المجلد 12 ، العدد 2 ربيع األول 1437 هـ / ديسمبر 2015 م الترقيم الدولي ...

المجلد 12 ، العدد 2

ربيع األول 1437 هـ / ديسمبر 2015 م

الترقيم الدولي المعياري للدوريات 1996-2320

93 ديسمرب 2015م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الرشعية والقانونية املجلد 12 العدد 2

السياسة الخارجية في ضوء السنة النبوية

ميساء عيل روابدة

كلية األميرة عالية الجامعية - جامعة البلقاء التطبيقية

عمان - األردن

عزيزة صالح عليوة

كلية الشريعة - الجامعة األردنية

وزارة التربية والتعليم

عمان - األردن

تاريخ االستالم 01-12-2014 تاريخ القبول 2015-03-26

ملخص البحث

ــته ــي سياس ــلم- ف ــه وس ــى هللا علي ــن مقاصــد الرســول - صل ــالة مقصــدا م ــة الرس شــكلت عالميالخارجيــة، فاســتلزم ذلــك إقــراره بسياســة األبــواب المفتوحــة فــي محيــط عاقــات دولــة اإلســام الجديــدة مــع غيرهــا، ورفــض سياســة العزلــة واالنغــاق، لــذا تنــاول هــذا البحــث مســألة بالغــة األهميــة فــي مجــال العاقــات الدوليــة فــي اإلســام، وهــي السياســية الخارجيــة التــي تقيمهــا الدولــة اإلســامية مــع غيرهــا مــن الــدول، وتوصــل الباحــث إلــى أن الســنة المطهــرة لهــا فضــل الســبق فــي إرســاء دعائــم أصــول السياســة الخارجيــة، حيــث أقــام النبــي- صلــى هللا عليــه وســلم - أســس ــفراء، ــاده الس ــدات، وإيف ــده المعاه ــال عق ــن خ ــدوة م ــي الق ــا ف ــا أنموذج ــة وجعله ــذه السياس هواســتقباله المســتأمنين، وتنظيــم العاقــات بيــن الــدول المحيطــة بدولــة اإلســام، األمــر الــذي أقــر ــة ــادىء واألصــول السياســية الخارجي ــذه المب ــل ه ــث جع ــة؛ حي ــي العصــور الحديث ــم ف ــه العال ب

مصــدرا لقانونــه الدولــي.

السياسة الخارجية يف ضوء السنة النبوية ) 122-93 (

ديسمرب 2015م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الرشعية والقانونية املجلد 12 العدد 942

المقدمة:

ــا المعاصــر، ومنهــا السياســة ــر مــن الجوانــب السياســية فــي مفهومن ــة لكثي لــت الســنة النبوي أصالخارجيــة، فقــد أقامــت نظامــا سياســيا خارجيــا فــي وســط محيــط مملــوء بالصراعــات والتناقضات وقتئــذ، خصوصــا أمــام أقــوى دولتيــن همــا فــارس والــروم، فقــد كانــت اإلمبروطوريــة الفارســية ــا ــى أوروب ــة تســيطر عل ــة الروماني ــت اإلمبروطوري ــارة اآلســيوية، وكان ــل الق ــى ج تســيطر علالوســطى وعلــى جانــب كبيــر مــن آســيا، وعلــى مصــر مــن أفريقيــا، فغرســت الســنة النبويــة فــي محيطهــا العالمــي آنــذاك القواعــد العامــة للسياســة الخارجيــة، فلــم تقتصــر فــي أنظمتهــا السياســية علــى شــؤون المســلمين بــل تجــاوزت ذلــك إلــى العاقــات مــع غيــر المســلمين، فمــدت جســور ــي ــب ف ــل الجوان ــن، ومتكام ــاري متي ــي حض ــام سياس ــه نظ ــج عن ــا نت ــة مم ــات الخارجي العاقاألصــول العامــة األساســية ممثلــة بالســلطة الرشــيدة التــي تعمــل علــى تطبيــق شــريعة هللا تعالــى، ــكام ــا الح ــير عليه ــة يس ــنة نبوي ــا س ــاة، وجعله ــعب الحي ــن ش ــعبة م ــي كل ش ــوق ف ــظ الحق وحف

واألمــراء مــن بعــده؛ ليســتهدوا بهــا، ويتخذوهــا قاعــدة فــي حكمهــم.

وقــد بنــى النبــي- صلــى هللا عليــه وســلم- سياســته الخارجيــة مهيئــا بذلــك لعالميــة رســالته، وضمانا لســعادة البشــرية عمومــا؛ ألن هــذه الرســالة مقصدهــا توحيــد هللا تعالــى والرحمــة للعالميــن، ومــن ــن ــاس، ويضم ــر الن ــح أم ــا يصل ــاء كل م ــى بن ــلم - عل ــه وس ــى هللا علي ــا كان حرصــه - صل هنحفــظ حقوقهــم مــن إقامــة العــدل والتعــاون واألمــن، ممــا يكفــل للجميــع العيــش بســام، وحيــث ــم، ــق عليه ــي تطب ــي المعامــات واألحــكام الت ــه ف ــه وعدل ــة اإلســام ورحمت يشــعر هــؤالء بقيمفاالنفتــاح والتعامـــل الصحيــح مــع غيــر المســلمين يعطـــي تلــك الصــورة الناصعة لإلســـام لتقبله، ويمنــح فرصــة المراجعــة لغيــر المســلم لدينــه المحـــرف والباطــل، لمــا يـــرى مــن سمـــوه ورحمتــه ــد إلـــى النــور ــات، وزيــف العقائـ ــرية جميعــا مــن الظلمـ ــاذ البشـ وســماحته، فاإلســام جــاء إلنق

المبيــن؛ لــذا ناســب أن يكــون عنــوان البحــث« السياســة الخارجيــة فــي ضــوء الســنة النبويــة«.

أهمية البحث:

تســتمد الدراســة أهميتهــا مــن أهميــة السياســة الخارجيــة التــي لــم تكــن أقــل أهميــة مــن السياســة الداخليــة، فالسياســة الخارجيــة للدولــة اإلســامية امتــداد للسياســة الداخليــة، وهــي انعــكاس لألوضــاع الداخليــة تتأثــر بهــا وتؤثــر فيهــا، ومــن أهميــة االنفتــاح، فالدولــة اإلســامية لــم تكــن دولــة منغلقــة؛ فقــد حظــي غيــر المســلمين بالرعايــة النبويــة، وهــذا األمــر يدعــو إلــى االعتــزاز ــه أســس ــي وضع ــه المســلمون ف ــذي بلغ ــة المجــد الحضــاري ال ــن رفع ــذي يبي ــن اإلســام ال بديومبــادىء لمــا يجــب أن تكــون عليــه العاقــات السياســية الخارجيــة بيــن الــدول والشــعوب حيــث امتــازت بمنهجيــة فريــدة فــي التعامــل تختلــف عــن جميــع األديــان الســماوية والفلســفات الوضعيــة.

ميساء عيل روابدة / عزيزة صالح عليوة ) 122-93 (


أهداف البحث:

تهدف هذه الدراسة إلى تحقيق األمور اآلتية:

التعـرف علـى صـور السياسـة الخارجية من خال السـنة النبوية؛ ألنها احتلـت موقع الصدارة . 1فـي كثيـر مـن مجاالت الحياة سـواء كانت دينية، أو أخاقيـة، أو اجتماعية، أو اقتصادية.

بيــان أن المشــكات التــي أفرزتهــا السياســات لبعــض الــدول تفــرض معالجــة هــذه المشــاكل . 2ــانية ــاة اإلنس ــب الحي ــي جوان ــلم ف ــق الس ــن تحقي ــدة تضم ــة جدي ــن خــال رؤي ــات م واألزم

كافــة، وإعــادة بنــاء العاقــات الخارجيــة الطبيعيــة بيــن الــدول.

بيــان أن عاقــات الــدول مــن غيــر سياســة خارجيــة حكيمــة تفضــي إلــى قهــر الــدول لبعضها، . 3وعــودة شــيوع ظلــم اإلنســان لغيــره، وعــدم تحقــق قيــم العــدل والســام والفضيلــة التــي تســعد

بهــا اإلنســانية علــى اختــاف أعراقهــا .

ــؤونهم . 4 ــلمين وش ــاة المس ــور حي ــة أم ــى معالج ــر عل ــم تقتص ــامية ل ــة اإلس ــان أن األنظم بيــة ــن داخــل الدول ــر المســلمين القاطني ــة خاصــة لغي ــى وضــع أنظم ــدت إل ــل امت فحســب، ب

ــا. ــامية أو خارجه اإلس

أسباب اختيار الموضوع:

جــاء هــذا البحث)السياســة الخارجيــة فــي ضــوء الســنة النبويــة( لبيــان خطــأ اعتقــاد البعــض أن ــط، ــي واالجتماعــي فق ــب الدين ــى الجان ــه عل ــي دعوت ــه وســلم اقتصــر ف ــى هللا علي الرســول صلوأنــه ال شــأن لــه بالسياســة وخاصــة الخارجيــة منهــا، وال شــك أن فــي هــذا مــن الخطــورة الشــيء الكثيــر ألن فيــه تعطيــا لجانــب مــن جوانــب اإلســام؛ لــذا كان مــن المهــم التعريــف بهــذا الجانــب وإبــرازه، واإلثبــات باألدلــة علــى أن رســالته صلــى هللا عليــه وســلم دعــوة عالميــة اســتغرقت كل

حاجــات اإلنســان، وغطــت كل مناحــي الحيــاة.

تساؤالت الدراسة:

يمكن القول بأن هذا البحث يسعى لإلجابة عن األسئلة اآلتية:

ما هي السياسة الخارجية التي انتهجها الرسول- صلى هللا عليه وسلم- في زمنه؟

ما صور السياسة الخارجية النبوية في التعامل مع الدول والشعوب األخرى غير المسلمة؟

ما مدى استفادة القانون الدولي من سياسة الرسول- صلى هللا عليه وسلم- الخارجية؟



الدراسات السابقة:

التي الدولية، والسلم والحرب في اإلسام السياسية العاقات السابقة كثيرة في جانب الدراسات تناولت بعض الجوانب لهذا الموضوع، لكن هذا الموضوع فيما أعلم لم يبوب له موضوع منفرد.

منهج البحث:

اعتمــد الباحــث فــي طــرح هــذا الموضــوع علــى المنهــج االســتقرائي والتحليلــي: وذلــك باســتقراء المــادة العلميــة المتعلقــة بالدراســة مــن مصادرهــا، وتحليلهــا، كمــا لــم يخــل البحــث مــن المنهــج المقــارن أحيانــا الــذي يبــرز المفارقــة بيــن السياســة الخارجيــة اإلســامية وغيرهــا، ومدى اســتفادة

القانــون الدولــي مــن هــذه المســألة .

خطة البحث:

جاء البحث في مقدمة ومبحثين وخاتمة على النحو اآلتي:

المقدمة: وفيها أهمية البحث، وأهدافه، وأسباب اختياره، ومنهج البحث .

المبحث األول: المبادىء المنظمة للسياسية الخارجية في عهد النبوة، ويحتوي على المطالب اآلتية:

المطلب األول: مبدأ الحرية الدينية

المطلب الثاني: مبدأ الوحدة اإلنسانية

المطلب الثالث: مبدأ العدل

النبوية مع الدول األخرى، ويحتوي على المطالب الثاني: صور السياسية الخارجية المبحث اآلتية:

المطلب األول: تبادل الرسل والسفراء )التمثيل السياسي(.

المطلب الثاني: الحصانة الدبلوماسية للرسل والمبعوثين

المطلب الثالث: األمان )اللجوء السياسي(.

المطلب الرابع: المكاتبات والرسائل )المذكرات الدبلوماسية(.

المطلب الخامس: الوفاء بالمعاهدات المعقودة .

المطلب السادس: تقييد التعامل بالمثل بين الدول باألخاق.



المبحث األول

ــة فــي عهــد ــادىء الحاكمــة لتنظيــم صــور العالقــات السياســية الخارجي أهــم المبالنبــوة

المطلب األول: مبدأ الحرية الدينية:

إن الحريــة فــي اإلســام »ضــرورة إنســانية واجبــة« وفريضــة إلهيــة لــن تتحقــق حيــاة اإلنســان ــا فريضــة ــا أنه ــة، كم ــي هــي واجب ــاة الت ــة الحي ــق وصيان ــة لتحقي كإنســان بغيرهــا، وهــي واجبإلهيــة وتكليــف واجــب علــى اإلنســان يســتلزم حريتــه واختيــاره)1(، وتشــمل الحريــة بطبيعــة الحــال مبــدأ الحريــة الدينيــة، وهــو المبــدأ الــذي يؤكــده القــرآن الكريــم بصفــة خاصــة بقولــه تعالــى:}ال ــى ــدوان عل ــف والع ــن أشــكال العن ــد شــكا م ــراه يع ــرة: ٢٥٦(، واإلك ــن{ )البق ي ــي الد ــراه ف إكالحريــات، فحريــة االعتقــاد بضوابطهــا الشــرعية حــق كفلــه اإلســام وصــرح بــه القــرآن، فقــد ــر { )الكهــف: ٢٩(، ــاء فليكف ــن ش ــن وم ــاء فليؤم ــن ش ــم فم بك ــن ر ــق م ــل الح ــى:} وق ــال تعال قوبنــاء علــى ذلــك نســتطيع فهــم حركــة الفتــح اإلســامي، وإقبــال النــاس علــى الدخــول فــي هــذا الديــن، فقــد آمنــوا بهــذا الديــن عــن اقتنــاع ورغبــة، فلــم يكــره اإلســام النــاس علــى الدخــول فيــه، فاالختــاف العقــدي أمــر اقتضتــه مشــيئة هللا تعالــى، فقــال جــا وعا:}ولــو شــاء ربــك آلمــن مــن

ــن{ )يونــس: ٩٩ (. ــوا مؤمني ــاس حتــى يكون ــره الن ــت تك ــا أفأن ــم جميع ــي األرض كله ف

ومــن الممارســات الدالــة علــى ضــرورة مراعــاة مبــدأ الحريــة الدينيــة فــي العاقــات الدوليــة مــا حــرص عليــه الرســول- صلــى هللا عليــه وســلم- والخلفــاء مــن بعــده مــن ضــرورة تحقــق تمــام يــن وصــول الدعــوة اإلســامية إلــى غيــر المســلمين، ثــم تركهــم يختــارون فــي حريــة ورضــا تامــه ــي هللا عن ــلمي – رض ــب األس ــن الحصي ــدة ب ــن بري ــال)2(، فع ــة أو القت ــام أو الجزي ــن اإلس بيــش،أو ســرية أوصــاه ــى جي ــر أميــرا عل - صلــى هللا عليــه وســلم- إذا أم ــال: كان رســول هللا - قــى ســبيل ف ــال: اغــزوا باســم هللا ــم ق ــرا، ث ، ومــن معــه مــن المســلمين خي ــوى هللا ــه بتق ت ــى خاص فــا ــن م ــال- فأيته ــال- أو خ ــاث خص ــى ث ــم إل ــركين، فادعه ــن المش ك م ــدو ــت ع ... وإذا لقي هللاــإن أجابــوك، فاقبــل منهــم، وكــف أجابــوك فاقبــل منهــم وكــف عنهــم، ثــم ادعهــم إلــى اإلســام، فــك، ــم إن فعلــوا ذل ــم أنه ل مــن دارهــم إلــى دار المهاجريــن، وأخبره ــم إلــى التحــو ــم ادعه عنهم،ثلــوا منهــا، فأخبرهــم أنهــم ــوا أن يتحو ــإن أب فلهــم مــا للمهاجريــن وعليهــم مــا علــى المهاجريــن، فــون ــن، وال يك ــى المؤمني ــري عل ــذى يج ال ــم هللا ــم حك ــري عليه ــلمين يج ــراب المس ــون كأع يكونــة، ــلهم الجزي ــوا، فس ــم أب ــإن ه ــع المســلمين، ف ــيء شــىء إال أن يجاهــدوا م ــة والف ــى الغنيم ــم ف له

)1( محمد عمارة، اإلسام وحقوق اإلنسان )الكويت: مجلة عالم المعرفة – العدد 89،مايو 1958م(:30.

)2( أحمد شتا، العاقات الدولية في اإلسام )المعهد العالمي للفكر اإلسامي، القاهرة: ط1، )199م(:ج1،ص97.



ــى عــدم ــد نــص العلمــاء والفقهــاء عل ــف عنهــم ... «)1(، وق ــم، وك ــل منه ــوك، فاقب ــم أجاب ــإن ه فإكــراه غيــر المســلمين بالدخــول فــي اإلســام، فقــال ابــن قدامــة المقدســي الفقيــه الحنبلــي: »وإذا أكــره علــى اإلســام مــن ال يجــوز إكراهــه كالذمــي والمســتأمن فأســلم لــم يثبــت لــه حكــم اإلســام حتــى يوجــد منــه مــا يــدل علــى إســامه طوعــا«)2(، ثــم نقــل ابــن قدامــة إجمــاع العلمــاء علــى أن الذمــي والمســتأمن إذا التزمــا بمــا عوهــد عليــه ال يجــوز إكراهــه بمــا لــم يلتزمــه)3(، وقــد رد اإلمــام أبــي األعلــى المــودودي علــى مســألة إن انتشــار اإلســام بالســيف يعــارض قولــه: )ال إكــراه فــي يــن( فإنمــا معنــاه: أن اإلســام ال يفــرض يــن( بقولــه:» أمــا قولــه عــز وجــل )ال إكــراه فــي الد الدعلــى أحــد عقيدتــه قســرا، إذ ليســت العقيــدة أمــرا يمكــن تعبئــة القلــوب بهــا قســرا، وأنــه ال يرغــم ــادات ال ــده؛ ألن هــذه العب ــة بعقائ ــة وثيق ــي هــي ذات صل ــة الت ــول شــعائره التعبدي ــى قب أحــدا علمعنــى لهــا أبــدا بــدون اإليمــان الصحيــح«،)4( وبنــاء علــى ذلــك ال يمكــن التصــور بــأن الحــروب فــي اإلســام، كانــت تهــدف إلــى إجبــار اآلخريــن علــى اعتناقــه، ولــم نســمع علــى مــر التاريــخ أن بــاد المســلمين التــي فتحــت وحــررت مــن الظلــم أجبــر أهلهــا علــى الدخــول فــي اإلســام، وقــد شــهد غيــر المســلمين علــى التــزام المســلمين بهــذا المبــدأ القرآنــي فــي عــدم إجبــار أحــد ممــن هــو تحــت ســلطانه علــى الدخــول فــي اإلســام، فقــال تومــاس آرنولد)5(:»لــم أســمع عــن أي محاولــة

مدبــرة إلرغــام غيــر المســلمين علــى قبــول اإلســام أو عــن أي اضطهــاد منظــم «))(.

المطلب الثاني: مبدأ وحدة اإلنسانية

ــذا نعــم فيهــا اإلنســان ــه وســلم باإلنســانية، ول ــى هللا علي ــي صل ــازت السياســة اإلســامية للنب امتبالخيــر، واألمــن، والرفاهيــة، فلــم تقــم علــى التســلط، أو العــدوان، أو البغــي، بــل علــى المــودة، واإلخــاء، ونشــر الفضائــل، ومــن ثــم أثمــرت هــذه الفضائــل في جو هــذه السياســة، فظهر التســاوي بيــن رعايــا الدولــة اإلســامية، ولــم يتميــز أصحابهــا بعــرق، أو لــون، أو جنــس، وقــد حقــق ذلــك العدالــة والســعادة، وتــرك النزعــات العنصريــة، وقــد افترقــت السياســة الغربيــة عــن السياســة

)1( مسلم بن الحجاج القشيري، صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي،)بيروت: دار إحياء التراث العربي:ط2، 1972م (، كتاب الجهاد والسير، باب تأمير اإلمام األمراء: ج3،ص )135، ح )1731(.

)2( عبد هللا بن قدامة المقدسي، المغني،)دار الفكر، بيروت- لبنان: ط1، 1405هـ(: ج10، ص )9.

)3( ينظر: المصدر السابق .

)4( أبو األعلى المودودي، اإلسام في مواجهة التحديات المعاصرة، تعريب أحمد الحاوي) دار الفتح، الكويت،1971م( 1: ص53ـ54

اجتذبته حيث كمبردج جامعة في المجدلية بكلية التحق إنجليزي مستشرق 4)18ـ1930م: أرنولد )5( توماس بين التوفيق إلي يدعو وكان الهند، في اإلسامية عليكرة كلية في الفلسفة لتدريس الشرقية،واختير الدراسات الثقافة اإلسامية والفكر األوربي، من مؤلفاته » الدعوة اإلسامية« و»الخافة« وغيرها. ينظر: خير الدين بن

محمود الزركلي، األعام، )دار العلم للمايين،لبنان،2002م( ط5:ج2:ص94.

))( سير توماس،الدعوة إلى اإلسام، ترجمة:حسن إبراهيم حسن) مكتبة النهضة المصرية، 1971م(ط3: ص99.



اإلســامية فــي إنســانيتها فــي كثيــر مــن الصــور، ويكفــي أنهــا امتــدت لتشــمل غيرهــم مــن أهــل الكتــاب والمشــركين، فجــاءت األحاديــث النبويــة؛ لتأكيــد المعانــي اإلنســانية، وتربيــة األمــة علــى هــذه القيــم، فنــرى النبــي- صلــى هللا عليــه وســلم - يوصــي صحابتــه بالقبــط خيــرا، فعــن أبــي ذر - رضــي هللا عنــه- قــال: قــال رســول هللا - صلــى هللا عليــه وســلم -:»إنكــم ســتفتحون أرضــا يذكــر ــخ حــق الكرامــة ــا«)1(، كمــا رس ــة ورحم ــم ذم ــإن له ــرا، ف ــا خي ــراط، فاســتوصوا بأهله ــا القي فيهاإلنســانية، وجعلهــا معلمــا مــن معالــم سياســته الداخليــة والخارجيــة فــي الدعــوة إلــى هللا، فالكرامــة حــق للجميــع علــى ســبيل المســاواة المطلقــة، فعــن أبــي هريــرة - رضــي هللا عنــه- : »أن رســول ــاء، مؤمــن ــا باآلب عنكــم عبيــة الجاهليــة وفخره ــد أذهــب هللا ــال: ق ــه وســلم- ق علي هللا - صلــى هللاــى هللا ــي - صل ــراب«)2(، فجــاء اســتعمال النب ــن ت ــو آدم وآدم م ــاس بن ، والن ــقي ــر ش ، وفاج ــي تقعليــه وســلم - لكلمــة )النــاس( فــي الحديــث للجنــس البشــري عمومــا، ولــم يخــص بهــا المســلمين، تحقيقــا لــروح اإلخــاء اإلنســاني رغــم االختافــات الكبيــرة، والتفــاوت العظيــم بينهــم، ولــم تهتــم الــدول غيــر اإلســامية، وال القوانيــن المعاصــرة بصــون الكرامــة اإلنســانية إال فــي بدايــة القــرن ــت القوانيــن الدوليــة فــي إعــان األمــم المتحــدة فــي ديباجتهــا، العشــرين عــام )1948م( عندمــا نصوفــي مادتهــا األولــى، علــى أنــه: »يولــد جميــع النــاس أحــرارا متســاوين فــي الكرامــة والحقــوق،

وقــد وهبــوا عقــا وضميــرا، وعليهــم أن يعامــل بعضهــم بعضــا بــروح اإلخــاء«)3(.

المطلب الثالث: مبدأ العدل

مــن مميــزات الدولــة اإلســامية أنهــا اعتمــدت مبــدأ العــدل فــي النظــام السياســي لهــا وفــي عاقاتها ــا ــا السياســي، وســبب ديمومته ــدول؛ ألن العــدل أســاس اســتقرارها ولنظامه مــع غيرهــا مــن الــدول ــم، وهــو ســبب لخــراب األمــم وتقويــض الحكــم، أمــا ال وازدهارهــا، ونقيــض العــدل، الظلغيــر اإلســامية فلــم تعتمــد هــذا المبــدأ كأســاس للعاقــات الدوليــة، واســتثنت العــدل فــي القضــاء ــكاد نجــد ــا ال ن ــث والمعاصــر فإنن ــون الوضعــي الحدي ــى القان ــا إل ــا مث ــإذا نحــن نظرن فقــط » ففيــه ذكــرا للعدالــة اللهــم إال فــي ميــدان القضــاء فقــط حيــث يعبــر فــي اللغــة اإلنجليزيــة مثــا عــن القضــاء والعــدل بكلمــة واحــدة Justice المتمثــل عندهــم فــي المبــدأ الدســتوري )مســاواة جميــع ــاك اســتثناءات مــن هــذا ــق فهن ــق بشــكل دقي ــدأ ال يطب ــر أن هــذا المب ــون( غي ــراد أمــام القان األفالمبــدأ، ولكننــا إذا تركنــا ميــدان القضــاء إلــى ميــدان النظــم السياســية والدســتورية فــا نجــد ذكــرا

)1( مسلم، صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة - رضوان هللا تعالى عليهم، باب وصية النبي- صلى هللا عليه وسلم - بأهل مصر:ج4، ص1970، ح )2543(.

)2( محمد بن عيسى الترمذي، جامع الترمذي) لبنان:دار الغرب اإلسامي، 1998م ( كتاب المناقب، باب فضل الشام واليمن:ج )،ص225،ح ))395(، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

حقوق محمدالغزالي، كتاب آخر في مطبوع اإلنسان، لحقوق العالمي اإلعان المتحدة، لألمم العامة )3( الجمعية اإلنسان بين تعاليم اإلسام وإعان األمم المتحدة )القاهرة: المكتبة التجارية، 3)19م(، ط1، ص2)2.



للعدالــة وال حتــى اإلشــارة إليهــا«)1( وألهميــة مبــدأ العــدل فــي العاقــات الدوليــة لألمــم والشــعوب، ــنة النبويــة باألحاديــث الــواردة فــي ذلــك؛ مــن أجــل تحقيــق العــدل وترســيخه فــي فقــد زخــرت السالتعامــل مــع اآلخريــن، وأعلــن النبــي- صلــى هللا عليــه وســلم- أن العــدل والمســاواة بيــن النــاس ــن ــر ب ــث جاب ــي حدي ــه إنســانا،وذلك ف ــكل إنســان بوصف يشــمل المســلمين وغيرهم،وهــو حــق لعبــد هللا - رضــي هللا عنهمــا - قــال: » خطبنــا رســول هللا صلــى هللا عليــه وســلم فــي وســط أيــام ــا النــاس، أال إن ربكــم واحــد، وإن أباكــم واحــد، أال ال ــا أيه ــال: »ي ــة الــوداع«، فق التشــريق خطب، وال أحمــر علــى أســود، وال أســود علــى ، وال لعجمــي علــى عربــي فضــل لعربــي علــى عجمــيــة ــى كاف ــة أن تبن ــات الخارجي ــي مجــال العاق ــة ف ــد اقتضــت العدال ــوى «)2(، وق ــر، إال بالتق أحماالتفاقيــات الدوليــة وعهودهــا ومواثيقهــا علــى العــدل لجميــع األطــراف، وعــدم الجــور وقــد أثمــر تطبيــق مبــدأ العــدل فــي عاقــات المســلمين بغيرهــم، فــكان عامــا مــن عوامــل نجــاح الفتوحــات

اإلســامية.

المبحث الثاني

صور العالقات السياسية الخارجية للدولة اإلسالمية مع غيرها من الدولالمطلب األول: تبادل الرسل والسفراء )التمثيل السياسي(

يقصــد بالســفير: الرســول والمصلــح بيــن القــوم، يقــال: ســفرت بيــن القــوم: إذا أصلحــت بينهــم، ومنــه قــول الشــاعر:

فارة بين قومي وما أمشي بغش إن مشيت)3( وما أدع الس

وأمــا الســفير فــي المصطلــح السياســي المعاصــر فهــو:» الــذي يهتــم بعاقــات دولتــه الخارجيــة، ويســعى لتنميتهــا باتصاالتــه المباشــرة مــع وزيــر خارجيــة الدولــة المعتمــد لديهــا«)4(.

مشروعية عمل السفير:

يعــد تبــادل الرســل )التمثيــل السياســي( مــن أهــم األدوات والوســائل التــي تعتمــد عليهــا الــدول فــي إدارة العاقــات الخارجيــة وتنظيمهــا، وقــد حــوت الســنة النبويــة كثيــرا مــن األحــكام التــي تتعلــق

)1( عبد الحميد متولي، مبادئ نظام الحكم في اإلسام )االسكندرية: منشأة المعارف،))19م(،ط2:271.

)2( أحمد بن حنبل الشيباني، مسند اإلمام أحمد، تحقيق: شعيب األرنؤوط وآخرين، )الرياض: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر،)141هـ- 1995م(، ط1:ج 39،ص474،ح ) 23489(، قال الهيثمي في مجمع الزوائد:» رجاله رجال

الصحيح « ج3ص587، والحديث إسناده صحيح .

)3( أبو حيان التوحيدي،البصائر والذخائر،تحقيق:وداد القاضي)بيروت:دار صادر،1408 هـ (:ط1،ج2،ص192

)4( راؤول جوته، موجز الدبلوماسية، ترجمة قاسم مردم) دمشق: المطبعة الهاشمية، ))13 هـ ـ1947م(ص21.



ــة ــدأ وشــرعيته، فالســنة النبوي ــى تأصيــل هــذا المب بإرســال الرســل والســفارات، وهــذا دليــل علــم، ــعوب واألم ــع الش ــى جمي ــة عل ــة مفتوح ــام حضاري ــالة اإلس ــادل؛ ألن رس ــذا التب ــت ه أصلــق بهمــا مــن ــا يتعل ــا وم ــر مــن المســائل والقضاي ــا لحــل كثي وكل هــذا يســتدعي ضبطــا وتنظيمالتفاصيــل والجزئيــات، ومــن هنــا كان النبــي- صلــى هللا عليــه وســلم - أول مــن أرســل الســفراء، وأوكل إليهــم تســليم الرســائل إلــى الحــكام، وكان يختــار بحكمــة بالغــة الســفير الــذي تنــاط بــه هــذه ــي عــام ــاوض قريشــا ف ــه- ليف ــن الخطــاب - رضــي هللا عن المهمــة، فلمــا أراد أن يبعــث عمــر بالحديبيــة بعــد أن رفضــت قريــش اضطــاع خــراش بــن أميــة الخزاعــي بهــذه المهمــة، أشــار عمــر باختيــار عثمــان بــن عفــان بــدال منــه؛ لشــدة عــداوة عمــر بــن الخطــاب لقريــش، ولعــدم وجــود أحــد فــي مكــة يمنعــه منهــم، وألن عثمــان مــن بنــي أميــة الذيــن ينتســب إليهــم أبــو ســفيان زعيــم قريــش ــاد ــلم - إيف ــه وس ــى هللا علي ــار- صل ــذا اخت ــه، ول ــى أداء مهمت ــه عل ــة تعين ــه حماي ــن ل ــا يضم ممعثمــان بــن عفــان - رضــي هللا عنــه- مبعوثــا ومفاوضــا إلــى قريــش، وقــال لــه:» أخبرهــم أنــا لــم

ــارا، وادعهــم إلــى اإلســام...«)1(. نــأت لقتــال، وإنمــا جئنــا عم

وقــد وضعــت الســنة النبويــة المثــال األســمى مــن أجــل التواصــل األممــي فــي العاقــات الدوليــة وراعــت عــادات الشــعوب وأعرافهــا وقبلــت هدايــا المبعوثيــن والرســل، فقــد قبــل النبــي - صلــى هللا عليــه وســلم- هدايــا الملــوك، فعــن أنس-رضــي هللا عنــه -» أن أكيــدر دومــة أهــدى لرســول هللا-صلــى هللا عليــه وســلم-حلة«)2(، وعــن أبــي حميــد الســاعدي - رضــي هللا عنــه- قــال: »..وأهــدى ــت الســنة ــردا،...«)3(، وعمل ــاه ب ــة بيضــاء، وكس ــه وســلم- بغل ــى هللا علي ــي - صل ــة للنب ــك أيل ملــوك ــوب المل ــتمالة قل ــة، واس ــام الفتي ــة اإلس ــدول بدول ــذه ال ــراف ه ــدف اعت ــذا به ــرة به المطهــا ــل اعتراف ــك يمث ــا، وذل ــت أركانه ــة وتثبي ــه العالمي ــيس دولت ــام، ولتأس ــى اإلس ــائهم إل ورؤســي ــائل الت ــن الوس ــيلة م ــذه وس ــدة، وه ــلم- الجدي ــه وس ــى هللا علي ــا بســلطة الرســول - صل ضمني

تتبعهــا الــدول تعبيــرا عــن إرادتهــا واالعتــراف القانونــي بهــا)4(.

وظيفة الرسل والسفراء وأهميتها:

تعــد مهمــة الرســل والســفراء مــن أهــم الوظائــف وأخطرهــا؛ ذلــك أن مهمتهــم تزيــل المشــكات ــرام ــات وإب ــاء العاق ــر فــي بن ــر كبي ــدول، وهــي أيضــا لهــا أث ــن ال ــات التــي تحصــل بي والمعوقــال فــي االتفاقــات والمعاهــدات بينهــا، فمــا مــن ســلم أو حــرب بيــن الــدول إال وللســفير فيهــا دور فع

)1( أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، دالئل النبوة) بيروت: دار الكتب العلمية،1405ه(،ط1:ج4،ص133.

)2( مسلم، صحيح مسلم،كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل سعد بن معاذ:ج 4،ص)191،ح ) 9)24 (

)3( محمد بن إسماعيل البخاري، الجامع الصحيح، تحقيق: مصطفى ديب، )بيروت: دار ابن كثير، 1987م(، ط3، كتاب الهبة، باب قبول الهدية من المشركين: ج2،ص922، ح )2474(.

)4( ينظر: خالد الشيخ، الدبلوماسية والقانون الدبلوماسي )األردن:1999م(، ط1: ص147ـ148.



حمايــة مصالــح دولتــه ورعاياهــا، فالســفير هــو الممثــل المعتمــد لــدى الدولــة المرســل إليهــا، إذ هو المعبــر الوحيــد عــن مواقــف دولتــه فيمــا يحصــل بينهــا وبيــن الــدول األخــرى، وكــذا مــن مهامــه ــذا فالســفير ليــس ــوب، ول ــى الوجــه المطل ــة عل ــدول الباقي ــه وال ــن دولت ــة بي ــط العاق الســعي لربشــخصا يعبــر عــن موقفــه فــي شــيء مــا، وإنمــا يعبــر عــن موقــف دولتــه، وقرارهــا السياســي، وال يتوقــف هــذا الــدور علــى ذات الســفير وإنمــا يقــوم بذلــك العمــل بصفتــه مبعوثــا لدولتــه، فعنــد ــن ــم يك ــة وإن ل ــي البعث ــه ف ــوب عن ــن ين ــك م ــى ذل ــن أداء دوره يتول ــه م ــدم تمكن ــه، أو ع غياب

ســفيرا)1(.

حقوق السفراء:

دعــت القوانيــن المتأخــرة إلــى احتــرام الرســل والســفراء، وإعطاءهــم حقوقهــم كاملــة، علمــا بــأن مــن يقــرأ فــي ســيرة النبــي صلــى هللا عليــه وســلم فــي معاماتــه الخارجيــة يجــده النمــوذج الحــي

فــي تطبيــق هــذه الحقــوق، ومــن أهمهــا:

حريــة العقيــدة والعبــادة: لــم يلــزم- النبــي صلــى هللا عليــه وســلم- الرســل والســفراء باعتنــاق . 1الديــن اإلســامي، بــل جعــل لهــم الحــق فــي ممارســة شــعائرهم الدينيــة بشــرط عــدم تعارضها مــع نظــام الدولــة، وحريــة العقيــدة ال تمنــع مــن أحقيــة الدولــة بدعــوة الرســل والســفراء إلــى اإلســام مــع تــرك الحريــة لهــم بقبــول الدعــوة أو رفضهــا، ولنــا فــي فعــل الرســول – صلــى ــي هللا عليــه وســلم- أســوة حســنة، فعــن أبــي رافــع القبطــي- رضــي هللا عنــه - قــال:» بعثتن عليــه وســلم- - صلــى هللا ــا رأيــت النبــي عليــه وســلم -، قــال: فلم قريــش إلــى النبــي - صلــى هللاوقــع فــي قلبــي اإلســام، فقلــت: يــا رســول هللا ال أرجــع إليهــم... «)2(، ففــي الحديــث لــم يجبــر النبــي- صلــى هللا عليــه وســلم- ســفير قريــش باإلســام، ومــع ذلــك عندمــا أســلم قبــل إســامه،

ورفــض أن يخيــس بالعهــد.

وناحــظ أن القانــون الدولــي لــم يتعــرض لمســألة حريــة العقيــدة، ولــم تنــص عليهــا اتفاقيــة ــا، ــرر إليراده ــة أي مب ــع االتفاقي ــى وض ــرفوا عل ــن أش ــون الذي ــد القانوني ــم يج ــا(، ول )فينبحجــة أن حصانــة أماكــن البعثــة تغطــي جميــع هــذه الجوانــب وتضمــن إقامــة أي طقــوس أو

احتفــاالت تقيمهــا البعثــة فــي داخلهــا)3(.

ــن . 2 ــركين الذي ــل المش ــتقبل رس ــلم- يس ــه وس ــى هللا علي ــي- صل ــنة: كان النب ــة الحس المعامل

)1( ينظر: علي صادق أبو هيف، القانون الدبلوماسي )مصر: منشأة المعارف، اإلسكندرية،1395هـ(: ص99.

)2( ابن حنبل، المسند، ج 28ص230، ح )17015(،والحديث صحيح إذ إن كل رواته ثقات .

النجاح،نابلس- فلسطين الفقه اإلسامي،رسالة ماجستير، )جامعة )3( ينظر: جمال نجم،أحكام الرسل والسفراء في 2008م(.



يحملــون مــا بعثــوا بــه إليــه ويعاملهــم معاملــة حســنة، فعــن ســعيد بــن أبــي راشــد- رضــي هللا ــوم، وإن ــك رســول ق عنــه- أن النبــي - صلــى هللا عليــه وســلم - قــال لرســول قيصــر: » إنلــك حقــا ولكــن جئتنــا ونحــن مرملــون، فقــال عثمــان بــن عفــان: أنــا أكســوه حلــة صفوريــة،

ــي ضيافتــه«)1(. ــال رجــل مــن األنصــار: عل وق

ــد كان . 3 ــه، فق ــال بدولت ــل واالتص ــة التنق ــفير حري ــة للس ــنة النبوي ــت الس ــل: منح ــة التنق حريالنبــي- صلــى هللا عليــه وســلم- يســمح لســفراء قريــش ومندوبيهــا فــي صلــح الحديبيــة بــأن ــي- ــن النب ــم وبي ــاوض بينه ــن التف ــم م ــا ت ــل م ــم، ونق ــات منه ــوا التعليم ــا ليتلق ــودوا إليه يعــي ــوث ف ــفير، أو المبع ــة الس ــة بحري ــدول الحديث ــد أخــذت ال ــلم-)2(، وق ــه وس ــى هللا علي صلاالتصــال بدولتــه، فنصــت المــادة)37( مــن اتفاقيــة )فينــا( علــى أن» تســمح الدولــة المعتمــد ــي ــة األغــراض الرســمية وتحم ــن أجــل كاف ــة االتصــال م ــة الدبلوماســية بحري ــا للبعث لديههــذه الحريــة، وللبعثــة فــي اتصالهــا بحكومــة الدولــة، وكــذا بالبعثــات األخــرى والقنصليــات التابعــة لهــا أينمــا وجــدت، وأن تســتخدم كل وســائل االتصــال المائمــة، ومــن بينهــا الرســل

ــفرة «)3(. ــررة، أو المش ــة، أو المح ــائل االصطاحي ــية، والرس الدبلوماس

الحماية والحصانة: وسيبحث في مبحث قادم)4(. 4

أنواع السفارات:

ــة وخاصــة، ولهــا مقاصــد ــه الســفارة فــي اإلســام أنهــا كانــت ســفارة مؤقت ممــا اتصفــت بــم تكــن ــا، ول ــي جــاء ألجله ــاء مهمــة الرســول الت ــدة ال يمكــن حصرهــا، وتنتهــي بانته عديســفارات دائمــة كمــا نشــاهد ذلــك فــي وقتنــا الحاضــر، »فالتطــور والتغييــر الــذي دخــل علــى العاقــات الدوليــة والحاجــة القائمــة إلرســال الســفراء والمبعوثيــن بيــن مــدة وأخــرى جعلــت التمثيــل السياســي يأخــذ هــذه الصــورة الجديــدة، وهــي البعثــات السياســية الرســمية الدائمــة، وهــو مــا يعــرف فــي العصــر الحاضــر بـــ )الســفارات أو القنصليــات(«)5( فالتمثيــل الدائــم وليد العصــور المتقدمــة، ولــم يكــن معروفــا مــن قبــل، وقــد أخــذ القانــون الوضعــي بإقامــة البعثــات الرســمية الدائمــة بيــن الــدول فــي القــرن الخامــس عشــر الميــادي، واســتقر هــذا النظــام فــي ــوا( تشــكل ــة، وجن ــة )فلورنســا، والبندقي ــدأت المــدن اإليطالي ــرن الســابع عشــر عندمــا ب الق

)1( ابن حنبل، المسند:ج27،ص244،ح )94))1(، إسناده ضعيف؛ لجهالة سعيد بن أبي راشد.

)2( ينظر: محمد أحمد باشميل، صلح الحديبية )بيروت: دار الفكر، 1390هـ ـ 1970م(،ط1: ص177.

)3( جعفر عبد السام، قواعد القانون الدولي )القاهرة:مكتبة السام العالمي، 1401هـ ـ 1981م(،ط1: ص47، محمد حافظ غانم، الوجيز في القانون الدولي )مصر:دار النهضة العربية، 1399هـ(: ص393.

)4( ينظر: ص11.

)5( سعيد المهيري، العاقات الخارجية للدولة اإلسامية)لبنان: مؤسسة الرسالة، )141ه(،ط1:ص )32.



ــن ــادل المبعوثي ــك تب ــا اقتضــى ذل ــق متنوعــة مم ــا بعائ ــا بينه ــط فيم ــرة ترب ــات صغي دويالدائميــن، ثــم انتقــل هــذا النظــام إلــى الــدول األخــرى)1(.

المطلب الثاني:الحصانة الدبلوماسية للرسل والمبعوثين

ــدم ــان وع ــام باألم ــار اإلس ــى دي ــدون إل ــن يف ــن الذي ــل والمبعوثي ــة الرس ــنة النبوي ــت الس أحاطــة ــم العصم ــت له ــا، إذ جعل ــا، أو حبس ــا، أو تعذيب ــواء كان قت ــداء س ــأي اعت ــم ب ــرض له التعــم إن ــة دبلوماســية(، ث ــة خاصة)حصان ــل أقوامهــم وعاملتهــم معامل ــد إيفادهــم مــن قب ــة عن الكاملالتعــدي علــى الرســل والمبعوثيــن وقتلهــم يفــوت مصلحــة المراســات والمخاطبــات وطــرق فــض

ــون«)2(. ــى أن»الرســل ال يقتل ــاء عل ــع الفقه ــا أجم المنازعــات، ومــن هن

دليــل مشــروعية الحصانــة الدبلوماســية: مــن األدلــة علــى اهتمــام الســنة النبويــة بتوفيــر الحمايــة للرســل والمبعوثيــن، وكفالتهــا الحصانــة السياســية:

ــي . 1 ــجد بن ــر بمس ــه)3(، فم ــا ل ــرق فرس ــل يط ــرج رج ــال: »خ ب، ق ــن مضــر ــة ب حديــث حارثحنيفــة، فصلــى فيــه، فقــرأ لهــم إمامهــم بــكام مســيلمة الكــذاب, فأتــى ابــن مســعود، فأخبــره، احــة، فإنــه قــال لــه: يــا عبــد فبعــث إليهــم، فجــاء بهــم، فاســتتابهم، فتابــوا إال عبــد هللا بــن النوهللا لــوال أنــي ســمعت رســول هللا - صلــى هللا عليــه وســلم- يقــول: لــوال أنــك رســول لضربــت ــا اليــوم فلســت برســول, يــا خرشــة قــم فاضــرب عنقــه، فقــام فضــرب عنقــه«)4(، عنقــك, فأموفــي هــذا الفعــل داللــة واضحــة علــى تطبيــق الصحابــة لمبــدأ حصانــة الرســل والمبعوثيــن، فهــذا المرتــد- عبــدهللا بــن النواحــة- منــع النبــي - صلــى هللا عليــه وســلم - قتلــه مــع أن ردتــه ــا زالــت صفــة الســفير عنــه، ســبب الســتباحة دمــه؛ ألنــه كان ســفيرا لمســيلمة الكــذاب، ولمأمــر عبــد هللا بــن مســعود - رضــي هللا عنــه - بقتلــه، يقــول الشــوكاني: »الحديــث يــدل علــى ــار، وإن تكلمــوا بكلمــة الكفــر فــي حضــرة اإلمــام ــن مــن الكف ــل الرســل الواصلي ــم قت تحريأو ســائر المســلمين«)5(، ولذلــك ذهــب جمهــور الفقهــاء إلــى أن األمــان يثبــت للرســل بغيــر

)1( ينظر: محمد التابعي، السفارات في اإلسام)مصر:مكتبة مدبولي( )د،ت،ط(:ص 80.

)2( ينظر: الشيرازي، المهذب في فقه االمام الشافعي)بيروت:دار المعرفة، 1379ه(ـ:ج2،ص234، وشمس الدين الرملي، نهاية المحتاج ) بيروت: دار الفكر،1404ه(: ج8،ص1).

بيروت، العلمية، المكتبة الحديث)لبنان: غريب في النهاية األثير، ابن ينظر: يضرب، أي له: فرسا )3( يطرق 1399هـ(: ج3،ص121.

)4( عبدهللا بن محمد ابن أبي شيبة،المصنف، تحقيق: محمد عوامة )جدة:دار القبلة، 1427هـ - )200م(،ط1 كتاب السير، باب ما قالوا في الرجل يسلم، ثم يرتد ما يصنع به:ج7،ص397،ح )33411(،وقال الهيثمي في مجمع

الزوائد، ج)ص)21: » رجاله رجال الصحيح«.

)5( محمد الشوكاني، نيل األوطار من أحاديث سيد األخيار)لبنان: دار الجليل، 1393ه(، )د،ط(: ج8، ص182.



شرط، واحتجوا على ذلك بحديث تأمين رسل مسيلمة)1( .

2 . حديــث أبــي رافــع القبطــي - رضــي هللا عنــه - قــال:» بعثتنــي قريــش إلــى النبــي - صلــى هللاــي اإلســام، ــي قلب ــع ف ــه وســلم- وق علي ــي - صلــى هللا ــت النب ــا رأي ــال: فلم ــه وســلم -، ق عليفقلــت: يــا رســول هللا ال أرجــع إليهــم، قــال: إنــي ال أخيــس بالعهــد، وال أحبــس البــرد، ارجــع إليهــم، فــإن كان فــي قلبــك الــذي فيــه اآلن، فارجــع«)2(، فقولــه - صلــى هللا عليــه وســلم-:)وال ــي ــر ف ــه دور كبي ــك ألن الرســول، أو الســفير ل ــس الرســل؛ وذل ــرد(، أي:ال أحب ــس الب أحبإبــرام االتفاقــات، أو التحالفــات، ومنــع حــدوث الحــرب، فــكان ينبغــي توفيــر الحمايــة واألمــن لــه؛ ألن عقــد األمــان يراعــى مــع الكافــر كمــا يراعــى مــع المســلم، يقــول السرخســي: »إذا ــه ــا عــرف أن ــإن أخــرج كتاب ــك، ف ــا رســول المل ــال: أن ــي دار اإلســام، فق ــي ف وجــد الحربكتــاب ملكهــم كان آمنــا حتــى يبلــغ رســالته ويرجــع، ألن الرســل لــم تــزل آمنــة فــي الجاهليــة واإلســام، وألن أمــر القتــال والصلــح ال يتــم إال بالرســل، فــا بــد مــن أمــان الرســل ليتوصــل إلــى المقصــود، ولمــا تكلــم رســول بيــن يــدي النبــي - صلــى هللا عليــه وســلم- بمــا كرهــه قــال: » لــوال أنــك رســول لضربــت عنقــك «)3(، وفــي هــذا دليــل أن الرســول آمــن حتــى لــو لــم يتمكــن مــن إقامــة البينــة علــى أنــه رســول، فلــو كلفنــاه ذلــك أدى إلــى الضيــق والحــرج، ــاب ــه كت ــاب يعــرف أن وهــذا مدفــوع، فلهــذا يكتفــى بالعامــة، والعامــة أن يكــون معــه كتــا ال ــى الظاهــر واجــب فيم ــاء عل ــه صــادق، والبن ــاب فالظاهــر أن ــإذا أخــرج الكت ملكهــم، فيمكــن الوقــوف علــى حقيقتــه«)4(، وقــد أكــد النبــي- صلــى هللا عليــه وســلم- علــى أهميــة هــذا الحــق وجعــل االعتــداء المتعمــد علــى الســفير ســببا فــي الغــزو، ودل علــى ذلــك مــا حــدث ــر األزدي)5( ــن عمي ــارث ب ــل الح ــا قت ــرة حينم ــة للهج ــنة الثامن ــي الس ــة ف ــزوة مؤت ــي غ فالمرســل إلــى ملــك الــروم وبصــرى الشــام، فالســفير يرمــز إلــى دولتــه التــي أوفدتــه، ولــذا اســتوجب أن يحــاط بالحمايــة والرعايــة، وأن قتلــه واالعتــداء عليــه يعــد إعــان حــرب علــى

)1( ينظر:كمال الدين المعروف بابن الهمام،فتح القدير،)دمشق،دار الفكر،د،ط،ت(:ج)،ص23، عاء الدين المرداوي الحنبلي، اإلنصاف في معرفة الراجح من الخاف،) عالم الكتب،1985م(:ط4، ج4، ص208، محمد بن مفلح، الفروع،) عالم الكتب،1405ه(:ط4،ج)،ص25، عز الدين عبد العزيز بن عبد السام، قواعد األحكام في مصالح

األنام)بيروت: دار الكتب العلمية،د،ت،ط( ج1،ص110.

)2( ابن حنبل، المسند: ج 28ص230،ح )17015(، والحديث صحيح إذ إن كل رواته ثقات.

)3( سبق تخريجه ص11.

)4( شمس الدين السرخسي، المبسوط)بيروت: دار المعرفة، )140 ه- )198م(، )د،ط(:ج10،ص92.

)5( الحارث بن عمير األزدي، أحد بني لهب، بعثه رسول هللا - صلى هللا عليه وسلم-، بكتابه إلى الشام، إلى ملك الروم، وقيل: إلى صاحب بصرى، فعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني، فأوثقه رباطا، ثم قدم فضربت عنقه صبرا، ولم يقتل لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم رسول غيره،. ينظر: يوسف بن عبد هللا القرطبي،االستيعاب في

معرفة األصحاب تحقيق: علي محمد البجاوي)دار الجيل، بيروت،1412هـ(،ط1:ج1،ص391.



دولتــه، وقــد نــص الفقهــاء اســتضاءة بالهــدي النبــوي الســديد علــى أن إعطــاء رئيــس الدولــة األمــان للرســل والمبعوثيــن ليــس مقصــورا علــى عهــده بــل يســتمر هــذا األمــان حتــى عنــد ــي اإلســام، ــة الدبلوماســية ف ــدأ الحصان ــد مب ــذه ســنة صريحــة تؤك ــه)1(، وه ــه أو عزل موتوتعــد اللبنــة األساســية القويــة والقاعــدة الرصينــة فــي إرســاء أســس الحصانــة الدبلوماســية الحديثــة، فمضــت الســنة بعــد ذلــك علــى أن الرســل ال يقتلــون وال يضطهــدون وال يســجنون ــا ــة، وظــل هــذا نهج ــة الكامل ــي التعامــل الحســن والرعاي ــل لهــم الحــق ف وال يحتجــزون، بمتبعــا لــم تتخــل عنــه الدولــة اإلســامية)2(، يقــول ابــن القيم:»وكانــت تقــدم عليــه- أي النبــي- صلــى هللا عليــه وســلم - رســل أعدائــه، وهــم علــى عداوتــه، فــا يهيجهــم وال يقتلهــم؛ ذلــك

أنــه جــرت الســنة أال يقتــل رســول«)3(.

الحصانة الدبلوماسية في القانون الدولي:

ــة جنيــف ــي اتفاقي ــي وقــت متأخــر جــدا ف ــى هــذا التشــريع إال ف ــن المعاصــرة إل ــد القواني ــم تهت لالخاصــة بأســرى الحــرب ســنة)1907م(، وفــي اتفاقيــة )فينــا( عــام )1)19م( حيــث نصــت المــادة ــة، وال يجــوز إخضاعــه ــي: »تكــون ذات المبعــوث الدبلوماســي مصون ــى مــا يأت )29( فيهــا علــا أن ــد لديه ــة المعتم ــى الدول ــب عل ــازه، ويحس ــه، أو احتج ــض علي ــر القب ــن تدابي ــر م ألي تدبيتعاملــه باالحتــرام الائــق، وأن تتخــذ كافــة التدابيــر المناســبة لمنــع أي اعتــداء علــى شــخصه، أو حريتــه، أو كرامتــه«)4(، فنجــد اتفاقــا بيــن القانــون الدولــي المعاصــر والنظــام السياســي اإلســامي فــي وجــوب الحصانــة الشــاملة للمبعوثيــن والســفراء، وحتــى العامليــن فــي الســلك الدبلوماســي؛ لتمكينهــم مــن آداء وظائفهــم دون عائــق، وكان هــذا مدعــاة للفخــر للســنة النبويــة لفضــل ســبقها فــي

تشــريع هــذا القانــون، وتطبيقهــا لــه.

المطلب الثالث: األمان )اللجوء السياسي(

جــاءت رســالة اإلســام دعــوة للنــاس كافــة، وينبغــي للمســلمين أن يتخــذوا مــن الوســائل مــا يمكنهم مــن إبــاغ هــذه الدعــوة وتعريــف النــاس بهــا، فــكان مبــدأ األمــان وســيلة ســانحة لتبليــغ دعــوة هللا تعالــى، الختــاط الكفــار بالمســلمين ولــو لمــدة مؤقتــة يتعرفــون فيهــا علــى الديــن وتعاليمــه بمــا ــى الديــن ــه، فتكــون الدعــوة إل ــى الفهــم الصحيــح لإلســام والدخــول في ــا لهــم عل ــد يكــون عون ق

)1( عبد هللا بن قدامة، المغني في فقه اإلمام أحمد بن حنبل)بيروت:دار الفكر، 1405م(،ط1:ج8،ص2)4.

)2( ينظر: محمد الصادق عفيفي، تطور التبادل الدبلوماسي في اإلسام)القاهرة:مكتبة األنجلو المصرية، )198م(، ط1،ص83.

)3( ابن القيم الجوزية، زاد المعاد في هدي خير العباد)بيروت: مؤسسة الرسالة،1415ه( ط،27:ج2،ص 75.

)4( ينظر: محمد التابعي، السفارات في اإلسام، الملحق الثاني: اتفاقية فينا للعاقات الدبلوماسية: 142.



بأيســر الطــرق)1(، ممــا يؤكــد الطابــع اإلنســاني والعالمــي للدعــوة اإلســامية ووظيفتهــا الحضاريــة دخــول أغلــب مشــركي الجزيــرة فــي اإلســام قبــل مــرور مــدة األمــان الممنوحــة لهــم وهــي أربعــة أشــهر يتدبــرون فيهــا أمرهــم وموقفهــم مــن الدعــوة، ويتعرفــون علــى حقيقــة اإلســام ومــا يقاتلــون عليــه، ولــو كان القتــال لــرد العــدوان مــا منحهــم أمانــا يتقــوون فــي مدتــه علــى المســلمين، ولــو كان القتــال لمجــرد القتــل مــا منحهــم فرصــة التدبــر والدخــول فــي اإلســام والنجــاة مــن القتــل؛ فتبيــن أن األمــان قــد شــرع رحمــة بالنــاس؛ إذ إنــه بمنزلــة البــاب الــذي يدخــل منــه كل مــن هــداه

هللا إلــى اإلســام مــن أهــل الحــرب ولــو كان فــي ميــدان القتــال)2(.

ــه: ــن قتال ــه حي ــه ومال ــي ورق ــتباحة دم الحرب ــع اس ــي(: » رف ــوء السياس ــان )اللج ــف األم تعريــن ــح م ــذا المصطل ــة«)3(، وه ــدة معين ــام م ــم اإلس ــت حك ــتقراره تح ــع اس ــه، م ــزم علي أو العالمصطلحــات الحديثــة فــي الفقــه السياســي، ولــم يتعــرض لــه فقهــاء اإلســام بهــذا االســم عندمــا تكلمــوا عــن عقــد األمــان والمســتأمن فــي كتــب الفقــه اإلســامي، وإن كنــا نفهــم معنــاه عنــد كامهم عــن مســتأمن, وقــد أطلــق هــذا المصطلــح فــي القانــون الدولــي علــى الحمايــة التــي تمنحهــا الدولــة فــوق أراضيهــا، أو فــوق مــكان تابــع لســلطتها لفــرد طلــب منهــا هــذه الحمايــة، والهــدف منــه إنقــاذ

حيــاة أشــخاص، أو حريتهــم يعتبــرون أنفســهم مهدديــن فــي بادهــم)4(.

مشروعيتة:

ــى ــره حت ــن المشــركين اســتجارك فأج ــد م ــه تعالــى: } وإن أح أصــل عقــد األمــان ورد فــي قوللــك بأنهــم قــوم ال يعلمــون { )التوبــة: ٦(، فاآليــة صريحــة فــي ثــم أبلغــه مأمنــه ذ يســمع كام هللاوجــوب إعطــاء الحربــي األمــان إذا طلبــه وكان لغــرض مشــروع: كســماع القــرآن وفهــم أحكامــه ــك، بشــرط عــدم ــر ذل ــى دعــوة اإلســام، أو لتجــارة، أو غي ــه، أو االســتماع إل ــره ونواهي وأواممعارضتهــا لمصلحــة المســلمين، والهــدف مــن ذلــك إظهــار عظمــة اإلســام ويســره، وســماحته مــع مخالفيــه، وبيــان» أن دواعــي طلــب األمــان ليســت مقصــورة فــي الشــريعة اإلســامية علــى

ســماع كام هللا، وإنمــا هــي تتســع لــدواع عديــدة، دينيــة كانــت أم دنيويــة«)5(.

)1( ينظر: عثمان ضميرية، العاقات الدولية في اإلسام )االردن: اآلفاق المشرقة، عمان، 2011م(، ط1: ص47

)2( ينظر: عبد العزيز صقر، العاقات الدولية في اإلسام وقت الحرب، منشور ضمن بحوث العاقات الدولية بين األصول اإلسامية وبين خبرة التاريخ اإلسامي، 2000م ط1،:ج1،ص459.

)3( محمد األنصاري، شرح حدود ابن عرفة)دار الغرب اإلسامي، 1993م(، ط1: ص221.

)4( عبد الوهاب الكيالي، الموسوعة السياسية )لبنان:المؤسسة العربية للنشر، بيروت، 1979م(:ج 5،ص7)4.

)5( محمد الحليبة، حق اللجوء السياسي بين الشريعة اإلسامية واألنظمة الوضعية، رسالة ماجستير 1422ه، أكاديمية نايف العربية، الرياض:194.



اهتمام النبي- صلى هللا عليه وسلم- بمبدأ األمان:

أولــت الســنة النبويــة مبــدأ األمــان )اللجــوء السياســي( اهتمامــا خاصــا، ووضعت ضوابــط وأحكاما تشــريعية سياســية فــي التعامــل بــه يخضــع لهــا جميــع األفــراد والمجتمــع؛ حمايــة ورعايــة لحقــوق منيــن والمســتأمنين، ومنهــا: منــح األمــان لــكل فــرد مســلم بالــغ عاقــل مختــار، ذكــرا كان أو المؤأنثى،حــرا كان أو عبــدا، فعــن أم هانــئ - رضــي هللا عنهــا - قالــت: » ذهبــت إلــى رســول هللا - ــي علــي أنــه قاتــل رجــا صلــى هللا عليــه وســلم - عــام الفتــح...، فقلــت: يــا رســول هللا زعــم ابــن أمقــد أجرتــه فــان بــن هبيــرة، فقــال رســول هللا - صلــى هللا عليــه وســلم - قــد أجرنــا مــن أجــرت يــا أم هانــئ، قالــت أم هانــئ، وذلــك ضحــى«)1(، فأجــاز النبــي صلــى هللا عليــه وســلم أمــان أم هانــئ البــن هبيــرة المشــرك، واحتــرم جوارهــا، وأعطاهــا حــق إعطــاء اللجــوء السياســي لمــن يلجــأ

إليهــا، واعتبــر ذلــك تصرفــا صحيحــا ونافــذا.

ومــع تطــور الزمــان واختــاف الظــروف والمصالــح الدوليــة أصبــح ال يمكــن ألفــراد المجتمــع ــة، ــح األم ــق مصال ــه تحقي ــة منوطــا ب ــا عــن األم ــح نائب ــة أصب ــه؛ ألن الخليف ــان لطالب ــح األم منودفــع المضــار عنهــا؛ لــذا أجمــع العلمــاء كافــة علــى أن أمــان الخليفــة جائــز ويقــع ضمــن دائــرة

اختصاصــه.

ــا ــا، وناصبه ــم رفــض دعــوة اإلســام وتكذيبه ــق إلســام مــن ســبق له ــان الطري ــح األم ــد فت وقالعــداء كأبــي ســفيان، وصفــوان بــن أميــة، وأهــل مكــة، فعــن أبــي هريــرة- رضــي هللا عنــه- قــال: قــال النبــي - صلــى هللا عليــه وســلم-: » ... مــن دخــل دار أبــى ســفيان فهــو آمــن ... «)2(، فــكان أمــان عــام منحــه النبــي - صلــى هللا عليــه وســلم - ألهــل قريــش، كمــا أنــه أعطــى أمانــا خاصــا لصفــوان بــن أميــة رجــاء إســامه، فعــن عــروة بــن الزبيــر قــال: »خــرج صفــوان بــن أميــة يريــد جــدة ليركــب منهــا إلــى اليمــن، فقــال عميــر بــن وهــب: يــا نبــي هللا إن صفــوان بــن أميــة ســيد قومه وقــد خــرج هاربــا منــك؛ ليقــذف نفســه فــي البحــر، فأمنــه - صلــى هللا عليــك - قــال: هــو آمــن، قــال: يــا رســول هللا فأعطنــي آيــة يعــرف بهــا أنــه أمانــك، فأعطــاه رســول هللا- صلــى هللا عليــه وســلم-

عمامتــه التــي دخــل فيهــا مكــة ... «)3(.

موقف المواثيق الدولية الخاصة بحقوق اإلنسان من مبدأ األمان:

نظــرا لكثــرة الحــروب والصراعــات بيــن الــدول فــي الوقــت الراهــن وتضاعــف أعــداد الاجئيــن السياســيين وغيــر السياســيين الذيــن فــروا مــن بادهــم هربــا مــن االضطهــاد، وســوء المعاملــة،

)1( البخاري، الجامع الصحيح، كتاب الخمس، باب أمان النساء وجوارهن:ج 3،ص 1157،ح )3000(.

)2( مسلم، صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب فتح مكة:ج 3،ص1405،ح )1780(.

)3( ابن هشام، السيرة النبوية،تحقيق:طه سعد، )لبنان:دار الجيل، بيروت، 1411ه(ط1ـ:ج5،ص81، والقصة إسنادها مرسل



وانتقــاص حقوقهــم اآلدميــة إلــى مــكان طالبيــن فيــه األمــان لهــم ولذويهــم، عنيــت المواثيــق الدوليــة بحقــوق اإلنســان ودعــت إلــى احترامهــا وااللتــزام بأحكامهــا، وكان فــي مقدمــة هــذه الحقــوق التــي أخــذت طابعــا دوليــا عامــا حــق اللجــوء )األمــان( ممــا جعــل بعــض الباحثيــن يعتقــدون أن مبــدأ ــة، ــة الحديث ــل باألنظمــة الوضعي ــد القــرون المتأخــرة المتمث األمــان )اللجــوء السياســي( هــو وليوهــذا مجــرد كام ال يقــوم عليــه دليــل، فالماحــظ أن الدولــة اإلســامية قــد أعطــت األمــان لكثيــر مــن الحربييــن منــذ وقــت مبكــر، وعملــت علــى توفيــر كل أشــكال الحمايــة والرعايــة لهــم، ــي ــر مــن النصــوص الشــرعية، والت ــي كثي ــت مشــروعيته ف ــان ثب ــدأ األم ــل الفقهــي لمب فالتأصيتوضــح بجــاء مــدى أســبقية اإلســام فــي ممارســته وجعلــه قاعــدة دســتورية عامــة، علمــا بــأن أول ظهــور لمصطلــح اللجــوء السياســي ظهــر» فــي القــرن الثامــن عشــر فــي عــام )1794م( فــي

فرنســا، ثــم أقــر بعــد ذلــك فــي أكســفورد مجمــع القانــون الدولــي«)1(.

المطلب الرابع: المكاتبات والرسائل )المذكرات الدبلوماسية(

ــة المنــورة وتكامــل نظامهــا كان التعريــف ــة اإلســامية فــي المدين ــم الدول بعــد أن توطــدت دعائــرات ــائل )المذك ــات والرس ــدف األول للمكاتب ــو اله ــه ه ــراف ب ــه واالعت ــوة إلي باإلســام والدعــوك واألمــراء ورؤســاء ــى المل ــه وســلم- إل الدبلوماســية()2( التــي أرســلها النبــي - صلــى هللا عليســول بلــغ مــا أنــزل إليــك مــن ربــك وإن لــم تفعــل فمــا بلغــت القبائــل تحقيقــا ألمــر هللا }يــا أيهــا الررســالته { )المائــدة: ٦٧ (إذ إن اإلســام دعــوة عالميــة ورســالة خاتمــة لجميــع الرســاالت الســابقة

يجــب تبليغهــا ال تنحصــر فــي قــوم أو شــعب، بــل يجــب أن تبلــغ اآلفــاق.

السعي لتحقيق االعتراف بالدولة اإلسالمية والرئاسة المحمدية لها:

ــة، ــة طبيعي ــو محصل ــه، وه ــم في ــا بنظــام الحك ــي اعتراف ــد يعن ــان جدي ــدول بكي ــراف ال »إن اعتومكملــة لخطــوة االعتــراف بهــذا الكيــان، كعنصــر متمــم لنشــوء الدولــة، ويعتبــر هــذا االعتــراف

حقــا لشــعب تلــك الدولــة فــي تقريــر مصيرهــا«)3(، لــذا:

كاتــب النبــي- صلــى هللا عليــه وســلم- الملــوك واألمــراء ورؤســاء القبائــل داخــل الجزيــرة . 1ــدول ــه وال ــامية بقيادت ــة اإلس ــن الدول ــادل بي ــراف المتب ــق االعت ــا؛ ليحق ــة وخارجه العربيــه ــى هللا علي - صل ــي هللا ــال:» إن نب ــه - ق ــي هللا عن ــك- رض ــن مال ــس ب ــن أن ــرى، فع األخــى ــم إل ــار يدعوه ــى كل جب ، وإل ــي ــى النجاش ــى قيصــر، وإل ــرى، وإل ــى كس ــب إل وســلم- كت

)1( حسام محمد سعد سباط، اللجوء السياسي في اإلسام )بيروت:دار البيارق، 1997م(ط1: ص9.

)2( المذكرات الدبلوماسية: هي الخطابات المكتوبة المتبادلة بين الدول، التي توضح رأي الدولة في قضية معينة، وهو مصطلح متداول في الوقت الحاضر، ولم يستخدم في عهد النبي - صلى هللا عليه وسلم- إال تحت مصطلح كتاب

أو رسالة . سهيل الفتاوي، الدبلوماسية اإلسامية،)بيروت، دار الفكر العربي،2001(ط1:ص9).

)3( خالد الشيخ، الدبلوماسية والقانون الدبلوماسي:ص141.



- صلــى هللا عليــه وســلم-«)1(، ولهــذا ــي ــه النب ــس بالنجاشــي الــذي صلــى علي ــى، ولي تعال هللاأرســل صلــوات هللا عليــه وســلم ســتة ســفراء فــي غــداة واحــدة، وأتبعهــم بآخريــن، فكانــت رســائله شــاملة لجميــع األمــم المحيطــة بالعــرب مــن جميــع الجهــات، وشــاملة لجميــع عظمــاء العــرب، فالمقوقــس فــي مصــر ومــا وراءه، وكســرى فــي الشــرق ومــا وراءه وكان أعظــم ــي ــا وراءه ف ــي وم ــة، والنجاش ــة الروماني ــن الدول ــا وراءه م ــل وم ــرق، وهرق ــوك الش ملإفريقيــا وســطها وشــرقها وجميــع ســادة العــرب فــي اليمامــة وتهامــة ونجــد وخليــج عمــان

وحضرمــوت، وأطــراف الشــام والعــراق، وأهــل نجــران واليمــن وحميــر وهمــذان.

ــات نــدرك أنهــا توجهــت إلــى جميــع ذوي الســلطة والســيادة فــي ومــن اســتقراء هــذه البعثالعالــم آنــذاك، ولهــذا قــال أنــس بــن مالــك كمــا تقــدم فــي الحديــث قولــه: كتــب النبــي صلــى هللا عليــه وســلم إلــى كســرى)2( وقيصــر)3( والنجاشــي)4( وأكيــدر دومــة الجنــدل)5( وإلــى كل جبــار

يدعوهــم إلــى هللا تعالــى«))(.

تميــزت تلــك المكاتبــات والرســائل باللباقــة فــي الكتابــة واللغــة، وحســن المرونــة، واإليجــاز، . 2وأســلوب خطــاب مائــم لمــن أرســل إليــه، ومــن المعــروف أن اللغــة )الدبلوماســية( تتميــز بالدقــة، واالختصــار، والوضــوح،» فــكل عبــارة،أو اصطــاح يمكــن تفســيره تفســيرا يتفــق ــات ــن األساس ــية م ــة الدبلوماس ــي اللغ ــة ف ــت الدق ــك كان ــة النظــر األخــرى؛ ولذل ــع وجه م

ــة «)7(. الضروري

ــي . 3 ــد انتهــج ف ــق الدبلوماســية السياســية، فق ــي تطبي ــدوة ف ــه وســلم - الق ــى هللا علي كان - صلــوك والرؤســاء أرقــى أســاليب التعامــل، فــكان نموذجــا يحتــذى ــه ورســائله مــع المل مكاتبات

)1( مسلم، صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب كتب النبي - صلى هللا عليه وسلم - إلى ملوك الكفار ج3،ص 1397، ح )1774(.

)2( كسرى:اسم ملك الفرس، هو بالفارسية خسرو أي واسع الملك،انظر: ابن منظور، لسان العرب، ج5:ص142، مادة »كسر«.

)3( قيصر:لقب هرقل ملك الروم، وبه يلقب كل من ملك الروم. انظر: المصدر السابق:ج5: 104،مادة »قصر«.

السابق: المصدر ينظر الحبشة. ملك اسم وهو ملوكها: بها تسمي للحبش كلمة والنجاشي: )4( النجاشي ج):ص351،»نجش«.

)5( أكيدر دومة: أكيدر تصغير أكدر، ودومة:بلد بين الحجاز والشام، وهي مدينة بقرب تبوك، بها نخل وزرع وحصن على عشر مراحل من المدينة وثمان من دمشق، وكان أكيدر ملكها. ينظر: أحمد بن حجر، فتح الباري بشرح

صحيح البخاري، )لبنان:دار المعرفة، 1379هـ(:ج5، ص273.

العالمية االتصاالت شبكة على منشور مقال العصور، عبر اإلسامية الدبلوماسية تطور بوبوش، ))( محمد )االنترنت( موقع من أجل المملكة.

)7( محمد التابعي، السفارات في اإلسام:ص 32.



بــه إلــى جانــب مــا اتســمت بــه كتاباتــه التــي تــدل بأســلوبها ومحتواهــا علــى حكمــة مرســلها، ويتبيــن ذلــك ممــا يأتــي:

أ. بــدأت تلــك المكاتبــات والرســائل بأســلوب قائــم علــى الدعــوة بالحكمــة والموعظــة الحســنة تنفيــذا لقولــه تعالــى: } ادع إلــى ســبيل ربــك بالحكمــة والموعظــة الحســنة وجادلهــم بالتــي ــي مصــر مــن ــط ف ــم القب ــم يجــد )المقوقــس( عظي ــذا ل ــن { )النحــل: ١٢٥(؛ ول ــي أحس هكلمــة يعبــر بهــا عنــد اســتامه لكتــاب رســول هللا - صلــى هللا عليــه وســلم - الــذي حملــه إليــه حاطــب بــن أبــي بلتعــه- رضــي هللا عنــه- إال أن قــال:» أحســنت أنــت حكيــم مــن عنــد حكيــم)1( «)2(، وقــد أجمعــت المصــادر األجنبيــة المعتمــدة علــى أن هرقــل كان شــديد التديــن عظيــم اإليمــان, فليــس مــن الغريــب أن يســتهويه الكتــاب النبــوي ومــا جــاء فيــه - بالرغــم مــن إيجــازه - مــن رفــق الدعــوة وحكمــة النبــوة، وليــس مــن المبالــغ فيــه, مــا جــاء حــول تجاوبــه مــع الكتــاب النبــوي تجاوبــا واضحــا، ولكــن تجــاوب هرقــل لــم يخــرج أبــدا إلــى ــان, ــه مــن اإليم ــى علي ــي حاضــره ومســتقبله أغل ــره ف ــذ, إذ كان ملكــه ومصي ــز التنفي حي

فآثــر الدنيــا علــى اآلخــرة, ومــا عنــد النــاس علــى مــا عنــد هللا «)3(.

ب. ســلوك »النبــي- صلــى هللا عليــه وســلم- فــي كتبــه تلــك أدب النبــوة، فطــرق بــاب الملــوك الرؤســاء وأرســل لهــم هــؤالء المبعوثيــن الدبلوماســيين بكلمــة الســام )أســلم تســلم(، ولــم ــوا إلــى ــاب تعال ــا أهــل الكت يحــاول أن يهيــج أحــد منهــم، فكانــت كلمتــه القرآنيــة } قــل يــا بعضــا ــه شــيئا وال يتخــذ بعضن ــرك ب وال نش ــد إال هللا ــم أال نعب ــا وبينك ــة ســواء بينن كلمــإن تولــوا فقولــوا اشــهدوا بأنــا مســلمون { )آل عمــران:٦٤ («)4(. ف أربابــا مــن دون هللا

ج. مخاطبــة الملــوك الرؤســاء بصفاتهــم التــي منحتهــا شــعوبهم لهــم دون التقليــل مــن شــأنهم ومكانتهــم وال تحقيرهــم، كمــا حملهــم تبعــات رفــض دعوتــه، وعــدم فتــح الطريــق أمــام رســله للتعريــف باإلســام؛ لمكانتهــم فــي االهتــداء واإلضــال لمــن يحكمونهــم ويتولــون أمرهــم، ويتضــح ذلــك مــن خــال رســالته إلــى هرقــل فعــن عبــد هللا بــن عبــاس - رضــي هللا عنهمــا-: قــال: »كتــب رســول هللا - صلــى هللا عليــه وســلم - إلــى قيصــر يدعــوه إلــى ــد عبــد هللا، ورســوله إلــى هرقــل حيــم، مــن محم حمــن الر ســام فقــال: ... بســم هللا الر اإلــة اإلســام، ــي أدعــوك بدعاي ــد: فإن ــا بع ــدى، أم ــع اله ــى مــن اتب وم، ســام عل عظيــم الــر

)1( علي بن برهان الحلبي:، السيرة الحلبية،، )بيروت:دار المعرفة، 1400 ه( د،ط:ج3،ص)29.

)2( المهيري، العاقات الخارجية:ص340

)3( محمود خطاب،، السفارات النبوية)بغداد: المجمع العلمي العراقي، )198م(:ص79.

)4( محمد عفيفي، تطور التبادل الدبلوماسي:ص73.



ــم األريســيين... «)1(، ــك إث ــإن علي ــت، ف ــإن تولي ــن، ف تي ــرك مر أج ــك هللا ــلم، يؤت ــلم تس أســل الســام ــث جع ــن حضــارة حي ــو دي ــن اإلســام ه ــة أن دي ــائل النبوي ــك الرس ــن تل فتبيفضيلــة يســعى لهــا، وشــعارا للدولــة اإلســامية فــي عاقاتهــا الدبلوماســية، فــإن لــم يكــن

فالحــرب.

ــد ــراء عن ــوك واألم ــه المل ــارف علي ــا تع ــلم - بم ــه وس ــى هللا علي ــول - صل ــاذ الرس د. اتخالمكاتبــات خاتمــا حيــن وصــل إلــى علمــه أن العجــم ال يقبلــوا كتابــا، وال يحترمــون رســالة ــا أراد ــال:» لم ــه - ق ــي هللا عن ــس - رض ــن أن ــة فع ــت مختوم ــم إال إذا كان ــلة إليه مرسوم، قيــل لــه: إنهــم ال يقــرؤون كتابــا إال النبــي - صلــى هللا عليــه وســلم- أن يكتــب إلــى الــرــة، فكأنــي أنظــر إلــى بياضــه فــي يــده، ونقــش أن يكــون مختومــا، فاتخــذ خاتمــا مــن فضــي ــد رســول هللا «)2(، وهــذا إن دل فإنمــا يــدل علــى أن التطبيــق اإلداري العمل ــه محم في

فــي المراســات .

أهمية الردود على مكاتبات ورسائل النبي- صلى هللا عليه وسلم-

ــن رد ــم م ــه وســلم- فمنه ــى هللا علي ــي- صل ــى رســائل النب ــوك والرؤســاء عل ــت ردود المل اختلفالــرد اللطيــف كهرقــل عظيــم الــروم، والمقوقــس عظيــم القبــط، وملــك الحبشــة، فأرســلوا الرســل ــة ــم بدول ــا منه ــك اعتراف ــكان ذل ــلم-، ف ــه وس ــى هللا علي ــول هللا- صل ــى رس ــا إل ــن بالهداي محملياإلســام وقبــول رئاســة النبــي صلــى هللا عليــه وســلم لدولــة اإلســام، ومنهــم مــن رد الــرد الشــنيع ــي هللا ــاس- رض ــن عب ــد هللا ب ــن عب ــول هللا، فع ــاب رس ــزق كت ــذي م ــرس ال ــك الف ــرى مل ككســى ــه إل ــره أن يدفع ــا، وأم ــه رج ــث بكتاب ــه وســلم - بع ــى هللا علي ــول هللا- صل ــا- » أن رس عنهمقــه، فحســبت أن ابــن المســيب ــا قــرأه مز عظيــم البحريــن، فدفعــه عظيــم البحريــن إلــى كســرى، فلمــد ق«)3(، » ولق ــز ــوا كل مم ق ــلم - أن يمز ــه وس ــى هللا علي ــول هللا - صل ــم رس ــا عليه ــال: فدع قــة، أن إنشــاء ــات الدولي ــي مجــال العاق ــن ف ــي، والعاملي ــون الدول ــد أهــل القان ــرأي عن اســتقر العاقــات دبلوماســية بيــن بلديــن- مــن خــال إقامــة الســفارات بيــن بلديــن- يعتبــر دليــا علــى إرادة هذيــن البلديــن للتعايــش فيمــا بينهمــا علــى أســاس مــن الســام والعاقــات الوديــة، كمــا أن ســحب الســفراء، أو عــدم قبولهــم، أو إلغــاء وتجميــد عمــل الســفارات، يعــد مؤشــرا علــى عــدم إرادة مثــل

هــذه العاقــات وربمــا تصــل األمــور إلــى إعــان الحــرب«)4(.

)1( البخاري، الجامع الصحيح، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول هللا:ج1،ص7،ح )7(.

)2( المصدر السابق، كتاب الجهاد والسير، باب دعوة اليهود والنصارى:ج 3،ص1074،ح )2780(.

)3( المصدر السابق،كتاب المغازي،باب كتاب النبي- صلى هللا عليه وسلم- إلى كسرى وقيصر:ج4، ص10)1،ح )41(2(

)4( خالد الشيخ، الدبلوماسية والقانون الدبلوماسي:ص 289ـ305.



المطلب الخامس: الوفاء بالمعاهدات المعقودة

تعريف المعاهدات:عند الفقهاء: موادعة المسلمين والمشركين سنيين معلومة)1(.

ــع ــة ذات الطاب ــة الهام ــات الدولي ــى االتفاق ــدات عل ــق المعاه ــث: تطل ــي الحدي ــون الدول ــي القان فــة«)2(. ــة » اتفاقي ــه كلم ــق علي ــا يطل ــا عداه ــف، وم ــح أو التحال ــدات الصل ــي كمعاه السياس

ــة المعاصــرة، ــن الدولي ــل ظهــور القواني ــي العــام قب ول ــون الد ــة قواعــد القان ــت الســنة النبوي ل أصــة ــدة حرم ــت قاع ــة، ووضع ــن الدولي ــق مصــدرا للقواني ــدات والمواثي ــذه المعاه ــدت ه ــث ع حيــة، ــات الدولي ــة العاق ــي تنمي ــر ف ــر كبي ــا أث ــي كان له ــا، والت ــلما وحرب ــيتها س ــدات وقدس المعاهوحــل المشــكات والنزاعــات بيــن األفــراد والجماعــات، وهــذا يؤكــد علــى عالميــة الســنة النبويــة التــي حرصــت علــى تحقيــق مصالــح اإلنســانية وحقــوق اإلنســان مــن خــال الوفــاء بالمعاهــدات المعقــودة، فاألخــاق الفاضلــة وقيمهــا مطلــب لجميــع العقــاء فــي كل األمــم والمجتمعــات قديمــا وحديثــا، » والدولــة اإلســامية متمثلــة بقائدهــا محمــد- صلــى هللا عليــه وســلم- أعطــت المعاهــدات اهتمامــا بالغــا لــم تعطــه لهــا أيــة دولــة أو نظــام أو قانــون، فهــي تتشــدد في احتــرام هــذه المعاهدات، وتجعــل ذلــك أساســا فــي بنائهــا السياســي، وترفــض أن تجعــل مــن المصالــح الذاتيــة - التــي تتعلــل بهــا الــدول فــي العصــر الحديــث - ســببا لنقــض المعاهــدات التــي أبرمتهــا مــع غيرهــا، كمــا ال تجــد

ســببا لنقضهــا إال بانتهــاء أمدهــا، أو مخالفتهــا لإلســام«)3(.

نموذج نبوي في الوفاء بالمعاهدات:)صلح الحديبية(

مــن أشــهر المعاهــدات التــي عقدهــا النبــي - صلــى هللا عليــه وســلم- صلــح الحديبيــة فكانــت هــذه المعاهــدة بحــق» أنموذجــا فريــدا للمعاهــدات الدوليــة بمــا ســبقها مــن مفاوضــات، ومــا حوتــه مــن شــروط«)4(، حيــث جــرت مفاوضــات بيــن - الرســول صلــى هللا عليــه وســلم - وبيــن أهــل مكــة انتهــت ببنــود صلــح مــن أهمهــا: وضــع الحــرب فيمــا بينهــم مــدة عشــر ســنوات، وأنــه مــن جــاء ــه مــن ــن أن ــي حي ــم، ف ــه وســلم - رده إليه ــى هللا عل ــى الرســول - صل ــة مســلما إل مــن أهــل مكــة ــه، وبعــد االنتهــاء مــن كتاب ــرد إلي ــه وســلم- ال ي ــى هللا علي ــد رســول هللا - صل جاءهــم مــن عنبنــود المعاهــدة جــاء أبــو جنــدل - رضــي هللا عنــه - هاربــا مــن المشــركين وهــو فــي قيــوده، فقــام بــرده - صلــى هللا عليــه وســلم- إلــى المشــركين؛ وفــاء بمــا اتفــق عليــه فــي معاهــدة الحديبيــة التــي

العلمية، الكتب )بيروت:دار إسماعيل حسن محمد الكبير،تحقيق: السير شرح الشيباني، الحسن بن )1( محمد 1417هـ(، ط1:ج5،ص1780.

)2( علي صادق أبو هيف، القانون الدولي:ص525.

)3( سعيد المهيري، العاقات الخارجية للدولة اإلسامية:ص147.

ابي، السيرة النبوية:ج2،ص357. )4( علي محمد الص



ــى هللا ــي - صل ــح النب ــال:» صال ــا- ق عنهم ــازب - رضــي هللا ــن ع ــراء ب ــن الب عقدهــا معهــم، فععليــه وســلم- المشــركين يــوم الحديبيــة علــى ثاثــة أشــياء: علــى أن مــن أتــاه مــن المشــركين رده وه، وعلــى أن يدخلهــا مــن قابــل ويقيــم بهــا ثاثــة أيــام، إليهــم، ومــن أتاهــم مــن المســلمين لــم يــردــوده، ــي قي ــل ف ــدل يحج ــو جن ــاء أب ــوه، فج ــوس ونح ــيف والق ــاح الس ــان الس ــا إال بجلب وال يدخلهــى هللا ــه الرســول - صل ــدل مســتنجدا بالمســلمين طمأن ــو جن ــا صــرخ أب ــم«)1(، وعندم ه إليه ــرد ف- جاعــل لــك ولمــن ــإن هللا -عــز وجــل ــر واحتســب، ف ــا جنــدل اصب ــا أب عليــه وســلم - بقولــه: » يــم ــا، فأعطيناه ــوم صلح ــن الق ــا وبي ــا بينن ــد عقدن ــا ق ــا، إن ــا ومخرج ــتضعفين فرج ــن المس ــك م معــك، وأعطونــا عليــه عهــدا، وإنــا لــن نغــدر بهــم «)2(، وفــي أعقــاب صلــح الحديبيــة عــاد علــى ذلالنبــي - صلــى هللا عليــه وســلم- إلــى المدينــة المنــورة، قــام أبــو بصيــر بالفــرار مــن كفــار قريــش فــي مكــة المكرمــة، فأرســلت قريــش اثنيــن مــن رجالهــا فــي أثــره، فوجــدوه عنــد الرســول - صلــى هللا عليــه وســلم- فطلبــوه تنفيــذا لشــروط معاهــدة الصلــح المعقــودة، فأعطــاه الرســول إليهــم، فعــن عليــه وســلم إلــى المدينــة-، عــروة بــن الزبيــر - رضــي هللا عنــه -:»... ثــم رجــع - النبــي صلــى هللاــن، فقالــوا: العهــد ــه رجلي ــو مســلم، فأرســلوا فــي طلب فجــاءه أبــو بصيــر رجــل مــن قريــش - وهجليــن «)3(، فقــد التــزم النبــي- صلــى هللا عليــه وســلم- بالشــروط الــذي جعلــت لنــا؟ فدفعــه إلــى الرالمكتوبــة فــي المعاهــدات، فــكان خيــر مــن وفــى بهــا؛ لمــا فيهــا مــن خيــر فــي تحقيــق المصالــح، وهــا نحــن اليــوم نــرى القوانيــن واألنظمــة الوضعيــة تفصــل بيــن األخــاق والسياســة؛ فــا مــكان لألخــاق فيهــا، فالغايــة تبــرر الوســيلة، بــل أننــا نجــد مــع كثــرة المنظمــات الدوليــة العالميــة فــي الحاضــر لــم تســتطع أي منهــا أن تنفــذ عهــدا أو تحتــرم ميثاقــا كمــا احترمــه الرســول - صلــى هللا ــى هللا ــي - صل ــى النب ــش إل ــي قري ــع: » بعثتن ــو راف ــول أب ــي سياســته، يق ــه ف ــه وســلم، وطبق علي عليــه وســلم- وقــع فــي قلبــي اإلســام، فقلــت: يــا ــا رأيــت النبــي - صلــى هللا عليــه وســلم-، قــال: فلمرســول هللا ال أرجــع إليهــم، قــال: إنــي ال أخيــس بالعهــد)4(، وال أحبــس البــرد، ارجــع إليهــم، فــإن كان فــي قلبــك الــذي فيــه اآلن، فارجــع«)5(، ومــن الهــدي النبــوي فــي المعاهــدات أن النبــي- صلــى هللا عليــه وســلم - يمضــي عهــد أصحابــه إذا عاهــدوا أحــدا مــن المشــركين مــا دام أن هــذا العهــد ال يضــر بالمســلمين، كمــا فــي حادثــة حذيفــة بــن اليمــان وأبــي حســيل عندمــا أخــذ عليهــم المشــركون عهــدا أن ال يشــتركا بالقتــال مــع الرســول - صلــى هللا عليــه وســلم - ضدهــم، فأمضــى لهــم ذلــك، ــدرا إال أنــي خرجــت فعــن حذيفــة بــن اليمــان- رضــي هللا عنــه -، قــال: » مــا منعنــي أن أشــهد ب

)1( البخاري، الجامع الصحيح، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة: ج2ص947،ح )2581(

)2( أحمد ابن حنبل المسند:ج،ص219، ح)18910(، والحديث إسناده حسن .

)3( البخاري، الجامع الصحيح، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة:ج 2ص947، ح )2581(.

)4( ال أخيس بالعهد: أي ال أنقضه، وال أفسده، ينظر: ابن األثير، النهاية في غريب الحديث: ج2،ص92.

)5( سبق تخريجه: ص11.



ــا ــده م ــا نري ــا: م ــدا، فقلن ــم تريــدون محم ــوا: إنك ــش، قال ــار قري ــا كف ــال: فأخذن ــو حســيل ق ــا وأب أن، وميثاقــه لننصرفــن إلــى المدينــة، وال نقاتــل معــه، فأتينــا نريــد إال المدينــة، فأخــذوا منــا عهــد هللا - صلــى هللا عليــه وســلم- فأخبرنــاه الخبــر، فقــال: انصرفــا نفــي لهــم بعهدهــم، ونســتعين رســول هللاــلمين ــركين للمس ــوب المش ــت قل ــدات » أن فتح ــاء بالمعاه ــرة الوف ــن ثم ــم«)1(، وكان م عليه هللاــيرة ــن الس ــلمين وحس ــاء المس ــا رأوا وف ــم لم ــم؛ فإنه ــى أعدائه ــم عل ــا له ــوا أعوان ــث أصبح حيــنة منهــم صــاروا أشــد علــى عــدو المســلمين مــن المســلمين علــى عدوهــم«)2(، وتتجلــى عظمــة السالنبويــة أيضــا مــن خــال رعايــة حقــوق المعاهديــن األساســية حيــث لــم تجــز التعــرض لهــم دون ــه، أو ــدا، أو انتقص ــم معاه ــن ظل ــال: »م ــه وســلم - ق ــى هللا علي ــن رســول - صل وجــه حــق، فعكلفــه فــوق طاقتــه، أو أخــذ منــه شــيئا بغيــر طيــب نفــس، فأنــا حجيجــه يــوم القيامــة«)3( ، وقــال:» مــن قتــل معاهــدا لــم يــرح رائحــة الجنــة، وإن ريحهــا توجــد مــن مســيرة أربعيــن عامــا«)4(، لــذا» ــإذا أودع المســلمون قومــا مــن المشــركين، فليــس يحــل لهــم أن يأخــذوا شــيئا مــن أموالهــم إال فبطيــب أنفســهم، للعهــد الــذي جــرى بيننــا وبينهــم، فــإن ذلــك العهــد فــي حرمــة التعــرض لألمــوال والنفــوس بمنزلــة اإلســام، فكمــا ال يحــل شــيء مــن أمــوال المســلمين إال بطيــب أنفســهم، فكذلــك ال يحــل شــيء مــن أمــوال المعاهديــن، وهــذا ألن فــي األخــذ بغيــر طيــب أنفســهم معنــى الغــدر وتــرك الوفــاء بالعهــد«)5(، ولــم تعــرف البشــرية نظامــا، وال تشــريعا عنــي عنايــة بالغــة بالوفــاء ــة وقررتــه، وهــي التــي جعلــت مــن هــذا المعاهــد الغــادر ــنة النبوي بالمعاهــدات كمــا عرفتــه الس : خصمــا هلل - جــل وعــا - كمــا فــي حديــث أبــي هريــرة - رضــي هللا عنــه- مرفوعــا: » قــال هللاثاثــة أنــا خصمهــم يــوم القيامة:رجــل أعطــى بــي))( ثــم غــدر...«)7(، كمــا جعلــت لــكل غــدرة منــه لــواء، فيكــون للغــادر الواحــد ألويــة بعــدد غدراتــه زيــادة فــي التنفيــر مــن الغــدر وتعظيــم حرمتــه، فعــن النبــي - صلــى هللا عليــه وســلم - قــال: » لــكل غــادر لــواء يــوم القيامــة يعــرف بــه«)8(، ولــم م الغــدر ويجعلــه محرمــا إال فــي عــام )1907م( يعــرف العالــم عبــر قرونــه الطويلــة تشــريعا يجــر

)1( مسلم، صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب الوفاء بالعهد:ج3،ص 1414،ح ) 1787(.

)2( سعيد المهيري، العاقات الخارجية للدولة اإلسامية:ص 151.

)3( أبو داود، السنن، كتاب الخراج، باب في تعشير أهل الذمة:ج 2،ص172، ح )3052(، والحديث إسناده صحيح .

)4( البخاري،الجامع الصحيح، كتاب الجزية، باب إثم من قتل معاهدا بغير جرم:ج 3،ص1154،ح )2995(.

)5( الشيباني، شرح السير الكبير:ج1،ص45.

))( أعطى بي:عاهد باسمي وحلف،ينظر: أحمد بن حجر، فتح الباري بشرح صحيح البخاري،)لبنان:دار المعرفة، 1379هـ(: ج 4،ص 418.

)7( البخاري، الجامع الصحيح، كتاب البيوع، باب إثم من باع حرا:ج2، ص7))، ح )2114(.

)8( المصدر السابق، كتاب الجزية، باب إثم الغادر للبر والفاجر: ج3،ص4)11،ح )3015(.



ــه ــى هللا علي ــي - صل ــت ســيرة النب ــا كان ــن هن ــادة )23( «)1(، وم ــي الم ــر الهــاي » ف ــي مؤتم فوســلم- وســنته تطبيقــا واقعيــا لامتثــال وااللتــزام بالوفــاء بالمعاهــدات أنهــا لــم تكــن حبــرا علــى ورق، بــل مارســه المســلمون خلقــا عمليــا بــدءا مــن النبــي - صلــى هللا عليــه وســلم- وحتــى آخــر وم ــر ــن ال ــة وبي ــن معاوي ــال:» كان بي ــر ق ــن عام ــليم ب ــة تمســكت بعــرى اإلســام، فعــن س خافعهــد، وكان يســير نحــو بادهــم، حتــى إذا انقضــى العهــد أغــار عليهــم، وإذا رجــل علــى دابــة، أو ، ــلمي تيــن - وإذا هــو عمــرو بــن عبســة الس أكبــر وفــاء ال غــدر - مر علــى فــرس وهــو يقــول: هللافقــال لــه معاويــة: مــا تقــول ؟ فقــال عمــرو: ســمعت رســول هللا - صلــى هللا عليــه وســلم - يقــول: ــذ ــا، أو ينب ــي أمده ــى يمض ــدها، حت ــدة، وال يش ــن عق ــا يحل ــد، ف ــوم عه ــن ق ــه، وبي ــن كان بين مإليهــم)2( علــى ســواء، فرجــع معاويــة بالنــاس)3(« » وتعــد الوفــاء بالمعاهــدات ســابقة فــي المبــادئ الدوليــة التــي اتخــذ منهــا الحــكام المســلمون نموذجــا يحتــذى بــه فــي حالــة إبــرام معاهــدات الســام مــع األعــداء مــا دام ذلــك يخــدم مصالــح الدولــة اإلســامية، ومــن هنــا غــدت نظريــة المعاهــدة فــي

األعــراف الحديثــة جــزءا مــن النظريــة اإلســامية فــي قيــام العاقــات الدوليــة«)4( .

المطلب السادس: تقييد التعامل بالمثل بين الدول باألخالق

قامــت العاقــات الدوليــة اإلســامية مــع غيرهــا مــن الــدول علــى مبــادىء إنســانية مســتمدة مــن مبــادىء اإلســام، لــذا منعــت الســنة النبويــة مبــدأ التعامــل بالمثــل مطلقــا، مــن غيــر تقييــد، الــذي تعارفــت عليــه سياســات الــدول الخارجيــة فــي تعاماتهــا مــع األعــداء، اســتجابة ألمــر هللا ببيــان أن الهــدف مــن القتــال هــو إعــاء كلمــة هللا ال للعــدوان المتجــاوز آداب القتــال التــي وضــع اإلســام قواعدهــا، كعــدم التمثيــل بقتلــى العــدو، أو تعذيبهــم، أو االعتــداء علــى أعراضهــم، قــال تعالــى: ال يحــب المعتديــن { )البقــرة: ١٩٠(، الذيــن يقاتلونكــم وال تعتــدوا إن هللا }وقاتلــوا فــي ســبيل هللاولــذا كان القتــال مــن جانــب المســلمين مقيــد باألخــاق الفاضلــة، والمبــادئ الســامية ال تتجاوزهــا، ــم التــي تمــس كرامــة اإلنســان وتنافــي ــوا مــن الجرائ ــك الحــدود األعــداء؛ فارتكب ــو جــاوز تل ولــم ــز شــرعا مقابلته ــن الجائ ــس م ــى المســلمين، فلي ــل األعــداء بقتل ــإذا مث ــة، ف األخــاق والفضيلبالمثــل، وإذا تعــدوا علــى الشــيوخ، أو الصبيــان، أو النســاء، أو العمــال بالقتــل، أو اإليــذاء، فــا ــا كان يــوم يجــوز للمســلمين معاملتهــم بالمثــل، فعــن أبــي بــن كعــب - رضــي هللا عنــه - قــال: » لمــم حمــزة، فمثلــوا أحــد أصيــب مــن األنصــار أربعــة وســتون رجــا، ومــن المهاجريــن ســتة منه

)1( أحمد أبو الوفا، الوسيط في القانون الدولي )القاهرة:دار النهضة العربية، 2004م(، )د،ط(:ص99).

)2( ينبذ إليهم: النبذ: هو نقض العهد، ينظر: ابن األثير، النهاية في غريب الحديث:ج 5،ص).

)3( الترمذي، جامع الترمذي، كتاب السير، باب ما جاء في الغدر:ج 3،ص195،ح ) 1580(، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

)4( محمد الصادق عفيفي، المجتمع اإلسامي والعاقات الدولية:ص232.



ــوم ــا كان ي ــال: فلم ــذا لنربيــن عليهــم)1(، ق ــا منهــم يومــا مثــل ه ــن أصبن بهــم، فقالــت األنصــار: لئ تعالــى: } وإن عاقبتــم فعاقبــوا بمثــل مــا عوقبتــم بــه ولئــن صبرتــم لهــو خيــر ــة، فأنــزل هللا فتــح مك ــى هللا ــول هللا- صل ــال رس ــوم، فق ــد الي ــش بع ــل: ال قري ــال رج ــن { )النحــل: ١٢٦(، فق ابري للصــوم إال أربعــة «)2(، ومــن هنــا نجــد المســلمين راعــوا فــي حروبهــم، ــوا عــن الق ــه وســلم-: كف عليوعاقاتهــم مــع غيرهــم مــن الــدول، مبــادىء الرحمــة فــي جميــع الميادين في الســلم والحــرب، وقد شــهد غيــر المســلمين للمســلمين بذلــك، يقــول الكاتــب الفرنســي غوســتاف لوبــون)3( عنــد الموازنــة ــي الحــرب: ــق األخــاق ف ــي مــدى تطبي ــي ف ــن األيوب ــد صــاح الدي ــكاردو والقائ ــد ري ــن القائ بي»كان أول مــا بــدأ بــه ريــكاردو أنــه قتــل صبــرا)4( أمــام معســكر المســلمين ثاثــة آالف أســير مســلم ســلموا أنفســهم إليــه بعــد أن أعطاهــم عهــدا بحقــن دمائهــم، ثــم أطلــق لنفســه العنــان باقتــراف هــذا القتــل والســلب، وليــس مــن الصعــب أن يتمثــل المــرء درجــة تأثيــر تلــك الكبائــر فــي صــاح الديــن ــهم بــأذى، والــذي أمــد فيليــب وريتشــارد قلــب األســد النبيــل الــذي رحــم نصــارى القــدس، فلــم يمسبالمرطبــات واألزواد أثنــاء مرضهمــا... ثــم أطلــق كثيــرا مــن الفقــراء مــن غيــر فديــة، وعامــل النســاء معاملــة ال تصــدر مــن أرقــى ملــك منتصــر فــي العصــر الحديــث «)5(، فعلــى الرغــم مــن جرائــم ريــكاردو نجــد أن المســلمين لــم يقابلــوا ذلــك بالمثــل بــل حرصــوا علــى التمثــل باألخــاق الفاضلــة فــي التعامــل معهــم، فكانــت تعاليــم الرســول - صلــى هللا عليــه وســلم- تؤكــد فــي عاقاتــه مــع األعــداء احتــرم كرامــة اإلنســان وااللتــزام بمعاييــر اإلســام األخاقيــة، وإن لــم يلتــزم العــدو بهــا، حتــى فــي مياديــن القتــال، وأوصــى بذلــك أصحابــه والخلفــاء وعامــة المســلمين، فلــم يثبــت عنهــم فــي جميــع حروبهــم أنهــم مثلــوا بقتلــى األعــداء فــي الحــروب استرشــادا بوصايــاه- صلــى هللا عليــه وســلم- التــي أمرهــم بهــا أن يحســنوا معاملــة أهالــي األقاليــم، وال يتعرضــوا لهــم بالقتــل، ــر أميــرا علــى جيــش، أو ســرية أوصــاه أو التمثيــل بجثثهــم، وال يحرقــوا زرعــا، »فــكان إذا أم، فــى ســبيل ، ومــن معــه مــن المســلمين خيــرا، ثــم قــال: اغــزوا باســم هللا تــه بتقــوى هللا فــى خاص، اغــزوا، وال تغلــوا، وال تغــدروا، وال تمثلــوا، وال تقتلــوا وليــدا ...«))(، ، قاتلــوا مــن كفــر بــاهلل هللا

)1( نربين عليهم: أي: لنزيدن في التمثيل بقتاهم، ينظر: ابن األثير، النهاية في غريب الحديث:ج 2،ص192.

)2( ابن حنبل، المسند: ج35،ص145، ح ) 21230(. والحديث إسناده حسن .

)3( غوستاف لوبون: 1841 – 1931، طبيب مستشرق ومؤرخ فرنسي، عني بالحضارة الشرقية، جاءت كتبه الكثيرة متسمة بإنصاف الحضارة اإلسامية مما دفع الغربيين إلى إهماله وعدم تقديره، ينظر: شوقي أبو خليل،غوستاف

لوبون في الميزان) لبنان: دار الفكر المعاصر،1990( ط1:ص13.

)4( قتل صبرا: الصبر في اللغة:الحبس، ويقال للرجل إذا شدت يداه ورجاه ورجل يمسكه حتى يضرب عنقه قتل صبرا، ينظر: محمد بن مكرم بن منظور، لسان العرب)لبنان:دار صادر،1414ه(،ط3:ج 4،ص473.

)5( غوستاف لوبون، حضارة العرب، ترجمة: عادل زعيتر)القاهرة: دار إحياء الكتب، )195م(، ط1:ص330 وما بعدها.

))( سبق تخريجه:ص22.



ــذه ــن ه ــم م ــتفاد العال ــد اس ــة«)2(، وق ــة)1(، والمثل ــن النهب ــلم ينهى»ع ــه وس ــى هللا علي وكان- صلحمــة عنــد القتــال - فوائــد الوصايــا التــي تطالــب باحتــرام النفــس اإلنســانية وحمايتهــا، وللرــى ــا، وبفضــل اإلســام عل ــذه الوصاي ــة ه ي ــن بأهم ــاء الغربيي ــن الفقه ــد م ــر العدي ــد أق ــة، وق جمالقانــون الدولــي، ومنهــم البــارون »ميشــيل دي تــوب«، أســتاذ القانــون الدولــي بمعهــد الدراســات اإلســامية بـ«الهــاي« فــي هولنــدا، وأورد وصيــة الخليفــة أبــي بكــر لقــادة الجيــش التــي اســتمدها ــي الجــزء ــك ف ــادة، وذل ــه وســلم - للق ــى هللا علي ــاه- صل ــه- مــن وصاي ــو بكــر - رضــي هللا عن أبــنة النبويــة ســبقت القانــون األول مــن مجموعــة دراســاته األكاديميــة فــي القانــون الدولــي)3(، فالسالدولــي المعاصــر فــي ميــدان تنظيــم عاقــات الدولــة اإلســامية علــى أســس العــدل، والرحمــة، ــا ــي أوروب ــا المســيطرتان ف ــوة هم ــة والقس ــوة الحربي ــت الق ــن بقي ــي حي ــانية، ف ــة اإلنس والكرامبعيــدا عــن القيــم األخاقيــة حتــى القــرن التاســع، ثــم توالــت االتفاقــات والمعاهــدات الدوليــة التــي ــى األعــراف ــم إل ــر الموقعــة تحتك ــدول غي ــن أن ال ــي حي ــا إال األطــراف الموقعــة، ف ــزم به ال تلالســائدة عالميــا، وانتهــت فــي القــرن العشــرين بـــ ) القانــون الدولــي اإلنســاني(، وقــد رأى كثيــر ــة يمكــن االســتفادة ــي المســائل الدولي ــن أن أحــكام الشــريعة اإلســامية ف ــن الغربيي مــن القانونييمنهــا، وبخاصــة فــي مجاليــن رئيســين: األول: تطويــر أحــكام القانــون الدولــي واالعتــراف بــأن ــة فــي القانــون ــادىء األخاقي ــك القانــون، والثانــي: إدخــال المب الفــرد شــخص مــن أشــخاص ذلــامية ــة اإلس ــريعات النبوي ــة التش ــي لعظم ــي الغرب ــون الدول ــاء القان ــه علم ــد تنب ــي)4(، ولق الدولــم ــت صيحاته ــم وتعال ــت كتاباته ــد، وتوال ــد بعي ــذ أم ــات من ــة بحاجــات المجتمع ــا الدقيق ومعرفتهلإلشــادة بالقوانيــن الدوليــة السياســية وغيرهــا المســتمدة مــن اإلســام، فقــد تــم االعتراف بالشــريعة اإلســامية كمصــدر عالمــي للتشــريع والقانــون فــي عــدد مــن المؤتمــرات الدوليــة العلميــة منــذ عــام )1932م( منهــا: القانــون المقــارن الدولــي فــي الهــاي عــام 1932م، ومؤتمــر الهــاي ــي عــام 1945م ــي الهــاي 1938م، والمؤتمــر الدول ــارن ف ــون المق عــام 1937م، ومؤتمــر القان

ــس)5(. ــارن 1951م بباري ــون المق ــي للقان ــع الدول ــوق بالمجم بواشــنطن، وشــعبة الحق

ــة، ــى الحضــارة الغربي ــد عــدد المــؤرخ »ســيدو«))( فضــل قواعــد التشــريعات اإلســامية عل وق

)1( النهبة: الغارة، والسلب، ينظر: ابن األثير، النهاية في غريب الحديث:ج 5،ص132.

)2( البخاري، الجامع الصحيح، كتاب الذبائح والصيد، باب ما يكره من المثلة:ج 5،ص2099،ح ) 1731(.

)3( الصالح،علي شفيق، لمحات من روائع تشريعاتنا )2(، مقال منشور على شبكة االتصاالت العالمية)االنترنت( موقع األلوكة.

الدولي«،ولفغانغ القانون تطور « كتاب عن نقا اإلسام:ص)4، في الدولية ضميرية،العاقات )4( عثمان فريدمان:ص)19.

منشور على شبكة مقال مقارنة(، )دراسة الوضعي الدولي والقانون اإلسام في الحرب نظرية الرحال، )5( بدر االتصاالت العالمية )االنترنت ( موقع السكينة.

العرب« تاريخ « كتابه كتب الفلك، بعلم اشتغل فرنسي ومستشرق مؤرخ )187( 1808ـ سيديو:) ))( لويس



ــرعية اإلســامية ــف القواعــد الش ــق قائــا: »وهــذه مختل ــم عل ــي، ث ــد فــي القانــون الدول وبالتحديالتــي عمــل بهــا لتخفيــف وطــأة الحــروب مــن القــرن الســابع إلــى القــرن الثالــث عشــر للميــاد، فهــي إذا أســبق بأمــد طويــل علــى األفــكار والمبــادئ القانونيــة المماثلــة، والتــي بــدأت تشــق طريقها خــال الفتــرة المظلمــة التــي عانــت منهــا الحيــاة الدوليــة األوربيــة خــال القــرن الثالــث عشــر«)1(.

الخاتمة

وتتضمن أهم النتائج والتوصيات، وذلك على النحو اآلتي: ـ

أوال: نتائج الدراسة:

بيــان عالميــة الرســالة المحمديــة فــي مجــال الدعــوة إلــى هللا، وتمتــاز هــذه السياســة بمنهجيــة . 1فريــدة فــي التعامــل مــع الــدول والشــعوب األخــرى غيــر المســلمة؛ ممــا جعلهــا تختلــف عــن

جميــع األديــان الســماوية والفلســفات الوضعيــة.

ــه مــن األحــكام . 2 ــة وأعطت ــادئ األنظمــة السياســية الدولي ــدأ مــن مب ــة مب ــنة النبوي أرســت السالشــرعية المرتبطــة بــه مــن كل لــون مــن ألــوان الحمايــة، وهــو مبــدأ األمــان، والــذي يقابلــه فــي القانــون الدولــي )اللجــوء السياســي(، حيــث كفلتــه التشــريعات الدوليــة الحديثــة، وحثــت

عليــه ممــا أدى إلــى ظهــور المفوضيــة الســامية لشــؤون الاجئيــن .

ولــي العــام قبــل ظهــور القوانيــن الدوليــة المعاصرة، . 3 لــت الســنة النبويــة قواعــد القانــون الد أصحيــث عــدت هــذه المعاهــدات والمواثيــق مصــدرا للقوانيــن الدوليــة، ووضعــت قاعــدة حرمــة

المعاهــدات وقدســيتها ســلما وحربــا، وطبقتهــا عمليــا.

موافقــة سياســة النبــي - صلــى هللا عليــه وســلم- الخارجيــة للمواثيــق والقوانيــن الدوليــة ذات . 4النشــأة الغربيــة .

كان الرســول- صلــى هللا عليــه وســلم - القــدوة فــي تطبيــق الدبلوماســية السياســية، فقــد انتهــج . 5فــي مكاتباتــه ورســائله مــع الملــوك والرؤســاء أرقــى أســاليب التعامــل، فــكان نموذجــا يحتــذى

بــه إلــى جانــب مــا اتســمت بــه كتاباتــه التــي تــدل بأســلوبها ومحتواهــا علــى حكمــة مرســلها.

ــة . ) ــر الحماي ــه توفي ــد ب ــي يقص ــح قانون ــي مصطل ــون الدول ــي القان ــية ف ــة الدبلوماس الحصانللمبعوثييــن مــن الرســل؛ مــن أجــل قيامهــم بمهامهــم الموكلــة إليهــم، ويقابــل هــذا المصطلــح

بالفرنسية، ثم ترجم إلى العربية، شهد للعرب واإلسام بأن لهم فضل كبير على أمم العالم في كتاباته . انظر: الزركلي،األعام:ج5،ص)24.

)1( سيديو، تاريخ العرب العام، )لبنان،االهلية للنشر والتوزيع والطباعة - لبنان، 2003ه(ط1:ص152.



الحديــث عقــد األمــان الــذي يمنــح لغيــر المســلمين الداخليــن للبــاد االســامية لغــرض ــروع. مش

ثانيا: أهم التوصيات:

الدعــوة إلــى التركيــز فــي وســائل اإلعــام الحديثــة المرئيــة والمســموعة والمقــروءة علــى . 1نشــر السياســة الخارجيــة للدولــة اإلســامية فــي عهــد النبــوة.

توجيــه الباحثيــن لعقــد مقارنــة القوانيــن المعاصــرة بمــا عندنــا مــن النصــوص التشــريعية فــي . 2الدراســات القانونيــة، أو الشــبيه لهــا لبيــان مــدى تميــز هــذا الديــن.

المصادر والمراجع:ابن األثير، المبارك، النهاية في غريب الحديث واألثر، المكتبة العلمية، بيروت – لبنان، 1399هـ .

التوحيدي، أبو حيان،البصائر والذخائر،تحقيق:وداد القاضي، دار صادر،بيروت،ط1،1408هـ.األنصاري، محمد، شرح حدود ابن عرفة، دار الغرب اإلسامي، ط1، 1993م.

باشميل، محمد أحمد، صلح الحديبية، دار الفكر، بيروت، ط1، 1390هـ ـ 1970م.البخاري، محمد بن إسماعيل، الجامع الصحيح، دار ابن كثير، بيروت- لبنان، ط3، 1987م.

بوبوش، محمد، تطور الدبلوماسية اإلسامية عبر العصور، مقال منشور على النت.البيهقي،أحمد بن الحسين، دالئل النبوة،، دار الكتب العلمية، ط1، 1408 هـ - 1988م.

التابعي، محمد، السفارات في اإلسام، مكتبة مدبولي، مصر، )د،ت،ط(.الترمذي، محمد بن عيسى، الجامع، دار الغرب اإلسامي – بيروت، 1998م.

توماس،سير، الدعوة إلى اإلسام، ترجمة:حسن إبراهيم حسن، مكتبة النهضة المصرية، ط3، 1971م جوته، راؤول، موجز الدبلوماسية، ترجمة قاسم مردم، المطبعة الهاشمية، دمشق،))13 هـ ـ1947م.

الحلبي علي بن برهان، السيرة الحلبية،، دار المعرفة، بيروت، د،ط، 1400 ه.الحليبــة، محمــد، حــق اللجــوء السياســي بيــن الشــريعة اإلســامية واألنظمــة الوضعيــة، رســالة ماجســتير 1422ه،

أكاديميــة نايــف العربيــة للعلــوم األمنيــة، الريــاض.ابن حنبل، أحمد، المسند، تحقيق: شعيب األرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة ط1، )141هـ.

خطاب، محمود، السفارات النبوية، المجمع العلمي العراقي، بغداد، )198م.ابو داود: سليمان بن األشعث، السنن، دار الفكر، بيروت – لبنان، 1410هـ.

الربيع،خالــد، الحصانــات واالمتيــازات الدبلوماســية فــي الفقــه اإلســامي والقانــون الدولــي، مجلــة الفقــه والقانــون، ــت، العــدد5، 2005م، ص)12. الكوي

الزركلي، خير الدين بن محمود،األعام، دار العلم للمايين،لبنان، ط5، 2002م.سباط، حسام محمد سعد، اللجوء السياسي في اإلسام، دار البيارق – بيروت، ط 1، 1997م.

السرخسي، شمس الدين،المبسوط، دار المعرفة، بيروت، )140 ه- )198 م.شتا، أحمد، األصول العامة في العاقات، المعهد العالمي للفكر اإلسامي، القاهرة، ط1، )199م.الشوكاني، محمد، نيل األوطار من أحاديث سيد األخيار، دار الجليل، بيروت، )د،ط(، 1393ه .

الشيخ، خالد، الدبلوماسية والقانون الدبلوماسي، عمان - األردن، ط1، 1999م.الشيرازي، إبراهيم، المهذب في فقه اإلمام الشافعي، دار المعرفة، بيروت،1379هـ.

ــول ــن األص ــة بي ــات الدولي ــوث العاق ــن بح ــور ضم ــام، منش ــي اإلس ــة ف ــات الدولي ــز، العاق ــد العزي ــر، عب صقاإلســامية وبيــن خبــرة التاريــخ اإلســامي، 2000م



ابي، علي محمد، السيرة النبوية، دار التوزيع والنشر اإلسامية، القاهرة - مصر، ط1، 1422هـ الصضميرية، عثمان، العاقات الدولية في اإلسام، اآلفاق المشرقة، عمان- األردن، ط1، 2011م.

عبد السام، جعفر، قواعد العاقات الدولية،مكتبة السام العالمي،القاهرة، ط1، 1401هــ1981م.عطية هللا، أحمد، القاموس السياسي، دار النهضة العربية، القاهرة، ط4، 1980م.

عفيفي، محمد الصادق، المجتمع اإلسامي والعاقات الدولية،مؤسسة الخانجي، القاهرة- مصر،ط1،1986.تطور التبادل الدبلوماسي في اإلسام، مكتبة األنجلو المصرية - القاهرة، ط1، )198م.

عمارة، محمد،اإلسام وحقوق اإلنسان،الكويت، مجلة عالم المعرفة – العدد 89، مايو1958م.العويني، محمد علي، أصول العلوم السياسية، عالم الكتاب، القاهرة، ط2، 1989م.

غانم، محمد حافظ، الوجيز في القانون الدولي، دار النهضة العربية، مصر،1399هـ.الفتاوي،سهيل،دبلوماسية النبي محمد-صلى هللا عليه وسلم- دار الفكر العربي، بيروت – ط1،2001.

ابن قدامة، عبد هللا، المغني في فقه اإلمام أحمد بن حنبل، دار الفكر، بيروت – لبنان، ط1، 1405م الكيالي، عبد الوهاب، الموسوعة السياسية، المؤسسة العربية للنشر، بيروت - لبنان، 1979م.

لوبون، غوستاف، حضــارة العــرب، ترجمة: عادل زعيتر، دار إحياء الكتب، القاهرة، ط1، )195م.متولي، عبد الحميد،مبادئ نظام الحكم في اإلسام، منشأة المعارف، االسكندرية،ط2،1966م.

المرداوي، عاء الدين،اإلنصاف في معرفة الراجح من الخاف، عالم الكتب،ط4،1985م.مسلم، بن الحجاج، صحيح مسلم، دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان،ط2، 1972م .

مفلح، محمد، الفروع، عالم الكتب،ط4،1405ه.منظور: محمد بن مكرم، لسان العرب، دار صادر، بيروت- لبنان، ط3،1414ه.

المهيري، سعيد، العاقات الخارجية للدولة اإلسامية، مؤسسة الرسالة، بيروت- لبنان، ط1، )141ه ــطين ــس- فلس ــة النجاح،نابل ــتير، جامع ــالة ماجس ــه اإلسامي،رس ــي الفق ــفراء ف ــل والس ــكام الرس ــال، أح ــم، جم نج

2008مابن هشام، السيرة النبوية، تحقيق: طه سعد، دار الجيل، بيروت - لبنان، ط1، 1411هـ.

أبوهيف، علي صادق، القانون الدبلوماسي، منشأة المعارف، اإلسكندرية- مصر 1395هـ. أبوالوفا، أحمد، الوسيط في القانون الدولي، دار النهضة العربية، القاهرة - مصر، )د،ط(، 2004م.

ــرة، ط1، ــة التجارية،القاه ــم المتحدة،،المكتب ــان األم ــام وإع ــم اإلس ــن تعالي ــان بي ــوق اإلنس ــد، حق ــي، محم الغزال3)19م.



Foreign Policy in Light of the Prophet’s Sunnah

Maisa A. RawabdehPrincess Alia University College - Al-Balqa Applied University

Amman - Jordan

Aziza S. EleewaFaculty of Sharia - University of Jordan

Ministry of Education

Amman - Jordan

Abstract

In the area of foreign policy, one of Prophet Mohammed’s )PBUH( major concerns was to reach out for the world, besides insisting on refusing to adopt an isolationist policy. Accordingly, he believed in an open-door policy in international relations between the new Islamic state and its neighbours. This paper investigates the foreign political relations of the Islamic state with other countries. Prophet Mohammed )PBUH( has in fact set up the bases of such policy and made it an ideal example through signing treaties, sending diplomatic ambassadors and representatives to other countries, receiving envoys, and coordinating foreign relations with neighbouring countries. Today, such policy traits have been approved by modern world countries, which also form the basis of the international law.

المجلد 12 ، العدد 2 ربيع األول 1437 هـ / ديسمبر 2015 م الترقيم الدولي ...

Documents