات اإلرسائيلية – رام الله *1 للمزيـد، انظروا: أبو سـتة (1997). «حق العـودة مقدس وقانوني وممكن». جريدة الدسـتور . أربع حلقات: 9/3، 9/4،

htm.1997-09-http://www.rorcongress.com/arabic/articles/13 :9/10، 1997/9/13. انظرواتم استقاء املعلومات من املوقع اإللكرتوني يف تاريخ 2 نيسان 2008.

18

الـنـكـبـة

الفلسطيني من خالل تغيري املشـهد الثقايف واالجتماعي والرمزي كذلك. وبدأت معها عملية

عربنـة وتهويـد2 مزدوجـة، إذ حولت مسـاكن وبيوت الالجئـني الفلسـطينيني املفرغة -يف

الكثري من املدن العربية- إىل مسـاكن السـتيعاب املهاجرين اليهود، من جهة، وجرى إحالل

تسـميات جديدة توراتية وصهيونية ويهودية مكان األسـماء الفلسـطينية، من جهة أخرى

(Benvensti, 2000)، فغريت أسـماء الشوارع واألحياء واملدن (سعدي، 2006، ص. 58)

يف إطار محو الهوية الفلسطينية والتأسيس لدولة يهودية مكانها.

أفـىض تدمري املركز املديني الفلسطيني إىل إعاقة مسارات التطور والحداثة التي كانت آخذة

بالتطور أساسـا يف املدن، وتركت أثرا مبارشا عىل حارض الفلسـطينيني ومستقبلهم. فضاع

خـالل عمليات النهب والتدمري جزء كبري من اإلرث الثقايف الفلسـطيني -وال سـيما املكتوب

منـه- (عبد الجـواد، 2006، ص. 11)، بما يف ذلـك املكتبات العامـة، والصحافة املطبوعة،

وسـجالت امللكية، وسجالت املعاهد واملدارس واملستشـفيات واملصارف. وأفىض دمار املدن

إىل تشـتت غالبية أفراد طبقة املثقفني واإلنتلجنسيا الناشئة، وخروج قادة املجتمع، وانهيار

البنيـة الطبقيـة. لـم يبق يف أرايض فلسـطني، التي أصبحـت الحقا إرسائيل، سـوى أقلـية

«مهزومة لشـعب مهزوم» (بشارة، 2000) تتشكل بغالبيتها من الفالحني (ما عدا النارصة

وشفاعمرو) ممن يعيشون يف تجمعات قروية يف املثلث والجليل وأقلـية بدوية يف النقب.

النكبة: والدة املفهوم

تعني النكبة للفلسـطيني فقـدان الوطن، وانهيار املجتمع، وفشـل مرشوعه القومي وحلمه

الوطني (سـعدي، 2006، ص. 58)، والعيش يف غربة اللجوء خارج الوطن -بعد أن أصبح

الجئا-، أو االغرتاب يف الوطن -بعد أن أصبح مواطنا يف دولة أقيمت عىل أنقاض مكانه.

كان قسـطنطني زريـق أول من أطلق هذه التسـمية («النكبة») عىل ما حـدث عام 1948.

فقـد صدر كتابه «معنـى النكبة» يف بريوت يف آب عام 1948. يقول زريق يف معرض حديثه

2 وصف موشـيه ديان، بصورة واضحة، عملية تهويد وتحويل فلسـطني إىل إرسائيل يف محارضة له أمام مجموعة من الطلبة يف معهـد التخنيون بتاريخ 19.3.1969. وقد نرش عنها يف صحيفة هآرتس بتاريخ 4.4.1969. وجاء فيها: «لقد حلت قرى يهودية مكان قرى عربية. ليس يف مقدوركم أن تعرفوا اليوم حتى أسماء تلك القرى العربية. وأنا ال ألومكم، فكتب الجغرافيا لـم يعد لها وجود؛ بل إن القـرى العربية ذاتها لم يعد لها وجود. لقد حلت نهالل مكان معلول، وجبعات مكان جبع، ورسيد مـكان خنيفس، وكفار يهواشـوع مكان تل الشـمام . ليس هناك مكان مبنـي واحد يف هذه البالد لم يكن من قبل مسـكونا

بالعرب.» انظروا بالعربية: http://www.nakbainhebrew.org/images/unit2_app23+.pdf

تم استقاء املعلومات من املوقع اإللكرتوني يف تاريخ 2 نيسان 2008.

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

19

([1948]1994): «ليسـت هزيمـة العرب يف فلسـطني بالنكبة البسـيطة، أو بالرش الهني

العابر، وإنما هي نكبة بكل ما يف هذه الكلمة من معنى ومحنة من أشد ما ابتيل به العرب يف

تاريخهـم الطويل، عـىل ما فيه من محن ومآس» (ص. 11). وقد أضاف زريق أن تراجيدية

النكبـة تكمن يف أنها أثـرت حتى عىل الرتكيبة الثقافية والنفسـية؛ إذ -عىل حد تعبريه- «إن

دوا من بيوتهم ويهيموا عىل وجوههم فحسب، مئات اآلالف من أهل هذا البلد املنكوب لم يرش

دت أيضا وهامت» (ص. بل إن أفكارهم وآراءهم وأفكار أبناء وطنهم يف شتى منازلهم قد رش

17). ووفـق ما ورد يف لسـان العـرب، تعني النكبة «مصيبة من مصائـب الدهر»، وقد ذيل

التعريف بمالحظة «حمانا الله منها»3. ويف العام 1949، نرش الشـاعر الفلسـطيني برهان

الدين العبويش كتابه «شـبح األندلس: مرسحية عن نكبة فلسـطني ومعركة جنني الكربى».

ويف منتصف الخمسـينيات، نرش املؤرخ الفلسـطيني عارف العارف بحثه املوسوعي املكون

من سـتة مجلدات ضخمة «النكبة الفلسـطينية والفردوس املفقود: 1947-1955»، تناول

ر األحداث منذ قرار التقسيم يف 29-11-1947، مرورا باملعارك فيه، عىل نحو تفصييل، تطو

الضارية يف العام 1948 ونتائجها، حتى عام 1955 (العارف، 1951-1956). كتب العارف

يف مقدمة كتابه ذاكرا رضورة تسمية ما حل بالعرب بعامة والفلسطينيني بخاصة -بدءا من

قرار التقسيم- بالنكبة، موضحا: «وكيف ال أسميه (النكبة)؟ وقد نكبنا نحن معارش العرب

عامـة والفلسـطينيني خاصة، خالل هـذه الحقبة من الزمن، بما لم ننكـب بمثله منذ قرون

وأحقاب: فسـلبنا وطننا، وطردنـا من ديارنا، وفقدنا عددا كبريا مـن أبنائنا وأفالذ أكبادنا،

وأصبنا فوق هذا وذاك بكرامتنا يف الصميم» (العارف، 1951-1956، الجزء األول، ص. 3).

املطامح الصهيونية يف فلسطني:

أخذت املطامح الصهيونية إىل إنشـاء دولة لليهود عىل أرض فلسـطني تظهر بقوة يف أواخر

القرن التاسـع عرش، ولقيت تعبريا عنها يف املؤتمر الصهيوني األول املنعقد يف مدينة بازل يف

سـويرسا يف 31-29 آب عام 1897، برئاسة ثيودور هريتسل وحضور 204 أعضاء يمثلون

الجاليـات اليهوديـة يف 15 دولة. وضع املؤتمـر ما عرف، يف ما بعد، باسـم «برنامج بازل»

الصهيوني؛ وقد كان القرار األسـايس الذي اتخذه املؤتمر: «تسـعى الصهيونية إلقامة وطن

لليهود يف فلسطني، معرتف به وفقا للقانون العام» (الحوت، 1991، ص. 348). ويف الثاني

http://www.alwaraq.net/Core/AlwaraqSrv/LisanSrchOneUtf8 :انظروا لسان العرب 3تم استقاء املعلومات من املوقع اإللكرتوني يف تاريخ 5 نيسان 2009.

20

الـنـكـبـة

مـن ترشين الثاني عام 1917، صـدر وعد بلفور الذي أعلنت فيـه الحكومة الربيطانية عن

دعمها إنشـاء وطن قومي لليهود يف فلسـطني. كمـا أعلنت من خالله نيتهـا بذل كل الجهد

ا أسـهم يف تسهيل الالزم من أجل تسـهيل تحقيق هذه الغاية. كان هذا الترصيح إطارا مهم

هجرة اليهود إىل فلسـطني، ويف دعم مسـاعي الحركة الصهيونية املتالحقة يف سبيل تأسيس

مؤسساتها السياسية واالجتماعية وخلق نواة الدولة اليهودية.

قام العرب بالعديد من االنتفاضات املتالحقة ضد القرار، وضد املتاجرة الربيطانية بهم، كان

من أشـهرها انتفاضة 1921-1920، وهبة الرباق عام 1929، وثورة الفالحني عام 1936.

وعـىل الرغم من بعض النجاحات التي حققتها هـذه الثورة، والتي تمثلت بإصدار الحكومة

الربيطانية الكتاب األبيض، الذي تضمن -عمليا- تخليا عن فكرة تقسيم فلسطني ودعوة إىل

إقامة دولة واحدة للعرب واليهود عىل أسـاس تمثيل نسـبتهم يف السكان، والدعوة إىل تقييد

الهجرة اليهودية إىل فلسـطني، إضافة إىل تقييد رشاء اليهود لألرايض، استمرت الثورة حتى

عام 1939، وجابهها االنتداب بيد من حديد أدت إىل إنهاك الفلسطينيني وإضعافهم، وهو ما

أسهم، الحقا، يف املساس بقدرتهم عىل مواجهة القوات الصهيونية. (كبها، 1988، صفحات:

.(97-101

يف 29 ترشيـن الثاني عام 1947، أصـدرت الجمعية العامة التابعة لهيئة األمم املتحدة قرار

تقسـيم فلسطني الذي حمل الرقم «181»، ودعا إىل تأسيس دولة عربية وأخرى يهودية عىل

تراب فلسـطني، ووضع مدينة القدس تحت الوصاية الدولية. يف تلك الفرتة، أقام يف فلسطني

نحـو مليون وأربعمائة ألف فلسـطيني، و605,000 من اليهود الذين شـكلوا نحو 30%

من مجمل سـكان فلسطني. وعند صدور قرار التقسـيم عام 1947، لم يمتلك اليهود سوى

%7 من مسـاحة فلسطني التاريخية، يف حني منح قرار التقسيم %56 من مساحة فلسطني

.(Khalidi, 2005) «التاريخية «للدولة اليهودية

رفضـت القيادات العربية والفلسـطينية (باسـتثناء بعض قيادات عصبـة التحرر الوطني

والشـيوعيني) قرار التقسيم، واعتربته قرارا ظاملا ومجحفا بحق الفلسطينيني. ويف الخامس

عرش من أيار عام 1948، اليوم املقرر النسحاب القوات الربيطانية من فلسطني، أعلن دافيد

بـن غوريون قيـام دولة إرسائيل عىل الجـزء الذي خصصه قرار التقسـيم للدولة اليهودية،

والـذي -حتى نهاية الحـرب وتوقيع اتفاقيات الهدنة يف ربيع عـام 1949- ألحق به 26%

صة للدولة العربية، لتضم إرسائيل %78 من مساحة فلسطني التاريخية من املساحة املخص

البالغـة نحـو 27 ألـف كيلو مرت مربع، بينمـا بقي %22 من هذه املسـاحة ليخضع تحت

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

21

اإلدارة العربية (األردنية عىل الضفة الغربية، واملرصية عىل قطاع غزة).

اندالع املواجهات واملجازر التي نفذت ضد الفلسطينيني:

بدأت املواجهات العسكرية بني الجانب العربي والقوات الصهيونية مبارشة بعد صدور قرار

التقسـيم يف ترشين الثانـي عام 1947، واسـتمرت حتى ترشين الثاني عـام 1948. وعند

زين انـدالع املواجهات يف أعقاب إقرار قرار تقسـيم فلسـطني، لم يكن الفلسـطينيون مجه

ملواجهة عسـكرية كما ينبغي. وتشـكلت القوات املقاتلة العربية -يف األساس- من قوات غري

نظاميـة من املتطوعني املحليني والعـرب، وضمت قوات الجهاد املقـدس بقيادة عبد القادر

الحسـيني، وجيش اإلنقـاذ بقيادة فوزي القاوقجـي، وقوات من الجيش املـرصي، والفيلق

العربـي بقيـادة عبد الله التل. ولم تتدخل القوات العربية الرسـمية يف القتال، إال بعد انتهاء

االنتداب رسـميا يف 1948-5-15، بعد أن حسمت الحرب تقريبا لصالح القوات الصهيونية

(تمـاري، 2006، ص. 116). وضم جيش اإلنقاذ 3,830 متطوعا عربيا وفلسـطينيا، بينما

كان عـدد مقاتيل «الجهاد املقـدس» 1,563 (Khalidi, 1961). وغلب عىل القوات العربية

قلـة التنظيـم واالسـتعداد، إضافة إىل نقص عتادها العسـكري. كذلك سـادت -يف كثري من

األحيان- أجواء من التوتر بني جيش اإلنقاذ و«الجهاد املقدس»، مما أسهم يف تقليل التنسيق

بينهمـا والتأثـري، بالتايل، عىل فاعليـة مقاومتهما للقوات الصهيونيـة. يف املقابل، قدر حجم

ـ 62,000 رجل خدم بعض منهم سابقا يف الجيش الربيطاني، القوة العسكرية الصهيونية ب

أو يف جيوش أوروبية، وكانوا مدربني ومتفوقني من حيث التسـليح والعتاد (تماري، 2006،

ص. 116). تشـكلت القوات املسـلحة الصهيونية من العديد من املليشيات، كان من أبرزها:

منظمـة الهاغانـاه («الدفاع») بقيادة دافيـد بن غوريون والتي غدت الحقا أسـاس الجيش

اإلرسائييل؛ «اإلرغون» (تعرف كذلك باسـم «إيتسـل»)؛ منظمة «شـترين» (املعروفة باسـم

ـ «البلماح»). «ليحي») اليمينية املتطرفة؛ الرسايا الضاربة (املعروفة ب

يف اليوم التايل لقرار التقسيم، بدأت الهاغاناه بدعوة جميع اليهود يف فلسطني الذين بني سن

السـابعة عرشة والخامسـة والعرشين إىل الخدمة العسـكرية. وبدأ العمل -يف املقابل- عىل

تحضري الخطة «د» (دالت) للتطهري العرقي لفلسطني، التي رمت -من جهة- إىل االستحواذ

عـىل املناطق املعدة إلقامة الدولة اليهودية، ومن جهة أخرى رمت إىل «تنظيف» هذه املناطق

من السكان الفلسطينيني. صودق عل الخطة «دالت» عىل أعىل مستويات القيادة الصهيونية؛

ففـي العارش من آذار 1948، عقدت قيادة الهاغانـاه اجتماعا يف البيت األحمر -مقر حركة

22

الـنـكـبـة

العمال يف تل أبيب- وضم أحد عرش قياديا بارزا ومسؤوال عسكريا، عىل رأسهم بن غوريون،

حيـث أقـرت خطة «دالت» الرامية إىل تطهري الجزء األكرب من فلسـطني. ويف الليلة نفسـها،

صـدرت األوامر للوحدات العسـكرية بالتهيؤ لطرد الفلسـطينيني. حملـت األوامر الصادرة

-بحسب املؤرخ إيالن بابيه- تفاصيل دقيقة حول أساليب تنفيذ التطهري العرقي: التخويف

الشـديد؛ فرض الحصار؛ تفجري قرى ومراكز مدن؛ إشـعال النـريان يف البيوت واملمتلكات؛

الطرد؛ الهدم؛ وأخريا، زرع األلغام يف األنقاض لضمان عدم عودة السكان. وقد وزعت املهام

عىل الوحدات املسـلحة، وزودت كل وحدة بقائمة تتضمن أسـماء القرى أو املدن التي عليها

إخالؤها (بابيه، 2006). كان يف الهاغاناه عدة فرق تحت ترصفها، استلمت كل واحدة الئحة

بالقـرى التي عليهـا احتاللها وتدمريها. كانت هذه القرى تحـارص من ثالث جهات، وترتك

الجهة الرابعة منفذا للفرار (كناعنة، 2000؛ بابيه، 2007).

نفـذت القـوات الصهيونية العديد من املجازر ابتغاء إلحاق الرعب بالسـكان الفلسـطينيني

وحثهم عىل الرحيل. يف 31/03/1948، وضعت عصابة شـترين الصهيونية لغما يف قطار

القاهرة-حيفـا الرسيع، فاستشـهد، عنـد االنفجار، 40 شـخصا، وجـرح 60 آخرون. ويف

1/03/1948، نسفت مجموعة من عصابة الهاغاناة اإلرهابية قطار حيفا-يافا أثناء مروره

بالقرب من نتانيا، فاستشـهد، جراء ذلك، 40 شخصا. ويف 9/04/1948، باغتت مجموعة

من العصابتني «اإلرغون» و«شترين» قرية دير ياسني (قرب القدس)، وفتكت بالسكان دون

تمييز بني األطفال والشيوخ والنساء، ومثلت بجثث الضحايا وألقت بها يف برئ القرية. وكان

أغلـب الضحايا من النسـاء واألطفال والشـيوخ (الخالـدي، 1999). ويف 14/04/1948،

أرسـلت العصابتان -اإلرغون وشـترين- قوة يرتدي أفرادها األلبسة العربية إىل قرية نارص

الديـن التي تقع جنوب غرب مدينة طربيا (عىل مبعدة سـبعة كيلومرتات منها). وحني دخل

أفراد القوة القرية، فتحوا نريان أسـلحتهم عىل السـكان، فاستشهد، جراء ذلك، 50 شخصا،

علمـا بأن عدد سـكان القريـة، آنذاك، كان يبلـغ 90 شـخصا. ويف4/05/1948 ، أعدمت

دا. ويف قرية أبو قـوات صهيونية يف قريـة عني الزيتون (قضاء صفد (نحو 70 أسـريا مقيـ

شوشـة (قضـاء الرملة)، نفذت وحدة غفعاتـي مجزرة قتل فيها 60 من أهـل القرية4. ويف

الطنطورة، قامت كتيبة ألكسندروني، بعد احتالل القرية يف 22/05/1948، بإطالق النار

عىل السـكان، فقتل مئتان منهم، دفنوا يف مقربة أقيمت عليها الحقا ساحة لوقوف السيارات

كمرفق لشـاطئ مسـتعمرة «دور» عىل البحر املتوسـط جنوب حيفا (كاتس، 1998؛ بابيه،

http://nakba.sis.gov.ps/massacers/massacers.html :مركز املعلومات الوطني الفلسطيني 4تم استقاء املعلومات من املوقع اإللكرتوني يف تاريخ 5 نيسان 2009.

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

23

.(2002

لـم تهدأ أصـوات املدافـع والرصاص إال مع حلـول شـتاء 1949، بعد أن نجحـت القوات

الصهيونية يف تنفيذ مرشوعها وترحيل غالبية الفلسـطينيني من األماكن التي شـكلت عليها

دولتها إرسائيل. أصبحت النكبة -فلسـطينيا وعربيا- الحدث األهم الذي أثر إسرتاتيجيا عىل

وجهـة العالم العربي، خلعت بعدها أنظمة من أماكنها، وحلت أخرى ألنها وعدت بالتحرير،

وانطلـق النضال الفلسـطيني ليصلح الغبن الذي لحق بأهله الذين انقلب عاملهم رأسـا عىل

عقب. وبني نضال وآخر، وحرب وأخرى، ما زال أغلب الفلسطينيني يعيشون أمل العودة إىل

البيت -حتى لو أصبح البيت كومة غبار.

24

الـنـكـبـة

املراجع

العربية

أبو سـتة، سـلمان (1997). «حق العودة مقدس وقانوني وممكن». جريدة الدسـتور. أربع حلقات: 9/3، 9/4، .1997/9/13 ،9/10

الخالدي، وليد (1999). دير ياسني-الجمعة 1948/4/9. بريوت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية.

العارف، عارف (1951-1956). نكبه فلسـطني والفردوس املفقود 1947-1955 (ستة أجزاء).كفر قرع: دار الهدى.

بابيه، إيالن (2007). التطهري العرقي يف فلسطني. بريوت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية.

بابيه، ايالن (2006). النكبة يف التاريخ والحارض. يف مصطفى كبها (محرر)، نحو صياغة رواية تاريخية للنكبة (صفحات: 275-259). حيفا: مدى الكرمل-املركز العربي للدراسات االجتماعية التطبيقية.

بشارة، عزمي (2000). العرب يف إرسائيل، رؤية من الداخل. بريوت: مركز دراسات الوحدة العربية.

تماري، سـليم (2006). القدس 1948: األحياء املهجرة والعمـق القروي. يف مصطفى كبها (محرر)، نحو صياغة روايـة تاريخية للنكبة (صفحات: 99-131). حيفا: مدى الكرمل-املركز العربي للدراسـات االجتماعية

التطبيقية.

زريق، قسـطنطني [(1948)، 1994]. معنى النكبة، يف األعمال الفكرية العامة. بريوت: مركز دراسـات الوحدة العربية.

سـعدي، أحمـد (2006). الذاكـرة والهويـة. يف مصطفى كبها (محـرر)، نحو صياغـة رواية تاريخيـة للنكبة (صفحات: 57-79). حيفا: مدى الكرمل-املركز العربي للدراسات االجتماعية التطبيقية.

عبـد الجـواد، صالـح (2006). ملاذا ال نسـتطيع كتابـة تاريخنا املعارص من دون اسـتخدام املصادر الشـفوية. يف مصطفـى كبها (محرر)، نحو صياغة رواية تاريخية للنكبة (صفحات: 25-55). حيفا: مدى الكرمل-

املركز العربي للدراسات االجتماعية التطبيقية.

كبها، مصطفى (1988). ثورة 1936 الكربى، دوافعها وانعكاساتها. النارصة: دار القبس.

كناعنة، رشيف (2000). الشـتات الفلسـطيني، هجرة أم تهجري. رام الله: مركز الالجئني والشتات الفلسطيني (شمل).

نويهـض الحـوت، بيـان (1991). فلسـطني (القضيةـ الشـعبـ الحضـارة): التاريخ السـيايس من عهد الكنعانيني حتى 1917. بريوت: دار االستقالل للدراسات والنرش.

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

25

اإلنجليزية

Abu-Lughod, J. (1971). The demographic transformation of Palestine. In I. Abu-Lughod (Ed.), The transformation of Palestine (pp. 139-163). Evanston: North Western University Press.

Abu-Sitta, S. (1999). Palestinian refugees and the permanent status negotiations policy. Brief No. 7. Washington, DC: Palestine Center.

Benvenisti, M. (2000). Sacred landscape: The buried history of the Holy Land since 1948. (M. Kaufman-Locustae, Trans.). Berkeley: University of California Press.

Khalidi, W. (1959). Why did the Palestinians leave? Middle East Forum, 24, 21-24.

Khalidi, W. (1961). Plan Dalet: The Zionist master plan for the conquest of Palestine.Middle East Forum, 37(9), 22-28.

Khalidi, W. (2005). Why did the Palestinians leave? Revisited. Journal of Palestine Studies, XXXIV(2), 42-54.

العربية

بابيـه، ايـالن (2002). «قضية كاتـس والطنطورة: التأريـخ، علم التأريخ، القضـاء واألكاديميـا». نظرية ونقد، .191-217

كاتس، تيودور (1998). خروج العرب من القرى لسفوح الكرمل الجنوبي يف عام 1948. حيفا: جامعة حيفا، أطروحة ماجسرت.

الفـلـسـطـيـنـيـون فـي إرسائـيــل

قــراءات يف التـاريـخ، والسيــاسـة، واملجـتـمـع

نـديــم روحـانـا أريـج صبـاغ-خـوري

محرران

2011

مـدى الكرمل

املركز العربي للدراسات اإلجتماعية التطبيقية

رون الفلسطينيون يف إرسائيل املهج

أريج صباغ – خوري

27

رون الفلسطينيون يف إرسائيل املهج

أريج صباغ–خوري*

رين يف إرسائيل» هؤالء الفلسـطينيني الذين هجرتهم املنظمات اليهودية تضم رشيحة «املهج

من بيوتهم قبل قيام دولة إرسائيل، أو مؤسسات خاضعة لدولة إرسائيل بعد إقامتها، والذين

رين من العودة إىل بقـوا داخل حدود دولة إرسائيل. وحتى اليـوم، تمنع إرسائيل هؤالء املهجبيوتهم.1

يمكـن التطرق إىل تفاصيل التقسـيم الداخيل لهذه املجموعة وفـق تعريفات مركز «بديل -

املركز الفلسـطيني ملصادر حقـوق املواطنة والالجئني». ويميز مركـز بديل بني مجموعتني

ري ري ما بعد 1948. تشـمل املجموعة األوىل –مهج ري 1948، ومهج رين: مهج مـن املهج

رين الذين بقوا داخل إرسائيل، وهم هؤالء الفلسطينيون الذين 1948– الجزء األكرب من املهج

هجـروا من بيوتهم أثنـاء النكبة يف العام 1948. ويطلق عليهـم القانون اإلرسائييل تعريف

«الغائبني الحارضين» (بديل، 2003).

رو ما بعد 1948- فهي أصغر عددا من املجموعة األوىل، وتتألف أمـا املجموعة الثانية -مهج

من الفلسـطينيني الذين هجرتهم إرسائيل يف سـنوات مختلفة بعـد قيامها، يف عمليات طرد

داخـيل أو طـرد إىل خارج حدود دولـة إرسائيل. جزء كبري من هـذه املجموعة هم من البدو

الفلسطينيني (بديل، 2003). سكن بعضهم يف ما يسمى اليوم القرى «غري املعرتف بها».

وفق هذه التعريفات، التهجري لم يجر إبان حرب عام 1948 فقط، وإنما اسـتمر إىل ما بعد

الحـرب، وبعد اإلعالن عن إقامة دولة إرسائيل (جريـس، 1967؛ مصالحة، 1997، 2003؛

Kamen, 1988). مـن ذلك تهجري السـكان من القرى أم الفـرج وقطية والجاعونة واقرت

وكفر برعم والغابسية والخصاص، يف ظروف مختلفة (جريس، 1967). إضافة اىل التهجري

أريج صباغ–خوري هي طالبة دكتوراة يف قسـم العلوم االجتماعية وعلم االنسـان يف جامعة تل-أبيب، وباحثة يف مركز مدى *الكرمل-املركز العربي للدراسات االجتماعية التطبيقية.

استعملت أسماء أخرى لهذه الرشيحة يف الخطابني األكاديمي والسيايس للفلسطينيني يف إرسائيل، نحو: «الجئون يف وطنهم»؛ 1رون يف إرسائيل»-وهي «الجئو الداخل»؛ «الجئون يف إرسائيل»؛ «الجئو 1948». يف هذه املقالة، سـوف أعتمد التسـمية «املهج

رين يف إرسائيل». رين-الجمعية للدفاع عن حقوق املهج رون عىل أنفسهم عرب «جمعية املهج التي أطلقها املهج

28

رون الفلسطينيون يف إرسائيل املهج

الداخـيل، قامـت إرسائيل، بعد إقامتها، بطرد الفلسـطينيني من عدة قـرى ومدن إىل خارج

حدودهـا، كما يف حالة طرد السـكان املتبقني يف مدينة املجدل-عسـقالن (التي تدعى اليوم

أشـكلون)، والذين بلغ عددهم ما يقارب الـ 2,700 نسـمة من أصل 10 آالف نسـمة. وقد

تلقى هؤالء السـكان، يف العام 1950، أوامر طرد من مدينتهم، رحلوا إثرها إىل حدود قطاع

غزة خالل أسـابيع قليلة، وذلك ألن قادة إرسائيل كانوا بحاجة إىل املجدل وأراضيها إلسكان

املهاجريـن اليهود فيها (مصالحـة، 1997، ص. 27). من األمثلة األخـرى لعمليات الطرد،

التـي جرت بعـد قيام دولة إرسائيـل، عمليات التهجـري التي جرت يف النقب. ويشـري بيني

موريس إىل أن إرسائيل طردت نحو 17 ألف فلسطيني من النقب يف الفرتة الواقعة بني سنة

1949 وسنة 1953 (مقتبس لدى مصالحة، 1997، ص. 29). يشري مصالحة (1997) إىل

أنـه إثر عمليات التهجري والطرد قل عدد العـرب البدو يف النقب من نحو 65-95 ألفا (وفق

التقديرات التي وردت يف نهاية فرتة االنتداب الربيطاني) إىل 13 ألفا يف سنة 2.1951

خالل السـنوات األوىل لقيام إرسائيل، امتنعت السـلطات اإلرسائيلية عن الترصيح عن نيتها

رين إىل بلداتهم (Kamen, 1987)، ولكنها اسـتعملت شـتى الوسـائل من منع عودة املهج

أجـل منع عودتهم، وكان أهم هذه الوسـائل فرض «الحكم العسـكري» عىل الفلسـطينيني

بـني األعوام 1948–1966. وأوكل الحكم العسـكري الحكام العسـكريني صالحية اإلعالن

عـن املناطق العربية كمناطق مغلقة بموجب املادة 125 مـن أنظمة الطوارئ، حيث يجري

Segev, الخـروج منهـا والدخول إليها فقط بواسـطة تصاريـح تنقل (مصالحـة، 2003؛

رين، 1986).3 وقد اتخذت السـلطات اإلرسائيليـة خطوات أخرى ملنع عودة الالجئني واملهج

نحو: هدم البيوت يف بعض القرى واملدن؛ طرد السـكان إىل خارج الحدود التي أعلنت عنها

أنهـا دولة إرسائيـل؛ وتوطني جزء من املهاجريـن اليهود يف بيوت الالجئـني؛ وإقامة بلدات

.(Kamen, 1987) رة يهودية عىل أرايض بلدات مهج

2 هذه األمثلة تعزز مقولة أن عمليات الطرد والتهجري لم تحدث يف سـياق الحرب بني الفلسـطينيني واليهود يف فلسطني فقط، بل إنها مرتبطة باأليديولوجيا الصهيونية ذاتها -من حيث السـيطرة عىل أكرب مسـاحة ممكنة من األرض يف فلسطني، وبأقل

عدد من العرب.3 أهداف النظام العسكري املعلنة كانت فرض القانون واإلدارة العسكرية عىل الفلسطينيني ألهداف أمنية. إضافة إىل ذلك، كان رين إىل بلداتهم األصلية. هذه األهداف -وفق للحكم العسكري أهداف غري معلنة مرتبط معظمها بمنع عودة الالجئني واملهجرين نور مصالحة- هي: أوال، منع الالجئني الفلسطينيني من العودة إىل قراهم ومدنهم يف إرسائيل؛ ثانيا، تهجري وإخالء املهجرين الذين بقوا يف مـن القرى واملدن العربية شـبه املهجورة وترحيلهـم إىل مناطق أخرى يف البالد؛ ثالثا، تقليص عـدد املهجإرسائيل عن طريق طردهم إىل خارج حدود دولة إرسائيل؛ أما الهدف الرابع، فكان فرض الرقابة عىل املواطنني الفلسطينيني

وعزلهم عن السكان اليهود (مصالحة، 1997؛ 2003).

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

29

رون بني العودة والتوطن املهج

رون مع وضعيتهـم الجديدة عىل أنها مؤقتة وانتظروا العودة كسـائر الالجئني، تعامل املهج

رون إىل قراهم. وكمثل سـائر الالجئني الفلسـطينيني يف مخيمات اللجوء أيضـا، تلقى املهج

املسـاعدات مـن قبل األنـروا؛ إال أن هذه املسـاعدات توقفـت يف بداية الخمسـينيات، وذلك

رين مسـألة إرسائيلية داخليـة. وخصصت الحكومة ألن الحكومـة اإلرسائيلية اعتربت املهج

اإلرسائيلية ميزانية لضمان تشغليهم يف بعض البلدات العربية التي بقيت قائمة بعد اإلعالن

.(Al-Haj, 1988; Kamen, 1987) عن إقامة دولة إرسائيل

رين، اتسـمت بثالث يشـري الحـاج (1988) إىل أن فرتة ما بعـد العام 1948، يف حياة املهج

مراحـل. املرحلة األوىل هي التي امتدت بني األعوام 1951-1948؛ وهي املرحلة التي بحث

رون عن مكان آمن إليوائهم؛ وقـد تهجرت فيها العائالت من بلدة اىل أخرى بحثا فيهـا املهج

رين توطنوا يف بلدات قريبة لبلداتهم األصلية التي ربطتهم بها، يف عن مكان آمن. معظم املهج

بعض الحاالت، عالقة اجتماعية واقتصادية، ويف بعض الحاالت ألنهم أرادوا البقاء بالقرب من

بلداتهم األصلية، لتتسنى لهم العودة إليها. املرحلة الثانية، التي امتدت بني األعوام 1952-

ـرون حالتهم كحالة مؤقتة آملني 1956، كانـت مرحلة االنتظـار والتوقعات. لقد رأى املهج

رين، رغم نجاحهم يف ترميم حياتهم يف العـودة إىل قراهم بعد أن تهدأ األوضاع. بعض املهج

البلدات التي لجأوا إليها، كانوا -وما زالوا- يرون حياتهم يف هذه البلدات عىل أنها مؤقتة (هذا

رين من أبناء الجيلني الثاني والثالث، وهم الذين الشـعور ينطبق كذلك عىل الكثري من املهج

ولدوا يف البلـدات التي لجأ أهلهم إليها)، وكانوا ينتظرون العودة إىل قراهم األصلية (انظروا

–مثـال-: كبها وبرزيالي، 1996). ومـن هنا، يصعب االدعاء أن فـرتة االنتظار والتوقعات

رين إىل اتخاذ انتهـت. لكن، يف رأيي، من املمكـن االدعاء أنه كانت هناك عوامـل أدت باملهج

الخطوات العملية من أجل االسـتقرار -وإن عىل نحو مؤقت- يف البلدات التي لجأوا إليها إىل

حني عودتهم إىل قراهم. ويحاول ماجد الحاج (1988) رشح بعض هذه العوامل، فيشري إىل

أن حـرب عام 1956 بني إرسائيل ومرص وانهـزام األخرية كانت من بني العوامل التي أنهت

ـرون-، والتي خاللها تعامل فـرتة االنتظار لدى الفلسـطينيني يف إرسائيل -بمن فيهم املهج

الفلسـطينيون مع إقامة دولة إرسائيل كأمر مؤقت سيزول حتما. باإلضافة إىل ذلك، مارست

رين من أجل توطينهم يف السـلطات اإلرسائيلية خالل عقد الخمسـينيات الضغوط عىل املهج

األماكن التي لجأوا إليها، وقد أقامت لجانا مختلفة من أجل تنفيذ مخططات التوطني، نحو:

رين بيع ممتلكاتهم «سـلطة إسكان الالجئني»؛ «لجنة نقل السـكان» التي عرضت عىل املهج

30

رون الفلسطينيون يف إرسائيل املهج

أو اسـتبدالها.4 كذلك يشـري الحاج (1988) إىل أن غياب التنظيم السيايس القطري قد خيب

ريـن بالعودة، وأدى -يف مـا أدى- إىل إنهاء فرتة التوقعات. أمـا املرحلة الثالثة آمـال املهج

رين بحسـبه، فهي مرحلة التوطن التي ابتدأت يف العـام 1957، والتي بدأ فيها بعض املهج

رشاء األرايض وبناء بيوت لعائالتهم يف البلدات التي لجأوا إليها.

رون: معطيات ديموغرافية املهج

رين وخصائصهم الديموغرافية يف كتاب اإلحصاء اإلرسائييل السـنوي. ففي ال يرد عدد املهج

املسـحني السكانيني األول والثاني، اللذين أجرتهما دولة إرسائيل يف العامني 1948 و1961

رون ضمن فئة منفصلة عن سـائر الفلسـطينيني الذين بقوا يف عىل التوايل، لم يصنف املهج

وطنهـم بعد النكبة. ويرجع غياب هذا التصنيف -بـرأي كيمن- إىل احتمالني: األول، هو أن

رين ارتبط مع السـياق العام إلهمال الفلسـطينيني يف إرسائيل بعد إقامة إهمال قضية املهج

دولـة إرسائيـل؛ والثاني، ينبع من عدم رغبة الدوائر الرسـمية يف إرسائيل بجذب االنتباه إىل

وجود مثل هذه املسـألة بواسطة تزويد الوسـائل واآلليات لتصنيفهم، إذ إن تزويد مثل هذه

املعلومات، برأيه، قد يذكر أن ملشكلة الالجئني، التي ولدت نتيجة للنكبة، وجودا كذلك داخل

.(Kamen, 1987) إرسائيل، رغم صغر حجمها وطبيعتها املختلفة

رين، فيشـري إىل أن منظمة األنـروا قدرت، يف يتطـرق واكيـم (2001) إىل تقدير عدد املهج

ـ 46 ألف نسـمة،5 أي نحو %30 من املواطنني العرب الذين رين ب العام 1950، عدد املهج

بقوا يف إرسائيل يف تلك الفرتة (156 ألف نسـمة). ويشـدد واكيم، يف هذا السياق، عىل أن هذا

روا عام 1948 فقط، وال يشمل املواطنني الفلسطينيني الذين هجروا التقدير يشري إىل من هج

بعـد عـام 1948، والذين لم يذكروا يف إحصائيـات األنروا. وفق واكيـم (2001)، تراوحت

رين بني %25 و%30 من السـكان الفلسـطينيني داخل إرسائيل. حسب هذه نسـبة املهج

التقديرات، تجاوز عددهم الـ 250 ألف مواطن فلسـطيني. إال أن واكيم ال يشـري يف مقاله

إىل السنة التي تعود إليها هذه املعطيات. وتشري بعض التقديرات إىل أن عدد من هجروا بعد

قيام دولة إرسائيل يصل إىل نحو 75 ألف فلسطيني يف إرسائيل (بديل، 2003).

رين يف إرسائيل هو املسح السكاني أول مسـح سـكاني تضمن، عىل نحو مفصل، عدد املهج

رين قبلت عرض السلطات اإلرسائيلية، وربما 4 يشري واكيم (2001)، وكبها وبرزيالي (1996)، إىل أن نسبة ضئيلة من املهجيعود ذلك –يف حالة الكثري منهم- إىل الظروف التي عانوها بعد النكبة.

رين بعد العام 1948 ترتاوح بني 31,000 و50,000 نسمة (ص. 654). 5 يشري الحاج (1986) إىل أن تقديرات عدد املهج

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

31

الذي أجرتـه «جمعية الجليل -الجمعية العربية للبحـوث والخدمات الصحـية»، و«ركاز –

بنـك املعلومات عن األقلية الفلسـطينية يف إرسائيل»، ومركز «مـدى الكرمل -املركز العربي

رين عىل أنهم للدراسات االجتماعية التطبيقية» يف نهاية العام 2004. عرف هذا املسح املهج

«الفلسطينيون الذين أجربوا عىل ترك بيوتهم واالنتقال إىل أماكن إقامة أخرى داخل إرسائيل

نتيجـة ألي حرب و/أو نتيجة لسياسـات الحكومة اإلرسائيليـة أو غريها. وتعريف التهجري

رين وعائالتهم، ويورث من خالل ذريات الذكور، أي إن األبناء يتبعون األب يف يشـمل املهج

رون. وال يشمل هذا التعريف الفلسطينيني الذين هجروا ر هم مهج التهجري، فأبناء األب املهج

من قراهم وعادوا إليها الحقا، رغم أن قانون الحارض غائب ما زال سـاريا عليهم حتى اآلن»

(جمعية الجليل وركاز ومدى الكرمل 2005، ص. 36). وفق هذا التعريف، وجد املسـح أن

رين. %15.1 من السكان الفلسطينيني يف إرسائيل هم من املهج

الجدول 1

التوزيع النسـبي للسـكان الفلسـطينيني يف إرسائيل حسـب حالة التهجري وبعض

(Background characteristics)، 2004الخصائص الخلفية

الخصائص الخلفية

Background characteristics

حالة التهجري والجنساملجموع

ر رمهج غري مهج

املنطقة6شمالوسط جنوب

12.820.522.7

87.279.577.3

100.0100.0100.0

الجنسذكورإناث

15.215.1

84.884.9

100.0100.0

عرف هذا املسح املنطقة عىل النحو التايل: «التوزيع الجغرايف املنطقي املعتمد لدى املؤسسات الرسمية املحلـية مع دمج لواء 6الشـمال ولواء حيفا معا (منطقة وادي عارة تتبع للواء حيفا) يف منطقة الشـمال وهي األكرب من حيث التعداد السكاني ومن حيث عدد التجمعات العربية. منطقة الوسـط تشـمل لواء الوسـط ولواء تل-أبيب ولواء القدس معا. ومنطقة الجنوب تشمل

لواء الجنوب (النقب)» (جمعية الجليل وآخرون، 2005، ص. 33).

32

رون الفلسطينيون يف إرسائيل املهج

نوع التجمع7تجمع حرضي «أ»

تجمع حرضي «ب»تجمع قرويتجمع بدوي

16.811.613.917.9

83.288.486.182.1

100.0100.0100.0100.0

طبيعة التجمع8مختلط غري مختلط

28.214.1

71.885.9

100.0100.0

الديانةمسلممسيحيدرزي

16.814.50.1

83.285.5

99.9

100.0100.0

100.0

15.184.9100.0املجموع

املصدر: جمعية الجليل وآخرون، 2005، ص 76.

رين وفق املنطقة عىل أن نسبة %12.8 من السكان الذين يدل التوزيع النسـبي للمهج

رين؛ وأن %20.5 من السكان يف منطقة الوسط هم يسكنون يف منطقة الشمال هم من املهج

رين. رين؛ وأن %22.7 من السـكان الذين يسـكنون منطقة الجنوب هم من املهج من املهج

رين هي يف منطقة الجنوب. أي إن أكرب نسبة سكان مهج

رين وفـق الجنس عىل أن %15.2 مـن الذكور هم من ويـدل التوزيع النسـبي للمهج

رين. ووفق التعريف رين ونسـبة مسـاوية تقريبا من اإلناث (%15.1) هن مـن املهج املهج

رين/ات هـم أبناء وبنات آلباء الـذي اعتمده هذا اإلحصاء (وهو تعريف إشـكايل)، إن املهج

ر أعاله). ومن هنا، رات (انظروا تعريـف املهج رين، وليسـوا أبناء وبنـات ألمهات مهج مهج

رين)، رين (وهي ربما ترى نفسها تنتمي إىل املهج ثمة مجموعة غري مشمولة يف تعريف املهج

رات. من هذه املعطيات، يمكن االستدالل أنه لو شمل التعريف هي أبناء وبنات األمهات املهج

رين من بني السـكان الفلسطينيني قد ارتفع، وبالتايل رات، لكان عدد املهج أبناء وبنات املهج

ع يزيد عدد سـكانه عن 15,000 نسـمة؛ ع عىل النحو التايل: التجمع الحرضي «أ» هو تجم عرف هذا اإلحصاء نوع التجم 7ع يرتاوح تعداد سـكانه بني 5,000 و 15,000؛ التجمع القروي ال يتعدى تعداد سـكانه ع الحرضي «ب» هو تجم التجمع بدوي من حيث التاريخ االجتماعي. سات عىل أنه تجم ع الذي يعرف لدى املؤس ع البدوي هو التجم الـ 5000 نسمة؛ التجم

عـرف هذا اإلحصاء طبيعـة التجمع عىل النحو التايل: التجمع املختلط: تجمع سـكاني يقطنه يهود وعرب؛ التجمع غري 8املختلط: تجمع سكاني يسكنه العرب فقط.

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

33

رين وفق التصنيفات املختلفة قد ارتفعت. قد تفرس هذه املعطيات بعض كانت نسـب املهج

ريـن، بني هذا اإلحصاء وتقديـرات واكيم (2001) التي ال االختالف يف احتسـاب عدد املهج

تعتمد عىل مسح سكاني شامل.

ع، فـإن %16.8 من الذين رين وفق نوع التجم أما بالنسـبة للتوزيع النسـبي للمهج

ريـن؛ %11.6 من يسـكنون يف تجمعات يفوق تعداد سـكانها الــ 15,000 هم من املهج

السـكان يف التجمعات السـكنية التي يرتاوح تعداد سـكانها بني 5,000 و15,000 هم من

رين؛ %13.9 من الذين يسـكنون يف بلدات ال يربو تعداد سـكانها عىل الـ 500 نسمة املهج

رين. رين؛ %17.9 من السكان الذين يسكنون يف تجمعات بدوية هم من املهج هم من املهج

ومن هذا يفهم أنه، وفق تصنيف نوع التجمع، ليسـت ثمة فروق كبرية بني أنواع التجمعات

رين هي يف التجمعات البدوية. املختلفة؛ ومع ذلك، يمكن القول إن أكرب نسـبة للسكان املهج

يمكن أن يعزى هذا املعطى للسياسـات اإلرسائيلية التي تعمل باسـتمرار عىل تهجري العرب

البدو، للسيطرة عىل أراضيهم يف القرى البدوية، ال سيما القرى الجنوبية التي ال تعرتف بها

إرسائيل.

رين وفق طبيعـة التجمع أن نسـبة 28.2% ويسـتدل من التوزيـع النسـبي للمهج

رين، وأن نسـبة %14.1 من من السـكان الفلسـطينيني يف البلدات املختلطة هـم من املهج

رين. وفق هذه املعطيات، فإن أكثر من ربع السكان السكان يف البلدات العربية هم من املهج

رين رين. هذه النسبة -مقارنة بسائر نسب املهج الفلسطينيني يف املدن املختلطة هم من املهج

يف البلـدات عىل أنواعها- تعترب نسـبة عالية. يمكن أن يعـزى ذلك إىل ما حدث خالل النكبة،

حيث هجرت أغلبية السـكان العرب يف املدن الفلسـطينية؛ أما الذين هجروا وبقوا يف املدينة،

ريـن يف مدنهم. عالوة عىل فلم يسـمح لهم بالرجـوع إىل بيوتهم األصلية، وبالتايل بقوا مهج

رون من القرى الفلسـطينية كانـوا قد لجأوا، خالل النكبة وبعدها، إىل هذه ذلك، هناك مهج

املدن.

رين وفق االنتماء الديني، فيشري إىل أن هناك نسبا متقاربة أما التوزيع النسبي للمهج

رين املسـلمني واملسـيحيني (%16.8 و %14.5-عـىل التوايل)، بينمـا ليس ثمة مـن املهج

رون من أبناء الطائفة الدرزية. مهج

34

رون الفلسطينيون يف إرسائيل املهج

رين املتبقي من أوائل الخمسينيات رة وعدد املهج القرى املهج

رين منها والذين بقوا داخل رة وعدد املهج يف هذا الجزء من املقالة، سأورد أسماء القرى املهج

الجزء من فلسـطني الذي أقيمت عليه دولة إرسائيل. ويجدر باملالحظة أن غالبية هذه القرى

غائبة عن الخرائط الرسمية اإلرسائيلية يف محاولة لتغييبها عن الوعي والذاكرة. سأحاول هنا

رون بناء عىل مقارنة جملة من املصادر. رة التي بقي منها مهج تثبيت أسماء القرى املهج

يشـري واكيـم (2001) أنه باالعتماد عىل اإلحصـاء الذي أجراه الصنـدوق القومي اليهودي

ملصلحة تأهيل الالجئني الحكومية لسـنة 1948، وكذلك باالسـتناد إىل الوثائق املأخوذة من

أرشـيف يوسـيف فايتس (وهو أحد مسـؤويل هذا الصندوق ورئيس «لجنة الرتانسـفري»)،

رين كما هو وارد يف الجدول التايل. ويؤكد رة وعدد املهج لت املعطيات حول القرى املهج سج

رين، وأن األعداد الواردة تتالءم مع بداية أن هذا اإلحصاء لم يشـمل سـوى نصف عدد املهج

الخمسينيات:

الجدول 2

رين من أوائل الخمسينيات، والقرى التي هجروا منها، والقضاء الذي تقع عدد املهج

فيه كل قرية

يف الجـدول التايل وباالعتمـاد عىل الجدول الـذي ورد عند (واكيم ،2001) أورد اسـم البلد

رين منه (واكيم، 2001). لتثبيت املعلومات، جرت مالءمة أسماء البلدات ر وعدد املهج املهج

الواردة يف الجدول مع املعطيات الواردة يف (أبو ستة، 2007) ومعطيات (الخالدي، 1997)

ومعطيات (عراف، 2004). كما أضيف اسم القضاء الذي تقع فيه كل بلدة. 9

رة -عدد سـكانها قبل النكبة؛ تركيبة سـكانها؛ عدد منازلها؛ مجاالت عمل سـكانها؛ 9 ملعلومـات إضافيـة حـول القرى املهجموقعها الجغرايف؛ ملكية األرايض فيها واستخدامها؛ تاريخ احتاللها وتهجري سكانها؛ املستعمرات اإلرسائيلية التي أقيمت عىل

أراضيها-، يمكن االطالع عىل: الخالدي (1997).

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

35

رين عدد املهج اسم القضاء ر اسم البلد املهج رين عدد املهج اسم القضاء ر اسم البلد املهج

114 طربية (الحدثة (الحدثا 1,185 النارصة املجيدل

114 حيفا بلد الشيخ 994 عكا الربوة

111 - جوارنة-عكا10 754 النارصة صفورية

101 حيفا أم الزينات 715 عكا الدامون

84 عكا سحماتا 673 النارصة معلول

81 عكا البصة أغلبيتهم 577)(عادوا إىل القرية

النارصة عيلوط

77 طربية حطني بعضهم) 574(عادوا إىل القرية

عكا شعب

66 عكا النهر11 550 عكا ميعار / معار12

62 النارصة إندور 540 عكا كويكات

60 حيفا عني حوض 527 طربية *طربية

58 طربية لوبية 484 صفد كفر برعم

57 بيسان سريين13 409 عكا اقرت

56 حيفا وعرة الرسيس14 303 عكا عمقا

55 حيفا هوشة 217 بيسان *بيسان

50 حيفا الطرية 210 عكا املنشية15

47 عكا أم الفرج 188 عكا الغابسية

47 صفد الفراضية16 171 حيفا الطنطورة

43 عكا كفر عنان 158 بيسان قومية

41 عكا السمريية 143 حيفا حواسة17

41 حيفا إجزم 135 صفد املفتخرة

41 طربية كفر سبت18 125 عكا املنصورة

110 - إم قبي19* تشري إىل مدينة

لم أجد يف املصادر املذكورة البلدة جوارنة-عكا، أقرب اسـم وجدته لهذه البلدة يف أبو سـتة (2007) هو عرب الغوارنة وتقع 10يف قضاء حيفا.

يف عراف (2004)، ورد االسم «النهر والتل». 11هذه البلدة لم ترد يف عراف (2004). 12لم ترد هذه البلدة يف عراف (2004). 13

رين الذين سـكنوا لم يرد اسـم هذه البلدة يف عراف (2004). يشـار هنا أن الحاج (1988) يشـري يف مقالته أن بعض املهج 14رين من قرية وعرة الرسيس شـفاعمرو هم يف األصل من وعرة الرسيس (ص. 154). كذلك يشـري كيمني إىل أن بعض املهج

.(Kamen, 1987, p. 489) أرسلوا طلبات للمؤسسة اإلرسائيلية إلعادتهم إىل قريتهميجدر باإلشارة هنا أن االسم «منشية» أطلق عىل عدة بلدات يف فلسطني. انظر/ي: أبو ستة (2007). 15

ورد ذكر هذه البلدة تحت االسم «فراضية» يف عراف (2004). 16لم يرد اسم البلدة يف أبو ستة (2007)، والخالدي (1997). 17

لم يرد اسم هذه البلدة يف عراف (2004). 18ورد اسم البلدة هذه لدى أبو ستة (2007)، ولم يرد يف املصدرين: عراف (2004)، والخالدي (1997). 19

36

رون الفلسطينيون يف إرسائيل املهج

يف الجدول أعاله، وردت أسماء لبلدات فلسطينية حولتها إرسائيل إىل بلدات يهودية، كاملجيدل

وبيسان وصفورية وعني حوض؛ وأسماء لبلدات هدمتها إرسائيل بصورة تامة، كالطنطورة

ومعلـول، وأسـماء لبلدات ما زالت قائمة ولكن تهجر الفلسـطينيون منهـا، كمدينة طربية؛

وأسـماء بلدتني هجرتا ورجع جزء من سـكانهما إليهما -هما شعب وعيلوط-. باإلضافة إىل

رون، ولكـن ال تتوافر املعلومات البلـدات املذكـورة يف الجدول، هناك بلـدات بقي منها مهج

رين الذي تبقوا (انظروا الجدول 3). حول عدد املهج

الجدول 3

رين منها يف سنوات الخمسينيات يف رة لم يرد عدد السكان املهج أسـماء بلدات مهج

املصادر املعتمدة

يف هذا الجدول، وباالعتماد عىل الجدول الذي ورد عند واكيم (2001)، أورد أسـماء البلدات

ريـن منها يف أي مـن املصادر املعتمـدة. لتثبيت ـرة التي لـم يرد عدد السـكان املهج املهج

املعلومـات، جرت كذلك يف هذا الجدول مالءمة أسـماء البلـدات الورادة لدى واكيم (2001)

مع معطيات أبو سـتة (2007) ومعطيـات الخالدي (1997) ومعطيـات عراف (2004)

ومعطيـات كبها ورسحـان (2004) يف كتابهما الذي تناول البلدات التي تقع يف منطقة بالد

رين رة توافـر يشء عن وجود مهج الروحـة.20 كذلك أضفت إىل الجدول اسـم 18 بلدة مهج

منها يف املصادر: (كبها ورسحـان، 2004؛ كبها ورسحان، 2000؛ كبها وبرزيالي، 1996؛

Al-Haj, 1988)؛ ولكنها لم ترد يف املصدر (واكيم، 2001)، كما أضيف اسم القضاء الذي

تقع فيه كل بلدة.

20 يعرف كبها ورسحان (2004) منطقة بالد الروحة عىل النحو التايل: «الهضبة املنبسطة الواقعة بني أطراف الكرمل الجنوبية واألطراف الشمالية لجبال السمرة (جبال أم الفحم والخطاف)، وعىل وجه التحديد بني طريقي وادي عارة يف الجنوب ووادي امللح يف الشـمال. أما حدودها الرشقية، فتمتد من اللجون جنوبا حتى قرية وقامون (يوقنعام) شـماال. ولعل املشـكلة هي يف تحديد الحدود الغربية لهذه املنطقة. فهناك من يعتقد أنها تمتد من مفرق الفرديس شماال وتتجه باتجاه مائل نحو الجنوب الرشقـي حتـى تصل مفرق األسـاور (برقائي)؛ وآخر يعتقـد أن هذه الحدود تمتد عىل قطاع ضيق بـني أرايض غابة كركور (برديس حنه) جنوبا وبلدة بنيامينا شـماال -أي ملسـافة ال تزيد عىل 5 كيلومرتات. وعىل األرجح أن الرأي األول هو األصوب، وذلك ألنه ليست هنالك حواجز طبيعية يمكن أن تقطع املنطقة بصورة مفاجئة يف برديس حنه، كما أن السكان الذين سكنوا

املنطقة من الفرديس حتى األساور اعتربوا أنفسهم تابعني لبالد الروحة» (ص. 7).

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

37

اسم القضاء ر اسم البلد املهج اسم القضاء ر اسم البلد املهجصفد صفد 2 عكا الكابري 1

- فشة21 4 عكا الزيب 3غزة الخصاص 6 - بساتني الرمال22 5طربية معذر 8 حيفا ياجور 7

قاطية24 - 10 حيفا خربة الكساير23 9- 12 حالحلة25 صفد سعسع 11صفد دالته27 14 صفد قديتا26 13صفد قباعة28 16 بيسان املرصص 15صفد عني الزيتون 18 حيفا لد العوادين29 17عكا حميمة30 20 طربية نمرين 19صفد مريون31 22 السنديانة حيفا 21وادي عارة حيفا 24 23 صبارين حيفاحيفا 26 الكفرين33 حيفا خبيزة32 25جنني زرعني 28 حيفا املزار34 27عني غزال36 حيفا 30 جنني 29 املنسة35

لم أجد يف املصادر املذكورة البلدة «فشـة». أقرب اسـم وجدته لهذه البلدة هو «فجة» وتقع يف قضاء يافا. ورد هذا االسـم يف 21املصادر: أبو ستة (2007)؛ عراف (2004)؛ الخالدي (1997).

لم أجد يف املصادر املذكورة البلدة بساتني الرمال. 22هذه البلدة وردت تحت االسم الكساير لدى عراف (2004). 23

لم أجد يف املصادر املذكورة البلدة قاطية. أقرب اسم وجدته لهذه البلدة هو قيطية (وتقع يف قضاء صفد). ورد االسم قيطية 24يف املصادر الثالثة: عراف (2004)؛ أبو ستة (2007)؛ الخالدي (1997).

لم أجد يف املصادر املذكورة البلدة حالحلة. 25ورد اسم هذه البلدة لدى أبوستة (2007)، والخالدي (1997)، ولم يرد لدى عراف (2004). 26

ورد اسم هذه البلدة لدى عراف (2004)، ولدى الخالدي (1997) تحت االسم «دالثة». 27ورد اسم هذه البلدة لدى أبو ستة (2007)، والخالدي (1997)، ولم ترد يف عراف (2004). 28

ذكـرت بلـدة «لد العوادين» لدى عراف (2004) تحت االسـم «لد» أو «لـد العوادين» أو «لد العرب»، وذكرت لدى أبو سـتة 29(2007) تحت االسم «لد العوادين» أو «خربة لد»، وذكرت تحت االسم «خربة لد» لدى الخالدي (1997).

البلدة حميمة وردت فقط لدى عراف (2004). 30ورد اسم هذه البلدة لدى أبو ستة (2007)، والخالدي (1997)، ولم ترد لدى عراف (2004). 31

وردت هذه البلدة لدى أبو ستة (2007)، ولدى الخالدي (1997)، ولم ترد لدى عراف (2004). 32وردت هذه البلدة لدى أبو ستة (2007)، ولدى الخالدي (1997)، ولم ترد لدى عراف (2004). 33

يجدر باإلشارة هنا أن هنالك بلدة فلسطينية أخرى اسمها املزار، وتقع يف قضاء جنني. 34وردت هذه البلدة تحت اسـم «املنسـة (املنيس)» لدى كبها ورسحان (2004)، وهما يشـريان إىل أن هذه البلدة» تعرف أيضا 35بعني املنيس» (ص. 85). أما الخالدي (1997)، فيشري إىل البلدة الواقعة يف قضاء جنني عىل أنها عني املنيس، ويرى أنه «ربما كانـت هـذه البلدة متصلة بقرية املنيس األكرب منها، والواقعة عىل بعد نصف كيلو مرت إىل الشـمال الغربي منها» (ص. 56). ويشري إىل أن قرية املنيس تقع يف قضاء حيفا. لدى أبو ستة (2007)، ترد البلدتان عني املنيس واملنيس (إىل جانب املنيس يظهر أيضا االسـم عرب بينها) كل عىل حدة، ووفق الخريطة التي ترد (ص. 48) فهما شـديدتا التقارب. ولدى عراف، يرد االسـم

املنيس وعني املنيس كل عىل حدة أيضا.هناك سكان من قرية عني غزال يسكنون بلدة الفرديس (مقابلة مع د. مصطفى كبها 10.07.07). 36

38

رون الفلسطينيون يف إرسائيل املهج

اللجون جنني 32 دالية الروحة37 حيفا 31طولكرم خريش38 34 حيفا رصفند 33حيفا الرسكس39 36 حيفا قنري 35حيفا البويشات41 38 حيفا قرية وقامون40 37صفد سبالن43 40 صفد دير القايس42 39

(Al-Haj, 1988 كبها ورسحان، 2000؛ 2004؛ كبها وبرزيالي، 1996؛ واكيم، 2001؛) :املصادر

رين أماكن لجوء املهج

رين بعدة عوامل، منها االتجاه الذي دخلت منه القوات العسكرية ارتبطت أماكن لجوء املهج

رون إليها، وعدد السـكان اليهوديـة إىل القرية، ومدى القرب الجغرايف للقرى التي لجأ املهج

رة مختلفة إىل البلدة نفسـها. ويف رين من قرى مهج الذين هجروا من القرية، وانضمام مهج

بعض األحيـان، تأثرت أماكن اللجوء باالتجـاه الذي حددته القوات العسـكرية الصهيونية

ـرون -يف الغالب- إىل قرى لم تحتلها، بعد، للخـروج من القرية. وبطبيعة الحال، لجأ املهج

القـوات العسـكرية الصهيونية، معتقدين أنها آمنة وأن بوسـعهم املكـوث فيها ريثما تهدأ

.(Kamen, 1987 موىس، 1988؛) األوضاع لريجعوا إىل بلدهم

رة، لم يشـعروا باألمان يف البقاء رون قرى مهج وخالل البحث عن مأوى، وعندما وجد املهج

فيها، اسـتمروا يف التفتيش عـن مكان آخر يلجأون إليه. ويف الحـاالت القليلة التي لجأ فيها

رين ـرة أخرى، أرغمت القوات العسـكرية اإلرسائيليـة هؤالء املهج ـرون إىل قرى مهج املهج

Kamen,) عـىل ترك تلك القرى، وأرغمتهم عىل الرحيـل باتجاه الحدود األردنية أو اللبنانية

يشـري كبها ورسحان (2004) إىل أن «املصادر تختلف حول كتابة اسـم بالد الروحة، وتبعا الختالف الكتابة يختلف املعنى، 37فهنـاك مـن يكتبهـا روحة وآخر روحا وثالـث روحاء» (ص. 10). ترد هذه البلدة تحت االسـم دالية الروحاء لدى أبو سـتة

(2007) ولدى الخالدي (1997). لم ترد لدى عراف (2004).لـم أعثـر يف املصادر املذكورة عىل اسـم هذه البلدة. ولكن اسـتنادا إىل مقابلة مع د. مصطفى كبها، كانـت هذه البلدة قائمة 38

ومعظم أهاليها يف بلدة جلجولية يف حارة تدعى خريش (مقابلة مع د. مصطفى كبها 10.07.2007)ورد اسـم هذه البلدة لدى أبو سـتة (2004) والخالدي (1997) تحت االسـم «خربة الرسكس». ويشري عراف (2004) إىل 39ري هذه البلـدة يف كفركما والريحانية وباقة الغربية (مقابلة مع د. أن هـذه البلدة تسـمى أيضا رشكس. ويعيش بعض مهج

مصطفى كبها 10.07.2007).وردت لدى أبو سـتة (2007) تحت االسـم «قرية وقمون»، ولدى عراف (2004): «قرية وقامون»، ولدى الخالدي (1997): 40

«قرية (قرية وقامون)». وردت هذه البلدة لدى أبو ستة (2007)، ولم ترد لدى عراف (2004) والخالدي (1997). 41

رين يف لـم يـرد اسـم هذه البلدة لدى الخالـدي (1997). ويجدر بالذكر هنا أن الحاج (1988) يشـري إىل أنه مـن بني املهج 42رون من قرية دير القايس. ترشيحا كان هناك مهج

رين يف ترشيحا لم يرد اسم هذه البلدة لدى عراف (2004). ويجدر بالذكر هنا أن الحاج (1988) يشري إىل أنه من بني املهج 43رون من قرية سبالن (ص. 154). كان هناك مهج

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

39

.(1987

ري كل قرية إىل موقع واحد، بل توزعوا -يف بعض الحاالت- عىل مجموعة لم يلجأ جميع مهج

رين يف منطقة الشمال، وال من القرى التي سـلمت من الدمار والتهجري. يتمركز معظم املهج

سـيما منطقة الجليل (واكيم، 2001). ومن بني 162 قرية هدمت كلـيا يف منطقتي الجليل

رون من 44 قرية فقط، أي إنه لم يبق أي فلسطيني من أهايل 118 قرية والشمال، بقي مهج

.(Kamen, 1987, pp. 470-471) رة ومهدمة مهج

مـن بني األربـع واألربعني قرية من القـرى التي هجرت وبقي جزء من سـكانها يف وطنهم،

رين يف وطنهم. هذه القـرى هي: املجيدل؛ اللجون؛ ثمـة 12 قرية بقي معظم سـكانها مهج

الدامـون؛ الـربوة؛ اقرت؛ كفر برعم؛ الرويـس؛ حدثة؛ معلول؛ املفتخـرة؛ املنصورة؛ قومية.

ومن بني سـكان 33 قرية، بقي عدد قليل يرتاوح بني %1 و%17 يف أحسـن األحوال (كبها

ورسحـان، 2004؛ Kamen, 1987). وقد اسـتوعبت 47 قريـة ومدينة (من أصل 67 من

رين. ومن القـرى واملدن العربيـة التي بقيت قائمة يف الشـمال بعد النكبة) عددا مـن املهج

رين: النارصة؛ املغار؛ طمرة؛ الجديدة؛ دير األسد؛ كابول؛ القرى واملدن التي استوعبت املهج

شفاعمرو؛ الرامة؛ البقيعة؛ البعنة؛ الجش؛ ترشيحا؛ كفركنا؛ ديرحنا؛ عكربة؛ الرينة؛ عيلوط؛

املشـهد؛ عرابة؛ فسـوطة؛ دالية الكرمل؛ معليا؛ املزرعة؛ دنون؛ أبوسنان؛ كفرياسيف؛ املكر؛

Kamen, الناعـورة؛ صندلة؛ مجد الكـروم؛ عبلني؛ عيلبون؛ يافة النـارصة (واكيم، 2001؛

رين يف منطقـة املثلث: أم الفحم؛ معاوية؛ 1987). ومن القرى واملدن التي اسـتوعبت املهج

مصمص؛ عارة؛ مشريفة؛ زلفة، برطعة؛ كفر قرع (كبها وبرزيالي، 1996؛ كبها ورسحان،

رين (كبها وبرزيالي، 2004). أما قرية الفريديس السـاحلية، فقد استوعبت هي أيضا مهج

1996، ص. 9).

رون نسـبة عالية من السكان يف بداية الخميسنيات. عىل سبيل يف بعض القرى، شـكل املهج

رين؛ ربع السكان يف املثال: ثلث السكان يف كل من مجد الكروم والجش وطمرة كانوا من املهج

رين؛ ويف كل من يافة النارصة واملكر والجديدة كل من النارصة وكفرياسيف كانوا من املهج

رين. ويف عرابة وأبو سـنان ودير حنا والبعنة شكل أكثر من نصف السـكان كانوا من املهج

رون نسبة كبرية رين أقل من 10% (Kamen, 1987, p.474). كما شـكل املهج عدد املهج

من السـكان يف بلدات أخرى، كالفريديس وجلجولية وأم الفحم، بيد أنه ال تتوافر معلومات

حول نسبتهم يف هذه البلدات.

رين لجأت إىل املدن العربية التي وقعت تحت السيادة اإلرسائيلية، وهناك مجموعة من املهج

40

رون الفلسطينيون يف إرسائيل املهج

ـ «مدن مختلطة»، نحو: عكا؛ يافا؛ اللـد؛ الرملة؛ حيفا. من وأصبحـت تعرف يف ما بعـد ك

رة قريبة. رين من كان أصال من هذه املدن، ومنهم من لجأ إليها من قرى مهج هـؤالء املهج

رين الذين رين يف املدن املختلطة، يراجع شيكال مسألة املهج وكمثال عىل والدة مسألة املهج

يسـكنون مدينة عكا اليوم. يذكر شـيكال أنه عندما هاجمت القوات العسكرية الصهيونية

مدينة عكا وهجرت سكانها يف العام 1948، بقي عدد من السكان الذين هجروا من بيوتهم

يف مدينـة عـكا لكنهم لجأوا إىل البيـوت املهجرة يف عكا القديمة التـي صادرها «القيم عىل

أمالك الغائبني» تحت التسمية القانونية «أمالك غائبني» (Schechla, 2001). وقد سكن

رون فيها عىل أنهم «سـكان محميـون» (دون ملكية عىل هـذه األرايض؛ وهم هـؤالء املهج

رو مدينة حيفا. يشـري كيمن (1988) إىل يدفعون أجورا منخفضة). وثمة مثال آخر: مهج

رين الذين بقوا يف مدينة حيفا بعد النكبة كان قليال نسـبيا، فأغلبية من بقوا أن عدد املهج

يف املدينة بعد النكبة هم من سـكانها الذين لم يهجروها عىل اإلطالق، أو كانت السـلطات

رين يف اإلرسائيلية قد سـمحت لهم بالعودة إليها من مكان لجوئهم املؤقت. وكسـائر املهج

ري حيفا بالعودة إىل بيوتهم املدن املختلطة األخرى، يف يافا واللد والرملة، لم يسـمح ملهج

األصلية. أما أغلبية هؤالء الذين لم يدفعوا إىل الهرب من بيوتهم، فلم تسـمح لهم السلطات

اإلرسائيلية بالبقاء فيها، ال سـيما تلك الواقعة خارج األحياء التي خصصت للسكان العرب

.(Kamen, 1988)

رين وممتلكاتهم املكانة القانونية للمهج

رين من العودة إىل ديارهم، وصادرت أراضيهم وأمالكهم44 منعت السلطات اإلرسائيلية املهج

وفق قوانني مختلفة، أهمها أنظمة الطوارئ بشـأن «أمالك الغائبني» لسـنة 1948 و«قانون

رون الفلسـطينيون يف إرسائيـل «غائبني» أمـالك الغائبني» لسـنة 45.1950 ويعتـرب املهج

بحسـب القانون اإلرسائييل، رغم بقائهم يف وطنهم، وهـذا ألنهم تركوا قراهم األصلية، وذلك

برصف النظر عن األسـباب التي دفعتهم إىل تركها. ورغـم أنهم منحوا املواطنة اإلرسائيلية،

رين يف إرسائيل بنحو 300 ألف دونم من األرض، أعلنت إرسائيل عنها عىل أنها «أمالك غائبني» (مصالحة تقـدر أمـالك املهج 44.(159 ،2003

وقد سنت دولة إرسائيل نحو 30 قانونا، حولت بواسطتها األرايض الخاصة (التي هي بأغلبها عربية) إىل أراض بملكية الدولة، 45وعمليا إىل مصلحة االستعمال «الشعب اليهودي»، وبالتايل يفيض ذاك إىل استثناء املواطنني الفلسطينيني من امللكية واستغالل األرايض. وطبقا للقوانني التي سـنت -وال سـيما «قانون أسـاس أرايض إرسائيل» و«قانون سـلطة التطوير»- أصبحت كل

األرايض تقريبا ملكا للدولة (نحو %93) (مصالحة، 2003؛ يفتاحئيل، 2001).

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

41

حسـب قانون الجنسـية اإلرسائييل لعام 1952، إال أنهم منعوا بصـورة منهجية من العودة

إىل بيوتهم وأراضيهم أو اسـتعادة أمالكهم (مصالحـة، 2003). وبموجب أنظمة الطوارئ

بشـأن أمالك الغائبني لسـنة 1948، وضع كل ما يملكه الالجئـون من أمالك تحت ترصف

«القيـم عىل أمـالك الغائبني». وقد وضع تعريـف للغائبني وفق هذه األنظمة بحيث يشـمل

رين الفلسـطينيني من قراهم األصلية. هذه األنظمة منحت «القيم عىل أمالك الغائبني» املهج

تة فقط بشـأن التـرصف بأمالك «الغائبـني» (جريـس، 1967). لذا، عملت صالحيـة مؤق

املؤسسـة الترشيعيـة عىل إتمام «الوجه القانوني» للسـيطرة عىل أمالكهم، فسـنت يف العام

1950 «قانـون أمـالك الغائبني». ويخول هذا القانون «القيم عـىل أمالك الغائبني» االعتناء

بأمـالك الغائبني وإدارتها وطرد املقيمني فيها؛ إذ يعتـرب القيم، بموجب هذا القانون، مالكا

لهـذه األمالك إىل أن يثبت «الغائب» أنـه لم يكن غائبا، أو أنه ال يعترب غائبا يف نظر القانون؛

وهو أمر شـبه مسـتحيل -بموجب السـوابق القانونية التي جاءت يف هذا الصدد (جريس،

1967؛ كوهـني، 2002؛ مصالحة، 2003)-. ولذا، القانون ال يمنح «الغائب» –سـواء أكان

رون را- حق استعادة أمالكه. وقد صيغ القانون خصيصا كي يشمل فيه املهج الجئا أم مهج

من مواطني إرسائيل ليمنعهم من العودة إىل قراهم وبيوتهم.

رين يف إرسائيل» املطالبة بالعودة و«جمعية الدفاع عن حقوق املهج

ري رون يطالبون بالعودة إىل قراهم منذ أن هجروا. وقد تنظمت لجان محلـية ملهج بدأ املهج

ري اقرت وكفر برعم والغابسية وصفورية، القرى للمطالبة بالعودة اىل بلداتهم (كلجان مهج

وغريهـا من اللجان). لم تأخذ املطالبة بالعودة منحـى قطريا يف النضال والتنظيم املحلـي،

بل جاءت عىل أسـاس محلـي عرب املسـالك القضائية (كما هو األمـر مع قريتي اقرت وكفر

رين إرسال رسائل إىل مختلف الوزراء، برعم، ومع الغابسـية)، أو عرب محاوالت بعض املهج

ري: الدامـون؛ الرويس؛ وعـرة الرسيس؛ الطرية مطالبـني بإعادتهـم إىل قراهم، مثـل مهج

(طرية الكرمل)؛ طربية؛ قيسارية (كوهني، 2002؛ Kamen, 1987, pp. 491-492). غياب

التنظيـم القطري والجماعي، وعـدم بداية تبلوره إال يف بداية التسـعينيات، يمكن ان يعزيا

إىل جملـة من العوامل، أذكر منها: السـبب األول هو الحكم العسـكري؛ فمنذ العام 1948

حتى العام 1966، وقع السـكان الفلسطينيون تحت «الحكم العسكري» الذي حظر عليهم

التنقـل مـن قرية إىل أخرى دون تصاريـح، وقد انعكس هذا عىل إمكانيـة التبلور والتنظيم

السـيايس للفلسـطينيني يف إرسائيـل بصورة عامـة، ويف هذه الحالة انعكـس األمر عىل منع

42

رون الفلسطينيون يف إرسائيل املهج

رين. السـبب الثاني هو التموقع الجغرايف لسـكان تلك القرى. يف التنظيـم القطري للمهج

رة إىل البلدات نفسـها، وبالتايل ساعد هذا يف صياغة بعض الحاالت، لجأ سـكان القرى املهج

قضيتهـم من خالل لجان محلـية. السـبب الثالث لتبلورهم عىل الصعيـد املحلـي، ال عىل

الصعيد السـيايس القطري، هو قوة الذاكرة الفلسطينية الجماعية املحلـية، وهو ما انعكس

يف التنظيم السـيايس املحلـي، حيث إن األشـخاص الذين هجروا من معلول -مثال- جمعت

بينهم ذاكرة معلول كقرية يعيشـون فيها بتجربتهم االجتماعية والسياسية، وربطت بينهم

عالقة جوار وقرابة، فقد تبلوروا وتنظموا لريجعوا إليها حني كان ذلك ممكنا.

رين إىل منـذ بداية التسـعينيات، ظهر عمل قطري وجماهريي منظم يهـدف إىل إعادة املهج

قراهـم ويعيد بنـاء الذاكرة الجماعية. وقد تأطـرت أغلبية اللجـان املحلـية ضمن «جمعية

رين يف الداخل» يف العام 1995. من الجدير باإلشـارة هنا أن لجنتي الدفاع عن حقوق املهج

رين، وذلـك ألن أعضاءهما يـرون يف حالتهم حالة اقـرت وبرعم لـم تنضما إىل لجنـة املهج

خاصـة، إذ إن املحكمة العليا كانت قد أصدرت قرارات مختلفة تقيض بإرجاعهم، كان أولها

يف العام 1951، ولذا هم يطالبون بالعودة إىل قراهم ضمن املسـار القضائي، املسار التي لم

رين». تخضه «جمعية الدفاع عن حقوق املهج

رين بعـد مؤتمر مدريـد يف العـام 1992 واملحادثات جـاء التفكـري يف إقامة جمعيـة املهج

رون أن قضيتهم لم تدرج يف سياق املفاوضات اإلرسائيلية- الفلسطينية، وذلك عندما رأى املهج

بني الطرفني اإلرسائييل والفلسـطيني. إن إقامة هذه اللجنة يف التسعينيات ارتبطت بالتوجه

السيايس لدى الفلسـطينيني يف إرسائيل ورؤية الفلسطينيني ألنفسهم ومكانتهم داخل دولة

إرسائيل بعد اتفاقية أوسلو.

رين «غائبني»، رين دولـة إرسائيل بإلغاء القوانـني التي تعتـرب املهج تطالـب جمعيـة املهج

ريـن والالجئـني إىل قراهـم ومدنهم وفق القـرار 194 الـذي يقيض بعودة وبإرجـاع املهج

رين الالجئني أو تعويضهم. تشـدد الجمعية يف خطابهـا -يف بعض األحيان- عىل كون املهج

مواطنـني يف دولة إرسائيل، وعليه ينبغي عليهـا أن تعيدهم إىل بلدتهم، األمر الذي يقوض –

بنظرهم- االدعاء اإلرسائييل الذي مفاده أن عودة الالجئني تشكل تهديدا ديموغرافيا لطبيعة

رين، دولة إرسائيل اليهودية. ورغم أن الجمعية تشـدد عىل املطالبة بإرجاع الالجئني واملهج

رين مواطنني يف دولة إرسائيل يف لم تخض حتى اآلن يف إسـقاطات التشـديد عىل كون املهج

بعض األحيان يف خطابها.

رة، من خالل املسـريات املنظمـة إليها ضمن تعيـد الجمعيـة إحيـاء ذاكرة القـرى املهج

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

43

إحياء ذكرى النكبة سـنويا، وتحديدا يف يوم اإلعالن عـن إقامة دولة إرسائيل الذي يعرف

ـ «اسـتقالل إرسائيـل»، أال وهو نكبة ـ «عيد االسـتقالل»، بغيـة إبراز الوجـه اآلخر ل بـ

الشـعب الفلسـطيني (كوهني، 2002). ومن املفيد اإلشـارة، يف هذا السـياق، أن نشـاط

رين وخطابهم السـيايس سـاهم -إىل حد بعيد- يف الحديث عن النكبة والتهجري لدى املهج

الفلسطينيني يف إرسائيل -وهو ما غاب حتى فرتة طويلة عن الخطاب السيايس الفلسطيني

رين بتصحيح الغبـن التاريخي، الذي يف إرسائيـل-.46 كذلك شـكلت مطالبة لجنـة املهج

ارتكبته إرسائيل تجاه الالجئني الفلسـطينيني، أسـبقية يف الخطاب السيايس الفلسطيني

ني. إن االهتمام بقضايا الالجئني يف إرسائيل يف تعاطيه مع املؤسسـة واملجتمع اإلرسائيليـ

فلسـطينيا تفاوت بني فرتة وأخرى يف تاريخ الشـعب الفلسطيني، غري أنه بعد أوسلو، بدأ

التشـديد عىل مسـألة الالجئني (نحو ما قامت به حركة حق العودة -عىل سـبيل املثال)،

خالفا للفرتة التي سبقتها، حيث إن مسألة الالجئني لم تكن دائما محط اهتمام املؤسسات

رين يف إرسائيل، القومية الفلسـطينية (Sayigh, 2007). ال يختلف األمر بالنسبة للمهج

إذ إن األحزاب السياسية واملؤسسات الفلسطينية لم تشدد دوما عىل قضاياهم، ولم تطالب

باسـتمرار بإعادتهم إىل بلداتهم، غري أن الوضعية اختلفت، بعد أوسـلو ويف ظل الفعالية

رين أنفسهم التي اتسمت بالتنظيم القطري عىل نحو لم يسبق له مثيل السياسـية للمهج

(صباغ-خوري، 2006).

رين ندوات للمدارس واملؤسسـات املختلفة، بهدف التوعية السياسية يف ما تنظم لجنة املهج

يتعلق بالنكبة وباللجوء، وتعمل إىل جانب جمعيات أخرى (كمؤسسـة األقىص –عىل سـبيل

رة. كما تجري اللجنة دورات لتأهيل مرشدين املثال) عىل صيانة املقدسـات يف القرى املهج

رة ابتغاء التعرف عليها. تتطرق هذه الدورات ومرشدات لتنظيم جوالت للقرى واملدن املهج

رين ـرة والالجئني واملهج إىل األبعاد التاريخية والجغرافية والسياسـية ملسـألة القرى املهج

عـىل وجه الخصـوص، بغية إحياء هذه القـرى يف الذاكرة الجماعية الفلسـطينية وتعريف

رين، وبخاصة األجيـال الجديدة (األجيال الثالثة للنكبة) بمسـألة التهجري والالجئني واملهج

يف ظـل عمل املؤسسـات اإلرسائيلية، بصورة مسـتمرة، عىل تغييبها مـن الذاكرة الجماعية

46 انظر/ي، مثاال لذلك، «بيان اللجنة التحضريية ملؤتمر العودة والسالم العادل»، 14.5.2007، الذي عقدته الجمعية بالتعاون مع الجمعيات «اتجاه»، و«ذاكرات»، و«معهد إميل توما» للعام الثالث عىل التوايل: «عام آخر يمر عىل نكبة الشعب الفلسطيني التي تتواصل تداعياتها يوما يوما منذ العام 1948. النكبة بالنسـبة لنا ليسـت حدثا عابرا أو مناسـبة، وإنما هي واقع قائم ـس يف التاريخ الحديث للشـعب الفلسطيني». انظروا: عىل املأسـاة والغبن التاريخيني اللذين ال يزاالن يشـكالن الحدث املؤس

http://www.ror194.org/index.php?id=293تم استقاء املعلومات من املوقع اإللكرتوني يف 10 تموز 2008.

44

رون الفلسطينيون يف إرسائيل املهج

رين يف وضع قضيتهم يف السياق الفلسطيني الفلسـطينية. وقد سـاهم نشـوء جمعية املهج

يف إرسائيل وخارجها. وعزز ذلك التواصل بني الفلسـطينيني يف إرسائيل والفلسـطينيني يف

الشـتات، من خالل ارتباط قضيتهم بقضية الالجئني، رغم أن إرسائيل تتعامل مع الالجئني

داخل حدودها بمعزل عن سائر القضايا، وتعترب قضيتهم شأنا إرسائيليا داخليا.

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

45

املراجع

العربية

أبو ستة، سلمان (2007). طريق العودة-دليل املدن والقرى املهجرة والحالية واألماكن املقدسة يف فلسطني. لندن: هيئة أرض فلسطني.

الخالدي، وليد (1997). كي ال ننىس، قرى فلسـطني التي دمرتها إرسائيل سـنة 1948 وأسـماء شـهدائها. بريوت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية.

رون يف الداخل-الحماية الدولية والحلول الدائمة. بيت لحم: بديل-املركز بديل. (2003). الفلسـطينيون املهجالفلسطيني ملصادر حقوق املواطنة والالجئني.

جريس، صربي (1967). العرب يف إرسائيل. القدس: جامعة الدول العربية يف القدس.

جمعيـة الجليـل؛ وركاز؛ ومدى الكرمل (2005). الفلسـطينيون يف إرسائيل -املسـح االجتماعي االقتصادي-النتائج األساسية. شفاعمرو: جمعية الجليل-الجمعية القطرية للبحوث والخدمات الصحـية.

عراف، شـكري (2004). املواقع الجغرافية يف فلسـطني: األسـماء العربية والتسـميات اإلرسائيلية. بريوت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية.

كبها، مصطفى؛ ورسحان، نمر (2004). بالد الروحة يف فرتة االنتداب الربيطاني، السنديانة نموذجا. رام الله: دار الرشوق للنرش والتوزيع.

كوهني، هليل (2002). «الغائبون الحارضون» -الالجئون الفلسطينيون يف إرسائيل منذ عام 1948. القدس: مركز دراسات املجتمع العربي يف إرسائيل.

مصالحـة، نـور الدين (1997). أرض أكثر عرب أقل: سياسـة «الرتانسـفري» اإلرسائيلية يف التطبيق 1949-1996. بريوت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية.

مصالحة، نور الدين (2003). إرسائيل وسياسة النفي -الصهيونية والالجئون الفلسطينيون. رام الله: مدار-املركز الفلسطيني للدراسات اإلرسائيلية.

واكيـم، واكيـم (2001). الجئـون يف وطنهم: الحـارضون الغائبون يف إرسائيل. مجلة الدراسـات الفلسـطينية، .104-90 ،46/45

يفتاحئيل، أورن (2001). األرايض، التخطيط وعدم املساواة: تقسيم املدى بني اليهود والعرب يف إرسائيل. رام الله: مدار-املركز الفلسطيني للدراسات اإلرسائيلية.

46

رون الفلسطينيون يف إرسائيل املهج

اإلنجليزية

Al-Haj, M. (1986). Adjustment patterns of the Arab internal refugees in Israel. Internal Migration, 24(3), 651-674.

Al-Haj, M. (1988). The Arab internal refugees in Israel: The emergence of a minority within the minority. Immigrants and Minorities, 2, 149-165.

Kamen, C. (1987). After the catastrophe I: The Arabs in Israel, 1948-1951. Middle Eastern Studies, 23(1), 453-493.

Kamen, C. (1988). After the catastrophe II: The Arabs in Israel, 1948-1951. Middle Eastern Studies, 24(1), 68-109.

Sayigh, R. (2007). Palestinian refugee women, stories of home and homelessness: Towards a new research agenda. Review of Women Studies, 4, 9-25.

Schechla, J. (2001). The invisible people come to light: Israel’s ‘internally displaced’ and ‘unrecognized villages’. Journal of Palestine Studies, 31(1), 20-31.

Segev, T. (1986). 1949–The first Israelis. New York: The Free Press.

العربية

صباغ-خوري، أريج (2006). ما بني قانون العودة وحق العودة: قراءة يف الخطاب الفلسـطيني يف إرسائيل. تل أبيب: جامعة تل أبيب، أطروحة ماجستري.

كبها، مصطفى؛ وبرزيالي، رونيت (1996). الجئون يف وطنهم: الجئو الداخل يف دولة إرسائيل، 1996-1948. جيفعات حبيبة: معهد دراسات السالم.

موىس، حسـن (1988). التوزيع الجغـرايف لالجئني العرب يف وطنهم يف منطقـة الجليل 1948-1987. حيفا: جامعة حيفا، أطروحة ماجستري.

قراءة إضافية

بديل (2001). العودة إىل ديارهم-الحل العادل والدائم لقضية الالجئني الفلسطينيني. بيت لحم: بديل–املركز الفلسطيني ملصادر حقوق املواطنة والالجئني.

الفـلـسـطـيـنـيـون فـي إرسائـيــل

قــراءات يف التـاريـخ، والسيــاسـة، واملجـتـمـع

نـديــم روحـانـا أريـج صبـاغ-خـوري

محرران

2011

مـدى الكرمل

املركز العربي للدراسات اإلجتماعية التطبيقية

الحكم العسكري

يئري بويميل

48

الحكم العسكري

يئري بويميل*

حققت الحركة الصهيونية، خالل حقبة االنتداب الربيطاني (1922-1948)، مرشوع «إقامة

البيت القومي للشـعب اليهودي» يف فلسطني، من خالل إجراءات العزل، والفصل، واإلقصاء

ملعظم أبناء الشـعب الفلسـطيني، وهم من شـكلوا عىل الدوام األغلبية السكانية. ولم يطمح

التيار املركزي -ذو التأثري األكرب- داخل الحركة الصهيونية، يف يوم من األيام، إىل إقامة دولة

ثنائية القومية، أو أي إطار سـيايس واقتصادي يهودي عربي مشـرتك. النشـاط الصهيوني

الفعيل، الذي شـكل محصلة أهداف الحركة الصهيونيـة الواضحة، كان أحادي القومية عىل

الدوام، ولم يبتغ سـوى إقامة دولة يهودية ألسـباب عديدة، وعىل رأسـها النشاط العسكري

للهجاناه وإيتسـل والجيـش اإلرسائييل. خالل حرب العـام 1948، تحول نحو 780-770

Abu-Lughod, 1971,) ألف من سـكان البالد الفلسـطينيني إىل الجئني يف الدول املجاورة

p. 161)، نتيجة تهجريهم أو هربهم، يف ظروف الحرب، من املناطق التي أصبحت فيما بعد

دولة إرسائيل. عىل هذا النحو أصبح اليهود أغلبية ساحقة يف الدولة الجديدة.

رفضت األغلبية اليهودية وقياداتها إزالة الحواجز واسـتيعاب العرب الذين بقوا داخل حدود

الدولة، وواصلت املؤسسـة اليهودية اتباع سياسة «البيت القومي لليهود» من خالل تقليص

ـية العربية. استحقاقات املواطنة اإلرسائيلية الديمقراطية، املشرتكة لألغلبية اليهودية واألقل

خـالل حـرب العام 1948، قـرر «مجلس الدولـة املؤقت» فرض سـيادة خاصة من الحكم

العسكري عىل الجليل واملثلث ومدن الرملة واللد ويافا ومجدل عسقالن - وهي املناطق التي

كانت مأهولة عند انتهاء املعارك بأغلبية من العرب.

كان الحكـم العسـكري بمثابة وحدة عسـكرية داخل الجيش، وتشـكل مـن ضباط وجنود

يؤدون الخدمة العسـكرية النظامية والثابتة؛ أما قائد الحكم العسكري، فقد كان ضابطا يف

الجيش النظامي، وخضع مبارشة لرئيس األركان ووزارة األمن. كان الحكم العسـكري، منذ

العام 1948 حتى إلغائه الكامل خالل عام 1968، الجسـم املؤسسـاتي اإلرسائييل املركزي

د. يائري بويمل هو مؤرخ يف تاريخ الرشق االوسط ومدير القسم متعدد املجاالت يف أورانيم-الكلية اآلكاديمية للرتبية. *

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

49

ـيـة العربية يف إرسائيل؛ وباالعتماد عىل صالحيته املسـتمدة من الـذي عمل يف صفوف األقل

الحكومة، كان بمثابة الجهاز القانوني- العسـكري- السيايس الذي وفر إمكانية امليض قدما

يف بناء الدولة اليهودية بعد العام 1948، حسب أنماط «البيت القومي» من فرتة االنتداب، أي

من خالل إقصاء العرب عن عمليات بناء وتطوير الدولة، وتجاهل وجودهم.

اسـتندت املرجعية القانونية للحكم العسـكري عىل أنظمة الدفـاع اإلنتدابية لحالة الطوارئ

(1945)، التـي اعتمدهـا -هي وقوانـني انتدابيـة عديدة أخـرى- مجلس الدولـة املؤقت،

والكنيست اإلرسائييل يف ما بعد. قام الحكم العسكري باستخدام خمسة من أنظمة الطوارئ

االنتدابية فقط من مجموع 162، ومكن ثالثة منها (ذات األرقام: 110؛ 111؛ 124) الحكم

العسـكري من التحكـم بحرية التنقـل للمواطنني الخاضعني لسـيطرته، وتقييدها، إىل حد

منعهـا. أما املادتـان األخريان (109 و125)، فقد مكنتا الحاكم العسـكري من منع دخول

املواطنني إىل مناطق أعلن عنها مناطق مغلقة (شيف وهابر، 1976).

فرضت هذه األنظمة عىل العرب بواسطة الجهاز العسكري للحكم العسكري. ومنذ إلغاء هذا

الجهاز يف شـهر كانون األول من العام 1966 حتى نهاية العام 1968، نقل رئيس األركان

إىل رشطة إرسائيل صالحية فرض األنظمة عىل السكان.

وبما أن املناطق التي خضعت لسـيطرة الحكم العسكري كانت تضم أغلبية عربية واضحة،

وعـىل ضوء الطابع الفعيل لنشـاط الجنـود والضباط، لم يكن طابع املهمـة املركزية للحكم

العسـكري عسكريا أو أمنيا، بل كان مدنيا باألساس، وتجسدت هذه املهمة يف فرض الرقابة

ـية العربية يف إرسائيـل وإلغاء حرياتها الديمقراطية. كان لهذه الرقابة، التي أعلن عـىل األقل

عنهـا رقابة أمنية، انعكاسـات يومية متعـددة، تمحورت يف التضييق عـىل حرية التنقل أو

منعهـا؛ واملقصود بهـذا التنقل بني منطقة وأخـرى، أو بني القرى املختلفـة، والوصول إىل

الحقـول الزراعية، وكذلك التضييـق عىل حرية العمل، وحرية الوصول إىل مراكز التشـغيل

والصحـة والتعليم والتجـارة والتسـوق، وحرية التنظـم الجماهريي والسـيايس، والحرية

االقتصادية، والحرية يف مناهج التعليم، والحرية يف كل نشاط مستقل آخر للمواطنني العرب.

خضع املواطن العربي خضوعا فعليا لنظام صارم من التصاريح، فكل ما رغب يف القيام به

من نشاطات خارج منطقة سكناه استوجب الحصول عىل ترصيح من الحاكم العسكري.

يف العـام 1959، كتب شـموئيل ديفون، مستشـار رئيس الحكومة للشـؤون العربية، وهو

املوظـف اإلرسائييل األكثر أهمية من بني العاملـني يف املجتمع العربي (وتلخصت وظيفته يف

التنسـيق بني أجسام السلطة املختلفة العاملة يف صفوف العرب)، كتب أن الجمهور العربي

50

الحكم العسكري

يف العام 1949 كان يعيش «يف حالة من الصدمة والتشـتت والرعب واالنشـقاق».1 كل ذلك

يف الوقت الذي اسـتندت فيه الحكومة واملؤسسـة اإلرسائيلية فكريا وجماهرييا وسياسيا عىل

ادعـاء مـؤداه أن الجمهور العربي يشـكل جزءا من العدو، وأن هذا الجمهور يشـكل خطرا

ا ووجوديا عىل الدولة اليهودية، ولذا تنبغي مراقبته وتحديد خطواته بواسـطة الجيش أمنيـ

الذي يشـكل- عىل عكس اإلدارة املدنية- عامال رادعا ومهـددا. هذا االدعاء، الذي يرتكز عىل

صـورة العربي التي طـورت يف صفوف اليهود يف الحقبة االنتدابية، وخالل حرب العام 48،

لقـي رواجا لدى غالبيـة الجمهور اليهودي، ولم يلق من النقد سـوى القليل، عىل الرغم من

أنه حتى أيامنا هذه لم يربهن أحد أن املواطنني العرب يف إرسائيل شـكلوا خالل فرتة الحكم

العسكري تهديدا أمنيا. وأضاف املستشار، باإلضافة إىل ذلك، أن الحكم العسكري يلقى، من

خالل «املخاتري» وزعماء الحمائل، نجاحا يف السـيطرة عىل الجمهور العربي برمته، وبما أنه

يمثل الجيش اإلرسائييل والقوة اإلرسائيلية، فهو يفلح يف «السيطرة التامة واملطلقة عىل جميع املناطق العربية».2

مـن خالل فـرض األنظمة املختلفة، رمت نشـاطات الحكم العسـكري إىل تحقيق جملة من

األهداف: تفريغ املواطنة اإلرسائيلية التي منحت للعرب من معانيها، تفريغا يحاذي اإللغاء؛

إقصاء العرب عن املؤسسات الرسمية والجماهريية للدولة اليهودية؛ التمييز ضدهم يف جميع

املجـاالت؛ إلغـاء تعريفهم وهويتهم ومنع بلورة هوية قومية جماعية، ومسـاعدة املؤسسـة

اإلرسائيلية لتنفيذ سياستها تجاه العرب.

إن أحد أسـس هذه السياسـية هو مصـادرة %60 من أرايض العرب؛ منـع عودة املهجرين

إىل قراهـم؛ منع أصحـاب األرايض من الوصـول إىل أراضيهم؛ إقامة بلـدات يهودية يف قلب

التجمعات السـكانية العربية؛ الحيلولة دون قيام وجود منظم ومستقل للنشاط الجماهريي

واالجتماعي والثقايف؛ منع النشـاط السـيايس العربي الداخيل املسـتقل؛ تعميق التصدعات

واالنشـقاق يف صفوف العرب أو خلق تصدعات جديـدة؛ تنظيم تدفق القوة العاملة العربية

إىل مراكز تشـغيل يف الوسط اليهودي (حسب مستويات البطالة يف الوسط اليهودي)؛ تجنيد

املتعاونني ومنح الرىش؛ توجيه وإرشـاد املوظفني الحكوميني وموظفي الهسـتدروت الذين

قدمـوا للعمل يف صفوف العرب؛ مسـاعدة الحزب الحاكم (مبـاي) يف تجنيد األصوات خالل

فـرتة االنتخابـات؛ وربما كذلك إبعاد العـرب إىل ما وراء الحدود، إذا سـنحت الفرصة لذلك

ملعلومات إضافية، انظروا «توصيات ملعالجة األقلية العربية يف إرسائيل»، أيلول 1959، أرشيف دولة إرسائيل، 1959-18- 1926-2، ص. 12).

نفس املصدر، ص. 2. 2

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

51

خالل معركة إضافية (بويميل، 2006).3

عـىل الرغم من تشـديد بن غوريون املتكرر أن الحكم العسـكري هو بمثابـة ذراع للجيش،

حصل قائد الحكم العسكري عىل التعليمات من «اللجنة املركزية لألمن»، وهو الجسم األعىل

الذي عالج السياسـات الحكومية تجاه العـرب يف إرسائيل. وضمت هذه اللجنة كال من قائد

الحكم العسكري، وقائد الوحدة العربية يف املخابرات العامة (الشاباك)، وقائد وحدة املهمات

الخاصـة يف الرشطة، باإلضافة إىل مستشـار رئيس الحكومة للشـؤون العربية الذي ترأس

اللجنة. عرب العالقة الوثيقة بني هذه األجسـام األمنية، أدار رجال الحكم العسـكري ملفات

متابعـة شـخصية حول كل قريـة وقرية، وحول املـدارس و«املخاتـري» واملعلمني، وأعضاء

الكنيست، ومئات من املواطنني العرب (وربما آالف).

منذ إنشـاء الحزب الشيوعي، دعت قيادته وأعضاؤه يف الكنيست إىل إلغاء الحكم العسكري.

انضم حزب العمال املوحد «مبام» (وهو أول حزب صهيوني ضم أعضاء عربا إىل صفوفه)،

انضم إىل هذه الدعوة يف مطلع الخمسـينيات. باإلضافة إىل هذين اإلطارين السياسيني (لكن

دون التعاون معهما)، وعىل الرغم من اإلجماع السيايس عىل أن العرب يشكلون خطرا أمنيا،

ارتفعـت يف منتصف الخمسـينيات (وبخاصة يف نهاياتها) أصـوات منتقدة وتحفظات عىل

طابـع ووظائف الحكم العسـكري ورضورة وجوده. مثل هذه األصـوات صدرت أيضا من

أوسـاط يف التيار املركزي للقيادات الجماهريية اإلرسائيلية اليهودية، بما يف ذلك داخل حزب

مباي؛ لذا، قام بعض املوظفني واللجان بفحص مدى نجاعة الحكم العسكري حتى يف بداية

طريقه، وأدخلت بعض التغيريات التي تلخصت يف تقليص املسـاحة الواقعة تحت سيطرته،

لكـن ليس تقليص الرقابـة األمنية عىل العرب. اعتقـد املتحفظون من التيـار املركزي -بما

يف ذلك حزب حريوت اليميني الذي ادعى أن مباي تسـتخدم الحكم العسـكري بغية تجنيد

أصـوات الناخبـني العرب- اعتقدوا بإمكانية مراقبة العرب بواسـطة أجسـام األمن املدنية،

وأنه من غري الالئق أن تسـتخدم دولة ديمقراطية قوانني الحكم العسـكري ضد مواطنيها.

وبالفعل، بدأ املسـار البطيء إللغاء الحكم العسكري، يف نهاية الخمسينيات، نتيجة اجتماع

ثالثة عوامل مركزية:

ورضورة - الفرتة، تلك شهدته الذي الكثيف االقتصادي اإلزدهار هو األول العامل

توفري األيدي العاملة. مواطنو الدولة العرب، الذين عاشوا ظروفا صعبة بعد النكبة

ـية عربية داخل دولة يهودية يف الفرتة الواقعة بني 1948-1958، علقت املؤسسة اإلرسائيلية اآلمال عىل حل مشكلة وجود أقل 3من خالل هجرتهم أو هربهم أو تهجريهم القرسي (ترانسفري). أسقطت مذبحة كفر قاسم وحرب سيناء يف العام 1956 هذا

األمل من جدول أعمال املؤسسة اإلرسائيلية التي عالجت السياسات تجاه العرب يف إرسائيل (بويميل، 2006) .

52

الحكم العسكري

إىل اإلرسائييل االقتصاد حاجة دفعت اللحظة. هذه انتظروا إرسائيل، دولة وقيام

العمالة الرخيصة والوفرية إىل منح التسهيالت يف نظام تصاريح التنقل كي يصبح

يف اإلمكان تنظيم تدفق العمال العرب (من قبل الحكم العسكري) إىل أماكن العمل يف الوسط اليهودي.4

العامل الثاني هو النتيجة التي توصل إليها واضعو السياسات، والتي مؤداها أن -

ترانسيفريا إضافيا للعرب (وهو األمل الذي شكل الخط السيايس األسايس للمؤسسة

الحاكمة يف العقد األول إلقامة دولة إرسائيل) لن يحصل، وأن ثمة رضورة لتنفيذ

سياسة جديدة ال تعتمد بعد عىل هذا األمل. جاء التوصل إىل هذا االستنتاج بعد أن

اتضح أن حرب سيناء، ومذبحة كفر قاسم التي ارتكبت يف اليوم االول من الحرب،

لم تفضيا إىل هروب جماعي كما حصل يف العام 1948.

العامل الثالث الذي دفع نحو إلغاء الحكم العسكري هو أن املعارضة الجماهريية -

والربملانية لهذا الحكم بدأت تتعاظم بسبب وصمة العار التي ألحقها بالديمقراطية

اإلمكان يف أن األطراف هذه وأدركت املعارضة. هذه اعتقاد حسب اإلرسائيلية،

ممارسة الرقابة عىل العرب (وهي املمارسة التي أيدوا استمرار وجودها) من خالل

التي االنتقادات (الشاباك). العامة املخابرات وجهاز كالرشطة املدنية املنظومات

وغري -صهيونية مختلفة اتجاهات من صدرت الخمسينيات مطلع يف أسمعت

صهيونية، وتعود ألسباب عديدة ومتنوعة، من بينها: أن الحكم العسكري مناهض

يصيب وأنه سواء؛ حد عىل والعرب باليهود يرض وأنه ولألخالق؛ للديمقراطية

الجيش بالفساد ألنه يتدخل يف الحياة الشخصية للمواطنني؛ وأنه يوفر لالنتقادات

والتصنيع العرصنة تحقيق دون يحول وأنه ناجعا؛ سالحا إلرسائيل الدولية

والتمدن، ويبقي الوسط العربي يف مستويات مادية وتشغيلية متدنية، ويخلق قرى

تشغيل ذاتية؛ وأنه يدفع بالعرب نحو كراهية إرسائيل. ا بدون مصادر كبرية جد

كما ادعي أن الحكم العسكري يشكل العامل الرئييس يف إيقاظ النـزعة القومية يف

صفوف العرب (وبذلك فهو يأتي بالرضر أكثر مما يأتي بالفائدة)، وأنه يميز ضد

العرب ويلحق بهم املذلة، ويحرمهم ممارسة الحقوق اإلنسانية األساسية.

قامـت لجنتـان تتبعان للمؤسسـة الحاكمـة بفحص الحكم العسـكري. كانـت األوىل لجنة

4 ملزبـد مـن املعلومات حول هذا التطور، انظروا «بروتوكول جلسـة الدائرة العربية يف الهسـتدروت»، 1.8.1961، ص. 28. أرشـيف الهسـتدروت-معهد الفون، IV–111-219؛ «بروتوكول لجنة مباي للشـؤون العربيـة»، 30.1.1958، ص. 13،

أرشيف حركة هعفودا، 2-926-1957-148.

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

53

جماهرييـة أطلق عليها االسـم «لجنة راطنر» (عىل اسـم كولونيل االحتيـاط يوحنان راطنر

الذي ترأسها)، وعينت، يف مطلع العام 1956، بسبب الضغوط التي مارسها حزب مبام الذي

اشـرتط دخوله لالئتالف الحكومي بفحص الحكم العسـكري. كانـت توصيات اللجنة التي

نرشت يف شهر آذار من العام 1956 قاطعة: الحكم العسكري حيوي ورضوري ألمن الدولة.

يف شـباط من العام 1958، عينت «لجنة روزين»، وهي لجنة برملانية ترأسـها وزير العدل

بنحـاس روزين. عملـت هذه اللجنة يف ظل التغيريات التي طرأت عـىل العالم العربي، حيث

وصلـت فكرة الوحدة العربيـة -التي قادها الرئيس املرصي جمال عبـد النارص- إىل إحدى

ذراها التاريخية، أال وهي الوحدة بني مرص وسوريا يف شباط من العام 1958، وكذلك ثورة

الضباط يف العراق يف شهر حزيران من العام نفسه، وإقامة «الجبهة العربية» يف الشهر ذاته

(التي غريت اسـمها الحقا بأمر من السـلطة لتصبح «الجبهة الشعبية»). وعىل الرغم من كل

هـذه التطورات، نـرشت «لجنة روزين» توصيات مغايرة لتوصيات اللجنة السـابقة وأقرت

رضورة «إيقـاف» (عـىل حد تعبري اللجنة) الحكم العسـكري، بيـد أن الحكومة قررت عدم

قبول التوصية ومواصلة الحكم العسكري.

وعـىل الرغـم من تعاظـم االحتجاجـات الربملانية والجماهرييـة ضد الحكم العسـكري منذ

نهاية الخمسـينيات، لم يجر إلغاء جهازه العسـكري حينذاك. واضعو السياسـات األمنية،

ويف طليعتهم بن غوريون، الذي شـغل حتى العام 1963 منصبي رئاسـة الحكومة ووزارة

األمن معا، اعتربوا أن الحكم العسكري (حتى العام 1965) هو األداة املركزية للسيطرة عىل

العرب وإقصائهم عن النظم السياسية، ولتهويد البالد، ويشكل وسيلة ردع موجهة للخارج.

جاء استمرار وجود الحكم العسكري ليثبت للدول العربية أن حكومة إرسائيل ال تقلص من

قوة جيشـها، وليسـت مرتاخية، وأنها ما زالت متيقظة إزاء الخطر الوجودي الذي يهددها،

وأنها تحافظ عىل توتر أمني شديد، وعىل عزم عسكري وظيفته األساسية ردع الدول العربية

عن شن حرب عىل إرسائيل.

صحيح أنه لم يعد بعض أفراد القيادة األمنية، تحت قيادة بن غوريون، يتعاملون مع الحكم

العسـكري باعتباره وسـيلة لردع الدول العربية، بيد أن هؤالء لـم ينجحوا يف تغيري املفهوم

األسايس لدى رئيس الحكومة، بسبب السيطرة املطلقة لبن غوريون يف كل ما يتعلق بالسياسة

تجـاه العـرب. يف مقابل موقف بن غوريون الحازم والرافض إللغاء الحكم العسـكري، بدأ،

منذ العام 1959، تقليص حضور رجاالت الحكم العسـكري ميدانيا، وبدأ نقل الصالحيات

إىل «السلطات املدنية» (أي الرشطة).

54

الحكم العسكري

يف شـباط من العام 1962، وكذلك يف شباط من العام 1963، عقدت، يف الكنيست، جلستان

مهمتان حول الحكم العسـكري. ودار الحديث يف املرتني عن مجموعة من مشـاريع القوانني

التـي طرحتها بعض األحزاب إللغاء الحكم العسـكري أو تغيري طابعه. وصعد بن غوريون

إىل منصة الخطباء كوزير لألمن لإلجابة عن مشـاريع القانون والدفاع عن استمرار وجوده،

وركز يف خطاباته عىل ثالث نقاط أساسية:

النقطـة األوىل كانـت العالقة بني الحكم العسـكري والنـزاع العربـي اإلرسائييل. ادعى بن

غوريون أن الحكم العسكري يدافع عن أمن إرسائيل أمام الدول العربية التي تزيد من كمية

السـالح يف حوزتها، وأمام تهديد قياداتها باسـتخدامه إلبادة الدولة. أمـا النقطة الثانية،

فكانـت التماثل الطبيعي القومي للعـرب يف إرسائيل مع الدول العربية. لذا، فهم يشـكلون

محط شك كطابور خامس قد يتعاون مع الجيوش العربية. النقطة الثالثة، هي أن الحكم

العسكري هو جزء من الجيش، وأن إلغاءه قد يضعضع قوة الردع االرسائيلية العسكرية.

انتهى النقاش الذي دار يف العام 1962 حول خمسـة مشـاريع القانون التي عالجت مسألة

إلغاء أو تغيري طابع الحكم العسـكري، انتهى بإسـقاط جميع املشـاريع من جدول األعمال

بأغلبية 3-8 أصوات (أقوال الكنيسـت، مجلد رقم 33، 20.2.1962، ص. 1323-1315).

وصـوت اثنان من أعضاء الكنيسـت العرب (جـرب داهش معدي وذياب عبيـد) من القوائم

امللحقة بمباي ضد إلغاء الحكم العسـكري. وانتهى النقاش يف العام 1963 كذلك بإسـقاط

املشـاريع عن جدول االعمال، لكـن هذه املرة بفارق صوت واحد. يف هـذه املرة أيضا صوت

عضوا الكنيست العرب من مباي ضد إلغاء هذا الحكم.

نجـح ليفي إشـكول، الذي عني رئيسـا للحكومة يف حزيران 1963، يف نهاية تلك السـنة يف

اإلعالن عن عملية إلغاء الجهاز العسـكري للحكم العسكري. وإىل حني إلغائه -وفق ما حدد

رئيس الحكومة- عليه التحول إىل ذلك الجسم الذي «يرى وال يرى».

وبالفعل، لم يدر الحديث حول إلغاء الحكم العسـكري، بل حول مواصلة العملية التي يقوم

رئيـس األركان بموجبهـا بنقل صالحيات فـرض أنظمة الطوارئ مـن الجيش إىل الرشطة.

مـا جـرى إلغاؤه، إذا، هو جهاز الحكم العسـكري، ال الحكم نفسـه، فأنظمـة الدفاع لحالة

الطـوارئ ونظـام التصاريح بقيت عـىل حالتها، وكذلك الصالحية العليـا لرئيس األركان يف

تخويل الرشطة أو الجيش صالحيات فرضها.

يف كانـون األول مـن العـام 1966، أعلـن رئيـس الحكومـة أن الجهاز العسـكري للحكم

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

55

العسـكري لم يعد له وجود. سـميت هذه الخطوة بني أوسـاط الجمهـور اإلرسائييل (يهودا

وعربـا) «إلغـاء الحكم العسـكري». اعتـرب الجمهور اليهـودي هذه العمليـة بمثابة تطهري

الديمقراطية اإلرسائيلية من الوصمة العسكرية والبعيدة عن املساواة. لكن القيادة اليهودية

واصلت سيطرتها عىل العرب وتقييدهم بواسطة وسائل مدنية، بغية املحافظة عىل إقصائهم

عن أجهزة الدولة.

أبدى السـواد األعظم من الجمهور العربي ال مبـاالة تجاه هذا القرار، وانتظر التغيريات عىل

أرض الواقـع، لكنها لم تحصل. وفعال، يف األشـهر األوىل من العـام 1967، طبقت الرشطة

نظام التصاريح بحدة أشد -مقارنة بالعام 1966-.

لـم تخفت حدة فرض أنظمة الدفاع لحالة الطوارئ إال بعد حرب العام 1967، عندما انتقل

مركز ثقل املعالجة األمنية للسـكان املدنيني إىل املناطق الفلسـطينية التي احتلت يف الحرب،

وبعد أن ثبت (خالل الحرب) أن العرب يف إرسائيل ال يشـكلون «خطرا أمنيا»، إىل أن توقف

العمل بهذه األنظمة يف العام 1968.

إلغـاء جهاز الحكم العسـكري يف العـام 1966، وإلغاء فرض أنظمتـه يف العام 1968، لم

يغيـرا من تعامل غالبية الجمهور اليهودي واملؤسسة اإلرسائيلية مع العرب. يتلخص مرياث

الحكم العسـكري يف التعامل مع العرب كمشكلة أمنية وكطابور خامس، وممارسة سياسة

مؤسساتية تحد من استقاللهم الشـخيص والجماعي، وتقمع عمليات العرصنة الحقيقية يف

صفوفهم. اسـتمر هذا املرياث لسـنني طويلة بعد «إلغاء الحكم العسـكري»، وشمل تذويت

الخوف املتبادل بني اليهود والعرب، كوسـيلة ملنع دمج العرب يف املجتمع اإلرسائييل، وتثبيت

ـية العربية التي لم عدم املسـاواة بني األغلبية اليهودية املتمثلة يف املؤسسـة اليهوديـة واألقل

تحظ بتمثيل مشابه.

56

الحكم العسكري

املراجع

اإلنجليزية

Abu-Lughod, J. (1971). The demographic transformation of Palestine. In I. Abu-Lughod (Ed.), The

transformation of Palestine (pp.139-163). Evanston: North Western University Press.

العربية

ـية العربيـة يف إرسائيل (2-926-1959-18). أرشـيف دولة إرسائيل. (أيلـول 1959). توصيات ملعالجة األقلالقدس: أرشيف دولة إرسائيل.

أقوال الكنيست. (1962). مجلد رقم 33. ص. 1323-1315.

بويميل، يئري (2002). الحكم العسـكري وعملية إلغائـه، 1958-1968. همزراح هحداش (الرشق الجديد)، 23، .156-133

بويميل، يئري (2006). مبادئ سياسة التمييز ضد العرب يف إرسائيل، 1968-1948. مراجعات يف نهضة إرسائيل، .413-391 ،16

شيف، زئيف؛ وهابر، إيتان (1976). معجم أمن إرسائيل. القدس: زمورا بيتان.

مصادر إضافية

العربية

توما، إميل (1983). طريق الجماهري العربية الكفاحي يف إرسائيل. حيفا: دار أبو سلمى لنرش الفكر التقدمي.

العربية

بويميل، يئري (2007).ظل أزرق أبيض: سياسة املؤسسة اإلرسائيلية ونشاطاتها يف صفوف املواطنني العرب يف إرسائيل: سنوات التكوين: 1958-1968. حيفا: بارديس.

بنـزيمـان، عـوزي؛ ومنصور، عطالله (1992). سـكان هامشـيون: عـرب إرسائيل، مكانتهم والسياسـات تجاههم. القدس: كيرت.

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

57

اإلنجليزية

Jiryis, S. (1976). The Arabs in Israel. London: Monthly Review Press.

Lewin-Epstein, N., & Semyonov, M. (1993). The Arab minority in Israel’s economy: Patterns of ethnic inequality. Oxford: Westview Press.

Ozacky-Lazar, S. (1998). Security and Israel’s Arab minority. In D. Bar-Tal, D. Jacobson, and A. Klieman (Eds.), Security concerns: Insights from the Israeli experience (pp. 347-370). London: JAI Press Inc.

الفـلـسـطـيـنـيـون فـي إرسائـيــل

قــراءات يف التـاريـخ، والسيــاسـة، واملجـتـمـع

نـديــم روحـانـا أريـج صبـاغ-خـوري

محرران

2011

مـدى الكرمل

املركز العربي للدراسات اإلجتماعية التطبيقية

التجنيد اإلجباري للدروز يف الجيش اإلرسائييل-

خلفية تاريخية

قيس فرو

59

التجنيد اإلجباري للدروز يف الجيش اإلرسائييل- خلفية تاريخية

قيس فرو*

بالعودة إىل األرشـيفات اإلرسائيلية، يتبني أن عالقات اليهود والدروز، حتى اليوم، تتجىل من

خالل قصة متواصلة من تشجيع الخصوصية الدرزية، ابتغاء فصل الدروز عن سائر العرب

الفلسـطينيني. منذ العام 1948، اسـتخدم واضعو السياسـات واألكاديميون اإلرسائيليون

وسـائل خطابية وكتابية ترمي إىل تحويل الطائفة الدرزيـة إىل قومية منفصلة عن القومية

.(Firro, 1999) العربية، وبدرجة معينة، إىل قومية مقلدة أو ناسخة للقومية اليهودية

منـذ أحداث «هبة الـرباق» عام 1929 وحتى العام 1948، حافظـت الزعامات الدرزية عىل

الحياديـة يف الـرصاع الصهيوني- الفلسـطيني. ويف الخامس عرش من ترشيـن الثاني عام

1930، بعـث 96 زعيمـا درزيا برسـالة إىل املندوب السـامي الربيطانـي، يعلنون فيها عن

موقـف حيادي حيال النـزاع «الديني» (أرشـيف دولة إرسائيل، 15 ترشين الثاني 1930).

حـاول زعماء الحركة الصهيونيـة، دون جدوى، تحويل موقف الزعامـة الدرزية إىل موقف

«حيادي مشـجع» تجاه اليهود، ولكن هذه املحـاوالت الرامية إىل تجنيد العائالت القيادية يف

ذلـك الوقت («طريف»؛ «معدي»؛ «خري»)لـم تنجح، فقاموا بالتوجه إىل عائالت أقل أهمـية.

ونجحـوا يف تجنيـد اثنني من الزعماء. فقط يف العام 1946، انكـرست -وألول مرة- حيادية

زعماء العائالت القيادية، وذلك بانضمام أحد شبان عائلة معدي إىل هذا املجهود.

بعد تبني خطة التقسـيم، يف العام 1947، تعاظم املجهود الذي بذله الصهيونيون للحيلولة

دون انضمام دروز سـوريا ولبنان إىل النضال الفلسـطيني. لكـن يف كانون األول من العام

1947، نجح فـوزي القاوقجي قائد جيش اإلنقاذ يف بناء كتيبة درزية قوامها 500 محارب

Firro,) من سوريا ولبنان. ويف نيسان 1948، حاربت هذ الكتيبة بالقرب من هوشه- كساير

pp. 46-50 ,1999). تصف التقارير اإلرسائيلية القتال الضاري يف ذلك املكان، والذي أسفر

عن مقتل أكثر من 100 محارب درزي، وإصابة 100 آخرين. وتجسـد الرسـائل التي بعث

بروفيسور قيس فرو هو أستاذ يف قسم الدراسات الرشق أوسطية يف جامعة حيفا. *

60

التجنيد اإلجباري للدروز يف الجيش اإلرسائييل- خلفية تاريخية

بهـا قائد الكتيبة الدرزية لقيادة جيش اإلنقاذ يف دمشـق الضائقـة التي وقعت فيها الكتيبة

الدرزيـة. إزاء هذا الوضع، قام الصهيونيون بتشـغيل متعاونني من الـدروز بهدف تفكيك

مـا تبقى من الكتيبة. وحاولوا اسـتمالة بعض أفرادها لالنضمـام إىل الجيش اإلرسائييل. يف

موسم الحصاد من العام 1948، دس رجال خدمة االستخبارات التابعة للهاغاناه («شاي»)

مجموعـة مـن املتعاونني الدروز بغية تجنيد متطوعني من عسـفيا وداليـة الكرمل يف وحدة

مستقلة خارج إطار الجيش اإلرسائييل. ويف الوقت ذاته، وعد الجيش بإخراج حقول الحبوب

التابعة للقريتني من عمليات اإلبادة التي نفذت ضد حقول القرى العربية التي يسيطر عليها

الجيش. قام 25 شـابا من القريتني بالتطوع لـ«وحدة األقلـيات» التي ضمت مجموعة من

املحاربني الدروز الذين فروا من الكتيبة السورية يف جيش اإلنقاذ، ومتطوعني من قبيلة عرب

الهيـب، ومجموعة مـن رشكس قرية كفر كما. ويف مطلع العـام 1949، كانت الوحدة تضم

400 درزي، كثـريون منهم من سـوريا، و200 بدوي و100 من الرشاكسـة. وقد دفع أجر

Firro, 1999,) هؤالء من صندوق خاص أقيم من بيع املنتجات التي هربت من وراء الحدود

.(pp. 21-57

يف أحـد التقاريـر الخاصة بتجنيد الدروز، اعرتف القائـد األول لـ«وحدة األقلـيات»، طوبيا

لشينسكي، بوجود سياسة موجهة لتجنيد عدد كبري من الدروز التابعني لجيش اإلنقاذ، بغية

زعزعة ثقة الدول العربية بالدروز (Gelber, 1995). تم تجنيد املتطوعني بواسـطة زعماء

عائلتني لم تقوما بإرسـال أبنائهما للتجند، بل بإرسـال أبناء العائالت الفقرية وغري املتعلمة

(أفيفـي، 2006). وبالرغـم من اعرتاف أفراد املؤسسـة اإلرسائيلية بعدم مسـاهمة «وحدة

األقلـيات» يف املجهود «األمني»، اهتم جهاز اإلعالم اإلرسائييل بتوظيف الوحدة واستثمارها يف

الحرب النفسـية. وقد قام يعقوب شمعوني، رئيس قسم الرشق األوسط يف وزارة الخارجية،

بتوجيـه املذيعني والصحفيني اإلرسائيليني للتهليل واإلشـادة بنشـاطات «وحدة األقلـيات»

التي تشـكل «رمز األخوة بني الطوائف». وكشـف شـمعوني، يف إحدى رسـائله، أن الهدف

من التجنيد هو دق إسـفني يف قلب الوحدة العربية، واستخدام الدروز «كسكني حاد يف ظهر

الوحدة العربية» (أرشيف دولة إرسائيل، 16 آب 1948). وقدر يهشواع فاملون- الذي نصب

الحقا مستشـارا للشؤون العربية- يف تقريره حول النشـاط الصهيوني يف صفوف الدروز،

أن دولـة إرسائيل قد نجحت يف «قطع طريق عودة» الـدروز إىل املوقف العربي العام، وذلك

أن تجنيدهم للجيش اإلرسائييل قد «أحرق» أوراقهم (أرشيف دولة إرسائيل، 5 آب 1948).

يف نهايـة ترشيـن الثاني عـام 1948، قام وزيـر األقلـيات بيخور شـطريت بزيارة للقرى

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

61

الدرزيـة يف الجليل الغربي، بغية تعزيز عالقات الدولة مع رؤسـاء العائالت القيادية. وقدم

شـطريت لدافيد بن غوريون تقريرا حول زيارته «الناجحة»، لكنه أشـار بصورة خاصة إىل

نفور عائلة طريف من تجنيد الدروز للجيش اإلرسائييل، ألن األمر قد «يمس بعالقات الدروز

مع جريانهم من املسلمني واملسـيحيني» (أرشيف دولة إرسائيل، 30 ترشين الثاني 1948).

ولم يبلغ عدد املتطوعني ما توخاه ضباط الوحدة. باإلضافة إىل مهمة تجنيد املتطوعني الجدد،

خصـص ضباط «وحدة األقلـيات» الكثري من الوقت للسياسـة الداخلية يف صفوف الدروز،

ولـم يألـوا جهدا لخلق قيادة جديـدة، والحيلولة دون االعرتاف بالشـيخ أمني طريف زعيما

روحيا للطائفة الدرزية. وبسـبب تراجع أعـداد املتطوعني يف هذه الوحدة، قام رئيس أركان

الجيـش بتأليف كتيبة إضافيـة للمتطوعني الدروز. ويف مطلع حزيـران، صدر األمر للقيام

ـ «تجنيد احتياط املرحلـة ‘ب‘». بغية تحقيق هذا الهدف، دعي، يف السـابع من حزيران، بـ

أربعون من رؤسـاء العائالت إىل معسـكر «وحدة األقلـيات»، وطلب منهم العمل عىل تجنيد

متطوعني جدد. ويف محاولة إلفشال التجنيد الجديد، قام الشيخ أمني طريف بتحرك مضاد،

تمثل يف دعوة عدد من الزعماء الدروز إىل مقام النبي «سـبالن» يف الجليل األعىل. ويف رسالته

لفاملون، قرن أمنون يناي (قائد «وحدة األقلـيات» آنذاك) بني محاولة الشيخ طريف «ابتداع

.(Firro, 1999, pp. 94-124) «الزيارة إىل قرب سبالن» و«رفض الشيخ لتجنيد الدروز

يف العـام 1954، حصـل تحـول يف موقـف عائلة طريف، إذ نرش يف التاسـع مـن تموز أمر

التسجيل لتجنيد جميع أبناء الطوائف العربية، حيث قامت التقارير اإلرسائيلية بوصف مدى

«تحمس» العرب لحمل السـالح وارتداء البزة العسكرية. رسعان ما فرت هذا الحماس عندما

تبـني للعرب أنهـم لن يدمجوا يف الوحـدات النظامية للجيش اإلرسائييل. وتكشـف التقارير

اإلرسائيليـة يف هذا الصدد عن إرسـال 4520 أمر تجنيد للشـبان العـرب، وعن قيام 4000

منهـم بالتسـجل بصورة فعلية. توقفت معالجة هذه املسـألة بعد أن أبـدى بن غوريون، يف

نهايـة العام 1954، تحفظه من تجنيد العرب (أفيفي، 2006، صفحات: 249-248)؛ ويف

املقابـل، شـهد النقاش حول التجنيد اإلجباري للدروز زخما جديـدا. يف نهاية العام 1954،

التقـى قائد «وحدة األقلـيات»، يعقوب تسـفيا، برفقة عضو الكنيسـت الدرزي جرب داهش

معـدي، مع رئيس األركان موشـيه ديان، وجرت مناقشـة هذا املوضـوع. يف 15 من كانون

األول عام 1955، أرسل الشيخ جرب إىل بن غوريون رسالة كتبت بلغة عربية فصيحة، طالبه

ـ «ممثل الدروز» فيهـا بفرض التجنيد اإلجباري عىل الدروز، وعرف الشـيخ جرب نفسـه كـ

الذين يعربون عن اسـتعدادهم «للتضحية بأرواحهم من أجل الدفاع... عن الوطن» (أرشيف

62

التجنيد اإلجباري للدروز يف الجيش اإلرسائييل- خلفية تاريخية

جيش الدفاع اإلرسائييل 48/117/6700، 15 كانون األول 1955). قبل ذلك بشهر واحد،

عمم الشـيخ لبيب أبو ركن منشـورا يدعو فيه «األمة الدرزية يف إرسائيل» إىل التجند من أجل

«حمايـة الوطـن» (مركز املعلومات التابـع لجبعات حبيبة ([ملـف 9،8]، 1955). اعتربت

رسـالة الشيخ جرب معدي ومنشـور الشيخ لبيب أبو ركن مستندا مرجعيا وطلبا من القيادة

الدرزية للتجنيد اإلجباري. يف املقابل، يستدل من تقرير صدر عن الحكم العسكري يف 26 من

كانون الثاني أن «زعماء الطائفة لم يبادروا للتوجه بخصوص فرض التجنيد اإلجباري، وأن

«وحدة األقلـيات» والحكم العسـكري هما اللذان طلبا الحصول عىل موافقة وجهاء الطائفة

لفـرض التجنيد اإلجباري عىل طائفتهم» (أرشـيف جيش الدفاع اإلرسائييل 752/72/70،

26 كانـون الثانـي 1956، مقتبس لـدى أفيفي، 2006، ص. 251). ويضيـف التقرير أن

رسائل الطلب التي أرسلها وجهاء الطائفة إىل الحكومة أثارت الكثري من التذمر، وأن «غالبية

أبناء الطائفة يرفضون التجنيد اإلجباري؛ وحتى هؤالء الذين وقعوا تأييدا للتجنيد يخشـون

اليوم الترصيح بذلك؛ الفكرة السـائدة هي أن الدافع وراء نشـاط الشـيخ جرب يف هذا الشأن

هو منفعته الشـخصية» (أرشيف جيش الدفاع اإلرسائييل 752/72/70، 26 كانون الثاني

1956، مقتبس لدى أفيفي، 2006، ص. 251).

يف شـهر كانـون الثاني 1956، قـررت الحكومـة اإلرسائيلية فرض التجنيـد اإلجباري عىل

الـدروز، وبدأ قائـد وحدة الدروز بحملة إقناع يف صفوف الوجهاء حـول أهمـية هذا القرار

بالنسـبة ملسـتقبل الطائفة الدرزية. لكن املعارضة للتجنيد امتدت إىل جميع القرى، وبعث

برسائل بهذه الروح إىل رئيس الدولة، ورئيس الحكومة، ورئيس أركان الجيش، وقائد «وحدة

األقلـيات»، وإىل مؤسسـات أخرى إضافية (أرشـيف جيش الدفاع اإلرسائييل 70/72/13،

16، 29 شباط 1956؛ 3، 19 آذار؛ آذار 1956، مقتبس لدى أفيفي، 2006).

عها 55 من رجاالت الدين والشـبان، وأرسـلت إىل وزير األديان يف إحـدى الرسـائل التي وق

وإىل رؤسـاء الطائفة، قبل شهر نيسان من العام 1956، أعلن املوقعون عن احتجاجهم عىل

التجنيد، وأعلنوا عن يوم االحتفاالت يف مقام النبي شعيب، الذي يصادف الخامس والعرشين

من نيسـان، يوم حداد (أرشـيف جيـش الدفاع اإلرسائيـيل 70/72/752، بـدون تاريخ،

مقتبـس لـدى أفيفـي، 2006). يف 22 آذار، توجه املحامي محمد هواري، باسـم 16 شـابا

درزيا من مدينة شـفاعمرو، إىل رئيس الحكومة برسالة مفصلة تشري إىل دوافع معارضتهم

للتجنيد، وجرى يف هذه الرسـالة التشديد عىل الدوافع التالية:1- يعترب الدروز أنفسهم أبناء

لألقلـية العربية، وما لم يدع أبناء هذه األقلـية للخدمة العسكرية، ينبغي عدم الفصل بينهم

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

63

يف الدعوة للخدمة العسكرية؛ 2- ليس ثمة مربر لتغيري مكانتهم من متطوعني وتحويلهم إىل

مجندين إلزاميني؛ 3- لم يحصل زعماء الدروز، الذين طلبوا فرض قانون التجنيد اإللزامي،

عـىل أي تفويض للتحدث باسـم الطائفـة؛ 4- يعترب فرض الخدمـة اإلجبارية عىل الدروز،

باالستناد إىل طلب تقدم به من ال يمثلونهم، عمال استبداديا (أرشيف جيش الدفاع اإلرسائييل

752/72/70، 22 آذار 1956، مقتبس لدى أفيفي، 2006).

بدأ القلق يسـاور السـلطات أكثر فأكثر عندما انتهز الشـيخ فرهود قاسـم فرهود مشاركة

جماعات غفرية من الناس يف جنازة الشـيخ يوسـف خري، يف قرية أبو سـنان، يف شـباط من

هة إىل العام 1956، وأعلن عن معارضته للتجنيد؛ وتال الشـيخ فرهود رسـالة مفتوحة موج

عة من 16 من الوجهاء املعارضـني للتجنيد. يف املقابل، وباإلضافة إىل زعمـاء الطائفة، وموق

معارضته للتجنيد، عرب الشـيخ يوسـف سـليمان مال أمام الجمهور عن تخوفه من أن هذا

التجنيد سـيؤدي إىل تجنيد بنات الطائفة (أرشـيف جيش الدفاع اإلرسائييل 752/72/70،

29 شـباط 1956، مقتبس لدى أفيفي، 2006). يف نيسـان من ذلك العام، بدأت السـلطات

تعـرب عـن انزعاجها املتزايد من اتسـاع رقعة حركة االحتجاج، فقد بادر الشـيخ فرهود إىل

عقد اجتماع عام يف مقام الخرض يف كفر ياسـيف. وعىل الرغم من الضغوط التي مارسـتها

السـلطات عىل الشـيخ أمني طريف، كي يعارض عقد االجتماع ويقاطعـه، قرر املجتمعون

دعوة السـلطات أن تعـدل قرارها بخصوص التجنيد، وأنذروا بإعـالن اإلرضاب يف املدارس

وإلغاء احتفاالت النبي شـعيب -يف حال الرفض. وأعلن املشـاركون كذلك أنهم سيسـحبون

اعرتافهم بالقيادة الروحية، إذا لم تقف إىل جانب رافيض الخدمة العسكرية (أرشيف جيش

الدفاع اإلرسائييل 752/72/70، نيسان 1956، مقتبس لدى أفيفي، 2006).

عـىل الرغم من الزخم الذي شـهدته مقاومة التجنيد، بدأ الحاكم العسـكري بتسـليم أوامر

التجنيد بواسـطة «وجهاء الطائفة»، لكن معظم من دعوا لالنتسـاب رفضوا اسـتالم أوامر

التجنيـد. يف قرية يركا، عىل سـبيل املثال، رفض 28 شـابا (من أصل 39) اسـتالم األوامر،

فاقرتح الحاكم العسكري يف الشمال استخدام الرشطة ضد الرافضني (أرشيف جيش الدفاع

اإلرسائييل 752/72/70، 24 شـباط 1956، مقتبس لـدى أفيفي، 2006). عىل الرغم من

التهديـدات التي تعرض لها الرافضون، وافق %28 فقط ممن دعوا عىل اسـتالم األوامر؛ يف

قرى الجليل تسـجل 51 شـابا من أصل 197 ؛ ومن أصل 117 من قرى الكرمل تسجل 32

شـابا فقط (أرشـيف جيش الدفاع اإلرسائييل 752/72/70، 11 آذار 1956، مقتبس لدى

أفيفي، 2006).

64

التجنيد اإلجباري للدروز يف الجيش اإلرسائييل- خلفية تاريخية

عىل ضوء هذه التطورات، قررت لجنة التنسـيق اللوائية اسـتخدام الرشطة، فاعتقل العديد

من الشـبان، وفتحت لهم ملفات جنائية. عىل الرغم من هذه املمارسـات، أشـارت تقديرات

ضبـاط املخابـرات العامة أن اإلجراءات البوليسـية لن تزيد بكثري نسـبة امللتحقني بمكاتب

التجنيد (أرشـيف جيش الدفاع اإلرسائييل 752/72/70، آذار 1956، مقتبس لدى أفيفي،

2006). يف نهاية نيسـان، بدأت سياسـة فرض القانون عنوة «تؤتي ثمارها»، عندما بدأت

أعـداد الوافديـن إىل مكاتب التجنيد تشـهد تزايدا ملحوظا، وبخاصة حـني أمر نائب رئيس

األركان بفتح ملفات جنائية ضد الرافضني (أرشيف جيش الدفاع اإلرسائييل 752/72/70،

30 أيار 1956، مقتبس لدى أفيفي، 2006).

عـىل الرغم من سياسـة العقوبات هذه، لم يتعد مجموع املنتسـبني يف مطلـع العام 1957

املائة واألربعة والثمانني من أصل 507 شبان دعوا للتجنيد (أرشيف جيش الدفاع اإلرسائييل

752/72/70، 8 كانون الثانـي 1957، مقتبس لدى أفيفي، 2006). خالل العام 1957،

بدأ العديد من الشـبان يعربون عن خشـيتهم من السـلطات، وعن تخوفهم عىل مسـتقبلهم

ومستقبل عائالتهم. يف 22 آذار 1957، بعث الشيخ فرهود برسالة إىل وزير الداخلية، ووزير

الخارجية، ورئيس الكنيسـت، يرشح فيها اعرتاضاته ضد تجنيـد الطائفة الدرزية العربية.

اسـتمرت رسـائل رافيض الخدمة يف الوصول إىل السـلطات، لكن صناع القرار تجاهلوا كل

هذه التوجهات، وواصلوا «دق اإلسفني» الذي تحدث عنه يعقوب شمعوني، بغية قطع طريق

العودة عىل الدروز، األمر الذي تحدث عنه فاملون.

منذ العام 1956 حتى اليوم، تواصل السـلطات اإلرسائيلية التمسـك بسياسة فصل الدروز

عن سائر العرب من خالل التجنيد اإلجباري. يف الوقت ذاته، تواصلت كذلك سياسة مصادرة

األرايض يف القـرى الدرزيـة، وتحويل الـدروز إىل العمل يف قطاعات غـري زراعية، وتواصلت

سياسة عدم التطوير داخل القرى، وواصلت السلطات اإلرسائيلية نهج معالجة قضايا الدروز

من خالل القيادات التقليدية- جميع هذه العوامل حددت أنماط التشـغيل لدى الدروز. منذ

بدايـة عمليـة التجنيد، وجد الكثري من الشـبان الـدروز أن الطريق للعمـل يف قطاعات غري

مرتبطة باملؤسسـة الحاكمة مغلقـة تمام اإلغالق، فأصبح التجنيـد بمثابة ترصيح للدخول

إىل العمل، وأدى إىل ارتفاع بالغ يف عدد املسـتخدمني يف األذرع األمنية املختلفة. هذه التبعية

االقتصاديـة رافقها تشـجيع املحافظة عـىل الهوية الطائفية، وصد عمليات التسـييس فوق

الطائفية.

لم تتوقف معارضة التجنيد اإلجباري طوال خمسـينيات وستينيات القرن املايض، واتخذت

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

65

أشـكاال متنوعة. فعىل سـبيل املثال، رصح بعض رافيض الخدمة أنهم نزعوا إىل التدين بغية

التهـرب مـن التجنيد، وتظاهر آخرون بأنهـم مختلون عقليا. وثمة من الشـبان من رفضوا

الخدمـة بدوافـع قومية عربية. بدأ االحتجـاج اإليديولوجي يتنامى برسعـة بعد إقامة لجنة

املبـادرة الدرزية، يف العـارش من آذار 1972، اللجنة التي أعلن عن تأسيسـها بعد االجتماع

الحاشـد يف بيت الشـيخ فرهود قاسـم فرهود، الذي يعترب من رجاالت الديـن األوائل الذين

عارضـوا التجنيـد منذ العـام 1956 (األرشـيف الدرزي [ملـف لجنة املبـادرة الدرزية]،

آذار 1972). ويواصـل نشـطاء لجنة املبادرة الدرزية حتى اليوم دعوة الشـبان الدروز إىل

معارضـة التجنيد اإلجبـاري. وعىل الرغم مـن صعوبة تحديد حجم حركـة الرفض للتجند

للجيش اإلرسائييل، ينجح الكثريون من الشـبان الدروز من جميع القرى الدرزية يف التهرب

من الخدمة العسكرية بالسبل التي ذكرت آنفا.

66

التجنيد اإلجباري للدروز يف الجيش اإلرسائييل- خلفية تاريخية

املراجع

اإلنجليزية

Firro, K. M. (1999). The Druze in the Jewish state. Leiden: Brill.

Gelber, Y. (1995). Druze and Jews in the war of 1948. Journal of Middle Eastern Studies, 31(2), 228-252.

العربية

أفيفي، شـمعون (2006). تجنيد الدروز لجيش الدفاع اإلرسائييل، يف شـريان، أوسـنات (محررة). يهود وعرب يف النضال من أجل أرض إرسائيل (233-269). تل أبيب: وزارة الدفاع.

أرشيف جيش الدفاع اإلرسائييل. (15 كانون األول 1955). رسالة جرب معدي إىل بن غوريون (6700/117/48). جبعتايم.

أرشـيف جيـش الدفاع اإلرسائيـيل. (بدون تاريخ). رسـالة إىل وزير األديان ورؤسـاء الطائفـة (غري مؤرخة) (752/72/70). جبعتايم.

أرشيف جيش الدفاع اإلرسائييل. (آذار 1956). رسالة إىل رئيس الكنيست (13/72/70). جبعتايم.

أرشيف جيش الدفاع اإلرسائييل. (16 شباط 1956). رسالة إىل وزير الدفاع (13/72/70). جبعتايم.

أرشـيف جيـش الدفاع اإلرسائييل. (29 شـباط 1956). تقرير الحكم العسـكري يف الشـمال (752/72/70). جبعتايم.

أرشيف جيش الدفاع اإلرسائييل. (3 آذار 1956). رسالة إىل وزير الدفاع (13/72/70). جبعتايم.

أرشيف جيش الدفاع اإلرسائييل. (19 آذار 1956). رسالة إىل رئيس الحكومة (13/72/70). جبعتايم.

أرشـيف جيش الدفاع اإلرسائييل. (22 آذار 1956). رسـالة نمر الهواري اىل رئيس الحكومة (752/72/70). جبعتايم.

أرشيف جيش الدفاع اإلرسائييل. (آذار 1956). تلخيص جلسة بخصوص التجنيد اإلجباري للدروز. جبعتايم

أرشيف جيش الدفاع اإلرسائييل. (11 آذار 1956).رسالة هيئة األركان العامة يف مسألة تجنيد الدروز. جبعتايم

أرشيف جيش الدفاع اإلرسائييل. (نيسان 1956). تقرير الحكم العسكري يف الشمال (752/72/70). جبعتايم.

أرشيف جيش الدفاع اإلرسائييل. (30 أيار 1956). رسالة مكتب نائب رئيس هيئة األركان. جبعتايم.

أرشيف جيش الدفاع اإلرسائييل. (21 كانون الثاني 1956). تقرير الحكم العسكري يف الشمال (752/72/70). جبعتايم.

أرشيف جيش الدفاع اإلرسائييل. (8 كانون ثاني 1957). مكتب مدير قسم التجنيد يف وزارة الدفاع. جبعتايم.

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

67

األرشـيف الدرزي. (آذار 1972). اإلعالن عن إقامة لجنة املبادرة الدرزية (ملف «لجنة املبادرة الدرزية»). حيفا: جامعة حيفا.

أرشيف دولة إرسائيل. (5 آب 1948). تقرير فاملون «نشاطنا يف صفوف الدروز» (8/2565). القدس: أرشيف دولة إرسائيل.

أرشيف دولة إرسائيل. (16 آب 1948). رسالة من شمعوني إىل إلياهو ساسون (وزارة الخارجية 2570/11). القدس: أرشيف دولة إرسائيل.

أرشـيف دولة إرسائيل. (15 ترشين الثاني 1930). رسـالة موقعة من 96 من الزعماء الدينيني («الروحيني») والعلمانيـني («الجسـمانيني») إىل املندوب السـامي (550/ ن.ي/31/ 36). القدس: أرشـيف دولة

إرسائيل.

أرشـيف دولة إرسائيل. (30 ترشين الثاني 1948). رسـالة من شـطريت إىل بن غوريون وموشـيه شـاريت. القدس: أرشيف دولة إرسائيل.

مركز املعلومات التابع لجبعات حبيبة. (6 ترشين الثاني 1955). منشور لبيب أبو ركن (ملف رقم 9،8). جبعات حبيبة: مركز املعلومات التابع لجبعات حبيبة.

الفـلـسـطـيـنـيـون فـي إرسائـيــل

قــراءات يف التـاريـخ، والسيــاسـة، واملجـتـمـع

نـديــم روحـانـا أريـج صبـاغ-خـوري

محرران

2011

مـدى الكرمل

املركز العربي للدراسات اإلجتماعية التطبيقية

أنظمة الطوارئ

يوسف تيسري جبارين

69

أنظمة الطوارئ

يوسف تيسري جبارين *

فرضـت حكومة االنتداب الربيطانـي «أنظمة الدفاع (حالة الطـوارئ)، 1945» (يف ما ييل:

أنظمة الطوارئ) عىل فلسـطني يف خضم الحرب العاملية الثانية بواسـطة املندوب السـامي،

وذلك وفق املادة السادسـة من «أقوال امللك يف مجلسـه عن فلسطني (الدفاع)، 1937». وقد

منحـت هذه املادة املندوب السـامي صالحية إقرار أنظمة «لضمان أمـن الجمهور، والدفاع

عن فلسـطني، وتسـييد النظام العام وقمع االنتفاض والتمرد والشـغب، وتوفري التزويدات

والخدمـات الرضورية للجمهور»(البند األول من املادة السادسـة(، وذلـك يف محاولة لقمع

.(Jiryis, 1976) 1936 الثورة الفلسطينية الكربى التي اندلعت عام

قامـت دولة إرسائيل عام 1948 بتبني أنظمة الطوارئ االنتدابية، بواسـطة املادة «11» من

أمر أنظمة السـلطة والقانون، باسـتثناء «التغيـريات النابعة من قيام الدولة أو سـلطاتها»

(روبنشـطاين ومدينا، 2005، ص. 49)، علما أن ردود الفعل اليهودية، عند فرض االنتداب

ـا خطريا بمبـادئ القانون والعدل ألنظمـة الطـوارئ يف فلسـطني، رأت يف هذه األنظمة مس

األساسـية، وأنها «هدم ألسـس القضاء يف البالد» (توما، 1982، ص. 71). وما زالت غالبية

هـذه األنظمة سـارية حتى اآلن. وشـكلت أنظمة الطـوارئ املرتكز القانونـي لنظام الحكم

العسـكري الذي فرض عىل الفلسطينيني، يف الجليل والنقب واملثلث واللد والرملة ويافا وعكا

ومجدل عسقالن، حتى العام 1966 (Masalha, 2005)؛ مما يدل أن السلطات اإلرسائيلية

اختـارت أن تحافظ عىل هذه األنظمة االنتدابيـة الجائرة «بهدف اضطهاد الجماهري العربية

وممارسة التمييز العنرصي إزاءها» (توما، 1982، ص. 72).

اسـتخدمت السـلطات اإلرسائيلية أنظمة الطوارئ للحد من حقوق وحريات الفلسـطينيني

يف البـالد، لهدم بيوتهم ومصـادرة أراضيهم وتحويلها إىل مناطق عسـكرية مغلقة، ولقمع

نشـاطاتهم الوطنيـة والسياسـية، والحـد من حريـة التعبـري وإصدار الصحـف والكتب

د. يوسف تيسري جبارين هو محارض يف كلية الحقوق يف جامعة حيفا ومدير «دراسات»، املركز العربي للحقوق والسياسات *يف النارصة.

70

أنظمة الطوارئ

روا منها. وقد واملنشـورات، وملنع الالجئني واملهجرين من العودة إىل قراهم ومدنهم التي هج

ـ «الرقابة العسكرية»، باعتبار ـلت السـلطات فرض أنظمة الطوارئ عىل الفلسطينيني ب عل

العرب «مجموعة عدائية» و«طابورا خامسا» قد ينضم إىل أعداء الدولة الخارجيني (بويميل،

2002). وبعـد انتهـاء الحكم العسـكري، يف أواخر العام 1966، نقلـت صالحيات تطبيق

أنظمة الطوارئ من الجيش إىل الرشطة وجهاز األمن العام (الشاباك).

كما اسـتخدمت أنظمة الطوارئ ملصادرة «األرايض البور»، حيث كان وزير الدفاع يعلن عن

أرايض قـرى معينة مناطق مغلقـة يحظر الدخول إليها إال بترصيـح. وهكذا يمنع صاحب

األرض من الوصول إليها وفالحتها. وعندما كان يتوجه إىل الحاكم العسكري، طالبا ترصيحا

للوصول إىل أرضه، يأبى الحاكم العسـكري إعطاءه الترصيـح الذي يمكنه من الوصول إىل

أرضـه وفالحتها. وهكذا تتحول إىل «أرض بور»، فيضع وزير الزراعة يده عليها بحجة أنها

أرض بور غري مفلوحة، ويعطيها للكيبوتسات واملستوطنات لفالحتها.

تخـول املـادة «125» من أنظمة الحاكم العسـكري إصدار أمر بإعـالن منطقة أو مكان ما

منطقة مغلقة. واستنادا إىل هذه املادة، قام القادة العسكريون اإلرسائيليون -خالل السنوات

األوىل إلقامة دولة إرسائيل- باإلعالن عن مناطق عديدة كمناطق مغلقة ألغراض أمنية (منها:

الغابسـية؛ املجيدل؛ معلول؛ صفورية؛ الدامون؛ ميعار؛ كفر برعم؛ إقرث -وغريها)، وبذلك،

منع أصحابها من دخولها، واعترب دخولهم إليها خرقا لقوانني الطوارئ (نقارة، 1982).

ومن األمثلة عىل اسـتخدام أنظمة الطوارئ إعالن قرية كفر قاسـم منطقة مغلقة ال يدخلها

غري أهلها، يوم 29 ترشين األول 1966، ملنع إحياء الذكرى العارشة للمجزرة (توما، 1982،

ص. 85). ورغم إلغاء الحكم العسـكري يف كانون األول 1966، لم تلغ أنظمة الطوارئ، بل

تواصل اسـتخدامها بوترية أقل، مثال حني أصدر رئيس الحكومة ووزير األمن مناحيم بيغن

أمرا بحظر عقد مؤتمر الجماهري العربية يف إرسائيل،- بمشـاركة قوى السالم والديمقراطية

ـ «املؤتمر اليهودية- الذي تقرر عقده يف كانون األول 1980 يف النارصة، وبات يعرف الحقا ب

املحظور» (توما، 1982)؛ وإغالق مؤسسـات ومنظمات عربية كجمعية «أنصار السـجني»

يف أيلول 1.2006 ويجري اسـتخدام أنظمة الطوارئ بكثـرة إلصدار «أوامر إلزام» للعاملني

يف حـاالت اإلرضاب، وهـو ما يمـس بحق العمـال يف اإلرضاب. كما يجري اسـتخدام أنظمة

انظروا: «الحرية النصار السجني يا حكومة القهر!»، 10.9.2006 عىل موقع الجبهة: 1http://www.aljabha.org/q/index.asp?f=3367057476 تم استقاء املعلومات من املوقع اإللكرتوني يف تاريخ 5 أيار 2007.

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

71

الطوارئ يف مجال الخدمات ومجاالت مدنية أخرى لها عالقة بحالة الطوارئ.

بعد حـرب حزيران 1967 واحتالل القدس الرشقية والضفـة الغربية وقطاع غزة، صدرت

يان أنظمة الطوارئ يف األرايض املحتلة، بادعاء أن هذه األنظمة جزء أوامر عسـكرية تقر رس

من املنظومة القضائية املحلية (األردنية). واستخدمت إرسائيل أنظمة الطوارئ ملعاقبة وردع

السـكان القابعني تحت االحتالل، من خـالل هدم وإغالق البيوت، وطرد السـكان، وفرض

االعتقاالت اإلدارية واإلقامات اإلجبارية، وحظر التجول، وإغالق القرى واملدن الفلسطينية.

تمنح أنظمة الطوارئ صالحيات واسـعة لسـلطات األمن والجهاز العسكري لفرض الحظر

والعقوبات، وذاك يشمل صالحيات التفتيش واالعتقال، والضبط واملصادرة، وإغالق املناطق،

وفرض حظـر التجول، وهدم البيوت، واالعتقـال اإلداري دون محاكمة لفرتة غري محدودة،

وحظـر التنظـم واالتحادات، وغري ذلـك. كما تقيم أنظمة الطوارئ محاكم عسـكرية تخرق

القواعد املعمول بها لألدلة القانونية.

ويسـتخدم االحتالل اإلرسائيـيل أنظمة الطـوارئ يف األرايض املحتلة، ملعاقبة الفلسـطينيني

وردعهم وقمع نضالهم. فعىل سـبيل املثال، تجيز املادة «119» من أنظمة الطوارئ للحاكم

العسـكري «مصـادرة أي منـزل أو بناء أو أرض إذا كان لديه سـبب يدعوه لالشـتباه بأن

سـالحا ناريا أطلق منه بصورة غري قانونية أو ألقيت منه أية قنبلة عادية أو قنبلة يدوية أو

متفجـرة أو مادة حارقة بصورة غري قانونيـة، ومصادرة أي منـزل أو بناء أو أرض تقع يف

أية منطقة أو بلدة أو قرية أو حارة أو شارع، يقتنع الحاكم بأن سكانه أو بعض سكانه قد

ارتكبـوا أو حاولوا ارتكاب أي جرم ضد هذه األنظمـة أو حرضوا عىل ارتكابه، أو كانوا عىل

علم بارتكابه، وكان الجرم ينطوي عىل عنف أو ترهيب أو أي جرم يعاقب عليه أمام املحاكم

العسـكرية. وعند مصادرة أي منـزل أو بناء أو أرض عىل النحو املذكور آنفا، يجوز للحاكم

العسكري تدمري املنـزل أو البناء أو أي يشء مزروع عىل األرض»2.

ويتنـاىف ذلك مـع اتفاقية جنيف الرابعة التـي يتمتع الفلسـطينيون يف األرايض املحتلة عام

. 1967 بحمايتهـا دوليا، بما يف ذلـك املادة «33» من االتفاقية التي تحظر العقاب الجماعي

وتشـكل عمليات التدمري الواسـعة النطاق للممتلكات، والتي ال تربرها الرضورة العسكرية،

موقع بتسيلم «هدم البيوت كوسيلة عقاب: املادة 119 من أنظمة الطوارئ»، انظروا بالعربية: 2http://www.btselem.org/Hebrew/Punitive_Demolitions/Regulation_119.asp

تم استقاء املعلومات من املوقع اإللكرتوني يف تاريخ 30 أيار 2009.

72

أنظمة الطوارئ

دة وغري قانونية، تشكل انتهاكا جسيما التفاقية جنيف الرابعة.3 ذ بصورة متعم والتي تنف

وقد رفضت الكنيسـت جميـع محاوالت إبطال أنظمة الطوارئ يف إرسائيل و/أو اسـتبدالها

بترشيعـات تنظم مجال عملهـا. وبقيت هذه األنظمة غري خاضعة للرقابة الدسـتورية التي

تمارسـها املحكمة العليا اإلرسائيلية، نظـرا ألقدميتها عىل قوانني األسـاس املتعلقة بحقوق

اإلنسان (تسور، 1999).

يف العام 1992، عدل «قانون اسـاس: الحكومة» الذي سـن عـام 1968، بحيث تم تخويل

الحكومـة اإلعـالن عن حالة طوارئ يف إرسائيل لسـنة واحدة كحد أقـىص، وذلك عىل خالف

الوضع السـائد الـذي تتواصل فيه حالة الطوارئ منذ قيام دولـة إرسائيل. إال أنه، ومنذ بدء

تطبيق القانون، أصبح الربملان (الكنيست) يعلن عن حالة الطوارئ كل سنة من جديد، بناء

عـىل طلب الحكومة، دون أن تقدم الحكومة أية تسـويغات تذكـر لتمديد حالة الطوارئ. يف

العام 1999، التمسـت «جمعية حقوق املواطن يف إرسائيل» إىل املحكمة العليا من أجل إلغاء

اإلعـالن املتواصل عن حالة الطـوارئ. وورد يف االلتماس أن اإلعالن عن حالة الطوارئ يمس

بحقوق اإلنسـان وسـلطة القانون، ويتيح فرض رقابة وتقييدات شديدة عىل حرية التعبري

ـ «قانون أسـاس: كرامة اإلنسان عن الرأي، وصالحيات واسـعة ملصادرة األرايض، ويمس ب

وحريته».4

يف العـام 2000، رشعت لجنة مشـرتكة للجنـة الخارجية واألمن ولجنة القانون والدسـتور

يان مفعول الربملانيتني بإجراء مناقشـات، قدمت، يف ختامها، للكنيست توصيات بتمديد رس

اإلعالن عن حالة الطوارئ. وبعد الكشف عن بروتوكوالت اللجنة، تبني أن التسويغات األمنية

لـم تؤخذ بعني االعتبار ألبتة. كذلك تبني تخوف وزارة القضاء من إتاحة اإلمكانية القانونية

ملهاجمـة الترشيع املعدل يف حالة تعديله، من خالل تعريضه للنقد الدسـتوري وفق «قانون أساس: كرامة اإلنسان وحريته».5

موقع بتسيلم «هدم البيوت كوسيلة عقاب من وجهة نظر القانون الدويل»، انظروا بالعربية: 3 http://www.btselem.org/Hebrew/Punitive_Demolitions/Legal_Basis.asp

تم استقاء املعلومات من املوقع اإللكرتوني يف تاريخ 5 أيار 2007. موقع جمعية حقوق املواطن «إبطال اإلعالن عن حالة الطوارئ»، انظروا بالعربية: 4

http://www.acri.org.il/he/?p=698تم استقاء املعلومات من املوقع اإللكرتوني يف تاريخ 5 أيار 2007.

انظروا مقالة يوفل يوعز بالعربية: «حالة طوارئ، 57 سنة ولم نر النهاية»، هآرتس 19.06.05: 5http://www.haaretz.co.il/hasite/pages/ShArt.jhtml?itemNo=589477

تم استقاء املعلومات من املوقع اإللكرتوني يف تاريخ 7 أيار 2007.

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

73

ونكثـت وزارة األمن وعودها للملتمسـني بتعديل الترشيع الذي يتعلـق برسيان إعالن حالة

طوارئ، ولم يجر تعديل أي قانون. ووجهت لها املحكمة العليا انتقادا شـديد اللهجة خالل

مناقشـة االلتماس. كمـا اعتربت املحكمة تخويل الحكومة، بحسـب أنظمة الطوارئ، إبطال

ـا شـديدا بقيم الديمقراطية؛ ورفضت املحكمة تذرع الدولة عت يف الكنيسـت مس قوانني رش

(مـن خـالل النيابة العامة) باالنتفاضـة، التي اندلعت عام 2000، لتربيـر اإلبقاء عىل حالة

الطوارئ الدائمة.6

6 انظروا املالحظة رقم 4.

74

أنظمة الطوارئ

املراجع

العربية

توما، إميل (1982). طريق الجماهري العربية الكفاحي يف إرسائيل. حيفا: منشورات أبي سلمى.

نقارة، حنا (1982). محامي األرض والشعب. عكا: دار األسوار.

اإلنجليزية

Jiryis, S. (1976). The Arabs in Israel. London: Monthly Review Press.

Masalha, N. (2005). Catastrophe remembered: Palestine, Israel and the internal refugees. London: Zed Books.

العربية

بويميل، يئري (2002). الحكم العسـكري وعملية إلغائـه، 1958-1968. همزراح هحداش (الرشق الجديد)، 23، .156-133

تسـور، ميخال (ارشـاد مردخاي كريمنترس) (1999). أنظمة الدفاع (حالة الطوارئ) 1945. ورقة موقف رقم 16. القدس: املعهد اإلرسائييل للديمقراطية.

روبنشطاين، أمنون؛ ومدينا، براك (2005). القانون الدستوري لدولة إرسائيل. تل ابيب: شوكن.

مصادر إضافية

العربية

أوسـتكي- الزار، سـارة (1996). تبلور العالقات املتبادلة بني العرب واليهود يف دولة إرسائيل يف العقد األول 1948- 1958. حيفا: دراسة دكتوراة-جامعة حيفا.

اإلنجليزية

Nakkara, H. (1985). Israeli land seizure under various defense and emergency regulations. Journal of Palestine Studies, 14(2), 13-34.

الفـلـسـطـيـنـيـون فـي إرسائـيــل

قــراءات يف التـاريـخ، والسيــاسـة، واملجـتـمـع

نـديــم روحـانـا أريـج صبـاغ-خـوري

محرران

2011

مـدى الكرمل

املركز العربي للدراسات اإلجتماعية التطبيقية

مجزرة كفر قاسم

عادل مناع

76

مجزرة كفر قاسم

عادل مناع *

مقدمة

يف سـاعات بعد ظهر االثنـني، 29/10/1956، يوم بدأ العـدوان الثالثي عىل مرص، قررت

قيـادة الجيش اإلرسائييل فرض حظر التجول عىل سـكان كفر قاسـم وقـرى عربية أخرى

مجاورة (مثل كفر برا وجلجولية والطرية والطيبة وقلنسـوة)، ابتداء من السـاعة الخامسة

مسـاء. وقد نقلت أوامر حظر التجول من قائد املنطقة الوسـطى تسـفي تسور إىل الضباط

امليدانيني ثم إىل وحدات من رشطة حرس الحدود وضعت تحت ترصف الجيش لتنفيذ حظر

التجـول يف تلك القرى. وقد نقلت األوامر برسعة يف سـاعات بعد ظهـر ذلك اليوم، ووصلت

اىل علم املختار، وديع أحمد رصصور، يف نحو السـاعة الرابعة والنصف، أي قبل بدء رسيان

ـا أعلن املختـار للضابط املسـؤول أن مئات األهايل حظـر التجول بنصف سـاعة فقـط. ومل

يعملون خارج القرية، وسـيعودون بعد الساعة الخامسـة، جرت طمأنته أن الجيش سوف

يهتم بأمرهم. كانت األوامر التي صدرت من القائد امليداني للجيش (يسسـخار شـدمي) إىل

الرائد شـموئيل ملينكي -قائد كتيبة حرس الحدود- مشـددة وحازمة بإطالق النار عىل كل

من يشـاهد خارج بيته يف القرية بعد السـاعة الخامسـة، وإن كانوا من العائدين من عملهم

دون معرفة بفرض حظر التجول. وبالفعل، قام جنود وضباط الوحدة املكلفة بتنفيذ املهمة

يف كفر قاسـم، ومنذ الساعة الخامسة مسـاء، بإيقاف أهايل القرية العائدين إىل بيوتهم عند مدخلها الغربي وأماكن أخرى، وأطلقوا عليهم النار بدم بارد، فكانت املجزرة.1

هكذا، خالل ساعة واحدة، ما بني الخامسة والسادسة من مساء ذلك اليوم، أطلقت النار عىل

عرشات املواطنني العرب العزل وهم يف طريق عودتهم إىل بيوتهم. وقام املالزم غربيئيل دهان

ـا، بعدد القتىل بقوله مثال: «15 عربيا أقـل»، للتعبري عن عدد القتىل. بإبـالغ قيادته، تدريج

د.عادل مناع هو مؤرخ متخصص يف تاريخ فلسطني منذ بداية العهد العثماني وحتى القرن العرشين. *لشهادات شفوية لسكان عاينوا املجزرة، انظروا: 1

http://www.art.net/~samia/Fiftieth/witness/Tawfik%20Touby/Touby.html هـذه الشـهادات هي مقتطفات مسـتقاة من وثيقة نرشها توفيق طوبي يف تاريخ 23 ترشيـن الثاني 1956، وقد نرشت عىل

املوقع يف الذكرى الخمسني للمجزرة. تم استقاء املعلومات من املوقع اإللكرتوني يف تاريخ 20 آب 2007.

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

77

وملـا صدرت أوامر القيادة بعد نحو سـاعة من بدء املجزرة بوقف إطـالق النار عىل األهايل،

تبـني أن حصيلة هـذا العمل كانت 49 قتيال من الرجال والنسـاء واألطفـال. أما أهايل كفر

قاسـم، ففرضت عليهم بعد عام ونيف من املجزرة «صلحة» عربت عن استخفاف السلطات

باملواطنـني العرب وأرواحهم. كذلك قدمـت «تعويضات» هزيلة ألهايل القتىل أكدت نهج تلك

السلطات يف تعاملها مع الفلسطينيني.

تتميز مجزرة كفر قاسـم، عن غريها من املذابح التي ارتكبتها إرسائيل ضد الفلسـطينيني،

بأن سـاحتها هي قرية وادعـة يف منطقة املثلث الذي صار جزءا من أرايض الدولة -حسـب

اتفاقيـة رودس مـع األردن يف أعقـاب حرب 1948. كمـا أن هذه املجـزرة، رغم وقوعها يف

الوقت نفسـه الذي انضمت فيه إرسائيل إىل العدوان الثالثي عىل مرص، كانت ساحتها بعيدة

عن جبهات القتال يف قطاع غزة وشـبه جزيرة سـيناء. لقد أصدرت قيادة الجيش اإلرسائييل

أوامر حظر التجول املشددة عىل األهايل، وسمحت لجنودها بإطالق النار عىل من يكون منهم

خـارج البيـوت، رغم علمها بوجود مئـات منهم يف أعمالهم، وبأنهم سـيعودون إىل منازلهم

بعد السـاعة الخامسـة مسـاء. هكذا جرى ترتيب مرسح األحداث بشـكل أصبح فيه وقوع

املجزرة بأيدي عسـاكر حرس الحدود نتيجة طبيعيـة لتلك األوامر والرتتيبات. وتفاصيل ما

جـرى يف هذه املجزرة معروفـة وموثقة، ال خالف عليها بني العرب واليهود، عىل العكس من

العديد من املذابح األخرى (منذ دير ياسـني يف نيسـان 1948، حتى صربا وشاتيال يف أيلول

1982، وجنني يف أبريل 2002، وغريها من املجازر). لذا، فإن هذا املقال -بنطاقه الضيق- ال

ينوي رسد تفاصيل الحدث ونتائجه املعروفة، بل سـيخصص صفحاته القليلة ملوضعة هذه

املجزرة يف سياقها التاريخي، وإبراز خصوصيتها ومغزاها وتداعياتها بالنسبة للفلسطينيني

داخل إرسائيل.

فمـا هي الخلفية والظروف التي جعلـت وقوع مثل هذه املجزرة ضد مواطنني أبرياء ممكنا

وبأيـدي رشطة حرس الحدود، املسـؤولني، بحكـم وظيفتهم، عن تطبيـق القانون وحماية

األهايل؟ ومن يتحمل مسـؤولية ما جرى؟ أفراد حرس الحـدود الذين قاموا بتنفيذ املجزرة،

أم ضبـاط الجيش اإلرسائييل الذين أعطوهم األوامر والقيادات العسـكرية والسياسـية التي

وافقت عىل خطة حظر التجول ومالبسـاتها؟ وبعد ترسب أخبار املجزرة، كيف كانت ردود

فعل القيادات السياسية والنخب الدينية والفكرية يف إرسائيل تجاه هذا الحدث الفظيع؟ هل

جـرى تعلم الدروس واسـتخالص العرب مما جرى ملنع تكرار مثل ذلـك العمل؟ وكيف كان

أثـر املجزرة عـىل املواطنني العرب يف إرسائيـل، وعىل العالقات بينهم وبـني الدولة واألغلبية

78

مجزرة كفر قاسم

اليهودية؟ هذه هي بعض األسئلة املهمة التي تجدر مناقشتها يف أية محاولة لدراسة مذبحة

ا يف كفر قاسـم ووضعها يف سـياقها التاريخي. فهذه املجزرة وتداعياتها تشكل مفصال مهم

تاريخ الفلسطينيني داخل إرسائيل منذ عام 1948.

الخلفية واألسباب

مـع انتهاء الحرب يف فلسـطني يف أوائل عـام 1949، وتوقيع اتفاقيـات الهدنة بني إرسائيل

والـدول العربيـة املجـاورة، يف ربيع نفس العام، تبـني أنه لم يبق من الفلسـطينيني يف ذلك

الجـزء من الوطن الـذي قامت عليه الدولة العربيـة إال نحو 160,000 نسـمة. ويف اتفاقية

رودس بني اململكة األردنية الهاشـمية وإرسائيل، اتفق عىل نقل قرى املثلث -من كفر قاسـم

جنوبـا حتى أم الفحم وقراها املجاورة شـماال- من الجانب األردنـي إىل الجانب اإلرسائييل،

وقـد جرى النقل بصورة فعلية يف الفرتة الواقعة بني 19 و21 أيار 1949. ورغم أن اتفاقية

رودس نصـت عىل بنود تحمي أهايل املثلث وأمالكهم، ظلت إرسائيل ومؤسسـاتها ودوائرها

الحكومية تنظر إىل األقلـية العربية عموما كشـوكة يف حلقها. لذا، فإن بعض قياداتها، بمن

فيهـم بن غوريـون، ظلوا يخططون للتخلص من األقلـية العربيـة -إما بالطرد أو التهجري.

ومن هذه الخطط، مثال، إرسـال بن غوريون عام 1954 مسـاعده إسـحاق نافون لفحص

إمكانية تهجري الفلسـطينيني من إرسائيل إىل مندوسـة يف األرجنتني، وإسـكانهم هناك عىل أرايض البارون هريش.2

لقد انتهت الحرب عسـكريا يف فلسطني يف شـباط 1949، لكن تداعياتها استمرت بأشكال

مختلفة لعدة سـنوات بعد ذلـك. فتحت غطاء وحجج محاربة «املتسـللني» مثال، قام جهاز

الحكم العسكري املفروض عىل السكان العرب بعمليات مداهمة واعتقاالت وطرد لألهايل إىل

خارج حدود الدولة. مثل هذه العمليات اسـتمرت بعد انتهاء الحرب، وخالل السنوات األوىل

من الخمسـينيات، ونفذها عسـاكر الجيش اإلرسائييل والرشطة وأفراد أجهزة األمن األخرى.

فإطالق النار عىل الفلسطينيني وقتلهم، عىل الحدود بخاصة، كان سياسة رسمية ملنع عودتهم

إىل بيوتهـم ووطنهم. وإضافة اىل وحـدات حرس الحدود والرشطة، شـكل الجيش وحدات

خاصة، أشهرها «الفرقة 101» بقيادة أريئيل شارون ملحاربة «املتسللني» واملتعاونني معهم.

وقـد قامت تلك الفرقة بعدة عمليات انتقامية من أهايل بعض القرى الحدودية الفلسـطينية

وقد روى يتسـحاك نافون نفسـه هذه الحادثة يف فيلم «املتشائل» -وهو فيلم من سلسلة أفالم حملت العنوان «تكوما»، وهي 2من إعداد وإخراج القناة األوىل للتلفزيون اإلرسائييل (1998).

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

79

يف الضفـة الغربية (التي كانت تحت الحكم االردني) بحجة إيوائهم للمتسـللني والفدائيني.

هذه املذابح -التي كان أبرزها مجزرة قبية يف 15 أكتوبر (ترشين األول) 1953، والتي راح

ضحيتها 70-69 شـخصا، غالبيتهم من نسـاء تلك القرية وأطفالها. وعىل وجه العموم، إن

عدد الفلسـطينيني الذين قتلتهم إرسائيل، يف ما صار يعـرف بحروبها الحدودية بعد انتهاء

حرب 1948 حتى عام 1956، يقدر بما يقارب ثالثة آالف شخص عىل األقل.3

وقعـت مجـزرة كفر قاسـم يف اليوم ذاته الذي بـدأ فيه العدوان الثالثي عـىل مرص. وتجدر

اإلشارة إىل أن موشيه دايان، قائد أركان الجيش اإلرسائييل، أعطى أوامره بتصعيد العمليات

االنتقاميـة يف الضفـة الغربية وقطـاع غزة، آمال أن يجر األردن أو مـرص إىل حرب ثانية هم

غري مسـتعدين لها. وقد تسـارعت بالفعـل وترية العمليـات اإلرسائيلية يف الضفـة الغربية

خالل األسـابيع القليلة التي سـبقت أحداث مجزرة كفر قاسم. لقد شـن الجيش اإلرسائييل

عمليـات ضد الجيش األردنـي، راح ضحيتها عرشات الجنود واملتطوعـني املحلـيني لحماية

القرى الفلسـطينية. ففي قرية حوسـان القريبة من بيت لحم، عىل سبيل املثال، قام الجيش

اإلرسائييل يف 26/9/1956 بالهجوم عىل األهايل، فقتل 39 شخصا، وجرح 12 آخرين. ويف

قلقيلية القريبة من كفر قاسم نفذ الجيش اإلرسائييل عملية كبرية أخرى كانت نتيجتها مقتل

18 إرسائيليا وجرح 88، ويف الطرف الفلسـطيني مقتل 88 شـخصا وجرح 14 آخرين. يف

تلك الفرتة، وضعت الخطط تحسـبا إلمكانية نشـوب حرب قريبة عىل الجبهة األردنية، كما

وضع مخطط «نقل» أهايل كفر قاسـم والقرى العربية املجاورة إىل معسكرات اعتقال داخل

إرسائيل (روزينطال، 2000).

املجزرة وتداعياتها

لقـد نفـذت مجزرة كفر قاسـم وحدات من رشطة حـرس الحدود، وبتوجيـه وأوامر قيادة

الجيش اإلرسائييل التي خططت لحظر التجول، وأصدرت األوامر املشـددة بإطالق النار عىل

كل من يكون خارج بيته بعد السـاعة الخامسة مسـاء. وكان 43 من القتىل الـ 49 قد القوا

حتفهـم، يف تسـع موجات من إطـالق النار عىل املدخـل الغربي من القريـة، وهم يف طريق

عودتهم من أعمالهم إىل بيوتهم. فخالل سـاعة من الزمـن، قتل 49 مواطنا عربيا بدم بارد،

بينهـم 15 امـرأة وأحد عرش طفال ويافعا، ترتاوح أعمارهم بني ثمانية وخمسـة عرش عاما.

يف كتابه حروب إرسائيل الحدودية، 1949-1956، يقدر بني موريس أن إرسائيل قتلت يف حروبها الحدودية ما بني 2,700 3و5,000 من الفلسطينيني الذين أطلقت عليهم اسم «املتسللني» (موريس، 1996، ص. 446).

80

مجزرة كفر قاسم

وقد نقل الجرحى، وعددهم قليل قياسـا إىل عدد القتىل، إىل املستشفى برسية وتكتم. وتجدر

اإلشارة إىل أن قلة عدد الجرحى كان مردها إىل أن األوامر املشددة كانت تقيض بإطالق النار

بهـدف القتـل. فقد أطلقت النار عىل األهـايل عن بعد أمتار، وفحص من سـقطوا من بينهم

عـىل األرض للتيقن من وفاتهم. هذا ما حدث يف كفر قاسـم، وبخاصـة عىل الحاجز الغربي

الذي سـلكه معظم أهايل القريـة العائدين إىل بيوتهم. وتجدر اإلشـارة، توخيا للحقيقة، إىل

أن غالبيـة ضبـاط وحدات حرس الحـدود يف القرى املجاورة ترصفوا بشـكل مختلف، رغم

سـماعهم لألوامر عينها مـن ملينكي. هذا الترصف املختلف (يف الطـرية وجلجولية والطيبة

وقلنسـوة، ويف غريها من القرى التي فرض عليها حظر التجول منذ الساعة الخامسة أيضا)

منع وقوع مجازر مشابهة ملا جرى يف كفر قاسم ذلك اليوم.

بعد أن علمت الحكومة ورئيسـها دفيد بن غوريون بما حصل يف كفر قاسم، جرت محاوالت

كثـرية للتعتيـم عىل املجزرة، ومنع تـرسب أخبارها للـرأي العام املحيل والعاملـي. لكن تلك

املحاوالت أخفقت يف النهاية، بسـبب قيام بعض أعضاء الكنيست بنرش أخبار املذبحة (وعىل

رأس هؤالء: توفيق طوبي، ومئري فيلنر، وقيادات سياسـية يهودية معارضة، أبرزهم لطيف

دوري وأوري أفنريي). وحني اضطرت الحكومة إىل تشكيل لجنة تحقيق، ثم تقديم املتهمني

بارتكاب املجزرة إىل محكمة عسكرية، عملت بكل الوسائل لتخفيف األحكام مرة بعد أخرى.

وما إن جاء عام 1960، حتى كان آخر املحكومني قد غادر السجن، وبذلك دفن هذا الحدث.

كمـا أن بن غوريون وغريه من القيادات العسـكرية والسياسـية حاولـوا «تعويض» بعض

املشـاركني يف املجزرة بالوظائف املهمة، بدال من نبذهم عن املجتمع. دلت هذه املعاملة تجاه

من نفذ تلك الجريمة بحق عرشات املواطنني العزل عىل املوقف الحقيقي للقيادات اإلرسائيلية

من مسـألة حياة العرب يف إرسائيل. وكانت قمة ذلك املوقف الحكم الذي صدر عىل املسؤول

األعىل رتبة عن أوامر حظر التجول وإطالق النار، يسسـخار شـدمي، وهو عبارة عن توبيخ

ودفـع قرش واحد كغرامة. وقد أصبـح هذا العقاب، يف ما بعد، مثاال لالسـتهتار اإلرسائييل

بحياة العرب، والرغبة بالتسرت عىل فظاعة الجريمة.

تجدر اإلجابة هنا عن سؤال يتعلق باألهداف من وراء املجزرة. فما الذي أرادت قيادة الجيش

اإلرسائييل تحقيقه من وراء حظر التجول بشـكل جعل حدوث املجزرة نتيجة طبيعية ألوامر

إطالق النار عىل العمال العائدين إىل بيوتهم؟ ليس من السهل تقديم إجابات واضحة وقاطعة

بهذا الشـأن، وبخاصـة أن التحقيق واملحاكمـة لم يطاال كبار ضباط الجيش والسياسـيني

املسـؤولني عن اتخاذ القرارات. لكن ما جرى الكشـف عنه من وثائق وشـهادات يشـري إىل

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

81

خطة لتفريغ القرى العربية الحدودية يف منطقة املثلث من السكان، ووضعهم يف معسكرات

اعتقال إذا نشبت الحرب مع األردن. سميت هذه الخطة «حفرفريت» (أي الخلد؛ أو الطابور

الخامـس مجازا)، وقد جـرى وضعها والتدرب عليهـا من قبل أجهزة األمـن اإلرسائيلية يف

األسـابيع التي سبقت املجزرة يف كفر قاسم (روزينطال، 2000). ورغم إلغاء الخطة، لعدم

نشوب حرب مع األردن، لم يغري الجنود وأفراد رشطة حرس الحدود نظرتهم املعادية ألهايل

كفر قاسـم والقرى العربية املجاورة. فاعتقال األهايل يف معسكرات للجيش ألغي يف اللحظة

األخـرية، أما التفكري بالتخلص منهم إن أمكـن، ودب الفزع فيهم، فلم يتغري يف ذهنية قيادة

الجيش. يف حالة كفر قاسم وغريها من القرى املجاورة، كانت الجهة الرشقية، أي الحدود مع

األردن، الجهـة الوحيدة التي أبقيت مفتوحة، بـدون حواجز وال قوات أمن إرسائيلية. ويبدو

أن البعـض كان يحلـم بالتخلص من سـكان قرى املثلث الحدودية، وكانت املجزرة وسـيلة

للوصول إىل ذلك الهدف. لكن ذلك لم يتحقق هذه املرة، رغم نشـوب الحرب يف سـيناء، ألن

الفلسطينيني كانوا -ومنذ مدة بعيدة- قد تعلموا الدروس والعرب من نكبة عام 1948 ونشوء

رين. مشكلة الالجئني واملهج

لقد فشـلت مخططات القيادات اإلرسائيلية لتهجري ما تبقى من الفلسطينيني داخل إرسائيل

بعـد حرب 1948، بمن فيهم أهايل كفر قاسـم. لكـن هذه املجزرة التـي وقعت عىل خلفية

قمع واضطهاد املواطنني العرب، تحت نظام الحكم العسكري املفروض عليهم، دبت الرعب

دا يف العديد منهم، وذكرتهم بأن مجرد بقائهم يف وطنهم عىل أرضهم هي مسـألة غري مجـد

محسـومة من وجهة نظر السـلطات اإلرسائيلية. فقد اسـتمر الحكم العسـكري وسياسته

التعسفية حتى عام 1966.

تداعيات مجزرة كفر قاسـم كثرية، يتشابك بعضها مع نتائج العدوان الثالثي وصعود نجم

الرئيس املرصي عبد النارص، وغريها من األحداث التي ال يتسع املجال للحديث عنها، أو حتى

اإلشارة إليها. لقد بقي الفلسطينيون يف إرسائيل وتعززت قوتهم مع مرور األعوام والسنوات.

ونشـأت يف األجيـال الالحقة قيادات سياسـية وثقافية وطرحت بعض التحديات للسياسـة

اإلرسائيلية، وأكدت عىل حقوق الفلسطينيني للعيش يف وطنهم بكرامة ومساواة.

أمـا الجـدل الذي أثري داخل املجتمـع اإلرسائييل يف أعقاب مذبحة كفر قاسـم، ومحاكمة من

قاموا بها فانحرص يف قضية األوامر العسـكرية التـي يجب عدم االنصياع لها يف حالة كونها

غري قانونية، أو التي «ترتفع فوقها راية سوداء» كما جرى تعريفها. أما مسألة العالقات بني

الدولة ومؤسساتها من جهة، واملواطنني العرب من جهة أخرى، فلم تتأثر كثريا بما جرى يف

82

مجزرة كفر قاسم

كفر قاسم. فالصحافة اإلرسائيلية واملؤسسات الثقافية والرتبوية لم تخصص لهذا املوضوع

مساحة أو وقتا إلعادة النظر يف السياسات التي سمحت بحدوث مثل تلك املذبحة. كذلك، فإن

املواطنني العرب أنفسـهم تخوفوا حتى من تخليد ذكرى املذبحة مدة طويلة، حتى أواسـط

السبعينيات، ولم يقوموا بذلك إال عام 1976، يف أعقاب يوم األرض.

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

83

املراجع

العربية

روزينطل، روبيك (2000). كفر قاسم: األحداث والخرافة. تل أبيب: هكيبوتس همئوحاد

موريس، بني (1996). حروب إرسائيل الحدودية 1949-1956. تل أبيب: عام عوفيد.

مصادر إضافية

العربية

أبو جابر، إبراهم (2006). الجرح القسماوي. كفر قاسم: مجلس كفر قاسم املحيل.

حبيبي، إميل (1976). كفر قاسم. حيفا: دار النرش غري مذكورة.

طوبي، توفيق (2001). كفر قاسم املجزرة والعربة. حيفا: معهد إميل توما لألبحاث الفلسطينية واإلرسائيلية.

الفـلـسـطـيـنـيـون فـي إرسائـيــل

قــراءات يف التـاريـخ، والسيــاسـة، واملجـتـمـع

نـديــم روحـانـا أريـج صبـاغ-خـوري

محرران

2011

مـدى الكرمل

املركز العربي للدراسات اإلجتماعية التطبيقية

يوم األرض

خـليـل نـخـلـة

85

يوم األرض

خليل نخلة*

املفهوم

يشـري يـوم األرض، كما أصبـح يتم إحيـاؤه، إىل اإلرضاب العام الذي أعلن عنـه يف 30 آذار

1976 لـدى الفلسـطينيني يف إرسائيل، احتجاجا عىل موجة املصـادرة الجديدة التي أقرتها

الحكومـة لــ 21,000 دونم من األرايض العربية. وقد اسـتهدف مخطـط املصادرة ما هو

معروف بـ «املنطقة 9» يف مركز الجليل، يف قلب القرى العربية سـخنني، وعرابة، ودير حنا

(بشري، 2006؛ اللجنة القطرية، 1976).

اتخذ القرار باإلرضاب من قبل اللجنة القطرية للدفاع عن األرايض العربية يف 6 آذار 1976،

ممارسة لحق املجتمع الفلسطيني يف االحتجاج ويف العصيان املدني، كوسيلة لرتسيخ النضال

الفلسـطيني األصالني ضـد تجريدهم من مرياثهـم، «تهويد» فلسـطني التاريخية، و«نزع

األصالنية» (de-indigenization) عن وطنهم. وقد سـعى الفلسـطينيون يف إرسائيل، من

خالل االحتجاج واإلرضاب العام، إىل وقف السـريورة التي هدفت إىل تطهريهم عرقيا. حاول

جهاز األمن اإلرسائييل وقـف اإلرضاب عن طريق التهديد، املداهنة، الضغط، عرض إغراءات

مالية ومحفزات أخرى، إلخ. ومع فشـل هذه اإلجراءات، رشع جهاز األمن اإلرسائييل يف قمع

اإلرضاب بالقـوة، عن طريق نرش قوات الرشطة، و«حرس الحدود،» ووحدات من الجيش يف

قلب البلدات الفلسطينية. نتيجة لذلك، قتل 6 مواطنني فلسطينيني، وجرح نحو 50، وأعتقل

ما يقارب الـ 300.

منـذ ذلك الحني، أصبـح مفهوم «يوم األرض» رمـزا للنضال الفلسـطيني ضد املخططات،

السياسات واملمارسات اإلرسائيلية لتطهري املجتمعات الفلسطينية عرقيا عن أرض أجدادها،

ولتصميمها عىل البقاء راسخة، يف وقت تواجه فيه التطبيق التدريجي للمرشوع االستعماري

الصهيونـي. لقد أصبح يـوم األرض «يوما وطنيا»، يتم إحياؤه سـنويا داخل فلسـطني، يف

مخيمات الالجئني الفلسـطينيني، كما يف املجتمعات الفلسـطينية األخـرى يف العالم العربي

د. خليل نخلة هو باحث وكاتب مستقل وخبري تنموي. *

86

يوم األرض

ويف الشـتات يف أرجاء العالم. يتفاوت املضمون السـيايس إلحياء هـذه الذكرى بني مجموعة

وأخـرى: يحيـي الالجئون الفلسـطينيون يف أرجاء العالم ذكرى هذا اليـوم من خالل إعادة

التوكيـد عىل حقهم يف العودة إىل فلسـطني وعىل رشعية مطلبهـم وانتمائهم إىل األرض التي

طردوا منها بالقوة، خالل نكبة العام 1948 وبعدها؛ ويحيي الفلسطينيون، داخل فلسطني

وخارجها عىل حد سـواء، ذكرى هذا اليوم عن طريق مسريات وخطابات. وبذلك، يكون يوم

األرض، كمفهوم وكـ «يوم وطني»، قد فرض نفسه عىل التقويم الوطني الفلسطيني.

السياق اإليديولوجي الصهيوني

لقـد كان اقتالع السـكان العرب الفلسـطينيني األصالنيـني وإحالل اليهـود مكانهم عقيدة

سـة للصهيونية، كحركة اسـتيطان اسـتعمارية يف فلسـطني. هذا هو جوهر سـريورة مؤس

«التهويد»، وهي سـريورة هدفها األخري «تطهري» األرض من السـكان األصالنيني ونقلها إىل

ملكية وسيطرة يهودية. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، تم استخدام عدد من «آليات الطرد»:

(1) ترانسفري للسكان األصالنيني وإبعادهم بالقوة، وبشكل مبارش خارج الحدود األصالنية؛

(2) ترانسـفري غري مبارش عـن طريق الضغط، ما يجعل العيـش املتواصل عىل األرض أمرا

ال يطاق، (3) وضع مجموعة من القوانني التي توفر التسـويغ «الرشعي» لنهب األرايض من

املالكني األصالنيني لصالح املستوطنات اليهودية؛ (4) اإلعالن عن املناطق التي يملكها العرب

بأنها «مناطق عسـكرية مغلقة»، أي يسمح بدخولها حرصيا ملوظفني ومسؤولني عسكريني

إرسائيليني فقط؛ (5) إقامة «جدران وأبراج حراسـة» بغية توسـيع السيطرة عىل مساحات

أرض واسـعة بانتظار إنشـاء مستوطنات يهودية عليها يف املسـتقبل (مثلما كانت الحال يف

أوائل خمسينيات القرن املايض)، إلخ.

إن السـريورة املتعنتة واملنهجية للتطهري العرقي، وما تالها من قلب لذاكرة السـكان العرب

الفلسطينيني األصالنيني الثقافية، تمثل الطرق املتشعبة للحركة الصهيونية ابتداء من املؤتمر

Ruedy,) الصهيونـي الخامـس يف العام 1901، مع تأسـيس الصندوق القومي اليهـودي

1971)، مرورا بنكبة العام 1948، واحتالل بقية فلسطني عام 1967، املستمر حتى يومنا

هذا، وإحكام القبضة العسـكرية املتواصلة عىل 3.8 مليون فلسـطيني يعيشـون يف الضفة

الغربية وقطاع غزة.

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

87

مقدمة ليوم األرض

أقيمت دولة إرسائيل كدولة يهودية يف سـياق قرار التقسـيم عام 1947، الذي دعا إىل إقامة

دولتـني، واحدة يهوديـة واألخرى عربية. يف أعقـاب ذلك، وبعد أن أعلنت عن نفسـها دولة

يهوديـة، احتلت إرسائيل مسـاحات كانت قد خصصت للدولـة العربية. «ولم يكن ما يراوح

بني 88 و%91 من األرايض الصالحة للزراعة، عشية اإلعالن عن دولة إرسائيل، ملكا لليهود

أو مسـتأجرا من قبلهم. وما لم يكن خاويا من األرض أو ما كرس علنا بأنه ملك للدولة كان

.(Ruedy, 1971, p. 134) «عربيا بموجب هذا الشكل من الحق أو ذاك

يف أعقـاب تأسيسـها عـام 1948، وضعـت إرسائيل معظم السـكان العرب الفلسـطينيني

األصالنيني تحت حكم عسـكري مبارش مدة 18 عاما، حتى العام 1966. خالل ذلك الوقت،

ومنذ الحكومة املؤقتة األوىل، هدفت العديد من املخططات الرسـمية واملمارسات عىل األرض

إىل ترشيد السكان العرب الفلسطينيني وإعادة توطني تلك املساحات بسكان يهود. تم وضع

أول تلك القوانني، التي مأسسـت مصادرة األرايض العربية، يف العام 1948، فقد «أعلنت أي

أمالك استسـلمت للقوات اإلرسائيلية أو احتلتها القـوات اإلرسائيلية... أنها أمالك «مرتوكة»

وتكـون، تبعـا لذلك، تحت سـيطرة وزيـر املاليـة» (Ruedy, 1971, p. 137). وبعد فرتة

وجيزة، وضعت هذه األمالك تحت رعاية «الويص عىل األمالك املرتوكة.»

بدأ مسلسـل مصادرة األرايض العربية والتطهري العرقي الذي استهدف الجليل مبكرا، تحت

غطاء الحكم العسـكري. ومـن املمكن تحديد بعـض العالمات الهامة يف مسلسـل التطهري

العرقي و«تهويد» الجليل. فقد ابتغى مخططان صهيونيان إقامة مدينتني يهوديتني جديدتني

يف الجليل: نتسـريت عيليـت وكرمئيل. ابتداء مـن العام 1955، مع إقامة نتسـريت عيليت،

ووصوال إىل العام 1964، مع إقامة كرمئيل، تمت مصادرة آالف الدونمات من األرايض التي

يملكها عرب يف القرى املحيطة بالنارصة (كوهني، 2006). بنيت عىل تلك األرايض نتسـريت

عيليـت املدينة-املسـتعمرة اليهودية الجديـدة لترشف عىل مدينة النـارصة وتضيق الخناق

عليها الحقا. وقد فشلت جميع وسائل االحتجاج السلمية واللجوء إىل القانون. خالل العامني

1963 و1964، صودرت مسـاحات واسـعة من األرايض التي يملكها عرب من القرى دير

األسـد، ونحف، والبعنة يف الجليل لصالح إقامة املدينة اليهودية كرمئيل. وهنا، أيضا، فشلت

املعارضة الشعبية السلمية يف وقف املصادرة (كوهني، 2006).

لقـد تـم التعبري بوضوح عن مخططات إرسائيل االسـتعمارية بالنسـبة إىل الجليل يف العام

1976، فيما بات يعرف باسـم «وثيقة كينيغ»، التي قدمت للحكومة وصودق عليها. فصلت

88

يوم األرض

الوثيقة مرشوع «تهويد» الجليل، الذي وافق عليه مجلس الوزراء يف أواسط سبعينيات القرن

املايض. وكان هدف املرشوع مصادرة أراض عربية يف الجليل، وإقامة 58 مستعمرة يهودية

إضافيـة حتـى نهاية العقد، وزيادة عدد السـكان اليهود يف الجليل بنسـبة %60 (بشـري،

2006). كان الهـدف الواضـح لهـذا «التطوير»، كما تم تفصيل ذلـك يف الوثيقة، هو تبديد

تركيز السـكان العرب املقيمني يف مناطق واسـعة ومتجاورة عن طريق غرس مسـتوطنات

جديدة بينها.

كانت الرشارة املبارشة التي أشـعلت املعارضة الشـعبية يف العـام 1975، والتي وصلت إىل

ذروتهـا يف يـوم األرض يف 30 آذار 1976، هـي مصادقة الحكومة عـىل مصادرة ما يقارب

21,000 دونـم من األرايض التـي يملكها عرب يف الجليل واملثلث، بمـا فيها «املنطقة 9» يف

قلب الجليل (اللجنة القطرية، 1976؛ بشـري، 2006)، تاركة بذلك أثرها املبارش عىل القرى

سخنني، وعرابة، ودير حنا، لصالح إقامة مستعمرات يهودية. هذا إضافة إىل التهديد الواضح

بمصادرة إضافية آلالف عديدة من الدونمات يف مناطق أخرى، ال سيما يف النقب.

لم يكن يوم األرض ذروة النضال العربي الفلسطيني ضد املخططات اإلرسائيلية الصهيونية

الرسمية الرامية إىل إخالء املناطق العربية من سكانها األصالنيني؛ لقد كان بمثابة عالمة دالة

عـىل امتداد هذا الدرب الطويـل واملتواصل، الذي بدأ يف مرحلة مبكـرة أكثر قبل نكبة العام

1948. هناك عدد من العوامل التي اجتمعت لتجعل يوم األرض يحدث يف الوقت الذي حدث

فيـه، بما يف ذلـك: إخفاق العرب يف وقف سـريورة التجريد من امللكيـة أو التأثري عليها منذ

العام 1948؛ الترصيحات اإلرسائيلية الصهيونية السـافرة التي هدفت بوضوح إىل التطهري

العرقي للفلسـطينيني من أراضيهم؛ ظهور عدد من الحركات واألطر االجتماعية والسياسية

ونضوجها داخل املجتمع الفلسـطيني يف إرسائيل (مثل، الحزب الشيوعي، أبناء البلد، اللجنة

القطريـة للدفاع عن األرايض العربية، لجان الطالب العرب يف الجامعات اإلرسائيلية، اللجان

األكاديميـة، إلخ)؛ االحتالل العسـكري اإلرسائييل لبقية فلسـطني يف العـام 1967 وتطبيق

سياسـة التطهري العرقـي ذاتها هناك؛ وإعادة الوصل يف العام 1967، بني جزئي فلسـطني

اللذين تم الفصل بينهما يف السابق.

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

89

العرب التي ينبغي تعلمها من يوم األرض

ما هي العرب التي يمكن تعلمها من يوم األرض؟ أوال، يوم األرض ليس حدثا وقع مصادفة يف 30

آذار، 1976، فهو يمثل واحدا من العديد من نشاطات مقاومة التطبيق الفعيل لإليديولوجيا

الصهيونيـة االسـتعمارية، التـي تهدف إىل تطهري فلسـطني من سـكانها األصالنيني، بغية

استبدالهم بمستعمرات يهودية، تحت غطاء االحتالل والسيطرة العسكريني املبارشين. وعىل

الرغم من أن املنطقة قد تتغري – من الجليل إىل النقب إىل القدس إىل الضفة الغربية – إال أن

جوهر سريورة «التهويد» ال يتغري، ويواصل «نزع األصالنية» عن الفلسطينيني كهدف له.

نظـرا لعدم اسـتكمال تبديد التجاور الديمغرايف األصالني يف الجليـل ويف النقب وتحويلهما

مـن مناطـق ذات أكثرية عربية إىل مناطق ذات أكثرية يهودية، حتى اآلن، أنشـأت الحكومة

اإلرسائيليـة حقيبـة جديدة يف العـام 2005 لنائب رئيس الوزراء، يف حينه، شـمعون بريس

مـن أجل «تطوير» النقب والجليل. وقد أعلن بـريس، يف خطاباته املتتالية، أن تطوير النقب

والجليل هو أهم مرشوع صهيوني يف السـنوات القادمـة (كوك، 2006). وخصصت اللجنة

الوزارية املسـؤولة مبلغ 450 مليون دوالر «لتأسيس أغلبية يهودية يف الجليل والنقب خالل

السنوات الخمس القادمة» (كوك، 2006، ص. 9).

يمكـن النظر إىل يوم األرض األصيل عىل أنه أول حدث وطني جمعي منظم هدف إىل مقاومة

السريورة اإليديولوجية الصهيونية الساعية إىل تجريد السكان األصالنيني من امللكية والفصل

الثقـايف عـن األرض. وقد أصبح يوما ثابتـا يف التقويم، يتم التوقف عنده كل سـنة للتفكري،

سياسيا وثقافيا، يف مركب األرض، يف الروح الفلسطينية الجمعية، ولكن جوهره يمتد إىل ما

وراء كونه «يوما وطنيا»: إنه يصلح للتذكري بأخطار التطهري العرقي املبارشة املحدقة ببقاء

الفلسطينيني كشعب.

90

يوم األرض

املراجع

العربية

اللجنة القطرية للدفاع عن األرايض العربية يف إرسائيل (1976). الكتاب األسـود عن يوم األرض 30 آذار 1976. النارصة: اللجنة القطرية للدفاع عن األرايض العربية يف إرسائيل.

بشري، نبيه (2004). حول تهويد املكان: املجلس اإلقليمي مسغاف يف الجليل (دراسة أولية لحالة). حيفا: مدى الكرمل – املركز العربي للدراسات االجتماعية التطبيقية.

بشـري، نبيـه (2006). يوم األرض: ما بـني القومي واملدني – سـريورة وتحول. حيفا: مـدى الكرمل – املركز العربي للدراسات االجتماعية التطبيقية.

كـوك، جوناثـان (2006). عىل الهامش: التقرير السـنوي النتهاكات حقوق األقلية العربية الفلسـطينية يف إرسائيل للعام 2005. النارصة: املؤسسة العربية لحقوق اإلنسان.

http://www.arabhra.org/hra/SecondaryArticles/SecondaryArticlePage.aspx?SecondaryArticle=1053

اإلنجليزية

Ruedy, J. (1971). Dynamics of land alienation. In I. Abu-Lughod (Ed.), The transformation of Palestine (pp. 119-138). Evanston, IL: Northwestern University Press.

العربية

كوهني، هـليل (2006). عرب صالحون: جهاز األمن اإلرسائييل والعرب يف إرسائيل، وكالء ومشغلون، عمالء وثوار- أهداف وطرق. القدس: كيرت.

الفـلـسـطـيـنـيـون فـي إرسائـيــل

قــراءات يف التـاريـخ، والسيــاسـة، واملجـتـمـع

نـديــم روحـانـا أريـج صبـاغ-خـوري

محرران

2011

مـدى الكرمل

املركز العربي للدراسات اإلجتماعية التطبيقية

لجنة املتابعة العليا لقضايا

الجماهري العربية يف إرسائيل

محمـد أمـارة

92

لجنة املتابعة العليا لقضايا الجماهري العربية يف إرسائيل

محمد أمارة*

إقامة لجنة املتابعة

ازدهرت املؤسسات العربية-الفلسـطينية يف عهد االنتداب الربيطاني عىل فلسطني. من هذه

املؤسسـات: اللجنة التنفيذية العربية؛ املجلس اإلسالمي األعىل؛ اللجنة العربية العليا؛ الهيئة

العربيـة العليـا (أمارة وكبهـا، 2005؛ الحـوت، 1987). ويف أعقاب حـرب 1948، دمرت

املؤسسات الفلسطينية بالكامل، وهجرت أغلبية النخب املدينية يف املجتمع الفلسطيني.

فبعـد النكبة وقيام إرسائيل، حاولت املؤسسـة اإلرسائيلية إحباط قيـام أية تنظيمات عربية

قومية جديدة (خري مثال عىل ذلك مالحقة «حركة األرض»). إضافة إىل اسـتعمال املؤسسـة

اإلرسائيلية الوسائل املختلفة ملنع قيام تنظيمات ومؤسسات عربية قومية، فإن البقية الباقية

مـن املجتمع العربي الفلسـطيني الـذي بقي يف هذه الديـار مر عليه ردح مـن الزمن حتى

أنشـأ نخبا عربية ذات وعي قومي ووطني، ورشعت يف بناء املؤسسـات. وشكلت سبعينيات

القرن املايض البذرة األوىل لنشوء طبقة من المثقفني وتوسيع الطبقة الوسطى التي أعقبتها

عمليـة حثيثة يف بناء مؤسسـات ذات طابع قومـي لتنظيم املجتمع العربي الفلسـطيني يف

الداخل (نحو: اللجنة القطرية لرؤسـاء السلطات املحلـية العربية؛ االتحاد القطري للطالب

الجامعيـني العـرب؛ االتحاد القطـري للطالب الثانويـني العرب؛ لجنة الدفـاع عن األرايض

العربية)، وشكلت هذه املؤسسات بدايات إلعادة تنظيم وبناء املجتمع الفلسطيني يف إرسائيل.

ولدت لجنة املتابعة العليا سـنة 1982 من رحم اللجنة القطرية لرؤسـاء املجالس املحلـية

العربية. فاللجنة القطرية لرؤسـاء املجالس املحلـية العربية لم تسـتطع أن تتشكل كتنظيم

قطري قومي بسـبب التناقضات الكبرية يف تركيبتها. كان معظم رؤسـاء املجالس املحلـية

قـد انتخبـوا حمائليا أو طائفيا، وكذلـك كان لعدد كبري منهم صالت باألحـزاب الصهيونية

واملؤسسـة اإلرسائيلية. فال غرابة يف أن املؤسسـة اإلرسائيلية هي التي شـجعت قيام اللجنة

القطرية لرؤساء املجالس املحلية العربية عن طريق أصدقائها من رؤساء املجالس املحلـية.

بروفيسـور محمد اماره هو أسـتاذ مشارك يف قسـم االنجليزية يف الكلية األكاديمية بيت بريل ورئيس إدارة مركز دراسات- *املركز العربي للحقوق وللدراسات.

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

93

ولم يكن بمقدور هذا الجسـم أن يتخطـى املحلوية. فالرفض األويل من قبل اللجنة القطرية

لرؤساء املجالس املحلية، عىل سبيل املثال، بأغلبية كبرية تبني قرار لجنة الدفاع عن األرايض

العربية اإلرضاب يف يوم األرض، سنة 1976، يدلل عىل ماهية هذا الجسم (بشري، 2006).

ويف ظـل األزمة املاليـة الخانقة واملزمنة للسـلطات املحلية العربية، سـعت اللجنة القطرية

لرؤساء املجالس املحلـية يف سبيل إيجاد حلول يف إطار التشاور مع القيادة العربية القطرية،

وباألخص أعضاء الكنيسـت العرب (محارب، 1998، ص. 24). وقد أسـفر االجتماع، الذي

عقد يف 30 ترشين األول عام 1982 لسـكرتارية اللجنة القطرية لرؤساء السلطات املحلـية

مع أعضاء الكنيست العرب، عن إقامة لجنة املتابعة. معنى هذا أن الهدف األسايس من إقامة

لجنة املتابعة كان دعم السلطات املحلـية العربية ملعالجة وتتبع أزمتها املالية. ولم يكن دور

وصالحيات اللجنة واضحة آنذاك. فتارة أثارت قضايا السلطات املحلـية، وتارة أخرى قامت

بمعالجة قضايا تتعلق باملجتمع الفلسطيني يف إرسائيل.

لكـن رسعان مـا بدأت هذه اللجنـة بالتعرض لقضايـا الجماهري العربيـة املختلفة، وبدأت

تسـتقطب اإلعالم والرأي العام االرسائييل. كذلك فرضت األحداث السياسـية نفسـها بقوة،

ال سـيما حرب لبنان عام 1982، وما تالها من أحداث، سـواء عىل عمل اللجنة أو ديناميكية

تطورها.

برزت التناقضات يف الجسـم الجديد منذ إقامته بسـبب التناقضات بـني القوى الفاعلة فيه،

وخاصـة بـني األقطاب البارزة فيه آنذاك، الحزب الشـيوعي (راكاح) وحـزب العمل ومبام.

فالتوتـر يف البداية كان عىل خلفية تجاهل وسـائل اإلعالم اإلرسائيلية ألعضاء الكنيسـت من

راكاح وإبـراز أعضاء الكنيسـت العرب من األحزاب الصهيونيـة. بكلمات أخرى، كان هناك

تخوف، من قبل الحزب الشـيوعي، من سـيطرة الفاعلني يف األحزاب والحركات األخرى عىل

الجسـم الجديد، ومن ثمة السيطرة عىل اللجنة القطرية لرؤساء السلطات املحلـية العربية.

فبدأ التململ من رؤسـاء املجالس املؤيدين للحزب الشـيوعي، مطالبني بوضع حدود فاصلة

وواضحة بني لجنة املتابعة واللجنة القطرية لرؤسـاء السلطات املحلـية (الحاج، وروزنفلد،

.(1990

أما النقاشـات املستمرة حول طبيعة تركيبة الجسم الجديد ودوره وصالحياته، فلم تتوقف،

واإلشكاليات املتعلقة بالحكم املحلـي لم تحل، بل ازدادت حدة. هذا إضافة إىل تصاعد وترية

الرصاع اإلرسائييل-الفلسـطيني. فبالرغم من هشاشـة الجسـم الجديد والتناحر بني القوى

املختلفة فيه، لم يكن يف مستطاع األجسام األخرى الفاعلة عىل الساحة املحلـية تقديم الحلول

94

لجنة املتابعة العليا لقضايا الجماهري العربية يف إرسائيل

لقضايـا كثرية. كل هذا سـاعد يف املحافظة عىل وجود لجنة املتابعة العليا وحتى توسـيعها.

ويف سـبيل تعزيز قوتها، سـعت األحزاب والحركات املختلفة إىل إدخال بعض الشـخصيات

واملنظمات إىل لجنة املتابعة. وبذلك، جرى توسـيع اللجنة، وضمت -باإلضافة إىل سكرتارية

اللجنة القطرية لرؤسـاء املجالس املحلـية العربية، وأعضاء الكنيسـت العرب، وسـكرتريي

األحزاب ورؤسائها- ضمت ممثال عن االتحاد القطري للطالب الجامعيني العرب، وممثال عن

اللجنـة القطرية للطالب الثانويني العرب، وممثلني مـن اللجنة القطرية للدفاع عن األرايض

العربية، واألعضاء العرب يف اللجنة املركزية للهستدروت، وممثيل لجان متابعة قضايا التعليم

العربي والصحة واألوضاع االجتماعية. بعد توسـيعها، بدأ يطلق عليها «لجنة املتابعة العليا

لقضايا الجماهري العربية يف إرسائيل».

وكان إبراهيم نمر حسني (1929-2005)، رئيس بلدية شفاعمرو، قد توىل يف العام 1981

منصب رئيس اللجنة القطرية للرؤسـاء بعد وفاة رئيس مجلس الرامة السـيد حنا مويس.

وبعد إقامة لجنة املتابعة، يف العام 1982، ترأس إبراهيم نمر حسني رئاسة اللجنتني بسبب

العالقـة الوثيقة يف املضامني والبنية التنظيمية بني اللجنة القطرية ولجنة املتابعة (ريخس،

1993، ص. 148). واألخري لم يكن ينتمي إىل حزب سيايس ما -وهو ما سهل قيادته للجنة

املتابعة يف ظل الرصاع الحزبي القائم داخلها-. وقد اسـتمر، حتى اليوم، هذا التقليد املتمثل

يف تويل شخص واحد رئاسة اللجنتني.

دور لجنة املتابعة ونشاطها السيايس

ومـع مرور الزمن، لـم يقترص دور لجنة املتابعـة عىل األمور املتعلقة فقط بشـؤون الحكم

املحلــي. فصحيح أن اللجنة قامت -يف األسـاس- ابتغاء تحسـني أوضـاع الحكم املحلـي

العربـي، إال أنها كذلك قامت بتنظيم االحتجاجات السياسـية ضـد حرب لبنان عام 1982،

آخـذة لنفسـها دور املعرب عن املوقف السـيايس للفلسـطينيني يف إرسائيـل. فمنذ منتصف

الثمانينيـات، بـدأت لجنة املتابعة تأخذ طابع جسـم تمثيـيل وقيادي للجماهـري العربية يف

إرسائيـل. وبدأ الدور القيادي يربز بعد أن دعـت إىل العديد من اإلرضابات العامة (اإلرضاب

األول الـذي دعت إليه كان يوم املسـاواة يف 24 من حزيران 1987 (محارب، 1998). ومنذ

ذلـك الحـني إىل اآلن، فإن لجنة املتابعة هـي التي تدعو إىل اإلرضابات العامة، يف املناسـبات

الوطنيـة أو خالل االحتجاجات السياسـية. لم تقترص اإلرضابـات واالحتجاجات عىل األمور

املتعلقـة بالسـلطات املحلية، بل شـملت الشـؤون املدنيـة العامة، والتمييز ضـد املواطنني

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

95

العرب، والرصاع اإلرسائييل-الفلسـطيني، كدعم نضال الشـعب الفلسطيني عموما، وخالل

االنتفاضتـني خصوصا، ومنتقدين للعـدوان اإلرسائييل ضد الفلسـطينيني واللبنانيني. وقد

قامـت لجنة املتابعة بدور مركزي أثناء هبـة أكتوبر 2000، وبعدها حني طالبت، إىل جانب

«لجنة ذوي الشهداء» ومركز «عدالة»، بإقامة لجنة تحقيق بمقتل 13 مواطنا فلسطينيا من

داخل الخط األخرض ملحاكمة الجناة. فال غرابة أن البعض أخذ يطلق عىل لجنة املتابعة اسم

«برملان العرب».

وعىل الرغم من أن لجنة املتابعة بدأت تأخذ حيزها كجسـم تمثييل وقيادي للجماهري العربية

يف شـتى امليادين والقضايا، هنالك عوائق كثرية تجعل نشاطها أقل فاعلية مما يتوقعه منها

الجمهـور العربي. ولخص محارب (1998) املعيقات عىل النحو التايل: تركيبة لجنة ملتابعة

(بمفهوم أنه ال توجد معايري واضحة ملسألة تمثيل الفئات املختلفة)؛ عدم وجود نظام داخيل

للجنـة املتابعة ينظم عملها؛ عدم وجـود آلية واضحة لعملية اتخاذ القـرارات؛ عدم انتظام

اجتماعات اللجنة؛ عدم وجود جهاز متفرغ للجنة املتابعة؛ عدم وجود ميزانية للجنة املتابعة؛

عدم وجود ميثاق للعمل الوطني.

ال تجتمع لجنة املتابعة بشـكل دوري، وإنما تجتمع حسـب الحاجة التي تفرضها األحداث

السياسـية، أو الحاجة التي يفرضها إحياء ذكرى وطنية يف تاريخ الجماهري العربية. وحتى

السنوات األخرية، كان مقر اللجنة مرتبطا بمكان إقامة رئيسها؛ فقد كانت يف شفاعمرو حني

توىل رئاستها إبراهيم نمر حسني، ثم انتقلت إىل كفر مندا منذ أن ترأسها محمد زيدان رئيس

مجلس محيل كفرمندا، ثم إىل يافة النارصة عندما انتخب شـوقي خطيب رئيسـا لها، إىل أن

قام األخري بمأسستها وإيجاد مكان ثابت لها يف النارصة.

حتى مأسستها، كانت لجنة املتابعة جسما بال مكان أو هيكل تنظيمي أو طاقم عمل مهني.

ومع مرور السـنوات، جرى توسـيع ذلك يف إطار عمل اللجنة القطرية، ولكن ال تزال مسألة

ميزانية لجنة املتابعة محدودة ومصادرها غري واضحة، مما يؤثر يف قدرتها عىل نقل قراراتها

إىل حيز التنفيذ.

هذا الجسم هو عبارة عن لجنة تنسيق، وذلك لعدم وجود التمثيل الصحيح للفئات املختلفة،

وغياب فئات أخرى واآلليات واألدوات الالزمة لتفعيله؛ فقد طرحت منظمات نسـوية مسألة

تمثيل النسـاء يف لجنة املتابعة، إذ طالبن بتخصيص نسبة من عضوية اللجنة للنساء، فأثار

هذا املوضوع نقاشا واسـعا داخل اللجنة وخارجها، بني مؤيد ومعارض لفكرة التخصيص

الثابت، ولم يجر الحسم فيها حتى اآلن. وقد دخلت أول امرأة كممثلة عن األحزاب السياسية

96

لجنة املتابعة العليا لقضايا الجماهري العربية يف إرسائيل

يف لجنة املتابعة مؤخرا، من خالل انضمام ممثلة عن الجبهة الديمقراطية للسـالم واملساواة

إىل اللجنة. وتعترب مسـألة اتخاذ القرارات مسـألة جوهرية يف عمل لجنة املتابعة؛ إذ حتى لو

اتخذت اللجنة القرارات، فإنه ليس ثمة آلية فاعلة للتنفيذ واملتابعة. زد عىل ذلك عدم وضوح

العالقـة التنظيميـة بينها وبني املواطن العربي (بشـارة، 1998، ص. 149). كذلك ترفض

املؤسسـة اإلرسائيلية االعرتاف بلجنة املتابعة اعرتافا رسـميا كممثلة للجماهري الفلسطينية،

ولكنها يف الواقع تتعامل معها، وتأخذ قراراتها عىل محمل الجد، كما حدث يف أعقاب انتفاضة

األقـىص يف أكتوبـر 2000. وهنالك مسـألة جوهرية أخرى وهي مسـألة كونها غري منتخبة

مبـارشة مـن قبل الجماهري الفلسـطينية. ويف الواقع، ظهر يف السـنوات األخرية -وال سـيما

بعد انتفاضة األقىص يف أكتوبر 2000، خطاب وتوجه سياسـيان تقودهما حركات سياسية

ومثقفون وأكاديميون، يطالبان بإعادة بناء لجنة املتابعة من خالل انتخابها انتخابا مبارشا

مـن الجمهور العربـي، وذلك لتفعيلها عىل مسـتوى اتخاذ القـرارات وتنفيذها. ويقود هذا

التوجـه عىل مسـتوى األحزاب العربية كل من التجمع الوطنـي الديمقراطي، ومؤخرا انضم

إىل هذا التوجه الحركة اإلسـالمية، برئاسـة الشـيخ رائد صالح، الذي طالب بانتخاب لجنة

املتابعة ضمـن جدول زمني محدد لذلك. بينما تطالب حركة أبناء البلد ببناء وانتخاب هيئة

يطلق عليها االسـم «برملـان عربي». أما الجبهة، فإنها تفضل إعـادة تنظيم لجنة املتابعة ال

إعـادة بنائها، وذلك من خالل اإلطار القائم وعدم انتخابه مبارشة من الجمهور، خشـية أن

يفرس ذلك بأنه محاولة لالنفصال عن الدولة يف املجتمع اإلرسائييل. عاد هذا النقاش بشدة إىل

الساحة العربية، إثر ارتفاع نسبة مقاطعة انتخابات الكنيست، ورضورة طرح بدائل أخرى

للعمل السيايس.

إذا جـرى انتخاب اللجنة مبارشة، فهذا ألن مسـؤوليتها سـتصبح مبـارشة نحو منتخبيها،

ويحتـم ذلك ازديادا يف شـفافية إدارتهـا واتصالها بالجمهور.كذلك قد يصبح هذا الجسـم

ممثال للحقوق الجماعية للعرب، وقد يصبح بمثابة «برملان عربي حقيقي»، برملان سيشـكل

أهم لبنات اإلدارة الذاتية الثقافية. فهذا – يف رأي األكثرية اليهودية-سيعترب نهجا انفصاليا؛

أما بالنسبة للعرب، فقد يكون هذا أحد الوسائل لنيل الحقوق الجماعية.

ليـس ثمة اليوم اختالف بني األحزاب والحركات املختلفة حـول أهمـية وجود لجنة املتابعة

العليـا لقضايـا الجماهري العربية يف إرسائيل كجسـم تمثييل وقيادي. لكـن هنالك انتقادات

شـديدة ألدائها وفاعليتها؛ إذ تسـعى األحزاب والحركات السياسـية يف سبيل إحداث التغيري

فيها، ولكن ما زالت هنالك العديد من القضايا الخالفية.

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

97

ومما رسع من الحوار والدفع إلعادة بناء لجنة املتابعة يف السـنوات األخرية نشـاط رئيسـها

السـابق السيد شـوقي خطيب، رئيس مجلس يافة النارصة سـابقا، باإلضافة إىل دفع قوى

سياسية يف اتجاه التغيري، مثل التجمع الوطني الديمقراطي والحركة اإلسالمية، اللذين أصبح

لهما وزن ذو اعتبار يف الساحة السياسية. يعترب شوقي خطيب الرئيس األول للجنة املتابعة

القادم من إطار سـيايس حزبي، من الجبهة الديمقراطية للسـالم واملساواة. وقد تناوب عىل

رئاسـة اللجنة مع السـيد محمد زيدان، رئيـس مجلس كفر مندا املحلـي السـابق، بعد أن

ه كرئيـس للجنتي املتابعة والقطرية، بعد خسـارته أنهى السـيد إبراهيم نمر حسـني مهام

لالنتخابات يف شـفاعمرو. أعيد انتخاب شوقي خطيب مجددا يف العام 2003 رئيسا للجنتي

املتابعـة والقطرية، عىل الرغم من النقاش الذي دار، يف حينه، حول فصل رئاسـة اللجنتني،

بيد أن ذلك كان سـابقا ألوانه، عىل ما يبدو، إذ يفرتض أن تسـبقه صياغة الصورة النهائية

إلعادة بناء لجنة املتابعة.

هنالـك ثالث عقبات أساسـية حيـال إعادة بناء لجنـة املتابعة: التناقضـات يف املصالح بني

مركبـات اللجنـة املختلفة؛ انشـغال األحـزاب والحـركات املمثلة فيهـا بأمورهـا الداخلية

ورصاعاتهـا مـع الفئات األخرى؛ الـرؤى املختلفة إلعادة البناء حول بعـض القضايا (نحو:

انتخـاب اللجنة أو عدم انتخابهـا؛ تركيبتها؛ اتخاذ القرارات؛ وغريها من األمور). فرؤسـاء

املجالس الذين انتخبوا عىل أسـاس حمائيل وطائفي -ولبعضهم صالت وثيقة وحميمية مع

السـلطة اإلرسائيلية واألحزاب الصهيونية- ال يريدون صياغة جديدة للجنة، لئال يضع ذلك

ا لنفوذهم وتأثريهم عىل اللجنة. والجبهة الديمقراطية للسـالم واملسـاواة تريد املحافظة حد

عىل دورها التاريخي بتأثريها البالغ عىل لجنة املتابعة رغم املستجدات عىل السياسة العربية.

جميع الفئات تريد أن يكون لها تأثري، ولم تتوصل حتى اآلن إىل مفتاح لقضية التمثيل.

وهنالك بعض املسـاعي املبذولة إلعادة بناء وتنظيم لجنـة املتابعة. فالوثائق املتوافرة1 تبني

أن هنالك تمثيال لجميع رشائح املجتمع العربي-الفلسطيني، من مجالس محلـية، ونقابات،

ولجـان قطرية، وأحزاب وحركات، وحتى ناشـطي املجتمع املدني. ومـا زال النقاش قائما

حول تخصيص نسبة للتمثيل النسائي. وتحاول اللجنة إعطاء إجابات حول جميع املعيقات

التـي ذكرناها آنفا، من تركيبـة اللجنة وآلية اتخاذ القرار وتنفيـذه. وإىل جانب ذلك، تعمل

اللجنة عىل التخطيط إلقامة صندوق قومي، والتحضري إلقامة مؤسسات، نحو: دائرة الثقافة

بودي أن أتقدم بالشكر إىل السيد عبد عنبتاوي، املدير العام ملكتب لجنة املتابعة، سكرتري لجنة املتابعة، الذي زودني بوثائق 1قيمة حول إعادة بناء وتنظيم لجنة املتابعة.

98

لجنة املتابعة العليا لقضايا الجماهري العربية يف إرسائيل

والرتاث والحضارة؛ دائرة العمل املحلـي والبلدي ودوائرها الفرعية من صحة وتعليم ورفاه

اجتماعي وبيئة وغريها؛ مؤسسـات خدماتية مختلفة؛ دائرة الشـباب العربي وغريها؛ دائرة

التخطيط اإلسرتاتيجي الهام؛ والدائرة القانونية. فإذا ما أنجزت هذه املهمات وأقيمت الدوائر

املختلفة، فقد يصبح يف املستطاع أن نطلق عليها اسم «برملان العرب».

تلخيص

رغم جميع املعيقات التي ذكرت آنفا، نسـتطيع أن نلخـص، ونقول: إن لجنة املتابعة تعترب

«تنظيما قطريا يقوم عىل أساس االنتماء القومي، ولكنه ليس تنظيما قوميا... بل هو يجمع يف

داخله كافة التناقضات التي ذكرت» (بشـارة، 1998، ص. 149). فإذا نجحت عملية إعادة

البناء من حيث الرتكيبة وآليات تفعيل اللجنة، فال شك أنه سيتشكل مستقبال تنظيم قطري

. فإذا كتب النجاح ملثل هذا الجسم كجسم قومي، ستتمكن األقلـية العربية -بتصورها قومي

وتنظيـم عالقتها مع الدولـة- من التعبري عن نضج سـيايس ووعي فكـري ينقالن املجتمع

العربي الفلسطيني خطوات إىل األمام إزاء مواجهة املؤسسة اإلرسائيلية. فالرسالة الواضحة

هي أن العرب قادرون عىل أن يكونوا العبا يحسب له حساب عىل الساحة اإلرسائيلية، ال عىل

هامش الدولة التي برمجت دوره، وحددت سقف تطلعاته لسنوات طوال.

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

99

املراجع

العربية

أمارة، محمـد؛ وكبها، مصطفى (محرران). (2005). هوية وانتماء: مرشوع املصطلحات األساسـية للطالب العرب. طمرة: ابن خلدون- الجمعية العربية للبحث والتطوير ومركز مكافحة العنرصية.

بشارة، عزمي (1998). الخطاب السيايس املبتور ودراسات أخرى. رام الله: مركز مواطن.

بشـري، نبيه (2006). يوم األرض ما بني القومي واملدني: سـريورة وتحول. حيفا: مدى الكرمل - املركز العربي للدراسات االجتماعية التطبيقية.

محارب، محمـود (1998). لجنة املتابعة العليا لقضايا الجماهري العربية يف إرسائيل. القدس: مركز املعلومات البديلة، سلسلة دراسات حول العرب الفلسطينيني يف إرسائيل-1.

الحـوت، بيان نويهض (1987). القيادات واملؤسسـات السياسـية يف فلسـطني 1917-1947. كفر قرع: دار الهدى.

العربية

الحـاج، ماجـد؛ وروزنفيلد، هنري (1990). الحكم املحلـي العربي يف إرسائيل. جفعات حبيبة: معهد الدراسـات العربية.

ريخس، إييل (1993). األقلـية العربية يف إرسائيل بني الشيوعية والقومية العربية. تل أبيب: جامعة تل أبيب.

الفـلـسـطـيـنـيـون فـي إرسائـيــل

قــراءات يف التـاريـخ، والسيــاسـة، واملجـتـمـع

نـديــم روحـانـا أريـج صبـاغ-خـوري

محرران

2011

مـدى الكرمل

املركز العربي للدراسات اإلجتماعية التطبيقية

السجناء السياسيون

الفلسطينيون

عبري بكر

101

السجناء السياسيون الفلسطينيون

عبري بكر*

يمكن للمصطلح «سجني سيايس» أن يشمل فئات مختلفة من السجناء. يعترب الفلسطينيون

كل أسـري اعتقل وحوكم عىل أعمـال حركتها دوافع أيديولوجية، ويف سـبيل التحرر القومي

العربي الفلسطيني، يعتربونه سجينا سياسيا، وإن لم يكن فلسطينيا.1 ومن هنا، تشمل هذه

الفئة فلسطينيني من سكان األرايض الفلسطينية املحتلة عام 1967، وفلسطينيني من سكان

إرسائيل، وسوريني ولبنانيني وأردنيني ومرصيني.

ويرى بعضهم أن تعريف األرسى الفلسـطينيني كسـجناء سياسـيني ال ينبع بالرضورة من

دوافع أعمالهم، بل يشـكل ردة فعل عىل املعاملة التي يلقونها يف السـجون اإلرسائيلية، التي

تخضـع للمفهـوم اإلرسائييل الذي يعترب الفلسـطيني مصدر تهديد ال غـري. لذلك ، وبما أن

املعاملة التي يلقاها السجناء الفلسطينيون تختلف كل االختالف عن معاملة سائر السجناء،

وبمـا أن مرد هذه الفروق يف املعاملة إىل أسـباب سياسـية وقومية، ينبغـي النظر إىل هؤالء

كسجناء سياسيني (دقة، 2006).

تعترب مصلحة السجون اإلرسائيلية السجناء السياسيني «سجناء أمنيني». منذ العام 1967،

اعتقلت إرسائيل قرابة 700 ألف فلسـطيني، يف العام 2000 بلغ عدد السـجناء السياسـيني

ا، نحو 1150 أسريا. مع اندالع االنتفاضة الثانية عام 2000، ارتفع عدد األرسى ارتفاعا حاد

ويتبني من معطيات مصلحة السـجون أن عدد السـجناء الفلسـطينيني الـكيل، حتى نهاية

ترشين األول عام 2006، بلغ نحو 9140 سجينا، منهم 289 سجينا فلسطينيا من مواطني

إرسائيل.2 وتشري معطيات مركز املعلومات الوطني الفلسطيني أن إرسائيل قامت، منذ العام

2000، باعتقـال نحو 5000 من األوالد الفلسـطينيني (دون الثامنة عرشة). حتى منتصف

آب 2006، بقي نحو 335 ولدا فلسـطينيا يقبعون يف السجون. عدد النساء اللواتي اعتقلن،

عبري بكر هي محامية يف مؤسسة عدالة، ومديرة العيادة القانونية لحقوق األرسى يف كلية القانون بجامعة حيفا. *ترتكز هذه األقوال إىل تجربتي يف معالجة قضايا السـجناء القانونية. ويف لقاءاتي مع سـجناء سياسـيني، تبني يل أن مسـألة 1االنتمـاء القومي أو التنظيمي لهؤالء لم تكن مهمة قطعا. وما جرى أخذه بعني االعتبار هو مكانتهم داخل السـجن والخلفية السياسية للسجن. الدعوات إىل إطالق رساح األرسى لم تميز قط بني سجني سيايس فلسطيني، وسجني سيايس فلسطيني من

مواطني دولة ارسائيل، وسجني سيايس عربي من مواطني الدول العربية.من رسالة جوابية وجهتها مصلحة السجون إىل مركز عدالة يف تاريخ 30.10.2006. 2

102

السجناء السياسيون الفلسطينيون

منذ أكتوبر 2000، بلغ 500 امرأة؛ وحسـب معطيات ترشين األول عام 2006، بقي منهن يف السجون أكثر من 100 أسرية.3

املكانة القانونية لألرسى واملعتقلني الفلسطينيني من األرايض املحتلة عام 1967

قانونية االعتقال وأماكن السجنأ.

األغلبيـة السـاحقة من األرسى واملعتقلني السياسـيني (%94) هم فلسـطينيون من سـكان

األرايض الفلسـطينية املحتلـة عـام 1967، وقد أصـدر الحكم عىل أكثر مـن %98 منهم يف

املحاكم العسكرية (Hajjar, 2005). يشار هنا أنه حتى آب 2005 (وهو موعد تنفيذ خطة

االنفصال عن غزة) جرت محاكمة سكان غزة يف املحاكم العسكرية، وأدى إلغاء حكم االحتالل

العسكري وأنظمته يف غزة إىل إلغاء أوتوماتيكي لسلطة املحاكم العسكرية املستمدة من سلطة

هذا االحتالل العسـكري. لكن إرسائيل استمرت يف اعتقال الفلسطينيني من سكان قطاع غزة

حتى بعد إلغاء نظام االحتالل، وتحاكمهم أمام املحاكم التي تقع داخل مناطق سيادتها.

معظم السـجون التي تؤوي فيها إرسائيل السـجناء الفلسطينيني تقع داخل مناطق سيادتها.

ويعترب نقل الفلسـطينيني مـن األرايض املحتلة إىل داخـل إرسائيل مخالفة قانونية، ويشـكل

انتهاكا خطريا للقانون اإلنساني الدويل. يحظى سكان االرايض الفلسطينية املحتلة عام 1967

بمكانة «محميني»، حسب املادة الرابعة ملعاهدة جنيف الرابعة من العام 1949. وتحدد املادة

«76» مـن نفس املعاهدة أن املواطنني املحميني املتهمـني بارتكاب املخالفات يجري اعتقالهم

يف املنطقـة املحتلـة، وإذا جرت إدانتهم فيجـب أن يمضوا مدة محكوميتهـم داخلها4 وتحظر

املادة «49» من املعاهدة، عىل نحو واضح ورصيح، النقل القرسي لسـكان املنطقة املحتلة إىل

داخـل دولة االحتـالل، أو إىل مناطق دولة أخرى، أيا كانت الدوافع. وقد حددت املحكمة العليا

اإلرسائيلية، بدورها، عدم االرتكاز إىل ما ورد يف معاهدة جنيف، ألن القانون اإلرسائييل يسـمح

بنقل سـكان املناطق املحتلـة إىل داخل مناطق دولة إرسائيل (سـجدية ضد وزير األمن، قرار

املحكمـة العليا 253/88، مجموعـة قرارات املحكمة العليا، املجلد 42 (3)، ص. 801). وعىل

الرغم من أن املادة «77» من املعاهدة تحدد أنه مع انتهاء االحتالل يجب أن ينقل جميع األرسى

الذين تحتجزهم إىل سلطات املنطقة املحررة، وعىل الرغم من انتهاء نظام االحتالل ظاهريا يف

http://www.addameer.org :3 للمزيد حول أعداد املعتقلني واألرسى، انظرواhttp://www1.umn.edu/humanrts/instree/y4gcpcp.htm :4 انظروا

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

103

غزة، لم تقم إرسائيل، بعد، بنقل األرسى من سكان غزة املحتجزين لديها إىل القطاع.

السـجون التي يقبـع فيها األرسى الفلسـطينيون داخـل مناطق السـيادة اإلرسائيلية هي:

شكما؛ أوهايل كيدار؛ إيشيل؛ نفحة؛ كتسيعوت (وجميعها تقع يف منطقة الجنوب)؛ نيتسان؛

معسـياهو؛ أيلون؛ نفيه ترتسـا (وجميعها تقع يف منطقة املركز). وتقع يف منطقة السـهل

السـاحيل السجون التالية: إشمورت؛ هشـارون؛ هداريم؛ ريمونيم؛ أوفيك. ويف الشمال، تقع

السجون التالية: الدامون؛ كيشون (سجن الجلمة)؛ مجيدو؛ شطه؛ غلبواع. باإلضافة إىل ذلك،

الكثري من الفلسـطينيني واقعون رهن االعتقال ألغراض التحقيق يف معتقل بيتاح تكفا؛ ويف

كل من املعتقالت التالية املوجودة يف املناطق الفلسطينية املحتلة كحواره؛ وسالم؛ واملسكوبية

(يف القدس)؛ وكفار عتصيون؛ وكدوميم.5

تعريف السجناء السياسيني كسجناء أمنيني ب.

ينقسـم األرسى يف السـجون إىل فئتني أساسـيتني: السجناء الجنائيني، والسـجناء األمنيني.

وجاء تصنيف السـجناء واملعتقلني كسجناء أمنيني بقرار إداري داخيل ملصلحة السجون، ال

نتيجة تعليمات وفق القانون. ال تعرف أوامر مصلحة السجون من هو السجني الجنائي، غري

أنها تحدد تعريف السجني األمني.

يجري تعريف السـجني األمني بأنه ذلك السـجني الذي أدين وحكـم عليه، لتنفيذه مخالفة،

أو جرى توقيفه بسـبب شبهة بتنفيذ مخالفة، عرفت -بسـبب نوعها أو حيثياتها- عىل أنها

مخالفـة أمنيـة واضحـة، أو أن دوافع ارتكابها كانت قومية (مرسـوم مأمورية السـجون،

3.02.2000، املادة «أ» و«ج»). وحسـب تعليمات مأمورية مصلحة السجون، من املفرتض

أن يؤثر تعريف السـجناء كأمنيني عىل طريقة معاملة مصلحة السـجون لهم، وعىل طبيعة

التعامل مع السـجناء واملعتقلني األمنيني يف مسائل محددة (كتحديد موقع السجن، والجناح

الذي سـيقيض فيه السـجني مـدة محكوميتـه)، وعىل منح اإلجـازات واملحادثـات الهاتفية

من السـجن، وإتاحة الزيارات البيتية املرفقة بالحراسـة، وتقديـم التقارير الجارية لجهاز

باإلضافـة إىل هذه املعتقالت، تحدثت وسـائل اإلعـالم اإلرسائيلية يف العام 2003 عن منشـأة تحقيقات رسيـة، يطلق عليها 5«معتقـل 1391». وامتنعـت إرسائيـل من االعرتاف بوجـود هذا املعتقل إىل أن قـدم التماس للمحكمة حولـه. وقيل لألرسى املحتجزيـن يف هذا املعتقل، بعد ان سـألوا عن مكان وجودهـم، إنهم «عىل القمر». انظروا: أفيف اليف، «الزاوية األكثر حلكة يف إرسائيل»، ملحق هآرتس، 22.8.2003. لم يسمح ألفراد الصليب األحمر واملحامني الدخول إىل هذه املنشأة، وقام «هموكيد»-

مركـز الدفـاع عن الفـرد، برفع التماس إىل املحكمة العليا ضد قانونية املنشـأة وطلب إصدار أمـر بإغالقها فورا. ال زال هذا االلتمـاس معلقا، وما زالت املحكمة العليا تعالجه؛ ملف العليا 9733/03 هموكيد مركز الدفاع عن الفرد ضد دولة إرسائيل

http://www.hamoked.org.il/Document.aspx?dID=3617 :(التماس معلق وقائم) انظروا بالعربية

104

السجناء السياسيون الفلسطينيون

املخابرات العامة (الشاباك)، أو للرشطة، عشية انتهاء ثلثي مدة الحكم، بغية تقديم توصية

للنيابة العامة (مرسـوم مأمورية مصلحة السـجون، املـادة 04.05.00). صادقت املحكمة

العليا عىل مرشوعية التمييز بني السـجناء الجنائيني واألمنيني، واعرتفت بصالحية سـلطات

السجون يف اتخاذ إجراءات خاصة يف كل ما يتعلق بالسجناء األمنيني (درويش ضد مصلحة

السجون، ملف املحكمة العليا 221/80 (قرار حكم)، مجموعة قرارت املحكمة العليا، مجلد

34 (1) ، صفحة 536؛ زهري املالعبي ضد مصلحة السجون وآخرين، ملف العليا 96/80،

مجموعة قرارات املحكمة العليا، مجلد 34 (3)، صفحة 25) .

ظاهريا، يبدو أن تعريف السجني كسجني أمني قد يرسي عىل كل من يستويف وصف مرسوم

مصلحة السجون الذي ذكر آنفا، عربيا كان أم يهوديا. لكن يتبني من املمارسات يف الواقع أن

االستحقاقات القاسية لتعريف السجني كسجني أمني تبقى من نصيب السجناء العرب الذين

يعرفون سجناء أمنيني. يف املقابل، يتمتع السجناء اليهود الذين ارتكبوا مخالفات ضد العرب

بدوافع أيديولوجية، يتمتعون بجميع الحقوق التي تمنح لسائر السجناء دون انتقاص، وإن

عرفوا سـجناء أمنيني. عىل نحو فعيل، يشـكل تعريف السـجني األمني غطاء لسياسة القهر

والتمييز املتبعة تجاه السجناء العرب، عىل غرار السياسة العامة املتبعة تجاه الفلسطينيني.

بعبارة أخرى، يشـكل التعريف الذي وضعته مصلحة السـجون لألرسى األمنيني استحقاقا

للنظرة اإلرسائيلية العامة التي ال ترى الفلسطيني إال خطرا أمنيا (بكر، 2009).

ج. املعتقلون اإلداريون

بـني األرسى الفلسـطينيني، يمكن العثور عـىل الكثري من املعتقلـني اإلداريني، ويقبع بعض

هؤالء يف املعتقالت اإلرسائيلية لسـنني طويلة، دون تقديمهم للمحاكمة، أو دون معرفة سبب

اعتقالهـم. يـدور الحديث عن اعتقال بـدون محاكمة، وهو ما يتعارض مع أسـس املناهج

القضائية السـليمة. تجري عملية االعتقال اإلداري بواسـطة قانون الطـوارئ (اعتقاالت)-

1979، أو باالسـتناد إىل أوامر عسكرية، وتبقى األدلة التي تستخدم كقاعدة لالعتقال رسية

بصورة قاطعة ودائمة.

منذ اندالع االنتفاضة األوىل (1987)، رشعت إرسائيل يف اتباع سياسة االعتقاالت اإلدارية ضد

الفلسطينيني بصورة منهجية ومكثفة (جرادات، 2006). وتظهر معطيات منظمة «بتسيلم»

حصول تراجع تدريجي يف عدد املعتقلني اإلداريني الفلسـطينيني يف السجون اإلرسائيلية، يف

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

105

الفرتة الواقعة بني العامني 2001-1998، حيث وضع أقل من 20 فلسـطينيا رهن االعتقال

اإلداري يف الفرتة الواقعة بني ترشين األول 1999 وترشين األول 2001.

ا خالل حملة «السـور الواقي» يف العام عاد اسـتخدام االعتقال اإلداري ليشـهد ارتفاعا حاد

2002 وبعدهـا؛ يف مطلـع آذار 2003، احتجزت إرسائيل أكثر من 1000 فلسـطيني رهن

االعتقـال اإلداري. تشـري املعطيات، التي توافرت لـدى منظمة «بتسـيلم» من قبل مصلحة

السـجون، أن هـذه األخرية تحتجز حتى شـهر حزيـران 2007 يف منشـآتها املختلفة 631

فلسطينيا رهن االعتقال اإلداري.6

د. مقاتلون غري رشعيني

يف العام 2002، سن الكنيست «قانون املقاتلني غري الرشعيني»، الذي يقوم بتوسيع صالحيات

إرسائيل يف مسـألة االعتقال اإلداري بشـكل جارف وواسع، ويسمح للدولة باحتجاز مواطنني

لبنانيـني خطفوا وأحرضوا إىل إرسائيل، وفلسـطينيني من سـكان األرايض املحتلة، ومواطنني

إرسائيليـني؛ وكل ذلك بـدون إجراء محاكمة. خلفية سـن هذا القانون هـي احتجاز إرسائيل

ملواطنـني لبنانيني كورقـة رهان. يف املايض، قامـت إرسائيل باحتجاز 21 أسـريا لبنانيا رهن

االعتقـال اإلداري، بغيـة اسـتخدامهم كورقـة رهـان لتبـادل محتمل مـع أرسى ومفقودين

إرسائيليـني يف حرب لبنان من عام 1982، وبخاصة بغية إطالق رساح الطيار «رون أراد»، أو

الحصـول عـىل معلومات حول مصريه. وكانت املحكمة العليا قـد حددت وجوب إطالق رساح

جميـع األرسى اللبنانيني وعدم اسـتخدامهم كورقة رهـان. يف املقابل، قامـت دولة إرسائيل،

التي احتجزت أسـريين لبنانيني هما مصطفى ديراني وعبد الكريم عبيد، بسـن القانون بغية

االلتفاف عىل قرار املحكمة العليا. أطلق رساح الشيخ عبيد ومصطفى ديراني بعد عامني، لكن

إرسائيل ما زالت تستخدم هذا القانون يف احتجازها ألرسى عرب آخرين (مودريك إيفن-حني،

. (2005

ه. الظروف املعيشية يف السجن

يـؤدي تعريـف األرسى كأمنيـني إىل سلسـلة طويلة من االنتهـاكات للحقوق األساسـية يف

السجون. التقييدات كثرية، لذا فما سيشار إليه الحقا هو غيض من فيض.

لالطالع عىل معطيات منظمة بتسيلم، انظروا: 6.http://www.btselem.org/arabic/Administrative_Detention/Statistics

106

السجناء السياسيون الفلسطينيون

أبـرز التقييدات هـي الصعوبات التي توضع أمـام األرسى وعائالتهم يف كل مـا يتعلق بزيارات

العائالت. أوال، ال يحق لألرسى السياسـيني، كما لسـائر السـجناء، اسـتقبال زيارات أقرباء من

الدرجـة الثانية، ويقترص األمر عـىل األقرباء من الدرجة األوىل. ثانيا، حتى عندما تحصل الزيارة،

يجري اللقاء عرب حاجز زجاجي يفصل بني األسري وزائريه (وهم غالبا أمه وأوالده) (ملف محكمة

عليا 7585/04 كناعنة وأخيه ضد مصلحة السـجون).7 ويشرتط دخول عائالت األرسى لزيارة

أقربائهـم يف السـجن بالحصول عىل ترصيـح دخول من الجيش، الذي يضـع صعابا كثرية أمام

منـح مثل هذه التصاريح. ويف أكثر من مرة، حصل أن منع السـجناء من مقابلة عائالتهم طوال

عدة سنوات (بار سيالع، 2006). وتفرض تقييدات إضافية عىل السجناء الفلسطينيني يف كل ما

يتعلق بمقابلة محامي الدفاع؛ إذ درجت سـلطات السجون عىل تقييد هذا اللقاء بذرائع مختلفة،

عىل الرغم من اعرتاف القانون بحق السجناء يف مقابلة محام، وترسيخ هذا الحق دستوريا.

باإلضافة إىل ذلك، يشـتكي األرسى السياسـيون يف فرتات متقاربة من رداءة العالج الطبي

الـذي يحصلون عليه أو من عدم تلقيهم إياه8. النشـاطات الرتبوية والثقافية مقترصة هي

األخرى عىل السـجناء الجنائيني، وال يمكن للسـجني املعرف عىل أنه سـجني أمني املشاركة

يف نشـاطات كتعلم اللغـات، ودورات الفنون، ومجموعات االتصـال، وتربية التهيئة لألبوة

وغريها. ويشـتكي السـجناء السياسـيون كذلك من عادة فرض الغرامات بشكل منهجي،

بسـبب مخالفات تتعلق بأمور انضباطية. وعىل الرغم من توافر إمكانية اسـتكمال التعليم

العـايل مـن خالل الجامعة املفتوحة، تدأب مصلحة السـجون عىل حرمانهـم من هذا الحق

عقابـا عىل مخالفـات انضباطية يف السـجن، وكذلك تدأب عىل فرض العقوبـات الجماعية

ضدهم.

و. النضال من أجل التحرر

يخوض السـجناء السياسـيون يف السـجون اإلرسائيلية معركتني متوازيتني: األوىل يف سبيل

تحسـني ظروف املعيشة يف السجن والعالقة بشـعبهم وبعائالتهم؛ والثانية هي املطلب غري

املتهـادن بإطـالق رساحهم. يناضـل األرسى بوسـائل مختلفة، تبلغ الـذروة يف اإلعالن عن

قدم هذا االلتماس مركز عدالة. لالطالع عىل نص االلتماس انظروا بالعربية: 7http://www.hamoked.org.il/files/2010112590/.pdf

ملعلومات إضافية حول هذا املوضوع، انظروا بالعربية: 8http://www.phr.org.il/phr/article.asp?articleid=388&catid=23&pcat=23&lang=HEB

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

107

اإلرضاب الجماعـي عـن الطعام.9 بعض هـذه اإلرضابات حقق تحسـنا طفيفا يف الظروف

املعيشية للسجناء السياسيني يف السجون، ال أكثر من ذلك.

يعلق األرسى السياسـيون آمالهم يف التحرر عىل االتفاقيات السياسـية، وال سـيما تلك التي

تعقد مع السلطة الفلسطينية وغريها. حتى اآلن، جرى تحرير بضع مئات من األرسى نتيجة

اتفاقات سياسية، لكن يف معظم الحاالت أطلق رساح األرسى الذين كانوا عىل وشك إنهاء مدة

محكوميتهم، أو رساح السجناء الفلسطينيني غري السياسيني- األمنيني.

ز. الوضعية الخاصة للسجناء السياسيني الفلسطينيني مواطني دولة إرسائيل

حتـى العـام 2006، قبـع يف السـجون اإلرسائيلية 289 أسـريا ومعتقال من الفلسـطينيني

مواطني دولة إرسائيل. 20 من هؤالء -عىل األقل- قضوا أكثر من 15 عاما يف السـجن. وجد

هؤالء أنفسهم، كفلسطينيني مواطني دولة إرسائيل، مكرهني، عىل قطبي الرصاع اإلرسائييل-

الفلسطيني، ودفعوا ثمنا باهظا لوضعهم هذا، مما انعكس يف إقصائهم من اتفاقيات تحرير

األرسى وعدم إطالق رساحهم مبكرا. يحمل كل أسري فلسطيني من سكان األرايض املحتلة عام

1967 أو الدول العربية أمال يف تحريره من خالل التسوية السياسية، لكن األسري الفلسطيني

مـن مواطني دولة إرسائيـل يقع يف حالة ضياع عىل ضوء تعنـت إرسائيل بعدم االعرتاف به

كجزء من مجموعة السـجناء السياسـيني. ال يقترص التمييز ضد السـجناء السياسـيني من

مواطنـي إرسائيل، مقارنة بالسـجناء اليهود، يف كل ما يتعلق بمسـتوى العقوبات وظروف

السـجن، بل يتعدى ذلك إىل مـا يتعلق باحتماالت التحرر املبكر، بواسـطة العفو، أو تحديد

ـجن. وبخالف السـجناء اليهود مدة العقوبة، أو التحرر بعد قضاء ثلثي فرتة الحكم يف الس

مـن مواطني الدولة الذين ارتكبوا أعماال ضد العرب بدوافع أيديولوجية، لم يحظ السـجناء

الفلسطينيون من مواطني إرسائيل بتحديد واقعي ملدة السجن أو التحرير املبكر.

تمحورت هذه املقالة املقتضبة حول مسـألة السـجناء السياسـيني من وجهة نظر قضائية

فقـط. وعىل الرغم من ذلك، من املهم أن نشـدد هنا أن األدوات القضائيـة التي تتوافر لدينا

محدودة للغاية، وال يمكنها وحدها حل مشـكلة األرسى السياسـيني، املشكلة التي تعترب من

-حيث الجوهر- مسألة سياسية تحمل حال سياسيا.

يف تاريـخ 21.6.94، أعلن السـجناء السياسـيون اإلرضاب عن الطعـام، احتجاجا عىل آلية إطـالق رساح األرسى التي جرى 9تحديدهـا يف اتفاق القاهرة (غزة-أريحا)، وبخاصة عىل إقصاء األرسى من سـكان القدس وحاميل الجنسـية اإلرسائيلية من صفقـة تحريـر األرسى. من اإلرضابات املعروفة يف تاريخ الحركة األسـرية اإلرضاب عن الطعـام يف العام 1994، وهو الذي تواصل ملدة 18 يوما. من اإلرضابات الشهرية األخرى اإلرضاب الذي جرى يف العام 1992، والذي استمر ملدة 15 يوما، واألخري

الذي بدأ يف تاريخ 15.8.06 واستمر ملدة أسبوعني.

108

السجناء السياسيون الفلسطينيون

املراجع

العربية

بكر، عبري (2009). «تعريف السـجناء الفلسـطينيني يف السـجون االرسائيلية كـ«سـجناء أمنيـني» – الداللة أمنية للتمويه عىل املمارسة السياسية». دفاتر عدالة، 5، 70-59.

دقة، وليد (2006). سجناء أمنيون أم سجناء سياسيون؟. نرشة عدالة اإللكرتونية رقم 24. تم استقاء املعلومات من املوقع اإللكرتوني يف تاريخ 1 حزيران 2007:

http://www.adalah.org/newsletter/ara/apr06/apr06.html?navi=%2Fnewsletter%2Fara%2Fapr062%Fapr06.html

اإلنجليزية

Hajjar, L. (2005). Courting conflict: The Israeli military court system in the West Bank and Gaza. Berkeley: University of California Press.

العربية

بار سـيالع، عنات (2006). الزيارات املحظورة: انتهاك الحق يف الزيارات العائلية للفلسـطينيني املعتقلني يف إرسائيل (نرشة معلوماتية). القدس: بتسيلم. تم استقاء املعلومات من املوقع اإللكرتوني يف تاريخ 1 حزيران

:2007

http://www.btselem.org/sites/default/files/btslm_2_.pdf

بتسـيلم. (2000). ورقة موقف حول اقرتاح القانون: «احتجاز مقاتلني غري رشعيني». القدس: بتسـيلم. تم استقاء املعلومات من املوقع اإللكرتوني يف تاريخ 1 حزيران 2007:

http://www.btselem.org/sites/default/files/publication/200609_barred_from_contact_heb.pdf

مودريـك إيفن-حني، ليهي (2005). مقاتلني غري رشعيني أم ترشيع غري قانوني: حول قانون حجز مقاتلني غري رشعيني (2002). القدس: املعهد اإلرسائييل للديمقراطية. تم اسـتقاء املعلومات من املوقع اإللكرتوني

يف تاريخ 1 حزيران 2007:http://www.idi.org.il/PublicationsCatalog/Pages/PP_58/Publications_Catalog_2058.aspx

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

109

مصادر إضافية

العربية

أبو الهيجا، إبراهيم (2004). املنسيون يف غياهب االعتقال الصهيوني. القاهرة: مركز اإلعالم العربي.

صفا، محمد (1997). الرهائن اللبنانيون والعرب يف السـجون اإلرسائيلية - ومن أجل محكمة قانا الدولية. بريوت: لجنة املتابعة لدعم قضية املعتقلني اللبنانيني يف السجون اإلرسائيلية.

قراقع، عيىس (2001). األرسى الفلسـطينيون يف السـجون اإلرسائيلية بعد أوسـلو، 1993-1999. بريزيت: جامعة بريزيت، معهد الدراسات الدولية.

الهنـدي، خالـد (2000). التجربـة الديمقراطيـة للحركة الفلسـطينية األسـرية. رام الله: مواطن- املؤسسـة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية.

اإلنجليزية

Cook, C., Hanieh, A., & Key, K. (2004). Stolen youth: The politics of Israel’s detention of Palestinian children. London: Pluto Press

Defence for Children International (DCI). (2006). Palestinian child political prisoners report 2006. Jerusalem: Defence for Children International. Retrieved June 1, 2007 from:

http://www.dci-pal.org/english/display.cfm?DocId=559&CategoryId=2

Nashif, E. (2008). Palestinian political prisoners: Identity and community. London: Routledge.

العربية

بكر، عبري (2005). السجني الفلسطيني كمخلوق أحادي الجانب. متساد شني (رؤية أخرى)، 11-10، 38-36.

نون، أيال (1993). االعتقال اإلداري يف إرسائيل. فليليم (جنائيات) 3، 198-168.

الفـلـسـطـيـنـيـون فـي إرسائـيــل

قــراءات يف التـاريـخ، والسيــاسـة، واملجـتـمـع

نـديــم روحـانـا أريـج صبـاغ-خـوري

محرران

2011

مـدى الكرمل

املركز العربي للدراسات اإلجتماعية التطبيقية

مناطق األفضلية القومية

راسـم خـمـاييس

111

مناطق األفضلية القومية

راسم خماييس *

يعتـرب تحديد مناطق األفضليـة القومية آلية يف يد الحكومة للدعـم وتوزيع املوارد. إذ تقوم

-من خالل هذه اآللية- بمنح الدعم الحكومي للمجموعات السكانية باالستناد إىل االعتبارات

اإلقليميـة، واإلثنية القومية، واالجتماعية االقتصادية، وإىل شـكل التجمع السـكاني. وتحدد

مناطـق األفضلية القومية تخفيض أثمان األرايض، وتخفيض نسـبة رضيبة الدخل أو منح

الهبـات وقروض اإلسـكان بصورة مبارشة أو غري مبارشة. ويهـدف تفضيل بعض املناطق

عىل سـواها إىل تقليص الفجوات يف الدخل واملصاريـف االنتقالية، أو جذب املبادرين إلقامة

مصالحهـم التجاريـة يف منطقـة ذات أفضلية أو لـدى مجموعة سـكانية ذات أفضلية. ويف

مقدور هذه اآللية كذلك إقصاء مجموعة سكانية أو بلدات معينة عىل أساس االنتماء القومي.

تمارس دولة ارسائيل سياسـة حيزيـة تمنح بموجبها األفضلية ملناطـق األطراف، وللجليل

والنقب والقدس واملسـتوطنات اليهودية يف األرايض الفلسـطينية املحتلة عام 1967. تجسد

هذا التفضيل بواسطة القوانني واملرسومات وقرارات الحكومة واملمارسات عىل أرض الواقع.

دوافع تفضيل هذه املناطق هي جغرافية- سياسية واجتماعية-اقتصادية، وتمنح من خاللها

مجموعة من املحفزات والهبات، بغية املسـاعدة يف تطوير هذه املناطق، وكذلك بغية تقليص

الفجوة بينها وبني سـائر املدن والقرى يف دولة إرسائيل، وكذلك للحد من الهجرة العكسـية،

وتشـجيع األجيال الشـابة عىل البقاء فيها، باإلضافة إىل استيعاب املهاجرين اليهود. عىل هذا

النحـو، يجري ضمان وجود اليهود يف هذه املناطق كجزء من سياسـة نرش السـكان اليهود

التي تستخدم وسيلة سـيطرة إثنيه وكولونيالية داخلية للمناطق الجغرافية ذات التجمعات

العربية الفلسطينية.

ميزت سياسـة مناطـق األفضلية، منذ البداية، ضد البلدات العربية التي لم تشـملها مناطق

التفضيل، أو لم تسـتوف الرشوط واملعايري املوضوعة، كاشـرتاط الدعم -عىل سـبيل املثال-

باإلنتاج املعد للتصدير، بينما يوجه إنتاج املصانع والورش العربية نحو االسـتهالك املحيل.

بروفيسور راسم خماييس هو مخطط مدن وجغرايف وأستاذ مشارك يف قسم الجغرافيا ودراسات البيئة يف جامعة حيفا. *

112

مناطق األفضلية القومية

ثمـة مثـال آخر لذلك هو ضم البلدات العربية التي ال تعـرتف بها دولة إرسائيل يف النقب إىل

قائمـة بلـدات األفضليـة «أ» يف حني ال يعرتف بها وال يسـمح بالبناء السـكني أو الصناعي

املرخص فيها، فكيف لها أن تستفيد من وجودها يف منطقه تفضيل قوميه (غونني وخماييس، 1.(Wesley, 2006 1992؛

بني الحـني واآلخر، تتغري حدود مناطق األفضلية تبعا لقـرار الحكومة، وتتأثر هذه الحدود

باأليديولوجيا االجتماعية السياسية التي تتبناها الحكومات املختلفة. صادقت حكومة العمل

برئاسـة إسـحاق رابني، يف القرار رقم 721 مـن العام 1993، عىل تصنيـف جديد ملناطق

األفضلية القومية شمل خريطتني: األوىل ملناطق التسهيالت التي تمنح من قبل جميع الوزارات

الحكومية؛ والثانية مناطق أفضلية قومية تتحدد حسـب قانون تشجيع االستثمارات فقط.2

قامت حكومة الليكود بتغيري هذه الخريطة، من خالل القرار الحكومي رقم 3292 يف شـهر

شـباط 1998، وتغريت الخريطة مرة أخرى من قبل حكومة شـارون، يف القرار رقم 2288

من شـهر تمـوز 2002. حددت هذه القـرارات الحكومية قائمة باملـدن والقرى، ومقاييس

وتسـهيالت مختلفة. التمـس «عدالة- املركز القانوني لحقوق األقلـيـة العربية يف إرسائيل»

ضد القرارين األخريين، بادعاء أنهما يميزان ضد الجمهور العربي يف مجال الرتبية والتعليم.

وأصدرت املحكمة العليا قرارا غري مسـبوق (11163/03)، يف شباط 2006، يقيض بإلغاء

الخريطتـني لمـا تحمالنه من تمييز ضـد املواطنني العـرب. وحدد قرار العليـا عدم توافر الصالحية للحكومة بإقرار مناطق األفضلية القومية دون مصادقة الكنيست.3

يعتمـد تنفيـذ خطة مناطق األفضليـة القومية عىل قانونني اثنني: األول هو قانون تشـجيع

اسـتثمار رؤوس األموال (1959) وتعديالته، والذي حدد خريطة مناطق أفضلية للصناعة

والسـياحة والزراعـة؛ والثاني هو قانون بلـدات التطوير (1998) الذي يرمي إىل تشـجيع

االستيطان (اليهودي)، والتطوير والتدعيم االجتماعي واالقتصادي لبلدات التطوير وسكانها،

ويهدف -يف األساس- إىل وضع ترتيبات ملنح تسهيالت لبلدات التطوير. تفصل مادة القانون

لتصنيف البلدات واملناطق الصناعية حسب األفضلية الوطنية، انظروا بالعربية: 1www.moital.gov.il/cmstamat/ishuvim.aspx?sValue

تم استقاء املعلومات من املوقع اإللكرتوني يف تاريخ 5 أيلول 2008. املصدر السابق. 2

يف يوم الثالثاء 10.11.2004، بحثت املحكة العليا (بصيغتها املوسـعة والتي اشـتملت عىل سـبعة قضـاة) يف الدعوى التي 3قدمها مركز عدالة بشأن قرار الحكومة من العام 1998 حول تصنيف البلدات ملناطق األفضلية القومية. قرار الحكومة كان يقيض بتصنيف 553 بلدة كمناطق أفضلية «أ» يف مجال الرتبية، منهم أربع بلدات عربية فقط. حول قرار املحكمة، انظروا:

http://www.adalah.org/newsletter/ara/nov046/.phpتم استقاء املعلومات من املوقع اإللكرتوني يف تاريخ 5 أيلول 2008.

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

113

التسـهيالت التي سـتمنح لبلـدات التطوير يف عدد مـن املجاالت وحسـب مقاييس محددة،

وتشـمل: هبات للسـلطات املحلـية، وتخفيضات يف األرنونا للمواطنني، وأفضلية ملخططات

االسـتثمار، وتسهيالت رضيبية، وهبات وتسهيالت يف اإلسـكان، وهبات لعائالت املهاجرين

الروس الجدد، وتسـهيالت يف التعليم يف رياض األطفال، ويف الحضانات واملدارس االبتدائية

وفوق االبتدائية، والتعليم العايل والتعليم التكنولوجي والتعليم الالمنهجي وغري ذلك.

ثمة مجموعة من القوانني األخرى التي تؤسـس للدعم والتسـهيالت حسـب خريطة مناطق

األفضلية القومية. قانون املناطق الحرة لإلنتاج يف إرسائيل (1994) يخول الحكومة تحديد

منطقـة مـا يف البالد عىل أنها «منطقة حرة»، وتحديد السـبل والقيود إلعالن عن منطقة عىل

منطقة حرة، وحجم التسهيالت التي ستمنح لها. يلزم قانون وجوب تنفيذ العطاءات (1992)

بتفضيل املنتجات التي أنتجت يف مناطق األفضلية القومية عىل سـواها. يتيح قانون مجلس

التعليـم العايل (1958) تفضيل الطلبة الذين يسـكنون عىل نحـو ثابت يف مناطق األفضلية

القوميـة. ويعالج قانون تشـجيع األبحاث والتطوير يف الصناعة (1984) منح التسـهيالت

لة لتوزيع مناطق الكبـرية للبحث والتطوير يف مجال الصناعـة، وتحددت فيه ترتيبات مفص

األفضلية القومية.

تقسم مناطق األفضلية القومية الحيز الجغرايف الذي يقع تحت حكم إرسائيل إىل ثالث مناطق:

منطقـة أفضليـة «أ» (وتدعى كذلك: منطقة تطوير)، وهي املنطقـة ذات األفضلية األعىل.

التصنيـف «أ» يمنـح للمناطق األبعد عن مركز البالد ومراكز التشـغيل؛ منطقة األفضلية

«ب»، تقـع عىل مسـافة أقرب من مركز البـالد واملناطق وفرية العمالة؛ أما سـائر املناطق،

فـال تخضع لتعريف مناطق األفضلية (راجعوا الخريطة املرفقة). تزعم الحكومة أن تحديد

مناطق األفضلية القومية يرمي إىل مسـاعدة السـكان اليهود يف املناطق البعيدة جغرافيا، أو

ذات األهمـية األمنية، والتي ترغب الحكومة يف تشـجيع االسـتيطان اليهودي داخلها. قامت

حكومة إيهود أوملرت بتبني خريطة مناطق األفضلية القومية السابقة، وعني شمعون بريس وزيرا لتطوير الجليل والنقب.4

ترتكـز خريطة مناطق األفضلية القومية عىل معايري جغرافية -كاملوقع يف منطقة األطراف،

ونوع االستيطان (مدني أو قروي)، واالعرتاف بالبلدة. أشري إىل بعض القرى العربية التي ال

تعـرتف بها إرسائيل كبلدات داخل منطقة األفضلية القومية «أ»، عىل الرغم من أنها ال تجني

لالطالع عىل املبادئ األساسية لعمل الحكومة اإلرسائيلية الحالية، انظروا بالعربية: 4www.pmo.gov.il/PMO/Government/Policy

تم استقاء املعلومات من املوقع اإللكرتوني يف تاريخ 5 أيلول 2008.

114

مناطق األفضلية القومية

فائدة من هذه االشـارة، إذ ال تتوفر يف هذه القرى املبادرات واملشـاريع االقتصادية وال حتى

املدارس، وبعضها ال يمتلك خريطة هيكلية مصادقا عليها. من املعايري املهمة األخرى االنتماء

القومي للبلد (ويف القرى العربية هنالك تقسـيم إضايف عىل قاعدة إثنية–«بدو»، «دروز» أو

«عرب»). من هنا، ليس املوقع الجغرايف رشطا كافيا لحصول البلدات عىل محفزات وتسهيالت

منطقة األفضلية «أ»، بل األكثر رضورة هو ضمه يف قائمة البلدات التي ترسي عليها تعليمات

منطقة األفضلية واستيفاء املبادرين أو السكان للمعايري املوضوعة.

تبتغـي مناطق األفضلية تدعيـم البلدات التي تعانـي من ضائقة وفق مـؤرشات اجتماعية

اقتصاديـة، بيد أن االعتبار االجتماعي االقتصادي لم يكن حاسـما يف تحديدها. والدليل عىل

ذلـك هـو أن القائمة لم تضم أية مـن البلدات العربية التي جرى تدريجها يف أسـفل املكانة

االجتماعيـة االقتصادية. ثمـة رشوط أخرى تتعلق بمناطق األفضلية وترض بالعرب: سـعر

«أرايض الدولة»، التي تسوق للسكان بواسطة دائرة أرايض إرسائيل؛ مكتب القروض واملنح

التـي توفرها وزارة اإلسـكان للمحتاجني حسـب مكان السـكن؛ املشـاركة يف تمويل البنى

التحتية وإقامة البنايات العامة يف املدن والقرى؛ ودعم أكرب بكثري للمبادرين الذين يقطنون

يف بلـدة داخـل منطقة أفضلية قومية. يسـتدل من هذه األمثلة ومن أمثلـة عديدة أخرى أن

جهاز مناطق األفضلية قد عزز الفجوات بني اليهود والعرب يف إرسائيل.

يحظـى املواطنون واملبـادرون والبلدات داخل منطقة األفضلية «أ» بتسـهيالت مهمة. يف ما

ييل بعض األمثلة عىل املحفزات للمعلمني وجهاز الرتبية: املشـاركة بنسـبة %75 من قسـط

التعليم للمعلمني؛ املشـاركة التامة يف مصاريف سـفر املعلمني للدراسـة؛ املشـاركة بنسبة

%80 يف أجر شـقة السـكن للمعلمني؛ دفع حصة املعلم يف صندوق االسـتكمال؛ املشـاركة

الكاملـة يف مصاريـف السـفر للمعلمني يف سـنة العطلة؛ اإلعفـاء من القسـط التعليمي يف

الحضانات قبل اإللزامية؛ املشاركة يف رسوم امتحانات البجروت؛ منح هبة موازنة مضاعفة

للسـلطات املحلـية؛ تخصيص سـاعات تعليم إضافية وفقا لالحتياجـات الرتبوية؛ التمويل

الكامـل لتجهيز املدارس بمنظومات الحاسـوب (بمراعاة املصادقة عـىل الربامج املقرتحة)؛

منح ميزانيات إضافية من خالل أخذ االحتياجات الخاصة للمدارس االبتدائية بعني االعتبار؛

وضع األفضلية يف املنح للطالب الجامعيني؛ تقديم منحة بمبلغ 100 ألف شـيكل لكل مركز جماهريي لتشجيع املجموعات السكانية الوافدة.5

ملعاينة التماس عدالة ولجنة متابعة قضايا التعليم العربي، انظروا بالعربية: 5www.adalah.org/features/land/Adefoot-petition-dec2003.pdf

تم استقاء املعلومات من املوقع اإللكرتوني يف تاريخ 5 أيلول 2008.

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

115

املصانع املصادق عليها تحصل هي األخرى عىل مساعدات سخية من مركز االستثمارات،

الـذي خول بواسـطة قانون تشـجيع اسـثمار رؤوس األمـوال (1959) صالحية منح

املكافـآت للمصانع التي تسـتويف معايري حجم االسـتثمار واإلنتـاج للتصدير. يف ما ييل

بعض األمثلة:6

: مـرشوع صناعي؛ مصنع لتأجري العتاد؛ بنايـة صناعية؛ وبناية . 1 ـ منح هبة اسـتثمار ل

صناعية مرممة. يف منطقة تطوير «أ»، تصل نسـبة الهبة إىل %20، ويف منطقة تطوير

«ب»، تصل إىل 10%.

تصل نسـبة هبة االسـتثمار ملرشوع سياحي مصادق عليه (فندق أو متنـزه) إىل 20% . 2

يف منطقـة تطوير «أ»، وإىل %10 يف منطقة تطوير «ب». يحصل كل مرشوع سـياحي

آخر عىل هبة بقيمة 10%.

تصل نسبة هبة االستثمار يف مصنع يقع يف النقب حتى 30%.. 3

يف مجال األرايض: يمنح تخفيض ودعم يف أسعار األرض لالستئجار أو املفتاحية حسب

قرار مجلس دائرة أرايض إرسائيل، كما هو مبني يف الجدول التايل:نسبة الدعم الحكومي من مصاريف التطويرمنطقة أفضلية قومية

50خط مواجهة40منطقة تطوير «أ»

10منطقة تطوير «ب»املصدر: (شفارتس، 1993)

قا للمساواة، بل هو وسيلة ملمارسة التمييز ليس جهاز مناطق األفضلية القومية جهازا محق

البنيـوي واإلجرائـي. ونجد مثاال عـىل هذا النوع مـن التمييز يف أسـعار األرايض، وقروض

اإلسـكان، واملصادقة عىل املصانـع، والتسـهيالت الرضيبية. وظهر التمييـز جليا يف القرار

الحكومـي رقـم 3292 لتحديد مناطق األفضليـة القومية. تظهر مراجعـة خريطة مناطق

األفضلية القومية يف مسألة التسهيالت يف مجال الرتبية والتعليم، تظهر أن أربع بلدات عربية

صغـرية قد أدرجت يف قائمـة بلدات األفضليـة القومية «أ»، التي تضـم 491 بلدة. ويف هذا

ـ 36 بلدة أخرى، إال أن القائمة لم تشمل أيا من القرار، تحددت مكانة منطقة أفضلية «أ» ل

ـ 8 بلدات إضافية ال البلـدات العربية. يف مضمار التعليم، تقـرر منح مكانة أفضلية قومية ل

لالطالع عىل املكافآت والتسهيالت، انظروا بالعربية: 6http://www.pmo.gov.il/NR/rdonlyres/8C3556FC-1B7E-4118-BD0B-ED0823AEA845/0/7020591900.doc

تم استقاء املعلومات من املوقع اإللكرتوني يف تاريخ 5 أيلول 2008.

116

مناطق األفضلية القومية

تشـمل أيا من البلدات العربية.7 يف املحصلة، ستحصل 535 بلدة عىل مكانة منطقة أفضلية

«أ» يف مجال التعليم، أربع منها بلدات عربية صغرية. يف املقابل، تشمل قائمة تطوير املناطق

الصناعية 107 مناطق صناعية يف منطقة أفضلية قومية «أ»، ومن بينها 33 منطقة صناعية

صغرية يف البلدات العربية.8

يف 28/2/2007، صـادق الكنيسـت، بالقراءة األوىل، عىل مـرشوع قانون «مناطق أفضلية

قومية- 2007»، وهو الذي سيسـتبدل قانون بلدات التطوير الذي مىض عىل سـنه عرشون

د العمل به وأرجئ عاما تلو العام من خالل قوانني التسويات. تولدت الحاجة إىل عاما، وجم

سن القانون الجديد من قرار الحكم الذي أصدرته املحكمة العليا قبل عام واحد (يف التماس

لجنـة املتابعة العليا للعرب يف إرسائيل ضد رئيس الحكومـة)، والذي حدد أن الحكومة غري

مخولـة بتحديد مناطـق األفضلية ومنـح هذه املناطق تسـهيالت مختلفة بنـاء عىل قانون

د.9 األساس: الحكومة، كما تعمل اليوم من خالل االلتفاف عىل القانون القائم واملـجم

يخـول القانـون املقرتح الحكومة اتخاذ القـرار واإلعالن عن منطقة أو بلـدة كذات أفضلية

بسـبب وضعهـا االقتصادي واالجتماعـي واألمنـي أو املوقع الجغرايف، وبسـبب الحاجة إىل

تقليـص الفجوات بني منطقة مـا واملناطق األخرى، وكذلك بني املجموعات السـكانية، وهو

مـا يقتيض تشـجيع وتعزيز املنطقة وتطويرهـا. يمكن منح األفضلية كذلك ملسـألة عينية،

أو لفرتة زمنية محددة. حسـب القانون املقرتح، يمكن للحكومـة أو إحدى الوزارات تحديد

لة، والسبل إىل منح التسهيالت، والفرتات التي نوع التسـهيالت التي سـتمنح للمنطقة املفض

سـتمنح بهـا، ومعايري منحهـا. يمكن ملجاالت التسـهيالت ونوعها أن تتغـري من منطقة إىل

أخرى. فعىل سـبيل املثال، يمكن أن تحصل منطقة ما عىل تسـهيالت يف مجال التعليم، وأن

تحصل املنطقة املجاورة لها عىل تفضيل يف مجال السياحة. ويطلب من الوزارات التي تمنح

املكافآت أن تقدم تقريرا حولها للحكومة مرة كل عام. وللتلخيص يمكن القول ان «القانون

الذي سيجري إلغاؤه ملحق بمرشوع القانون الجديد ويقلصه يف تفصيل التسهيالت السخية

انظروا التفاصيل بالعربية يف التماس عدالة إىل املحكمة العليا يف القضية رقم 2773/98: 7 www.adalah.org/features/land/Adefoot-petition-dec2003.pdf

تم استقاء املعلومات من املوقع اإللكرتوني يف تاريخ 5 أيلول 2008. ملزيد من التفاصيل، انظروا بالعربية: 8

www.moital.gov.il/cmstamat/MuniSearch.aspx?SearchType=1; www.adalah.org/features/land/Adefoot-petition-dec2003.pdf

تم استقاء املعلومات من املوقع اإللكرتوني يف تاريخ 5 أيلول 2008. حول اقرتاح القانون الجديد لتحديد مناطق االولوية، انظروا بالعربية: 9

www.ynet.co.il/articles/1,7340,L-3370690,00.html تم استقاء املعلومات من املوقع االلكرتوني يف تاريخ 5 أيلول 2008.

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

117

إىل حدود التقزيم ويثري الغرية من االمتيازات التي شملتها: مضاعفة هبات املوازنة للسلطات

املحلية، تخفيض حتى الثلث يف دفعات األرنونة (رضيبة املسـكن)؛ أفضلية يف هبات تشجيع

لني؛ قروض تتحول اىل اسـتثمارات رأس املال، اإلعفاء من الرضائب التي تفرض عىل املشـغ

هبات للعائالت التي تنتقل للعيش يف مناطق التطوير، تعليم مجاني يف الحضانات والروضات

ويف املـدارس االبتدائيـة والثانوية، منح للجامعات تصل اىل قيمة قسـط التعليم ومنح لتعلم

املهن التقنية، ميزانية حكومية سـنوية لتمويل الفعاليات خالل أوقات فراغ األوالد والشباب وتمويل الدورات الرياضية واملهنية والثقافية والفنية».10

لالطالع عىل تفاصيل املكافآت، انظروا بالعربية: 10 www.ynet.co.il/articles/1,7340,L-3370690,00.html

تم استقاء املعلومات من املوقع االلكرتوني يف تاريخ 5 أيلول 2008.

118

مناطق األفضلية القومية

املراجع

اإلنجليزية

Wesley, A. D. (2006). State practices & Zionist images: Shaping economic development in Arab towns in Israel. New York: Berghahn Books.

العربية

بنك التطوير والصناعة م.ض. (1992). «قانون تشـجيع استثمار رؤوس األموال»، (يشمل تعديل 39). رشوحات للمستثمر يف مشاريع الصناعة والسياحة. تل أبيب.

شـفارتس، دفنا (1993). تأثري قانون تشجيع اسـتثمار رؤوس األموال عىل بلدات التطوير. رحوفوت: مركز دراسات التطوير.

غونـني، عمـريم؛ وخماييس، راسـم (1992). مراكز تطوير إقليمية مشـرتكة للبلـدات اليهوديـة والعربية يف إرسائيل. القدس: معهد فلورسهايمر ألبحاث السياسات العامة.

قانون تشجيع األبحاث والتطوير يف الصناعة (نص معدل). (1984). موقع اإلنرتنت التابع لوزارة التجارة والصناعة والتشغيل:

http://www.moit.gov.il/NR/exeres/AA193B9028-D24-A7D-BE7A-235BC376BE10.htm

قـرار حكومـة إرسائيل رقم 721. (كانون الثانـي 1993)- «مناطق األفضلية القومية»، قـرار، تصنيف مجدد ملدن ومناطق التطوير. القدس (لجنة شيفس).

قـرار املحكمة العليـا 11163/03، قرار من تاريخ 27.02.2006- تصنيف مناطق أفضلية قومية قانون تشـجيع اسثمار رؤوس األموال. 1959.

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

119

الفـلـسـطـيـنـيـون فـي إرسائـيــل

قــراءات يف التـاريـخ، والسيــاسـة، واملجـتـمـع

نـديــم روحـانـا أريـج صبـاغ-خـوري

محرران

2011

مـدى الكرمل

املركز العربي للدراسات اإلجتماعية التطبيقية

البدو الفلسطينيون األصالنيون يف النقب:

تمدين قرسي وحرمان من االعرتاف

إسماعيل أبو سعد

121

البدو الفلسطينيون األصالنيون يف النقب: تمدين قرسي وحرمان من االعرتاف

إسماعيل أبو سعد *

البـدو يف صحراء النقب هم من بني العرب الفلسـطينيني األصالنيـني الذين بقوا يف أرضهم

بعـد قيام دولة إرسائيـل عام 1948. يقطنـون يف صحراء النقب منذ القـرن الخامس قبل

امليالد، وقد تنظموا كقبائل رحالة أو شبه رحالة اعتاشت من تربية املوايش وعملت يف الزراعة

املوسـمية. اجتاز املجتمع البدوي الفلسـطيني، عىل امتداد العقود الخمسة األخرية، تغيريات

حاسـمة، بما يف ذلك االقتالع، مصادرة مساحات كبرية من األرايض والتمدين القرسي. وبلغ

عدد السـكان البدو الفلسـطينيني يف العام 2006 ما يقارب 200,000 نسـمة، شكلوا نحو

.(CBS, 2006; Abu-Saad, 2005a) 25 من سكان املنطقة%

كان عدد السكان العرب البدو يف النقب قبل العام 1948 ما يقارب 90,000 نسمة، وتنظموا

يف 95 قبيلـة (Falah, 1989). إن أغلبيـة بـدو النقـب فروا أو طـردوا خالل حرب 1948

وبعدها، وأصبحوا الجئني يف الدول العربية املحيطة ويف املناطق الفلسطينية التي لم تحتلها

إرسائيـل يف العـام 1948. وهكـذا، لم يبق منهـم يف النقب مع حلول العـام 1952 إال نحو

11,000 نسـمة (Marx, 1967). سـيطرت السلطات اإلرسائيلية عىل معظم أرايض النقب،

وهكذا فقد البدو حرية الحركة مع قطعانهم وحرية زراعة أراضيهم. وتم إبعاد 12 قبيلة من

القبائل الـ 19 املتبقية يف النقب عن أراضيهم، وحرص السـكان كافة يف منطقة مغلقة معدة

لذلك رشق شمال النقب تمثل %10 فقط من األرايض التي سيطروا عليها قبل العام 1948

(Falah, 1989). باإلضافـة إىل ذلك، وضعوا تحت حكم عسـكري حتى العام 1966، وهو

ما عنى أنهم لم يسـتطيعوا العودة إىل أراضيهم وزراعتها، وأنهم كانوا منعزلني عن السكان

الفلسـطينيني يف أرجـاء أخرى من البـالد، وأنهم كانوا بحاجة إىل تصاريـح خاصة ملغادرة

القطاعـات املعـدة لهم مـن املنطقة املغلقة من أجـل الوصول إىل أماكن العمل، والدراسـة،

والرعايـة الصحية، واألسـواق، وغريها. مثلت التقييدات التي فرضتهـا الحكومة اإلرسائيلية

نوعا من اإلقامة القرسية والتي أنهت، عمليا، نمط الحياة املتنقل وشبه املتنقل.

بروفيسور إسماعيل أبو سعد هو أستاذ يف قسم الرتبيه يف جامعة بن غوريون يف النقب. *

122

البدو الفلسطينيون األصالنيون يف النقب: تمدين قرسي وحرمان من االعرتاف

التمدين القرسي

أعدت الحكومة، يف أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن املايض، مخططات إلعادة

توطـني بدو النقب كافة يف بلدات ذات نمـط مديني (انظر/ي الجدول 1). وتقول الحكومة

أن املنطق الكامن وراء إقامة هذه البلدات هو «عرصنة البدو» وتوفري الخدمات بشكل ناجع

أكثـر، كمحفز الجتذاب البدو إىل تلك البلدات. ينفي هذا املنطق حقيقة أنه تم اختيار نموذج

توطني مديني ومكتظ بشـكل واضح لتدمري كامل لنمط الحياة البدوي التقليدي. وإذا كانت

أهداف الحكومة، يف الحقيقة، «عرصنة» البدو وتوفري الخدمات لهم بشكل ناجع أكثر فقط،

ففـي اإلمكان تحقيق الهدفني سـوية عرب التخطيـط لقرى أو تعاونيات زراعية تسـتند إىل

األرض (مثل القرى الزراعية اليهودية أو الكيبوتسات) تكون خاصة بالبدو. وكان من شأن

هذا أن يتوافق مع مطالب البدو بتطويرهم، وما كان ليستدعي ترحيلهم الكامل عن أراضيهم

وتغريبهم عن نمط حياتهم التقليدي الذي يستتبع التمدين.

الجدول 1

سـنة اإلقامة وعدد السـكان البدو يف البلدات التي خططت لهـا الحكومة يف النقب،

حزيران 2006عدد السكان 2006**سنة اإلقامة*البلدة197239,600رهط

196813,200تل السبع198112,300عرعرة النقب

198210,100كسيفة19899,700حورة19908,200اللقية

19846,400شقيب السالمMarx (2000) *

** (دائرة اإلحصاء املركزية، 2006) http://www.cbs.gov.il/population/new_2007/table3.pdf

تم استقاء املعلومات من املوقع االلكرتوني يف تاريخ 17 نيسان 2007.

تـم تصميم البلدات التي خططت لهـا الحكومة كبلدات مهجعية مكونة من أحياء مقسـمة

إىل قطع أرض مسـاحة كل واحدة منها دونم (أو أقل)، إىل جانب توفري الخدمات األساسية.

تفتقـر هذه البلدات إىل سـمات التمدين األساسـية، فبخالف املسـتوطنات املدينية املجاورة

يف الوسـط اليهـودي، ال تتمتع البلـدات البدوية بمصادر عمل داخلية؛ وليس فيها شـبكات

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

123

مواصالت عامة داخلية أو خارجية، لتسهيل إمكانية الوصول إىل البلدات األخرى. كما تفتقر

البلـدات البدوية، أيضا، إىل املصارف، مكاتب الربيد، شـبكات مجـار كاملة ومكتبات عامة

(باسـتثناء أكرب بلدة، رهط، التي يسـكنها نحو 40,000 نسـمة، وهي تحتوي عىل مرصف

Abu-) واحد ومكتب للربيد). وتشـكل هـذه البلدات أفقر البلدات يف إرسائيـل عىل اإلطالق

.(Saad et al., 2004

ويف حني الءم برنامج التمدين هدف الحكومة املتمثل يف تقليص استخدام بدو النقب، بشكل

عمـيل، ملوارد األرض والتحكم عليها، لم تحاول الدولة، عمليا، دمج البلدات البدوية يف البنية

التحتيـة للبالد باملعنـى التطبيقي والجاد. كما لـم يتم منحها موارد كافية لتتطور بشـكل

مسـتقل بسـبب سياسـة الحكومة الرامية إىل تكريـس اعتماد الفلسـطينيني عىل االقتصاد

اليهـودي وعىل مواقع القـوة اليهودية بغية زيادة سـيطرة الدولة عليهـم إىل الحد األقىص.

وهكـذا، فإن البلـدات البدوية التي خططت لهـا الحكومة تبدو أقل شـبها باملراكز املدينية

املتميـزة بنشـاط اقتصـادي، ثقايف، خدماتـي واجتماعي وأكثر شـبها بالنمـط النموذجي

االسـتعماري من املحميات، باسـتثناء االكتظاظ يف النمط املديني. وقد بنيت من أجل ضمان

حفظ األرض ألناس آخرين.

القرى غري املعرتف بها

عـىل الرغـم من خطة تمدين البـدو األحادية االتجاه التي اتبعتهـا الحكومة ما يزيد عن 40

عامـا، فقد عاش %50 فقط من بدو النقب، يف العـام 2006، يف البلدات املخطط لها، بينما

Abu-Saad,) واصـل %50 منهم العيش يف قرى محرومة من االعـرتاف من قبل الحكومة

Swirski & Hasson, 2006 ;2005). ال تظهـر القرى البدوية التي ال تعرتف بها إرسائيل

عىل الخرائط اإلرسائيلية الرسـمية، وال يوجد لسـاكنيها عناوين وال تعرتف الدولة بحقوقهم

عـىل األرض. وبدال من ذلك، قامت وتقوم الدولة بتجريمهم عىل أنهم «غزاة» و«متجاوزون»

يستولون عىل «أرايض الدولة». وهكذا، ال تأخذهم الدولة بالحسبان عندما تخطط السياسات،

وتحـدد امليزانيات، وتوفر الخدمات أو تقدم الحماية القانونية. وبشـكل مماثل، ينظر إليهم

جريانهـم اليهـود وكأنهم إزعاج يجـب تقليصه إىل الحـد األدنى أو التخلـص منه. وقد قام

سفريسكي وهانسون (2006) بتوضيح ذلك عىل النحو التايل: «إن ظاهرة إقصاء البدو عن

املخططات الهيكلية الرئيسـية هو أمر ليس بالجديد. فقد ترصفت الدولة، من خالل هيئاتها

التخطيطية بهذه الطريقة عىل مدى سـنوات. ال تظهـر القرى البدوية «غري املعرتف بها» يف

124

البدو الفلسطينيون األصالنيون يف النقب: تمدين قرسي وحرمان من االعرتاف

عدد من املخططات الهيكلية الرئيسية بتاتا، وكأنها غري موجودة، أو يشار إىل مواقعها كأنها

معدة لالسـتخدام العام مثل شبكات املجاري، املتنزهات العامة أو املناطق الصناعية» (ص.

.(69

تحرم القرى التي ال تعرتف بها ارسائيل من السلطات التمثيلية، وليس فيها مجالس محلية

رسمية، مما يعني حرمان سكانها من حقني واضحني، هما الحق يف سلطة محلية توفر لهم

الخدمات األساسـية، والحق يف انتخاب ممثليهم. تعيش أكثرية سكان القرى التي ال تعرتف

بها إرسائيل يف مناطق ال توجد فيها أي سـلطة بلدية. حتى إن السـكان الذين يعيشـون يف

مناطق يف ظل سلطة بلدية، مثل أولئك الذين يعيشون ضمن نطاق سلطة املجالس اإلقليمية

اليهوديـة، ال يتلقون أية خدمات من تلك الهيئـات وال يقرتعون يف انتخاباتها. بدال من ذلك،

يحكم سـكان القرى التي ال تعرتف بها إرسائيل عدد من البنيات والوحدات اإلدارية املقامة

خصيصـا للبدو الفلسـطينيني (التـي ال تضم أية منها ممثلني عن البدو عىل مسـتوى صنع

Abu-) «القرار)، أبرزها: سـلطة تطوير البدو، سلطة التعليم البدوي و«الدورية الخرضاء

.(Saad, 2005a

أقيمت «سـلطة تطوير البدو» يف العام 1984، وهي تتحكم بالتخطيط وبسياسـة التطوير

والتطبيـق فيما يتعلق باملجتمـع البدوي يف النقب. ومن ناحية إدارية، فإن «سـلطة تطوير

البـدو» هـي وحدة ثانوية مـن دائرة أرايض إرسائيل، ما يشـري إىل األجنـدة الخفية الكامنة

وراء اسـم جميل كهذا. وباإلضافة إىل موارد األرايض، تتمتع «سلطة تطوير البدو» بسيطرة

مطلقـة عىل توفـري إمكانية توصيل املياه لبدو النقب يف القـرى التي ال تعرتف بها إرسائيل.

إن هذه القرى غري موصولة بشـبكة املاء القطرية، إال أن سكانها يمنحون إمكانية الحصول

عىل املاء بأسـعار مرتفعة يف مواقع مركزية مخصصة لذلـك، ويتوجب عليهم نقل املاء منها

إىل بيوتهم يف صهاريج. وتطبق «سلطة تطوير البدو» سياسة مقيدة جدا يف ما يتعلق باملاء،

وهي تسـتخدم املاء كوسـيلة أخرى لحث الناس عىل مغادرة أراضيهم واالنتقال إىل البلدات

التـي تصادق عليها الحكومة. كما تحتكر «سـلطة تطوير البدو» كامـل التخطيط الخاص

باملجتمع البدوي، وهي املسـؤولة عن فتح أحياء جديـدة يف البلدات البدوية املخطط لها، أو

إقامـة بلدات جديدة. ويف املجمـل، ال يمكن إحداث أي تطوير يف املجتمـع البدوي يف النقب،

Abu-) سـواء أكان مجتمعا معرتفا به أم ال، ما لم تصادق عليه وتنفذه سلطة تطوير البدو

.(Saad, 2005a

أما سـلطة التعليـم البدوي، التي أقامتهـا وزارة الرتبيـة والتعليم يف العـام 1981، فتوفر

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

125

الخدمـات التعليمية للقرى التي ال تعرتف بهـا إرسائيل حيث تفتقر هذه إىل الهيئات البلدية

التـي عـادة ما توفر مثل تلـك الخدمات. ومنذ إقامتها، يدير سـلطة التعليـم البدوي مدراء

Abu-Saad,) يهود يعملون من أجل السـيطرة عىل املجتمع من خالل توفري مرافق التعليم

. (2005b

أقامت الحكومة اإلرسائيلية «الدورية الخرضاء» يف العام 1976 كوحدة شبه عسكرية من أجل

الضغط عىل البدو لالنتقال إىل البلدات املدينية. ومن خالل تأديتها وظائفها، تقوم «الدورية

الخـرضاء» بمراقبة، ومضايقة وإخالء سـكان القرى غري املعرتف بهـا ومصادرة القطعان

التابعـة للبدو والتي تتجـاوز التقييدات التي تفرضهـا تلك الدورية. إضافـة إىل ذلك، فإن

نهجها يتضمن تدمري املحاصيل الزراعية واألشـجار واملنازل البدوية التي تعتربها السلطات

Abu-)«اإلرسائيلية «غري قانونية». ويطلق البدو عىل هذه الدورية اسـم «الدورية السـوداء

.(Saad, 2005b

تفتقـر القرى التي ال تعرتف بها ارسائيل إىل الخدمات العامة، مثل األطر التعليمية لألطفال

يف مرحلة ما قبل املدرسـة، املـدارس الثانوية، املواصالت العامة، الكهربـاء (واملياه الجارية

يف معظـم الحـاالت)، جمع النفايات والتخلص منها، واملرافـق الطبية للمجتمع. كما ترفض

الدوائر الحكومية السـماح للفلسـطينيني البدو، الذين يعيشون يف هذه القرى، بإنشاء أبنية

ثابتة أيا كانت. وتعترب املسـاكن جميعا، باسـتثناء الخيم، غري قانونية. ويتعرض األشخاص

الذين يبنون املنازل إىل غرامات مالية باهظة، وتخضع األبنية إلجراءات الهدم. ووفقا للخطة

التـي وضعتها الحكومة االرسائيلية يف العام 2003، سـيتم اسـتخدام القـوة يف نقل جميع

Swirski & Hasson,) سـكان القرى التي ال تعـرتف بها إىل بلدات خططت لها الحكومـة

2006). وقـد تم إعـداد هذه الخطة دون إرشاك البـدو، ودون أن يؤخذ باالعتبار أن اإلخالء

املقرتح يتناىف مع احتياجاتهم ورفاهيتهم، التي ترتكز يف األرايض التي يعيشون عليها.

أقام سـكان القرى التي ال تعرتف بها ارسائيل، يف العام 1997، مجلسـا إقليميا خاصا بهم

(لـم تعرتف به الحكومة) كحركة مجتمع أهـيل. قام هذا املجلس بوضع وبتقديم مخططات

لتطويـره اإلقليمـي إىل وزارة الداخليـة (Swirski, 2007). إال أن وزارة الداخليـة لم تقبل

الخطـة املقرتحـة الخاصة بمجلس القـرى التي ال تعرتف بها إرسائيل التـي تدعو إىل إقامة

نماذج توطني ريفية أكثر مالءمة، وبقيت مصممة عىل امليض يف نفس النموذج املديني الفاشل

مع إجراء تحسينات سطحية. لكنها تواجه مقاومة جدية ومنظمة من قبل املجتمع البدوي.

يتمثـل املسـتوى األول من املقاومة يف الرفض الجماهريي لالنتقـال إىل البلدات املخطط لها،

126

البدو الفلسطينيون األصالنيون يف النقب: تمدين قرسي وحرمان من االعرتاف

.(Abu-Saad, 2005b) برصف النظر عن العديد من اإلجراءات القهرية املستخدمة ضدهم

إضافـة إىل ذلك، فإنهم يوسـعون أماكن سـكناهم لكـي تلبي احتياجات التكاثر السـكاني

الطبيعـي، باإلضافة إىل بناء مصالح صغرية ومبان مجتمعية أخرى (مسـاجد، مالعب كرة

قـدم، إلخ). وبـدأ العديد يف بناء مبان ثابتة بشـكل أكـرب (مثل بيت من البلـوكات والحجر

بـدال من أكواخ الصفيح)، وهم يـردون عىل هدم املنازل عرب إعادة بنائهـا بدال من الرحيل.

ويتمثل املستوى الثاني من املقاومة يف بدء منظمات بدوية محلية عديدة، إىل جانب منظمات

تعمل عىل نطاق قطري تمثل األقلية الفلسطينية يف إرسائيل، باتخاذ إجراءات قانونية وقائية

مدفوعـة بالسياسـات املجحفة التـي تناقض مبـادئ القانون ومسـؤوليات الحكومة تجاه مواطنيها.11

يف ضـوء مقاومـة البدو املسـتمرة لسياسـات التمدين الحكوميـة، يكتسـب دور «الدورية

الخرضاء» واإلجراءات شـبه العسكرية أهمية متزايدة يف جهود الحكومة الرامية إىل طردهم

مـن أرض النقب، ويتم يف بعض األحيان اسـتهداف قادة املقاومة البدويـة مبارشة. ولربما

تنـذر هذه اإلجراءات، التي يتم تكثيفها يف ظل الحكومة الراهنة، بالعودة مبارشة إىل أيام ما

قبل النكبة وما بعدها عندما تم اسـتخدام اإلجراءات العسـكرية لـ«إفراغ» األرض من أجل

. (Pappé, 2006) االستيطان اليهودي

http://www.adalah.org/eng/legaladvocacyoverview.php :11 للمزيد من التفاصيل يف هذا الشأن، انظروا

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

127

املراجع

اإلنجليزية

Abu-Saad, I. (2005a). Forced sedentarisation, land rights, and indigenous resistance: The Bedouin in the Negev. In N. Masalha (Ed.), Catastrophe remembered: Palestine, Israel, and the internal refugees (pp. 113-141). London: Zed Books.

Abu-Saad, I. (2005b). Re-telling the history: The indigenous Palestinian Bedouin in Israel. Alternative: An International Journal of Indigenous Scholarship, 1(1), 26-49.

Abu-Saad, I., Lithwick, H., & Abu-Saad, K. (2004). A preliminary evaluation of the Negev Bedouin experience of urbanization: Findings of the urban household survey. Beer-Sheva: The Negev Center for Regional Development, Ben-Gurion University of the Negev.

Falah, G. (1989). Israel state policy towards Bedouin sedentarization in the Negev. Journal of Palestine Studies, 18(2), 71-90.

Israeli Central Bureau of Statistics (CBS). (2006). Statistical Abstract of Israel, No. 57. Jerusalem: Government Printers.

Marx, E. (1967). The Bedouin of the Negev. Manchester: Manchester University Press.

Marx, E. (2000). Land and work: Negev Bedouin struggle with Israel bureaucracies. Nomadic peoples, 4(2), 106-120.

Pappé, I. (2006). The ethnic cleansing of Palestine. Oxford, UK: OneWorld.

Swirski, S. (2007). Plans for developing the Negev: A critical perspective. Bedouin Center Research Unit, Publication No. 2. Beer-Sheva: Negev Center for Regional Development, Ben-Gurion University of the Negev.

Swirski, S., & Hasson, Y. (2006). Invisible citizens: Israeli government policy toward the Negev Bedouin. Beer-Sheva: Negev Center for Regional Development, Ben-Gurion University of the Negev.

مصادر إضافية

The Center for Bedouin Studies and Development and the Negev Center for Regional Development. (1999). Statistical yearbook of the Negev Bedouin. Beer-Sheva: Ben-Gurion University of the Negev.

Maddrell, P. (1990). The Bedouin of the Negev. Minority Rights Group Report No. 81. London: Minority Rights Group.

مواقع الكرتونية

http://electronicintifada.net/v2/article6801.shtmlhttp://www.adalah.org/eng/legaladvocacyoverview.php

الفـلـسـطـيـنـيـون فـي إرسائـيــل

قــراءات يف التـاريـخ، والسيــاسـة، واملجـتـمـع

نـديــم روحـانـا أريـج صبـاغ-خـوري

محرران

2011

مـدى الكرمل

املركز العربي للدراسات اإلجتماعية التطبيقية

املواطنة العربية الفلسطينية

يف إرسائيل

أورن يفتاحئيل

129

املواطنة العربية الفلسطينية يف إرسائيل

أورن يفتاحئيل *

مقدمة

يسـتعرض هـذا املقال، بإيجـاز، مكانة املواطنة العربيـة الفلسـطينية يف إرسائيل.1 تعرف

املواطنة الديمقراطية بوصفها عضوية كاملة ومتسـاوية يف املجتمع السيايس، وهي تستتبع

بالـرضورة مجموعة من الحقـوق والقدرات القانونية، السياسـية، االقتصاديـة والثقافية.

كذلك، تعني املواطنة، يف معظم الصياغات الجديدة، اتساع نطاق الحقوق الجماعية لألقليات

القومية، اإلثنية والدينية.كما سيبني املقال أنه تم تقييد املواطنة العربية يف إرسائيل بواسطة

نظام الدولة اإلثنوقراطي ومرشوع التهويد املهيمن واالستعماري املرافق له.

ا عىل مكانة األقلية الرسـمية منـذ التسـعينيات، تركت نزعـات ليربالية معينـة أثرا إيجابيـ

وحقوقهـا، ولكـن باملقابل، ثمة تطورات مادية، عسـكرية واقتصادية زادت من تقييد قدرة

العرب عىل ممارسـة تلك الحقوق. وبالتايل، فـإن العرب يف إرسائيل يقعون يف مصيدة بفعل

تناقضـات النظام اإلرسائييل – بـني إعالن الدولة عن ذاتها «ديمقراطية» وبني املمارسـات

القمعيـة واإلقصائيـة املتواصلة تجاه الفلسـطينيني، سـواء يف قطاع غـزة والضفة الغربية

املحتلني عام 1967 أو يف إرسائيل نفسها.

قـد تصـح الصياغة املفهوميـة ملكانة العرب املدنيـة يف إرسائيل عىل أنهـا مواطنة يف الغيتو

(ghettoized citizenship) ضمـن نظـام متعدد املسـتويات من «األبرتهايـد الزاحف».

هـذا النظـام غري املعلن من التقييد يمتد إىل إرسائيل نفسـها واملناطـق املحتلة، ويرى أمامه

مجموعات مثل الفلسـطينيني يف القـدس الرشقية، والضفة الغربية وغـزة، والدروز والبدو

داخل الخط األخرض، واليهود املحافظني واملتزمتني دينيا، واملسـتوطنني اليهود، واملهاجرين

اليهود الجدد (يسمون «قادمني» يف املعجم الصهيوني)، والعمال املهاجرين – وهم يتمتعون

بروفيسـور اورن يفتاحئيل هو أستاذ يف قسـم الجغرافيا والتطوير البيئي يف جامعة بن غوريون يف النقب، وقد عمل كمحرر *مؤسـس ملجلة دولية «هاجر: أبحاث يف الهوية، والسياسـة واملكان». وهو يعمل اآلن كمخطط مدن يف املجلس اإلقليمي للقرى

غري املعرتف بها.يشـري هذا املقال إىل مواطني إرسائيل الفلسـطينيني أيضا كـ «عرب يف إرسائيل»، وذلك لغرض التمييز بوضوح بينهم وبني 1

أشقائهم يف املناطق الفلسطينية والشتات، وكذلك لضم مجموعتي الدروز والبدو إليهم بشكل قاطع.

130

املواطنة العربية الفلسطينية يف إرسائيل

جميعـا، نظريـا وفعليا، بــ«رزم» مختلفة مـن الحقوق والقـدرات. فاملكانـة املدنية لهذه

املجموعـات تعرف عرب إثنيتهم، ودينهم، وموضعهـم (Yiftachel, 2006). وال يمكن فهم

بنية مواطنة العرب داخل الخط األخرض إال كجزء من هذا النظام.

إن االحتـالل اإلرسائيـيل العنيف املتواصـل للضفة الغربية وغزة، واسـتيطان مـا يزيد عن

450,000 يهـودي وراء الخط األخرض، بما يف ذلك القدس الرشقية املحتلة (دائرة اإلحصاء

املركزية اإلرسائيلية، 2009)، قد كلف األقلية العربية يف إرسائيل ثمنا باهظا. فقد أدى تعبري

الفلسـطينيني يف إرسائيل عن دعمهم الطبيعي ألشـقائهم يف األرايض الفلسطينية املحتلة إىل

ازديـاد يف العنرصيـة اليهودية املعادية للعرب. كذلك، حرم الرصاع اإلرسائييل-الفلسـطيني

املتواصـل العرب من إمكانية رفـع مظاملهم ضمن الخطاب اإلرسائيـيل العام، وجردهم من

موارد مادية ورمزية ثمينة رضورية لتطورهم وتمكينهم.

رشوط املواطنة

أقيمـت إرسائيل يف العام 1948 يف أعقاب النكبة، حيث تم تهجري ثلثي الفلسـطينيني الذين

باتوا الجئني منذ ذلك الحني. وشـكل الفلسـطينيون الذين بقوا يف نطاق إرسائيل املسـتقلة،

وعددهم 160,000 نسـمة (%13 من سـكان الدولة) مجتمعا «منتسبا اىل العدو» ضعيفا

وكثري االنقسـامات. صحيح أن إرسائيل منحت الفلسـطينيني الباقني مواطنة رسمية، لكنها

أخضعتهم لحكم عسـكري لثمانية عرش عاما. منذ ذلك الحني، زادت األقلية ثمانية أضعاف،

فوصلـت إىل 1.2 مليون نسـمة يف عـام 2008، أي ما يعـادل %17 مـن املواطنني (دائرة

اإلحصاء املركزية اإلرسائيلية، 2009).

سـعت سياسـات الدولة بشـكل منهجي إىل إضعاف األقلية من خـالل التفريق (عرب فصل

مجموعتي الدروز والبدو)، سـلب معظم الحقوق السياسـية والثقافية الجماعية، والحرمان

املادي املنترش. لكن العرب طوروا أجندة سياسـية جماعية تقوم عىل إرساء مكانتهم كأقلية

وطن قومية، فقد صمموا عىل الدفاع عن ممتلكاتهم وتراثهم وعىل تحقيق املساواة وتحصيل

االعـرتاف بهم. مع ذلـك، فإن املواطنة الرسـمية والوزن الديموغرايف املتزايـد لم يرتجما إىل

اندماج اجتماعي يذكر أو إىل تمكني سيايس يف إرسائيل. وعىل الرغم من خوض حملة طويلة

وغري عنيفة لنيل املسـاواة واالعرتاف، فإن الفلسـطينيني العرب يف إرسائيل حققوا إنجازات

قليلة فقط. فعىل مدار ستة عقود منذ االستقالل اإلرسائييل، لم يكن للعرب سوى تأثري ضئيل

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

131

عىل السياسـة اإلرسائيلية. أحد االسـتثناءات الجديرة بالذكر كان اتفاق اوسلو 1993 الذي

تـم تمريره يف الكنيسـت من خالل الدعم العربي. ولربما انعكسـت مكانة املواطنة العربية،

يف حينه، يف ترصيح قاتل رابني، يغآل عمري، أن الدعم العربي ألوسـلو كان سـببا يف االغتيال

.(Shafir and Peled, 2002)

وهاكم جملة من األمثلة التي توضح تهميش العرب2:

املشاركة يف السلطة:

عىل امتداد حكومات إرسائيل الـ 31 لم يكن أي حزب عربي عضوا يف ائتالف حاكم أبدا.•

من بني 676 تعيينا حكوميا عىل مر السـنني، لم يشـغل سـوى عربيني اثنني وظيفة •

وزير يف الحكومة.

من بني 55 تعيينا لقضاة املحكمة العليا، منذ العام 1948، لم يكن هناك سوى تعيني •

واحد لعربي كقاض يف املحكمة العليا.

إن العرب مقصون عمليا عن النخب العلمية واالقتصادية اإلرسائيلية، وهم يشـكلون •

أقل من %1 من محارضي الجامعات ونسـبة مماثلة من أعضاء مجالس اإلدارات يف

الرشكات الحكومية.

ملكية األرايض

فقـد العرب أكثر من نصـف األرايض التي كانـوا يمتلكونها يف العام 1948 بسـبب •

مصـادرات الدولة، وبقوا محبوسـني يف معازلهم الجغرافيـة الضيقة، حيث يوجد يف

.(Kedar, 2003) حوزتهم %2.5 فقط من مساحة الدولة

لـم يتم السـماح بإقامة أية بلدة عربيـة جديدة منذ العـام 1948، فيما عدا الحاالت •

التـي تـم فيها إكراه البدو عـىل التمدن. وال يزال نحو نصف بدو النقب يسـكنون يف

القرى التي ال تعرتف بها إرسائيل عىل أرايض أسالفهم، وهم محرومون من الخدمات

.(Yiftachel, 2000) واملرافق األساسية

2 إستنادا إىل بيانات حكومية رسمية، ما لم تتم اإلشارة إىل غري ذلك.

132

املواطنة العربية الفلسطينية يف إرسائيل

الرفاهية االقتصادية

بلغ معدل دخل العمال العرب بني السـنوات 2005-1990 ما قدره %68 فقط من •

معدل دخل نظرائهم اليهود.

يبلغ متوسط املؤهلني يف التعليم العايل من العرب ثلث املتوسط اليهودي فقط.•

معدل املؤرشات االجتماعية السلبية، كعدد نزالء السجون ونسب وفيات األطفال، أعىل •

عند العرب بشكل ملموس مما هو يف النسبة القطرية.

إزهاق أرواح بفعل قوات األمن

لقد استخدمت الدولة اإلرسائيلية القوة ضد األقلية بشكل واسع النطاق. أكثر الحاالت •

وضوحا كانت يف أحداث مجزرة كفر قاسـم عام 1956، حيث جرى قتل 49 مواطنا

عربيا؛ ورد الدولة عىل أحداث شـهدت احتجاجا شـعبيا مثل يوم األرض عام 1976،

حني قتلت الرشطة ستة متظاهرين عربا؛ وهبة أكتوبر 2000، حني قتلت قوات األمن

املختلفة 13 متظاهرا آخر.

يف املقابل، قتلت سلطات الدولة يهوديا واحدا خالل ستة عقود من االحتجاج السيايس •

.(Shafir and Peled, 2002) اليهودي (األوسع) والفعال جدا

التهويد واألقلية العربية

إن عدم قدرة العرب عىل ترجمة مواطنتهم الرسمية إىل عضوية (سياسية) حقيقية ومتساوية

تنبـع، أوال وقبـل كل يشء، من بنية الدولـة اإلثنوقراطيـة، فالتهويد، واملناهضة املمأسسـة

للتعريب، هما نتيجة املرشوع الصهيوني املهيمن، الذي فرض أهدافا، وحدد موارد وسياسات

مؤسسات الدولة واملواقف العنرصية الواسعة تجاه األقلية العربية. إن التهويد هو إيديولوجيا

الدولـة األساسـية، وهي تبطـل التزامها الرسـمي بالديمقراطية. وعىل الرغـم من التضاؤل

التدريجي لتلك السياسة يف السنوات األخرية، إزاء العوملة املتنامية، ال تزال إيديولوجيا التهويد

طاغية، وهي تتغذى من الجدلية املتواصلة للعنف بني اليهود والفلسطينيني.

تجلـت نزعة اللربلة الحاصلة مؤخرا يف النظام اإلرسائييل، يف سـنوات التسـعينيات، يف سـن

قوانـني تضمن حريـات وحقوقا مدنية، ككرامة اإلنسـان وحريته، حقـوق املثليني، وحرية

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

133

العمـل، وهو مـا دفع معظم الباحثـني اإلرسائيليني إىل تعريف الدولـة كديمقراطية. ولكن،

مـع تواصل مرشوع التهويد اإلثنوقراطي (وغـري الديمقراطي)، فإن الحريات الجديدة التي

تركت أثرا إيجابيا عىل مجموعات كاملثليني والنسـاء، تركت أثـرا ضئيال عىل األقلية العربية.

وسنفحص بإيجاز كيف يقوم النظام اإلثنوقراطي، بشكل بنيوي، بتهميش املواطنني العرب

الفلسطينيني يف إرسائيل يف ميادين مجتمعية أساسية:

الديموغرافيـا. فعليا، ال تسـمح إرسائيل إال بالهجرة اليهوديـة. إن ما يحرك نظام الهجرة

هو «قانون العودة»، وبموازاته رفض عودة الالجئني الفلسـطينيني. وفقا لوزارة اسـتيعاب

املهاجريـن اإلرسائيليـة، اسـتوعبت إرسائيل حتى اليـوم 2.8 مليون مهاجـر يهودي، وهي

تواصل تشـجيع هجرة اليهود بفاعلية وعىل مسـتوى عاملي. يف الوقت نفسه، تحظر إرسائيل

عودة الالجئني الفلسـطينيني، وتفرض قيودا صارمة جدا عىل دخول أي فلسـطيني، بما يف

ذلك القانون الجديد (قانون املواطنة والدخول إىل إرسائيل) الذي يحظر لم شمل عائالت بني

مواطنني عرب وأزواجهم الفلسطينيني من الخارج.

الحيز. منذ العام 1948، ال تزال إرسائيل ماضية قدما يف تحويل أقىص ما يمكن من السيطرة

عىل األرض إىل أيد يهودية، ويف زيادة اسـتيطان اليهود يف جميع أجزاء إرسائيل/فلسـطني،

وعزل العرب وحرشهم يف غيتوات. يرتافق ذلك مع فرض قيود صارمة عىل البلدات العربية-

الفلسـطينية وعرقلة تطورها. حاليا، يملك العرب الفلسـطينيون، الذين يشكلون %17 من

سكان الدولة، %2.7 فقط من مناطق النفوذ البلدية، وال يمتلكون سوى %3.5 من مساحة

األرايض. (Kedar and Yiftachel, 2006). عمومـا، تسـتخدم «أرايض الدولـة» ألغراض

يهوديـة حرصية، فمنذ العـام 1948 أقامت الدولة ما يزيد عن 700 بلـدة يهودية جديدة،

لكنهـا لم تقم ولو بلدة عربية واحدة. أما االسـتثناء الوحيـد فهو البلدات التي أقيمت لرتكيز

.(Yiftachel, 2000) البدو القرسي

يف قـرار الحكـم يف قضية قعدان من العام 2000، قررت املحكمة العليا اإلرسائيلية دعم حق

جميع املواطنني (بمن فيهم العرب) يف رشاء «أرايض الدولة»، ولكن ليس هناك أثر لذلك بعد

عـىل قدرة حراك العرب أو املسـاواة الحيزية. إن إقصاء العرب مـن معظم الحيز اليهودي-

اإلرسائييل يتسـارع بواسطة الدور الرسـمي املكرس ملنظمات يهودية دولية مثل الصندوق

القومـي اإلرسائييل والوكالـة اليهودية يف جهـاز التخطيط والتطوير الرسـمي يف إرسائيل.

لليهـود الذين يسـكنون خارج إرسائيل حقوق يف ملكيـة األرايض أكثر من تلك التي يمتلكها

الفلسطينيون يف إرسائيل.

134

املواطنة العربية الفلسطينية يف إرسائيل

القوات املسـلحة. يعرف «األمن» (وهو أمن يهودي) بكونه «الديانة الثانية» لدى إرسائيل،

وهو يتمتع بمكانة بارزة جدا فيما يخص فرض سياسات الدولة وممارساتها. ال تزال القوات

املسـلحة تحـت هيمنة يهودية مطلقة، يف حني لم تسـع الدولة اىل تجنيـد العرب يف إرسائيل

للجيـش اإلرسائييل، باسـتثناء الـدروز وبعض البدو. ومـن املعروف أن العرب، باسـتثناء

الدروز، معفون من الخدمة اإلجبارية، ولكن يف الوقت نفسـه، يستخدم عدم خدمتهم لتربير

التمييز ضدهم. وقد ضاءل هذا قدرتهم عىل تحقيق حراك فردي، وقيد فرصهم بشكل جدي

يف مختلف املجاالت، وخاصة يف مجاالت التشغيل واإلسكان.

التطوير. إن السياسـات املوجهـة للتطوير ومراكمة رأس املال ترجح، هي األخرى، بشـدة

لصالـح اليهود، وتتجـىل يف أنماط الحوافـز التطويريـة، واملناطق الصناعية والتشـغيلية،

وسياسـات تخصيص املياه، تمويل املشـاريع وآليات التشـغيل. كذلـك زادت نزعة الدولة،

مؤخرا، نحو املزيد من الليربالية، وتوجهها العوملي، وتراجعها الحقا عن دورها عمق الفجوات

االقتصادية بني العرب واليهود.

القانون. عموما، وفر الجهاز القضائي، حتى الثمانينيات، الدعم لتهويد الدولة، بما يف ذلك

الدعم الكامل للحكم العسـكري بـني األعوام 1966-1948، والحتالل واسـتيطان املناطق

املحتلـة (Kimmerling, 2004). ويف ما يتعلـق بالقانون املدني، تبنت الدولة أنظمة دينية

تحظر الزواج املدني، فعمقت بذلك من الهوة بني املواطنني العرب واليهود. منذ التسعينيات،

مع تبني «الفعالية القضائية» (judicial activism) التي تميل نحو الليربالية، زاد الجهاز

القضائـي من اسـتقالليته ومـن حماية الحقوق املدنيـة، اال أن ذلك لم يشـكل تحديا جديا

ملمارسات التهويد، كما تبني مؤخرا من تمرير القانون الذي يمنع لم شمل العائالت العربية،

وينتهك أحد حقوق اإلنسان األساسية باسم الهندسة اإلثنية.

الثقافـة العامـة. إن رموز دولـة إرسائيل، كالعلم، النشـيد الوطني، املراسـم والطقوس،

وجميع الشارات تشدد عىل يهودية الدولة. كذلك عطالت األعياد والعطل األسبوعية، فجميعها

تتمحـور حـول التقويـم اليهودي. وتسـتعمل اللغة العربيـة يف جميع األطـر البريوقراطية

والقانونيـة تقريبا. أما اللغة العربية، وهي لغة رسـمية ايضا، فتسـتعمل نادرا يف إجراءات

الدولة الرسـمية. أسماء األماكن، الخرائط، إشـارات الطرق، اإلعالم الرسمي والكتابات، هي

عربيـة ويهوديـة عىل العموم. من ناحيـة ثانية، هيمنت عىل الخطاب العـام والثقافة العامة

أصوات عنرصية مبطنة تجاه املواطنني العرب مستعملة مفاهيم مثل «ترانسفري اختياري»،

«مشـكلة ديموغرافية»، «تبادل سـكاني»، وصارت شـخصيات قيادية مثل رئيس الحكومة

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

135

األسـبق بنيامني نتنياهو، ووزير اإلسـكان األسـبق أفرايم إيتام، ووزير الرفاه األسـبق إييل

يشاي، تشري، بشكل روتيني، إىل وجود األقلية كوجود «رسطاني» النمو.

مواطنـة داخل غيتو. كمـا رأينا، عىل الرغم من تعريف إرسائيل لنفسـها عىل أنها يهودية

وديموقراطيـة، هي يف الواقـع دولة تهويد مع كينونة ديمقراطيـة خاضعة ملرشوع التهويد

(العنرصيـة عادة) يف جميع املجـاالت املجتمعية املركزيـة – القانونية، املؤسسـية، املادية،

واإلداريـة. ما انفـك مرشوع التهويد يحدد معنـى املواطنة اإلرسائيليـة، ويعمل عىل إقصاء

املواطنني العرب وتهميشهم يف الدولة.

كولونيالية إرسائيل االسـتيطانية والقمع العنيف للفلسطينيني يف الضفة الغربية وغزة عمقا

من تهميش مكانة العرب يف إرسائيل بسـبب دعمهم الطبيعي للمقاومة الفلسـطينية، فبنية

املواطنة «املنفصلة وغري املتساوية» تمنع بشدة نشوء مجتمع سيايس إرسائييل مدني تكاميل.

كانـت نتيجة كل مـا ذكر آنفا نشـوء بنية مواطنـة إرسائيلية تمييزية ومشـوهة يف العمق،

ترافقها توزيعة متعددة املسـتويات لـ«رزم» من الحقـوق واملقدرات وفقا لألصول اإلثنية.

من الواضح أن هناك فجوات جدية بني هذا الواقع وبني فكرة املواطنة الديمقراطية املتساوية

املشـار إليها أعاله. أحد األمثلة البارزة عىل ذلك هو تعيني عضو الكنيسـت أفيغدور ليربمان

من حزب «يرسائيل بيتينو» (إرسائيل بيتنا) – الذي يؤيد عالنية النقل القرسي لبلدات عربية

من إرسائيل - نائبا لرئيس الحكومة اإلرسائيلية يف عام 2006.

ويمكـن، بناء عىل ما سـبق، وصف املواطنة العربية الفلسـطينية يف إرسائيـل بأنها «تقبع

يف غيتـو» متعدد األوجه – سـيايس، وثقايف، واقتصـادي، وإداري. تبعا لذلك هو أيضا غيتو

حيزي. وعليه، العرب الفلسطينيون يف إرسائيل هم جزء من املجتمع رسميا، لكنهم مهمشون

بنيويا من خالل سياسـة املصـادرة والتمييز واإلقصاء واالسـتضعاف، التي ال نهاية لها يف

األفق.

136

املواطنة العربية الفلسطينية يف إرسائيل

املراجع

اإلنجليزية

Israeli Central Bureau of Statistics (CBS). (2007). Statistical abstracts of Israel. Jerusalem: Government Printers.

Kedar, A. (2003). On the legal geography of ethnocratic settler states: Notes towards a research agenda. In J. Holder and C. Harrison (Eds.), Law and geography (pp. 116-135). Oxford: Oxford University Press.

Shafir, G., & Peled, Y. (2002). Being Israeli: The dynamics of Israeli citizenship. Cambridge: Cambridge University Press.

Yiftachel, O. (2000). Land, planning, and inequality: Space division between Jews and Arabs in Israel. Tel-Aviv: Adva Center. (Hebrew and English).

Yiftachel, O. (2006). Ethnocracy: Land and identity politics in Israel/Palestine. Philadelphia: University of Pennsylvania Penn Press.

العربية

كمرلينغ، باروخ (2004). مهاجرون، مسـتوطنون، وسـكان أصليون: الدولة واملجتمع اإلرسائييل التعددية الثقافية وثقافة الحرب. تل ابيب: عام عوفيد.

دولة إرسائيل. (2009).كتاب اإلحصاء اإلرسائييل السنوي. القدس: دائرة اإلحصاء املركزية.

مصادر إضافية

العربية

سلطاني، نمر (2004). مواطنون بال مواطنة: تقرير مدى السنوي األول للرصد السيايس. حيفا: مدى الكرمل – املركز العربي للدراسات االجتماعية التطبيقية (بالعربية والعربية واإلنجليزية).

الفلسطينيون يف إرسائيل: قراءات يف التاريخ، والسياسة، واملجتمع

137

اإلنجليزية

Ghanem, A. (2000). The Palestinian Arab minority in Israel, 1948-2000: A political study. Albany: SUNY Press.

Ghanem, A. (2003). The status of the Palestinians in Israel in the era of peace: Part of the problem but not part of the solution. Israel Affairs, 9(1-2), 263-289.

Smooha, S. (2002). The model of ethnic democracy: Israel as a Jewish and democratic state. Nations and Nationalism, 8(4), 475-503.

العربية

سفريسكي، شلومو؛ وكونور- أتياس، إيتي. (2007). إرسائيل: صورة للوضع االجتماعي 2007. تل أبيب: مركز أدفا. تم استقاء املادة من من املوقع االلكرتوني ملركز أدفا يف تموز 2008، انظروا:

http://www.adva.org/uploaded/tmunatmazav2007final.pdf

يونـا، يـويس (2005). من أجل الفـرق- املرشوع املتعدد الثقافـات يف إرسائيل. تل أبيـب والقدس: هكيبوتس همؤحد ومعهد فان لري.

مواقع إلكرتونية إضافية

http://plato.stanford.edu/entries/citizenship/

http://www.sikkuy.org.il/aravit/about_ar.html

http://www.adalah.org

http://ecmi.de/