Top Banner
(ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﻵﻣﻠﻲ) ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ: ﻛﺸﻒ ﺍﻟﻤﺮﺍﺩ ﻓﻲ ﺷﺮﺡ ﺗﺠﺮﻳﺪ ﺍﻻﻋﺘﻘﺎﺩ ﺍﻟﻤﺆﻟﻒ: ﺍﻟﻌﻼﻣﺔ ﺍﻟﺤﻠﻲ ﺍﻟﺠﺰﺀ:٧٢٦ : ﺍﻟﻮﻓﺎﺓ ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ: ﻣﻦ ﻣﺼﺎﺩﺭ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺸﻴﻌﺔ ﺍﻹﻣﺎﻣﻴﺔ ﺗﺤﻘﻴﻖ: ﺁﻳﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺣﺴﻦ ﺯﺍﺩﻩ ﺍﻵﻣﻠﻲ ﺍﻟﻄﺒﻌﺔ: ﺍﻟﺴﺎﺑﻌﺔ١٤١٧ : ﺳﻨﺔ ﺍﻟﻄﺒﻊ ﻗﻢ- ﺍﻟﻤﻄﺒﻌﺔ: ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻧﺸﺮ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻗﻢ- ﺍﻟﻨﺎﺷﺮ: ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻧﺸﺮ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺭﺩﻣﻚ: ﻣﻼﺣﻈﺎﺕ:
612

(ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

Oct 18, 2020

Download

Documents

dariahiddleston
Welcome message from author
This document is posted to help you gain knowledge. Please leave a comment to let me know what you think about it! Share it to your friends and learn new things together.
Transcript
Page 1: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الكتاب: كشف المراد في شرح تجريد االعتقاد (تحقيق اآلملي)المؤلف: العالمة الحلي

الجزء:الوفاة: ٧٢٦

المجموعة: من مصادر العقائد عند الشيعة اإلماميةتحقيق: آية الله حسن زاده اآلملي

الطبعة: السابعةسنة الطبع: ١٤١٧

المطبعة: مؤسسة نشر اإلسالمي - قمالناشر: مؤسسة نشر اإلسالمي - قم

ردمك:مالحظات:

Page 2: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

كشف المرادفي شرح

تجريد االعتقادتأليف

العالمة الحلي قدس سرهصححه وقدم له وعلق عليه

آية الله الشيخ حسن حسن زادة اآلمليمؤسسة النشر االسالمي

التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة

(١)

Page 3: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

شابك ٦ - ٠٠٦ - ٤٧٠ - ٩٦٤٩٦٤ ISBN - ٦ - ٠٠٦ - ٤٧٠

كشف المرادفي

شرح تجريد االعتقادتأليف: العالمة الحلي قدس سره

تحقيق وتعليق: األستاذ آية الله الشيخ حسن حسن زادة اآلمليالموضوع: كالم

عدد الصفحات: ٥٩٢طبع ونشر: مؤسسة النشر االسالمي

الطبعة: السابعة المنقحةالمطبوع ٢٠٠٠ نسخةالتاريخ: ١٤١٧ ه. ق

مؤسسة النشر االسالميالتابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة

(٢)

Page 4: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الحمد لله رب العالمين، والصالة والسالم على أشرف أنبيائه وخاتم رسلهمحمد وعترته المنتجبين.

ال شك في أن علم الكالم من أمهات العلوم وأشرفها وذلك باعتبار موضوعهوما يبحث فيه من المسائل كمعرفة الخالق وصفاته الجاللية والجمالية والمعاد

وسائر أصول الدين التي ال بد لإلنسان أن يؤمن بها عن معرفة وإيقان وإذعان، واليجوز له التقليد فيها.

وألهمية هذا العلم وعظمته وجاللة موضوعه وأبحاثه ألفت الكتب وصرفتفيه جهود أكابر العلماء وأساطين الفن. ويعتبر المحقق البارع الخواجة نصير الدين

الطوسي قدس الله روحه الزكية من أول مروجي هذا العلم، حيث ألف كتابتجريد االعتقاد وهو كتاب دقيق متقن، ولهذا نرى أن مثل العالمة على اإلطالق

- يعني الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي رضوان الله تعالى عليه صاحب العلومالعقلية والنقلية - قد أقدم على شرحه وتوضيح مرامه وسماه ب (كشف المراد في

شرح تجريد االعتقاد) ولله دره على شرحه، وحقا كما قيل (ولوال شرحه لماشرح هذا المتن). فعظمة هذا الكتاب تعرف من شخصية الماتن والشارح، وبما

أنه من الكتب الدراسية في الحوزات العلمية ومحط أنظار أهل العلم والفضل

(٣)

Page 5: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

فال بد أن يكون سالما من األغالط وخاليا من التشويهات واألوهام التي حصلتفيه إثر مرور األزمنة المتمادية.

لذلك قام المحقق الكبير سماحة األستاذ آية الله الشيخ حسن حسن زاده اآلمليأدام الله أيام إفاضاته بجهود كثيرة وطاقات مشكورة، وبذل وقته الشريف في مقابلة

الكتاب لنسخ خطية قيمة عزيزة الوجود، وعلق عليه بتعليقات أنيقة أزاح عنهالتشويشات وأنار بقلمه المبهمات.

وبما أن المؤسسة رغبت - كعادتها - أن تقدم خدمة لطلبة العلم والحوزاتالعلمية في هذا المجال قامت بإعادة طبع هذا الكتاب بحلة جديدة وذلك بإدخالبعض التعديالت في تشكيلة الكتاب، فأدرجت التعليقات في ذيل الموارد المعلق

عليها تسهيال للمطالع وتسريعا للمراجع بعد أن كانت في الطبعات السابقة ملحقةبآخر الكتاب، مضافا إلى تدارك ما فات من األغالط المطبعية، فأضحى وبحمد

الله متينا ونافعا، شاكرين للمحقق األستاذ اآلملي مساعيه المباركة، وسائلين الله لهولنا مزيدا من التوفيق في بث المعارف اإلسالمية وإيصالها إلى النفوس التواقة

لالستزادة منها واالستضاءة بنورها إنه خير موفق ومعين، وآخر دعوانا أنالحمد لله رب العالمين.مؤسسة النشر اإلسالمي

التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة

(٤)

Page 6: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لمن ال نفاد لكلماته، والصالة على من شرف الصالة بالصالة عليه وآله

تراجم آياته.وبعد، فمما هو مشهود ذوي البصائر واألبصار وال يعتريه امتراء وال إنكار أنكتاب (تجريد االعتقاد) من مصنفات سلطان المحققين الخواجة نصير الدين

الطوسي رضوان الله تعالى عليه أم الكتب الكالمية وإمامها، وقد احتوى أصولمسائلها على أجمل ترتيب وأحسن نظام لم يسبقه أحد قبله، ولم ينسج من جاء

بعده على منواله بل كلهم عياله.وأن (كشف المراد في شرح تجريد االعتقاد) من مؤلفات العالمة على

اإلطالق، أدل شرح عليه كما هو أول شرح عليه، وقد أنصف الفاضل الشارحالقوشجي في قوله وأجاد: لوال كشف المراد لما فهمنا مراد تجريد االعتقاد.

هذا الذي نقلنا عن القوشجي هو من مسموعاتنا، ولكن مؤلف الذريعة إلىتصانيف الشيعة قال في عنوان تجريد الكالم (ج ٣ ص ٣٥٢) ما هذا لفظه: وعليه

حواش ال تحصى وشروح كثيرة، فأول الشروح شرح تلميذ المصنف آية اللهالعالمة الحلي المتوفى سنة ٧٢٦ ه - إلى أن قال رضوان الله تعالى عليه: - الثالثشرح الشيخ شمس الدين محمود بن عبد الرحمن أحمد العامي األصفهاني المتوفى

(٥)

Page 7: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

سنة ٧٤٦ ه، قال في أوله: إن العالمة الحلي هو أول من شرحه، ولوال شرحه لماشرح هذا المتن، إنتهى فراجع.

وأقول: لنا نسختان من هذا الشرح لألصفهاني إحداهما كاملة وتاريخ كتابتها٨٩٠ ه، واألخرى عادمة من أولها عدة أوراق وتاريخ كتابتها ٨١٦ ه، وماوجدنا العبارة المذكورة في أوله ولعلها من كالم الشيخ شمس الدين محمد

اإلسفرايني البيهقي في شرحه عليه.ثم إن ما حدى المحقق الطوسي على تحرير تجريد االعتقاد يعلم بما أبانه هو

نفسه في فاتحة نقد المحصل حيث قال قدس سره العزيز:فإن أساس العلوم الدينية علم أصول الدين الذي يحوم سائله حول اليقين وال

يتم بدونه الخوض في سائرها كأصول الفقه وفروعه، فإن الشروع في جميعهايحتاج إلى تقديم شروعه حتى ال يكون الخائض فيها وإن كان مقلدا ألصولها

كبان على غير أساس، وإذا سئل عما هو عليه لم يقدر على إيراد حجة أو قياس.وفي هذا الزمان لما انصرفت الهمم عن تحصيل الحق بالتحقيق، وزلت

األقدام عن سواء الطريق، بحيث ال يوجد راغب في العلوم وال خاطب للفضيلة،وصارت الطباع كأنها مجبولة على الجهل والرذيلة، اللهم إال بقية يرمون فيما

يرومون رمية رام في ليلة ظلماء، ويخبطون فيما ينحون نحوه خبط عشواء، ولمتبق في الكتب التي يتداولونها من علم األصول عيان وال خبر، وال من تمهيد

القواعد الحقيقية عين وال أثر، سوى كتاب المحصل الذي اسمه غير مطابق لمعناه،وبيانه غير موصل إلى دعواه، وهم يحسبون أنه في ذلك العلم كاف وعن أمراضالجهل والتقليد شاف. والحق أن فيه من الغث والسمين ما ال يحصى، والمعتمدعليه في إصابة اليقين بطائل ال يحظى، بل يجعل طالب الحق بنظره فيه كعطشانيصل إلى السراب، ويصير المتحير في الطرق المختلفة آيسا عن الظفر بالصواب،

رأيت أن أكشف القناع عن وجوه أبكار مخدراته وأبين الخلل في مكامن شبهاته،وأدل على غثه وسمينه، وأبين ما يجب أن يبحث عنه من شكه ويقينه. وإن كان قد

(٦)

Page 8: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

اجتهد قوم من األفاضل في إيضاحه وشرحه، وقوم في نقض قواعده وجرحه، ولميجر أكثرهم على قاعدة األنصاف ولم تخل بياناتهم عن الميل واالعتساف.. الخ.

فكلماته المنبئة عما جرى على الناس من الزيغ وااللتباس حتى اعتنوا علىغير المحصل وبنوا كبان على غير أساس، تدلك على أن التجريد حرر بعد النقدنسخا للمحصل لتحصيل الحق بالتحقيق وإزهاق الباطل بالحقيق ووزان التجريد

إلى المحصل وزان شرحه على كتاب إشارات الشيخ إلى شرحه عليه، فقد قال فيأوله بما فعله بشرحه عليه ما هذا لفظه: فهو بتلك المساعي لم يزده إال قدحا،

ولذلك سمى بعض الظرفاء شرحه جرحا.والكتابان الكشف وشرح الخواجة على اإلشارات قد تناولتهما أيادي أرباب

العلوم العقلية في األكناف، وتداولتهما ألسنة أصحاب التحصيل في األطراف منزمن تأليفهما إلى اآلن، وقد خلى أكثر من سبعة قرون، وهما سناما الكتب الدرسية

من الكالمية والحكمة المشائية. ولم يأت أحد بعدهما مع طول العهد بتأليفيضاهيهما بل الكل يباهي بتعليمهما وتعلمهما، اللهم إال بالتعليق اإليضاحي على

طائفة من مسائلهما، أو الشرح التفصيلي عليهما.ثم ال يعجبني أن أصف لك ما كابدته طول مدد مديدة في عمل هذا الكتاب

القيم حتى استقام على هذا النهج القويم. فكأنك تظن بالنظرة األولى أنه تأليفجديد عرضناه عليك، ولكنه (كشف المراد في شرح تجريد االعتقاد) للعلمين

اآليتين على اإلطالق المحقق الطوسي والعالمة الحلي رضوان الله تعالى عليهما،وقد قيض الله سبحانه لنا وأنفذ إنقاذه من دياجير تحريفات مظلمة مشوهة موحشة

ينبئك عنها عرضه على ما طبع منه من قبل أي طبع كان.ولما كان شهرة الكتاب وعظم شأنه وجاللة قدر ماتنه وشارحه المشتهرين

في اآلفاق قد أغنتنا عن الوصف والتعريف فإنما الحري بنا إراءة ما جرى علىالكتاب وعمل فيه من جدد التصحيح بعون الهادي إلى الصواب، وهو ما يلي:

أوال: أن أستاذنا العالمة الشعراني قدس سره الشريف كان شديد االعتناء

(٧)

Page 9: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

بالتجريد وكشف المراد، فقد شرح آخر األمر التجريد بالفارسية شرحا مجديا كثيرالجدوى جدا، وهو مطبوع مستفاد.

وال أنسى إيصاءه لنا غير مرة في تضاعيف كلماته السامية في حضرتهالعالية بالعناية بذلك الكتاب المستطاب - أعني (كشف المراد في شرح تجريد

االعتقاد) - فقد اقتفينا أثره وأخذنا في سالف الزمان حين اشتغالنا في مدرسةالمروي بطهران على واقفها التحية والرضوان، وقد مضى إلى اآلن أكثر من خمسوعشرين سنة، في تدريسه وتصحيحه والتعليق عليه، فقد صححناه بقدر اإلمكانوعلقنا عليه تعليقات وحواش من بدوه إلى ختمه، وقد استنسخها غير واحد من

الفضالء بعد االطالع عليها واإلقبال إليها.وثانيا: كلما مست الحاجة في آونة دروسنا أو أثناء تأليفاتنا الحكمية

والكالمية بل الرياضية إليه فحصنا مطالب البحث على التحقيق وزدنا عليهاإضافات مما يليق وتصحيحات بما هو جدير وحقيق.

وثالثا: قد حصلت لنا بتوفيق الله سبحانه مرة بعد أخرى عدة نسخ مخطوطةعتيقة وغير عتيقة من التجريد وشروحه من كشف المراد وشرح اإلصبهاني وشرح

القوشجي والشوارق وغيرها، فقد استفدنا منها لتصحيح الكتاب متنا وشرحا.ولكن لم يكن الكتاب بعد خاليا من األغالط والتحريف. وأما النسخ المطبوعة منهفكلها غير صالحة لالعتماد، وقد طبع بعضها من بعض بالتقليد، إال أن بعضها أقل

أغالطا من اآلخر من حيث األغالط المطبعية وهو كما ترى.ورابعا: قد بلغ التصحيح كماله وطلع كالبدر المنير جماله بما أقدمت مؤسسة

النشر اإلسالمي في دار العلم قم - زادها الله تعالى توفيقا في إحياء آثار الغابرينلنشر المعارف اإللهية - إلى طبع هذا السفر الكريم وإعادة نشره على الوجه الوجيه

والنهج القويم، فقد بذلت جهدها إلنجازه وإنفاذه فهيأت عدة نسخ نفيسة عتيقةجدا من خزائنها القيمة من المكاتب العامة ثم فوضت ذلك الخطير إلى هذا الحقير

فأصبح على وجه نرجو الله سبحانه أن يجعله مشكورا.

(٨)

Page 10: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وتلك النسخ اآلتي وصفها غير واحدة منها مصححة قراءة وقباال، وتنميقبعضها يحاكي عهد التأليف واآلخر ينادي قرب العهد منه، وكلها لسان واحد ناص

على أن الكتاب متنا وشرحا قد ناله صرف الدهر، فكأنما فعل به ما فعل بالكالمالعجمي في تضاعيف العربي بقولهم عجمي فالعب به ما شئت.

فتبين لنا أوال أن ما جرى في سالف األيام على كشف المراد للطبعة األولىثم على منوالها تبعتها طبعات أخرى هو أن نسخة من التجريد كانت عباراتهاالوجيزة قد قيدت بكلمات وجمل كأنهما مأخوذتان من كشف المراد للتبيين

واإليضاح فظن بها أنها نسخة أصيلة فجعلوها متنا، فليس المتن في المطبوع منكشف المراد - أي طبع كان - متنا ناصعا، بل الدخيل فيه ليس بأقل من األصيل

حتى أن المتن الذي آثره األستاذ العالمة الشعراني روحي فداه في شرحه عليهففي مواضع منه كالم ودغدغة.

وثانيا: أن كشف المراد لما كان إلى اآلن - وقد خلت من تأليفه قرون - كتابامتداوال للدراسة عند محصلي العلوم فكثرت عليه تعليقات للشرح واإليضاح إما

بإيجاز وهو أكثر، وإما بإطناب وهو قليل، أدرج الحشو في الكشف فطبع الخليطمع الصريح. ومما يشهد بذلك أن كل نسخة الحقة منه تحوي زوائد تخلو عنها

سابقتها، على أن سياق العبارات وحده حاكم على الزيادات.وثالثا: قد حرفوا كثيرا من األقاويل عن فحاويها، وعرفوا بإزائها األباطيل

في مجاريها كأن الناظر يظن في تمادي المس أن الكتاب قد أصابه دس. كما أنكترى عبارة الماتن في مطاعن الثاني هكذا: وقضى في الحد بمائة قضيب،

والصواب: وقضى في الجد مائة قضية، أي قضى في ميراث الجد بمائة حكممختلفة، يعني أنه كان يتلون في األحكام.

وترى عبارة الشارح في المقام هكذا: أقول هذه مطاعن أخر وهو أن عمر لميكن عارفا بأحكام الشريعة، فقضى في الحد بمائة قضيب، وروى تسعين قضيبا،

وهو يدل على قلة معرفته باألحكام الظاهرة.

(٩)

Page 11: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

والصواب: أقول هذه مطاعن أخر، وهو أن عمر غير عارف بأحكام الشريعةفقضى في الجد بمائة قضية، وروى تسعين قضية، وهذا يدل على قلة معرفته

باألحكام الظاهرة.وقد قال علم الهدى في الشافي (ص ٢٥٦ ط ١) في عد مطاعن الثاني عن

الكتاب المغني للقاضي عبد الجبار: قال صاحب الكتاب (يعني به القاضي المذكورفي الكتاب المغني) وأحد ما نقموا عليه أنه كان يتلون في األحكام حتى روي عنه

أنه قضى في الجد بسبعين قضية، وروي مائة قضية.. الخ. وفي تلخيص الشافيلشيخ الطائفة (ص ٤٣٨ ط ١) ومما طعنوا عليه أنه كان يتلون في األحكام حتىروي أنه قضى في الجد سبعين قضية، وروي مائة قضية.. الخ. والمحقق الطوسي

في إمامة التجريد ناظر إلى الشافي وتلخيصه كما يعلم بعرضه عليهما. وعلم الهدىوشيخ الطائفة من سلسلة مشايخه ألنه قرأ المنقول على والده محمد بن الحسن

وهو تلميذ فضل الله الراوندي وهو تلميذ السيد المرتضى علم الهدى والشيخالطوسي.

ورابعا: قد وجدنا من أساليب عبارات بعض النسخ سيما في فصول اإلمامةمنه أن الكاتب كان من العامة وكلما كان مثال ذكر اسم النبي صلى الله عليه وآله

وسلم كان يكتبالكاتب بعده ذكر الصلوات على ما هو المتعارف بينهم، ثم رأينا نسخا أخرى كانذكر الصلوات فيها بحيث اشتهر بين اإلمامية أي صلى الله عليه وآله وسلم وهكذا

الكالم في ذكرالوصي وسائر األوصياء عليهم السالم وفي غير الوصي فتدبر.

إعلم أنا لم نكتف باقتفاء السيرة من جعل نسخة أصال وإماما ونقل اختالفاتالنسخ األخرى في ذيل الصفحات، وهذا الدأب وإن لم يكن فيه بأس ولكن رأينااألحرى منه أنه كلما أقبل أمر االختالف أن يرد إلى مآخذه األصيلة التي يعلم بهاما يحسم به مادة االختالف، ألن كل فن له اصطالحات خاصة يجب مراعاتها،

فمن زاغ عنها فقد أزاغ.نماذج في ذلك:

(١٠)

Page 12: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

ألف: في المسألة السابعة والثالثين من الفصل األول من المقصد األول فيتصور العدم كانت العبارة في النسخ المطبوعة من الكتاب هكذا: ويمكنه أن يقيسه

إلى جميع الماهيات فيمكنه أن يلحظه باعتبار نفسه، فيتصور الذهن عدم نفسه،وكذلك يمكنه أن يلحظ نفس العدم.

والصواب: ويمكنه أن ينسبه إلى جميع الماهيات فيمكنه أن يلحظه باعتبارنفسه فيتصور عدم الذهن نفسه، وكذلك يمكنه أن يلحقه نفس العدم. (ص ١٠١).

قوله (وكذلك يمكنه أن يلحقه نفس العدم) أي وكذلك يمكن الذهن أن يلحقالعدم نفس العدم، فيكون يلحق من اإللحاق وكل واحد من العدم ونفس العدم

منصوب على المفعولية.ب: في المسألة الثالثة واألربعين من ذلك الفصل في أن الحكم بحاجة

الممكن إلى المؤثر ضروري، كانت العبارة هكذا: وتقرير السؤال أن الممكن لوافتقر إلى المؤثر لكانت مؤثرية المؤثر لكونها وصفا محتاجا إلى الموصوف ممكنا

محتاجا إلى المؤثر في ذلك إن كانت وصفا ثبوتيا في الذهن. (ص ١١٤).والصواب: وتقرير السؤال أن الممكن لو افتقر إلى المؤثر لكانت مؤثرية

المؤثر في ذلك األثر إن كانت وصفا ثبوتيا في ذلك.والعبارة الباقية تعليقة أدرجت في الكتاب، ثم حرفت عبارة الكتاب كي

يستقيم ربط بعضها مع بعض، كما أن السياق ينادي بذلك أيضا.ج: في المسألة العاشرة من ثاني ذلك المقصد في أقسام الواحد، كانت العبارةعند قول الماتن والوحدة في الوصف العرضي.. الخ هكذا: أقول فإن الوصف

العرضي. (ص ١٥٣).والصواب: أقول الوحدة في الوصف العرضي والذاتي تتغاير أسماؤها بتغاير

المضاف إليه فإن الوصف العرضي.

فقد أسقط من الكتاب سطر كامل.د: في أول المسألة الثانية من ثاني المقصد الثاني، قد أدرجت تعليقة في

(١١)

Page 13: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الشرح تنتهي إلى صفحة كاملة من الكتاب فراجع (ص ٢٤١) وهكذا في شرحقوله (والهواء حار رطب.. الخ). قد أدرجت تعليقة في عبارة الشرح تنتهي إلى

نصف صفحة (ص ٢٤٦).ه: وفي آخر تلك المسألة (ص ٢٤٨) في طبقات األرض كانت العبارة

هكذا: الخامس في طبقاتها وهي ثالث: طبقة هي أرض محضة وهي المركز ومايقاربه، وطبقة طينية، وطبقة مخلوطة بغيرها، بعضها منكشف هو البر، وبعضها

أحاط به البحر.والصواب: الخامس في طبقاتها وهي ثالث: طبقة هي أرض محضة وهي

المركز وما يقاربه، وطبقة طينية، وطبقة بعضها منكشف هو البر، وبعضها أحاط بهالبحر. كما في النسخ األصلية المعتبرة اآلتي ذكرها.

عبارة الشيخ قدس سره في الشفاء كذلك: فيشبه لذلك أن تكون األرض ثالثطبقات: طبقة تميل إلى محوضة األرضية، وتغشيها طبقة مختلطة من األرضيةوالمائية وهو طين، وطبقة منكشفة عن الماء جفف وجهها الشمس وهو البروالجبل وما ليس بمنكشف فقد ساح عليه البحر. (ج ١ ص ٢٢٧ ط ١).وعبارة القاضي زادة الرومي في شرحه على الملخص في الهيأة للجغميني

هكذا: وهي - يعني بها العناصر - تسع طبقات في المشهور عند الجمهور كاألفالك:طبقة األرض الصرفة المحيطة بالمركز، ثم طبقة الطينية، ثم طبقة األرض المخالطةالتي تتكون فيها المعادن وكثير من النباتات والحيوانات، ثم طبقة الماء، ثم طبقةالهواء المجاور لألرض والماء.. الخ. (ص ١٨ من طبع الشيخ أحمد الشيرازي).

و: في المسألة الثالثة عشرة من رابع المقصد الثاني في أنواع اإلحساس،كانت عبارة الماتن في البصر هكذا: ومنه البصر، وهي قوة مودعة في العصبتين

المجوفتين اللتين تتالقيان وتتفارقان إلى العينين بعد تالقيهما بتلك، ويتعلقبالذات بالضوء واللون. (ص ٢٩٢).

والصواب: ومنه البصر، ويتعلق بالذات بالضوء واللون.

(١٢)

Page 14: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

والعبارات الباقية زيادة أدرجت في المتن.ز: المسألة الثالثة من مسائل المضاف في أن اإلضافة ليست ثابتة في األعيان

(ص ٢٥٨)، يعلم ما فيها من وجوه التحريف بمقابلتها مع النسخ الرائجة المطبوعةولمزيد االستبصار واالطمئنان راجع الشفاء (ج ٢ ص ١٠٨ ط ١).

ح: في المسألة السابعة من المقصد الثالث في نبوة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم (ص،(٤٨٠

ترى تحريفات كثيرة يطول بذكرها الكالم، فليعلم أن راعي الغنم هو أهبان بنأوس. وفي منتهى األرب: أهبان كعثمان صحابي بوده است. وفي الخصائص

الكبرى للسيوطي: أهبان بن أوس (ج ٢ ص ٢٦٨ من طبع مصر، و ج ٢ ص ٦١من طبع حيدرآباد) وفي أسد الغابة أيضا (ج ١ ص ١٦١).

وكذلك العنسي بالعين المهملة المفتوحة والنون الساكنة، ففي الخصائصللسيوطي: األسود العنسي (ج ٢ ص ١١٦ من طبع مصر) وكذلك العنسي من

األنساب للسمعاني.ط: في المسألة السادسة من المقصد الخامس في مطاعن األول (ص ٥٠٧)

عند قوله (ولقوله إن له شيطانا يعتريه) كانت عبارة الشارح العالمة هكذا: أقولهذا دليل آخر على عدم صالحيته لإلمامة وهو قوله (إن لي شيطانا يعتريني)

وهذا يدل على اعتراض الشيطان له.. الخ.والصواب: أقول هذا دليل آخر على عدم صالحيته لإلمامة وهو ما روي عنه

أنه قال مختارا: وليتكم ولست بخيركم، فإن استقمت فاتبعوني، وإن اعوججتفقوموني، فإن لي شيطانا عند غضبي يعتريني، فإذا رأيتموني مغضبا فاجتنبونيلئال أؤثر في أشعاركم وأبشاركم. وهذا يدل على اعتراض الشيطان له.. الخ.

وهذه الزيادة موجودة في النسخ المخطوطة وإنما أسقطت من النسخالمطبوعة، ونحو هذا الدس على الكتاب كثير، وإنما التعرض بها ينجر إلى

اإلسهاب وراجع في ذلك تلخيص الشافي المذكور أيضا. (ص ٤١٥ ط ١).إعلم أن هذا الكتاب الكريم - أعني كشف المراد - مع عظم شأنه في الكالم

(١٣)

Page 15: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وإفصاحه عن حق المرام، وكانت دراسته طول قرون سائرة بين األعالم، ودائرةبين طالبي األيقان من أهل االسالم، كأنه كاد أن يكون منسيا، وينحى عن الكتبالدرسية منحيا ومرميا، مع أنك ال تجد كتابا آخر في الكالم كان له بديال، فأقول

لك قاطعا: ليس هذا إال لمكان فصول اإلمامة فيه وقد توازرت أياد وازرة بأفواهمنكرة وآراء فائلة على إنسائه فتبصر.

وأنت ترى مؤلف الشرح القديم العامي اإلصبهاني يصف التجريد أوال ثميعزى المحقق الطوسي إلى العدول عن سمت االستقامة في مباحث اإلمامة، وهذا

ما أتى به في أول كتابه بألفاظه: وقد صنف فيه - يعني في علم أصول الدين -مصنفات شريفة ومختصرات لطيفة من جملتها المختصر الموسوم بالتجريد

المنسوب إلى المولى األمام المحقق العالمة النحرير المدقق الحبر الفاخر والبحرالزاخر، المكمل علوم األولين أفضل المتقدمين والمتأخرين سلطان الحكماء

المتألهين نصير الملة والحق والدين مطاع الملوك والسالطين محمد الطوسيكساه الله جالبيب رضوانه وأسكنه أعلى غرف جنانه، وهو صغير الحجم غزير

العلم. يحتوي من الرقائق األصولية على أسناها، وينطوي من الحقائق العلميةعلى أجالها، يشتمل على بدائع شريفة وغرائب لطيفة، لكن لغاية اإليجاز نازلمنزلة األلغاز فأشار إلى من طاعته فرض بأن أشرح له شرحا أحرر معاقده وأقرر

قواعده وأشير إلى أجوبة ما أورد فيه من الشبهات خصوصا على مباحث اإلمامة،فإنه قد عدل فيها عن سمت االستقامة وسميته بتسديد العقائد في شرح تجريد

القواعد. إنتهى ما أردنا من نقل كالمه ملخصا.ثم إن الكتاب بشهادة جميع نسخه والتذكرة الرجالية موسوم بتجريد

االعتقاد، فما ترى من تسمية شرحه بتسديد العقائد في شرح تجريد القواعد، وماأوجب العدول عن االعتقاد بالقواعد فاحدس أن تحذلق فئة نكراء واقتفاء أغمار

عمياء دار فيما أشرنا إليه من اإلنساء. ولكن الله متم نوره ويهدي من يشاء. نعم قدنقل في الذريعة (ج ٣ ص ٣٥٤) أنه سماه: تسديد القواعد في شرح تجريد

(١٤)

Page 16: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

العقائد، وسيأتي كالمنا فيه أيضا والله تعالى نسأل العصمة والسداد.ي: عبارة الشارح العالمة في مطاعن الثالث حيث يقول: واستعمل الوليد بن

عقبة حتى ظهر منه شرب الخمر وصلى بالناس وهو سكران (ص ٥١٥) قد حرفتفي بعض النسخ بالوليد بن عتبة. والوليد بن عقبة - بالقاف - هو الوليد بن عقبة بنأبي معيط بالتصغير وهو ممن أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه من أهل النار،

فراجعمروج الذهب للمسعودي (ج ٢ ص ٣٤٣ ط مصر) وهو الذي واله عثمان أمور

المسلمين. وأما الوليد بن عتبة - بالتاء - فهو الوليد بن عتبة بن ربيعة قتلهأمير المؤمنين علي عليه السالم في غزاة بدر، فراجع سيرة ابن كثير (ج ٢ ص ٤١٣ ط

مصر).يا: في عبارات الشارح العالمة في إخبار أمير المؤمنين عليه السالم بالغيب كإخباره

بقتل ذي الثدية (ص ٥٣١) تحريفات عجيبة تعلم بمقابلة هذه النسخة مع ما طبعمن قبل، أي طبع كان، وراجع في ذلك مروج الذهب للمسعودي (ج ٢ ص

٤١٧ ط مصر) أو مآخذ أخرى أصيلة.يب: عبارات الشارح العالمة في خبر الطائر والمنزلة والغدير (ص ٥٣٥)

محرفة جدا يعلم بالمقابلة، وهكذا في مواضع أخرى كثيرة ينجر التعرض بها إلىاإلسهاب والخروج عن مقدمة الكتاب، وغرضنا كما قلنا أوال هو إراءة نماذج فيما

جرى على ذلك الكتاب المستطاب.نسخ الكتاب:

وأما النسخ التي هي أصول مصادر تصحيح الكتاب ومآخذه فهي ما يلي:١ - نسخة فريدة مصورة من أصلها المحفوظ في خزانة مكتبة المجلس

بطهران، وهذه النسخة النفيسة القيمة هي أقدم األصول المعتبرة التي آثرناهاواعتمدنا عليها في تصحيح كشف المراد، وقد نال عدة مواضع منها صرف الدهر

فكتبت ثانيا، منها صحيفة آخر الكتاب حيث نمقت كرة أخرى وتنتهي بهذه

(١٥)

Page 17: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

العبارات: قد عمرت وأتممت وفتنت من نسخة العالم األستاذ العالم الرباني موالنامحمد باقر المجلسي طالبا لوجه الله الغني في أوان أتوطن في المدرسة السليمانية

وأشتغل مع تشتت الحال وتراكم األشغال في سنة تسع وتسعين بعد ألف منالهجرة.. الخ. والنسخة وإن كانت بتراء وال تاريخ لكتابتها األولى، لكن أسلوبها

لسان ناص على أنها باقية من عهد تأليفها وقد صينت من حوادث الدهور. وحرف(م) جعلناه عالمة لها، أي النسخة المؤثرة. وتضاعيفها حاكية على أن كاتبها األوللم يكن من اإلمامية. والنسخة على رغم قدمها لم تكن مقروة على نسخة مصححة

وال قوبلت بها وال يرى فيها أثر اإلجازة في القراءة على الوجوه المأثورة منالسلف الصالح، ولذا ال تخلو من اإلسقاط واألغالط. والعجب أن رسم خطها علىالرسم الدارج اآلن في مملكة تونس، كما أن رسم القرآن الكريم المطبوع التونسي

يضاهي رسمها ويحاكيه.٢ - نسخة عتيقة فريدة من تجريد االعتقاد فقط، وهي أقدم نسخة رأيناها من

تجريد االعتقاد حتى تفوه بأنها من خط المحقق الطوسي قدس سره لما كتب فيآخرها

هكذا: خط خواجة نصير. ولكن النسخة قوبلت وصححت بعد الكتابة ثانيا وبلغتصحيحها ومقابلتها إلى قريب من النصف ولم يتم، وتوجد في نصفه الثاني أغالط

وأسقاط أيضا، فحصل لنا القطع بأنها ليست من خطه ولكنها كاألولى باقية منعهد تأليفها أو قريبة العهد منه، وهي ومتن األولى متطابقتان إال نادرا، ولذا كانت

النسخة في تصحيح المتن عونا جدا بل الحق أن تصحيح تجريد االعتقاد بتلكالنسخة بلغ كماله. واألسف أنها - مع كونها كاملة - فاقدة للتاريخ، وقد بقي أثر من

خط في آخر الصفحة بعد تمام النسخة قد محي أكثره وكأنما أصابه ماء وكتب فيجانبه األيمن هذه العبارة: (خط خواجة نصير) فال يبعد أن تكون هذه

العبارة - أعني خط خواجة نصير - ناظرة إليه وقد أمضاه كما كان من سيرةالسلف، أو الخط اآلخر من هذه النسخة وهو خط الخواجة قدس سره أمضاه بذلك

كما هو

(١٦)

Page 18: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أيضا كان من دأب علمائنا الغابرين، ولنا نسخة من كتاب مصائب النواصب فيالرد على كتاب النواقض لبعض العامة مما صنفه الشهيد القاضي نور الله الحسيني

المرعشي الشوشتري رفع الله درجاته وآخرها ثالثة أسطر ونصف منخطه الشريف.

وكيف كان فالنسخة مصورة من أصلها المحفوظ في مكتبة المجلس بطهران.وحرف (ت) عالمة لها، أي تجريد االعتقاد. والنسخة مكتوبة بخط واحد على

كمالها، ومزدانة بتعليقات موجزة مفيدة عليها.٣ - نسخة مصورة من أصلها المصون في المكتبة المركزية بطهران تحت رقم

١٨٦٥، تاريخ كتابتها ٨٥١ ه. ق وهي نسخة كاملة مصححة مقروة مزدانة بعالمةالقراءة من البدء إلى الختم بهذه العبارة: (بلغت قراءة أبقاه الله تعالى) إال أن رسم

خطها ليس بحسن بل نازل ردئ جدا وإنما يمكن قراءة أكثر مواضعها بالعرضعلى نسخ أخرى وتتم النسخة بما كتبه كاتبها هكذا: وفرغ من كماله أضعف العبادوأحوجهم إلى رحمة الله محمد بن علي بن ناصر العينعاني عفا الله عنه وعمن نظر

فيه ودعا له بالمغفرة ولسائر المؤمنين، وذلك في سلخ شهر رمضان المعظم منشهور سنة ٨٥١، إحدى وخمسين وثمانمائة هجرية نبوية على هاجرها أفضل

الصالة والسالم، أيها الناظرون في رسم خطي أعذروني.. الخ. والنسخة مكتوبةبخط واحد، مصونة على هيئتها األولى من غير عروض عارض عليها. وجعلناحرف (ص) عالمة لها تدل على صحتها. وهذه النسخة الكريمة القيمة تطابق

األوليين متنا وشرحا وقلما يوجد اختالف.٤ - نسخة مصورة من أصلها المحفوظ في خزانة مكتبة آية الله المرعشي

دامت بركاته الوافرة في دار العلم قم صينت في حصن واليها ووليها بقية الله قائمآل محمد أرواحنا فداه تحت رقم ٧٢٧، وهذه الصحيفة الثمينة مزدانة من بدئها

إلى ختمها بعالمة القراءة بهذه العبارة (بلغت قراءة أبقاه الله) وفي موضع (أعز الله

(١٧)

Page 19: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

نصره) وفي آخر (أيده الله) وفي آخر (أدام الله بقاءه) وفي آخر (بلغ) فقطوتاريخ كتابتها ٧٣١ ه. ق. وعبارة الكاتب في آخرها هكذا: فرغت من تسويده

يوم السبت وقت الظهر لخمس بقين من شهر ربيع اآلخر سنة إحدى وثالثين وسبعمائة. ولفظة (ق) جعلناها عالمة لها.

ومن محاسن هذه النسخة أن كل كلمة كررت في العبارة كتبت فوق الثانيةمنها لفظة (صح) حتى ال تتوهم أن الثانية زائدة، مثال في آخر المسألة الثالثة من

أول الكتاب يقول الشارح العالمة: وتقرير الجواب أن نقول الوجود قائم بالماهيةمن حيث هي هي ال باعتبار كونها موجودة وال باعتبار كونها معدومة، فمكتوبة

فوق كلمة (هي) الثانية لفظة (صح). ونظائره في الكتاب كثيرة، وهذه السيرةالحسنة كانت جارية معموال بها بين علمائنا السلف في قراءة الروايات وصحف

األدعية المأثورة عن وسائط الفيض اإللهي صلوات الله عليهم، حيث إن كل كلمةكانت قراءتها مروية على وجهين كانوا يعربونها مشكولة على الوجهين ثميكتبون فوقها لفظة (معا) تدل على رواية القراءتين معا، كما ال يخفى على

العارف بها.لكن األسف أن النسخة قد ناولتها أيادي اآلفات فسقطت منها مواضع كثيرةثم كتبت وكملت ثانيا ال تضاهي األول بوجه، وأواسطها ساقطة تنتهي إلى

خمسين صفحة من تلك النسخة وبقيت كما كانت على حالها ولم تكمل بعد.ومما ينبغي أن يشار إليه في المقام أن سائر النسخ في المسألة األولى من

ثاني المقصد الثاني في البحث عن األجسام الفلكية تحوز زيادة، وهذه النسخةخالية عنها، وليس الخلو بإصابة آفة أو إزالة مزيل بل النسخة من أصلها هكذا. واليبعد أن كانت الزيادة حاشية أدرجت في الشرح وزادت في النسخ األخرى، وكم

لها من نظير في هذا الكتاب، ولكن لما كانت النسخة بذلك الخلو متفردة لم نسقطهاوأبقيناها على وزان سائر النسخ. وعبارة هذه النسخة في المقام هي هكذا:

(١٨)

Page 20: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قال: خالية من الكيفيات الفعلية واالنفعالية ولوازمها.أقول: هذا حكم آخر لألفالك، وهو أنها غير متصفة بالكيفيات الفعلية - أعنيالحرارة والبرودة وما ينسب إليهما - وال الكيفيات االنفعالية - أعني الرطوبة

واليبوسة وما ينسب إليهما - وغير متصفة بلوازمها - أعني الثقل والخفة - قالشفافة. أقول: استدلوا على شفافية األفالك بوجهين.. الخ. وأما العبارات الباقية

كما تراها في الكتاب فتلك النسخة عارية عنها.واعلم أن هذه النسخ األربع هي األصول األولية لنا في تصحيح الكتاب.

وكل واحدة منها وإن كانت ال تخلو من أسقاط وأغالط لكنها معا تعطي نسخةكاملة منقحة غاية التنقيح أال وهي هذه الطبعة التي بين يديك.

٥ - نسخة مصورة من أصلها المحفوظ في مكتبة المجلس بطهران أيضا تحترقم ٥٣٠ / ١٤٣١٠ مكتوبة بعدة خطوط قديمة وحديثة تدل على أنها قد تداولتها

أيادي اآلفات، على أن ما صينت منها عارية عن إجازة القراءة ونحوها، والظاهرأن تاريخ كتابتها من القرن السابع أو الثامن. وفي ظهر صحيفته األولى مكتوبة

تارة هكذا: في نوبة المفتقر إلى الله الواحد عبده إبراهيم بن راشد بن يوسف بنمحمد سنة خمس وخمسين وتسعمائة.

وأخرى هكذا: من عواري الزمان عند العبد المذنب الجاني حيدر علي بنعزيز الله المجلسي األصفهاني. ثم مختوم بخاتمه ونقشه: عبده حيدر علي. وجعلنا

حرف (د) عالمة لها.٦ - نسخة مصورة من أصلها المحفوظ في الشعبة اإللهية من جامعة المشهد

الرضوي عليه السالم تحت رقم ٤٥٢. والنسخة كاملة مكتوبة بخط واحد، مزدانةبتعليقات، وتاريخ كتابتها ١٠٨٩ ه. ق. وآخرها مكتوبة هكذا: وقع الفراغ من

تحرير هذا الكتاب في أواخر شهر محرم الحرام سنة سبعين وسبعمائة ٧٧٠ علىيد أضعف عباد الله علي بن الحسن. كذا في نسخة كتبت هذه النسخة منها.

(١٩)

Page 21: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وبعد عبارة الفوق كتب كاتب هذه النسخة في ذيل الصفحة هكذا: هو الموفققد شرف بتكتيب هذه النسخة الشريفة - إلى قوله: - في شهور سنة تسع وثمانين

بعد األلف هجرية.. الخ. وحرف (ش) عالمة لها.والنسخة أيضا عارية عن إجازة القراءة ونحوها، إال أن في آخرها مكتوبة

في هامشها الوحشي: بلغ قباال. وصورة رسم هذه الجملة - أعني بلغ قباال -تضاهي رسم خط الكتاب، بل الكاتب واحد وال دغدغة فيه. والنسخة متفردة

بحسن الخط.٧ - نسخة مصورة من أصلها المصون في المكتبة المركزية بطهران تحت رقم

١٨٦٩، وتاريخ كتابتها ١٠٩٣ ه. ق. والنسخة مكتوبة بخط واحد وعليهاتعليقات. ويتم آخرها بما حرره الكاتب بقوله هكذا: وقد وفق الله سبحانه وتعالى

العبد الحقير الجاني علي بن أحمد بن سليمان البالدي البحراني لنفسه ولمنشاء الله من بعده في مدة آخرها اليوم الثاني والعشرين في شهر جمادى اآلخر من

السنة الثالثة والتسعين وألف وصلعم.والنسخة عارية أيضا عن إجازة القراءة ونحوها. وحرف (ز) عالمة لها.

إعلم أن هذه النسخ الثالث وإن لم تكن في رتبة األربع األولى ولكنها كانتكالمتممة في تصحيح الكتاب واستفدنا منها كثيرا.

ثم تلي النسخ المذكورة عدة نسخ أخرى مخطوطة مما يتعلق بالراقم، منتجريد االعتقاد وكشف المراد وشرح اإلصبهاني المعروف بالشرح القديم

والمسمى بتسديد العقائد في شرح تجريد القواعد وشرح القوشجي المعروفبالشرح الجديد وشرح الالهيجي المسمى بشوارق اإللهام، وقد راجعناها فيمواضع اللزوم، وهكذا كثير من الكتب الحكمية والكالمية كالشفاء واألسفار

والمواقف وشرح المقاصد وغيرها مما استفدنا منها في مواضع الحاجة لتصحيحالكتاب.

(٢٠)

Page 22: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

تبصرة:قال محي آثار اإلمامية مؤلف الذريعة رضوان الله تعالى عليه في الجزء

الثالث منه في عنوان تجريد الكالم ما هذا لفظه:تجريد الكالم في تحرير عقائد االسالم لسلطان الحكماء والمتكلمين خواجة

نصير الدين محمد بن محمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة ٦٧٢ هو أجل كتابفي تحرير عقائد اإلمامية، أوله: أما بعد حمد واجب الوجود على نعمائه.. فإني

مجيب إلى ما سئلت من تحرير مسائل الكالم وترتيبها على أبلغ نظام - إلى قوله: -وسميته بتحرير العقائد ورتبته على ستة مقاصد. فيظهر منه أنه سماه تحرير العقائد

لكنه اشتهر بالتجريد.. الخ. (ج ٣ ص ٣٥٢).أقول: ما أدى إليه نظره الشريف من تسمية الكتاب بتحرير العقائد، وإن كان

يؤيده عمل السلف والخلف من تأليف الكتاب باسم التحرير كتحرير األحكامالشرعية على مذاهب اإلمامية للشارح العالمة وسيما عدة تحريرات أصول

رياضية من األوليات كتحرير أصول إقليدس والمتوسطات كتحرير اكرمانا الؤسإلى النهايات كتحرير المجسطي، ولكن النسخ المذكورة األصلية كلها ناصة منغير التباس على قوله: وسميته بتجريد االعتقاد، أو: وسمته بتجريد االعتقاد، حتى

أن النسخة األولى بل أكثر النسخ صريحة على التجريد في قوله أوال: فإنيمجيب إلى ما سئلت من تجريد مسائل الكالم. على أن تسمية العالمة شرحهبكشف المراد في شرح تجريد االعتقاد وهو تلميذه، وكذلك كالم الخواجة

تسجيعا: وسميته بتجريد االعتقاد والله أسأل العصمة والسداد وأن يجعله ذخراليوم المعاد، وكذلك تسمية شمس الدين اإلسفرايني شرحه بتعريد االعتماد في

شرح تجريد االعتقاد كلها ينادي بأن الكتاب موسوم بتجريد االعتقاد، ال تجريدالعقائد أو القواعد كما في نسخة من الشرح القديم متعلقة بنا.

(٢١)

Page 23: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وليكن هذا آخر ما رأينا تقديمه في المقدمة، وكان شروعنا في التصحيحالجديد في السادس عشر من شهر الله المبارك من شهور سنة ١٤٠٣ من الهجرة

النبوية على هاجرها آالف التحية والثناء، وقد حصل الفراغ منه في غرة شعبانالمعظم من سنة ١٤٠٤ ه. ق. دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سالم

وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين. الخامس من شهر الله المبارك من عام١٤٠٤ ه. ق المصادف ل ١٥ / ٣ / ١٣٦٣ ه. ش.

قمحسن حسن زاده اآلملي

(٢٢)

Page 24: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله القاهر سلطانه العظيم شأنه الواضح برهانه العام إحسانه (١) الذيأيد العباد بمعرفته وهداهم إلى حجته ليفوزوا بجزيل الثواب العظيم المخلد،

ويخلصوا من العقاب األليم السرمد، وصلى الله على أكمل نفس إنسانية وأزكىطينة عنصرية محمد المصطفى، وعلى عترته األبرار وذريته األخيار وسلم تسليما.

أما بعد، فإن كمال االنسان أنما هو بحصول المعارف اإللهية، وإدراكالكماالت الربانية، إذ بصفة العلم يمتاز عن عجم الحيوانات، ويفضل على

الجمادات، وال معلوم أشرف من واجب الوجود تعالى، فالعلم به أكمل من كل--------------------

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله مفيض الكلم والحكم، وصلى الله على االسم األعظم سيد ولد آدم، وآله

المصطفين على العرب والعجم.وبعد، فيقول العبد الحسن بن عبد الله الطبري اآلملي (المدعو بحسن زاده آملي): هذه نبذة

من تعليقاتنا على (كشف المراد في شرح تجريد االعتقاد) مما أفاضها رب ن والقلم عليناوهدانا إليها حينما قيض لنا تدريس معانيه والتحقيق حول مبانيه، وهو سبحانه ولي التوفيق

وبيده أزمة التحقيق.ونشير في أثنائها إلى بعض ما في النسخ من اختالف العبارات التي ينبغي أن يعتنى بها.

(١) كما في (م) وفي (ص): الغامر إحسانه، والظن المتاخم بالعلم في رسم خطوط النسخ أنأسلوب رسم الخط أوجب توهم تبديل العام بالغامر. وقوله: وطلب الحق بالتعيين، وفي عدة

نسخ: وطلب الحق باليقين. وقوله: سالكا جدد التدقيق، وفي نسخ: سالكا جدد التوفيق.

(٢٣)

Page 25: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

مقصود، وإنما يتم بعلم الكالم فإنه المتكفل بحصول هذا المرام، فوجب على كلمكلف من أشخاص الناس االجتهاد في إزالة االلتباس بالنظر الصحيح في

البراهين، وطلب الحق بالتعيين، ووجب على كل عارف من العلماء إرشادالمتعلمين وتسليك الناظرين، وقد كنا صرفنا مدة من العمر في وضع كتب متعددةفي هذه العلوم الجليلة وإحراز هذه الفضيلة، واآلن حيث وفقنا الله تعالى لالستفادة

من موالنا األفضل العالم األكمل نصير الملة والحق والدين محمد بن محمد بنالحسن الطوسي قدس الله تعالى روحه الزكية في العلوم اإللهية والمعارف العقلية،ووجدناه راكبا نهج التحقيق سالكا جدد التدقيق، معرضا عن سبيل المغالبة، تاركا

طريق المغالطة تتبعنا مطارح أقدامه في نقضه وإبرامه، ولما عرج إلى جوارالرحمن ونزل بساحة الرضوان، وجدنا كتابه الموسوم بتجريد االعتقاد قد بلغ فيه

أقصى المراد، وجمع جل مسائل الكالم على أبلغ نظام، كما ذكر في خطبته وأشارفي ديباجته، إال أنه أوجز ألفاظه في الغاية وبلغ في إيراد المعاني إلى طرف

النهاية، حتى كل عن إدراكه المحصلون، وعجز عن فهم معانيه الطالبون، فوضعناهذا الكتاب الموسوم بكشف المراد في شرح تجريد االعتقاد موضحا لما استبهم

من معضالته، وكاشفا عن مشكالته، راجيا من الله تعالى جزيل الثواب وحسنالمآب إنه أكرم المسؤولين (١)، عليه نتوكل وبه نستعين.

قال: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد حمد واجب الوجود على نعمائه والصالةعلى سيد أنبيائه محمد المصطفى وعلى أكرم أمنائه (٢) فإني مجيب إلى ما سئلت

من تحرير مسائل الكالم (٣) وترتيبها على أبلغ نظام مشيرا إلى غرر فوائد--------------------

(١) وفي (م) وحدها: أكرم مسؤول، باألفراد.(٢) أي على علي أكرم أمنائه، وال يعاد الجار في المعطوف على المجرور الظاهر، ويؤيده

ما يوجد في بعض النسخ من التصريح باسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم.(٣) كما في (ص ق د ت) والنسخ الباقية: من تجريد مسائل الكالم.

واعلم أنه حكي عن مالك وأحمد بن حنبل بل الشافعي وجميع أصحاب الحديث، النهي عنعلم الكالم، وقالوا: إنه بدعة. فكان هذا العلم في الصدر األول عند المتشرعين بمنزلةالفلسفة في العصر األخير، وقد أفرط في ذلك كثير ممن تأخر كابن حزم وابن تيمية

والمتعصبين لمذهب السلف من بعده، حتى أنهم ينكرون التلفظ بمصطلحات علم الكالمكالجسم والجوهر والعرض والتحيز والمكان وأمثال ذلك.

والحق أن تقييد فكر االنسان بغل الجمود خالف فطرة الله تعالى التي خلق الناس عليها.وكما لم يتوقف النحو والعروض واألدب، بل اصطالح المحدثين والقراء على ما كان عليه

السلف بل زاد وتفنن وتفرق كذلك اصطالح الكالم واألصول.قالوا: لم يبحث السلف عن الصفات وأنه عين ذاته أو غيره، ولم يتكلموا في أنه تعالى جسمأو جوهر أو متحيز أو علة تامة أو ناقصة، وليس في كالمهم هيولي وصورة وال نفس وأمثال

ذلك.

Page 26: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

نقول: كما أنهم لم يبحثوا عن أسناد الحديث أنه مسلسل أو مرفوع أو مقطوع أو مرسل، ولميتكلموا في موانع صرف االسم أنها تسع، ولم يتكلموا في تواتر القراءات واالكتفاء بالسبع أوالعشر، بل لم نر لفظ التجويد في كالم السلف، وال أقسام الوقف التام والكافي، فإذا جازت

زيادة االصطالح في ذلك جاز في الكالم واألصول، إال أن يقال: إن ذاك سهل نفهمه، والكالمأو األصول دقيق ال نفهمه، فاإليراد على قصور الفهم ال على المعنى. ولم نر في أمة وال طائفةمن يجوز أن يجتمع سفهاؤهم ويمنعوا عقالءهم عن التدبر في أمور ال يفهمونها، ولم يوجب

أحد أن يكون الكالم والفكر منحصرا فيما يفهمه جميع الناس من العامة والخاصة ألن فيذلك إبطاال لجميع العلوم.

ونظير ذلك األخباريون منا، فإنهم يستبشعون اصطالحات األصول كاالستصحاب وأصلالبراءة، وال يستبشعون المناولة والوجادة والمدابجة في اصطالح المحدثين مع أنها لم تكن

معهودة بين أصحاب األئمة عليهم السالم. هذا ما أفاده األستاذ العالمة الشعراني قدس سره في تعليقته علىشرح الكافي للمولى صالح المازنداني (ج ٣ ص ١٩٨ ط ١).

(٢٤)

Page 27: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

االعتقاد ونكت مسائل االجتهاد، مما قادني الدليل إليه وقوى اعتقادي عليهوسميته (١) بتجريد االعتقاد، والله أسأل العصمة والسداد وأن يجعله ذخرا ليوم

المعاد، ورتبته على مقاصد:--------------------

(١) وفي (م): ووسمته، قد تقدم كالمنا حول التجريد في تبصرة آخر المقدمة فراجع. ثميعاضد ما حققناه هناك تسميته كتابه في المنطق بالتجريد وكالمه في أوله: وبعد فإنا أردنا أن

نجرد أصول المنطق، وكذا تسمية الشارح العالمة شرحه عليه بالجوهر النضيد في شرحكتاب التجريد.

(٢٥)

Page 28: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

المقصد األولفي األمور العامة (١)

وفيه فصول:--------------------

(١) أي في ما ال يختص بقسم من أقسام الموجودات سواء كانت شاملة لجميعهاكالوجود والوحدة، أو ال كاإلمكان الخاص والوجوب بالغير، فإن األولين

شامالن للواجب والجوهر والعرض، واألخيرين لألخيرين، وبحثهاالمستوفى يطلب في المطوالت كالفصل األول من أولى األسفار.

(٢٧)

Page 29: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الفصل األولفي الوجود والعدم

وتحديدهما بالثابت العين والمنفي العين أو الذي يمكن أن يخبر عنهونقيضه (١) أو بغير ذلك يشتمل على دور ظاهر.

أقول: في هذا الفصل مسائل مهمة جليلة، هذه أوالها وهي أن الوجود والعدمال يمكن تحديدهما. وأعلم أن جماعة من المتكلمين والحكماء حدوا الوجود

والعدم، أما المتكلمون فقالوا: الموجود هو الثابت العين، والمعدوم هو المنفي العين.والحكماء قالوا: الموجود هو الذي يمكن أن يخبر عنه، والمعدوم هو الذي ال يمكنأن يخبر عنه، إلى غير ذلك من حدود فاسدة ال فائدة في ذكرها، وهذه الحدود كلها

باطلة الشتمالها على الدور، فإن الثابت مرادف للموجود، والمنفي للمعدوم، ولفظة(الذي) إنما يشار بها إلى متحقق ثابت، فيؤخذ الوجود في حد نفسه.

قال: بل المراد تعريف اللفظ إذ ال شئ أعرف من الوجود (٢).--------------------

(١) أي نقيض الذي يمكن أن يخبر عنه، وذلك النقيض هو الذي ال يمكن أن يخبر عنه. وهوتعريف للمعدوم.

وقوله: أو بغير ذلك، مثل قولهم: الموجود هو الذي يكون فاعال أو منفعال، أو الذي ينقسم إلىالفاعل والمنفعل، أو ينقسم إلى الحادث والقديم، والمعدوم على خالفها.

(٢) ال شئ أعرف من الوجود إذ ال معنى أعم منه، واألعم لكون شروطه ومعانداته أقليناسب جوهر النفس الناطقة البسيطة، كما أن كل قوة مدركة تجانس مدركها، وحكم

المجانسة بين الغذاء والمغتذي سار في كل واحدة منهما، لذا قال الشيخ في إلهيات الشفاء(ج ٢ ص ٧٥ ط ١): يشبه أن تكون الكثرة أعرف عند تخيلنا، والوحدة أعرف عند عقولنا.

وفي الحكمة المنظومة للمتأله السبزواري (ص ١٠٣):وسر أعرفية األعم سنخية لذاتك األتم

ووحدة عند العقول أعرف وكثرة عند الخيال أكشفواعلم أن التعبير عن متن األعيان وحقيقة الحقائق وجوهر الجواهر عسير جدا، والتعبير عنه

بالوجود تعبير عن الشئ بأخص أوصافه الذي هو أعم المفهومات، إذ لو وجد لفظ يكون ذامفهوم محصل أشمل من ذلك وأبين لكان أقرب إليه وأخص به، وكان ذلك هو الصالح ألن

يعبر به عنه. ولما لم يكن بين األلفاظ المتداولة لفظ أحق من الوجود إذ معناه أعم المفهوماتحيطة وشموال وأبينها تصورا وأقدمها تعقال وحصوال، اختاروه وعبروا به عنه.

ويعبرون عنه بالحق أيضا فالوجود هو الحق، وإن شئت قلت: الوجود من حيث هو هو، هوالحق سبحانه، والوجود الذهني والخارجي واألسمائي ظالله. فالوجود هو عين كل شئ في

الظهور، ما هو عين األشياء في ذواتها، سبحانه وتعالى بل هو هو، واألشياء أشياء، فتدبر.والخوض غير حري بالمقام. وينبغي ها هنا الفرق بين المفهوم والعين، والتوجه إلى عدمالمناسبة بين المتناهي وغير المتناهي. والمطلق ومقيده، وإن كان كل واحد من المطلق

والمقيد مرآة لآلخر بوجه، فافهم.

Page 30: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

(٢٩)

Page 31: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: لما أبطل تحديد الوجود والعدم، أشار إلى وجه االعتذار للقدماء منالحكماء والمتكلمين في تحديدهم له، فقال: إنهم أرادوا بذلك تعريف لفظ

الوجود، ومثل هذا التعريف سائغ في المعلومات الضرورية، إذ هو بمنزلة تبديللفظ بلفظ أوضح منه (١)، وإن لم تستفد منه صورة غير ما هو معلوم عند التحديد،

وإنما كان كذلك ألنه ال شئ أعرف من الوجود، إذ ال معنى أعم منه.قال: واالستدالل (٢) بتوقف التصديق بالتنافي عليه، أو بتوقف الشئ على

--------------------(١) أي ال يكون تعريفا معنويا، كما يأتي في المسألة السابعة من الفصل الثاني من هذا المقصد.

والماتن والشارح ناظران في المقام إلى الفصل الخامس من المقالة األولى من إلهيات الشفاء(ج ٢ ط ١ ص ٢٧) فراجع.

(٢) مبتدأ وخبره باطل وبالتنافي عليه، أي بالتنافي بين الوجود والعدم، وعليه صلة للتوقفكتاليه، والضمير راجع إلى الوجود أي على تصور الوجود.

(٣٠)

Page 32: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

نفسه، أو عدم تركيب الوجود مع فرضه أو إبطال الرسم باطل.أقول: ذكر فخر الدين (١) في إبطال تعريف الوجود وجهين، والمصنف رحمه الله لم

يرتض بهما، ونحن نقررهما ونذكر ما يمكن أن يكون وجه الخلل فيهما.األول: أن التصديق بالتنافي بين الوجود والعدم بديهي، إذ كل عاقل على

اإلطالق يعلم بالضرورة أنه ال يمكن اجتماع وجوده وعدمه، والتصديق متوقفعلى التصور، وما يتوقف عليه البديهي أولى بأن يكون بديهيا فيكون تصور

الوجود والعدم بديهيا.الثاني: أن تعريف الوجود (٢) ال يجوز أن يكون بنفسه وإال دار، وال بأجزائه

--------------------(١) ويقال له اإلمام فخر الدين الرازي، وفي تاريخ ابن خلكان هو أبو عبد الله محمد بن عمر

الطبرستاني الرازي المولد الملقب فخر الدين المعروف بابن الخطيب الفقيه الشافعي لهالتصانيف المفيدة في علوم عديدة، توفي سنة ٦٠٦ ه (ج ٢ ص ٤٨ ط ١).

(٢) تقريره على ما في شرح المقاصد أن الوجود معلوم بحقيقته، وحصول العلم به إمابالضرورة، أو االكتساب، وطريق االكتساب إما بالحد أو الرسم. والوجود يمتنع اكتسابه أما

بالحد فألنه أنما يكون للمركب والوجود ليس بمركب، وإال فأجزاؤه إما وجودات أو غيرها.فإن كانت وجودات لزم تقدم الشئ على نفسه ومساواة الجزء للكل في تمام ماهيته،

وكالهما محاالن. أما األول فظاهر، وأما الثاني فألن الجزء داخل في ماهية الكل وليسبداخل في نفسه. وهذا اللزوم بناء على أن الوجود المطلق الذي فرض التركيب فيه ليس

خارجا عن الوجودات الخاصة، بل إما نفس ماهيتها ليلزم الثاني، أو مقوم لها ليلزم األول،وإال فيجوز أن تكون األجزاء وجودات خاصة هي نفس الماهيات، أو زائدة عليها، والمطلق

خارج عنها، فال يلزم شئ من المحالين.وإن لم تكن األجزاء وجودات، فأما أن يحصل عند اجتماعها أمر زائد يكون هو الوجود، أو

ال يحصل. فإن لم يحصل كان الوجود محض ما ليس بوجود وهو محال، وإن حصل لم يكنالتركيب في الوجود الذي هو نفس ذلك الزائد العارض بل في معروضه هف، إلى أن قال:وأما بالرسم فلما ثبت في موضعه من أنه إنما يفيد بعد العلم باختصاص الخارج بالمرسوم،

وهذا متوقف على العلم به وهو دور، وبما عداه مفصال وهو محال.. الخ.أقول: ما أتى به الشارح المذكور أولى من تقرير ما في الكتاب، ألن الكالم في تركيب

الوجود ليس معنونا فيه، وإن كان يستفاد منه بدقة النظر أن البحث ينجر إلى أن التركيب فيقابل الوجود أو فاعله ال فيه.

(٣١)

Page 33: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

ألن تلك األجزاء إن كانت وجودات لزم تعريف الشئ بنفسه، وإن لم تكنوجودات فعند اجتماعها إن لم يحصل أمر زائد، كان الوجود محض ما ليس

بوجود هذا خلف، وإن حصل أمر زائد هو الوجود، كان التركيب في قابل الوجودأو فاعله ال فيه (١)، وال باألمور الخارجة عنه (٢)، ألن الخارجي أنما يصلح

للتعريف لو كان مساويا للمعرف، ألن األعم ال يفيد التمييز الذي هو أقل مراتبالتعريف، واألخص أخفى، وقد حذر في المنطق عن التعريف به، لكن العلم

بالمساواة يتوقف على العلم بالماهية فيلزم الدور.وهذان الوجهان باطالن، أما األول فألن التصديق البديهي ال يجب أن تكون

تصوراته بديهية، لما ثبت في المنطق من جواز توقف البديهي من التصديقات علىالتصور الكسبي، سلمنا لكن جاز أن يكون التصور للمفردات ناقصا، أي يكون

معلوما، باعتبار ما من االعتبارات، وذلك يكفي في باب التصديقات، ويكونالمراد من الحد حصول كمال التصور.

وأما الثاني فألن ما ذكره في نفي تركيب الوجود عائد في كل ماهية مركبةعلى االطالق (٣) وهو باطل بالضرورة، سلمنا لكن جاز التعريف (٤) بالخارجي،وشرطه المساواة في نفس األمر ال العلم بالمساواة، فالناظر في اكتساب الماهية إذا

عرض على ذهنه (٥) عوارضها فاستفاد من بعضها، تصور تلك الماهية علم بعد ذلك--------------------

(١) قابل الوجود هو األجزاء التي هي معروضات الوجود، والتعبير بالفاعل أو القابل باعتبارينظاهرين.

قوله: ال فيه، أي ال في الوجود ألن الوجود حينئذ هو األمر الزائد العارض على معروضاتهوهي األجزاء، وذلك الزائد واحد ليس بمركب.

(٢) بيان إلبطال الرسم، عطف على قوله: بنفسه وإال دار، أي وال باألمور الخارجة عن الوجود.(٣) مثال أن يقال: أجزاء البيت إما بيوت وهو محال، وإما غير بيوت وحينئذ إما أن يحصل عند

اجتماعها أمر زائد هو البيت فال يكون التركيب في البيت هف، أو ال يحصل فيكون البيتمحض ما ليس ببيت.

(٤) جواب إلبطال الرسم، أي إنا نختار اكتسابه بالرسم وال ضير فيه.(٥) وفي (م، ص) إذا أعرض على ذهنه.

(٣٢)

Page 34: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أن ذلك العارض مساو لها، ثم يفيد غيره تصورها (١) بذكر ذلك العارض وال دورفي ذلك، سلمنا لكن العلم بالمساواة ال يستلزم العلم بالماهية من كل وجه، بل من

بعض الوجوه على ما قدمناه (٢)، ويكون االكتساب لكمال التصور، فال دور حينئذ.المسألة الثانية

في أن الوجود مشتركقال: وتردد الذهن حال الجزم بمطلق الوجود واتحاد مفهوم نقيضه وقبوله

القسمة يعطي اشتراكه (٣).أقول: لما فرغ من البحث عن ماهية الوجود، شرع في البحث عن أحكامه،

--------------------(١) أي يفيد الناظر، فالكلمتان منصوبتان على المفعولية.

(٢) وهو قوله: جاز أن يكون التصور للمفردات ناقصا.. الخ.(٣) أي كل واحد من هذه الوجوه الثالثة يعطي االشتراك. وفي (ت): يعطي الشركة، والشرح

مطابق لألول. وفي منظومة الحكيم السبزواري: يعطي اشتراكه صلوح المقسم، واعلم أنجمهور المحققين من الحكماء والمتكلمين أجمعوا على أن للوجود مفهوما واحدا مشتركابين الوجودات، ولكن خالفهم في هذا الحكم أبو الحسن األشعري وأبو الحسين البصريحيث ذهبا إلى أن وجود كل شئ عين ماهيته، وال اشتراك إال في لفظ الوجود حذرا من

المشابهة والسنخية بين العلة والمعلول.واستدل الجمهور بوجوه ثالثة أشار إليها المصنف، والحق أن كون الوجود مشتركا بين

الماهيات فهو قريب من األوليات، والقول بكون اشتراك الوجود لفظيا بمعنى أن المفهوم منالوجود المضاف إلى االنسان غير مفهوم الوجود المضاف إلى الفرس، وال اشتراك بينهم في

مفهوم الكون أي الوجود مكابرة ومخالفة لبديهة العقل.ثم إن توهم المشابهة والسنخية بين العلة والمعلول وهم، ألن تلك السنخية كسنخية الشئ

والفئ من شرائط العلية والمعلولية، على أن األمر عند النظر التام فوق التفوه بالعليةوالمعلولية ألن الكل فيضه، سبحان الله عما يصفون، إال عباد الله المخلصين.

ثم القول بأن وجود كل ماهية عبارة عن نفس حقيقتها، أخص من االشتراك اللفظي، الحتمالاالشتراك أن يكون الوجود في كل ماهية أمرا زائدا على الماهية مختصا بها ألنفسها.

(٣٣)

Page 35: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

فبدأ باشتراكه، واستدل عليه بوجوه ثالثة، ذكرها الحكماء والمتكلمون.األول: إنا قد نجزم بوجود ماهية، ونتردد في خصوصياتها مع بقاء الجزم

بالوجود، فإنا إذا شاهدنا أثرا حكمنا بوجود مؤثره، فإذا اعتقدنا أنه ممكن، ثمزال اعتقادنا بإمكانه، وتجدد اعتقادنا بوجوبه، لم يزل الحكم األول، فبقاء

االعتقاد بالوجود عند زوال اعتقاد الخصوصيات يدل على االشتراك.الثاني: أن مفهوم السلب واحد ال تعدد فيه وال امتياز، فيكون مفهوم نقيضه

الذي هو الوجود واحدا، وإال لم ينحصر التقسيم بين السلب واإليجاب (١).الثالث: أن مفهوم الوجود قابل للتقسيم بين الماهيات، فيكون مشتركا بينها،أما المقدمة األولى فألنا نقسمه إلى الواجب والممكن، والجوهر والعرض،

والذهني والخارجي، والعقل يقبل هذه القسمة، وأما المقدمة الثانية فألن القسمةعبارة عن ذكر جزيئات الكلي الصادق عليها بفصول متعاندة أو ما يشابه الفصول،

ولهذا ال يقبل العقل قسمة الحيوان إلى االنسان والحجر لما لم يكن صادقا عليهما،ويقبل قسمته إلى االنسان والفرس.

المسألة الثالثةفي أن الوجود زائد على الماهيات

قال: فيغاير (٢) الماهية وإال اتحدت الماهيات أو لم تنحصر أجزاؤها.أقول: هذه المسألة فرع على المسألة األولى، واعلم إن الناس اختلفوا في أن

--------------------(١) وذلك مراد من قال وإال ارتفع النقيضان، وذلك ألنه لو كان أحد طرفي التناقض مفهوماواحدا والطرف اآلخر مفهومات متعددة كل منها نقيض للطرف األول ألمكن خلو الموضوععنهما بأن يكون واحدا آخر من تلك المفهومات، مثال لو فرضنا أن الحمرة والصفرة نقيضان

للبياض كالسواد، لم يكن في الحمرة الصفرة والبياض وهو ارتفاع النقيضين.(٢) أي فيغاير الوجود الماهية، وإال اتحدت الماهيات إن كان الوجود عينها، أو لم تنحصر

أجزاؤها إن كان جزء لها.

(٣٤)

Page 36: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الوجود هل هو نفس الماهية، أو زائد عليها؟ فقال أبو الحسن األشعري وأبوالحسين البصري وجماعة تبعوهما: إن وجود كل ماهية نفس تلك الماهية (١).

وقال جماعة من المتكلمين والحكماء: إن وجود كل ماهية مغاير لها إالواجب الوجود تعالى، فإن أكثر الحكماء قالوا: إن وجوده نفس حقيقته، وسيأتي

تحقيق كالمهم فيه.وقد استدل الحكماء على الزيادة بوجوه: األول: أن الوجود مشترك على

ما تقدم، فإما أن يكون نفس الماهية أو جزءا منها، أو خارجا عنها. واألول باطلوإال لزم اتحاد الماهيات في خصوصياتها لما تبين من اشتراكه. والثاني باطل وإاللم تنحصر أجزاء الماهية، بل تكون كل ماهية على االطالق مركبة من أجزاء التتناهى، والالزم باطل، فالملزوم مثله، بيان الشرطية أن الوجود إذا كان جزءا من

كل ماهية، فإنه يكون جزءا مشتركا بينها، ويكون كمال الجزء المشترك، فيكونجنسا فتفتقر كل ماهية إلى فصل يفصلها عما يساويها فيه، لكن كل فصل فإنه

يكون موجودا، الستحالة انفصال الموجودات باألمور العدمية، فيفتقر الفصل إلىفصل آخر، هو جزء منه ويكون جزءا من الماهية، ألن جزء الجزء جزء أيضا، فإن

كان موجودا افتقر إلى فصل آخر ويتسلسل، فتكون للماهية أجزاء ال تتناهى.وأما استحالة التالي فلوجوه: أحدها: أن وجود ما ال يتناهى محال على

ما يأتي.الثاني: يلزم منه تركب واجب الوجود تعالى، ألنه موجود فيكون ممكنا هذا

خلف.الثالث: يلزم منه انتفاء الحقائق (٢) أصال، ألنه يلزم منه تركب الماهيات

--------------------(١) فالماهيات بأسرها متخالفة، وكذلك الوجود ألنه عينها في كل مرتبة، ولذا قالوا باشتراكه

اللفظي حذرا من المشابهة والسنخية بين العلة ومعلولها، وقد دريت ما فيه.(٢) أي لو كان الوجود جزءا من الماهية ولم يكن زائدا عليها للزم أن ال يتحقق شئ من

الحقائق، ألن المركب يتحصل بالبسيط، فإذا انتفى البسيط انتفى المركب.

(٣٥)

Page 37: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

البسيطة، فال يكون البسيط متحققا فال يكون المركب متحققا، وهذا كله ظاهرالبطالن.

قال: والنفكاكهما تعقال (١).أقول: هذا هو الوجه الثاني الدال على زيادة الوجود، وتقريره إنا قد نعقل

الماهية ونشك في وجودها الذهني والخارجي والمعقول مغاير للمشكوك فيه،وكذلك قد نعقل وجودا مطلقا ونجهل خصوصية الماهية فيكون مغايرا لها.

ال يقال: إنا قد نتشكك في ثبوت الوجود فيلزم أن يكون ثبوته زائدا عليهويتسلسل.

ألنا نقول: التشكك ليس في ثبوت وجود للوجود، بل في ثبوت الوجودنفسه للماهية، وذلك هو المطلوب.

قال: وتحقق االمكان الخاص.أقول: هذا وجه ثالث يدل على الزيادة، وتقريره أن ممكن الوجود متحقق

بالضرورة، واإلمكان أنما يتحقق على تقدير الزيادة (٢). ألن الوجود لو كان نفسالماهية أو جزءها، لم تعقل منفكة عنه، فال يجوز عليها العدم حينئذ وإال لزم جواز

اجتماع النقيضين وهو محال، وانتفاء جواز العدم يستلزم الوجوب فينتفياإلمكان حينئذ للمنافاة بين االمكان الخاص والوجوب الذاتي، وألن اإلمكان

نسبة (٣) بين الماهية والوجود، والنسبة ال تتعقل إال بين شيئين.قال: وفائدة الحمل.

أقول: هذا وجه رابع يدل على المغايرة بين الماهية والوجود، وتقريره أنانحمل الوجود على الماهية فنقول ماهية موجودة فنستفيد منه فائدة معقولة لم

--------------------(١) أي النفكاك الوجود والماهية، وقد ذكره الفارابي في الفص األول من فصوصه، وفي شرحنا

عليه في المقام مطالب عسى أن تنفعك.(٢) أي على تقدير زيادة الوجود على الماهية.

(٣) النسبة إنما تتحقق بين المتغايرين، واالمكان عبارة عن تساوي نسبة الماهية إلى الوجودوالعدم، فلو كان الوجود نفس الماهية أو جزء منها لم تتصور نسبة فرضا عن تساويها.

(٣٦)

Page 38: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

تكن حاصلة لنا قبل الحمل، وإنما تتحقق هذه الفائدة على تقدير (١) المغايرة، إذ لوكان الوجود نفس الماهية لكان قولنا ماهية موجودة (٢) بمنزلة قولنا: ماهية ماهية

أو موجودة موجودة، والتالي باطل فالمقدم مثله.قال: والحاجة إلى االستدالل.

أقول: هذا وجه خامس يدل على أن الوجود ليس هو نفس الماهية وال جزءمنها، وتقريره أنا نفتقر في نسبة الوجود إلى الماهية إلى الدليل في كثير من

الماهيات، ولو كان الوجود نفس الماهية أو جزءها لم نحتج إلى الدليل، الفتقارالدليل إلى المغايرة بين الموضوع والمحمول، والتشكك في النسب الممتنع

تحققه (٣) في الذاتي.قال: وانتفاء التناقض.

أقول: هذا وجه سادس يدل على الزيادة وتقريره أنا قد نسلب الوجود عنالماهية فنقول: ماهية معدومة، ولو كان الوجود نفس الماهية لزم التناقض، ولو كان

جزء منها لزم التناقض أيضا، ألن تحقق الماهية يستدعي تحقق أجزائها التي منجملتها الوجود، فيستحيل سلبه عنها، وإال لزم اجتماع النقيضين فتحقق انتفاء

التناقض يدل على الزيادة.قال: وتركب الواجب (٤).--------------------

(١) وسيأتي البحث عن الحمل في المسألة الثامنة والثالثين من هذا الفصل حيث يقول:والحمل يستدعي اتحاد الطرفين من وجه وتغايرهما من آخر، ثم إن الوجهين الرابع والسادس

على فرض كون الوجود عين الماهية، والخامس والسابع على فرض كونه جزء منها.(٢) وكذلك لو قلنا مثال سواد موجود لكان بمنزلة سواد سواد وموجود موجود وليس كذلك،

وهكذا في غيرهما.(٣) كما في (م). والباقية بعضها التشكك في النسبة، وبعضها التشكيك في النسبة، كيف كان هو

عطف على المغايرة، والممتنع صفة للتشكك، وتحققه فاعله.(٤) مجرور معطوف على التناقض أي انتفاء تركب الوجود.

(٣٧)

Page 39: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: هذا وجه سابع وهو أن تركب الواجب منتف، وإنما يتحقق (١) لو كانالوجود زائدا على الماهية، ألنه يستحيل أن يكون نفس الماهية لما تقدم، فلو

كان جزءا منها لزم أن يكون الواجب مركبا وهو محال.قال: وقيامه بالماهية من حيث هي.

أقول: هذا جواب عن استدالل الخصم على أن الوجود نفس الماهية وتقريراستداللهم أنه لو كان زائدا على الماهية لكان صفة قائمة بها، الستحالة أن يكونجوهرا قائما بنفسه مستغنيا عن الماهية واستحالة قيام الصفة بغير موصوفها، وإذا

كان كذلك فإما أن يقوم بالماهية حال وجودها أو حال عدمها، والقسمان باطالن،أما األول: فألن الوجود الذي هو شرط في قيام هذا الوجود بالماهية، إما أن يكون هو

هذا الوجود فيلزم اشتراط الشئ بنفسه، أو يكون مغايرا له فيلزم قيام الوجوداتالمتعددة بالماهية الواحدة، وألنا ننقل البحث إلى الوجود الذي هو شرط.

وأما الثاني: فألنه يلزم قيام الصفة الوجودية بالمحل المعدوم (٢) وهو باطل،وإذا بطل القسمان انتفت الزيادة.

وتقرير الجواب أن نقول: الوجود قائم بالماهية من حيث هي هي (٣)، ال--------------------

(١) أي إنما يتحقق انتفاء التركب لو كان الوجود زائدا على الماهية ألنه يستحيل أن يكوننفس الماهية واتحدت الماهية، فلو كان جزء لزم أن يكون الواجب مركبا ألنه حينئذمشترك بين الواجب والممكن، فيلزم تركب الواجب، إذ كل ما له جزء فله جزء آخر

بالضرورة، كما مر وهو معنى التركيب.(٢) ويلزم اجتماع النقيضين أيضا.

(٣) سيأتي قوله في المسألة الخامسة: وليس الوجود معنى به.. الخ، وهو يجديك في المقام،وكذلك قوله في المسألة الثامنة والثالثين: وإثبات الوجود للماهية ال يستدعي وجودها أوال.وكذلك قوله في المسألة الثانية واألربعين: والحكم على الممكن بإمكان الوجود حكم على

الماهية ال باعتبار العدم والوجود.واعلم أنه ليس للماهية ثبوت في الخارج دون وجودها، أي ثبوت منفك عن الوجود في

الخارج ثم الوجود يحل فيها كما ظن وهو ظن فاسد ألن كون الماهية هو وجودها والماهية التتجرد عن الوجود إال في العقل ال بأن تكون في العقل منفكة عن الوجود فإن تخليتها عنه

عين تحليتها به، والكون في العقل أيضا وجود عقلي كما أن الكون في الخارج وجودخارجي، بل بأن العقل من شأنه أن يالحظها وحدها من غير مالحظة الوجود وعدم اعتبارالشئ ليس باعتبار لعدمه، فإذن اتصاف الماهية بالوجود أمر عقلي ليس كاتصاف الجسمبالبياض، فإن الماهية ليس لها وجود منفرد ولعارضها المسمى بالوجود وجود آخر حتى

يجتمعا اجتماع القابل والمقبول، بل الماهية إذا كانت فكونها هو وجودها.

(٣٨)

Page 40: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

باعتبار كونها معدومة أو موجودة، فالحصر ممنوع.قال: فزيادته في التصور (١).

أقول: هذا نتيجة ما تقدم، وهو أن قيام الوجود بالماهية من حيث هي هيأنما يعقل في الذهن والتصور ال في الوجود الخارجي الستحالة تحقق (٢) ماهية

من الماهيات في األعيان منفكة عن الوجود، فكيف تتحقق الزيادة في الخارجوالقيام بالماهية فيه، بل وجود الماهية زائد عليها في نفس األمر والتصور ال في

األعيان وليس قيام الوجود بالماهية كقيام السواد بالمحل.المسألة الرابعة

في انقسام الوجود إلى الذهني والخارجيقال: وهو ينقسم إلى الذهني والخارجي وإال بطلت الحقيقة.

أقول: اختلف العقالء هاهنا، فجماعة منهم نفوا الوجود الذهني وحصرواالوجود في الخارجي، والمحققون منهم أثبتوه وقسموا الوجود إليه وإلى الخارجيقسمة معنوية. واستدل المصنف رحمة الله عليه بأن القضية الحقيقية صادقة قطعا،

ألنا نحكم باألحكام اإليجابية على موضوعات معدومة في األعيان، وتحققالصفة يستدعي تحقق الموصوف، وإذ ليس ثابتا في األعيان فهو متحقق في

األذهان.واعلم أن القضية تطلق (٣) على الحقيقية وهي التي يؤخذ موضوعها من حيث

--------------------(١) لم لم يقل في الذهن؟ فراجع تعليقة المتأله السبزواري على الغرر (ط ١ - ص ١٣).

(٢) كما في (م د) والباقية: ماهية ما من الماهيات منفكة عن الوجود، وفي بعض النسخ: منفردةعن الوجود.

(٣) الحكم في الحقيقية ليس مقصورا على ما له وجود في الخارج فقط، بل على كل ما قدروجوده سواء كان موجودا في الخارج أو معدوما فيه، فإن لم يكن موجودا فيه فالحكم فيه

على أفراده المقدرة الوجود كقولنا: كل عنقاء طائر، وإن كان موجودا فالحكم فيه ليسمقصورا على أفراده الموجودة، بل عليها وعلى أفراده المقدرة الوجود أيضا كقولنا: كل

انسان حيوان.وأما الخارجية فالحكم فيها على الموجود في الخارج سواء كان اتصافه في الخارج حال

الحكم أو قبله أو بعده، فهي تستدعي وجود الموضوع في الخارج والحكم فيها مقصور علىاألفراد الخارجية. ثم في المقام بحث منطقي حول موضوع القضايا يطلب في محله.

(٣٩)

Page 41: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

هو هو ال باعتبار الوجود الخارجي، بل باعتبار ما صدق عليه الموضوع بالفعل.وتطلق على الخارجية، وهي التي يؤخذ موضوعها باعتبار الخارج، وهو

مذهب سخيف قد أبطل في المنطق، فتحقق الحقيقية يدل على الثبوت الذهني كماذكرناه.

قال: والموجود في الذهن أنما هو الصورة المخالفة في كثير من اللوازم.أقول: هذا جواب عن استدالل من نفي الوجود الذهني وتقرير استداللهم، أنه

لو حلت الماهية في األذهان لزم أن يكون الذهن حارا باردا أسود أبيض، فيلزممع اتصاف الذهن بهذه األشياء المنفية عنه اجتماع الضدين.

والجواب أن الحاصل في الذهن ليس هو ماهية الحرارة والسواد، بل صورتهاومثالها (١) المخالفة للماهية في لوازمها وأحكامها، فالحرارة الخارجية تستلزمالسخونة وصورتها ال تستلزمها، والتضاد أنما هو بين الماهيات ال بين صورها

وأمثلتها.المسألة الخامسة

في أن الوجود ليس هو معنى زائدا على الحصول العينيقال: وليس الوجود معنى به تحصل الماهية في العين بل الحصول.

أقول: قد ذهب قوم غير محققين إلى أن الوجود معنى قائم بالماهية يقتضي--------------------

(١) كما في (م) والباقية: بل صورتهما ومثالهما على التثنية.

(٤٠)

Page 42: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

حصول الماهية في األعيان، وهذا مذهب سخيف يشهد العقل ببطالنه، ألن قيامذلك المعنى بالماهية في األعيان يستدعي تحقق الماهية في الخارج، فلو كان

حصولها في الخارج مستندا إلى ذلك المعنى لزم الدور المحال، بل الوجود هونفس تحقق الماهية في األعيان، ليس ما به تكون الماهية في األعيان.

المسألة السادسةفي أن الوجود ال تزايد فيه وال اشتداد

قال: وال تزايد فيه وال اشتداد (١)--------------------

(١) التزايد في المقدار، واالشتداد في الكيف. معنى االشتداد هو اعتبار المحل الثابت إلى حالفيه غير قار يتبدل نوعيته إذا قيس ما يوجد منها في آن ما إلى ما يوجد في آن آخر، بحيث

يكون ما يوجد في كل آن متوسطا بين ما يوجد في آنين يحيطان بذلك اآلن ويتجدد جميعهاعلى ذلك المحل المتقوم دونها من حيث هو متوجه بتلك التجددات إلى غاية ما. ومعنى

الضعف هو ذلك المعني بعينه إال أنه يؤخذ من حيث هو منصرف بها عن تلك الغاية. فاآلخذفي الشدة والضعف هو المحل ال الحال المتجدد المتصرم، وال شك أن مثل هذا الحال يكون

عرضا لتقوم المحل دون كل واحد من تلك الهويات. وأما الحال الذي يتبدل هوية المحلالمتقوم بتبدله فال يتصور فيه اشتداد وال ضعف المتناع تبدلها على شئ واحد متقوم يكونهو هو في الحالتين، والمتناع وجود حالة متوسطة بين كون الشئ هو وبين كونه ليس هو.

هذا ما حرره الماتن في شرحه على اإلشارات، وقال الشارح ببيان أخصر في الجوهر النضيد:إن معنى االشتداد هو اعتبار المحل الواحد الثابت إلى حال فيه غير قار يتبدل نوعيته

ويوجد في كل آن نوع من تلك األنواع من غير أن يبقى آنين بحيث يكون في كل آن متوسطابين ما يوجد في ذلك اآلن وما يكون قبله وبعده، وهذا ال يعقل إال في العرض، إنتهى.

إذا دريت ذلك فاعلم أن الماهية ال يتصور كونها متقومة وموجودة من دون الوجود حتىيتصور توارد الوجود عليها، كما ال يمكن أن تتحرك الهيولى في الصورة، إذ ليس لها تقومبدون الصورة حتى يمكن توارد الصور عليها، فال تزايد في الوجود وال اشتداد ألن التزايد

في الوجود هو حركة الماهية متوجهة من وجود ناقص إلى وجود أزيد منه، وعكس ذلك هوالنقص أي حركتها من زائد إلى أنقص منه. واالشتداد في الوجود هو حركة الماهية من وجودضعيف إلى وجود أشد منه، وعكسه هو الضعف، وقد علمت أن الماهية ليست متقومة بذاتها

في الخارج بدون الوجود. ثم بما ذكرنا قد دريت مراد الشارح من قوله وهذا الدليل ينفيقبول األعراض كلها لالشتداد والنقص، وفي (م): لالشتداد والضعف، وفي عدة نسخ:

لالشتداد والتنقص.

(٤١)

Page 43: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: ذهب قوم إلى أن الوجود قابل للزيادة والنقصان، وفيه نظر ألن الزيادةإن كانت وجودا لزم اجتماع المثلين، وإال لزم اجتماع النقيضين، وأما نفي

االشتداد فهو مذهب أكثر المحققين قال بعضهم ألنه بعد االشتداد إن لم يحدثشئ آخر لم يكن االشتداد إشتدادا، بل هو باق كما كان، وإن حدث فالحادث إن

كان غير الحاصل فليس إشتدادا للموجود الواحد، بل يرجع إلى أنه حدث شئآخر معه، وإال فال اشتداد، وكذا البحث في جانب النقصان، وهذا الدليل ينفي قبول

األعراض كلها لالشتداد والضعف.المسألة السابعة

في أن الوجود خير والعدم شرقال: وهو خير محض.

أقول: إذا تأملنا كل ما يقال له خير وجدناه وجودا، وإذا تأملنا ما يقال له شروجدناه عدما، أال ترى القتل فإن العقالء حكموا بكونه شرا، وإذا تأملناه وجدنا

شريته باعتبار ما يتضمن من العدم، فإنه ليس شرا من حيث قدرة القادر عليه، فإنالقدرة كمال االنسان، وال من حيث إن اآللة قاطعة (١) فإنها أيضا كمال لها، وال منحيث حركة أعضاء القاتل، وال من حيث قبول العضو المنقطع للتقطيع، بل من حيثهو إزالة كمال الحياة عن الشخص، فليس الشر إال هذا العدم وباقي القيود الوجودية

خيرات، فحكموا بأن الوجود خير محض والعدم شر محض، ولهذا كان واجبالوجود تعالى أبلغ في الخيرية والكمال من كل موجود، لبراءته عن القوة واالستعداد

وتفاوت غيره من الوجودات فيه (٢) باعتبار القرب من العدم والبعد عنه.--------------------

(١) وفي عدة نسخ: اآللة قطاعة فإنها.(٢) أي في الخيرية والكمال.

(٤٢)

Page 44: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

المسألة الثامنةفي أن الوجود ال ضد له

قال: وال ضد له.أقول: الضد ذات (١) وجودية تقابل ذاتا أخرى في الوجود، ولما استحال أن

يكون الوجود ذاتا وأن يكون له وجود آخر استحال أن يكون ضدا لغيره، وألنهعارض لجميع المعقوالت، ألن كل معقول إما خارجي فيعرض له الوجودالخارجي، أو ذهني فيعرض له الذهني، وال شئ من أحد الضدين بعارض

لصاحبه، ومقابلته للعدم ليس تقابل الضدين على ما يأتي تحقيقه في نفي المعدوم،بل تقابل السلب واإليجاب إن أخذا مطلقين، وإال تقابل العدم والملكة.

المسألة التاسعةفي أنه ال مثل للوجود

قال: وال مثل.أقول: المثالن ذاتان وجوديتان يسد كل واحد منهما مسد صاحبه، ويكون

المعقول منهما شيئا واحدا بحيث إذا سبق أحدهما إلى الذهن ثم لحقه اآلخر لميكتسب العقل من الحاصل ثانيا غير ما اكتسبه أوال، والوجود ليس بذات فال

--------------------(١) أي ماهية وأمر، وجملة القول في ذلك أن كل واحد من الضد والمثل والمخالف يقال لما له

ماهية ويكون مشاركا لغيره في الموضوع وال يجتمعان فيه، والوجود ليس بماهية بل هوتحقق الماهية وكونها.

ثم إن الوجود الحق الصمدي ال جوف له حتى يكون له ثان ضده أو مثله أو نده، والتقابلبأقسامه إنما يتحقق في شؤونه المسماة بالوجودات الخاصة باعتبار تخصصها بالمعاني

والماهيات التي هي غير حقيقة الوجود. ويأتي البحث عن ذلك في المقصد الثالث عند قوله:وجوب الوجود يدل على سرمديته ونفي الزائد والشريك والمثل.

(٤٣)

Page 45: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

يماثل شيئا آخر وأيضا فليس هاهنا معقول يساويه في التعقل على معنى ما ذكرناهإذ كل معقول مغاير لمعقول الوجود.

ال يقال: إن كليه وجزءيه متساويان في التعقل، فكان له مثل وهو الجزئي.ألنا نقول: إنهما ليسا بمتساويين في المعقولية، وإن كان أحد جزئي الجزئيهو الكلي. لكن االتحاد ليس تماثال، وأيضا فإنه عارض لكل المعقوالت على

ما قررناه أوال، وال شئ من المثلين بعارض لصاحبه.المسألة العاشرة

في أنه مخالف لغيره من المعقوالت وعدم منافاته لهاقال: فتحققت مخالفته للمعقوالت.

أقول: لما انتفت نسبة التضاد والتماثل بينه وبين غيره من المعقوالت، وجبتالمخالفة بينهما، إذ القسمة حاصرة في كل معقولين بين التماثل واالختالف، وقد

انتفى التماثل فوجب االختالف، ولهذا جعله نتيجة لما سبق.قال: وال ينافيها.

أقول: المتنافيان ال يمكن اجتماعهما، وقد بينا أن كل معقول على االطالقفإنه يمكن عروض مطلق الوجود له واجتماعه معه وصدقه عليه، فكيف ينافيه.ال يقال: العدم أمر معقول، وقد قضى العقل بمنافاته له، فكيف يصح قوله على

االطالق أنه ال ينافيها؟ألنا نقول: نمنع أوال كون العدم المطلق معقوال والعدم الخاص له حظ من

الوجود، ولهذا افتقر إلى موضوع خاص كافتقار الملكة إليه، سلمنا لكن نمنعاستحالة عروض الوجود المطلق للعدم المعقول فإن العدم المعقول ثابت في الذهن

فيكون داخال تحت مطلق الثابت فيصدق عليه مطلق الثابت ومنافاته للوجودالمطلق ال باعتبار صدق مطلق الثبوت عليه، بل من حيث أخذ مقابال له وال امتناع

(٤٤)

Page 46: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

في عروض أحد المتقابلين لآلخر (١) إذا أخذا ال باعتبار التقابل كالكليةوالجزئية (٢) فإنهما قد يصدق أحدهما على اآلخر باعتبار مغاير ال باعتبار

تقابلهما، وهذا فيه دقة.المسألة الحادية عشرة

في تالزم الشيئية والوجودقال: ويساوق الشيئية (٣) فال تتحقق بدونه والمنازع مكابر مقتضى عقله.

--------------------(١) وسيأتي البحث عنه في المسألة الرابعة عشرة عند قوله ثم الوجود قد يؤخذ على االطالق.. الخ.

(٢) يعني بالجزئية اإلضافي غير الحقيقي والمتن مطابق لنسختي (م ص) وفي (ق ش): باعتبارمغاير العتبار تقابلهما.

(٣) أي يالزم الوجود المطلق الشيئية كما فسر الشارح، وسيأتي في المسألة الثامنة عشرة أنالشيئية من المعقوالت الثانية، وفي المسألة السادسة والثالثين أن الوجود من المعقوالت

الثانية فتبصر. وإنما عبر بالمساوقة إشارة إلى تغاير الوجود والشئ مفهوما وتالزمهماخارجا، وسيأتيك في السادسة من ثاني هذا المقصد ما يعينك في المساوقة بمعنى التالزم. ثم

إن القول بالثبوت إن كان اصطالح القوم على أن يسمي الصورة العلمية ثبوتا، والخارجيةوجودا فال مشاحة فيه، وإال فالمنازع مكابر مقتضى عقله، والواسطة بين الموجود والمعدوم

في الخارج في غاية السخافة.واعلم أن الداعي لهم على هذا القول أمران:

األول: وهو األهم في نظرهم تصحيح مسألة العلم األزلي، إذ قالوا: لو لم يكن في األزلوجود األشياء وال ماهيتها امتنع العلم ولو كان وجودها فيه لزم قدمها فبقي أن يكون الممتنعلزوم موجود قديم سوى الله ال ثابت قديم على أنه وجب قدم علمه تعالى كصفاته األخرى.

والثاني: تصحيح اإلمكان للماهيات ألنها في حال الوجود محفوفة بالضرورتين فال بد أنتكون الماهية ثابتة قبل الوجود ليصح اإلمكان.

وأقول: إن الماهيات في اصطالح الحكيم هي األعيان الثابتة في اصطالح العارف وهيالصور العلمية بوجودها األحدي الذي هو عين الذات الصمدية، ويتراءى من أقوال هذاالفريق القائلين بالفرق بين الثبوت والوجود كما أشرنا إليه، أن الوجود هو العين المقابل

للعلم، وإال فاألمران كل واحد منهما وهم، ومسألة العلم أشرف من هذه اآلراء الفائلة وبمعزلعنها بمراحل، كما سنشير إليها في محلها. ثم يكفي في إمكان الماهيات سلب الضرورتين

عن مرتبة ذاتها عند العقل وانفكاكها عن الوجود بالتعمل العقلي، وإن كان تخليتها عنالوجود عين تحليتها به.

ويؤيد ما أشرنا إليه من أن الفرق المذكور مجرد اصطالحهم على ذلك ما قاله الشارحالقوشجي في المقام من أن المعتزلة ذهبت إلى أن المعدوم الممكن شئ وثابت على معنىأن الماهية يجوز تقررها في الخارج منفكة عن الوجود، خالفا لسائر المتكلمين والحكماءمع اتفاقهم على أن الممتنع ويخصه المعتزلي باسم المنفي، ليس بشئ، فهم يجعلون الثبوت

مقابال للنفي أعم من الوجود والعدم أعم من النفي.ولعلهم إنما وقعوا فيه بما وقع الحكماء في إثبات الوجود الذهني، وهو أنا نحكم حكماإيجابيا بأمور ثبوتية على ما ليس بموجود في الخارج، ومعنى االيجاب الحكم بثبوت أمر

ألمر وثبوت شئ لشئ فرع ثبوت المثبت له، فللمثبت له ثبوت وهو معدوم فالمعدومثابت. فثبوت الماهيات على وجهين:

Page 47: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أحدهما ثبوتها في حد ذاتها بحيث ال يترتب عليها آثارها المطلوبة منها، والمعدوم ثابت بهذاالوجه من الثبوت، واآلخر ثبوتها بحيث يترتب عليها اآلثار ويظهر منها األحكام. فهم

يوافقون الحكماء في أن ثبوت الماهيات وتحققها على وجهين، لكنهم ينسبون الوجهين إلىالخارج ويخصون الوجه األخير من الثبوت باسم الوجود. والحكماء يسمون كال وجهي

الثبوت وجودا، ويقولون: إن الوجه األول من الثبوت ال يتصور إال في قوة مدركة ويسمونهبالوجود الذهني. إنتهى ما أردنا من نقل كالمه في المقام، فتدبر في قوله: ولعلهم إنما وقعوا

فيه.. الخ، حتى يظهر لك وجه التأييد.

(٤٥)

Page 48: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: اختلف الناس في هذا المقام، فالمحققون كافة من الحكماء والمتكلميناتفقوا على مساوقة الوجود الشيئية وتالزمهما حتى أن كل شئ على اإلطالق

فهو موجود على اإلطالق، وكل ما ليس بموجود فهو منتف وليس بشئ، وبالجملةلم يثبتوا للمعدوم ذاتا متحققة، فالمعدوم الخارجي ال ذات له في الخارج،

والذهني ال ذات له ذهنا.وقال جماعة من المتكلمين (١): إن للمعدوم الخارجي ذاتا ثابتة في األعيان

متحققة في نفسها ليست ذهنية ال غير، وهؤالء يكابرون في الضرورة فإن العقلقاض بأنه ال واسطة بين الموجود والمعدوم فإن الثبوت هو الوجود.

--------------------(١) إنما قال جماعة: ألن أبا الحسين البصري وأبا هذيل العالف والكعبي ومن تبعهم من

البغداديين خالفوهم وقالوا بالمساوقة.

(٤٦)

Page 49: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قال: وكيف تتحقق بدونه مع إثبات القدرة وانتفاء االتصاف (١).أقول: لما استبعد مقالة هؤالء القوم ونسبهم إلى الجهل (٢)، شرع في االستدالل

على بطالن قولهم واعلم أن هؤالء يذهبون إلى أن القدرة ال تأثير لها فيالذوات (٣) أنفسها، ألنها ثابتة في العدم، مستغنية عن المؤثر في جعلها ذواتا وال

في الوجود ألنه عندهم حال (٤)، والحال غير مقدورة، وقد ثبت في نفس األمر أناتصاف الماهية بالصفة غير ثابت في األعيان، بل هو أمر اعتباري، وإال لزم

التسلسل، ألن ذلك االتصاف لو كان ثابتا لكان مشاركا لغيره من الموجودات فيالثبوت، وممتازا عنها بخصوصية، وما به االشتراك مغاير لما به االمتياز، فيكون

اتصاف ذلك االتصاف بالثبوت أمرا زائدا عليه، ويلزم التسلسل.إذا ثبت هذا فاعلم أن المصنف رحمه الله تسلم مذهبهم، وما ثبت في نفس األمر

وألزمهم المحال، وتقريره: أن الماهيات لو كانت ثابتة في العدم الستغنتالممكنات في وجودها عن المؤثر، فانتفت القدرة أصال ورأسا، والتالي باطل.

فالمقدم مثله بيان الشرطية، أن القدرة حينئذ ال تأثير لها في الذوات، وال فيالوجود على مذهبهم، وال في اتصاف الماهية بالوجود على ما ثبت في نفس

األمر، وذلك يستلزم نفي التأثير أصال. وأما بطالن التالي فباإلتفاق والبرهان دلعليه على ما يأتي. فلهذا استبعد المصنف رحمه الله هذه المقالة مع إثبات القدرة

المؤثرة،والقول بكون االتصاف أمرا ذهنيا، وأنه منتف في الخارج.

قال: وانحصار الموجود مع عدم تعقل الزائد.أقول: هذا برهان آخر دال على انتفاء الماهيات في العدم، وتقريره أن

--------------------(١) أي اتصاف الماهية بالوجود.

(٢) كما في (م) وذلك ألن المكابر في الضرورة جاهل، وفي نسخ أخرى: نسبهم إلى المكابرة.(٣) أي في الماهيات.

(٤) يسمون المعاني االنتزاعية والصفات االعتبارية نفس األمرية حاال، وسيأتي بيانه فيالمسألة الثانية عشرة.

(٤٧)

Page 50: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

مذهبهم: أن كل ماهية نوعية فإنه يثبت من أشخاصها في العدم ما ال يتناهى،كالسواد والبياض والجواهر وغيرها من الحقائق، فألزمهم المصنف المحال، وهو

القول بعدم انحصار الموجودات، ألن تلك الماهيات ثابتة، وهي غير محصورة فيعدد متناه. والثبوت هو الوجود النتفاء تعقل أمر زائد على الكون في األعيان،

فلزمهم القول بوجود ما ال يتناهى من الماهيات، وهو عندهم باطل (١). فإن جعلواالوجود أمرا مغايرا للكون في األعيان، كان نزاعا في عبارة وقوال بإثبات ما ال

يعقل، مع أنا نكتفي في إبانة محالية قولهم بالثبوت الذي هو الكون (٢) في األعيان،وهم يسلمونه لنا. والبراهين الدالة على استحالة ما ال يتناهى، كما تدل علىاستحالته في الوجود تدل على استحالته في الثبوت، إذ داللتها أنما هي على

انحصار الكائن في األعيان. وقول المصنف رحمه الله (وانحصار الموجود) عطف علىاالنتفاء، أي وكيف تتحقق الشيئية بدون الوجود مع إثبات القدرة وانتفاء االتصاف،

ومع انحصار الموجود مع عدم تعقل الزائد هكذا ينبغي أن يفهم كالمه ها هنا.قال: ولو اقتضى التميز الثبوت عينا لزم منه محاالت.

أقول: لما أبطل مذهب المثبتين، شرع في إبطال حججهم، ولهم حجتانرديتان ذكرهما المصنف وأبطلهما، (أما الحجة األولى) فتقريرها: أن كل معدوم

متميز وكل متميز ثابت فكل معدوم ثابت.أما المقدمة األولى فيدل عليها أمور ثالثة:

أحدها: أن المعدوم معلوم، والمعلوم متميز.الثاني: أن المعدوم مراد، فإنا نريد اللذات، ونكره اآلالم، فال بد وأن يتميز

المراد عن المكروه.--------------------

(١) أي وجود ما ال يتناهى عندهم باطل، وذلك ألنهم اتفقوا على أن الموجودات منحصرةمتناهية. ودليلهم على ذلك إجراء براهين امتناع التسلسل مطلقا من غير اشتراط االجتماع

والترتيب، كما سيأتي البحث عنه في محله.(٢) صلة لقوله: نكتفي.

(٤٨)

Page 51: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الثالث: أن المعدوم مقدور، وكل مقدور متميز، فإنا نميز بين الحركة يمنةويسرة، وبين الحركة إلى السماء، ونحكم بقدرتنا على إحدى الحركتين دون

األخرى، فلوال تميز كل واحدة منهما عن األخرى، الستحال هذا الحكم.وأما المقدمة الثانية فألن التميز صفة ثابتة للمتميز، وثبوت الصفة يستدعي

ثبوت الموصوف ألنه فرع عليه.والجواب: أن التميز ال يستدعي الثبوت عينا، وإال لزم منه محاالت:

أحدها (١): أن المعلوم قد يكون مستحيل الوجود لذاته، كشريك الباري تعالى،واجتماع الضدين وغيرهما، ويتميز أحدهما عن اآلخر. فلو اقتضى التميز الثبوت

العيني لزم ثبوت المستحيالت، مع أنهم وافقونا على انتفاء المستحيل.الثاني: أن المعلوم قد يكون مركبا (٢) ووجودا، وليس بثابت في العدم اتفاقا.الثالث: أن المقدورية لو استدعت الثبوت النتفت، إذ ال قدرة على الثابت (٣)

وكذا المرادية.قال: واإلمكان اعتباري يعرض لما وافقونا على انتفائه.

أقول: هذه الحجة الثانية لهم على ثبوت المعدوم، وهو أنهم قالوا: إن المعدومممكن (٤)، وإمكانه ليس أمرا عدميا، وإال لم يبق فرق بين نفي اإلمكان وبين

--------------------(١) هكذا في النسخ كلها، والصواب: إحداها.. الثانية.. الثالثة.

(٢) يعني به المركبات الخيالية كجبل من الياقوت وبحر من الزيبق، وفي بعض النسخ مركباخياليا، ولكن الصواب أن خياليا تعليقة أدرجت في الكتاب.

ثم إن النسخ كلها متفقة على قوله: (وليس بثابت في العدم اتفاقا)، وفي المطبوعة ليس بثابتفي العين اتفاقا، وكان العدم بدل بالعين من ظاهر قوله: ولو اقتضى التمييز الثبوت عينا.والصواب هو العدم، ألن المثبتين قائلون بثبوت المعدومات في العدم، وقد تقدم كالم

الشارح العالمة آنفا: هذا برهان آخر دال على انتفاء الماهيات في العدم.بل وسيأتي تصريح المحقق الطوسي في ذلك في أول المسألة الثالثة عشرة.

(٣) وقد مرت اإلشارة إليه في قوله: وكيف تتحقق الشيئية.. الخ.(٤) يعني به المعدوم الممكن الذي سموه ثابتا ال المعدوم الممتنع المسمى عندهم بالمنفي.

(٤٩)

Page 52: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

اإلمكان المنفي، فيكون أمرا ثبوتيا وليس جوهرا قائما بذاته، فال بد له من محلثبوتي هو الممكن الستحالة قيام الصفة بغير موصوفها، فيكون الممكن العدمي

ثابتا وهو المطلوب.وأجاب المصنف عنه: بأن اإلمكان أمر اعتباري ليس شيئا خارجيا، وإال لزم

التسلسل. وأن يكون الثبوتي حاال في محل عدمي (١) وهو باطل قطعا. وأيضا فإناإلمكان يعرض للممكنات العدمية كالمركبات: وهم وافقونا على انتفائها خارجا،

فيبطل قولهم كل ممكن ثابت.المسألة الثانية عشرة

في نفي الحالقال: وهو يرادف الثبوت، والعدم النفي، فال واسطة.

أقول: ذهب أبو هاشم (٢) وأتباعه من المعتزلة والقاضي والجويني من--------------------

(١) ألن الثابت عندهم ليس بثابت عند المصنف، فأبطل قولهم بالواسطة. وقوله: كالممكناتالعدمية، يعني بها المنفي عندهم وهو العدم الممتنع. وقوله: كالمركبات، يعني بها المركبات

الخيالية كما مضت اإلشارة إليها آنفا.(٢) هو أبو هاشم عبد السالم بن أبي علي محمد الجبائي، كان هو وأبوه من كبار المعتزلة، ولد

أبو هاشم سنة ٢٤٧ من الهجرة، وتوفي سنة ٣٢١ ببغداد، والجبائي بضم الجيم وتشديد الباءالموحدة وهذه النسبة إلى قرية من قرى البصرة (تاريخ ابن خلكان ج ١ ط ١ ص ٣١٧).

والقاضي هو أبو بكر محمد بن الطبيب المعروف بالباقالني البصري المتكلم المشهور، كانعلى مذهب الشيخ ابن الحسن األشعري وناصرا طريقته، توفي ببغداد سنة ٤٠٣ ه (تاريخ ابن خلكان ج ٢ ط

١ ص ٥٦).والجويني هو أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني الشافعي الملقب ضياء الدينالمعروف بإمام الحرمين، مات سنة ٤٧٨ ه (تاريخ ابن خلكان ج ١ ص ٣١٢ ط ١).

وفي معجم ياقوت: جوين (كزبير) اسم كورة جليلة نزهة على طريق القوافل من بسطام إلىنيسابور، يسميها أهل خراسان كويان فعربت فقيل: جوين.. ينسب إلى جوين خلق كثير مناألئمة والعلماء منهم اإلمام حقا أبو المعالي عبد الملك بن أبي محمد عبد الله بن يوسف بن

عبد الله بن يوسف الجويني إمام الحرمين، أشهر من علم في رأسه نار - إلى أن قال - وماتبنيسابور في شهر ربيع اآلخر سنة ٤٧٨ ه.

(٥٠)

Page 53: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

األشاعرة إلى أن هاهنا واسطة بين الموجود والمعدوم، وهي ثابتة وسموهاالحال (١)، وحدوها بأنها صفة لموجود ال توصف بالوجود والعدم، فيكون الثابت

--------------------(١) قال ابن الحزم في الفصل: وأما األحوال التي ادعتها األشعرية فإنهم قالوا إن ها هنا أحواال

ليست حقا وال باطال وال هي مخلوقة وال غير مخلوقة وال هي موجودة وال معدومة وال هيمعلومة وال هي مجهولة وال هي أشياء وال هي ال أشياء، إنتهى.

واعلم أن القائلين باألحوال جعلوها واسطة بين األعيان الموجودة في الخارج باالستقاللوبين الصور العلمية التي ال توصف بأنها مجعولة، ألنها من حيث هي صور علمية معدومةفي الخارج، فاألحوال لكونها صفات لألعيان المجعولة في الخارج وليست ذوات مستقلةوأعيانا جوهرية، بل لها وجود تبعي ال تكون موجودة وال معدومة، أي ال تكون موجودة

جوهرية مستقلة خارجية، وال هي معدومة ألنها موجودة بالتبع. وهذا صرف اصطالح،فالتشنيع غير وارد عليهم، كيف واألوحدي من أساطين التحقيق الذين ال يرون إال الوجودالصمدي والحق األحدي، قائلون بأن األعيان من حيث أنها صور علمية أعيان ثابتة، أي ال

توصف بأنها مجعولة ألنها حينئذ معدومة في الخارج والمجعول ال يكون إال موجودا كما التوصف الصور العلمية والخيالية التي في أذهاننا بأنها مجعولة ما لم توجد في الخارج، ولو

كانت كذلك لكانت الممتنعات أيضا مجعولة، ألنها صور علمية فالجعل أنما يتعلق بهابالنسبة إلى الخارج وليس جعلها إال إيجادها في الخارج، كما في التنبيه األول من الفصل

الثالث من فصول شرح القيصري على فصوص الحكم (ص ٢٠ ط ١).بل صاحب فصوص الحكم يبحث في الفص الزكراوي منه عن األحكام التي هي حاكمةحقيقة في الموصوفين بها على غيرهم، وتلك األحكام كالمناصب التي في أصحابها، فما

داموا منصوبين ومتصفين بها كانوا حاكمين كالسلطان والقاضي والوزير وغيرهم، ففيالحقيقة تلك األحكام حاكمة ال أنفس هؤالء، وتلك األحكام هي معان قائمة في محالها وهي

واسطة بين الوجود والعدم. بذلك الوجه الذي أشرنا إليه وإنما سميت حاال، إذ بها يتحولالذات فيقول صاحب الفصوص في تلك األحكام التي هي أحوال ما هذا لفظه:

والحكم ال يتصف بالخلق ألنه أمر توجبه المعاني لذواتها، فاألحوال ال موجودة والمعدومة، أي ال عين لها في الوجود ألنها نسب، وال معدومة في الحكم ألن الذي قام به العلميسمى عالما وهو الحال، فعالم ذات موصوفة بالعلم، فما هو عين الذات وال عين العلم وما ثمإال علم وذات قام بها هذا العلم، وكونه عالما حال لهذه الذات باتصافها بهذا المعنى، فحدثت

نسبة العلم إليه وهو المسمى عالما.وقال الشارح المذكور: (فاألحوال واألحكام كلها ال موجودة في األعيان بمعنى أن لها أعيانا

في الخارج وال معدومة بمعنى أنها معدومة األثر في الخارج) - إلى قوله: - (وهذا هوالمسمى بالحال في مذهب المعتزلة الذي هو واسطة بين الوجود والعدم) (ص ٤٠٨ ط ١).

فعلى ما حققنا يظهر لك مفاد كالمهم المنقول في الشوارق حيث قال: (ذهب أبو هاشموأتباعه من المعتزلة وإمام الحرمين والقاضي أبو بكر من األشاعرة إلى أن المعلوم إن لم يكن

له ثبوت في الخارج فهو المعدوم، وإن كان له ثبوت في الخارج، فأما باستقالله وباعتبار ذاتهفهو الموجود وأما باعتبار التبعية لغيره فهو حال، فالحال واسطة بين الموجود والمعدوم ألنهعبارة عن صفة للموجود ال تكون موجودة وال معدومة، مثل العالمية والقادرية ونحو ذلك.والمراد بالصفة ما ال يعلم وال يخبر عنه باالستقالل بل بتبعية الغير والذات تخالفها وهي ال

تكون إال موجودة أو معدومة بل ال معنى للموجود إال ذات لها صفة الوجود، والصفة ال تكونذاتا فال تكون موجودة، فلذا قيدوا بالصفة، وإذا كانت صفة للموجود ال تكون معدومة أيضا

Page 54: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

لكونها ثابتة في الجملة، فهي واسطة بين الموجود والمعدوم) إنتهى.فقول الشارح: وهذا المذهب باطل بالضرورة، أو قول الماتن: فال واسطة، فمما ينبغي التأمل

فيه جدا.ومما هو أصدق شاهد على التحقيق الذي تفردنا به في المقام أن الكون في اصطالح أهل

التوحيد القائلين بالوحدة الشخصية في الوجود الحق الال بشرط االطالقي الصمدي، هوعبارة عن وجود العالم من حيث هو عالم، أي من حيث التعين والماهية ال من حيث أنه حق،

أي ال من حيث الوجود، وإن كان الكون مرادفا للوجود المطلق عند أهل النظر.نعم، لو ذهب القائل بالثبوت إلى الثبوت في الخارج فهو خطأ بال كالم، كما ذهب إليه

المعتزلي على ما صرح به القيصري في فصول شرحه على فصوص الحكم (ص ٢١ ط ١).

(٥١)

Page 55: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أعم من الموجود، والمعدوم أعم من المنفي.وهذا المذهب باطل بالضرورة، فإن العقل قاض بأنه ال واسطة بين الوجود

والعدم، وأن الثبوت والوجود مترادفان، وكذا العدم والنفي مترادفان، وال شئأظهر عند العقل من هذه القضية، فال يجوز االستدالل عليها.

قال: والوجود ال ترد عليه القسمة والكلي ثابت ذهنا ويجوز قيام العرضبالعرض.

أقول: لما أبطل مذهبهم أشار إلى بطالن ما احتجوا به، وهو وجهان: األول:

(٥٢)

Page 56: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قالوا قد تبين أن الوجود زائد على الماهية، فإما أن يكون موجودا أو معدوما، أوال موجودا وال معدوما، واألوالن باطالن، أما األول فألنه يلزم التسلسل، وأما

الثاني فألنه يلزم منه اتصاف الشئ بنقيضه، فبقي الثالث.والجواب: أن الوجود غير قابل لهذه القسمة الستحالة انقسام الشئ إلى نفسهوإلى غيره، فكما ال يقال السواد إما أن يكون سوادا أو بياضا، كذلك ال يقال

الوجود إما أن يكون موجودا أو ال يكون، وألن المنقسم إلى الشيئين أعم منهما،ويستحيل أن يكون الشئ أعم من نفسه.

الوجه الثاني: أن اللونية أمر ثابت مشترك بين السواد والبياض، فيكون كلواحد من السواد والبياض ممتازا عن اآلخر بأمر زائد على ما به االشتراك، ثم

الوجهان إن كانا موجودين (١)، لزم قيام العرض بالعرض، وإن كانا معدومين لزمأن يكون السواد أمرا عدميا وكذلك البياض، وهو باطل بالضرورة فثبتت الواسطة.

والجواب من وجهين: األول: أن الكلي ثابت في الذهن فال ترد عليه هذهالقسمة.

الثاني: إن العرض قد يقوم بالعرض على ما يأتي (٢). وأيضا فإن قيام الجنسبالفصل ليس هو قيام عرض بعرض.

قال: ونوقضوا بالحال نفسها.أقول: إعلم أن نفاة األحوال قالوا: وجدنا ملخص أدلة مثبتي الحال يرجع إلىأن هاهنا حقائق تشترك في بعض ذاتياتها، وتختلف في البعض اآلخر، وما به

االشتراك مغاير لما به االمتياز، ثم قالوا: وذلك ليس بموجود وال معدوم، فوجبالقول بالحال. وهذا ينتقض عليهم بالحال نفسها، فإن األحوال عندهم متعددة

--------------------(١) باتفاق النسخ كلها. فالمراد بالوجهين األمران المذكوران في الوجه الثاني، ولذا بدل في

المطبوعة الوجهان باألمرين.(٢) وذلك كالسرعة العارضة للحركة العارضة للجسم، ويأتي في المسألة الخامسة من الفصل

األول من المقصد الثاني.

(٥٣)

Page 57: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

متكثرة فلها جهتا اشتراك، هي مطلق الحالية، وامتياز هي خصوصيات تلكاألحوال وجهة االشتراك مغايرة لجهة االمتياز فيلزم أن تكون للحال حال أخرى

ويتسلسل.قال: والعذر بعدم قبول التماثل واالختالف والتزام التسلسل باطل.

أقول: اعتذر المثبتون عن إلزام النفاة بوجهين:األول: أن الحال ال توصف بالتماثل واالختالف.

الثاني: القول بالتزام التسلسل.والعذران باطالن، أما األول فألن كل معقول إذا نسب إلى معقول آخر، فإما

أن يتحدا في المعقولية ويكون المتصور من أحدهما هو المتصور من اآلخر، وإنمايتميزان (١) بعوارض الحقة لهما، وهما المثالن، أو ال يكون كذلك وهما المختلفان،

فال يتصور نفيهما.وأما الثاني فألنه يبطل االستدالل بوجود الصانع تعالى، وبراهين إبطال

التسلسل آتية هاهنا.أجاب بعض المتأخرين بأن المختلفين إذا اشتركا في أمر ثبوتي، لزم ثبوت

أمرين بهما يقع االختالف والتماثل، أما إذا اتحدا في أمر سلبي فال يلزم ذلك،واألحوال وإن اشتركت في الحالية كالسوادية والبياضية، إال أن ذلك المشترك أمر

سلبي، فال يلزم التسلسل، وهو غير مرضي عندهم، ألن األحوال عندهم ثابتة.المسألة الثالثة عشرة

في التفريع على القول بثبوت المعدوم واألحوالقال: فبطل ما فرعوا عليهما من تحقق الذوات الغير المتناهية في العدم،

--------------------(١) كما في (م). والنسخ األخرى: وإنما يتعددان. وقوله: فال يتصور نفيهما، أي نفي التماثل

واالختالف في الحال.

(٥٤)

Page 58: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وانتفاء تأثير المؤثر فيها وتباينها، واختالفهم في إثبات صفة الجنس وما يتبعهافي الوجود، ومغايرة التحيز للجوهرية، وإثبات صفة المعدوم بكونه معدوما،

وإمكان وصفه بالجسمية، ووقوع الشك في إثبات الصانع بعد اتصافه بالقدرةوالعلم والحياة.

أقول: لما أبطل مذاهب القائلين بثبوت المعدوم والحال، أبطل ما فرعواعليهما، وقد ذكر من فروع إثبات الذوات في العدم أحكاما اختلفوا في بعضها:

األول: اتفقوا على أن تلك الذوات غير متناهية في العدم، فلكل نوع عدد غيرمتناه، وأن تلك األعداد متباينة بأشخاصها (١).

الثاني: أن الفاعل ال تأثير له في جعل الجوهر جوهرا والعرض عرضا، وإنماتأثير الفاعل في جعل تلك الذوات موجودة، ألن تلك الذوات ثابتة في العدم لم

تزل، والمؤثر إنما يؤثر على طريقة األحداث. وقد صار إلى هذا الحكم جماعة منالحكماء قالوا: ألن كل ما بالفاعل ينتفي بانتفاء الفاعل، فلو كان الجوهر جوهرا

بالفاعل النتفى بانتفائه، لكن انتفاء الجوهر عن ذاته يستلزم التناقض.الحكم الثالث: اتفقوا على انتفاء التباين في الذوات، بل جعلوا الذوات كلها

متساوية في كونها ذواتا، وإنما تختلف بصفات عارضة لها.وهذا المذهب باطل، ألن الصفات إن كانت الزمة كان اختالفها دليال على

اختالف الملزومات، وإال جاز أن ينقلب السواد جوهرا وبالعكس، وذلك باطلبالضرورة.

الرابع: اختلفوا في صفات األجناس (٢)، هل هي ثابتة في العدم أم ال؟--------------------

(١) وفي بعض النسخ متناهية بأشخاصها، والقوشجي فسر على هذا الوجه ولكن الصواب هوالوجه األول المختار.

(٢) ذهب الشحام إلى اتصاف الذوات المعدومة في حال العدم بصفات األجناس وغيرها أيضاحتى التزم رجال معدوما ركب على فرس معدوم ركوبا معدوما وبيده سيف معدوم يحركه

بحركات معدومة وعلى رأسه قلنسوة معدومة ذات ألوان معدومة.

(٥٥)

Page 59: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

والمراد بصفات األجناس ما يقع بها االختالف والتماثل كصفة الجوهرية فيالجوهر والسوادية في السواد إلى غير ذلك من الصفات، فذهب ابن عياش إلى

عراء تلك الماهيات عن الصفات في العدم، وأما الجبائيان (١) وعبد الجبار وابنمتويه (٢) فإنهم قالوا: صفات الجوهر إما أن تكون عائدة إلى الجملة كالحيية (٣) وما

يشترط بها، وإما أن تكون عائدة إلى األفراد وهي أربعة:إحداهما: الصفة الحاصلة حالتي الوجود والعدم وهي الجوهرية.

والثانية: الوجود وهي الصفة الحاصلة بالفاعل.والثالثة: التحيز وهي الصفة التابعة للحدوث الصادرة عن صفة الجوهرية

بشرط الوجود.والرابعة: الحصول في الحيز وهي الصفة المعللة بالمعنى، وليس له صفة زائدة

على هذه األربع فليس له بكونه أسود أو أبيض صفات. وأما األعراض فال صفاتلها عائدة إلى الجملة، بل لها ثالث صفات راجعة إلى األفراد: إحداها: الصفةالحاصلة حالتي الوجود والعدم وهي صفة الجنس. الثانية: الصفة الصادرة عنها

بشرط الوجود. الثالثة: صفة الوجود.الخامس: ذهب أبو يعقوب الشحام وأبو عبد الله البصري وأبو إسحاق بن

عياش (٤) إلى أن الجوهرية هي التحيز، ثم قال الشحام والبصري: إن الذات--------------------

(١) هما أبو علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي المتوفى سنة ٣٠٣ ه (تاريخ ابن خلكان ج ٢ص ٥٦ ط ١) وابنه أبو هاشم المذكور آنفا.

(٢) وفي (م): ابن مستويه، والصواب هو األول وكأن كاتب الثاني قصد المطايبة والمزاح.(٣) وفي (م): إلى الجمل، وفي (ص ق ش ز د) كما اخترناه في الكتاب، وفي بعض النسخكالحياة. والجمل جمع الجملة أي مجموع ما يتركب منه البنية، وما يشترط بالحياة كالعلم

والقدرة ألن الحياة أمام األئمة من األسماء وأم األمهات من الصفات، فالحياة عائدة إلىمجموع ما يتركب منه البنية وتتصف أجزاؤه بها أيضا، وإذا تفرقت األجزاء وانتفت البنية

انتفت الحياة عنها بخالف باقي الصفات المعدودة في الكتاب.(٤) ابن عياش هذا هو غير أبي بكر بن عياش الراوي عن العاصم القارئ المعروف بابن عياش

أيضا، وهو أيضا غير أحمد بن محمد بن عبيد الله بن الحسن بن عياش الجوهري المعروفبابن عياش أيضا.

بل هو الذي قال ابن النديم في الفهرست: ومن المعتزلة ممن ال نعرف من أمره غير ذكره أبوإسحاق إبراهيم بن محمد بن عياش.

(٥٦)

Page 60: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

موصوفة بالتحيز كما توصف بالجوهرية، ثم اختلفا فقال الشحام: إن الجوهر حالعدمه حاصل في الحيز، وقال البصري: شرط الحصول في الحيز الوجود، فهو

حال العدم موصوف بالتحيز ال الحصول في الحيز، وزعم ابن عياش أنه حال العدمغير موصوف بأحدهما وال بغيرهما.

السادس: اتفق المثبتون إال أبا عبد الله البصري على أن المعدوم ال صفة له (١)بكونه معدوما، والبصري أثبت له صفة بذلك.

السابع: اتفقوا إال أبا الحسين الخياط على أن الذوات المعدومة ال توصفبكونها أجساما وجوزه الخياط.

الثامن: اتفقوا على أن من علم أن للعالم صانعا قادرا حكيما مرسال للرسل قديشك في أنه هل هو موجود أم ال، ويحتاج في ذلك إلى دليل بناء منهم على جوازاتصاف المعدوم بالصفات المتغايرة والعقالء كافة منعوا من ذلك، وأوجبوا وجودالموصوف بالصفة الموجودة ألن ثبوت الشئ لغيره فرع على ثبوت ذلك الغير في

نفسه.قال: وقسمة الحال (٢) إلى المعلل وغيره وتعليل االختالف بها وغير ذلك مما

ال فائدة بذكره (٣).أقول: لما ذكر تفاريع القول بثبوت المعدوم شرع في تفاريع القول بثبوت

--------------------(١) يعني أن المعدومية هل هي صفة ثابتة للمعدوم ويتصف المعدوم بها في العدم كما ذهب إليه

البصري أم ال كما ذهب إليه جمهورهم.(٢) مجرور عطفا على قوله المتقدم: تحقق الذوات، أي فبطل ما فرعوا عليهما من تحقق

الذوات غير المتناهية في العدم، ومن قسمة الحال إلى المعلل وغيره.(٣) كالصفات العائدة إلى الجملة واألفراد في الجواهر واألعراض مما قد تقدم الكالم فيه.

(٥٧)

Page 61: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الحال وذكر منها فرعين: األول: قسمة الحال إلى المعلل وغيره، قالوا: ثبوتالحال للشئ إما أن يكون معلال بموجود قائم بذلك الشئ كالعالمية المعللة

بالعلم، أو ال يكون كذلك كسوادية السواد، فقسموا الحال إلى المعلل وغيره.الثاني: اتفقوا على أن الذوات كلها متساوية في الماهية، وإنما تختلف بأحوال

تنضاف إليها.واتفق أكثر العقالء على بطالن هذا لوجوب استواء المتماثلين في اللوازم،

فيجوز على القديم االنقالب إلى المحدث وبالعكس، وألن التخصيص ال بد له منمرجح وليس ذاتا وإال تسلسل، وال صفة ذات وإال تسلسل.

المسألة الرابعة عشرةفي الوجود المطلق والخاص

قال: ثم الوجود قد يؤخذ على اإلطالق فيقابله عدم مثله، وقد يجتمعان الباعتبار التقابل ويعقالن معا، وقد يؤخذ مقيدا فيقابله مثله (١).

أقول: إعلم أن الوجود عبارة عن الكون في األعيان (٢)، ثم هذا الكون فياألعيان قد يؤخذ عارضا لماهية ما فيتخصص الوجود حينئذ، وقد يؤخذ

مجردا (٣) من غير التفات إلى ماهية خاصة فيكون وجودا مطلقا، إذا عرفت هذا--------------------

(١) باتفاق النسخ كلها، أي فيقابله عدم مثله فحذف العدم هنا بقرينة قوله: في المطلق.(٢) أي باعتبار أنه وجه من وجوه الوجود الحق المطلق الصمدي وشأن من شؤونه المنفطرة

منه، كما أنك تبحث عن عين انسان وقواه أو أنوار أغصان مثال وهي منفطرة من أصولها وهوسبحانه وتعالى فاطر السماوات واألرض.

(٣) ينبغي في المقام التدبر التام في الفرق بين العين والمفهوم، والعين هو الحق الصمدي الذيهو األول واآلخر والظاهر والباطن ال يحيطون به علما والمفهوم وعاؤه الذهن، ثم إن تميز

المحيط عن المحاط إنما هو بالتعين اإلحاطي ال بالتعين التقابلي، والمبحوث عنه فيالكتاب هو مفهوم الوجود المطلق، فافهم.

(٥٨)

Page 62: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

فالوجود العام يقابله عدم مطلق غير متخصص بماهية خاصة، وهذا الوجودالمطلق والعدم المطلق قد يجتمعان على الصدق فإن المعدوم في الخارج الموجود

في الذهن يصدق عليه أنه معدوم مطلقا وأنه موجود مطلقا (١). نعم إذا نظر إلىوحدة االعتبار امتنع اجتماعهما في الصدق على شئ واحد، وإنما يجتمعان إذا

أخذا ال باعتبار التقابل (٢)، ولهذا كان المعدوم مطلقا متصورا للحكم عليه بالمقابلةللموجود المطلق وكل متصور ثابت في الذهن، والثابت في الذهن أحد أقسام

مطلق الثابت، فيكون الثابت المطلق صادقا على المعدوم مطلقا ال باعتبار التقابل،وهذا الوجود المطلق والعدم المطلق أمران معقوالن، وإن كان قد نازع (٣) قوم في

أن المعدوم مطلقا متصور.وأما الوجود الخاص وهو وجود الملكات المتخصص (٤) باعتبار تخصصها

فإنه يكون مقيدا كوجود االنسان مثال المقيد بقيد االنسان وغيره من الماهيات،فإنه يقابله عدم مثله خاص.

المسألة الخامسة عشرةفي أن عدم الملكة يفتقر إلى الموضوع

قال: ويفتقر (٥) إلى الموضوع كافتقار ملكته.--------------------

(١) أي معدوم باعتباره في الخارج بالحمل األولي الذاتي، وموجود باعتباره في الذهنبالحمل الشائع الصناعي.

(٢) وذلك كالكلية والجزئية، أي الجزئي اإلضافي غير الحقيقي كما تقدم في المسألة العاشرة.(٣) سيأتي في المسألة السابعة والثالثين (ص ١٠١) أن الذهن يتصور العدم المطلق.

(٤) صفة للوجود، أي الوجود متخصص باعتبار تخصص تلك الملكات، وفي (م ز) باعتبارتخصيص تلك الملكات الوجود، فيصير الوجود متخصصا بها وهو الوجود الخاص المأخوذ

في قبال الوجود المطلق.(٥) أي ذلك العدم المقيد وهو عدم الملكة، وكذلك ضمير ملكته.

(٥٩)

Page 63: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: عدم الملكة ليس عدما مطلقا، بل له حظ ما من الوجود، ويفتقر إلىالموضوع كافتقار الملكة إليه، فإنه عبارة عن عدم شئ عن شئ آخر مع إمكاناتصاف الموضوع بذلك الشئ كالعمي فإنه عدم البصر ال مطلقا ولكن عن شئ

من شأنه أن يكون بصيرا فهو يفتقر إلى الموضوع الخاص المستعد للملكة كما تفتقرالملكة إليه، ولهذا لما امتنع البصر على الحائط لعدم استعداده امتنع العمي عليه. قال:

ويؤخذ الموضوع شخصيا ونوعيا وجنسيا.أقول: لما فسر عدم الملكة بأنه عدم شئ عن موضوع من شأنه أن يكون له

وجب عليه أن يبين الموضوع، وقد اختلف الناس في ذلك، فذهب قوم إلى أنذلك الموضوع موضوع شخصي فعدم اللحية عن األمرد عدم ملكة وعدمها عن

األثط (١) ليس عدم الملكة.وقوم جعلوه أعم من ذلك بحيث يدخل فيه الموضوع النوعي، فعدم اللحية

عن األثط إيجاب وعدم ملكة وعدمها عن الحيوان ليس عدم ملكة (٢).وقوم جعلوه أعم من ذلك بحيث يدخل فيه الموضوع الجنسي أيضا، وال

مشاحة في ذلك لعدم فائدته.المسألة السادسة عشرة

في أن الوجود بسيطقال: وال جنس له بل هو بسيط فال فصل له (٣).

--------------------(١) في منتهى اإلرب: رجل أثط مرد كوسه لغت عامي است، ثط بر وزن خط كوسه راگويند.

(٢) مطابق لنسخ (م ص ق ز) والثالث األولى أصحها وأقدمها، وأسلوب البحث يقتضي ذلكأيضا. وفي (د): وعدمها عن الحيوانات، وهي تؤيدها، وفي (ش) وحدها: وعدمها عن

الحمار. وله وجه أيضا.(٣) كما يأتي في المسألة الرابعة من الفصل الثاني أن ما ال جنس له فال فصل له.

(٦٠)

Page 64: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: قد بينا أن الوجود عارض لجميع المعقوالت فال معقول أعم منه فالجنس له فال فصل له، ألن الفصل هو المميز لبعض أفراد الجنس عن البعض، فإذا

انتفت الجنسية انتفت الفصلية بل هو بسيط.ال يقال: لم ال يجوز (١) أن يكون مركبا ال من األجناس والفصول كتركبالعدد من اآلحاد؟ ألنا نقول: تلك األجزاء إما أن تكون موجودة أو ال تكون

كذلك، وعلى التقدير األول تكون طبيعة الجزء والمركب واحدة فال يقع االمتيازإال بالمقدار وهو منتف، وعلى التقدير الثاني ال يكون الوجود عارضا لجميع

المعقوالت مع فرضنا إياه كذلك هذا خلف.المسألة السابعة عشرة

في مقوليته على ما تحته من الجزئياتقال: ويتكثر بتكثر الموضوعات (٢) ويقال بالتشكيك على عوارضها.أقول: الوجود طبيعة معقولة كلية واحدة غير متكثرة، فإذا اعتبر عروضه

--------------------(١) يعني ما قلتم من أن الوجود بسيط حيث ال جنس له فال فصل له، ألن ما ال جنس له ال

فصل له ممنوع، وذلك لجواز أن يكون الموجود مركبا من أجزاء ال تكون جنسا له وال فصالله تركب العدد من اآلحاد مثال أن العشرة مركبة من اآلحاد وليس بعض تلك اآلحاد جنسا

لبعض آخر وال فصال له.(٢) وهذه المسألة وأترابها، موضوعها مفهوم الوجود المطلق كما صرح به الشارح في قوله:

الوجود طبيعة معقولة كلية واحدة غير متكثرة. وحقيقة األمر أشمخ من ذلك بمراحل إال أنأمثال هذه المباحث أظاللها وحكايات لها ومجدية النفس في االعتالء إليها.

ثم إن هذا التشكيك هو ما تفوه به المشاء وإن كان يمكن بين ما في الكتاب وبين قولهم بيانوجوه من الفرق، ولكن نظرهما ينتهي إلى وجود منزه عن الماهية هو فوق التمام وما سواه

زوج تركيبي من الوجود والماهية، فينجر الكالم إلى تنزيه هو عين التشبيه، وهو سبحانهمنزه عن هذا التنزيه أيضا.

وتفصيل هذه المباحث وتحقيق الحق فيها يطلب في رسالتنا الفارسية الموسومة ب (وحدتاز ديدگاه عارف وحكيم) وسيأتي البحث عنه في المسألة السادسة والثالثين أيضا.

(٦١)

Page 65: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

للماهيات يتكثر بحسب تكثرها الستحالة عروض العرض الشخصي لماهياتمتعددة وتكون طبيعته متحققة في كل واحدة من عوارض تلك الماهيات، أعني

أن طبيعة الوجود متحققة في وجود االنسان ووجود الفرس وغيرهما منوجودات الحقائق، ويصدق عليها صدق الكلي على جزئياته، وعلى تلك

الماهيات صدق العارض على معروضاته، ويقال على تلك الوجودات العارضةللماهيات بالتشكيك وذلك أن الكلي إن كان صدقه على أفراده على السواء كان

متواطيا وإن كان ال على السواء، بل يكون بعض تلك األفراد أولى بالكلي مناآلخر أو أقدم منه أو يوجد الكلي في ذلك البعض أشد منه في اآلخر كان مشككاوالوجود من حيث هو (١) بالنسبة إلى كل وجود خاص كذلك، ألن وجود العلة

أولى بطبيعة الوجود من المعلول، والوجود في العلة سابق على الوجود فيالمعلول وأشد عند بعضهم فيكون مشككا.

قال: فليس جزء من غيره مطلقا.أقول: هذا نتيجة ما تقدم وذلك ألن المقول بالتشكيك ال يكون جزء مما يقالعليه وال نفس حقيقته المتناع التفاوت في الماهية وأجزائها على ما يأتي فيكون

البتة عارضا لغيره فال يكون جزء من غيره على اإلطالق، أما بالنسبة إلى الماهياتفألنه عارض لها على ما تقدم من امتناع كونه جزء من غيره وأنه زائد على الحقائق،

وأما بالنسبة إلى وجوداتها فألنه مقول عليها بالتشكيك، فلهذا قال رحمه الله: مطلقا.المسألة الثامنة عشرة

في الشيئيةقال: والشيئية من المعقوالت الثانية (٢) وليست متأصلة في الوجود فال شئ

--------------------(١) باتفاق النسخ كلها، أي الوجود المطلق.

(٢) لعل التنصيص بأن الشيئية من المعقوالت الثانية لدفع التوهم بأنها جنس األجناس كماتوهمه بعض الناس حتى ذهب بعض من قارب عصرنا إلى ذلك الوهم.

أو الظاهر أن البحث عنها في المقام ناظر إلى قوله في المسألة الحادية عشرة: أن الوجوديساوق الشيئية فال تتحقق بدونه فهاهنا صرح بأن الشيئية من المعقوالت الثانية، وفي

المسألة السادسة والثالثين: بأن الوجود من المعقوالت الثانية ثم عد عدة أخرى منها.والمراد بالوجود هو الوجود المطلق، فتبصر.

واعلم إن المعقول الثاني عند الحكيم أعم منه عند المنطقي، بيان ذلك أن ما يعرض لشئفهناك ينتزع أمران: عروض واتصاف، أما العروض فمن العارض، وأما االتصاف فمن

الموضوع، مثال إذا عرض بياض جسما عرض ذلك البياض الجسم واتصف الجسم به بأنصار أبيض، وعروض الشئ في بادئ الرأي يتصور بأحد الوجوه األربعة:

األول: أن يكون العروض واالتصاف كالهما في الخارج كعروض بياض لجسم واتصافالجسم بذلك البياض.

والثاني: أن يكون كالهما في الذهن كالكلية والجزئية والذاتية والعرضية والجنسية والفصلية

Page 66: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

والموضوعية والمحمولية والقياس والقضية والمعرف وغيرها من المعاني التي جعلتموضوعا للمنطق على أحد القولين.

والثالث: أن يكون االتصاف في الخارج والعروض في الذهن كالشيئية واإلمكان والجوهريةوالعرضية.

والرابع عكس الثالث: بأن يكون االتصاف في الذهن والعروض في الخارج.واألول عند كال الفريقين ليس من المعقوالت الثانية بال خالف، والثاني عندهما من

المعقوالت الثانية كذلك، والثالث عند الحكيم منها وعند المنطقي ليس منها، والرابع ال تحققله، فالشيئية من المعقوالت الثانية عند الحكيم.

وإنما سميت تلك المعقوالت بالثانية ألنها مستندة إلى معقوالت أولى متقدمة منها، وذلكألنه يتصور االنسان أوال مثال ثم تعرضه الكلية، فلما كانت تلك المعقوالت متأخرة عن

معقوالت أخر سميت بالمعقوالت الثانية. والمراد بالثانية ما ليست باألولى أعم من أن تعرضمعقوال أوال أو ثانيا. وقد أشبعنا البحث عنها في تعليقاتنا على الآللي المنظومة في المنطق

للمتأله السبزواري.

(٦٢)

Page 67: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

مطلقا ثابت بل هي تعرض لخصوصيات الماهيات.أقول: قال أبو علي بن سينا (١): الوجود إما ذهني وإما خارجي، والمشترك

--------------------(١) الحسين بن عبد الله بن سينا الشيخ الرئيس الحكيم المشهور، اسم أمه (ستارة) كان أبوه من

أهل بلخ وانتقل منها إلى بخارى وتوفي سنة ٤٢٨ بهمدان (تاريخ ابن خلكان ج ١ ط ١ص ١٦٨).

(٦٣)

Page 68: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

بينهما هو الشيئية فإن أراد حمل الشيئية على القدر المشترك وصدقها عليه فهوصواب وإال فهو ممنوع، إذا عرفت هذا فنقول: الشيئية والذاتية والجزئية وأشباهها

من المعقوالت الثانية التي تعرض للمعقوالت األولى، ألنها ال تعقل إال عارضةلغيرها من الماهيات وليست متأصلة في الوجود كتأصل الحيوانية واالنسانية فيه،

بل هي تابعة لغيرها في الوجود وليس يمكن وجود شيئية مطلقة فال شئ مطلقاثابت، إنما الثبوت يعرض للماهيات المخصوصة الشخصية.

المسألة التاسعة عشرةفي تمايز اإلعدام

قال: وقد يتمايز اإلعدام ولهذا استند عدم المعلول إلى عدم العلة ال غير،ونافى (١) عدم الشرط وجود المشروط وصحح عدم الضد وجود اآلخر بخالف

باقي اإلعدام.أقول: ال شك في أن الملكات متمايزة، وأما العدمات فقد منع قوم من

تمايزها بناء على أن التميز أنما يكون للثابت خارجا وهو خطأ فإنها تتمايز بتمايزملكاتها، واستدل المصنف رحمة الله عليه بوجوه ثالثة:

األول: أن عدم المعلول يستند إلى عدم العلة وال يستند إلى عدم غيرها فلوالامتياز عدم العلة من عدم غيرها لم يكن عدم المعلول مستندا إليه دون غيره،

وأيضا فإنا نحكم بأن عدم المعلول لعدم علته وال يجوز العكس، فلوال تمايزهمالما كان كذلك.

الثاني: أن عدم الشرط ينافي وجود المشروط الستحالة الجمع بينهما، ألنالمشروط ال يوجد إال مع شرطه، وإال لم يكن الشرط شرطا وعدم غيره ال

--------------------(١) فعل ماض من المنافاة، عطف على استند، وعدم الشرط مرفوع على الفاعلية، ووجود

المشروط منصوب على المفعولية، وعلى هذا المنوال الجملة التالية.

(٦٤)

Page 69: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

ينافيه (١) فلوال االمتياز لم يكن كذلك.الثالث: أن عدم الضد عن المحل يصحح وجود الضد اآلخر فيه النتفاء صحة

وجود الضد الطارئ مع وجود الضد الباقي، وعدم غيره ال يصحح ذلك فال بد منالتمايز.

قال: ثم العدم قد يعرض لنفسه فيصدق النوعية والتقابل عليه باعتبارين.أقول: العدم قد يفرض عارضا لغيره وقد يلحظ ال باعتبار عروضه للغير

فيكون أمرا معقوال قائما برأسه ويكون له تحقق في الذهن، ثم إن العقل يمكنهفرض عدمه (٢) ألن الذهن يمكنه إلحاق الوجود والعدم بجميع المعقوالت حتى

بنفسه، فإذا اعتبر العقل للعدم ماهية معقولة وفرضها معدومة كان العدم عارضالنفسه ويكون العدم العارض للعدم مقابال لمطلق العدم باعتبار كونه رافعا له وعدما

له ونوعا منه، باعتبار أن العدم المعروض أخذ مطلقا على وجه يعم العارض لهولغيره، فيصدق نوعية العدم العارض للمعروض والتقابل بينهما باعتبارين.

قال: وعدم المعلول ليس علة لعدم العلة في الخارج وإن جاز في الذهن علىأنه برهان إني وبالعكس لمي.

أقول: لما بين أن اإلعدام متمايزة بأن عدم المعلول مستند إلى عدم العلة ذكرما يصلح جوابا لتوهم من يعكس القول ويجعل عدم المعلول علة لعدم العلة فأزال

هذا الوهم وقال: إن عدم المعلول ليس علة بل األمر بالعكس على ما يأتي (٣)، ثمقيد النفي بالخارج ألن عدم المعلول قد يكون علة لعدم العلة في الذهن كما فيبرهان إن بأن يكون عدم المعلول أظهر عند العقل من عدم العلة فيستدل العقل

--------------------(١) اي عدم غير الشرط ال ينافي المشروط.

(٢) ضمير عدمه راجع إلى العدم الذي لوحظ ال باعتبار عروضه، أعني العدم المطلق الذييكون معروضا للعدم العارض له.

(٣) يأتي في المسألة الثالثة واألربعين من هذا الفصل، وفي المسألة السادسة عشرة من الفصلالثالث.

(٦٥)

Page 70: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

عليه ويكون علة له باعتبار التعقل ال باعتبار الخارج، وال يفيد العلية في نفساألمر بل في الذهن، ولهذا سمي إنيا ألنه ال يفيد إال الوجود (١)، أما االستدالل

بعدم العلة على عدم المعلول فهو برهان لمي مطابق لألمر نفسه.المسألة العشرون

في أن عدم األخص أعم من عدم األعمقال: واألشياء المترتبة في العموم والخصوص وجودا تتعاكس عدما.

أقول: إذا فرض أمران أحدهما أعم من اآلخر كالحيوان واالنسان، ونسبعدم أحدهما إلى اآلخر بالعموم والخصوص وجد عدم األخص أعم من عدم

األعم فإن الحيوان يشمل االنسان وغيره، فغير االنسان ال يصدق عليه أنه انسانبل يصدق عليه عدمه وال يصدق عليه عدم الحيوان ألنه أحد أنواعه، ويصدق

أيضا عدم االنسان على ما ليس بحيوان وهو ظاهر، فعدم الحيوان ال يشمل أفرادعدم االنسان وعدم االنسان شامل ألفراد ما ليس بحيوان فيكون عدم األخصأعم من عدم األعم، فإذا ترتب شيئان في العموم والخصوص وجودا ترتبا في

العكس عدما، بأن يصير األخص أعم في طرف العدم.المسألة الحادية والعشرون

في قسمة الوجود والعدم إلى المحتاج والغنيقال: وقسمة كل منهما إلى االحتياج والغنى حقيقة.

أقول: كل واحد من الوجود والعدم إما أن يكون محتاجا إلى الغير وإما أنيكون مستغنيا عنه، واألول ممكن والثاني واجب أو ممتنع، وهذه القسمة حقيقيةتمنع الجمع الستحالة كون المستغني عن الغير محتاجا إليه وبالعكس، وأما منع

--------------------(١) باتفاق النسخ كلها، أي الوجود في الذهن.

(٦٦)

Page 71: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الخلو فألنه ال قسم ثالث لهما، فقد ظهر أن هذه القسمة حقيقية (١).المسألة الثانية والعشرون

في الوجوب واالمكان واالمتناعقال: وإذا حمل الوجود أو جعل رابطة ثبتت مواد ثالث في أنفسها جهات في

التعقل دالة على وثاقة الربط وضعفه هي الوجوب واالمتناع واالمكان.أقول: الوجود قد يكون محموال بنفسه كقولنا: االنسان موجود، وقد يكونرابطة بين الموضوع والمحمول كقولنا: االنسان يوجد حيوانا، وعلى كال

التقديرين ال بد لهذه النسبة، أعني نسبة المحمول فيهما إلى الموضوع من كيفية هيالوجوب واالمكان واالمتناع، وتلك الكيفية تسمى مادة وجهة باعتبارين، فإنا إنأخذنا الكيفية في نفس األمر سميت مادة، وإن أخذناها عند العقل وما تدل عليه

العبارات سميت جهة، وقد تتحدان كقولنا: االنسان يجب أن يكون حيوانا، وقدتتغايران كقولنا: االنسان يمكن أن يكون حيوانا، فالمادة ضرورية ألن كيفية نسبةالحيوانية إلى االنسانية هي الوجوب، وأما الجهة فهي ممكنة وهذه الكيفيات تدل

على وثاقة الربط وضعفه، فإن الوجوب يدل على وثاقة الربط في طرف الثبوتواالمتناع على وثاقته في طرف العدم واالمكان على ضعف الربط.

قال: وكذلك العدم.--------------------

(١) أي منفصلة حقيقية دائرة بين االثبات والنفي، وفي بعض النسخ منفصلة حقيقية ولكنالزيادة أدرجت في عبارة الكتاب.

وعبارة الشرح كما في (م)، جاءت هكذا: وهذه القسمة حقيقية تمنع الجمع الستحالة كونالمستغني.. الخ. والنسخ األخرى كلها كانت هكذا: وهذه القسمة حقيقية أي تمنع الجمعوالخلو، أما منع الجمع فالستحالة.. الخ، ونظير ما في هذه النسخ يأتي في المسألة الرابعة

والعشرين ومواضع أخرى، ولكن العبارة في المقام هي ما اخترناها، وال يبعد أن تصرف فيهابقرينة تلك المواضع، والخطب سهل.

(٦٧)

Page 72: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: إذا جعل العدم محموال أو رابطة كقولنا: االنسان معدوم أو معدوم عنهالكتابة، تكثرت الجهات التي عند العقل (١) والمواد في نفس األمر.

المسألة الثالثة والعشرونفي أن هذه القضايا الثالث ال يمكن تعريفها

قال: والبحث في تعريفها كالوجود.أقول: إن جماعة من العلماء أخطأوا هاهنا حيث عرفوا الواجب والممكن

والممتنع ألن هذه األشياء معلومة للعقالء ال تحتاج إلى اكتساب، نعم قد يذكر فيتعريف ألفاظها ما يكون شارحا لها ال على أنه حد حقيقي بل لفظي، ومع ذلك

فتعريفاتهم دورية ألنهم عرفوا الواجب بأنه الذي يستحيل عدمه أو الذي اليمكن عدمه، ثم عرفوا المستحيل بأنه الذي ال يمكن وجوده أو الذي يجب عدمه،ثم عرفوا الممكن بأنه الذي ال يجب وجوده وال يجب عدمه أو الذي ال يستحيل

وجوده وال عدمه فقد أخذ كل واحد منها في تعريف اآلخر، وهو دور ظاهر.المسألة الرابعة والعشرون

في القسمة إلى هذه الثالثقال: وقد تؤخذ (٢) ذاتية فتكون القسمة حقيقية ال يمكن انقالبها.

أقول: إذا أخذنا الوجوب واالمتناع واالمكان على أنها ذاتية ال بالنظر إلىالغير كانت المعقوالت منقسمة إليها قسمة حقيقية، أي تمنع الجمع والخلو، وذلك

--------------------(١) حرف التعريف في الجهات للعهد ناظر إلى قوله المقدم: جهات في التعقل في الوجود.والمختار مطابق لنسخة (م)، والنسخ األخرى: الكتابة حدثت الجهات الثالث عند التعقل.

(٢) أي تلك الثالثة من الوجوب واالمكان واالمتناع، وقرئ أيضا: وقد يؤخذ، أي كل واحدمنها. وقوله: ال يمكن انقالبها، بدل من قوله: فتكون القسمة حقيقية، كقوله اآلتي: يمكن

انقالبها، بدل من قوله: فالقسمة مانعة الجمع بينهما.

(٦٨)

Page 73: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

ألن كل معقول على اإلطالق إما أن يكون واجب الوجود لذاته أو ممتنع الوجودلذاته أو ممكن الوجود لذاته، ال يخلو عنها وال يجتمع اثنان منها في واحد،

الستحالة أن يكون شئ واحد واجبا لذاته ممتنعا لذاته أو ممكنا لذاته، أو يكونممتنعا لذاته ممكنا لذاته، فالقسمة حينئذ حقيقية.

واعلم أن القسمة الحقيقية قد تكون لكلي (١) بفصول أو لوازم تميزه وتفصلهإلى األقسام المندرجة تحته، وقد تكون بعوارض مفارقة والقسمة األولى ال يمكن

انقالبها وال يصير أحد القسمين معروضا لمميز اآلخر الذي به وقعت القسمةكقولنا: الحيوان إما ناطق أو صامت، فإن الحيوان بالناطق والصامت قد انقسم إلىطبيعتين ويستحيل انقالب هذه القسمة، بمعنى أن الحيوان الذي هو ناطق يستحيلزوال النطق عنه وعروض الصمت له، وكذا الحيوان الذي هو صامت. وأما القسمة

الثانية فإنه يمكن انقالبها ويصير أحد القسمين معروضا لمميز اآلخر الذي بهوقعت القسمة: كقولنا: الحيوان إما متحرك أو ساكن، فإن كل واحد من قسميالمتحرك والساكن قد يتصف بعارض اآلخر فينقلب المتحرك ساكنا وبالعكس،

وقسمة المعقول بالوجوب الذاتي واالمتناع الذاتي واالمكان الذاتي من قبيلالقسم األول الستحالة انقالب الواجب لذاته ممتنعا لذاته أو ممكنا لذاته، وكذا

الباقيان.قال: وقد يؤخذ األوالن (٢) باعتبار بالغير، فالقسمة مانعة الجمع بينهما يمكن

انقالبها، ومانعة الخلو بين الثالثة في الممكنات.أقول: إذا أخذنا الواجب والممتنع باعتبار الغير ال بالنظر إلى الذات انقسم

المعقول إليهما على سبيل منع الجمع ال الخلو، وذلك ألن المعقول حينئذ إما أنيكون واجبا لغيره أو ممتنعا لغيره على سبيل منع الجمع ال الخلو المتناع الجمع

بين الوجوب بالغير واالمتناع بالغير، وإمكان الخلو عنهما ال بالنظر إلى وجود--------------------

(١) كما في (م) والنسخ األخرى: قد تكون للكلي.(٢) أي الوجوب واالمتناع، على ما في عبارة المتن.

(٦٩)

Page 74: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

العلة وال عدمها (١). وهذه القسمة يمكن انقالبها ألن واجب الوجود بالغير قديعرضه عدم علته فيكون ممتنع الوجود بالغير فينقلب أحدهما إلى اآلخر، وإذا

لحظنا اإلمكان الذاتي في هذه القسمة في الممكنات انقلبت مانعة الخلو ال الجمعلعدم خلو كل معقول ممكن عن الوجوب الغير واالمتناع بالغير واإلمكان الذاتي،

ويجوز الجمع بينها، فإن الممكن (٢) الذاتي واجب أو ممتنع بالغير.المسألة الخامسة والعشرون

في أقسام الضرورة واإلمكانقال: ويشترك الوجوب واالمتناع في اسم الضرورة وإن اختلفا بالسلب واإليجاب.

أقول: الضرورة تطلق على الوجوب واالمتناع وتشملهما، فإن كل واحد منالوجوب واالمتناع يقال له ضروري، لكنهما يختلفان بالسلب واإليجاب،

فالوجوب ضرورة الوجود واالمتناع ضرورة السلب، واسم الضرورة شامل لهما.قال: وكل منهما يصدق على اآلخر إذا تقابال في المضاف إليه.

أقول: كل واحد من الوجوب واالمتناع يصدق على اآلخر، فإن وجوبالوجود يصدق عليه امتناع العدم ويستلزمه، وبالعكس، وكذلك امتناع الوجود

يصدق عليه وجوب العدم ويستلزمه، فالوجوب واالمتناع كل واحد منهمايصدق عليه اآلخر إذا تقابال في المضاف إليه، يعني بالمضاف إليه الوجود أو العدم

اللذين يضاف الوجود واالمتناع إليهما.وإنما اشترطنا تقابل المضاف إليه ألنه يستحيل صدقهما على مضاف

واحد (٣)، فإن وجوب الوجود ال يصدق عليه امتناع الوجود وبالعكس والوجوب العدم يصدق عليه امتناع العدم بل إنما يصدق كل واحد منهما على صاحبه

--------------------(١) أي بل بالنظر إلى نفس الماهية التي من حيث هي ليست إال هي.

(٢) وسيأتي في المسألة السابعة والعشرين أن معروض ما بالغير منهما ممكن.(٣) باتفاق النسخ كلها.

(٧٠)

Page 75: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

مع التقابل، كما قلنا: وجوب الوجود يصدق عليه امتناع العدم، فالوجوب أضيفإلى الوجود واالمتناع إلى العدم والوجود والعدم متقابالن.

قال: وقد يؤخذ اإلمكان بمعنى سلب الضرورة عن أحد الطرفين (١) فيعماألخرى والخاص.

أقول: القسمة العقلية ثالثة (٢): واجب وممتنع وممكن ليس بواجب وال ممتنع،هذا بحسب اصطالح الخاصة (٣). وقد يؤخذ اإلمكان على معنى أعم من ذلك وهو

سلب الضرورة عن أحد الطرفين، أعني طرفي الوجود والعدم ال عنهما معا بل عنالطرف المقابل للحكم حتى يكون ممكن الوجود هو ما ليس بممتنع ويكون قد

رفعنا فيه ضرورة العدم (٤) وممكن العدم هو ما ليس بواجب ويكون قد رفعنا فيهضرورة الوجود، فإذا أخذ بهذا المعنى كان أعم من األول ومن الضرورة األخرى

التي ال تقابله، فإن رفع إحدى الضرورتين يشمل ثبوت األخرى واالمكان الخاص.قال: وقد يؤخذ بالنسبة إلى االستقبال.

--------------------(١) أي الطرف المخالف فيعم األخرى، أي ضرورة الجانب الموافق واالمكان الخاص.

وقد اتفقت النسخ على نقل قوله: فيعم األخرى والخاص، بهذه الصورة التي اخترناها.(٢) هكذا رويت العبارة في النسخ كلها، ولعل تأنيث العدد بلحاظ الواجب والممتنع والممكن،

وإال فالصواب أن يقال: القسمة العقلية ثالث.(٣) أي اإلمكان بهذا المعنى.

(٤) فإن كان وجوده ضروريا فيشمل الواجب، وإن كان وجوده كعدمه غير ضروري فيشملاإلمكان الخاص، فالمراد من الضرورة األخرى التي ال تقابله هو ضرورة الجانب الموافق،ألن الضرورة التي تقابله هي ضرورة العدم، وذلك ألن اإلمكان بمعنى العام الوجودي فهو

يسلب ضرورة العدم فال محالة تقابله ضرورة العدم. فممكن الوجود باالمكان العام أعم منالواجب وممكن الوجود باالمكان الخاصي، وكذلك ممكن العدم باالمكان العام أعم من

الممتنع وممكن العدم باالمكان الخاصي. وقوله: إذا أخذ بهذا المعنى، أي إذا أخذ اإلمكانبهذا المعنى. وقوله: واالمكان الخاص منصوب معطوف على ثبوت األخرى.

والعبارة موافقة لنسخ (م ص ق د) والثالث األول أصحها وأقدمها، وفي (ز): فإن رفع الضرورتينيستلزم ثبوت األخرى، وفي (ش): ال يستلزم، وهذه ليست بصواب ألن نفيها منفي.

(٧١)

Page 76: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: قد يؤخذ اإلمكان ال بالنظر إلى ما في الحال، بل بالنظر إلى االستقبالحتى يكون ممكن الوجود هو الذي يجوز وجوده في االستقبال (١) من غير التفات

إلى ما في الحال، وهذا اإلمكان أحق اإلمكانات باسم اإلمكان.قال: وال يشترط العدم في الحال وإال اجتمع النقيضان.

أقول: هذا اإلمكان (٢) ال يشترط عدمه في الحال على المذهب الحق. وذهببعضهم إلى االشتراط فقال: ألنه لو كان موجودا في الحال لكان واجبا فال يكون

ممكنا وهو خطأ، ألن الوجود (٣) إن أخرجه إلى الوجوب أخرجه العدم إلىاالمتناع. وأيضا إذا اشترط في إمكان الوجود في المستقبل العدم في الحال

اشترط في إمكان العدم الوجود في الحال، لكن ممكن الوجود هو بعينه ممكنالعدم، فيلزم اشتراط وجوده وعدمه في الحال هذا خلف، وإليه أشار بقوله: وإال

اجتمع النقيضان. وأيضا العدم في الحال ال ينافي الوجود في المستقبل وإمكانه فيالحال، فاألولى أن ال ينافي (٤) إمكانه في المستقبل.

المسألة السادسة والعشرونفي أن الوجوب واالمكان واالمتناع ليست ثابتة في األعيان

قال: والثالثة اعتبارية لصدقها على المعدوم واستحالة التسلسل.--------------------

(١) سيشير الشارح إليه في المسألة السادسة والعشرين، ويأتي تفصيله في المسألة الثانيةوالثالثين.

(٢) كما في (م) وهي أقدم النسخ، وأما النسخ األخرى فهكذا: ذهب قوم غير محققين إلى أنالممكن االستقبالي شرطه العدم في الحال، قالوا: ألنه لو كان.. الخ.

(٣) قال الشيخ في منطق اإلشارات (ص ٤٩ ط ١): ومن يشترط في هذا - يعني به اإلمكاناالستقبالي - أن يكون معدوما في الحال، فيشترط ما ال ينبغي وذلك ألنه يحسب أنه إذا

جعله موجودا أخرجه إلى ضرورة الوجود، وال يعلم أنه إذا لم يجعله موجودا بل فرضهمعدوما فقد أخرجه إلى ضرورة العدم، فإن لم يضر هذا لم يضر ذاك.

(٤) كما في (م) وفي (ص ق د): فأولى أن ال ينافي، وفي (ش) وحدها: فباألولى أن ال ينافي.

(٧٢)

Page 77: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: هذه الجهات الثالث أعني الوجوب واالمكان واالمتناع أمور اعتباريةيعتبرها العقل عند نسبة الوجود إلى الماهية، وليس لها تحقق في األعيان لوجوه:

منها ما هو مشترك ومنها ما هو مختص بكل واحد، أما المشترك فأمران:األول: أن هذه األمور تصدق على المعلوم، فإن الممتنع يصدق عليه أنه

مستحيل الوجود وأنه واجب العدم، والممكن قبل وجوده يصدق عليه أنه ممكنوهو معدوم، وإذا اتصف المعدوم بها كانت عدمية الستحالة اتصاف العدمي

بالثبوتي.الثاني: يلزم التسلسل ألن كل متحقق فله وجود يشارك به غيره من

الموجودات ويختص بنفس ماهيته وما به االشتراك مغاير لما به االمتياز، فوجودهغير ماهيته، فاتصاف ماهيته بوجوده ال يخلو عن أحد هذه األمور الثالثة، فلو

كانت هذه األمور ثبوتية لزم اتصافها بأحد الثالثة ويتسلسل، وهو محال.قال: ولو كان الوجوب ثبوتيا لزم إمكان الواجب.

أقول: لما ذكر األدلة الشاملة في الداللة على أن هذه األمور ليست ثبوتية فياألعيان شرع في الداللة على كل واحد من الثالثة، فبدأ بالوجوب الذي هو أقربها

إلى الوجود إذ هو تأكده (١)، فبين أنه ليس ثبوتيا، والدليل عليه أنه لو كان موجودالكان ممكنا وبالتالي باطل فالمقدم مثله بيان الشرطية أنه صفة للغير والصفة مفتقرة

إلى الموصوف فالوجوب مفتقر إلى ذات الواجب فيكون الوجوب ممكنا. وأمابطالن التالي فألنه لو كان الوجوب ممكنا لكان الواجب ممكنا، ألن الواجب أنماهو واجب بهذا الوجوب الممكن، والوجوب الممكن يمكن زواله فيخرج الواجب

عن كونه واجبا فيكون ممكنا هذا محال.قال: ولو كان االمتناع ثبوتيا لزم إمكان الممتنع.

--------------------(١) على صيغة المصدر من باب التفعل أي الوجوب هو تأكده الوجود، كما يأتي في المسألة

الحادية والثالثين أن الوجوب تأكد الوجود وقوته، واالمكان ضعف فيه.

(٧٣)

Page 78: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: هذا حكم ضروري وهو أن االمتناع أمر عدمي، وقد نبه هاهنا علىطريق التنبيه ال االستدالل، فإن االمتناع لو كان ثبوتيا لزم إمكان الممتنع، ألن

ثبوت االمتناع يستدعي ثبوت موصوفه - أعني الممتنع - فيكون الممتنع ممكنا (١)هذا خلف.

قال: ولو كان اإلمكان ثبوتيا لزم سبق وجود كل ممكن على إمكانه.أقول: اختلف الناس في أن اإلمكان الخاص هل هو ثبوتي أم ال؟ وتحرير

القول فيه أن اإلمكان قد يؤخذ بالنسبة إلى الماهية نفسها ال بالقياس إلى الوجودوهو اإلمكان الراجع إلى الماهية، وقد يؤخذ بالنسبة إلى الوجود من حيث القرب

والبعد من طرف العدم إليه وهو اإلمكان االستعدادي. أما األول: فالمحققون كافةعلى أنه أمر اعتباري ال تحقق له عينا، وأما الثاني: فاألوائل قالوا: إنه من باب

الكيف، وهو قابل للشدة والضعف، والحق يأباه (٢)، والدليل على عدمه في الخارجأنه لو كان ثابتا مع أنه إضافة بين أمرين أو ذو إضافة لزم ثبوت مضافيه اللذين هما

الماهية والوجود، فيلزم تأخره عن الوجود في الرتبة هذا خلف.قال: والفرق بين نفي اإلمكان واالمكان المنفي ال يستلزم ثبوته (٣).

--------------------(١) كما في (م) والنسخ األخرى: فيكون الممتنع ثابتا، واألول هو الحق كما قال في المتن: لزم

إمكان الممتنع، والغور في أسلوب الدليل أيضا يحكم بذلك.(٢) أقول: والحق يأباه ألن اإلمكان االستعدادي صفة حقيقية وجودية كامنة في المركبات

قابلة للشدة والضعف والزيادة والنقصان، بل ويعدم ويوجد بخالف اإلمكان الذاتيللممكنات المتصور في العقل ال يمكن زواله عنها، كما يأتي بيان الفرق بينهما في المسألةالثانية والثالثين، والشارح أنكره هاهنا وأقر به هناك. وأما قوله هاهنا: (والدليل على عدمه..الخ) فالحق أن االستعداد أمر وجودي وهو غير إمكانه، كما أفاده المتأله السبزواري بقوله:

قد يوصف اإلمكان باستعدادي وهو بعرفهم سوى استعدادواالمكان االستعدادي دال على وحدة الصنع والتدبير في العالم الكياني على نظامه بالعلم

العنائي الرباني.(٣) راجع األسفار (ط ١ - ج ١ - ص ٣٢ و ٤٢) فإنه في قوله: (في بعض المسطورات الكالمية)

ناظر إلى هذا المقام من هذا الكتاب.

(٧٤)

Page 79: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: هذا جواب عن استدالل الشيخ أبي علي بن سينا على ثبوت اإلمكان،فإنه قال: لو كان اإلمكان عدميا لما بقي فرق بين نفي اإلمكان واالمكان المنفي

لعدم التمايز في العدمات، والجواب المنع من المالزمة فإن الفرق واقع واليستدعي الفرق الثبوت كما في االمتناع.

المسألة السابعة والعشرونفي الوجوب واالمكان واالمتناع المطلقة

قال: والوجوب شامل للذاتي وغيره وكذا االمتناع.أقول: الوجوب قد يكون ذاتيا وهو المستند إلى نفس الماهية من غير التفات

إلى غيرها، وقد يكون بالغير وهو الذي يحصل باعتبار حصول الغير والنظر إليه،فإن المعلول لوال النظر إلى علته لم يكن واجبا بها، فالوجوب المطلق قد انقسم إلى

ما بالذات وإلى ما بالغير وهو شامل لهما، وكذا االمتناع شامل لالمتناع الذاتيوللعارض باعتبار الغير، وليس عموم الوجوب عموم الجنسية وإال تركب

الوجوب الذاتي بل عموم عارض ذهني لمعروض ذهني.قال: ومعروض ما بالغير منهما ممكن.

أقول: الذات التي يصدق عليها أنها واجبة بالغير أو ممتنعة بالغير فإنها تكونممكنة بالذات، ألن الممكن الذاتي هو الذي يعتوره الوجوب واالمتناع وال يمكنأن يكون الواجب بالغير واجبا بالذات وال ممتنعا بالذات، وكذا الممتنع بالغير فقد

ظهر أن معروض ما بالغير من الوجوب واالمتناع ممكن بالذات.قال: وال ممكن بالغير لما تقدم (١) في القسمة الحقيقية.

أقول: ال يمكن أن يكون هاهنا ممكن بالغير كما أمكن واجب وممتنع بالغير،ألنه لو كان كذلك لكان المعروض لالمكان بالغير إما واجبا لذاته أو ممتنعا لذاته،

--------------------(١) تقدم في المسألة الحادية والعشرين.

(٧٥)

Page 80: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وكل ممكن بالغير ممكن بالذات فيكون ذلك المعروض تارة واجبا لذاته وتارةممكنا، فيلزم انقالب القسمة الحقيقية التي فرضنا أنها ال تنقلب هذا خلف.

المسألة الثامنة والعشرونفي عروض اإلمكان وقسيميه للماهية

قال: وعروض اإلمكان عند عدم اعتبار الوجود والعدم بالنظر إلى الماهيةوعلتها.

أقول: اإلمكان إنما يعرض للماهية من حيث هي هي، ال باعتبار وجودها والباعتبار عدمها وال باعتبار وجود علتها وال باعتبار عدم علتها، بل إنما يعرض لها

عند عدم اعتبار الوجود والعدم بالنظر إلى الماهية نفسها، وعند عدم اعتبارالوجود والعدم بالنظر إلى علة الممكن، فإن الماهية إذا أخذت موجودة كانت

واجبة ما دامت موجودة، وكذا إذا أخذت معدومة تكون ممتنعة ما دامت معدومة،وإذا أخذت باعتبار وجود علتها كانت واجبة ما دامت العلة موجودة، وإذا أخذت

باعتبار عدم علتها كانت ممتنعة ما دامت العلة معدومة.قال: وعند اعتبارهما بالنظر إليهما يثبت ما بالغير.

أقول: إذا اعتبرنا الوجود والعدم بالنظر إلى الماهية أو إلى علتها ثبت الوجوببالغير واالمتناع بالغير، وهو ظاهر مما تقدم.

قال: وال منافاة بين اإلمكان والغيري (١).أقول: قد بينا أن الممكن باعتبار وجوده أو وجود علته يكون واجبا،

وباعتبار عدمه أو عدم علته يكون ممتنعا، لكن الوجوب واالمتناع ليسا ذاتيين،بل باعتبار الغير ومعروضهما الممكن فال منافاة بينهما وبين اإلمكان.

--------------------(١) أي بين اإلمكان والوجوب بالغير واالمتناع بالغير، إذ ال معنى لالمكان بالغير كما تقدم،

والمتن مطابق للنسخ كلها.

(٧٦)

Page 81: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قال: وكل ممكن العروض ذاتي وال عكس.أقول: الممكن قد يكون ممكن الثبوت في نفسه وقد يكون ممكن الثبوت

لشئ آخر، وكل ممكن الثبوت لشئ آخر - أعني ممكن العروض - فهو ممكنذاتي، أي يكون في نفسه ممكن الثبوت ألن إمكان ثبوت الشئ لغيره فرع علىإمكانه في نفسه وال ينعكس، فقد يكون الشئ ممكن الثبوت في نفسه وممتنع

الثبوت لغيره كالمفارقات، أو واجب الثبوت لغيره كاألعراض والصفات.المسألة التاسعة والعشرون

في علة االحتياج إلى المؤثرقال: وإذا لحظ الذهن (١) الممكن موجودا طلب العلة وإن لم يتصور غيره وقد

--------------------(١) الكالم في أن علة احتياج األثر إلى مؤثره هي اإلمكان ال غير، وهذا هو القول القويم

والحكم الحكيم ال يعتريه ريب وال يشوبه عيب، فالممكن في بقائه محتاج إلى مؤثره كما أنهفي حدوثه مفتاق إليه على سواء، والعلة الموجدة هي المبقية بال مراء. والرأي اآلخر بأنها

الحدوث أو اإلمكان مع الحدوث شطرا أو شرطا فائل جدا.ثم الحدوث على رأيهم ذلك هو الحدوث الزماني وهما منهم أن الحدوث لو لم يكن زمانيالزم منه القول بقدم العالم واستغنائه عن المؤثر، ألن العالم قديم وكل قديم مستغن عن المؤثر

فالعالم مستغن عن المؤثر، واألوسط لم يكرر في القياس.ألن الحكيم القائل بقدمه يعني به الزماني ال الذاتي والقديم المستغني عن المؤثر هو الذاتي

ال الزماني. والمصنف شنع عليهم بأن الحدوث ليس علة االحتياج حتى لو قلنا بقدم العالم لميستغن عن المؤثر، ألن علة االحتياج هو اإلمكان وهذا الفقر ال يفارق الممكن أينما كان

وأيما كان، كما قال في المسألة الرابعة واألربعين: والممكن الباقي مفتقر إلى المؤثر لوجودعلته والمؤثر يفيد البقاء بعد اإلحداث، ولهذا جاز استناد القديم الممكن إلى المؤثر الموجب

لو أمكن وال يمكن استناده إلى المختار.ثم إن الحدوث ال يكون زمانيا فقط، بل الحدوث الذاتي متحقق كما يأتي في المسألة الرابعة

والثالثين، والحدوث الذاتي ال ينافي القدم الزماني على أن األمر الحري بالمقام فوق أمثالهذه المسائل بدرجات وهو سبحانه رفيع الدرجات ذو المعارج. وسيأتي قوله في المسألةالخامسة واألربعين بأنه ال قديم سوى الله، فالقديم الذاتي ليس إال الله، والقديم الذاتي هو

الوجود األحدي والحق الصمدي، أي هو األول واآلخر والظاهر والباطن. والتوحيدالصمدي يطرد كثيرا من المسائل الكالمية بل المشائية أيضا.

ثم اعلم أن أكثر ما احتج به أئمتنا عليهم السالم على الزنادقة ال يشتمل التمسك بالحدوث، ينبئكالجوامع الروائية، وذلك ألن إثبات الواجب تعالى ال يتوقف على إثبات الحدوث للعالم،

فتبصر. وسيأتي تمام الكالم في مسألتي الرابعة واألربعين والخامسة واألربعين من هذاالفصل وفي أول الفصل الثالث من هذا المقصد.

(٧٧)

Page 82: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

يتصور وجود الحادث فال يطلبها، ثم الحدوث كيفية الوجود فليس علة لما يتقدمعليه بمراتب.

أقول: اختلف الناس هنا في علة احتياج األثر إلى مؤثره، فقال جمهورالعقالء: إنها اإلمكان ال غير، وقال آخرون: إنها الحدوث ال غير، وقال آخرون:

هما معا. والحق األول لوجهين:األول: العقل إذا لحظ الماهية الممكنة وأراد حمل الوجود أو العدم عليها افتقر

في ذلك إلى العلة وإن لم ينظر شيئا آخر سوى اإلمكان والتساوي، إذ حكم العقلبالتساوي الذاتي كاف في الحكم بامتناع الرجحان الذاتي فاحتاج إلى العلة منحيث هو ممكن وإن لم يلحظ غيره، ولو فرضنا حادثا وجب وجوده وإن كان

فرضا محاال فإن العقل يحكم بعدم احتياجه إلى المؤثر، فعلم أن علة الحاجة أنماهي اإلمكان ال غير.

الثاني: أن الحدوث كيفية للوجود فيتأخر عنه تأخرا ذاتيا والوجود متأخرعن االيجاد وااليجاد متأخر عن االحتياج واالحتياج متأخر عن علة االحتياج،فلو كان الحدوث علة الحاجة لزم تقدم الشئ على نفسه بمراتب وهو محال.

المسألة الثالثونفي أن الممكن محتاج إلى المؤثر

قال: والحكم باحتياج الممكن ضروري.

(٧٨)

Page 83: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: اختلف الناس هنا، فقال قوم: إن هذا الحكم ضروري، أعني أن احتياجالممكن ال يحتاج إلى برهان فإن كل من تصور تساوي طرفي الممكن جزم

بالضرورة أن أحدهما ال يترجح من حيث هو متساو أعني من حيث ذاته، بل منحيث إن المرجح ثابت، وهذا الحكم قطعي ال يقع فيه شك.

وقال آخرون: إنه استداللي، وهو خطأ وسبب غلطهم أنهم لم يتصورواالممكن على ما هو عليه.المسألة الحادية والثالثون

في وجوب الممكن المستفاد من الفاعلقال: وال تتصور األولوية (١) ألحد الطرفين بالنظر إلى ذاته.

أقول: قد بينا أن الممكن من حيث هو هو ال باعتبار وجود علته أو عدمها، فإنوجوده وعدمه متساويان بالنسبة إليه، وإنما يحصل الترجيح من الفاعل الخارجي،

فإذا ال يمكن أن تتصور أولوية ألحد الطرفين على اآلخر بالنظر إلى ذاته.قال: وال تكفي الخارجية ألن فرضها ال يحيل المقابل فال بد من االنتهاء إلى

الوجوب.أقول: أولوية أحد الطرفين بالنظر إلى وجود العلة أو عدمها هي األولوية

الخارجية، فإن كانت العلة مستجمعة لجميع الشرائط منتفيا عنها جميع الموانع كانتاألولوية وجوبا وإال كانت أولوية يجوز معها وقوع الطرف اآلخر، وهذه األولوية

--------------------(١) سواء كانت األولوية ذاتية أي بالنظر إلى ذات الممكن، أو خارجية. فعلى رد األول قال:

وال يتصور األولوية ألحد الطرفين بالنظر إلى ذاته أي بالنظر إلى الممكن من حيث هو هو،ألن وجوده وعدمه بالنسبة إليه متساويان فال يكون أحدهما أولى له من اآلخر. وعلى رد

الثاني قال: وال تكفي الخارجية ألن الممكن ما لم يجب وجوده من العلة ولم يطرد جميعأنحاء العدم منه لم يوجد فال بد من االنتهاء إلى الوجوب أي إلى مرجح يجب به وجوده، وكذا

ما لم يجب عدمه من العلة لم يعدم.

(٧٩)

Page 84: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الخارجية ال تكفي في وجود الممكن أو عدمه، ألن فرضها ال يحيل المقابل.وبيان ذلك: أنا إذا فرضنا هذه األولوية متحققة ثابتة فإما أن يمكن معها

وجود الطرف اآلخر المقابل لطرف األولوية أو ال يمكن، والثاني يقتضي أن تكوناألولوية وجوبا، واألول يلزم منه المحال وهو ترجيح أحد طرفي الممكن

المتساوي على اآلخر ال لمرجح، ألنا إذا فرضنا األولوية ثابتة يمكن معها وجودالطرف الراجح والمرجوح، فتخصيص أحد الوقتين (١) بالوقوع دون الثاني ترجيحمن غير مرجح وهو محال، فقد ظهر أن األولوية ال تكفي في الترجيح بل ال بد منالوجوب، وأن كل ممكن على اإلطالق ال يمكن وجوده إال إذا وجب، فال بد من

االنتهاء إلى الوجوب.قال: وهو سابق (٢) ويلحقه وجوب آخر ال يخلو عنه قضية فعلية.

أقول: كل ممكن موجود أو معدوم فإنه محفوف بوجوبين: أحدهما: الوجوبالسابق سبقا ذاتيا الذي استدللنا على تحققه. والثاني: الوجوب الالحق وهو

المتأخر عن تحقق القضية، فإن الحكم بوجود المشي لالنسان يكون واجبا ما دامالمشي موجودا له، وهذه الضرورة تسمى ضرورة بحسب المحمول وال يخلو عنها

قضية فعلية.قال: واالمكان الزم (٣) وإال تجب الماهية أو تمتنع.

أقول: اإلمكان للممكن واجب، ألنه لوال ذلك ألمكن زواله وحينئذ تبقىالماهية واجبة أو ممتنعة، وقد بينا امتناعه فيما سلف.

--------------------(١) كما في (م ص ز ق د) وفي (ش) وحدها: أحد الطرفين.

(٢) أي هذا الوجوب هو وجوب سابق ألنه وجب أوال من علته فوقع سبقا ذاتيا ال زمانيا الذياستدللنا على تحققه بأن الممكن ما لم يجب وجوده أو عدمه عن العلة لم يقع، وبعبارة أخرى

استدل على تحققه بأنه ال بد من االنتهاء إلى الوجوب.(٣) أي الزم لماهية الممكن وإال لزم انقالب الممكن إلى الوجوب أو االمتناع، ألن المواد ثالث

فعند انفكاكه عنها تبقى إحدى األخريين، وقد بين امتناعه في المسألة الرابعة والعشرين.

(٨٠)

Page 85: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قال: ووجوب الفعليات (١) يقارنه جواز العدم فليس بالزم.أقول: يريد أن يبين أن الوجوب الالحق وهو الذي ذكر أنه ال يخلو عنه قضيةفعلية، ولهذا سماه وجوب الفعليات يقارن جواز العدم وذلك ألن الوجود ال

يخرجه عن اإلمكان الذاتي بل هو باق على طبيعة اإلمكان ألن وجوبه بشرط المطلقا (٢)، فلهذا حكم بجواز مقارنة وجوب الوجود لجواز العدم، وهذا الوجوب

ليس بالزم بل ينفك عن الماهية عند فرض عدم العلة.قال: ونسبة الوجوب إلى اإلمكان نسبة تمام إلى نقص.

أقول: الوجوب هو تأكد الوجود وقوته واالمكان ضعف فيه، فنسبة الوجوبإلى اإلمكان نسبة تمام إلى نقص، ألن الوجوب تمام الوجود واإلمكان نقص له.

المسألة الثانية والثالثونفي اإلمكان االستعدادي

قال: واالستعدادي قابل للشدة والضعف ويعدم ويوجد للمركبات (٣) وهوغير اإلمكان الذاتي.

أقول: اإلمكان إما أن يلحظ باعتبار الماهية نفسها وهو اإلمكان الذاتي، وإماأن يلحظ باعتبار قربها من الوجود وبعدها عنه وهو اإلمكان االستعدادي، وهذااإلمكان قابل للشدة والضعف والزيادة والنقصان، فإن استعداد النطفة لالنسانية

أضعف وأبعد من استعداد العلقة لها، وكذا استعداد النطفة للكتابة أبعد وأضعف مناستعداد االنسانية لها، فهذا هو اإلمكان االستعدادي الحاصل لكل ماهية سبق

--------------------(١) أي الوجوب الالحق في الممكنات.

(٢) أي ذلك الوجوب الالحق ال يكون للممكن مطلقا بل بشرط وهو وجوب وجود العلةواالمكان حال للماهية وصفة لها من حيث هي ال بشرط.

(٣) كما في (م ت ش) والنسخ األخرى: ويوجد للممكنات، ولكن الصواب هو ما في النسخاألولى كما قد اخترناه.

(٨١)

Page 86: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

عدمها وجودها، وهذا اإلمكان االستعدادي يعدم ويوجد بعد عدمه للمركبات،فإن الماء بعد تسخنه يستعد لصيرورته هواء بعد أن لم يكن، فقد تجدد له هذااالستعداد، ثم إذا برد زال ذلك االستعداد. وأما اإلمكان الذاتي فقد بينا أنه ال

يمكن زواله (١) عن الممكن فتغايرا (٢).المسألة الثالثة والثالثون

في القدم والحدوثقال: والموجود إن أخذ (٣) غير مسبوق بالغير أو بالعدم فقديم وإال فحادث.أقول: هذه قسمة للموجود إلى القديم والحادث، وذلك ألن الموجود إما أن

يسبقه الغير أو ال يسبقه الغير، فاألول هو الحادث والثاني هو القديم، وقد يقال: إنالقديم هو الذي ال يسبقه العدم والحادث هو الذي يسبقه العدم.

قال: والسبق ومقاباله (٤) إما بالعلية أو بالطبع أو بالزمان أو بالرتبة الحسية أوالعقلية أو بالشرف أو بالذات، والحصر استقرائي (٥)

أقول: لما ذكر أن القديم هو الذي ال يسبقه الغير أو العدم على اختالفالتفسيرين، والمحدث هو الذي يسبقه الغير أو العدم، وجب عليه أن يبين أقسام

التقدم والسبق ومقابليه أعني التأخر والمعية.--------------------

(١) بين في المسألة الرابعة والعشرين.(٢) أي تغاير اإلمكان االستعدادي واإلمكان الذاتي.

(٣) وفي (ص م ت ق ز د): والوجود إن أخذ، وفي (ش) وحدها: والموجود إن أخذ، كما فيالشرح باتفاق النسخ كلها: هذه قسمة للموجود.

(٤) مقابال السبق هما التأخر والمعية.(٥) وإن كان دائرا بين األثبات والنفي كقولهم المتقدم إن احتاج إليه المتأخر فإن كان علة تامة

له فهو بالعلية وإال فبالطبع، وإن لم يحتج فإن لم يمكن اجتماعهما في الوجود فبالزمان، وإنأمكن فإن اعتبر بينهما ترتب فبالرتبة وإال فبالشرف، ولكن هذا الدوران ليس بحقيقي، بل

عبروا تلك األقسام على شهرتها بهذه الصورة الدائرة بينهما.

(٨٢)

Page 87: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وقد ذكر الحكماء أن أقسام التقدم خمسة:األول: التقدم بالعلية وهو كتقدم حركة اإلصبع على حركة الخاتم، ولهذا فإنهلوال حركة اليد لم تحصل حركة الخاتم، فهذا الترتيب العقلي هو تقدم بالعلية.الثاني: التقدم بالطبع وهو (١) أن يكون المتقدم له حظ في التأثير في المتأخر

وال يكون هو كمال المؤثر (٢) وهو كتقدم الواحد على االثنين، والفرق بينه وبيناألول أن المتقدم هناك كان كافيا في وجود المتأخر والمتقدم هنا ال يكفي في

وجوده.الثالث: التقدم بالزمان وهو أن يكون المتقدم موجودا في زمان متقدم على

زمان المتأخر كاألب واالبن.الرابع: التقدم بالرتبة وهي إما حسية كتقدم األمام على المأموم، أو عقلية

كتقدم الجنس على النوع إن جعل المبدأ األعم (٣).--------------------

(١) قال الشيخ في قاطيغورياس الشفاء: األقدم عند الطبع هي األشياء التي إذا رفعت ارتفعتما بعدها من غير عكس، وكذا فسر التقدم بالطبع في الفصل األول من المقالة الرابعة من

إلهيات الشفاء (ج ٢ ط ١ ص ٤٦٥).(٢) أي ليس علة تامة.

(٣) يعني إن أخذنا من جنس األجناس إلى السافل وجعلناه مبدأ يكون كل جنس قريببالمبدأ متقدما بالرتبة على نوعه، وإن جعلنا النوع السافل مبدأ فبالعكس.

والمصنف قد ذكر في منطق التجريد األقسام الخمسة من السبق على ما ذهب إليه األوائلكما في منطق أرسطو وفصوص الفارابي وذكر السبق بالذات للمتقدم بالعلة، ولم يعتن بما مال

إليه المتكلمون حيث جعلوا السابق غير المجامع مع المسبوق على قسمين: قسم يعرضهبسبب الزمان ويسمونه السبق الزماني، وقسم يعرضه لذاته ويسمونه السبق بالذات كسبقأجزاء الزمان بعضها على بعض، وعللوا بأن هذا السبق الذاتي ليس بأحد الوجوه الخمسة

على الوتيرة التي في الشرح، بل جعل السبق بالزمان شامال لكليهما كما أعرب ضميره فيأساس االقتباس حيث قال: تقدم وتأخر برپنج معنى إطالق كنند أول بزمان مانند تقدم دىبرامروز وپدر برپسر وقديم بر حادث، وتأخر امروز از دى وپسر از پدر وحادث از قديم

وأين بالذات بود مانند تقدم دى برامروز، يالغيره مانند ديگر مثالها الخ.يعني أن تقدم أمس على اليوم تقدم بالزمان وال يلزم أن يكون للزمان زمان حتى يتسلسلوإنما يلزم ذلك إذا كان هذا التقدم بزمان زائد على المتقدم والمتأخر بهذا التقدم نفس

الزمان ويكون عروض التقدم والتأخر لهما لذاتيهما ولغير أجزاء الزمان بسبب أجزاء الزمانفتحقق أن التقدم الذاتي الذي زاده المتكلمون غير ثابت.

(٨٣)

Page 88: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الخامس: التقدم بالشرف كتقدم العالم على المتعلم وكذا أصناف التأخروالمعية (١).

ثم المتكلمون زادوا قسما آخر للتقدم وسموه التقدم الذاتي وتمثلوا فيه بتقدمأمس على اليوم فإنه ليس تقدما بالعلية وال بالطبع وال بالزمان وإال الحتاج الزمانإلى زمان آخر وتسلسل، وظاهر أنه ليس بالرتبة وال بالشرف فهو خارج عن هذه

األقسام، وهذا الحصر استقرائي (٢) ال برهاني إذ لم يقم برهان على انحصار التقدمفي هذه األنواع، والقسمة إنما تنحصر إذا ترددت بين النفي واإلثبات.

المسألة الرابعة والثالثونفي أن التقدم مقول بالتشكيك

قال: ومقوليته بالتشكيك وتنحفظ اإلضافة بين المضافين في أنواعه.--------------------

(١) والماتن في متن منطق التجريد بعد عد أقسام التقدم والتأخر الخمسة قال وكذلك المع(ص ٢٨ ط ١) وقال الشارح في الشرح: وإذا عرفت أصناف المتقدم فاعرف منها أصناف

المتأخر وهو ظاهر وكذا أصناف المعية إال في المعية بالعلية الستحالة اجتماع علتينمستقلتين على معلول واحد، والمصنف أطلق ذلك وليس بجيد، إنتهى.

والعجب أنه أطلق في هذا المقام حيث قال: وكذا أصناف التأخر والمعية فإطالقه ليس بجيد،والحق كما في الشوارق (ص ٩١ ج ١ ط ١) حيث قال: وأما أقسام المعية فال خفاء في المعية

الرتبية كمفهومين متساويين وكمتحاذيين، وال في المعية بالطبع كعلتين ناقصتين لمعلولواحد، وكمعلولين مشروطين بشرط واحد، وال بالعلية كعلتين مستقلتين لمعلول واحد

نوعي.. الخ.يعني أن استحالة اجتماع علتين مستقلتين على معلول واحد يجري في المعلول الواحد

الشخصي وأما في النوعي فال استحالة فيها.(٢) راجع في ذلك الفصل األول من رابعة آلهيات الشفاء، والى الشوارق في المقام والحكمة

المنظومة (ص ٨١) في أقسام السبق.

(٨٤)

Page 89: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: اختلف الحكماء هنا، فقال قوم: إن التقدم مقول على أنواعه الخمسةباالشتراك البحت (١) وهو خطأ فإن كل واحد من التقدم بالعلية والطبع قد شارك

اآلخر في معنى التقدم، وهو أن كل واحد من المتقدم وجد له ما للمتأخر دونالعكس.

وقال آخرون: إنه مقول بالتشكيك ألن األصناف تشترك في أن المتقدم بماهو متقدم له شئ ليس للمتأخر وال شئ للمتأخر إال وهو موجود للمتقدم، وهذا

المعنى المشترك يقال ال بمعنى واحد فإن المتقدم بالعلية يوجد له التقدم قبل التقدمبالطبع والتقدم بالطبع قبل سائر أصناف التقدم، وفي هذا بحث ذكرناه في كتاب

األسرار (٢).--------------------

(١) أي صرف االشتراك اللفظي.(٢) لم يحضرني هذا الكتاب، ولعل ذلك البحث هو بعض ما نشير إليه في المقام فاعلم إن

الشيخ قال في الفصل األول من المقالة الرابعة من آلهيات الشفاء (ص ٤٦٤ ط ١): إن التقدموالتأخر إن كان مقوال على وجوه كثيرة فإنها يكاد أن يجتمع على سبيل التشكيك في شئ،

وهو أن يكون للمتقدم من حيث هو متقدم شئ ليس للمتأخر ويكون ال شئ للمتأخر إالللمتقدم.

وأورد عليه المولى صدرا في تعليقاته على الشفاء (ص ١٥٤) بقوله: إن هذا منقوض بالمتقدمالذي بطل وجوده عند وجود المتأخر، إذ ال شك أنه متقدم بالزمان، ثم الذي للمتأخر بالزمان

ليس موجودا للمتقدم عند وجود المتأخر، وال أيضا كان موجودا له، كما أن ما للمتقدم منالزمان ما وجد للمتأخر أصال بل كل جزء من أجزاء الزمان مختص بهوية ال توجد في غيره.قال: ويمكن الجواب بأن مالك التقدم في كل قسم من األقسام شئ من نوع ما فيه التقدم أو

من جنسه، فمالك التقدم في المتقدم بالزمان نفس طبيعة الزمان، وال شك أن هذه الطبيعةتكون متحققة فيما هو متقدم حين ما ليست متحققة فيما هو متأخر، وال يتحقق في المتأخر

إال وقد تحققت في المتقدم، وليس الغرض هاهنا تعريف القدر المشترك ليلزم الدور بإيرادلفظ التقدم والتأخر بل التنبيه على القدر المشترك.

وأقول: كأن هذا الجواب منه ليس بسديد، ألن الشيخ قال: أن يكون للمتقدم من حيث هومتقدم شئ ليس للمتأخر، وهو يقول: إن هذه الطبيعة تكون متحققة فيما هو متقدم حين

ما ليست متحققة فيما هو متأخر، وأين معنى أحدهما من اآلخر، فتأمل.ثم قال: إن قوله - يعني قول الشيخ في الشفاء - على اإلطالق ويكون ال شئ للمتأخر إال

وقد وجد للمتقدم ليس بسديد، فقد يوجد كثير من المعاني للمتأخر وال يوجد مثلها للمتقدمكالجوهرية والجسمية في المبدعات والكائنات المتأخر وجودهما عن األول تعالى، فكان

ينبغي أن يقيد ذلك بما يكون من جنس ما فيه التقدم وكأنه المراد وإن لم يصرح في اللفظ،إنتهى ما أردنا من نقل كالمه.

وقال المولى أولياء في تعليقته على الشفاء: قوله: وهو أن يكون للمتقدم.. الخ، فإن المتقدمبالزمان مثال له مضي زمان أكثر منه للمتأخر وكذا المتقدم بالرتبة فإن له وصوال إلى المبدأ

ليس للمتأخر، وقس على هذا قوله: وال شئ للمتأخر، أي من هذا المعنى الذي يكونالتقدم والتأخر باعتباره فال يرد ما ذكر البعض أنه قد يوجد كثير من المعاني للمتأخر وال

يوجد مثلها للمتقدم كالجوهرية والجسمية في المبدعات والكائنات المتأخر وجودهما عن

Page 90: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

األول تعالى، إنتهى.أقول: مفاد قوله أي من هذا المعنى الذي يكون التقدم والتأخر باعتباره، ومفاد قول صدرالمتألهين فكان ينبغي أن يقيد ذلك بما يكون من جنس ما فيه التقدم واحد، فال يرد قوله

فال يرد ما ذكر البعض.واعلم أن البحث عن أقسام السبق وكثير من مسائله ذكرناه في شرحنا على فصوص الفارابي

بالفارسية، فراجع الفص التاسع والستين من ذلك الشرح.

(٨٥)

Page 91: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وإذا ثبت أنه مقول بالتشكيك بمعنى أن بعض أنواع التقدم أولى بالتقدم منبعض، فاعلم إنا إذا فرضنا (أ) متقدما على (ب) بالعلية و (ج) متقدما على (د)

بالطبع كان تقدم (أ) على (ب) أولى من تقدم (ج) على (د)، وحينئذ (ب) أحدالمضافين أولى (١) بتأخره عن األلف المضاف اآلخر من تأخر (د) عن (ج)

فانحفظت اإلضافة بين المضافين في األولوية وهو أحد أنواع التشكيك.وكذلك لو فرضنا تقدم (أ) على (ب) أشد من تقدم (ج) على (د) كان تأخر

(ب) عن (أ) أشد من تأخر (د) عن (ج)، وهذا نوع ثان للتشكيك.وكذا لو فرضنا تقدم (أ) على (ب) قبل تقدم (ج) على (د) كان تأخر (ب) عن

(أ) قبل تأخر (د) عن (ج)، وهذا هو النوع الثالث وهذا معنى قوله: وتنحفظاإلضافة بين المضافين في أنواعه.

--------------------(١) خبر ل (ب).

(٨٦)

Page 92: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قال: وحيث وجد التفاوت امتنع جنسيته.أقول: لما بين أن التقدم مقول على ما تحته من أصناف التقدمات بالتشكيك

ظهر أنه ليس جنسا لما تحته، وأن مقوليته على ما تحته قول العارض علىمعروضه ال قول الجنس على أنواعه، المتناع وقوع التفاوت في أجزاء الماهية.

قال: والتقدم دائما بعارض زماني أو مكاني أو غيرهما.أقول: إذا نظر إلى الماهية من حيث هي هي لم تكن متقدمة على غيرها وال

متأخرة، وإنما يعرض لها التقدم والتأخر باعتبار أمر خارج عنها إما زماني كما فيالتقدم الزماني (١) أو مكاني كما في التقدم المكاني أو مغاير كما في تقدم العلة على

معلولها باعتبار التأثير والتأثر وكما في تقدم العالم على المتعلم باعتبار الشرفوغير ذلك من أصناف التقدمات.

قال: والقدم والحدوث الحقيقيان (٢) ال يعتبر فيهما الزمان وإال تسلسل.أقول: القدم والحدوث قد يكونان حقيقيين وقد ال يكونان حقيقيين بل

--------------------(١) سواء كان التقدم بزمان زائد على المتقدم والمتأخر، أو بنفس الزمان كما تقدم، فال يردما تفوه بأن اإلشكال في القسم السادس أي التقدم بالذات على ما ذهب إليه المتكلمون، فإن

عروض التقدم لبعض أجزاء الزمان المفروضة إنما هو لذاته ال ألمر خارج.ثم إن قول الماتن كما اخترناه موافق لجميع النسخ بال استثناء، وأما قول الشارح فقد رويفي غير (م ص) هكذا: إما زمان كما في التقدم الزماني أو مكان كما في التقدم المكاني.

(٢) ناظر إلى الذاتيين منهما وأعرب ضميره في قوله اآلتي: والحدوث الذاتي متحققوالحدوث الذاتي ال ينافي دوام الفيض أزال وأبدا، فافهم. وكالمه هذا رد على من أنكر

الحدوث الذاتي ولم يعقل سوى الحدوث الزماني.والشيخ الرئيس في الفصل الثاني عشر من النمط الخامس من اإلشارات نقل مذاهب

المتكلمين في حدوث العالم من جملتها أن من هؤالء من قال: إن العالم وجد حين كانأصلح لوجوده، ومنهم من قال: لم يكن وجوده إال حين وجد، ومنهم من قال: ال يتعلقوجوده بحين وال بشئ آخر بل بالفاعل وال يسأل عن لم، ثم قال الشيخ: فهؤالء هؤالء.

والنسخ كلها جاءت: والقدم بالواو، كما اخترناه وفي (ت) وحدها: فالقدم بالفاء.

(٨٧)

Page 93: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

يقاالن على ما يقاالن عليه على سبيل المجاز، فالقدم والحدوث الحقيقيان وهماما فسرناهما به من أن القديم هو الذي ال يسبقه الغير والمحدث هو المسبوقبالغير، وهما بهذا االعتبار ال يفتقران إلى الزمان ألن الزمان إن كان قديما أو

حادثا بهذا المعنى افتقر إلى زمان آخر وتسلسل، وأما القدم والحدوث بالمجازفإنهما ال يتحققان بدون الزمان وذلك ألن القديم يقال بالمجاز لما يستطال زمان

وجوده في جانب الماضي، والمحدث لما ال يستطال زمانه.قال: والحدوث الذاتي متحقق.

أقول: قد بينا أن أصناف التقدم والتأخر خمسة أو ستة، ومن جملتها التقدموالتأخر بالطبع (١)، فالحدوث الذاتي هو الذي يكون الوجود فيه متأخرا عن العدم

بالذات، وبيانه: أن الممكن يستحق من ذاته عدم استحقاق الوجود والعدمويستحق من غيره استحقاق أحدهما وما بالذات أسبق مما بالغير فالالاستحقاقية

- أعني التأخر الذاتي - متقدم على االستحقاقية وذلك هو معنى الحدوث الذاتي.قال: والقدم والحدوث اعتباران عقليان ينقطعان بانقطاع االعتبار.

أقول: ذهب المحققون إلى أن القدم والحدوث ليسا من المعاني المتحققة فياألعيان، وذهب عبد الله بن سعيد من األشعرية إلى أنهما وصفان زائدان على

الوجود، والحق خالف ذلك وأنهما اعتباران عقليان يعتبرهما الذهن عند مقايسةسبق الغير إليه وعدمه، ألنهما لو كانا ثبوتيين لزم التسلسل، ألن الموجود من كلواحد منهما إما أن يكون قديما أو حادثا، فيكون للقدم قدم آخر وكذا الحدوث

هذا خلف، بل هما عقليان يعتبرهما العقل وينقطعان بانقطاع االعتبار العقلي.وهذا جواب عن سؤال مقدر وهو أن يقال: إذا كان القدم والحدوث أمرين

ثبوتيين في العقل أمكن عروض القدم والحدوث لهما ويعود المحذور منالتسلسل، وتقرير الجواب أنهما اعتباران عقليان ينقطعان بانقطاع االعتبار فال

يلزم التسلسل.--------------------

(١) فالالاستحقاقية متقدمة بالطبع على االستحقاقية في الممكنات.

(٨٨)

Page 94: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قال: وتصدق الحقيقية منهما.أقول: الموجود ال يخلو عن القدم والحدوث ألنه ال يخلو من أن يكون

مسبوقا بغيره أو ال، واألول حادث والثاني قديم، وال يجتمعان في شئ واحدالستحالة اجتماع النقيضين، فإذن ال يجتمعان وال يرتفعان فتتركب المنفصلة

الحقيقية منهما.المسألة الخامسة والثالثون

في خواص الواجبقال: ومن الوجوب الذاتي والغيري (١).

أقول: هذه إحدى الخواص وهو أن الشئ الواحد إذا كان واجبا لذاتهاستحال أن يكون واجبا بغيره، إذا عرفت هذا فنقول: المنفصلة الحقيقية التي تمنع

الجمع والخلو صادقة على الموجود إذا أخذ جزءاها الوجوب بالذات والوجوببالغير، بأن يقال: الموجود إما واجب لذاته أو واجب بغيره المتناع صدقهما علىشئ واحد وكذبهما عليه، وذلك ألن الموجود إما مستغن عن الغير أو محتاج إليه

وال واسطة بينهما، واألول واجب بالذات والثاني واجب بالغير.وإنما امتنع الجمع بينهما ألنه لو كان شئ واحد واجبا بذاته وبغيره معا لزم

المحال، ألن الواجب بغيره يرتفع بارتفاع غيره، والواجب بالذات ال يرتفع بارتفاعغيره، فلو كان شئ واحد واجبا بذاته وبغيره لزم اجتماع النقيضين، وهو محال.

وإنما امتنع الخلو عنهما ألن الموجود إن كان واجبا صدق أحد الجزئين (٢)--------------------

(١) ال يخفى أن هذه العبارة عطف على قوله: منهما، أي تصدق القضية المنفصلة الحقيقية منالوجوب الذاتي والغيري، فهذا الكالم تتمة المسألة الرابعة والثالثين، والعجب أن الشارح

شرحه على هذا النهج القويم ولكن جعله أول المسألة الخامسة والثالثين في خواصالواجب. والحق أن قوله اآلتي: ويستحيل صدق الذاتي على المركب، أول المسألة في

خواص الواجب كما في الشوارق.(٢) أي أحد الجزئين من القضية المنفصلة.

(٨٩)

Page 95: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وإن كان ممكنا استحال وجوده إال بعد وجوبه بالفاعل على ما تقدم فيصدق الجزءاآلخر.

قال: ويستحيل صدق الذاتي على المركب (١).أقول: هذه خاصية ثانية للواجب الذاتي وهو أنه يستحيل أن يكون مركبا، فال

يمكن صدق الوجوب الذاتي على المركب ألن كل مركب يفتقر إلى أجزائه علىما يأتي، وكل مفتقر ممكن، فالواجب لذاته ممكن لذاته هذا خلف.

قال بعض المتأخرين: هذه المسألة تتوقف على الوحدانية ألنه لو قال قائل:يجوز أن يكون كل واحد من أجزاء المركب واجبا لذاته ويكون المجموع مستغنيا

عن الغير، أجبنا بأن الواجب لذاته يستحيل أن يكون متعددا.والحق أنه ال افتقار في هذه المسألة إلى الوحدانية ألن هذا المركب يستحيلأن يكون واجبا لذاته الفتقاره إلى أجزائه الواجبة، وكل مفتقر ممكن، فيكون

المركب ممكنا فال يكون واجبا، وهذا ال يتوقف على الوحدانية.قال: وال يكون الذاتي جزءا من غيره.

أقول: هذه خاصية ثالثة للواجب ظاهرة (٢) وهي أن الواجب لذاته ال يتركبعنه غيره وهو ظاهر، ألن التركب إما حسي وهو إنما يكون بانفعال كالمزاج، أو

عقلي كتركب الماهية من األجناس والفصول، والكل ظاهر االستحالة.المسألة السادسة والثالثون

في أن وجود واجب الوجود ووجوبه نفس حقيقتهقال: وال يزيد وجوده ونسبته عليه وإال لكان ممكنا (٣).

--------------------(١) البحث عن خواص الواجب أي لوازم وجوب الوجود ألن الوجود والحق والواجب وجوهر

الجواهر وحقيقة الحقائق ونظائرها بمعنى واحد كما أومأنا إليه، فالمفاهيم متعددة والعين واحدة.(٢) باتفاق النسخ كلها، والمراد بالواجب هو الواجب الذاتي كما هو ظاهر.

(٣) متعلق بالجميع، أي لكل واحد من األحكام التي هي خواص الواجب، أي يستحيل صدقالذاتي على المركب وإال لكان ممكنا، وهكذا في الخاصتين بعدها.

(٩٠)

Page 96: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: هذه المسألة تشتمل على بحثين: البحث األول: في أن وجود واجبالوجود لذاته نفس حقيقته، وتقريره أن نقول: لو كان وجود (١) واجب الوجود

لذاته زائدا على حقيقته لكان صفة لها فيكون ممكنا فيفتقر إلى علة، فتلك العلة إماأن تكون نفس حقيقته أو شيئا خارجا عن حقيقته، والقسمان باطالن، أما األولفألن تلك الحقيقة إما أن تؤثر فيه وهي موجودة أو تؤثر فيه وهي معدومة، فإنأثرت فيه وهي موجودة فإن كانت موجودة بهذا الوجود لزم تقدم الشئ على

نفسه وهو محال، وإن كان بغير هذا الوجود عاد البحث إليه ويلزم وجود الماهيةمرتين والجميع باطل، وإن أثرت فيه وهي معدومة كان المعدوم مؤثرا في

الموجود وهو باطل بالضرورة.وأما الثاني فألنه يلزم منه افتقار واجب الوجود في وجوده إلى غيره فيكون

ممكنا وهو محال، وهذا دليل قاطع على هذا المطلوب.البحث الثاني: في أن الوجوب نفس حقيقته، وقد تقدم بيان ذلك فيما سلف.

قال: والوجود المعلوم (٢) هو المقول بالتشكيك أما الخاص به فال.أقول: هذا جواب من استدل على زيادة الوجود في حق واجب الوجود،

وتقرير الدليل أن نقول: ماهيته تعالى غير معلومة للبشر على ما يأتي، والوجودمعلوم ينتج من الشكل الثاني أن الماهية غير الوجود.

--------------------(١) الكالم في أن واجب الوجود إنية محضة، فالحري بالتوحيد أن تعلم أن الوجود يساوق

الحق والحق سبحانه هو الوجود الواجب وما سواه مرزوق بهذا الرزق ولواله لما كان ما كان.قال موالنا سيد الساجدين عليه السالم في الدعاء الثاني والخمسين من الصحيفة: (أو كيف يستطيع

أن يهرب منك من ال حياة له إال برزقك). والممكن في حدوثه وبقائه مفتاق بهذا الرزق،وبدونه ال اسم له وال رسم، وحيث إنه تعالى وجود صمدي فهو الواحد الجميع، أي هو األول

واآلخر والظاهر والباطن، فافهم.(٢) يعني مفهوم الوجود المطلق العام، والخاص به هو الوجود الواجب.

(٩١)

Page 97: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وتقرير الجواب عنه أن نقول: إنا قد بينا أن الوجود مقول بالتشكيك (١) علىما تحته والمقول على أشياء بالتشكيك يمتنع أن يكون نفس الحقيقة أو جزءا منها،

بل يكون دائما خارجا عنها الزما لها كالبياض المقول على بياض الثلج وبياضالعاج ال على السواء فهو ليس بماهية وال جزء ماهية لهما، بل هو الزم من خارج،وذلك ألن بين طرفي التضاد الواقع في األلوان أنواعا من األلوان ال نهاية لها بالقوةوال أسامي لها بالتفصيل يقع على كل جملة منها اسم واحد بمعنى واحد كالبياض

والحمرة والسواد بالتشكيك، ويكون ذلك المعنى الزما لتلك الجملة غير مقوم،فكذلك الوجود في وقوعه على وجود الواجب وعلى وجودات الممكنات

المختلفة بالهويات التي ال أسماء لها بالتفصيل، فإنه يقع عليها وقوع الزم خارجيغير مقوم، فالوجود يقع على ما تحته بمعنى واحد، وال يلزم من ذلك تساوي

ملزوماته التي هي وجود الواجب ووجودات الممكنات في الحقيقة، ألنمختلفات الحقيقة قد تشترك في الزم واحد، فالحقيقة التي ال تدركها العقول هي

الوجود الخاص المخالف لسائر الوجودات بالهوية، الذي هو المبدأ األولوالوجود المعقول هو الوجود العام الالزم لذلك الوجود وسائر الوجودات وهوأولي التصور، وإدراك الالزم ال يقتضي إدراك الملزوم بالحقيقة وإال لوجب من

إدراك الوجود إدراك جميع الوجودات الخاصة، وكون حقيقته تعالى غير مدركةوكون الوجود مدركا يقتضي المغايرة بين حقيقته تعالى والوجود المطلق ال

الوجود الخاص به تعالى، وهذا التحقيق مما نبه (٢) عليه بهمنيار في التحصيل،--------------------

(١) قد بين في المسألة الرابعة والثالثين.(٢) نبه عليه في الفصل األول من المقالة األولى من الكتاب الثاني من التحصيل بقوله: ثم اعلم أنالوجود يحمل على ما تحته حمل التشكيك ال حمل التواطؤ ومعنى ذلك.. الخ (ص ٢٨١ ط ١).

والمصنف حرره في الفصل السابع عشر من النمط الرابع من اإلشارات ردا على وهم الفخرالرازي حيث زعم أن الوجود شئ واحد في الواجب والممكن على السواء بالتواطؤ،

وبيان هذا التشكيك أن مختلفات الحقيقة - أي الواجب والممكنات - قد تشترك في الزمواحد وهو الوجود المحمول عليها، فالوجود بمعنى واحد في الجميع ولكن ال على السواء

بل على االختالف.ذهب المتأخرون من المشاء إلى أن الوجودات العينية حقائق متباينة بتمام ذواتها البسيطة ال

بالفصول ليلزم التركيب في الوجود ويكون الوجود المطلق جنسا، وال بالمصنفاتوالمشخصات ليلزم التركيب في الوجود أيضا ويكون الوجود المطلق نوعا، بل المطلقعرضي الزم لها بمعنى أنه خارج محمول أي محمول من صميمه ال أنه عرضي بمعنى

المحمول بالضميمة، ألن العارض والمعروض في المحمول بالضميمة شيئان والمعروض- أي المحمول - سابق على العارض أي الحامل. وحمل الوجود المطلق على أعيان

الوجودات المتباينة حمل الالزم على الملزومات المتعددة المتباينة وهذا الحمل على سبيلالتشكيك أي إطالق الوجود المطلق العام الالزم على ملزوم وهو الوجود الواجب أولى

وأقدم على ملزوم آخر كالعقل األول مثال وعلى هذا القياس، وفي هذه الملزومات ملزوم

Page 98: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

واحد فقط له تأكد وجودي وتوحد كذلك هو إنية محضة ووجود صرف وهو ذات الواجبوما سواه زوج تركيبي من الوجود والماهية، وال منافاة بين أن يكون الزم واحد بمعنى واحد

يطلق على ملزومات متباينة على سبيل التشكيك، فالوجود المطلق العام العارض الالزم هومعروض التشكيك، كما أن الوجودات العينية معروضاته فهي معروضات ذلك المعروض.وقد أومأنا من قبل إلى أن التوحيد أشمخ من ظاهر هذا الزعم، وهو تنزيه في عين التشبيه

والتوحيد الصمدي منزه عن هذا التنزيه، فعلى هذا الزعم قالوا في علم الباري بالجزئيات أنهعالم بها على النحو الكلي، ووقعوا في صدور الكثرة عن الواحد الحقيقي وفي ربطها به وفي

مسائل أخرى في خبط عظيم إال أن يصحح آراؤهم بمعاونة كلماتهم األخرى على غير مااشتهر منهم وال ضير كما أشرنا إلى طائفة منها في شرحنا على فصوص الفارابي، وال يعجبني بني

إسناد تلك اآلراء الفائلة بظاهرها إليهم، وال أعتقده فيهم بذلك االسترسال واالطالق.

(٩٢)

Page 99: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وقرره المصنف رحمه الله في شرح اإلشارات.قال: وليس طبيعة نوعية (١) على ما سلف فجاز اختالف جزئياته في العروض

وعدمه.--------------------

(١) كما ذهب الفخر الرازي إلى أن الوجود طبيعة نوعية، فراجع شرحه على الفصل السابععشر من النمط الرابع من اإلشارات (ص ٣٠٣ ط مصر).

قال شارح المقاصد سعد الدين التفتازاني: والعجب أن اإلمام قد اطلع من كالم الفارابي وابنسينا على أن مرادهم أن حقيقة الواجب وجود مجرد هي محض الواجبية ال اشتراك فيه

أصال، والوجود العام المشترك المعلوم الزم له غير مقوم، بل صرح في بعض كتبه بأن الوجودمقول على الوجودات بالتشكيك، ثم استمر على شبهته التي زعم أنها من المتانة بحيث

ال يمكن توجيه شك مخيل عليها وهي أن الوجود إن اقتضى العروض أو الال عروضتساوى الواجب والممكن في ذلك، وإن لم يقتض شيئا منهما كان وجوب الواجب من الغير.وجملة األمر أنه لم يفرق بين التساوي في المفهوم والتساوي في الحقيقة، فذهب إلى أنه ال بد

من أحد األمرين: إما كون اشتراك الوجود لفظيا، أو كون الوجودات متساوية في اللوازم. (ص ٦٦ و ٦٧ ط ١).

وقد لخص المحقق نصير الدين الطوسي كالم الفخر الرازي في شرح الفصل المذكور منرابع اإلشارات بقوله: والفاضل الشارح قد اضطرب في هذا الموضع اضطرابا ظن بسببه أنعقول العقالء وأفهام الحكماء بأسرها مضطربة، وذلك ألنه استدل على أن الوجود ال يقع

على الموجودات باالشتراك اللفظي بدالئل كثيرة استفادها منهم، وحكم بعد ذلك بأنالوجود شئ واحد في الجميع على السواء حتى صرح بأن وجود الواجب مساو لوجود

الممكنات تعالى عن ذلك، ثم إنه لما رأى وجود الممكنات أمرا عارضا لماهياتها وكان قدحكم بأن وجود الواجب مساو لوجود الممكنات حكم بأن وجود الواجب أيضا عارض

لماهيته، فماهيته غير وجوده تعالى عن ذلك علوا كبيرا، وظن أنه إن لم يجعل وجود الواجبعارضا لماهيته لزمه إما كون ذلك الوجود مساويا للوجودات المعلولة، وإما وقوع الوجود

على وجود الواجب ووجود غيره باالشتراك اللفظي، ومنشأ هذا الغلط هو الجهل بمعنىالوقوع بالتشكيك.. الخ.

ثم أخذ في بيان إطالق الوجود على الموجودات بالتشكيك على الوجه المحقق عند المشاء،وقد حررناه آنفا مع مزيد إيضاح منا. وقد دريت أن الخطب أرفع مما ذهب إليه المشاءبمراحل فضال عما توهم الفخر الرازي، ثم لنا في المقام حول كلمات الفخر وتحقيقات

المحقق المذكور في شرحه على اإلشارات مطالب مجدية لعلها تنجدك في هذه المباحث.

(٩٣)

Page 100: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: هذا جواب عن استدالل ثان استدل به الذاهبون إلى أن وجوده تعالىزائد على حقيقته، وتقرير الدليل أن الوجود طبيعة واحدة نوعية لما بيناه من اشتراكه،

والطبائع النوعية تتفق في لوازمها، وقد بنى الحكماء على هذه القاعدة مطالبكثيرة كامتناع الخالء ووجود الهيولى لألفالك وغير ذلك من مباحثهم، فنقول:

طبيعة الوجود إن اقتضت العروض وجب أن يكون وجود واجب الوجود عارضالماهية مغايرة له، وإن اقتضت الال عروض كانت وجودات الممكنات غير عارضةلماهياتها، فأما أن ال تكون موجودة أو يكون وجودها نفس حقائقها، والقسمان

باطالن، وإن لم تقتض واحدا منهما لم تتصف بأحدهما إال بأمر خارج عن طبيعة

(٩٤)

Page 101: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الوجود، فيكون تجرد واجب الوجود محتاجا إلى المؤثر هذا خلف.وتقرير الجواب أن الوجود ليس طبيعة نوعية على ما حققناه، بل هو مقول

بالتشكيك (١) على ما تقدم، والمقول على أشياء بالتشكيك ال يتساوى اقتضاؤه،فإن النور يقتضي بعض جزئياته أبصار األعشى بخالف سائر األنوار والحرارة،

كذلك فإن الحرارة الغريزية تقتضي استعداد الحياة بخالف سائر الحرارات،فكذلك الوجود.

قال: وتأثير الماهية من حيث هي في الوجود غير معقول.أقول: لما أبطل استدالالتهم شرع في إبطال االعتراض الوارد على دليله،

وقد ذكر هاهنا أمرين: أحدهما: أنهم قالوا: ال نسلم انحصار أحوال الماهية حالةالتأثير في الوجود والعدم (٢)، بل جاز أن تكون الماهية من حيث هي هي مؤثرة

في الوجود، فال يلزم التسلسل وال تأثير المعدوم في الموجود. والجواب أنالماهية من حيث هي هي (٣) يجوز أن تقتضي صفات لها على سبيل العلية

--------------------(١) وصدقه على أفراده صدق عرضي كما دريت.

واعلم أن الشيخ في الفصل الثالث من سادسة إلهيات الشفاء ناظر إلى هذا التحقيق في تشكيكالوجود على ممشي المشاء، حيث يقول: ثم الوجود بما هو وجود ال يختلف في الشدةوالضعف، وال يقبل األقل واألنقص، وإنما يختلف في ثالثة أحكام وهي التقدم والتأخر

واالستغناء والحاجة والوجوب واإلمكان، إلى آخر ما أفاد (ص ٥٣٤ ج ٢ ط ١).(٢) متعلق باالنحصار.

(٣) ناظر إلى كالم الشيخ في الفصل السابع عشر من النمط الرابع من اإلشارات حيث يقول: قديجوز أن تكون ماهية الشئ سببا لصفة من صفاته، وأن تكون صفة له سببا لصفة أخرى مثل

الفصل للخاصة، ولكن ال يجوز أن تكون الصفة التي هي الوجود للشئ إنما هي بسببماهيته التي ليست هي الوجود أو بسبب صفة أخرى، ألن السبب متقدم في الوجود وال

متقدم بالوجود قبل الوجود، إنتهى.وأقول: الماهية توجد بسبب الوجود والسنخية بين العلة ومعلولها توجب أن يكون معلول

الماهية من سنخها في وعاء الذهن، مثال كون األثنينية سببا لزوجية االثنين، وأنى للماهية أنتوجب صفة الوجود وتكون سببا له وهي حد ينتزع من شأن من شؤون الوجود األحدي

الصمدي، والسبب متقدم في الوجود وال متقدم بالوجود قبل الوجود.واعلم أن هذا الفصل من اإلشارات وما حققه المحقق الطوسي في أمر الوجود ورد الشبهات

الفخرية في المقام هو األصل فيما أتى به المولى صدرا في الفصل الثالث من المنهج الثانيمن المرحلة األولى من األسفار من أن واجب الوجود إنيته ماهيته.

ثم يستشم من كالم المحقق الطوسي في هذا المقام من التجريد أنه صنف التجريد بعد شرحهعلى اإلشارات.

(٩٥)

Page 102: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

والمعلولية إال الوجود فإنه يمتنع أن تؤثر فيه من حيث هي هي، ألن الوجود اليكون معلوال لغير الموجود بالضرورة فيلزم المحاذير المذكورة، والضرورة فرقت

بين الوجود وسائر الصفات.قال: والنقض بالقابل (١) ظاهر البطالن.

أقول: هذا جواب عن السؤال الثاني، وتقريره أنهم قالوا: إن العلة القابليةللوجود ال يجوز أن يكون باعتبار الوجود، فإن الممكن المعدوم لو لم يقبلالوجود إال بشرط الوجود لزم تقدم الشئ على نفسه أو تعددت الوجودات

للماهية الواحدة، والكل محال، وإذا كان كذلك فلم ال يعقل مثله في العلة الفاعلية؟والجواب أن هذا إنما يتم لو قلنا إن الوجود عارض للماهية عروض السواد

للجسم وأن للماهية ثبوتا في الخارج دون وجودها، ثم إن الوجود يحل فيهاونحن ال نقول كذلك، بل كون الماهية هو وجودها (٢) وإنما تتجرد عن الوجود فيالعقل ال بمعنى أنها تكون في العقل منفكة عن الوجود، ألن الحصول في العقل نوع

من الوجود، بل بمعنى أن العقل يالحظها منفردة، فاتصاف الماهية بالوجود أمرعقلي، إذ ليس للماهية وجود منفرد ولعارضها المسمى بالوجود وجود آخرويجتمعان اجتماع المقبول والقابل، بل الماهية إذا كانت فكونها وجودها،

والحاصل من هذا أن الماهية إنما تكون قابلة للوجود عند وجودها في العقل فقط،--------------------

(١) جواب عن اعتراض الفخر الرازي بالنقض.(٢) سيأتي هذا البحث في المسألة الثامنة والثالثين حيث يقول: وإثبات الوجود للماهية ال

يستدعي وجودها أوال.

(٩٦)

Page 103: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وال يمكن أن تكون فاعلة لصفة خارجية عند وجودها في العقل فقط.قال: والوجود من المحموالت العقلية (١) المتناع استغنائه عن المحل

وحصوله فيه.أقول: الوجود ليس من األمور العينية بل هو من المحموالت العقلية الصرفة،

وتقريره أنه لو كان ثابتا في األعيان لم يخل إما أن يكون نفس الماهيات الصادقعليها أو مغايرا لها، والقسمان باطالن، أما األول فلما تقدم من أنه زائد على

الماهية ومشترك بين المختلفات فال يكون نفسها.وأما الثاني فإما أن يكون جوهرا أو عرضا، واألول باطل وإال لم يكن صفة

لغيره، والثاني باطل ألن كل عرض فهو حاصل في المحل، وحصوله في المحلنوع من الوجود، فيكون للوجود وجود هذا خلف، ويلزم تأخره عن محله وتقدمه

عليه هذا خلف.قال: وهو من المعقوالت الثانية.

أقول: الوجود كالشيئية في أنها من المعقوالت الثانية، إذ ليس الوجود ماهيةخارجية على ما بيناه، بل هو أمر عقلي يعرض للماهيات وهو من المعقوالت

الثانية المستندة إلى المعقوالت األولى، وليس في الموجودات شئ هو وجود أوشئ، بل الموجود إما االنسان أو الحجر أو غيرهما، ثم يلزم من معقولية ذلك أن

يكون موجودا.قال: وكذلك العدم.

أقول: يعني به أن العدم من المعقوالت الثانية العارضة للمعقوالت األولى كما--------------------

(١) أي مفهوم الوجود المطلق المحمول على الماهيات من الصفات العقلية االعتباريةالموجودة في العقل فقط، ليست بصفة عينية خارجية فذلك الوجود المطلق المحمول منالمعقوالت الثانية، وأما الوجود المطلق الواجبي الحق الصمدي فهو األول واآلخر والظاهر

والباطن سبحان الله عما يصفون إال عباد الله المخلصين.

(٩٧)

Page 104: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قلنا في الوجود، إذ ليس في األعيان ماهية هي عدم مطلق فهو دائما عارض لغيره.قال: وجهاتهما.

أقول: يعني به أن جهات الوجود والعدم من الوجوب واإلمكان واالمتناعالذاتية والمشروطة من المعقوالت الثانية أيضا كما تقدم من أنها أمور اعتبارية ال

تحقق لها في الخارج، وقد سبق البحث فيه.قال: والماهية.

أقول: الماهية أيضا من المعقوالت الثانية فإن الماهية تصدق على الحقيقةباعتبار ذاتها ال من حيث إنها موجودة أو معقولة، وإن كان ما يصدق عليه الماهية

من المعقوالت األولى (١)، وليس البحث فيه بل في الماهية أعني العارض فإن كوناالنسان ماهية أمر زائد على حقيقة االنسانية.

قال: والكلية والجزئية.أقول: هذان أيضا من المعقوالت الثانية العارضة للمعقوالت األولى، فإن

الماهية من حيث هي هي وإن كانت ال تخلو عنهما إال أنها مغايرة لهما، وهمايصدقان عليها صدق العارض على معروضه، فإن االنسانية لو كانت لذاتها كلية لمتصدق جزئية وبالعكس، فاالنسانية ليست من حيث هي هي كلية وال جزئية، بلإنما تصدق عليه الكلية عند اعتبار صدق الحقيقة على أفراد متوهمة أو متحققة،والجزئية أنما تصدق عليها عند اعتبار أمور أخر مخصصة لتلك الحقيقة ببعض

األفراد فهما من المعقوالت الثانية.قال: والذاتية والعرضية.

--------------------(١) يعني كما أن األفراد الخارجية كزيد وعمرو وبكر مصاديق حقيقية لالنسان كذلك

الماهيات الذهنية كماهيات االنسان والبقر والغنم مصاديق ذهنية للماهية، فالماهية صادقةعلى كل واحدة منها، فالماهية من المعقوالت الثانية العارضة على األولى ومصاديقها أفراد

ذهنية ليست بخارجية.

(٩٨)

Page 105: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: هذان أيضا من المعقوالت الثانية العارضة للمعقوالت األولى فإنه ليسفي األعيان ذاتية وال عرضية وليس لهما تأصل في الوجود، وقد يكون الذاتيلشئ عرضيا لغيره فهما اعتباران عقليان عارضان لماهيات متحققة في أنفسها

فهي من المعقوالت الثانية.قال: والجنسية والفصلية والنوعية.

أقول: هذه أيضا أمور اعتبارية عقلية صرفة من المعقوالت الثانية العارضةللمعقوالت األولى، فإن كون االنسان نوعا أمر مغاير لحقيقة االنسانية عارض لها

وإال المتنع صدق االنسانية على زيد، وكذلك الجنسية للحيوان مثال أمر عارض لهمغاير لحقيقته وكذلك الفصلية للناطق، وهذا كله ظاهر.

المسألة السابعة والثالثونفي تصور العدم (١)

قال: وللعقل أن يعتبر النقيضين ويحكم بينهما بالتناقض وال استحالة فيه.أقول: العقل يحكم بالمناقضة بين السلب واإليجاب فال بد وأن يعتبرهما معا،

ألن التناقض من قبيل النسب واإلضافات ال يمكن تصوره إال بعد تصورمعروضيه، فيكون متصورا للسلب واإليجاب معا وال استحالة في اجتماعهما في

الذهن دفعة، ألن التناقض ليس بالقياس إلى الذهن بل بالقياس إلى الذهن بلبالقياس إلى ما في نفس األمر فيتصور صورة ما ويحكم عليها بأنه ليس لها فيالخارج ما يطابقها، ثم يتصور صورة أخرى فيحكم عليها بأن لها في الخارج

--------------------(١) الوجود باعتبار عمومه وانبساطه وإحاطته وسعة رحمته يعرض مفهوم عدم المطلق

والمضاف كالعمى في الذهن عند تصورهما، ولذلك العروض يحكم العقل عليهما باالمتيازبينهما، وامتناع أحدهما أي العدم المطلق ال يمكن تحققه، وإمكان اآلخر أي العدم المضاف

الممكن تحققه وذلك ألن كل ما هو ممكن وجوده كالبصر يمكن عدمه وهو العمى، وكذلكيحكم على العدمين بغير ذلك من األحكام ويميز أحدهما من اآلخر.

(٩٩)

Page 106: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

ما يطابقها ثم يحكم على إحداهما بمقابلة األخرى ال من حيث إنهما حاضرتانفي العقل بل من حيث إن إحداهما استندت إلى الخارج دون األخرى، وقد يتصور

الذهن صورة ما ويتصور سلبها ألنه مميز على ما تقدم (١)، ويحكم على--------------------

(١) تقدم في المسألة التاسعة عشرة حيث قال: وقد يتمايز اإلعدام.. الخ، ثم التحقيق فيالمقام أن يقال بالوجود - أي بالوجود الصمدي الذي هو متن األعيان وحقيقة الحقائقوجوهر الجواهر - يتحقق الضدان ويتقوم المثالن، بل هو الذي يظهر بصورة الضدين

وغيرهما ويلزم منه الجمع بين النقيضين ألن كال من الضدين يستلزم سلب اآلخر، فالضدانيؤوالن إلى النقيضين من هذا السلب، مثال إن األلم والراحة ضدان ليسا بنقيضين، ولما كان

كل منهما يستلزم عدم اآلخر يطلق اسم النقيضين عليهما أيضا، كأنه يقال الراحة وعدمهاواأللم وعدمه، واختالف الجهتين إنما هو باعتبار العقل للمفهومين أو الماهيتين، وأما في

الوجود فتتحد الجهات كلها فإن الظهور والبطون وجميع الصفات الوجودية المتقابلةمستهلكة في عين الوجود فال مغايرة إال في اعتبار العقل، والصفات السلبية مع كونها عائدةإلى العدم مفهوما وذلك العدم هو سلب اإلمكان والنقص، أيضا راجعة إلى الوجود من وجه

وذلك الوجه هو إما تأكد الوجود وتوحده الصمدي، وإما انبساط الوجود إلى العدم ألناألعدام المتمايزة بعضها عن البعض تمايزها أيضا باعتبار وجوداتها في ذهن المعتبر لها أو

باعتبار وجود ملكاتها ال أن لها ذوات متمايزة بذاوتها، فكل من الجهات المتغايرة من حيثوجودها العقلي عين باقيها، ألن الصفات الكمالية من الحياة والعلم واإلرادة والقدرة وغيرهاتدور مع الوجود حيثما دار وال تنفك عنه تحققا بل هو عينها، فكل واحدة منها عين باقيها

بوجودها األحدي، فافهم.ثم نقول: ولكون الضدين مجتمعين في عين الوجود يجتمعان أيضا في العقل، إذ لوال

وجودهما فيه لما اجتمعا فيه، وعدم اجتماعهما في الوجود الخارجي الذي هو نوع من أنواعالوجود المطلق ال ينافي اجتماعهما في الوجود من حيث هو هو، فتدبر.

فالوجود الحق المطلق - أي المطلق عن اإلطالق والتقييد على ما ذهب إليه المحققون منأهل التوحيد - حقيقة واحدة ذات شؤون وشجون ولكل شأن حكم ال يتجافى عنه من حيثإن ذلك الحكم حكم ذلك الشأن وإن كان كل رقيقة محاكية عن حقيقتها وكل حقيقة هي

واجدة كمال رقائقها مع ما هي عليها من الزيادة، فالوجود المطلق الحق منصبغ بتلكاألحكام في عز وحدته وغناه الذاتي، واالنصباغ في الحقيقة هو االتصاف الوجودي

األحدي، ولذا قال بعض مشايخ التوحيد: بأن الله ال يعرف إال بجمعه بين األضداد في الحكمعليها بها.

واعلم أن نهاية كمال كل صفة هي أن ال يتطرق إليها زوال وفتور بعروض مقابلها، بل انتظممعه والتأم بحيث يزيد قوة وسلطانا وسعة، وقد جاء في اآليات القرآنية والمأثورات الروائية

اتصافه سبحانه باألسماء والصفات المتقابلة كاألول واآلخر، والظاهر والباطن، واللطيفوالقهار، والنافع والضار، والقابض والباسط، والخافض والرافع، والهادي والمضل، والمعز

والمذل ونظائرها.

(١٠٠)

Page 107: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الصورتين بالتناقض ال باعتبار حضورهما في الذهن بل باالعتبار الذي ذكرناه.قال: وأن يتصور عدم جميع األشياء (١) حتى عدم نفسه وعدم العدم بأن

يتمثل في الذهن ويرفعه وهو ثابت باعتبار، قسيم باعتبار، وال يصح الحكم عليهمن حيث هو ليس بثابت وال تناقض.

أقول: الذهن يمكنه أن يتصور جميع المعقوالت وجودية كانت أو عدمية،ويمكنه أن يلحظ عدم جميع األشياء ألنه يتصور العدم المطلق، ويمكنه أن ينسبه

إلى جميع الماهيات فيمكنه أن يلحظه باعتبار نفسه فيتصور عدم الذهن نفسه،وكذلك يمكنه أن يلحقه نفس العدم (٢) بمعنى أن الذهن يتخيل للعدم صورة مامعقولة متميزة عن صورة الوجود ويتصور رفعها ويكون ثابتا باعتبار تصوره، ألنرفع الثبوت الشامل للثبوت الخارجي والذهني تصور ما ليس بثابت وال متصور

أصال وهو ثابت باعتبار تصوره وقسيم لمطلق الثابت باعتبار أنه سلبه وال استبعاد--------------------

(١) قد اتفقت النسخ كلها على صورة العبارة في قوله: وعدم العدم بأن يتمثل في الذهن، ثمقوله هذا جواب عن الشبهة المشهورة وهي لزوم اجتماع النقيضين في قولنا: المعدوم المطلق

يمتنع الحكم عليه. بيان اللزوم أن موضوع هذه القضية وهو المعدوم المطلق قد حكم عليهبامتناع الحكم عليه، فالمعدوم المطلق في القضية موصوف بصحة الحكم عليه، كما أنهموصوف بنقيضها الذي هو عدم صحة الحكم عليه فلزم اجتماع النقيضين، فأجاب بأنالمعدوم المطلق ثابت باعتبار وغير ثابت باعتبار، فصحة الحكم عليه باعتبار أنه ثابت

متصور، وامتناع الحكم عليه باعتبار أنه غير ثابت فال تناقض.وفي بعض النسخ (يصح) مكان (ال يصح) ولكنه ال يصح بال كالم.

(٢) من االلحاق أي يمكن الذهن أن يلحق العدم نفس العدم، فالعدم ونفس العدم منصوبانعلى المفعولية.

(١٠١)

Page 108: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

في ذلك، فإنا نقول: الموجود إما ثابت في الذهن أو غير ثابت في الذهن،فالالوجود قسيم للوجود ومن حيث له مفهوم قسم من الثابت، والحكم على رفعالثبوت المطلق من حيث إنه متصور ال من حيث إنه ليس بثابت وال يكون تناقضا

الختالف الموضوعين.قال: ولهذا نقسم الموجود إلى ثابت في الذهن وغير ثابت فيه ونحكم بينهما

بالتمايز وهو ال يستدعي (١) الهوية لكل من المتمايزين، ولو فرض له هوية (٢)لكان حكمها حكم الثابت.

أقول: هذا استدالل على أن الذهن له أن يتصور عدم جميع األشياء، وبيانه أنانقسم الموجود إلى ثابت في الذهن وغير ثابت فيه، ونحكم بامتياز أحدهما عناآلخر ومقابلته له، والحكم على شئ يستدعي تصوره وثبوته في الذهن، فيجبأن يكون ما ليس بثابت في الذهن ثابتا فيه، فقد تصور الذهن سلب ما وجد فيهباعتبارين على ما حققناه، فإن ما ليس بثابت في الذهن ثابت فيه من حيث إنه

متصور، وغير ثابت فيه من حيث إنه سلب لما في الذهن.ال يقال: امتياز أحد الشيئين عن اآلخر يستدعي أن يكون لكل من الممتازين

هوية مغايرة لهوية اآلخر حتى يحكم بينهما باالمتياز، فلو كان العدم ممتازا عنالوجود لكان له هوية متميزة عنه، لكن ذلك محال ألن العقل يمكنه رفع كل هوية،

فيكون رفع هوية العدم قسيما للعدم وقسما منه وهذا محال.ألنا نقول: ال نسلم وجوب الهوية لكل من الممتازين، فإنا نحكم بامتياز

الهوية عن الالهوية وليس الالهوية هوية سلمنا ثبوت الهوية لكل ممتازين لكنهوية العدم داخلة باعتبار الهوية في قسم الهوية وباعتبار ما فرض أنها ال هوية

يكون مقابلة للهوية وقسيما لها، وال امتناع في كون الشئ قسما من الشئ--------------------

(٢) أي الحكم بامتياز أحد الشيئين عن اآلخر ال يستدعي.(٢) الضمير المخفوض راجع إلى قوله: غير ثابت، أي لو فرض لما ليس بثابت هوية.

(١٠٢)

Page 109: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وقسيما له باعتبارين على ما تقدم تحقيقه في باب الثبوت.قال: وإذا حكم الذهن على األمور الخارجية بمثلها وجب التطابق في

صحيحه وإال فال، ويكون صحيحه باعتبار مطابقته لما في نفس األمر إلمكانتصور الكواذب.

أقول: األحكام الذهنية قد تؤخذ بالقياس إلى ما في الخارج، وقد تؤخذ البهذا االعتبار، فإذا حكم الذهن على األشياء الخارجية بأشياء خارجية مثلها

كقولنا: االنسان حيوان في الخارج، وجب أن يكون مطابقا (١) لما في الخارجحتى يكون حكم الذهن حقا وإال لكان باطال، وإن حكم على أشياء خارجية

بأمور معقولة كقولنا: االنسان ممكن، أو حكم على األمور الذهنية بأحكام ذهنيةكقولنا: اإلمكان مقابل لالمتناع، لم تجب مطابقته لما في الخارج، إذ ليس في

الخارج إمكان وامتناع متقابالن وال في الخارج انسان ممكن.إذا تقرر هذا فنقول: الحكم الصحيح في هذين القسمين ال يمكن أن يكون

باعتبار مطابقته لما في الخارج لما تقدم من أن الحكم ليس مأخوذا بالقياس إلىالخارج وال باعتبار مطابقته لما في الذهن، ألن الذهن قد يتصور الكواذب، فإنا قد

نتصور كون االنسان واجبا مع أنه ممكن، فلو كان صدق الحكم باعتبار مطابقته لمافي الذهن لكان الحكم بوجوب االنسان صادقا، ألن له صورة ذهنية مطابقة لهذا

الحكم، بل يكون باعتبار مطابقته لما في نفس األمر.وقد كان في بعض أوقات استفادتي منه (٢) رحمه الله جرت هذه النكتة وسألته عن

--------------------(١) أي وجب أن يكون الحكم مطابقا، المستفاد من قوله: فإذا حكم الذهن، وكذا قوله اآلتي: لم

تجب مطابقته، الضمير راجع إلى الحكم. وسيصرح فيه بقوله: الحكم الصحيح في هذينالقسمين ال يمكن أن يكون باعتبار مطابقته لما في الخارج.

وقوله: حتى يكون حكم الذهن حقا، مطابق لنسخة (م) والنسخ األخرى: حتى يكون حكمالذهن صحيحا وقوله: وإال لكان باطال يؤيد األول، وقوله: الحكم الصحيح في هذين

القسمين الثاني.(٢) أقول: قد صنفنا رسالة في نفس األمر وقد أوجب تصنيفها كالمه هذا من سؤاله وجواب

المحقق الطوسي إياه، فال بأس بالرجوع إليها في المقام لعلها تجديك مطالب حول ذلكالموضوع الشريف والله سبحانه ولي األمر.

(١٠٣)

Page 110: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

معنى قولهم: إن الصادق في األحكام الذهنية هو باعتبار مطابقته لما في نفس األمروالمعقول من نفس األمر إما الثبوت الذهني أو الخارجي، وقد منع كل منهما هاهنا.فقال رحمه الله: المراد بنفس األمر هو العقل الفعال، فكل صورة أو حكم ثابت في

الذهن مطابق للصور المنتقشة في العقل الفعال فهو صادق وإال فهو كاذب.فأوردت عليه أن الحكماء يلزمهم القول بانتقاش الصور الكاذبة في العقل الفعال،ألنهم استدلوا على ثبوته بالفرق بين النسيان والسهو، فإن السهو هو زوال الصورةالمعقولة عن الجوهر العاقل وارتسامها في الحافظ لها، والنسيان هو زوالها عنهمامعا، وهذا يتأتى في الصور المحسوسة، أما المعقولة فإن سبب النسيان هو زوالاالستعداد بزوال المفيد للعلم في باب التصورات والتصديقات، وهاتان الحالتانقد تعرضان في األحكام الكاذبة فلم يأت فيه بمقنع، وهذا البحث ليس من هذا

المقام وإنما انجر الكالم إليه وهو بحث شريف ال يوجد في الكتب.المسألة الثامنة والثالثون

في كيفية حمل الوجود والعدم على الماهياتقال: ثم الوجود والعدم قد يحمالن وقد يربط بهما المحموالت.

أقول: إعلم أن الوجود والعدم قد يحمالن على الماهية كما يقال: االنسانمعدوم، االنسان موجود، وقد يجعالن رابطة كقولنا: االنسان يوجد كاتبا، االنسان

تعدم عنه الكتابة، فهاهنا المحمول هو الكتابة والوجود والعدم رابطتان إحداهمارابطة الثبوت والوصل واألخرى رابطة السلب والفصل.

قال: والحمل يستدعي اتحاد الطرفين من وجه (١) وتغايرهما من آخر، وجهة--------------------

(١) أي يستدعي مناسبة ما بينهما ومغايرة ما بينهما، فالمناسبة تفيد الحمل والمغايرة اإلفادة.ثم الحمل هو االتحاد واالتحاد بين الموضوع والمحمول إما بتنزل الموضوع إلى مقام

المحمول حتى يتحدا، أو بتصعد المحمول إلى مقام الموضوع. وبالجملة الحمل هو االتحادوهو يقتضي اثنينية ما ووحدة ما واتحاد الطرفين بحسب الذات والوجود، وتغايرهما بحسب

المفهوم أي المتغايران مفهوما متحدان ذاتا. وإن شئت قلت في تعريف الحمل: إن الحملالمفيد هو أن المتغايرين مفهوما متحدان ذاتا، أو أن الحمل هو الحكم باتحاد المتغايرين

مطلقا سواء كان بحسب المفهوم أو بحسب االعتبار.

(١٠٤)

Page 111: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

االتحاد قد تكون أحدهما وقد تكون ثالثا.أقول: لما ذكر أن الوجود والعدم قد يحمالن وقد يكونان رابطة بين الموضوع

والمحمول شرع في تحقيق معنى الحمل، وتقريره أنا إذا حملنا وصفا علىموصوف فلسنا نعني به أن ذات الموضوع هي ذات المحمول بعينها، فإنه ال يبقىحمل وال وضع إال في األلفاظ المترادفة وهو باطل، وألن قولنا: االنسان حيوان،حمل صادق وليس االنسان والحيوان مترادفين، وال نعني به أن ذات الموضوع

مباينة لذات المحمول، فإن الشيئين المتباينين كاالنسان والفرس يمتنع حملأحدهما على اآلخر، بل نعني به أن الموضوع والمحمول بينهما اتحاد من وجه

وتغاير من وجه، فإذا قلنا: الضاحك كاتب، عنينا به أن الشئ الذي يقال لهالضاحك هو الشئ الذي يقال له الكاتب، فجهة االتحاد هي الشئ وجهة التغاير

هي الضحك والكتابة.إذا عرفت هذا فاعلم إن جهة االتحاد قد تكون أمرا مغايرا للموضوع

والمحمول كما في هذا المثال، فإن الشئ الذي يقال له ضاحك وكاتب هواالنسان وهو غير الموضوع والمحمول، وقد تكون أحدهما كقولنا: االنسان

ضاحك والضاحك انسان.قال: والتغاير ال يستدعي (١) قيام أحدهما باآلخر، وال اعتبار عدم القائم في

--------------------(١) جواب شك يورد على الحمل اإليجابي مطلقا، تقريره كما في الشوارق أن الحمل محالوإال وجب التغاير ليفيد، فإذا وجب وجب أن يكون أحدهما قائما باآلخر، إذ مع التغاير لوالهلم يكن بينهما مناسبة بل كان كل منهما أجنبيا عن اآلخر، فلوال القيام لم يكن حمل أحدهما

عليه أولى من حمل اآلخر عليه، وإذا وجب قيام أحدهما باآلخر يجب أن ال يتصف به فينفسه وإال اجتمع المثالن فيلزم قيام الشئ بما ليس بمتصف به، وهو جمع للنقيضين.

وتقرير الجواب منع استدعاء الحمل القيام مطلقا لصحة قولنا: كل انسان ناطق، مع عدم تصورالقيام بين الكل والجزء، واألجنبية إنما تلزم لو لم يكن مع عدم القيام اتحاد بالذات، ولو سلم

فال نسلم استدعاء اعتبار عدم ما هو قائم في قيامه باآلخر، بل الذي يستدعيه لئال يلزماجتماع المثلين هو عدم اعتبار القائم، وأين هو من اعتبار عدمه ليلزم اجتماع النقيضين.

(١٠٥)

Page 112: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

القيام لو استدعاه.أقول: لما ذكر أن المحمول مغاير للموضوع من وجه صدق عليه مطلق التغايروصدق التغاير ال يستدعي قيام أحدهما باآلخر قيام العرض بمحله، فإنا نقول:االنسان حيوان وليست الحيوانية قائمة باالنسانية، ثم لو فرضنا أن التغاير مع

الحمل يقتضي قيام أحدهما باآلخر لكن ال يلزم من كون المحمول قائمابالموضوع كون الموضوع في نفسه مأخوذا باعتبار عدم القائم، فإنه حينئذ اعتبار

زائد على نفس المحمول والموضوع ال يستدعي مجرد القيام (١).قال: وإثبات الوجود للماهية ال يستدعي وجودها أوال.

أقول: إن الحكماء اتفقوا على أن الموصوف بالصفة الثبوتية يجب أن يكونثابتا، وقد أورد على هذا أن الوجود ثابت للماهية فيجب أن تكون الماهية ثابتة (٢)

أوال حتى يتحقق لها ثبوت آخر ويتسلسل.--------------------

(١) مطابق لما في (م) والنسخ الباقية: والموضوع ال يستدعيه مجرد القيام، وفي بعضها بمجردالقيام.

(٢) ألن ثبوت شئ لشئ فرع ثبوت المثبت له، وتفصى الفخر الرازي عن هذا االيرادبتخصص القاعدة الفرعية باالستثناء، والدواني بتبديل الفرعية باالستلزام ألن ثبوت الشئأي المثبت له في الفرعية يجب أن يكون مقدما، ولكنه في االستلزام يتحقق مع المقارنةأيضا، فاالستلزام غير مستدع لتقدم ثبوت المثبت له على الثابت بخالف الفرعية، والسيد

المدقق تفصى بإنكار ثبوت الوجود ال ذهنا وال عينا، والمحققون من أساطين الحكماءكالشيخ في التعليقات وصدر المتألهين في األسفار بأن الوجود نفس ثبوت الماهية ال ثبوت

شئ للماهية حتى يكون فرع ثبوت الماهية.

(١٠٦)

Page 113: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

والجواب ما تقدم فيما حققناه أوال من أن الوجود ليس عروضه للماهياتعروض السواد للمحل، بل زيادته أنما هي في التصور والتعقل ال في الوجود

الخارجي.قال: وسلبه عنها ال يقتضي تميزها وثبوتها، بل نفيها ال إثبات نفيها، وثبوتها

في الذهن وإن كان الزما لكنه ليس شرطا.أقول: سلب الوجود عن الماهية ال يقتضي أن تكون الماهية متميزة عن

غيرها وثابتة في نفسها، فإن التميز صفة غير الماهية وكذلك الثبوت والمسلوبعنه هو نفس الماهية ليس الماهية مع غيرها، بل سلب الوجود يقتضي نفي الماهية

ال بمعنى أن تكون الماهية متحققة ويثبت لها النفي.ال يقال: المسلوب عنه الوجود موجود في الذهن، فالسلب يقتضي الثبوت.

ألنا نقول: إنا ال نريد بذلك (١) أنه مسلوب عنه الوجود عند كونه موجودا فيالذهن، فإن كونه موجودا في الذهن صفة مغايرة له والمسلوب عنه هو الموصوف

فقط ال باعتبار كونه موصوفا بهذه الصفة أو غيرها وإن كان بحيث تلزمه هذه الصفةأو غيرها.

قال: والحمل والوضع (٢) من المعقوالت الثانية يقاالن بالتشكيك، وليستالموصوفية ثبوتية وإال تسلسل.

أقول: الحمل والوضع من األمور المعقولة، وليس في الخارج حمل وال وضعبل الثابت في الخارج هو االنسان والكتابة وأما صدق الكاتب على االنسان فهو

أمر عقلي، ولهذا حكمنا بأن الحمل والوضع من المعقوالت الثانية ويقاالنبالتشكيك، فإن استحقاق بعض المعاني للحمل أولى من البعض اآلخر وكذا الوضع،

--------------------(١) والحاصل الفرق بين الحينية والمشروطة.

(٢) أي كون الشئ محموال وموضوعا.

(١٠٧)

Page 114: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

فإذا قلنا: الجسم أسود، فقد حكمنا على الجسم بأنه موصوف بالسواد والموصوفيةأمر اعتباري ذهني ال خارجي حقيقي، ألن الموصوفية لو كانت وجودية لزم

التسلسل، وبيان المالزمة أنها لو كانت خارجية لكانت عرضا قائما بالمحل،فاتصاف محلها بها يستدعي موصوفية أخرى فننقل الكالم إليها ويتسلسل.

المسألة التاسعة والثالثونفي انقسام الوجود إلى ما بالذات والى ما بالعرض

قال: ثم الوجود قد يكون بالذات وقد يكون بالعرض.أقول: الموجود إما أن يكون له حصول مستقل في األعيان أو ال يكون،

واألول هو الموجود بالذات سواء كان جوهرا أو عرضا، فإن العرض وإن كان اليوجد إال بمحله لكنه موجود حقيقة، فإن وجود العرض ليس هو بعينه وجود

المحل، إذ قد يوجد المحل بدون العرض ثم يوجد ذلك العرض فيه كالجسم إذاحل فيه السواد بعد أن لم يكن. والثاني هو الموجود بالعرض كأعدام الملكاتواألمور االعتبارية الذهنية التي ال تحقق لها في األعيان، ويقال إنها موجودة في

األعيان بالعرض.قال: وأما الوجود في الكتابة (١) والعبارة فمجازي.

أقول: للشئ وجود في األعيان ووجود في األذهان وقد سبق البحث فيهما،ووجود في العبارة ووجود في الكتابة، والذهن يدل على ما في العين والعبارةتدل على األمر الذهني والكتابة تدل على العبارة، لكن الوجودان (٢) األوالن

حقيقيان والباقيان مجازيان، إذ ال يحكم العقل بأن الشئ موجود في اللفظوالكتابة، لكن لما دل عليه حكم على سبيل المجاز أنه موجود فيهما.

--------------------(١) كما في (ت، ق) وفي غيرهما: أما الموجود في الكتابة.

(٢) هكذا كانت العبارة في جميع النسخ المعتبرة، فلفظة (لكن) مخففة ملغاة عن العمل.

(١٠٨)

Page 115: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

المسألة األربعونفي أن المعدوم ال يعاد

قال: والمعدوم ال يعاد المتناع اإلشارة إليه، فال يصح الحكم عليه بصحة العود.أقول: ذهب جماعة من الحكماء والمتكلمين إلى أن المعدوم ال يعاد، وذهب

آخرون منهم إلى أنه ممكن أن يعاد، والحق األول. واستدل المصنف رحمة الله عليهبوجوه: األول: أن المعدوم ال تبقى له هوية وال يتميز عن غيره، فال يصح أن يحكم

عليه بحكم ما من األحكام فال يمكن الحكم عليه بصحة العود، وهذا ينتقضبامتناع الحكم عليه بامتناع العود فإنه حكم ما، والتحقيق هنا أن الحكم يستدعي

الحضور الذهني ال الوجود الخارجي.قال: ولو أعيد تخلل العدم بين الشئ ونفسه.

أقول: هذا هو الوجه الثاني من الوجوه الدالة على امتناع إعادة المعدوم،وتقريره أن الشئ بعد عدمه نفي محض وعدم صرف وإعادته أنما تكون بوجود

عينه الذي هو المبتدأ بعينه في الحقيقة فيلزم تخلل العدم بين الشئ ونفسه، وتخللالنفي بين الشئ الواحد ونفسه غير معقول.

قال: ولم يبق فرق بينه وبين المبتدأ.أقول: هذا هو الوجه الثالث، وتقريره أن المعدوم لو أعيد لم يبق فرق بينه

وبين المبتدأ، فإنا إذا فرضنا سوادين أحدهما معاد واآلخر مبتدأ وجدا معا لم يقعبينهما افتراق في الماهية وال المحل وال غير ذلك من المميزات إال كون أحدهما (١)

كان موجودا ثم عدم واآلخر لم يسبق عدمه وجوده، لكن هذا الفرق باطل المتناعتحقق الماهية في العدم، فال يمكن الحكم عليها بأنها هي هي حالة العدم، وإذا لم

--------------------(١) وفي (ش) وحدها: إال أن أحدهما، والنسخ األخرى كلها والثالث األول منها هي أقدم النسخ

وأصحها: إال كون أحدهما كان موجودا، والظاهر أن ما في (ش) تصرف من غير ضرورة.

(١٠٩)

Page 116: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

يبق فرق بينهما لم يكن أحدهما أولى من اآلخر باإلعادة أو االبتداء.قال: وصدق المتقابالن عليه دفعة.

أقول: هذا وجه رابع، وهو أنه لو أعيد المعدوم لصدق المتقابالن على الشئالواحد دفعة واحدة والتالي باطل فالمقدم مثله، بيان الشرطية أنه لو أعيد ألعيد معجميع مشخصاته، ومن بعض المشخصات الزمان، فيلزم جواز اإلعادة على الزمان

فيكون مبتدأ معادا وهو محال، ألنهما متقابالن ال يصدقان على ذات واحدة.قال: ويلزم التسلسل في الزمان.

أقول: هذا دليل على امتناع إعادة الزمان، وتقريره أنه لو أعيد الزمان لكانوجوده ثانيا مغايرا لوجوده أوال، والمغايرة ليست بالماهية وال بالوجود وصفات

الوجود بل بالقبلية والبعدية ال غير، فيكون للزمان زمان آخر يوجد فيه تارةويعدم أخرى، وذلك يستلزم التسلسل.

قال: والحكم بامتناع العود ألمر الزم للماهية.أقول: هذا جواب عن استدالل من ذهب إلى إمكان إعادة المعدوم، وتقرير

الدليل أن الشئ بعد العدم إن استحال وجوده لماهيته أو لشئ من لوازمها وجبامتناع مثله الذي هو الوجود المبتدأ، وإن كان ألمر غير الزم بل لعارض فعند زوال

ذلك العارض يزول االمتناع.وتقرير الجواب أن الشئ بعد العدم ممتنع الوجود المقيد ببعدية العدم، وذلك

االمتناع الزم للماهية الموصوفة بالعدم بعد الوجود.المسألة الحادية واألربعون

في قسمة الموجود إلى الواجب والممكنقال: وقسمة الموجود إلى الواجب والممكن ضرورية وردت على الوجود (١)

--------------------(١) أي وردت القسمة وذلك ألن مورد القسمة في كل تقسيم ال يقيد بشئ من القيود وال بعدمه بل

يؤخذ مطلقا وإال لزم تقسيم الشئ إلى نفسه والى غيره، وفي (م ق): وردت على الموجود.

(١١٠)

Page 117: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

من حيث هو قابل للتقييد وعدمه.أقول: العقل يحكم حكما ضروريا بأن الموجود إما أن يكون مستغنيا عن

غيره أو يكون محتاجا، واألول واجب والثاني ممكن، وهذه قسمة ضرورية اليفتقر فيها إلى برهان، وليست القسمة واردة على مطلق الوجود من حيث هو

وجود مطلق، فإن الشئ من حيث هو ذلك الشئ يستحيل أن ينقسم إلى متباينينهما غير ذلك الشئ، وإذا اعتبرت قسمته فال يؤخذ مع هذه الحيثية بل يؤخذ

الشئ بال تقيد بشرط مع تجويز التقييد ويقسم فتنضاف إلى مفهومه مفهوماتأخر، ويصير مفهومه مع كل واحد من تلك المفهومات قسما.

المسألة الثانية واألربعونفي البحث عن اإلمكان

قال: والحكم على الممكن بإمكان الوجود حكم على الماهية ال باعتبار العدموالوجود.

أقول: الذهن إذا حكم بأمر على أمر فقد يالحظ الوجود أو العدم للمحكومعليه وهو الحكم بأحدهما أو بما يشترط فيه أحدهما، وقد ال يالحظ أحدهما

كالحكم باالمكان فإن الذهن إذا حكم على الممكن بإمكان الوجود أو العدم فإنهال يحكم عليه باعتبار كونه موجودا ألنه بذلك االعتبار يكون واجبا، وال باعتبار

كونه معدوما فإنه بذلك االعتبار يكون ممتنعا، وإنما يتحقق اإلمكان للممكن منحيث هو هو ال باعتبار الوجود وال باعتبار العدم.

وبهذا التحقيق يندفع السؤال الذي يهول به قوم وهو أن المحكوم عليهباالمكان إما أن يكون موجودا أو معدوما فإن كان موجودا استحال الحكم عليهباالمكان، ألن الموجود ال يقبل العدم الستحالة الجمع بين الوجود والعدم، وإذا

(١١١)

Page 118: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

امتنع حصول العدم امتنع حصول إمكان الوجود والعدم، وإن كان معدوما استحالعليه قبول الوجود كما تقدم، وإذا استحال مجامعة اإلمكان لوصفي الوجود والعدم

واستحال انفكاك الماهية عنهما استحال الحكم على الماهية باالمكان.وذلك ألن القسمة (١) في قولهم المحكوم عليه باالمكان إما أن يكون موجوداأو معدوما ليست بحاصرة، ألن المفهوم منه أن المحكوم عليه باالمكان إما أن

يحكم عليه مع اعتبار الوجود أو مع اعتبار العدم، ويعوزه قسم آخر وهو أن يحكمعليه ال مع اعتبار أحدهما. وقولهم الموجود حال الوجود ال يقبل العدم وكذا

المعدوم صحيح، لكن الموجود يقبل العدم في غير حال الوجود وكذا المعدوم،وليس حال الماهية إما حال الوجود أو حال العدم ألنهما حاالن تحصالن عند

اعتبار الماهية مع الغير، أما عند اعتبارها ال مع الغير فإنها تقبل أحدهما ال بعينه،وهذا االمتناع امتناع الحق بشرط المحمول.

قال: ثم اإلمكان قد يكون آلة في التعقل، وقد يكون معقوال باعتبار ذاته.أقول: كون الشئ معقوال ينظر فيه العقل ويعتبر فيه وجوده وال وجوده غير (٢)

كونه آلة للتعقل، وال ينظر فيه حيث ينظر فيما هو آلة لتعقله بل إنما ينظر به مثالالعاقل يعقل السماء بصورة في عقله ويكون معقوله السماء، ال ينظر حينئذ في

الصورة التي بها يعقل السماء وال يحكم عليها بحكم، بل يعقل أن المعقول بتلكالصورة هو السماء وهو جوهر، ثم إذا نظر في تلك الصورة وجعلها معقوال منظورا

إليها ال آلة في النظر إلى غيرها وجدها عرضا موجودا في محل هو عقله.إذا ثبت هذا فنقول: اإلمكان كآلة للعاقل بها يعرف حال الممكن في أن

وجوده على أي أنحاء العروض يعرض للماهية، وال ينظر في كون اإلمكانموجودا أو معدوما أو جوهرا أو عرضا أو واجبا أو ممكنا، ثم إذا نظر في وجودهأو إمكانه أو وجوبه أو جوهريته أو عرضيته لم يكن بذلك االعتبار إمكانا لشئ،

--------------------(١) إشارة إلى دفع السؤال بهذا التحقيق.

(٢) خبر لقوله: كون الشئ.

(١١٢)

Page 119: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

بل كان عرضا في محل هو العقل وممكنا في ذاته ووجوده غير ماهيته، فاإلمكانمن حيث هو إمكان ال يوصف بكونه موجودا أو غير موجود أو ممكنا أو غير

ممكن، وإذا وصف بشئ من ذلك ال يكون حينئذ إمكانا بل يكون له إمكان آخريعتبره العقل واالمكان أمر عقلي، فمهما اعتبر العقل لالمكان ماهية ووجودا

حصل فيه إمكان إمكان وال يتسلسل، بل ينقطع عند انقطاع االعتبار. وهكذا حكمجميع االعتبارات العقلية من الوجوب والشيئية والحدوث وغيرها من ثواني

المعقوالت.قال: وحكم الذهن (١) على الممكن باالمكان اعتبار عقلي، فيجب أن تعتبر

مطابقته لما في العقل.أقول: قد تقدم مواضع اعتبار المطابقة وعدمها، واالمكان إذا اعتبر فيه

المطابقة فيجب أن يكون مطابقا لما في العقل ألنه اعتبار عقلي على ما تقدم.المسألة الثالثة واألربعون

في أن الحكم بحاجة الممكن إلى المؤثر ضروريقال: والحكم بحاجة الممكن ضروري (٢) وخفاء التصديق لخفاء التصور غير قادح.

--------------------(١) قد تقدم تحقيقه في بيان نفس األمر في المسألة السابعة والثالثين. وهذا الكالم جواب عناستدالل من يقول: بأن اإلمكان موجود في الخارج بأن حكم الذهن على الممكن باالمكان إنلم يكن مطابقا للخارج كان جهال وكان الذهن قد حكم باالمكان على ما ليس بممكن، وإنكان مطابقا للخارج كان اإلمكان موجودا فيه. والجواب أن اإلمكان أمر عقلي وقد تقدم أن

صحة الحكم باألمور العقلية باعتبار مطابقته لما في نفس األمر وهو أعم مما في الخارج وممافي العقل فقد يكون صحة الحكم بمطابقته لما في العقل والحكم باالمكان من هذا القبيل.

(٢) قال قدس سره في شرحه على الفصل العاشر من النمط الخامس من اإلشارات: الممكن يفتقر فيترجح أحد طرفي وجوده وعدمه على اآلخر إلى علة مرجحة لذلك الطرف، وهذا حكم أولي

وإن كان قد يمكن للعقل أن يذهل عنه ويفزع إلى ضروب من البيان كما يفزع إلى التمثيلبكفتي الميزان المتساويين اللتين ال يمكن أن تترجح إحداهما على األخرى من غير شئ

آخر ينضاف إليها والى غير ذلك مما يجري مجراه ويذكر في هذا الموضع، إنتهى. وقد تقدمأيضا في المسألة الثالثين من هذا الكتاب أن الحكم باحتياج الممكن ضروري.

(١١٣)

Page 120: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: كل عاقل إذا تصور الممكن ما هو واالحتياج إلى المؤثر حكم بنسبةأحدهما إلى اآلخر حكما ضروريا ال يحتاج معه إلى برهان وخفاء هذا التصديقعند بعض العقالء ال يقدح في ضروريته، ألن الخفاء في الحكم يسند إلى خفاء

التصور ال لخفائه في نفسه، ولهذا إذا مثل للمتشكك في هذه القضية حال الوجودوالعدم بالنسبة إلى الماهية بحال كفتي الميزان وأنهما كما يستحيل ترجح إحدى

الكفتين على األخرى بغير مرجح، كذلك الممكن المتساوي الطرفين حكمبالحاجة إلى المؤثر.

قال: والمؤثرية اعتبار عقلي (١).أقول: هذا جواب عن سؤال أورده بعض المغالطين على احتياج الممكن إلى

المؤثر.وتقرير السؤال: أن الممكن لو افتقر إلى المؤثر لكانت مؤثرية المؤثر في ذلك

األثر إن كانت وصفا ثبوتيا في الذهن من غير مطابقة الخارج لزم الجهل، وألنهاثابتة قبل الذهن ويستحيل قيام صفة الشئ بغيره، وإن كانت بمطابقة الخارج أو

--------------------(١) أقول: القول األقوم األحكم في المقام أن الجعل أنما يتعلق بالوجود من حيث التعين ال من

حيث ذاته وحقيقته، ألن اإلمكان أنما يتعلق بالوجود من حيث التعين ال من حيث الحقيقة،فالتحقيق األتم أن الماهية كما أنها ليست مجعولة بمعنى أن الجاعل لم يجعل الماهية ماهية

كذلك الوجود ليس مجعوال بمعنى أن الجاعل لم يجعل الوجود وجودا بل الوجود وجود أزالوأبدا وموجود أزال وأبدا، والماهية ماهية أزال وأبدا وغير موجودة وال معدومة أزال وأبدا

وإنما تأثير الفاعل في خصوصية الوجود وتعينه ال غير.وبعبارة أخرى الممكن هو الوجود المتعين، فإمكانه من حيث تعينه، ووجوبه من حيثحقيقته فوجود الممكنات عبارة عن تعين الوجود الحقيقي في مرتبة من مراتب ظهوره

بسبب تلبسه بأحكام األعيان الثابتة وآثارها، وتلك األعيان هي حقائق الممكنات.وااليجاد عبارة عن تجلية فإنه في الماهيات الممكنة الغير المجعولة التي كانت مرايا

لظهوره، فافهم.

(١١٤)

Page 121: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

كانت ثابتة في الخارج مغايرة للمؤثر واألثر ألنها نسبة بينهما لزم التسلسل وهومحال، وبتقدير تسليمه فهو غير معقول ألن التسلسل أنما يعقل لو فرضنا أمورا

متتالية إلى غير النهاية، وذلك يستدعي كون كل واحد منها متلوا بصاحبه، وإنمايكون متلوا بصاحبه لو لم يكن بينه وبين متلوه غيره، لكن ذلك محال ألن تأثيرالمتلو في التالي متوسط بينهما وقد كان ال متوسط هذا خلف، وليست المؤثريةعدمية ألنها نقيض الال مؤثرية المحمولة على المعدوم، والمحمول على المعدوم

عدم، ونقيض العدم ثبوت، فالمؤثرية ثبوتية.وتقرير الجواب: أن المؤثرية أمر إضافي يثبت في العقل عند تعقل صدور

األثر عن المؤثر فإن تعقل ذلك يقتضي ثبوت أمر في العقل هو المؤثرية كما فيسائر اإلضافات، وعدم مطابقته للخارج ال يقتضي كونه جهال ألن الجهل يلزم لو

حكم بثبوته في الخارج ولم يثبت في الخارج.وقوله: والمؤثرية صفة قبل الذهن وصفة الشئ يستحيل قيامها بغيره، فجوابه

أن كون الشئ بحيث لو عقله عاقل حصل في عقله إضافة لذلك الشئ إلى غيرههو الحاصل قبل األذهان ال الذي يحصل في العقل فإن ذلك يستحيل وجوده قبل

وجود العقل.قال: والمؤثر يؤثر في األثر ال من حيث هو موجود وال من حيث هو معدوم.أقول: هذا جواب عن سؤال آخر لهم، وتقرير السؤال أن المؤثر إما أن يؤثر

في األثر حال وجوده أو حال عدمه، والقسمان باطالن، فالتأثير باطل. أما بطالناألول فالستلزامه تحصيل الحاصل، وأما بطالن الثاني فألن حال العدم ال أثر فالتأثير ألن التأثير إن كان عين حصول األثر عن المؤثر فحيث ال أثر فال تأثير وإن

كان مغايرا، فالكالم فيه كالكالم في األول.وتقرير الجواب: أن نقول: إن أردت بحال وجود األثر زمان وجوده فليس

بمستحيل أن يؤثر المؤثر في األثر في زمان وجود األثر، ألن العلة مع المعلول

(١١٥)

Page 122: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

تكون بهذه الصفة، وإن أردت به مقارنة المؤثر لألثر الذاتية فذلك مستحيل (١)،وإنما يؤثر فيه ال من حيث هو موجود وال من حيث هو معدوم.

قال: وتأثيره في الماهية ويلحقه وجوب الحق.أقول: هذا جواب عن سؤال ثالث لهم، وتقريره أن المؤثر إما أن يؤثر في

الماهية أو في الوجود أو في اتصاف الماهية بالوجود، واألقسام بأسرها باطلةفالتأثير باطل.

أما األول: فألن كل ما بالغير يرتفع بارتفاعه لكن ذلك محال، ألن صيرورةالماهية غير ماهية محال، ألن موضوع القضية يجب أن يتحقق حال ثبوت

محمولها وال تحقق للماهية حال الحكم عليها بالعدم.وأما الثاني: فألنه يلزم ارتفاع الوجود عند ارتفاع المؤثر ويلزم ما تقدم من

المحال.وأما الثالث: فألن الموصوفية ليست ثبوتية وإال لزم التسلسل فال تكون أثرا

سلمنا لكن المؤثر يؤثر في ماهيتها أو في وجودها أو في اتصاف ماهيتهابوجودها ويعود المحال.

وتقرير الجواب: أن المؤثر يؤثر في الماهية، وعند فرض الماهية يجبتحققها وجوبا الحقا بسبب الفرض مترتبا على الفرض، ومع ذلك الوجوب يمتنع

تأثير المؤثر فيه فإنه يكون إيجادا لما فرض موجودا أما قبل فرضه ماهية فيمكنأن يوجدها المؤثر على سبيل الوجوب ويكون ذلك الوجوب سابقا على وجوده،والفرق بين الوجوبين ظاهر ذكر في المنطق، والغلط هنا نشأ من قبل اشتراك لفظ

الوجوب لداللته على المعنيين بالشركة اللفظية، وقولنا عدمت الماهية معناه أنالماهية الحاصلة في زمان ليست تحصل في زمان بعده ويكون ذلك حمال لغيرالحاصل على المتصور منه ال على الموجود الخارجي، ألن الوضع والحمل من

--------------------(١) باتفاق النسخ كلها، فالذاتية صفة للمضاف في (مقارنة المؤثر)، أو للموصوف المحذوف

أي المقارنة الذاتية.

(١١٦)

Page 123: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

ثواني المعقوالت على ما مر وال يكونان في الخارج، وكذا البحث في حصولالوجود من موجده ومن يجعل تأثير المؤثر في جعل الماهية موصوفة بالوجود

وهم القائلون بثبوت المعدوم لم يتعلق ذلك بموصوفية الماهية بالوجود، ألن ذلكأمر إضافي يحصل بعد اتصافها به، والمراد من تأثير المؤثر هو ضم الماهية إلى

الوجود، وال يلزم من ذلك ما ذكروه من المحال.قال: وعدم الممكن يستند إلى عدم علته على ما مر.

أقول: هذا جواب عن سؤال آخر، وتقريره أن يقال: إن الممكن لو افتقر فيطرف الوجود إلى المؤثر الفتقر في طرف العدم لتساويهما بالنسبة إليه، والتالي

باطل، ألن المؤثر ال بد له من أثر والعدم نفي محض، فيستحيل استناده إلى المؤثر،وألنه نفي محض فال تعدد فيه وال امتياز.

وتقرير الجواب: أن عدم الممكن المتساوي ليس نفيا محضا بل هو عدمملكة، وتساوي طرفي وجوده وعدمه أنما يكون في العقل، والمرجح لطرف

الوجود يكون موجودا في الخارج، وأما في العدم فال يكون إال عقليا، وعدم العلةليس بنفي محض وهو يكفي في الترجيح العقلي والمتيازه عن عدم المعلول في

العقل يجوز أن يعلل هذا العدم بذلك العدم في العقل.المسألة الرابعة واألربعون

في أن الممكن الباقي محتاج إلى المؤثرقال: والممكن الباقي مفتقر إلى المؤثر لوجود علته.

أقول: ذهب جمهور الحكماء والمتأخرين من المتكلمين إلى أن الممكنالباقي محتاج إلى المؤثر، وبالجملة كل من قال بأن اإلمكان (١) علة تامة في

--------------------(١) جمهور العقالء مالوا إلى أن علة احتياج األثر إلى مؤثره هي اإلمكان ال غير، وقال آخرون:

إنها الحدوث ال غير، وقال آخرون: هما معا. والشارح أشار إلى قول جمهور العقالء بقوله:وبالجملة كل من قال.. الخ.

وأما الفرقتان األخريان فذهبتا إلى أن الممكن حال بقائه مستغن عن المؤثر، إذ ال حدوثحال البقاء فال حاجة.

وشنع عليهما الشيخ في النمط الخامس من اإلشارات حاكيا كالمهم بقوله: وقد يقولون إنه إذاأوجد فقد زالت الحاجة إلى الفاعل حتى أنه لو فقد الفاعل جاز أن يبقى المفعول موجودا،

كما يشاهدونه من فقدان البناء وقوام البناء وحتى أن كثيرا منهم ال يتحاشى أن يقول: لو جازعلى الباري تعالى العدم لما ضر عدمه وجود العالم، ألن العالم عنده إنما احتاج إلى الباريتعالى في أن أوجده، أي أخرجه من العدم إلى الوجود حتى كان بذلك فاعال، فإذ قد فعل

وحصل له الوجود عن العدم فكيف يخرج بعد ذلك إلى الوجود عن العدم حتى يحتاج إلىالفاعل؟ وقالوا: لو كان يفتقر إلى الباري تعالى من حيث هو موجود لكان كل موجود مفتقرا

إلى موجود آخر والباري أيضا موجود وكذلك إلى غير النهاية.ثم أخذ الشيخ في الرد عليهم فراجع اإلشارات، وقال في حقهم: فهؤالء هؤالء، يعني أنهم

Page 124: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

علماء العوام وعوام العلماء. وقد تقدم الكالم في ذلك أيضا في المسألة التاسعة والعشرين.

(١١٧)

Page 125: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

احتياج األثر إلى المؤثر حكم بأن الممكن الباقي مفتقر إلى المؤثر، والدليل عليهأن علة الحاجة إنما هي اإلمكان وهو الزم للماهية ضروري اللزوم، فهي أبدا

محتاجة إلى المؤثر، ألن وجود العلة يستلزم وجود المعلول.قال: والمؤثر يفيد البقاء بعد اإلحداث (١).

أقول: لما حكم باحتياج الممكن الباقي إلى المؤثر شرع في تحقيق الحالفيه، وأن الصادر عن المؤثر ما هو حال البقاء، وذلك ألن الشبهة دخلت علىالقائلين باستغناء الباقي عن المؤثر بسبب أن المؤثر ال تأثير له حال البقاء ألنه

إما أن يؤثر في الوجود الذي كان حاصال وهو محال ألن تحصيل الحاصل محال،أو في أمر جديد فيكون المؤثر مؤثرا في الجديد ال في الباقي.

والتحقيق: أن قولهم: المؤثر حال البقاء إما أن يكون له في األثر تأثير أو ال،يشتمل على غلط (٢) فإن المؤثر في البقاء ال يكون له أثر البقاء حال البقاء

--------------------(١) سيأتي البحث عنه في المسألة الثالثة من الفصل الثالث من هذا المقصد.

(٢) أي أن قولهم يشتمل على غلط.

(١١٨)

Page 126: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وتحصيل الحاصل أنما لزم منه. والحق أن المؤثر يفيد البقاء بعد اإلحداث، وتأثيرهبعد اإلحداث في أمر جديد هو البقاء فإنه غير اإلحداث فهو مؤثر في أمر جديد

صار به باقيا ال في الذي كان باقيا (١).قال: فلهذا جاز استناد القديم الممكن إلى المؤثر الموجب (٢) لو أمكن (٣)، وال

--------------------(١) جملة األمر أن المؤثر جعله متصفا بالبقاء والممكن كما في اتصافه بالوجود محتاج إلىالمؤثر كذلك في البقاء، وحاجته إليه في البقاء كحاجته إليه في الحدوث، ألن الممكن في

ذاته لم يقتض شيئا منهما الستواء نسبة ذاته إلى طرفي وجوده وعدمه في الحدوث، وكذلكاتصافه به في الزمان الثاني وما بعده من األزمنة في البقاء.

(٢) الموجب بالفتح المضطر.(٣) أي لو أمكن القديم الممكن، وكلمة (لو) لالمتناع نحو قوله تعالى: لو كان فيهما آلهة إال الله

لفسدتا، أو لو أمكن مؤثر قديم موجب بالذات، ولكن الوجه األول أولى بل المتعين كمايقتضيه سياق البحث، والكالم من أن كل ممكن حادث.

وإنما لم يمكن القديم الممكن ألن الفاعل المختار على زعمهم هو الذي يفعل بواسطة القصدواالختيار.. إلى آخر ما قاله الشارح، يعني ولما قلنا من أن الممكن الباقي مفتقر إلى المؤثر

لوجود علته، والمؤثر يفيد البقاء بعد اإلحداث جاز استناد القديم الممكن إلى المؤثر ألنهممكن باق فيحتاج إلى المؤثر في بقائه فقط ال في الحدوث ألنه القديم الممكن، فليس له

حال حدوث كما للحادث الباقي المحتاج إلى المؤثر في حدوثه وبقائه كليهما.أقول: الفالسفة الطبيعية كانوا قائلين بأن واجب الوجود بالذات هو األصول األزلية، أي

األجزاء التي ال تتجزأ الموسومة باألتم وهي مادة هذه المحسوسات وعنصرها، أي أن هذهالمحسوسات معلولة كائنة منها. والى تلك األصول أشار برهان الموحدين أمير المؤمنين عليه السالم

في الخطبة الواحدة والستين والمائة من نهج البالغة بقوله: لم يخلق األشياء من أصول أزليةوال من أوائل أبدية بل خلق ما خلق فأقام حده وصور ما صور فأحسن صورته.. الخ. وفي

المقام مذاهب أخرى نقلها الشيخ الرئيس في الفصل الثاني عشر من النمط الخامس مناإلشارات والماتن المحقق الطوسي في شرحه عليه من القائلين بالمبادئ االسطقسية وغيرها.

وهؤالء قائلون بأن المادة أو االسطقس علة موجبة، أي مضطرة تكونت هذه المحسوسات منهابال إرادة واختيار، وبيان االيجاب هو على النحو الذي نقله عنهم الشيخ الرئيس في الفصل

الثالث عشر من المقالة األولى من طبيعيات الشفاء (ص ٢٦ ج ١ ط ١) حيث قال: إنهم يرونأن مبادئ الكل هي أجرام صغار ال تتجزأ لصالبتها ولعدمها الخالء، وأنها غير متناهية بالعددومبثوثة في خالء غير متناهي القدر، وأن جوهرها في طباعها متشاكل وبأشكالها مختلف،

وأنها دائمة الحركة في الخالء فيتفق أن يتصادم منها جملة فيجتمع على هيئة فيكونمنه عالم، وأن في الوجود عوالم مثل هذا العالم غير متناهية بالعدد مترتبة في خالء غير

متناه، ومع ذلك فيرى أن األمور الجزئية من الحيوانات والنباتات كائنة ال بحسب االتفاق.وفرقة أخرى لم تقدم على أن يجعل العالم بكليته كائنا باالتفاق، ولكنها جعلت الكائناتمتكونة عن المبادئ االسطقسية باالتفاق، فما اتفق أن كان هيئة اجتماعه على نمط يصلح

للبقاء والنسل بقي ونسل، وما اتفق أن لم يكن كذلك لم ينسل، وأنه قد كان في ابتداء النشوربما يتولد حيوانات مختلطة األعضاء من أنواع مختلفة وكأن يكون حيوان نصفه أيل ونصفه

عنز، وأن أعضاء الحيوان ليست هي على ما هي عليه من المقادير والخلق والكيفياتألغراض بل اتفقت كذلك مثال قالوا: ليست الثنايا حادة لتقطع وال األضراس عريضة لتطحن،

Page 127: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

بل اتفق أن كانت المادة تجتمع على هذه الصورة، واتفق أن كانت هذه الصورة نافعة فيمصالح البقاء فاستفاد الشخص بذلك بقاء، وربما اتفق له من آالت النسل نسال ال ليستحفظ به

النوع بل اتفاقيا. إنتهى ما أردنا من نقل ما في الشفاء.بيان: قوله ولعدم الخالء، أي ليس لها خالء وتجويف. قوله في طباعها متشاكل، أي من نوعواحد. قوله كائنة ال بحسب االتفاق، أي كائنة بحسب الطبيعة. قوله نصفه أيل ونصفه عنز،

أيل بالفتح والتشديد على وزن الميت، وفي الصحاح األيل الذكر من األوعال وهو الذييسميه بالفارسية (گوزن) وعنز بالفتح والسكون يقال بالفارسية (بز كوهى)، فلنرجع إلى

ما كنا فيه:والغرض أن هؤالء وأترابهم من الفرق الطبيعية قائلون باإليجاب واالضطرار، ألن تلك

المبادئ ال حياة لها وال شعور وعلم وإرادة، واتفق أن تكونت منها هذه المحسوسات، وأماالفيلسوف اإللهي فقائل بالمبدأ الحي العالم القادر المريد السميع البصير المختار في جميع

أفعاله وهو دائم الفضل على البرية، وحاشاهم عن التفوه بااليجاب واالضطرار وعدماالختيار في المبدأ سبحانه وتعالى.

ثم إن هذين العلمين يقوالن ذلك وال يمكن استناد القديم الممكن إلى المختار، وهذا يفسرهويعلله بقوله: ألن المختار هو الذي يفعل بواسطة القصد واالختيار، والقصد أنما يتوجه فيالتحصيل إلى شئ معدوم، ألن القصد إلى تحصيل الحاصل محال، وكل معدوم يجدد فهو

حادث. وتفوها بحدوث العالم بدليل كونه مختارا، وبأن القول بقدمه يوجب أن يكون موجبامضطرا. والمحقق الطوسي في رسالته الموسومة بتذكرة آغاز وانجام قد أفاد في التوحيد

الصمدي الذي هو األول واآلخر والظاهر والباطن الفياض على اإلطالق أزال وأبدا علىما يراه الموحدون الشامخون في معارف الحكمة المتعالية حقائق دالة على توغله في توحد

الوجود الحق الصمدي األزلي في ذاته وجميع صفاته وأفعاله، وقد بينا وأوضحنا كلماته الشريفةفي تعليقاتنا على آغاز وانجام على التفصيل واالستيفاء معاضدة بمنطق الوحي فارجع إليها.وكان بعض مشايخنا يقول: كان المحقق الطوسي في التجريد جالسا على كرسي الكالم

فتكلم على دأبهم وهديهم.ثم قد يأتي كالمه في االيجاب أيضا في المسألة األولى من الفصل األول من المقصد الثالث

في صفاته تعالى حيث يقول: وجود العالم بعد عدمه ينفي االيجاب.

(١١٩)

Page 128: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

يمكن استناده إلى المختار.أقول: هذا نتيجة ما تقدم من أن الممكن الباقي إذا ثبت أنه محتاج إلى المؤثر

ثبت جواز استناد القديم الممكن إلى المؤثر الموجب، أما استناده إلى المختارفغير ممكن ألن المختار هو الذي يفعل بواسطة القصد واالختيار، والقصد أنما

يتوجه في التحصيل إلى شئ معدوم، ألن القصد إلى تحصيل الحاصل محال، وكلمعدوم تجدد فهو حادث.

المسألة الخامسة واألربعونفي نفي قديم ثان

قال: وال قديم سوى الله تعالى (١) لما يأتي.أقول: قد خالف في هذا جماعة كثيرة، أما الفالسفة فظاهر (٢) لقولهم بقدم العالم.

--------------------(١) قدمه سبحانه يساوق قدم فيضه.

(٢) فقد دريت حق القول وتحقيقه في ذلك، واإليجاد وإن كان بحسب كل يوم في شأن وتجليهعلى الدوام باالسمين الشريفين القابض والباسط وسائر أسمائه الحسنى متجددا آنا فآنا

بتجليات غير متناهية خلقية، ولكن الوجود الحق قديم واجب بذاته حي عليم أزلي أبديمتصف بجميع الصفات الكمالية بوجوده األحدي، فالوجود غير مجعول مطلقا كما أنه غيرقابل للعدم مطلقا الستحالة انفكاك الشئ عن نفسه وانقالبه إلى غيره. واآلراء األخرى كلها

قابلة لمحمل صحيح بحيث ال تنافي ذلك التوحيد الصمدي بمعناه األرفع األشمخ.

(١٢١)

Page 129: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وأما المسلمون (١)، فاألشاعرة أثبتوا ذاته تعالى وصفاته في األزل كالقدرةوالعلم والحياة والوجود والبقاء وغير ذلك من الصفات على ما يأتي.

وأبو هاشم أثبت أحواال خمسا فإنه علل القادرية والعالمية والحييةوالموجودية بحالة خامسة (٢) هي اإللهية.

وأما الحرنانيون فقد أثبتوا خمسة من القدماء، اثنان حيان فاعالن هما الباريتعالى والنفس (٣) وواحد منفعل غير حي هو الهيولى واثنان ال حيان وال فاعالن

وال منفعالن هما الدهر والخالء. أما قدمه تعالى فظاهر، وأما النفس والهيولىفالستحالة تركبهما عن المادة وكل حادث مركب، وأما الزمان (٤) فالستحالة

التسلسل الالزم على تقدير عدمه، وأما الخالء فرفعه غير معقول. واختار ابنزكريا الرازي الطبيب هذا المذهب وصنف كتابا موسوما بالقول في القدماء

الخمسة. وكل هذه المذاهب باطلة (٥)، ألن كل ما سوى الله تعالى ممكن وكلممكن

حادث وسيأتي تقريرهما.--------------------

(١) كما في النسخ األربع األولى. وفي بعض النسخ: وأما المتكلمون.(٢) متعلق بفعل علل.

(٣) أي النفس التي هي مبدأ الحياة من النفس االنسانية والفلكية.(٤) أي الدهر.

(٥) ينبغي التأمل فيه، والقول بالحال والثبوت فقد علمت تحقيق الحق في ذلك، والكتبالمدونة في الملل والنحل كالفصل البن حزم األندلسي، والملل والنحل لمحمد الشهرستاني

وغيرهما في المذاهب واآلراء والفرق أكثرها مما استفادوها من ظواهر بعض عباراتهمواخترعوا منها مذهبا أو رأيا وأسندوهما إلى قائليها وال يرتضي غالبا صاحب القول بهما

حيث إنه لم يعن ما استفيد من كالمه، ولم يصل مؤلف الملل والنحل إلى مغزى كالمه ولبمراده، ولنا على ما قلنا شواهد عديدة كثيرة نقل شرذمة منها ينجر إلى اإلسهاب ويوجب

تأليف كتاب عجاب. وينبغي لنا تصنيف مصنف في الجمع بين اآلراء كما صنفه الفارابي فيالجمع بين الرأيين، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، وبالجملة أن أهل التحقيق في التوحيد

- أعني المتألهين في التوحيد - قائلون بأن الحق سبحانه ليس له سوى فضال عن أن يكونقديما أو حادثا، بل ليس الوجود إال الحق وآياته.

(١٢٢)

Page 130: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

المسألة السادسة واألربعونفي عدم وجوب المادة والمدة للحادث

قال: وال يفتقر الحادث إلى المدة والمادة (١) وإال لزم التسلسل.أقول: ذهبت الفالسفة إلى أن كل حادث مسبوق بمادة ومدة، ألن كل حادث

ممكن وإمكانه سابق عليه وهو عرض ال بد له من محل وليس المعدوم النتفائه فهوثبوتي هو المادة، وألن كل حادث يسبقه عدمه سبقا ال يجامعه المتأخر، فالسبق

بالزمان يستدعي ثبوته، وهذان الدليالن باطالن ألنه يلزم منهما التسلسل، ألنالمادة ممكنة فمحل إمكانها مغاير لها فيكون لها مادة أخرى على أنا قد بينا إن

اإلمكان عدمي، ألنه لو كان ثبوتيا لكان ممكنا فيكون له إمكان ويلزم التسلسل،والزمان يتقدم أجزاؤه بعضها على بعض هذا النوع من التقدم فيكون للزمان زمان

هذا خلف.أجابوا عن األول: بأن اإلمكان لفظ مشترك بين معنيين: األول: ما يقابل

--------------------(١) المادة ما يكون موضوعا للحادث إن كان الحادث عرضا، أو هيوالة إن كان الحادث

صورة، أو كان متعلقه إن كان الحادث نفسا، وبالجملة أن الحادث محتاج إلى محل سابق.وقوله: ألن كل حادث ممكن، دليل لمسبوقيته بمادة. وقوله: وألن كل حادث يسبقه، دليللمسبوقيته بمدة. وقوله: هذا النوع من التقدم، منصوب مفعول مطلق نوعي ليتقدم. وقوله:

لفظ مشترك بين معنيين، كما بين في المسألة الثانية والثالثين حيث قال: واالستعدادي قابلللشدة والضعف.. الخ.

واعلم أن الحادث ينقسم إلى الحادث الذاتي وإلى الحادث الزماني، والثاني يحتاج إلىالمادة والمدة دون األول ألن العقول عند اإللهيين من الفالسفة حادثة بالحدوث الذاتي

كغيرها من الحادثات الزمانية ولكنها غير متصفة بالحدوث الزماني، فكل ما حادث بالزمانيحادث بالذاتي أيضا وال عكس كليا، والحدوث الذاتي يصدق على القديم الممكن الغير

المفتقر إلى المدة والمادة، والمفتقر إليهما مسبوق باالمكان االستعدادي. والتسلسلالتعاقبي في المقام غير ضار لدوام الفيض وقدمه. والتحقيق موكول إلى البحث عن حق

التوحيد الذي هو توحيد الوجود الحق الصمدي ذي المعارج.

(١٢٣)

Page 131: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

االمتناع وهو صفة عقلية يوصف بها كل ما عدا الواجب والممتنع من المتصوراتوال يلزم من اتصاف الماهية بها كونها مادية. والثاني: االستعداد وهو موجود

معدود في نوع من أنواع جنس الكيف، وإذا كان موجودا وعرضا وغير باق بعدالخروج إلى الفعل فيحتاج ال محالة قبل الخروج إلى محل وهو المادة.

وعن الثاني: أن القبلية والبعدية تلحقان الزمان لذاته فال يفتقر إلى زمان آخر.قلنا: أما األول فباطل، ألن ذلك العرض حادث فيتوقف على استعداد له

ويعود البحث في التسلسل، وأما الثاني فكذلك ألن أجزاء الزمان لو كانت تتقدمبعضها على البعض لذاتها وتتأخر كذلك كانت أجزاء الزمان مختلفة بالحقيقة،

فكان الزمان مركبا من اآلنات وهو عندكم باطل.المسألة السابعة واألربعون

في أن القديم ال يجوز عليه العدمقال: والقديم عليه العدم لوجوبه بالذات أو الستناده إليه.

أقول: القديم إن كان عدما جاز عليه العدم كعدم العالم وإن كان العدم اليسمى قديما (١)، وإن كان وجودا استحال عدمه ألنه إما أن يكون واجب الوجود

فيستحيل عدمه، أو ممكن الوجود فمؤثره ال يجوز أن يكون مختارا ألن كل أثرلمختار حادث فيكون موجبا، فإن كان واجبا استحال عدمه فاستحال عدم

معلوله، وإن كان ممكنا تسلسل.قال:

--------------------(١) قد يوصف العدم بالقدم والحدوث، فيقال: العدم الغير المسبوق بالوجود قديم والمسبوق

حادث.

(١٢٤)

Page 132: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الفصل الثانيفي الماهية ولواحقها (١)

وهي مشتقة عما هو وهو ما به يجاب (٢) عن السؤال بما هو وتطلق غالبا علىاألمر المتعقل، والذات والحقيقة عليها (٣) مع اعتبار الوجود، والكل من ثواني

المعقوالت.أقول: في هذا الفصل مباحث شريفة جليلة نحن نذكرها في مسائل:

المسألة األولىفي الماهية والحقيقة والذات

أما الماهية فهي لفظة مأخوذة عن (ما هو) وهو ما به يجاب عن السؤال بما--------------------

(١) قال المصنف في شرح الفصل الخامس من سابع اإلشارات في اشتقاق لفظ الماهية ومعناه:إن ماهية الشئ هي ما يحصل في العقل من ذلك الشئ نفسه دون عوارضه الخارجة،

ولذلك اشتقت لفظة الماهية من لفظ ما هو، فإن الجواب عنها يكون بها، إنتهى.يعني أن الجواب عن لفظة ما هو يكون بالماهية. وقوله: لواحقها، يعني بها عوارضها من

الوحدة والكثرة والكلية والجزئية والوجود والعدم وغيرها.(٢) أي الماهية، وتذكير الضمير باعتبار الخبر كقوله تعالى (ولما رأى الشمس بازغة قال هذا

ربي).(٣) أي تطلق الذات والحقيقة على الماهية مع اعتبار الوجود الخارجي، فال يقال مثال ذاتالعنقاء وحقيقتها بل يقال ماهية العنقاء. وقد يستعمل هذه األلفاظ الثالثة أي الماهية والذات

والحقيقة بال اعتبار فرق بينها.

(١٢٥)

Page 133: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

هو، فإنك إذا قلت: ما هو االنسان، فقد سألت عن حقيقته وماهيته، فإذا قلت:حيوان ناطق، كان هذا الجواب هو ماهية االنسان، وهذه اللفظة - أعني الماهية -

أنما تطلق في الغالب من االستعمال على األمر المعقول، وإذا لحظ مع ذلكالوجود قيل له حقيقة وذات، والماهية والحقيقة والذات من المعقوالت الثانية

العارضة للمعقوالت األولى، فإن حقيقة االنسان - أعني الحيوان الناطق -معروضة لكونها ماهية وذاتا وحقيقة، وهذه عوارض لها.

قال: وحقيقة كل شئ واحدة مغايرة (١) لما يعرض لها من االعتبارات وإال لمتصدق على ما ينافيها.

أقول: كل شئ له حقيقة هو بها ما هو، فاإلنسانية من حيث هي إنسانية حقيقةوهي مغايرة لجميع ما يعرض لها من االعتبارات، فإن االنسانية من حيث هيإنسانية ال يدخل في مفهومها الوجود والعدم وال الوحدة والكثرة وال الكلية

والجزئية وال غير ذلك من االعتبارات الالحقة بها، ألن الوحدة مثال لو دخلت فيمفهوم االنسانية لم تصدق االنسانية على ما ينافي الوحدة، لكنها تصدق عليهلصدقها على الكثرة، وكذلك القول في الكثرة وكذا الوجود والعدم والكلية

والجزئية وغيرها، فهي إذن مغايرة لهذه االعتبارات وقابلة لها قبول المادة للصورالمختلفة واألعراض المتضادة.

قال: وتكون الماهية مع كل عارض مقابلة لها مع ضده.أقول: إذا أخذت الماهية مع قيد الوحدة مثال صارت واحدة، وإذا أخذت مع

قيد الكثرة صارت كثيرة، فالواحدية أمر مضموم إليها مغاير لها تصير بها الماهيةواحدة وتقابل باعتبارها الماهية باعتبار القيد اآلخر، فإن االنسان الواحد مقابل

لالنسان الكثير باعتبار العارضين ال باعتبار الماهية نفسها.قال: وهي من حيث هي ليست إال هي ولو سئل بطرفي النقيض فالجواب

السلب لكل شئ قبل الحيثية ال بعدها.--------------------

(١) قوله: واحدة مغايرة، باتفاق (م ص ق ز د).

(١٢٦)

Page 134: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: االنسانية من حيث هي هي ليست إال االنسانية، وجميع ما يعرض لهامن االعتبارات مغاير لها كالوحدة والكثرة على ما تقدم، إذا عرفت هذا فإذا سئلنا

عن االنسان بطرفي النقيض فقيل مثال: هل االنسان ألف أم ليس؟ كان الجوابدائما بالسلب على أن يكون قبل من حيث ال بعد من حيث، فنقول: االنسان ليس

من حيث هو انسان ألفا، وال نقول: االنسان من حيث هو انسان ليس ألفا (١). ولوقيل: االنسانية التي في زيد ال تغاير التي في عمرو من حيث هي إنسانية لم يلزممنه أن تقول: فإذن تلك الوحدة بالعدد، ألن قولنا: من حيث هي إنسانية، أسقط

جميع االعتبارات، وقيد الوحدة زائد فيجب حذفه.المسألة الثانية

في أقسام الكليقال: وقد تؤخذ الماهية محذوفا عنها ما عداها بحيث لو انضم إليها شئ لكانزائدا وال تكون مقولة على ذلك المجموع وهو الماهية (٢) بشرط ال شئ وال

توجد إال في األذهان.أقول: الماهية كالحيوان مثال قد تؤخذ محذوفا عنها جميع ما عداها بحيث لو

انضم إليها شئ لكان ذلك الشئ زائدا على تلك الماهية، وال تكون الماهيةصادقة على ذلك المجموع وهو الماهية بشرط ال شئ، وهذا ال يوجد إال فياألذهان ال في الخارج، ألن كل موجود في الخارج مشخص، وكل مشخص

--------------------(١) بل االنسان ليس هو من حيث هو انسان بألف وال غير ألف، ألن الماهية من حيث هي هي

ليست إال هي، وقضية االنسان من حيث هو انسان ليس ألفا في حكم االيجاب العدولي،ومعناه االنسان من حيث هو ال ألف، أي هو شئ وذلك الشئ هو ال ألف، وهذا ليس

بصحيح ألنه ليس إال نفسه، واأللف والال ألف مغايران له وهو كما أنه ليس بألف، ليس بالألف وعبارة المقام مطابقة للنسخ كلها.

(٢) بإطباق النسخ كلها: وهو الماهية، بتذكير الضمير، وكذلك في الشرح.

(١٢٧)

Page 135: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

فليس بمتجرد عن االعتبارات.قال: وقد تؤخذ ال بشرط شئ وهو كلي طبيعي موجود في الخارج، وهو جزء

من األشخاص وصادق على المجموع الحاصل منه ومما يضاف إليه.أقول: هذا اعتبار آخر للماهية معقول، وهو أن تؤخذ الماهية من حيث هي

هي ال باعتبار التجرد وال باعتبار عدمه، كما يؤخذ الحيوان من حيث هو هو الباعتبار تجرده عن االعتبارات، بل مع تجويز أن يقارنه غيره مما يدخل في

حقيقته، وهذا هو الحيوان ال بشرط شئ وهو الكلي الطبيعي، ألنه نفس الطبائعاألشياء وحقائقها وهذا الكلي موجود في الخارج، فإن الحيوان المقيد موجود فيالخارج وكل موجود في الخارج فإن أجزاءه موجودة في الخارج، فالحيوان من

حيث هو هو الذي هو جزء من هذا الحيوان موجود، وهذا الحيوان جزء مناألشخاص الموجودة وهو صادق على المجموع المركب منه ومن قيد الخصوصية

المضاف إليه.قال: والكلية العارضة للماهية يقال لها كلي منطقي وللمركب منهما عقليوهما ذهنيان، فهذه اعتبارات ثالثة ينبغي تحصيلها في كل ماهية معقولة.

أقول: هذان اعتباران آخران للكلي (أحدهما) الكلية العارضة لها وهو الكليالمنطقي ألن المنطقي يبحث عنه. (والثاني) العقلي وهو المركب من الماهية ومن

الكلية العارضة لها، فإن هذا اعتبار آخر مغاير لألولين، وهذان الكليان عقليان الوجود لهما في الخارج، أما المنطقي فألنه ال يتحقق إال عارضا لغيره، إذ الكلية من

ثواني المعقوالت ليست متأصلة في الوجود، إذ ليس في الخارج شئ هو كليمجرد، فالكلية إذا عارضة لغيرها وكل معروض للكلي من حيث هو معروض له

فهو ذهني، إذ كل موجود في الخارج شخصي وكل شخصي فليس بكلي فالكليذهني وكذا الكلي العقلي لهذا فهذه اعتبارات ثالثة في كل معقول ينبغي تحصيلها(أحدها) الكلي الطبيعي وهو نفس الماهية (والثاني) الكلي المنطقي وهو العارض

لها (والثالث) العقلي وهو المركب منهما.

(١٢٨)

Page 136: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

المسألة الثالثة (١)في انقسام الماهية إلى البسيط والمركب

قال: والماهية منها بسيط وهو ما ال جزء له، ومنها مركب وهو ما له جزء،وهما موجودان ضرورة.

أقول: الماهية إما أن يكون لها جزء تتقوم منه ومن غيره، وإما أن ال تكونكذلك. واألول هو المركب كاالنسان المتقوم من الحيوان والنطق، والثاني هو

البسيط كالجوهر الذي ال جزء له، وهذان القسمان موجودان بالضرورة فإنا نعلمبالضرورة وجود المركبات كالجسم واالنسان والفرس وغيرها من الحقائق

المركبة، ووجود المركب يستلزم وجود أجزائه، فالبسائط موجودة بالضرورة.قال: ووصفاهما اعتباريان متنافيان وقد يتضايفان فيتعاكسان في العموم

والخصوص مع اعتبارهما بما مضى (٢).--------------------

(١) عبارات المتن والشرح موافقة للنسخ كلها.(٢) من البسيط والمركب الحقيقين المستفادين من قوله قدس سره والماهية منها بسيط وهو ما ال

جزء له، ومنها مركب وهو ما له جزء.واعلم أن البسيط يطلق باالشتراك اللفظي على عدة معان، فيقال: إنه سبحانه بسيط كما أنه

دائر في ألسنة الحكماء أن بسيط الحقيقة كل األشياء، أي أنه تعالى صمد ال جوف له، وكثيراما يعبرون عن هذا المعنى بأنه تعالى غير متناه كما يعبرون عنه بوحدة الوجود أيضا.

فالكلمات األربع - أعني قولهم بسيط الحقيقة كل األشياء والصمد وغير المتناهي ووحدةالوجود - معناها واحد. وعلى هذا المعنى من البساطة قال صاحب المنظومة في الحكمة:

غرر في بساطته تعالى (ص ١٥٠).ويقال للمفارقات النورية: عقول بسيطة، وإطالق البسيط عليها باعتبار كليتها أي سعة وجودها

أيضا. قال الشيخ في الفصل الرابع من المقالة الخامسة من نفس الشفاء: إن األشياء المركبةواألشياء البسيطة التي هي قائمة في المركب يجوز أن يجتمع فيها فعل أن يبقى وقوة أن يفسد،وفي األشياء البسيطة المفارقة الذات ال يجوز أن يجتمع هذان األمران (ص ٣٥٥ ج ١ ط ١).

ويطلق البسيط على الملكة العلمية أيضا، فيقال: إن حقيقة كل شئ مندمج في بسيطهكاندماج العلوم التفصيلية في الملكة البسيطة، وتلك الملكة البسيطة يقال لها: القوة العقليةالمطلقة والعلم البسيط أيضا فراجع الفصل السادس من خامسة نفس الشفاء (ص ٣٥٩)،

وأطلق في ذلك الفصل العقل البسيط على الملكة أيضا، وعلى منواله قال المتأله السبزواريفي تعليقة على آخر الفصل السابع من الطرف األول من المسلك الخامس من األسفار: سواءكان فياض العقول التفصيلية هو العقل البسيط الذي هو الملكة أو باطن ذات النفس أو العقلالفعال (ج ٣ ص ٣٢١ ط ٢)، ويعبر عن هذا العلم البسيط بالعقل البسيط االجمالي، فراجع

الموضع المذكور أخيرا من الشفاء واألسفار (ص ٢٩٣ ج ١ ط ١) حيث يقول:إثبات هذا العقل البسيط ال يمكن إال بالقول باتحاد العاقل بالمعقوالت.

ويطلق خصوصا على المعلول األول أي العقل األول البسيط، وهذا الوجه مندرج فياإلطالق السابق.

ويطلق البسيط على العناصر األولية للمركبات الطبيعية كثيرا.

Page 137: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

ويطلق على السطح أيضا كما قال الشيخ في الفصل الثامن والعشرين من النمط األول مناإلشارات: الجسم ينتهي ببسيطه وهو قطعه، والبسيط ينتهي بخطه وهو قطعه.. الخ.

ويطلق على عضو الحيوان بالنسبة إلى بدنه المركب من األعضاء، وإن كان كل عضو منهمركب من البسائط، كما في المباحث المشرقية للفخر الرازي (ج ٢ ص ٢٣٢ ط حيدر آباد)

وفي األسفار (ج ٤ ط ١ ص ٩) من أن مزاج العضو البسيط مشابه لمزاج جزئه.ويطلق على العرض المقابل للجوهر أيضا كالسطح والنقطة وغيرهما من البسائط العرضية،

فما قدمنا من إطالقه على السطح داخل في هذا الوجه أيضا.ويقال في الفن الرياضي للعدد األول البسيط أيضا في قبال العدد المركب، ففي صدر المقالة

السابعة من أصول إقليدس بتحرير المحقق الطوسي العدد األول هو الذي ال يعده غيرالواحد، والمركب هو الذي يعده آخر.

ويطلق كثيرا في زبر المتقدمين على النفوس الناطقة االنسانية، ففي آخر الفصل الرابع منالمقالة التاسعة من إلهيات الشفاء حيث قال: ومما ال نشك فيه أن هاهنا عقوال بسيطة مفارقة

تحدث مع حدوث أبدان الناس وال تفسد بل تبقى.. الخ (ج ٢ ط ١ ص ٢٦٩)، وكذلكيطلق في العلوم األدبية وغيرها على الحروف والكلمات وغيرهما.

(١٢٩)

Page 138: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: يعني أن وصف البساطة والتركيب اعتباريان عقليان عارضان لغيرهمامن الماهيات، إذ ال موجود هو بسيط أو مركب محض، فالبساطة والتركيب ال

يعقالن إال عارضان فهما من ثواني المعقوالت، ولو كانا موجودين لزم التسلسل.

(١٣٠)

Page 139: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

إذا عرفت هذا فإنهما متنافيان، إذ ال يصدق على شئ أنه بسيط ومركب وإال لزماجتماع النقيضين فيه وهو محال.

وقد يتضايفان أعني يؤخذ البسيط بسيطا بالنسبة إلى مركب مخصوصفيكون بساطته باعتبار كونه جزءا من ذلك المركب ال أنه ال جزء له هو المركب

المخصوص (١)، ويكون المركب مركبا باعتبار القياس إليه فيتحقق اإلضافة بينهما،وهذا كالحيوان فإنه بسيط بالنسبة إلى االنسان على معنى أنه جزء منه فيكونأبسط منه، وإذا أخذا باعتبار التضايف تعاكسا مع اعتبارهما األول أعني (٢)

الحقيقي عموما وخصوصا، وذلك ألنهما بالمعنى الحقيقي متنافيان، ألن البسيطال يصدق عليه أنه مركب بذلك المعنى، وإذا أخذا بالمعنى اإلضافي جوزنا أن

يكون البسيط مركبا، ألن بساطته ليست باعتبار نفسه بل باعتبار كونه جزءا منغيره، وإذا جاز كون البسيط بهذا المعنى مركبا كان أعم من البسيط بالمعنى األول،فيكون المركب بهذا المعنى أخص منه بالمعنى األول فقد تعاكسا (٣) أعني البسيط

--------------------(١) كما في (ش)، والضمير في أنه وفي له راجع إلى البسيط، وضمير هو راجع إلى ذلك

المركب، وقد جاءت العبارة على وجوه، ففي (م): من ذلك المركب ألنه - وله خ - ال جزء لههو المركب المخصوص. وفي (ص ز ق د): من ذلك المركب وأنه ال جزء له وهو المركب

المخصوص. وفي أخرى: من ذلك المركب وإن كان له جزء آخر كما للمركب المخصوص.واألخير أوضح الوجوه معنى، واألول أمتنها لفظا ومعنى فقد اخترناه، وفي غيره يحتمل

التحريف والتصحيح القياسي، على أن غير الطرفين ال يخلو عن تكلف ثخين.(٢) بيان لقول المصنف بما مضى.

(٣) أي صارت النسبة بين البسيط اإلضافي والبسيط الحقيقي على عكس النسبة بين المركباإلضافي والمركب الحقيقي، ألن البسيط اإلضافي أعم مطلقا من البسيط الحقيقي، والمركب

اإلضافي أخص مطلقا من المركب الحقيقي، فال يخفى أن هذه النسبة عكس النسبة بينالبسيطين، أما األول فألن كل ما ال جزء له يصدق عليه أنه جزء لما تركب منه ومن غيره،وليس كل ما هو جزء لغيره يصدق عليه أنه ال جزء له لجواز أن يكون جزء شئ ذا أجزاء،

وأما الثاني فألن كل مركب إضافي مركب حقيقي، وليس كل مركب حقيقي مركبا إضافيالجواز أن ال يعتبر إضافته إلى جزء.

(١٣١)

Page 140: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

والمركب في العموم والخصوص باختالف االعتبار.قال: وكما تتحقق الحاجة (١) في المركب فكذا في البسيط.

أقول: الحاجة تعرض للبسيط وللمركب معا، فإن كل واحد منهما ممكن وكل--------------------

(١) قال الشارح القوشجي: اختلفوا في أن الماهيات الممكنة هل هي مجعولة بجعل جاعل أمال؟ على أقوال ثالثة: األول: ما اختاره المصنف وهو أنها كلها مجعولة بجعل الجاعل سواءكانت مركبة أو بسيطة. الثاني: أنها غير مجعولة مطلقا مركبة كانت أو بسيطة. الثالث: أن

المركبة مجعولة بخالف البسيطة، إنتهى.أقول: المستفاد من كالمه في النمط الرابع من اإلشارات ومن كلماته األخرى ومما مضى منه

في الكتاب، عدم اعتقاده في مجعولية الماهيات برأسها أصالة ومراده من تحقق الحاجة فيالمركب والبسيط باعتبار صيرورتها موجودة بتبعية الوجود بضرب من االعتبار الذهني في

تغايرهما. ومن ذهب إلى أنها غير مجعولة مطلقا ناظر إلى جعلها باألصالة، فالقوالن واحد.والقول الثالث ناظر إلى أن البسائط كاألعراض مجعولة بجعل الماهيات الموجودة في

الخارج فهي موجودة بالتبع أيضا، فإن جعل زيد في الخارج هو جعله متكمما بكم كذاومتلونا بلون كذا وهكذا، ال أن الجعل مرة يتعلق بالماهيات وأخرى بأعراضها، فاألقوال

ناظرة إلى أمر فارد وال تنازع بينها.واعلم أنه يصدق قولنا: الماهية ليست بموجودة، وال يصدق قولنا: الوجود ليس بموجود،

وذلك ألن الوجود ليس بمجعول بل هو الحق المتحقق في عظموت جالله وجبروت كبريائه،والماهيات أوعية تحققها هي األذهان ال غير وإنما تنتزع وتعتبر من حدود أطواره وشؤونه

وآياته، وتلك الحدود تعتبر بما يلينا ال بما يليه ألنها بما يليه ال حد لها لقيامها بها، كأمواجالبحر مثال تعتبر حدودها بما يلينا ال بما يلي البحر ألنها ال حدود لها من تلك الجهة، فافهم.

والفيلسوف اإللهي يبحث عن أجزاء الجسم فيجده مؤلفا من الهيولى والصورة، فينتقل منازدواجهما إلى أصل مفارق يقيم أحدهما باآلخر، فيثبت من هذا الطريق خالقا مدبرا قيوماقائما على األجسام، أو يجده مؤلفا من أجزاء صغار صلبة ال تتجزأ فينتقل من تأليفها إلى

جامع لها مدبر فيها تدبيرا إراديا، فيثبت بهذا الطريق موجودا واجبا بذاته خالقا مريدامتصفا بجميع الكماالت الغير المتناهية، أو يبحث عن الممكن بأنه زوج تركيب من الوجودوالماهية فينتقل من ازدواجهما إلى جاعل الماهية موجودة وهو الله سبحانه. والعارف ينظر

بنور برهان الصديقين على وجهه األتم أنه سبحانه هو األول واآلخر والظاهر والباطن،فيحتاج في إثبات العالم إلى دليل، فالماهيات في منظره األعلى كسراب بقيعة يحسبه

الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه.

(١٣٢)

Page 141: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

ممكن على اإلطالق فإنه محتاج إلى السبب، فالحاجة ثابتة في كل واحد منهما.وقد منع بعض الناس احتياج البسيط إلى المؤثر، ألن علة الحاجة أنما هي

اإلمكان وهو أمر نسبي أنما يعرض لمنتسبين، فما لم تتحقق االثنينية لم تتحققالحاجة، وال اثنينية في البسيط فال احتياج له.

والجواب: أن اإلمكان أمر عقلي يعرض لمنتسبين عقليين هما الماهيةوالوجود وتتحقق باعتباره الحاجة لكل واحد منهما إلى المؤثر.قال: وهما قد يقومان بأنفسهما (١) وقد يفتقران إلى المحل.

أقول: كل واحد من البسيط والمركب قد يكون قائما بنفسه كالجوهروالحيوان، وقد يكون مفتقرا إلى المحل كالكيف والسواد وهما ظاهران، إذا عرفتهذا فالمركب من األول ال بد وأن يكون أحد أجزائه قائما بنفسه واآلخر قائما به،

والمركب من الثاني ال بد وأن يكون جميع أجزائه محتاجا إلى المحل، إما إلىماحل فيه المركب أو البعض إليه والباقي إلى ذلك البعض.

قال: والمركب أنما يتركب عما يتقدمه وجودا وعدما بالقياس إلى الذهنوالخارج وهو علة الغنى عن السبب (٢) فباعتبار الذهن بين وباعتبار الخارج غني،

فتحصل خواص ثالث، واحدة متعاكسة واثنتان أعم.أقول: المركب هو الذي تلتئم ماهيته عن عدة أمور، فبالضرورة يكون تحققه

متوقفا على تحقق تلك األمور، والمتوقف على الغير متأخر عنه فالمركب متأخرعن تلك األمور فيتأخر عن كل واحد منها، فكل واحد منها موصوف بالتقدم في

--------------------(١) أنت بما قدمنا من معاني البسيط تدري أن بعض البسائط كالجوهر قائم بنفسه، وبعضه كالكيف

مفتقر إلى المحل، ثم أن الحيوان والسواد في الشرح مثاالن للمركب، أما الحيوان فظاهر،وأما السواد فباعتبار أن اللون جنس له وقابض نور البصر فصل له. وقوله: ال بد وأن يكون

أحد أجزائه قائما بنفسه، كالناطق في الحيوان.(٢) أي تقدم األجزاء على الماهية المركبة، فالضمير راجع إلى المصدر المستفاد من قوله: عما

يتقدم.

(١٣٣)

Page 142: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

طرف الوجود، ثم إذا عدم أحدها لم تلتئم تلك األمور فال تحصل الماهية، فيكونعدم أي جزء كان من تلك األمور علة لعدم المركب، والعلة متقدمة على المعلول،

فكل واحد من تلك األمور موصوف بالتقدم في طرف العدم أيضا، فقد ظهر أنجزء الحقيقة (١) متقدم عليها في الوجود والعدم، ثم إن الذهن مطابق للخارج

فيجب أن يحكم بالتقدم في الوجود الذهني والعدم الذهني فقد تحقق أن المركبأنما يتركب عما يتقدمه وجودا وعدما بالقياس إلى الذهن والخارج.

إذا عرفت هذا فنقول: هذا التقدم (٢) الذي هو من خواص الجزء يستلزماستغناء الجزء عن السبب الجديد (٣)، لسنا نقول: إنه يكون مستغنيا عن مطلق

السبب، فإن فاعل الجزء هو فاعل الكل (٤)، وذلك ألن المتقدم ال يعقل احتياجهإلى علة متأخرة عن المتأخر عنه، بل وال خارجة عن علة المركب، فإن علة كلجزء داخلة في علة الكل، فإذا اعتبر هذا التقدم بالنسبة إلى الذهن فهو البين، وإذااعتبر بالنسبة إلى الخارج فهو الغنى عن السبب، وهذه الخاصة أعم من الخاصة

األولى ألن األولى هي الحصول الموصوف بالتقدم (٥) والثانية هي الحصولالمطلق (٦)، ولهذا قيل: ال يلزم من كون الوصف بين الثبوت للشئ وكونه غنيا عن

--------------------(١) قد مضى في المسألة األولى من هذا الفصل أن الذات والحقيقة تطلقان على الماهية مع

اعتبار الوجود الخارجي.(٢) بيان لمرجع الضمير في قول المصنف وهو علة الغناء المستفاد من قوله: عما يتقدم، كما تقدم.

(٣) ال عن السبب مطلقا فإن السبب األول الذي للكل سبب له أيضا، فقوله: ولسنا نقول.. الخجملة بيانية.

(٤) الظاهر أنه لو قال: فإن فاعل الكل هو فاعل الجزء، لكان أنسب.(٥) وهو هو ال يكون إال جزءا، ألن غير الجزء ال يتصف بالتقدم على الكل فهو ذاتي ال غير.(٦) أعم من أن يكون جزءا أم ال، بأن يكون عرضا الزما فال يلزم من أن يكون ذاتيا ال غير،

وإن امتنع رفع هذا الالزم في الذهن فإنه ال يلزم أن يكون كل ما امتنع رفعه في الذهن ذاتيامقوما، كما ذهب إليه قوم من المنطقيين، والشيخ ردهم في منطق اإلشارات في ضمن قوله

إشارة إلى العرضي الالزم (ص ١٩ ط ١).فإنما كان هذه الخاصة أعم من الخاصة األولى، ألن كل ما هو متقدم على الكل مستغن عن

سبب جديد، وليس كل ما هو مستغن عن سبب جديد فهو متقدم.

(١٣٤)

Page 143: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

السبب الجديد كونه جزءا.فقد حصل لكل ذاتي على اإلطالق خواص ثالث: األولى: وجوب تقدمه في

الوجودين والعدمين وهذه متعاكسة عليه. الثانية: استغناؤه عن السبب الجديد.الثالثة: امتناع رفعه عما هو ذاتي له، وهاتان الخاصتان إضافيتان أعم منه (١)

لمشاركة بعض اللوازم له في ذلك.المسألة الرابعة

في أحكام الجزءقال: وال بد من حاجة ما (٢) لبعض األجزاء إلى البعض، وال يمكن شمولها

باعتبار واحد.أقول: كل مركب على اإلطالق فإنه يتركب من جزئين فصاعدا، وال بد من أنيكون ألحد األجزاء حاجة إلى جزء آخر مغاير له، فإنه لو استغنى كل جزء عن

باقي األجزاء لم تحصل منها حقيقة واحدة كما ال تحصل من االنسان الموضوعفوق الحجر مع الحجر حقيقة متحدة، فال بد لكل مركب (٣) على اإلطالق من حاجة

لبعض أجزائه إلى بعض.ثم المحتاج قد يكون هو الجزء الصوري ال غير كالهيئة االجتماعية في

العسكر والبلدة في البيوت والعشرية في العدد والمعجون عن اجتماع األدوية.وقد يكون هو الجزء المادي كالهيولى في الجسم، وال يمكن شمول الحاجة

بأن يكون الجزء المادي محتاجا إلى الصوري والصوري محتاجا إلى المادي إذا--------------------

(١) أي من األول وهو وجوب تقدمه.. الخ، لمشاركة بعض اللوازم له أي لألول في ذلك أي فيكل واحد من االستغناء وامتناع الرفع.

(٢) أي ال بد في المركب من حاجة ما.(٣) كما في (م)، والباقية في كل مركب.

(١٣٥)

Page 144: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أخذت الحاجة باعتبار واحد ألنه يلزم الدور المحال.وقد تشمل الحاجة الجزئين معا ال باعتبار واحد، كالمادة المحتاجة (١) في

وجودها إلى الصورة والصورة المحتاجة في تشخصها إلى المادة.قال: وهي قد تتميز في الخارج وقد تتميز في الذهن.

أقول: أجزاء الماهية (٢) ال بد وأن تكون متمايزة، ثم التمايز قد يكون خارجياكامتياز النفس والبدن اللذين هما جزءا االنسان، وقد يكون ذهنيا كامتياز جنس

السواد عن فصله، فإنه لو كان خارجيا لم يخل إما أن يكون كل واحد منهمامحسوسا أو ال، واألول باطل ألنه إن ماثل السواد استحال جعله مقوما لعدماألولوية ولزوم كون الشئ مقوما لنفسه، وإن خالفه فإذا انضاف الفصل إلىالجنس فأما أن ال تحدث هيئة أخرى فيكون المحسوس هو اللونية المطلقة

فالسوادية المحسوسة هي اللونية المطلقة هذا خلف، أو تحدث هيئة أخرى فاليكون االحساس بمحسوس واحد بل بمحسوسين هذا خلف، والثاني باطل (٣)ألنه لم تحصل عند االجتماع هيئة أخرى كان السواد غير محسوس، وإن حدث

كان الحادث هو السواد وهو معلول الجزئين وهو خارج عنهما، فيكون التركيبفي قابل السواد أو فاعله (٤) ال فيه هذا خلف.

قال: وإذا اعتبر عروض العموم ومضائفه (٥) فقد تتباين وقد تتداخل.أقول: هذه القسمة باعتبار عروض العموم ومضائفه أعني الخصوص

--------------------(١) كما قيل بالفارسية:

هيولى در بقاء محتاج صورت تشخص كرد صورت را گرفتار(٢) بيان لمرجع الضمير وهو هي.

(٣) وهو (أو ال) مقابل المحسوس في قوله: إما أن يكون كل واحد منهما محسوسا أو ال.(٤) قد مضى نظير ذلك االحتجاج في الوجود في المسألة األولى من الكتاب. وفي (م): في

قابل السواد وفاعله، وأما النسخ األخرى فكما اخترناه.(٥) على صيغة اسم الفاعل.

(١٣٦)

Page 145: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

لألجزاء (١) فإنا إذا اعتبرنا عروضهما (٢) لألجزاء حدثت هذه القسمة، وذلك ألنأجزاء الماهية إما أن يكون بعضها أعم من البعض (٣) فتسمى المتداخلة أو ال تكون

فتسمى المتباينة (٤).والمتداخلة قد يكون العام عاما مطلقا إما متقوما بالخاص وموصوفا به

كالجنس ومضائفه الفصل، أو صفة له (٥) كالموجود المقول على المقوالت العشر،أو مقوما للخاص كالنوع األخير المقوم لخواصه المطلقة، وقد يكون مضافا (٦)

كالحيوان واألبيض.والمتباينة ما يتركب عن الشئ وإحدى علله أو معلوالته أو غيرهما إما

بعضها عدمي كاألول (٧) أو كلها وجودية حقيقية متشابهة كاآلحاد في العدد، أومختلفة إما معقولة كالمادة والصورة والعفة والحكمة في العدالة، أو محسوسة كاللون

والشكل في الخلقة والسواد والبياض في البلقة، أو بعضها إضافي كالسرير المعتبرفي تحققه نوع نسبة، أو كلها كذلك كاألقرب واألبعد، فهذه أصناف المركبات.

قال: وقد تؤخذ مواد وقد تؤخذ محمولة.أقول: أجزاء الماهية قد ينظر إليها باعتبار كونها مواد فتكون أجزاءا حقيقية،

وال تحمل على المركب حمل هو هو الستحالة كون الكل هو الجزء، وقد ينظر إليها--------------------

(١) صلة للعروض، ولم يأت به المصنف لداللة العروض والمقام عليها.(٢) واعتبرنا عدم عروضهما لها أيضا ليتحقق التباين، والضمير راجع إلى العموم والخصوص

المعبر بالمضائف في المتن.

(٣) أعم مطلقا أو من وجه.(٤) وأما المتساوية فهي خارجة عن هذه القسمة، ألن تركب الماهية الحقيقية من أمرين

متساويين ممتنع عند المصنف، لما يأتي من قوله قدس سره: وما ال جنس له فال فصل له.(٥) أي للخاص.

(٦) عطف على قد يكون أي وقد يكون العام عاما مضافا.(٧) يعني كالعدد األول، والعدد األول مقابل العدد المركب، واألول كالخمسة والسبعة،

والمركب كالستة والثمانية كما في صدر سابعة األصول العدد األول هو الذي ال يعده غيرالواحد، والمركب هو الذي يعده آخر.

(١٣٧)

Page 146: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

باعتبار كونها محمولة صادقة على المركب.مثاله الحيوان قد يؤخذ مع الناطق فيكون هو االنسان نفسه، وقد يؤخذ بشرطالتجرد والخلو عن الناطق وهو الماهية بشرط ال شئ كما تقدم تحقيقه (١)،

فيستحيل حمله على المجموع المركب منه ومن غيره، وإذا أخذ من حيث هو هومع قطع النظر عن القيدين كان محموال.

قال: فتعرض لها الجنسية والفصلية.أقول: إذا اعتبرنا حمل الجزء على الماهية حصلت الجنسية والفصلية، ألن

الجنس هو الجزء المشترك والفصل هو الجزء المميز والجزء المحمول يكونأحدهما قطعا، فإذا أخذ الجزء محموال حصلت الجنسية أعني مقولية ذلك الجزء

على كثيرين، أو الفصلية أعني تميز الجزئية، فجزء الماهية إما جنس أو فصل،والجنس هو الكلي المقول على كثيرين مختلفين بالحقائق في جواب ما هو،

والفصل هو المقول على الشئ في جواب أي شئ هو في جوهره.قال: وجعالهما واحد (٢).

أقول: يعني به جعل الجنس والفصل، ولم يكونا مذكورين صريحا بل أعادالضمير إليهما لكونهما في حكم المصرح بهما. وإنما كان جعالهما واحدا ألن

الفاعل لم يفعل حيوانا مطلقا، ثم يميزه بانضمام الفصل إليه فإن المطلق ال وجود لهبل جعل الحيوان هو بعينه جعل الناطق، واعتبر هذا في اللونية فإنها لو كان لها

وجود مستقل فهي هيئة أما في السواد فيوجد السواد ال بها هذا خلف، أو في محلهفالسواد عرضان لون وفصله ال واحد هذا خلف، فجعله لونا هو بعينه جعله سوادا.

قال: والجنس هاهنا كالمادة، وهو معلول واآلخر صورة وهو علة (٣).--------------------

(١) تقدم في المسألة الثانية من هذا الفصل.(٢) وسيأتي أيضا البحث عنه في آخر هذا الفصل حيث يقول: وجعل الجنس والفصل واحد.(٣) الجنس من المعقوالت الثانية، والطبيعة الجنسية أمر مبهم في العقل، بمعنى أنه مأخوذ ال

بشرط متردد بين أشياء كثيرة، هي عين كل واحدة منها في الخارج بمعنى أنها جزءحقيقتها غير منطبقة على تمام حقيقة واحدة منها، فإذا انضم إليها الفصل زال عنها االبهاموالتردد وتعينت وهي مع انضمامه منطبقة على تمام حقيقتها فيحصل النوع. فالفصل علة

لصفة الجنس في الذهن وهي التعين أي زوال االبهام والتردد فيه ال أنه علة لوجود الجنسفي الذهن أو في الخارج وإال لوجب أن ال يعقل الجنس إال مع علته وهو فصل ما على األول،

ووجب أن تغايرا في الوجود ويمتنع الحمل بالمواطاة على الثاني. وإلى هذا التحقيق يشيرالقطب في شرح المطالع (ص ٩٢ ط ١) حيث قال بعد نقل كالم الشيخ من أن الفصل علةلحصة النوع، بهذه العبارة: ليس مراده أن الفصل علة لوجود الجنس وإال لكان إما علة له في

الخارج فيتقدم عليه في الوجود وهو محال التحادهما في الجعل والوجود، وإما علة له فيالذهن وهو أيضا محال وإال لم يعقل الجنس دون فصل، بل المراد أن الصورة الجنسية مبهمة

في العقل يصلح أن يكون أشياء كثيرة هي عين كل واحد منها في الوجود غير محصلة في

Page 147: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

نفسها ال يطابق تمام ماهياتها المحصلة، وإذا انضاف إليها الصورة الفصلية عينها وحصلها أيجعلها مطابقة للماهية التامة فهي علة لرفع االبهام والتحصيل.

(١٣٨)

Page 148: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: الجنس إذا نسب مع فصله إلى المادة والصورة وجد الجنس أشبهبالمادة من الفصل (١) والفصل أشبه بالصورة منه، وهذا الجنس هو المعلول والفصل

هو العلة، وذلك ألن للفصل نسبة إلى الجنس المطلق وهي نسبة التقسيم، وإلىالنوع - أعني الجنس المقيد بالفصل - وهي التقويم، وإلى حصة النوع من الجنس

وهي نسبة العلية، وذلك ألن الشيخ أبا علي ادعى (٢) أن الفصل علة لحصة النوع من--------------------

(١) بيان لتخلل الكاف في قوله: والجنس هاهنا كالمادة، يعني كما أن الهيولى ال تحصل لها فيالخارج إال بالصورة كذلك الجنس ال تحصل لها في الخارج إال بالفصل. وإنما يكونان كالمادة

والصورة ألنهما أجزاء خارجية للجسم وهما أمور ذهنية من المعقوالت الثانية، والعبارةنقلت في (م ق د) هكذا: والجنس هاهنا كالمادة، وفي (ص): والجنس هنا كالمادة.

(٢) قال الشيخ في منطق اإلشارات (ص ٢٩ ط ١): وكل فصل فإنه بالقياس إلى النوع الذي هوفصله مقوم، وبالقياس إلى جنس ذلك النوع مقسم.

وقال المحقق الماتن في شرحه عليه: يريد أن الفصل الذي يتحصل به الجنس نوعا أنمايكون له اعتباران: أحدهما: بقياسه إلى الجنس المتحصل به، والثاني: بقياسه إلى النوع

المتحصل منه. واألول هو التقسيم فإن الناطق يقسم الحيوان إلى االنسان وغيره. والثاني هوالتقويم فإنه يقوم االنسان لكونه ذاتيا له. وأما قولهم: الفصل مقوم لحصة من الجنس فذلك

التقويم غير ما نحن فيه فإنه بمعنى كونه سببا لوجود الحصة ال بمعنى كونه جزءا منه.وقال القطب في تعليقته عليه على منوال كالمه توضيحا: وللفصل ثالث نسب: نسبة إلى

الجنس بالتقسيم، ونسبة إلى النوع بالتقويم، ونسبة إلى الحصة بالتقويم أيضا لكن بمعنى آخرفإنه مقوم للنوع، بمعنى أنه مقوم لماهيته ذاتي له، ومقوم للحصة ال بمعنى أنه مقوم لماهيته بل

بمعنى أنه مقوم لوجوده فإنه إذا قارن الجنس تحصص فهو علة لوجود الجنس ال مطلقا بلللقدر الذي هو حصة النوع.

(١٣٩)

Page 149: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الجنس ألنه قد تقدم أنه ال بد من احتياج بعض األجزاء إلى البعض، فالجزءالمحتاج من النوع إن كان هو الجنس فهو المطلوب وإن كان هو الفصل كان

الجنس مساويا للفصل، ويلزم وجود الفصل أينما يوجد الجنس ألنه علة فاليكون الجنس أعم هذا خلف.

قال: وما ال جنس له فال فصل له.أقول: الفصل هو الجزء المميز للشئ عما يشاركه في الجنس على ما تقدم،فإذا لم يكن للشئ جنس لم يكن له فصل، هذا هو التحقيق في هذا المقام.وقد ذهب قوم غير محققين إلى أن الفصل هو المميز في الوجود، وجوزوا

تركيب الشئ من أمرين متساويين كالجنس العالي (١) والفصل األخير، وكل من--------------------

(١) أي ذلك الشئ هو كالجنس العالي وكالفصل األخير، ألنهما لو كانا مركبين من الجنسوالفصل يلزم المحال الذي يذكره الشارح بعيد هذا في ضمن قول المصنف ويجب تناهيهما،

فكل من الجنس العالي والفصل األخير مثال للشئ ال لألمرين المتساويين بأن يكون ذانكاألمران المتساويان هما الجنس العالي والفصل األخير لوضوح بطالن هذا الكالم، فال تغفل.

ثم قوله: ولو جعل كل منهما - إلى آخره - موافق لنسختي (ش د) ووجهه ظاهر. وفي (م): لزمالتسلسل ولم يكن جعل كل واحد منهما فصال للمركب، ولم يكن المركب فصال لكل منهما

لتساوي نسبته ونسبتهما إلى الوجود، وهي أقدم النسخ وأصحها غالبا، ومعنى العبارة ظاهر،وهي في النسخ مضطربة أشد من اضطراب المضطربة. وهي في (ش د) هكذا: لزم التسلسلولو جعل كل منهما فصال للمركب ولم يكن المركب فصال لكل منهما لزم الترجيح من غير

مرجح لتساوي نسبته ونسبتهما إلى الوجود.والظاهر أن هذا تحرير آخر من غير الشارح العالمة. وفي (ز): لزم التسلسل ولم يجعل كل

منهما فصال للمركب ولم يكن المركب فصال لكل منهما لتساوي نسبته ونسبتهما إلى الوجود.وفي (ق): لزم التسلسل ولم جعل كل منهما - ثم إلى آخر مثل ما في (ز) - ونسخة (د)

كانت نحو ما في (ز) ثم صحح مثل ما في (ش).

(١٤٠)

Page 150: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

األمرين ليس جنسا فيكون فصال يتميز به المركب عما يشاركه في الوجود.وهذا خطأ، ألن األشياء المختلفة ال تفتقر في تمايزها عما يشاركها في

الوجود وغيره من العوارض إلى أمر مغاير لذواتها، فإن كل واحد من الجزئينالمتساويين كما يمتاز بنفسه عما يشاركه في الوجود كذلك المركب منهما، ولو

افتقر كل مشارك في الوجود أو في غيره من األعراض إلى فصل لزم التسلسل،ولم يكن جعل كل واحد منهما فصال للمركب، ولم يكن المركب فصال لكل منهما

لتساوي نسبته ونسبتهما إلى الوجود.قال: وكل فصل تام فهو واحد.

أقول: الفصل منه ما هو تام وهو كمال الجزء المميز، ومنه غير تام وهو المميزالذاتي مطلقا. واألول ال يكون إال واحدا ألنه لو تعدد لزم امتياز المركب بكل

واحد منهما فيستغني عن اآلخر في التميز فال يكون فصال، وألن الفصل علةللحصة فيلزم تعدد العلل على المعلول الواحد وهو محال. أما الفصل الناقص وهو

جزء الفصل فإنه يكون متعددا.قال: وال يمكن وجود جنسين في مرتبة واحدة لماهية واحدة.

أقول: الجنس للماهية قد يكون واحدا كالجسم الذي له جنس واحد هوالجوهر، وقد يكون كثيرا كالحيوان الذي له أجناس كثيرة، لكن هذه الكثرة ال

يمكن أن تكون في مرتبة واحدة بل يجب أن تكون مترتبة في العموموالخصوص، فال يمكن وجود جنسين في مرتبة واحدة لنوع واحد ألن فصلهما إنكان واحدا كان جعل الجنسين جعال واحدا وهو محال، وأن تغاير لم يكن النوع

الواحد نوعا واحدا بل نوعين هذا خلف.قال: وال تركيب عقلي إال منهما.

(١٤١)

Page 151: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: التركيب قد يكون عقليا وقد يكون خارجيا كتركيب العشرة مناآلحاد، والتركيب العقلي ال يكون إال من الجنس والفصل، ألن الجزء إما أن يكونمختصا بالمركب أو مشتركا، واألول هو الفصل القريب، والثاني إما أن يكون تمام

المشترك أو جزءا منه، واألول هو الجنس، والثاني إما أن يكون مساويا له أو أعممنه، واألول يلزم منه كونه (١) فصال للجنس فيكون فصال مطلقا وهو المطلوب.

والثاني إما أن يكون تمام المشترك أو ال يكون، واألول جنس والثاني فصلجنس وإال لزم التسلسل وهو محال، فقد ثبت أن كل جزء محمول إما أن يكون

جنسا أو فصال وهو المطلوب.قال: ويجب تناهيهما.

أقول: الجنس والفصل قد يترتبان في العموم والخصوص كالحيوانيةوالجسمية وقد ال يترتبان، والمترتبة يجب تناهيها في الطرفين فإنه لوال تناهي

األجناس (٢) لم تتناه الفصول التي هي العلل، فيلزم وجود علل ومعلوالت ال نهايةلها وهو محال.

قال: وقد يكون منهما عقلي وطبيعي ومنطقي كجنسيهما.أقول: يعني أن من األجناس ما هو عقلي وهو الحيوانية مع قيد الجنسية، ومنها

ما هو طبيعي وهو الحيوان من حيث هو هو ال باعتبار الجنسية وال باعتبار عدمها،ومنها ما هو منطقي وهي الجنسية العارضة للحيوانية، وهذه الثالثة أيضا قد تحصلفي الفصل، وذلك كما أن جنسيهما يعني جنس الجنس وجنس الفصل وهو الكلي

--------------------(١) أي ما يكون مساويا له يلزم منه أن يكون فصال للجنس. وسيأتي زيادة بيان وتوضيح في

كون المساوي فصال في قوله بعيد هذا: وإذا نسبا إلى ما يضافان إليه.. الخ.(٢) على أنه لزم من ذلك تركب الماهية من أجزاء غير متناهية فلزم منه عدم تحصل

األشخاص أيضا وقد جمعهما الشارح في الجوهر النضيد بقوله: وإنما وجب انتهاء األجناسفي التصاعد ألنه لوال ذلك لزم تركب الماهية من أجزاء غير متناهية ويلزم وجود علل

ومعلوالت ال يتناهى وهو محال (ص ١٤ ط ١).

(١٤٢)

Page 152: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

من حيث هو كلي قد انقسم إلى هذه الثالثة كذلك هذان - أعني الجنس والفصل -ينقسمان إليها.

قال: ومنهما عوال وسوافل ومتوسطات.أقول: الجنس قد يكون عاليا وهو الجنس الذي ليس فوقه جنس آخر

كالجوهر ويسمى جنس األجناس، وقد يكون سافال وهو الجنس األخير الذي الجنس تحته كالحيوان وقد يكون متوسطا وهو الذي فوقه جنس وتحته جنس

كالجسم. والفصل أيضا قد يكون عاليا وهو فصل الجنس العالي، وقد يكون سافالوهو فصل النوع السافل، وقد يكون متوسطا وهو فصل الجنس السافل والمتوسط.

قال: ومن الجنس ما هو مفرد (١) وهو الذي ال جنس له وليس تحته جنس،وهما إضافيان وقد يجتمعان مع التقابل.

أقول: من أقسام الجنس المفرد وهو الذي ال جنس فوقه وال تحته ويذكر فيمثاله العقل بشرط أن ال يكون الجوهر جنسا وأن يكون صدقه (٢) على أفراده

صدق الجنس على أنواعه.إذا عرفت هذا فالجنس والفصل إضافيان وكذا باقي المقوالت الخمس أعني

النوع والخاصة والعرض العام، فإن الجنس ليس جنسا لكل شئ بل لنوعه، وكذاالفصل وسائرها وقد يجتمع الجنس والفصل في شئ واحد مع تقابلهما ألن

الجنس مشترك والفصل خاص وذلك كاإلدراك الذي هو جنس للسمع والبصروباقي الحواس وفصل للحيوان بل قد تجتمع الخمس (٣) في شئ واحد ال باعتبار

--------------------(١) كما في (م) وحدها، والنسخ األخرى كلها: وفي الجنس ما هو مفرد. والشرح يناسب األول

حيث قال: من أقسام الجنس المفرد. وباقي المتن كان باتفاق النسخ كلها.(٢) أي صدق العقل على أفراده صدق الجنس على أنواعه ال صدق النوع على أفراده حتى

يصير الجوهر جنسا للعقل.(٣) قال الشيخ في منطق اإلشارات: وقد يكون الشئ بالقياس إلى كلي خاصة، وبالقياس إلى

ما هو أخص منه عرضا عاما، فإن المشي واألكل من خواص الحيوان ومن األعراض العامةوفي (ق): لزم التسلسل ولم جعل كل منهما - ثم إلى آخر مثل ما في (ز) - ونسخة (د)

كانت نحو ما في (ز) ثم صحح مثل ما في (ش).

(١٤٣)

Page 153: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

واحد لتقابلها، فإن الجنس لشئ يستحيل أن يكون فصال لذلك الشئ أو نوعا لهأو خاصة أو عرضا بالقياس إليه.

قال: وال يمكن أخذ الجنس بالنسبة إلى الفصل.أقول: ال يمكن أن يؤخذ الجنس بالنسبة إلى الفصل فيكون الجنس جنسا له

كما هو جنس للنوع وإال لم يكن فصال (١) الحتياجه إلى فصل يفصله عن غيره،فالوجه الذي به احتاج النوع إليه هو بعينه محتاج إلى آخر، فليس الجنس جنسا

للفصل بل عرضا عاما بالنسبة إليه وإنما هو جنس باعتبار النوع.قال: وإذا نسبا إلى ما يضافان إليه كان الجنس أعم والفصل مساويا.

أقول: إذا نسبنا الجنس والفصل إلى ما يضافان إليه أعني النوع كان الجنس أعممن المضاف إليه أعني النوع، لوجوب شركة الكثيرين المختلفين في الحقائق فيالجنس دون النوع، وأما الفصل فإنه يكون مساويا للنوع الذي يضاف الفصل إليه

بأنه فصل وال يجوز أن يكون أعم من النوع الستحالة استفادة التميز من األعم.المسألة الخامسة

في التشخصقال: والتشخص من األمور االعتبارية (٢) فإذا نظر إليه من حيث هو أمر عقلي

--------------------(١) ألن الجنس حينئذ يصير مقوما للفصل أي يكون جزء لماهيته. وأيضا لزم اعتبار جزء

واحد في الماهية مرتين وأنه باطل قطعا.(٢) أي من االعتباريات التي لها نفسية وواقعية، ال كاالعتباريات التي ال نفسية لها كما تحقق

في البحث عن نفس األمر، وال يلزم من كونه ذا نفسية أن يكون صفة زائدة على الذاتالمتشخصة كما أن زيدا موجود جزئي خارجي مثال وليس صفة الجزئية صفة زائدة على

ذاته وهذا هو المراد من أن التشخص أمر اعتباري ال وجود له في الخارج. ثم ال يخفى عليكأن التشخص أمر زائد على الماهية في كل واحد من أشخاص تلك الماهية ألن هذه الماهية

النوعية من حيث هي هي نفس تصورها غير مانع من صدقها على كثيرين، وأما الشخصفنفس تصوره مانع من الشركة ففي الشخص أمر زائد على الماهية وهو التشخص. نعم إن

هاهنا دقيقة في أمر الجزئي الذهني وهي أن الصورة العلمية وإن كانت مثالية جزئية كصورةالشمس مثال فهي من تلك الحيثية قابلة للصدق على الكثيرين من أمثالها أي الصورة العلمية

كلية مطلقا، وقد تحقق البحث عن ذلك في الحكمة المتعالية وإلهيات الشفاء، فتدبر.

(١٤٤)

Page 154: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وجد مشاركا لغيره من التشخصات فيه (١) وال يتسلسل بل ينقطع بانقطاع االعتبار.أقول: التشخص من ثواني المعقوالت ومن األمور االعتبارية ال من العينية (٢)

وإال لزم التسلسل، ثم إذا نظر إليه من حيث هو أمر عقلي كان مشاركا لغيره منالتشخصات في التشخص وال يتسلسل ذلك بل ينقطع بانقطاع االعتبار.

وهذا كأنه جواب عن سؤال مقدر وهو أن التشخص ليس من األمور العينيةوإال لزم التسلسل، ألن أفراد التشخصات قد اشتركت في مطلق التشخص فيحتاج

إلى تشخص آخر (٣) مغاير لما وقع به االشتراك، وال يجوز أن يكون عدميا ألفادتهاالمتياز وألنه يلزم أن تكون الماهية المتشخصة (٤) عدمية لعدم أحد جزئيها.

والجواب أنه أمر اعتباري عقلي ينقطع بانقطاع االعتبار.قال: أما ما به التشخص فقد يكون نفس الماهية فال تكثر وقد يستند إلى

المادة المتشخصة باألعراض الخاصة الحالة فيها.أقول: لما حقق أن التشخص من األمور االعتبارية ال العينية شرع في البحث

عن علة التشخص، واعلم أنه قد يكون نفس الماهية المتشخصة وقد يكون غيرها.(أما األول) فال يمكن أن يتكثر نوعه في الخارج فال يوجد منه البتة إال شخص

--------------------(١) ضمير فيه راجع إلى التشخص والظرف متعلق بقوله: مشاركا.

(٢) أي الخارجية.(٣) وفي (م، ق) إلى مخصص آخر.

(٤) ففيهما الماهية المشخصة.

(١٤٥)

Page 155: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

واحد، ألن الماهية علة لذلك التشخص، فلو وجدت مع غيره انفكت العلة عنالمعلول هذا خلف.

(وأما الثاني) فال بد له من مادة قابلة ال تكثر فيها (١) وتلك المادة تتشخصبانضمام أعراض خاصة إليها تحل فيها مثل الكم المعين والكيف المعين والوضع

المعين، وباعتبار تشخص تلك المادة تتشخص هذه الماهية الحالة فيها.قال: وال يحصل التشخص بانضمام كلي عقلي إلى مثله (٢).

أقول: إذا قيد الكلي العقلي بالكلي العقلي ال يحصل الجزئية، فإنا إذا قلنا لزيدأنه انسان ففيه شركة، فإذا قلنا العالم الزاهد ابن فالن الذي تكلم يوم كذا في موضع

كذا لم يزل احتمال الشركة فال يكون جزئيا. وإنما قيد بالعقلي ألنه ليس فيالخارج شركة وال كلية.

قال: والتميز يغاير التشخص ويجوز امتياز كل من الشيئين باآلخر.أقول: التشخص للشئ أنما هو في نفسه، وامتيازه أنما هو له باعتبار القياس

إلى ما يشاركه في معنى كلي بحيث لو لم يشاركه غيره لما احتاج إلى مميز زائدعلى حقيقته مع أنه متشخص، فالتميز والتشخص متغايران ويجوز أن يمتاز كل

واحد من الشيئين بصاحبه ال بامتيازه فال دور.قال: والمتشخص قد ال تعتبر مشاركته (٣) والكلي قد يكون إضافيا فيتميز

والشخص المندرج تحت عام متميز.--------------------

(١) كما في (م) والنسخ األخرى: قابلة للتكثر وتلك المادة.. الخ.(٢) كلمة الكلي تطلق باشتراك اللفظ على معاني عديدة جمعناها في كتابنا ألف نكتة ونكتةوالنكتة الرابعة والتسعين والثالثمائة منها في ذلك اإلطالق. والقيد بالعقلي إما لالحتراز على

الطبيعي المقابل للطبيعي والمنطقي، أو المراد منه ما يحصل في العقل ولكل منهما وجه كمافي الشوارق على التفصيل. وقال القوشجي: ولم يظهر لي بعد فائدة تقييد الكلي بالعقلي.(٣) والكلي قد يكون إضافيا فيتميز، فال تشخص. والشخص المندرج تحت عام متميز،

فاجتمع التشخص والتميز.

(١٤٦)

Page 156: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: لما ذكر أن التشخص والتميز متغايران انتفى العموم المطلق بينهما،وذلك ألن كل واحد منهما يصدق بدون اآلخر ويصدقان معا على شئ ثالث وكل

شيئين هذا شأنهما فبينهما عموم من وجه أما صدق التشخص بدون التميز ففيالشخص الذي ال تعتبر مشاركته لغيره وإن كان ال بد له من المشاركة في نفس

األمر ولو في األعراض العامة.وأما صدق التميز بدون التشخص ففي الكلي إذا كان جزئيا إضافيا يندرج

تحت كلي آخر فإنه يكون ممتازا عن غيره وليس بمتشخص.وأما صدقهما على شئ واحد ففي التشخص المندرج تحت غيره إذا اعتبر

اندراجه فإنه متشخص ومتميز.المسألة السادسة

في البحث عن الوحدة والكثرةقال: والتشخص يغاير الوحدة.

أقول: الوحدة عبارة عن كون المعقول غير قابل للقسمة من حيث هو واحد،وهو مغاير للتشخص ألن الوحدة قد تصدق على الكلي غير المتشخص، وعلى

الكثرة نفسها من دون صدق التشخص عليهما.قال: وهي تغاير الوجود لصدقه على الكثير من حيث هو كثير بخالف الوحدة،

وتساوقه.أقول: قد ظن قوم أن الوجود والوحدة عبارتان عن شئ واحد لصدقهما

على جميع األشياء وهو خطأ، فإنه ال يلزم من المالزمة االتحاد. ثم الدليل علىتغايرهما أن الكثير من حيث إنه كثير يصدق عليه أنه موجود وليس بواحد،

فالموجود غير الواحد من الشكل الثالث.نعم، الوحدة تساوق الوجود وتالزمه، فكل موجود فهو واحد والكثرة يصدقعليها الواحد ال من حيث هي كثرة على معنى أن الوحدة تصدق على العارض

(١٤٧)

Page 157: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أعني الكثرة ال على ما عرضت له الكثرة، وكذلك كل واحد فهو موجود إما فياألعيان أو في األذهان فهما متالزمان.

المسألة السابعةفي أن الوحدة غنية عن التعريف

قال: وال يمكن تعريفها إال باعتبار اللفظ.أقول: الوحدة والكثرة من المتصورات البديهية فال يحتاج في تصورهما إلى

اكتساب، فال يمكن تعريفهما إال باعتبار اللفظ بمعنى أن يبدل لفظ بلفظ آخرأوضح منه، ال أنه تعريف معنوي (١).

قال: وهي والكثرة عند العقل والخيال تستويان في كون كل منهما أعرفباالقتسام.

أقول: الوحدة والكثرة عند العقل والخيال تستويان في كون كل منهما أعرفمن صاحبتها باالقتسام، فإن الوحدة أعرف (٢) عند العقل والكثرة أعرف عند

الخيال ألن الخيال يدرك الكثرة أوال ثم العقل ينزع منها أمرا واحدا، والعقل يدركأعم األمور أوال وهو الواحد ثم يأخذ بعد ذلك في التفصيل، فقد ظهر أن الكثرة

والوحدة مستويتان في كون كل واحدة منهما أعرف من صاحبتها لكن باالقتسامفإن الكثرة أعرف عند الخيال والوحدة أعرف عند العقل، فقد اقتسم العقل

--------------------(١) كما تقدم البحث عنه مفصال في المسألة األولى من صدر الكتاب.

(٢) في أول الفصل الثالث من ثالثة إلهيات الشفاء (ص ٣٣٩ ط ١): يشبه أن تكون الكثرةأعرف عند تخيلنا والوحدة أعرف عند عقولنا. ويشبه أن تكون الوحدة والكثرة من األمور

التي نتصورها بديا لكن الكثرة نتخيلها أوال والوحدة نعقلها أوال والوحدة نعقلها من غيرمبدأ لتصورها عقلي بل إن كان وال بد فخيالي. وفي الحكمة المنظومة (ص ١٠٣).

وسر أعرفية األعم سنخية لذاتك األتمووحدة عند العقول أعرف وكثرة عند الخيال أكشف

(١٤٨)

Page 158: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

والخيال وصف األعرفية لهما، فإذا حاولنا تعريف الوحدة عند الخيال عرفناهابالكثرة، وإذا حاولنا تعريف الكثرة عند العقل عرفناها بالوحدة.

المسألة الثامنةفي أن الوحدة ليست ثابتة في األعيان (١)

قال: وليست الوحدة أمرا عينيا بل هي من ثواني المعقوالت وكذا الكثرة.أقول: الوحدة إن كانت سلبية لم تكن سلب أي شئ كان بل سلب مقابلها

أعني الكثرة، فالكثرة إن كانت عدمية كانت الوحدة عدما للعدم فتكون ثبوتية (٢)،وإن كانت وجودية (٣) كان مجموع العدمات (٤) أمرا وجوديا وهو محال، وإن

كانت ثبوتية (٥) فإن كانت ثابتة في الخارج لزم التسلسل وإن كانت ثابتة فيالذهن فهو المطلوب، فإذن الوحدة أمر عقلي اعتباري يحصل في العقل عند فرض

عدم انقسام الملحوق وهي من المعقوالت الثانية العارضة للمعقوالت األولى،وكذا الكثرة ألنه ال يمكن أن تتصور وحدة أو كثرة قائمة بنفسها بل إنما تتصور

عارضة لغيرها.المسألة التاسعة

في التقابل بين الوحدة والكثرةقال: وتقابلهما إلضافة العلية (٦) والمعلولية والمكيالية والمكيلية ال لتقابل

--------------------(١) وفي األسفار: (وال تصغ إلى من يقول الوحدة من االعتبارات..) (ط ١ ج ١ ص ١٣١).

(٢) أي الوحدة.(٣) أي الكثرة، فالجملة عطف على قوله: إن كانت عدمية، ألن الوجود مقابل العدم.

(٤) أي مجموع الوحدات السلبية ألن الكالم في أن تكون الوحدة سلبيا فال تغفل.(٥) أي الوحدة، فالجملة عطف على قوله: إن كانت سلبية، ألن الثبوت مقابل السلب.

(٦) أقسام التقابل غير جارية بين الوحدة والكثرة وإنما التقابل بينهما بالعرض والشيخ قدبحث عن تقابل الوحدة والكثرة في سادس ثالثة إلهيات الشفاء (ص ٨٨ - ٩٢ ط ١) على

التفصيل وبعد البيان في عدم أصناف التقابل فيهما قال: فبالحري أن تجزم أن ال تقابلبينهما في ذاتيهما ولكن يلحقهما تقابل وهو أن الوحدة من حيث هي مكيال تقابل الكثرة منحيث هي مكيل، وليس كون الشئ وحدة وكونه مكيال شيئا واحدا بل بينهما فرق، والوحدة

يعرض لها أن تكون مكياال كما أنها يعرض لها أن تكون علة، الخ. ومعنى كون الوحدة مكياالللكثرة أنها تفنيها مرة بعد أخرى كما أن العاد في الكم المنفصل، والمقدر في الكم المتصل

كذلك إال أن الواحد ال يكون عادا وإن كان مفنيا كما حقق في العلوم الرياضية. وستعلمأصناف التقابل في المسألة الحادية عشرة من هذا الفصل.

(١٤٩)

Page 159: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

جوهري بينهما.أقول: إن الوحدة وإن كانت تعرض لجميع األشياء حتى الكثرة نفسها لكنها ال

تجامع الكثرة في موضوع واحد بالقياس إلى شئ واحد، فإن موضوع الكثرة منحيث صدق الكثرة عليه ال يمكن صدق الوحدة عليه فبينهما تقابل قطعا.

إذا عرفت هذا فنقول: إنك ستعلم أن أصناف التقابل أربعة: إما تقابل السلبواإليجاب أو العدم والملكة أو التضايف أو التضاد، وليس بين الوحدة والكثرة

تقابل جوهري أي ذاتي يستند إلى ذاتيهما بوجه من الوجوه األربعة، ألن الوحدةمقومة للكثرة ومبدأ لها، وهما ثبوتيتان فليستا بسلب وإيجاب، وال عدم وملكة،

وال متضايفتين ألن المقوم متقدم والمضايف مصاحب، وال متضادتين المتناعتقوم أحد الضدين باآلخر فلم يبق بينهما إال تقابل عرضي وهو باعتبار عروضالعلية والمعلولية والمكيالية والمكيلية العارضتين لهما، فإن الوحدة علة للكثرة

ومكيال لها والكثرة معلولة ومكيلة، فبينهما هذا النوع من التضايف فكان التقابلعرضيا ال ذاتيا.المسألة العاشرة

في أقسام الواحد (١)قال: ثم معروضهما قد يكون واحدا فله جهتان بالضرورة، فجهة الوحدة إن

--------------------(١) باتفاق النسخ كلها.

(١٥٠)

Page 160: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

لم تقوم جهة الكثرة وال تعرض لها فالوحدة عرضية، وإن عرضت كانت موضوعاأو محموالت عارضة لموضوع أو بالعكس، وإن قومت فوحدة جنسية أو نوعية أو

فصلية، وقد يتغاير (١) فموضوع مجرد عدم االنقسام ال غير وحدة بقول مطلق (٢)وإال نقطة إن كان له مفهوم زائد ذو وضع، أو مفارق إن لم يكن ذا وضع، هذا إن

لم يقبل القسمة وإال فهو مقدار أو جسم بسيط أو مركب.أقول: قد بينا أن الوحدة والكثرة من المعقوالت الثانية (٣) العارضة

للمعقوالت األولى، إذا عرفت هذا فموضوعهما أعني المعروض إما أن يكونواحدا أو كثيرا، فإن كان واحدا كانت جهة وحدته غير جهة كثرته (٤) بالضرورة

الستحالة كون الشئ الواحد باالعتبار الواحد واحدا وكثيرا، وإذا ثبت أنه ذوجهتين فإما أن تكون جهة الوحدة مقومة لجهة الكثرة أو ال، فإن لم تكن مقومةفإما أن تكون عارضة لها أو ال، فإن لم تكن عارضة فهي الوحدة بالعرض كما

تقول نسبة الملك إلى المدينة كنسبة الرائس (٥) إلى السفينة، وكذلك حال النفسإلى البدن (٦) كحال الملك إلى المدينة فإنه ليس هناك نسبة واحدة وال حالة واحدة

--------------------(١) عطف على قوله قد يكون واحدا، أي وقد يتغاير معروضهما.

(٢) وفي بعض النسخ وحدة شخصية بقول مطلق، أي وحدة هي شخص من أشخاص مفهومالوحدة، فإن مفهوم الوحدة واحد من حيث الذات كثير من حيث األفراد فهو غير داخل فيالمقسم. والمراد بقول مطلق أنها وحدة من غير إضافة إلى شئ، بأن يقال مثال وحدة النقطة

أو وحدة العقل وغير ذلك.(٣) بينه في المسألة الثامنة قبيل ذلك.

(٤) وذلك كأفراد االنسان مثال فإنها كثيرة من حيث أشخاصها وواحدة من حيث إنها انسان.(٥) كما في (م) والباقية: كنسبة الربان، الربان بالباء الموحدة كرمان هو الفالح ويقال له المالح

أيضا وهو بالفارسية ناخدا. وفي منتهى اإلرب: ربان كرمان مهتر كشتيبان كه كشتى راند.(٦) التحقيق أن حال النفس إلى البدن أرفع من نحو هذا القول، فإن البدن من حيث هو بدن

مرتبة نازلة للنفس واإلنسان الواحد الشخصي له مرتبة طبيعية ومرتبة مثالية ومرتبة عقليةومرتبة الهوتية (ما لكم ال ترجون لله وقارا × وقد خلقكم أطوارا).

ثم مراد الشارح أن التدبير وهو جهة الوحدة بين النسبتين ليس مقوما وال عارضا ألنه غيرمحمول عليهما، إذ المدبر هو النفس والملك ال نسبتاهما.

(١٥١)

Page 161: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

بل هما نسبتان وحالتان، فالوحدة بينهما عرضية (١).وإن كانت الوحدة عارضة للكثرة فأقسامه ثالثة: أحدها: أن تكون موضوعا

كما تقول، االنسان هو الكاتب، فإن جهة الوحدة هنا هي االنسانية وهي موضوع.الثاني: أن تكون محموالت عرضت لموضوع واحد كقولنا: الكاتب هو الضاحك،فإن جهة الوحدة ما هو موضوع لهما أعني االنسان. الثالث: أن تكون موضوعات

لمحمول واحد كقولنا: القطن هو الثلج (٢)، فإن جهة الوحدة هي صفة لهما أعنيالبياض.

وأما إن كانت جهة الوحدة مقومة لجهة الكثرة فهي جنس إن كانت مقولة علىكثرة مختلفة (٣) بالحقائق في جواب ما هو، ونوع إن كانت الحقائق متفقة (٤)،

وفصل إن كانت مقولة (٥) في جواب أي ما هو في جوهره.وإن كان موضوعهما كثيرا أعني يكون موضوع الوحدة شخصا واحدا فإما أنيكون ذلك الموضوع هو موضوع مجرد عدم االنقسام ال غير أعني أن يكونوجود ذلك الشخص هو أنه شئ غير منقسم وليس له مفهوم وراء ذلك وهو

الوحدة نفسها (٦)، أو يكون له مفهوم آخر فإن كان ذا وضع فهو النقطة وإال فهوالعقل والنفس.

هذا إن لم يقبل القسمة، وإن كان الموضوع للوحدة قابال للقسمة فإما أن تكونأجزاؤه مساوية لكله أو ال، واألول هو المقدار إن كان قبوله لالنقسام لذاته وإال

فهو الجسم البسيط، والثاني األجسام المركبة.--------------------

(١) كما في (م) والنسخ األخرى: فالوحدة فيهما عرضية.(٢) فإنهما كثير بذاتهما وواحد من حيث أنهما أبيض، فاألبيض جهة الوحدة وهو عارض ذاتي

للقطن والثلج اللذين هما جهتا الكثرة.(٣) كوحدة االنسان والفرس من حيث إنهما حيوان.

(٤) كوحدة زيد وعمرو من حيث إنهما انسان.(٥) كوحدة زيد وعمرو من حيث إنهما ناطق.

(٦) كما سيأتي في آخر هذه المسألة من أن الوحدة قد تعرض لذاتها.

(١٥٢)

Page 162: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قال: وبعض هذه أولى من بعض بالوحدة.أقول: الواحد من المعاني المقول على ما تحته بالتشكيك فإن بعض أفراده

أولى باسمه من بعض، فإن نفس الوحدة الحقيقية أولى بالواحد من العرضية،والواحد بالشخص أولى به من الواحد بالنوع، وهو أولى به من الواحد بالجنس،

والوحدة من أقسام الواحد أولى به من غيرها وهذا ظاهر.قال: والهو هو على هذا النحو (١).

أقول: الهو هو أن يكون للكثير من وجه وحدة من وجه، فقياس الهو هوقياس الوحدة، فكما يقال: الوحدة إما في وصف عرضي أو ذاتي كذلك الهو هو،

وبالجملة أقسام الوحدة هي أقسام الهو هو لكن مع الكثرة فال يعرض (٢) للشخصالواحد بخالف الوحدة.

قال: والوحدة في الوصف (٣) العرضي والذاتي تتغاير أسماؤها بتغايرالمضاف إليه.

أقول: الوحدة في الوصف العرضي والذاتي تتغاير أسماؤها بتغاير المضاف إليه،فإن الوصف العرضي وهو المضاف إليه الوحدة إن كان كيفا سمي مشابهة، وإن كان

في الكم سمي مساواة، وإن كان في اإلضافة سمي مناسبة، وإن كان في الخاصةسمي مشاكلة، وإن كان في اتحاد األطراف سمي مطابقة، وإن كان في اتحاد وضع

األجزاء سمي موازاة، وباقي األعراض ليس لها أسماء خاصة.--------------------

(١) الهو هو لفظ مركب جعل اسما فعرف بالالم والمراد به الحمل اإليجابي بالمواطاة.(٢) ضمير الفعل راجع إلى الهو هو أي ال يعرض الهو هو للشخص الواحد بخالف الوحدة.

(٣) المتن والشرح مطابقان للنسخ كلها، وما في المطبوعة قد سقط منها سطر. والمراد من قولههذا أن الشيئين المتغايرين إن اتحدا في الوصف العرضي كالثلج والعاج في البياض، أو

اتحدا في الوصف الذاتي كاالنسان والفرس في الحيوانية، فإن أسماء الوحدة تتغاير بتغيرالمضاف إليه الوحدة ألن الوحدة تضاف إلى ذلك الوصف كوحدة البياض في األولين،

ووحدة الحيوانية في األخيرين، وغيرهما.

(١٥٣)

Page 163: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وأما الوصف الذاتي الذي تضاف إليه الوحدة أيضا إن كان في الجنس سميمجانسة وإن كان في النوع سمي مماثلة.

قال: واالتحاد محال فالهو هو يستدعي جهتي تغاير واتحاد على ما سلف (١).أقول: اتحاد االثنين غير معقول ألنهما بعد االتحاد إن بقيا فهما اثنان وإن

عدما فال اتحاد، وإن عدم أحدهما دون اآلخر فال اتحاد الستحالة اتحاد المعدومبالموجود، وليس قولنا: هو هو اتحادا مطلقا بل معناه أن الشيئين يتحدان من وجه

ويتغايران من وجه، بمعنى أن الشئ الذي يقال له أحدهما يقال له اآلخر.قال: والوحدة مبدأ العدد المتقوم بها ال غير (٢).

--------------------(١) سلف في المسألة الثامنة والثالثين من الفصل األول.

(٢) أقول العدد إن عرف بأنه كمية تطلق على الواحد وما تألف منه قيل فيدخل الواحد فيه، وإنعرف بأنه نصف مجموع حاشيتيه - كاألربعة مثال حيث إن حاشيتها التحتانية ثالثة،

والفوقانية خمسة فالمجموع من الحاشيتين ثمانية فاألربعة نصف مجموع هاتين الحاشيتينمنها - قيل: فيخرج الواحد منه. وعرف أيضا بأنه كمية تحصل من الواحد بالتكرير أو

بالتجزية حتى يشمل التعريف الكسور أيضا فهذا التعريف عندهم هو الجامع دون األولين.ويرد على األول بأن العدد كم منفصل والكم يقبل االنقسام، والوحدة ال تقبله. وعلى الثاني

بأن الواحد أيضا نصف مجموع حاشيتيه ألن الحاشية أعم من الصحيح والكسر والواحدحاشيته التحتانية نصف، والفوقانية واحد ونصف إذ الحاشية التحتانية لكل عدد تنقص عنه

بمقدار زيادة الفوقانية والمجموع من النصف والواحد والنصف اثنان فالواحد نصف مجموعحاشيتيه، فتأمل. فالحق كما قال العالمة البهائي في أول خالصة الحساب: إن الواحد ليس

بعدد وإن تألف منه األعداد، كما أن الجوهر الفرد عند مثبتيه ليس بجسم وإن تألفت منهاألجسام، وذلك لما قلنا إن العدد لكونه كما يقبل االنقسام والوحدة ال تقبله. وفي الشفاء لم

تكن الوحدة غير عدد ألنها ال انفصال فيها إلى وحدات (ج ٢ ط ١ ص ٤٤١).تبصرة: قال موالنا اإلمام سيد الساجدين عليه السالم في دعائه متفزعا إلى الله تعالى من الصحيفة

الكاملة: لك يا إلهي وحدانية العدد. وال يخفى على البصير لطائف كالمه ودقائق أسراره،ولعل ما في الفص اإلدريسي من فصوص الحكم، وما في أوائل المرحلة الخامسة من

األسفار في بعض أحكام الوحدة والكثرة (ص ١٣٤ ج ١ ط ١) وما في علم اليقين للفيض فيالوحدة والعدد وخواصه (ص ٢٦٠ من الطبع الرحلي) وكذلك بعض رسائلنا كلقاء الله تعالى

والوحدة في نظر العارف والحكيم يفيدك في ذلك إفادة تامة إن أخذت الفطانة بيدك.

(١٥٤)

Page 164: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: هاهنا بحثان: األول: الوحدة مبدأ العدد فإن العدد إنما يحصل منها ومنفرض غيرها من نوعها، فإنك إذا عقلت وحدة مع وحدة عقلت اثنينية، ونبه بهذا

أيضا على أنها ليست عددا.الثاني: العدد أنما يتقوم بالوحدات ال غير، فليست العشرة متقومة بخمسة

وخمسة وال بستة وأربعة وال بسبعة وثالثة وال بثمانية واثنين بل بالواحد عشرمرات، وكذلك كل عدد فإن قوامه من الوحدات التي تبلغ جملتها ذلك النوع

وتكون كل واحدة من تلك الوحدات جزءا من ماهيته فإنه ليس تركب العشرة منالخمستين أولى من تركبها من الستة واألربعة وغيرها من أنواع األعداد التي

تحتها، وال يمكن أن يكون الكل مقوما لحصول االكتفاء بنوع واحد من التركيب،وإلى هذا أشار أرسطو (١) بقوله: ال تحسبن أن ستة ثالثتان بل ستة مرة واحدة.

قال: وإذا أضيف إليها مثلها حصلت االثنينية وهي نوع من العدد ثم تحصلأنواع ال تتناهى بتزايد واحد واحد مختلفة الحقائق هي أنواع العدد.

أقول: إذا أضيف إلى الوحدة وحدة أخرى حصلت االثنينية وهي نوع منالعدد - وقد ذهب قوم غير محققين إلى أن االثنين ليس من العدد ألنه الزوج

األول، فال يكون نوعا من العدد كالواحد الذي هو الفرد األول. وهذا خطأ ألنخواص العدد موجودة فيه (٢) وتمثيله بالواحد ال يفيد اليقين وال الظن - فإذا انضمإليهما واحد آخر حصلت الثالثة وهي نوع آخر من العدد، فإذا انضم آخر حصلتاألربعة وهي نوع آخر مخالف لألول، وعلى هذا كلما زاد العدد واحدا حصل نوع

--------------------(١) قاله الشيخ في الخامس من ثالثة إلهيات الشفاء بعد البحث عن حد العدد: ولهذا ما قالالفيلسوف المقدم ال تحسبن أن ستة ثالثة وثالثة بل هو ستة مرة واحدة (ص ٣٤٠ ط ١).

(٢) من خواصه أنه كم منفصل واالثنان كذلك، وأنه نصف مجموع حاشيتيه واالثنان كذلك ألنحاشيته الفوقانية ثالث والتحتانية واحدة ومجموعهما أربعة واالثنان نصفها، وأن االثنين

صحيح وجذر لألربعة، وأنه مضعف واحدة، وأنه تام، وأنه منطق.

(١٥٥)

Page 165: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

آخر من العدد، وهذه األعداد أنواع مختلفة في الحقيقة الختالفها في لوازمهاكالصمم والمنطقية (١) وأشباههما ولما كان التزايد غير متناه بل كل مرتبة يفرضها

العقل يمكنه أن يزيد عليها واحدا فيحصل عدد آخر مخالف لما تقدمه بالنوعكانت أنواع العدد غير متناهية.

قال: وكل واحد منها أمر اعتباري يحكم به العقل على الحقائق إذا انضمبعضها إلى بعض في العقل انضماما بحسبه.

أقول: كل واحد من أنواع العدد أمر اعتباري ليس بثابت في األعيان بل فياألذهان يحكم به العقل على الحقائق كأفراد االنسان أو الفرس (٢) أو الحجر أوغيرها إذا انضم بعض تلك األفراد إلى البعض سواء اتحدت في الماهية أو اختلفت

فيها، بل يؤخذ مجرد االنضمام في العقل انضماما بحسب ذلك النوع من العدد، فإنهإذا انضم واحد إلى واحد حصل اثنان ولو انضمت حقيقة مع حقيقة مع ثالثة

حصلت الثالثة وهكذا.وإنما لم يكن العدد ثابتا في الخارج ألنه لو كان كذلك لكان عرضا قائما

بالمحل الستحالة جوهريته واستقالله في القيام بنفسه ألنه ال يعقل إال عارضالغيره فذلك الغير إما أن تكون له وحدة باعتبارها يحل فيه العرض الواحد أو ال

--------------------(١) إعلم أن العدد إما مطلق أو مضاف، واألول يسمى الصحيح ألنه غير مضاف إلى غيره،

والثاني يقابله ألن الجزء يضاف إلى ما فرض واحدا له ولذلك سمي كسرا. والمطلق إن كان لهأحد الكسور التسعة أو جذر فمنطق - بالفتح - وإال فأصم. والجذر هو العدد المضروب في

نفسه كالثالثة فإنها إذا ضربت في نفسه حصلت منه تسعة فيسمى الثالثة جذرا والتسعةمجذورا. وإنما سمي منطقا لنطقه بكسره أو جذره، وأصم لعدم نطقه بأحدهما. والمنطق إن

ساوى أجزاؤه فتام كالستة فإن لها نصفا وثلثا وسدسا أي الثالثة واالثنان والواحدومجموعها ستة، وسمي تاما لتمامية عدده بالنسبة إلى أجزائه. وإن زاد عليها فناقص

كالثمانية فإن لها نصفا وربعا وثمنا ومجتمعها سبعة، سمي ناقصا لنقصان أجزائه منه. وإننقص عنها فزائد كاالثني عشر فإن له نصفا وربعا وثلثا وسدسا ومجموعها خمسة عشر،

سمي زائدا لزيادة أجزائه عنه.(٢) تمثيل للحقائق.

(١٥٦)

Page 166: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

يكون، فإن كان األول فتلك الوحدة إن وجدت في اآلحاد لزم قيام العرض الواحدبالمحال المتعددة، وإن قام بكل واحد وحدة على حدته لم يكن لذلك المجموع

وحدة باعتبارها يكون محال للعدد وقد فرض خالفه، وإن كان الثاني فالعدد إماأن يكون موجودا في كل واحد من األجزاء أو في أحدها، وعلى التقديرين يكون

الواحد عددا هذا خلف.قال: والوحدة قد تعرض لذاتها ومقابلها وتنقطع بانقطاع االعتبار.

أقول: قد بينا (١) أن الوحدة والكثرة من ثواني المعقوالت، فالوحدة تعرضلكل شئ يفرض العقل فيه عدم االنقسام حتى أنها تعرض لنفس الوحدة فيقالوحدة واحدة، لكن تنقطع بانقطاع االعتبار وتعرض الوحدة أيضا لما يقابلها

فيقال كثرة واحدة.قال: وقد تعرض لها شركة فتتخصص بالمشهوري وكذا المقابل.

أقول: الذي يفهم من هذا الكالم (٢) أن الوحدة قد تعرض لها الشركة مع غيرهامن الوحدات في مفهوم عدم االنقسام أعني مفهوم مطلق الوحدة، وذلك إذا أخذت

الوحدات متخصصة بموضوعاتها، فإن وحدة زيد تشارك وحدة عمرو في مفهومكونها وحدة، وحينئذ تتخصص كل وحدة عن األخرى بما تضاف إليه، فإن وحدة

زيد تتخصص عن وحدة عمرو بإضافتها إلى زيد، وزيد هو المضاف المشهوريألنه واحد بالوحدة، والوحدة مضاف حقيقي فإن الوحدة وحدة للواحد والواحد

واحد بالوحدة، وذات الواحد مضاف مشهوري أعني ذات زيد وعمرو وغيرهما،فإذا أخذت الوحدة مضافة إلى زيد تخصصت وامتازت عن وحدة عمرو.

وكذلك مقابل الوحدة أعني الكثرة فإن عشرية األناسي (٣) مساوية لعشرية--------------------

(١) بينه في ثامنة هذا الفصل.(٢) قال في الشوارق: هذا أحسن ما قيل في توجيه المتن (ص ١٧٨ ط ١ ج ١).

(٣) إنس بالكسر مردم، أنسي بالتحريك وإنسي يكى، أناسي بالتشديد والتخفيف وأناسيةوأناس جمع (منتهى اإلرب).

(١٥٧)

Page 167: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

األفراس في مفهوم العشرية والكثرة، وإنما تتمايزان بالمضاف إليه - أعنياألناسي واألفراس - وهما المضافان المشهوريان.

وقد يمكن أن يفهم من هذا الكالم أن مجرد الوحدة - أعني نفس عدماالنقسام - أمر مشترك بين كل ما يطلق عليه الواحد فليس واحدا حقيقيا، أما

الذات التي يصدق عليها أنها واحدة - أعني المشهوري - فإنها ممتازة عن غيرهافهي أحق باسم الواحد فيخصص المشهوري بالواحد الحقيقي وكذا البحث في

الكثرة، واألول أنسب.قال: وتضاف إلى موضوعها (١) باعتبارين وإلى مقابلها بثالث وكذا المقابل.أقول: أقرب ما يمكن أن يفسر به هذا الكالم أن الوحدة وحدة للواحد أعنيالموضوع لها الذي تقوم الوحدة به فلها إضافة بهذا االعتبار وهي عرض قائم

بالموضوع فلها إضافة الحلول، وهاتان إضافتان عرضتا لها بالنسبة إلى موضوعهاوتعرض لها إضافة ثالثة بالنسبة إلى ما يقابلها أعني الكثرة وهي نسبة التقابل.

ومثل هذا النسب الثالث تعرض لمقابل الوحدة أعني الكثرة.المسألة الحادية عشرةفي البحث عن التقابل

قال: ويعرض له ما يستحيل عروضه لها من التقابل.أقول: يعني به أن المقابل للوحدة - أعني الكثرة - يعرض له ما يستحيل

عروضه للوحدة وهو التقابل، فإن التقابل ال يمكن أن يعرض للواحد وإنما يعرضللكثير من حيث هو كثير، ومفهوم التقابل هو عدم االجتماع في شئ واحد في

--------------------(١) وفي (ت) وحدها: وتضاف إلى معروضها، والنسخ األخرى كلها: وتضاف إلى موضوعها.

وقد مضى في أول هذه المسألة كالم الشارح في تفسير الموضوع بالمعروض حيث قال: إذاعرفت هذا فموضوعهما أعني المعروض، بل كان عبارة الماتن هناك المعروض أيضا حيث

قال: ثم معروضهما قد يكون واحدا.. الخ.

(١٥٨)

Page 168: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

زمان واحد من جهة واحدة.قال: المتنوع إلى أنواعه األربعة (١) أعني السلب واإليجاب وهو راجع (٢) إلى

القول والعقد، والعدم والملكة وهو األول مأخوذا باعتبار خصوصية ما، وتقابلالضدين وهما وجوديان ويتعاكس هو وما قبله في التحقيق والمشهورية، وتقابل

التضايف.أقول: ذكر الحكماء أن أصناف التقابل أربعة، وذلك ألن المتقابلين إما أن

يكون أحدهما وجوديا واآلخر عدميا، أو يكونا وجوديين، وال يمكن أن يكوناعدميين لعدم التقابل بين األمور العدمية، إذ السلب المطلق أنما يقابله االيجاب إما

مطلق أو خاص، وال يقابله سلب مطلق ألنه نفسه، وال سلب خاص ألنه جزئيتحته والسلب الخاص إنما يقابله إيجاب خاص، ال سلب مطلق ألنه جزئي له والسلب خاص ألن مقابليهما (٣) إن لم يتقابال فظاهر أنهما ال يتقابالن، وكذلك إن

--------------------(١) المتنوع مجرور صفة للتقابل، وكل واحد من السلب واإليجاب والعدم والملكة وتقابلالضدين وتقابل التضايف منصوب بقوله: أعني. ثم الظاهر من شرح الشارح أنه جعل القولوالعقد مترادفين. وفي مصنفات القوم فسر القول بالوجود اللفظي، والعقد بالوجود الذهنيفالعقد بمعنى المعتقد. ونقل صاحب الشوارق العقل بالالم بدل العقد بالدال ثم فسر القول

بالوجود اللفظي، والعقل بالوجود الذهني. وفي غوص القضايا من الآللي المنظومة:والعقد والقضية ترادفا إذ ارتباطا واعتقادا صادفا

وقال في الشرح: والمقصود أن العقد الذي يطلق على القضية إما بمعنى الربط أو بمعنىاالعتقاد وكل منهما يناسب القضية، إنتهى. ثم إطالق القول على القضية سائر في عباراتالقوم وفي هذا الغوص من الآللي أيضا: أن القضية لقول محتمل للصدق والكذب وطار ما

أخل.ثم إن النسخ كلها كانت العبارة كما اخترناه إال نسخة (ت) ففيها: في التحقيق والمشهوري، ثم

كتبت فوق المشهوري والمشهورية خ ل.(٢) والحق أن التقابل بحسب اإليجاب والسلب ال يختص بالقضايا بل جار فيهما وفي

المفردات أيضا كما حقق في أول الفصل السادس من المرحلة الخامسة من األصفار (ط ١ -ج ١ - ص ١٣٦).

(٣) أي مقابل السلب الخاص األصل، ومقابل السلب الخاص المقابل له. توضيح هذا الكالم أن السلبالخاص ال يقابله سلب خاص، مثال أن عدم الناطق ال يقابله عدم االنسان، وكذلك

عدم الفرس ال يقابله عدم البقر، وذلك ألن مقابليهما أي مقابل السلب الخاص األصل،ومقابل السلب الخاص المقابل لألصل إن لم يتقابال كالمثال األول حيث إن عدم االنسان

سلب خاص مقابل لسلب خاص آخر وهو عدم الناطق ومقابالهما وهما االنسان والناطق لميتقابال كما ال يخفى، فالظاهر أنهما أعني السلب الخاص األصل والسلب الخاص المقابل له

ال يتقابالن كما هو ظاهر، ألن نقيض المتساويين متساويان.وكذلك إن تقابال - أي تقابل مقابال السلبين الخاصيين األصل والمقابل، كالمثال الثاني حيث

إن الفرس مقابل للبقر والفرس والبقر مقابال السلبين الخاصين - ال يتقابالن أيضا لصدقهمامعا أي لصدق السلب الخاص األصل والسلب الخاص المقابل له معا على غير المتقابلين،

Page 169: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

المتقابالن الفرس والبقر مثال وغيرهما كل ما كان غيرهما مثال يصدق على اإلبل بأنه عدمالفرس كما يصدق عليه بأنه عدم البقر الذي كان مقابال لعدم الفرس.

(١٥٩)

Page 170: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

تقابال لصدقهما معا على غير المتقابلين، وهذا كله ظاهر.إذا ثبت هذا فنقول: المتقابالن إما أن يؤخذا باعتبار القول والعقد، أو بحسب

الحقائق أنفسها، واألول هو تقابل السلب واإليجاب كقولنا: زيد كاتب، زيد ليسبكاتب.

والثاني إما أن يكون أحدهما عدميا أو يكونا وجوديين، واألول هو تقابلالعدم والملكة وهو يقارب تقابل السلب واإليجاب، لكن الفرق بينهما أن السلب

واإليجاب في األول مأخوذ باعتبار مطلق والثاني مأخوذ باعتبار شئ واحد.واعلم أن الملكة هو وجود الشئ في نفسه والعدم هو انتفاء تلك الملكة عن

شئ من شأنه أن يكون له كالعمى والبصر.وإن كانا وجوديين فإن عقل أحدهما بالقياس إلى اآلخر فهو تقابل التضايف

كاألبوة والبنوة وإال فهو تقابل التضاد كالسواد والبياض.واعلم أن تقابل التضاد يعاكس تقابل العدم والملكة في التحقيق والمشهورية،

وذلك ألن الضدين في المشهور (١) يطلقان على كل وجوديين متقابلين ال يعقل--------------------

(١) هذا التفسير منه للضدين في المشهور هاهنا ليس بسديد، والحق ما قاله في شرحه علىمنطق التجريد للمصنف الموسوم بالجوهر النضيد من أن تقابل الضدين يطلق في المشهور

على معنى وفي التحقيق على معنى آخر. أما في المشهور فيطلق الضدان على كل أمرينينسبان إلى موضوع واحد وال يمكن أن يجتمعا فيه سواء كانا وجوديين أو أحدهما، وسواء

اندرجا تحت جنس قريب أو ال كما يجعلون الذكورة ضد األنوثة، وأما بحسب التحقيقمصطلح الحكماء فيطلق الضدان على كل وجوديين بينهما غاية التباعد بشرط اندراجهما

تحت جنس قريب يصح منهما أن يتعاقبا على موضوع واحد وارتفاعهما معا عنه، وكذلكالمصنف في أساس االقتباس والمتأله الشيرازي في األسفار وغيرهم في غيرها من الكتب

المنطقية والحكمية.

(١٦٠)

Page 171: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أحدهما بالقياس إلى اآلخر وفي التحقيق على أخص من ذلك وهو أن يقيد ما ذكربأن يكون بينهما غاية التباعد، فالسواد والحمرة ضدان بالمعنى األول ال الثاني.

وأما تقابل العدم والملكة فيطلق العدم فيه بحسب التحقيق على عدم شئ عنشئ وبحسب الشهرة على معنى أخص من ذلك وهو أن يقيد الشئ بأن يكون

نوعا أو جنسا قريبا أو بعيدا على اختالف التفسير، فيقال: هو عدم شئ عما منشأنه أن يكون له بحسب نوعه أو جنسه القريب، فعدم البصر عن الحائط عدمملكة بحسب المعنى األول وسلب بالمعنى الثاني، فقد ظهر أن تقابل الضدينبحسب التحقيق أخص منه بحسب الشهرة، وتقابل العدم والملكة بالعكس.

قال: ويندرج تحته الجنس (١) باعتبار عارض.أقول: لما بين انقسام التقابل إلى األنواع األربعة حتى صار كالجنس لها (٢)

--------------------(١) المراد من الجنس التقابل، وضمير تحته راجع إلى التضايف، يعني أن التقابل مع أنه جنس

ألنواعه األربعة ومنها التضايف، فهو أحد أنواع التضايف أيضا باعتبار آخر فجنس النوعصار نوعا لنوعه ونوعه صار جنسا له، وكم له من نظير باعتبار طرو الحيثيات على المعاني.ثم ال يخفى على البصير المتدرب بأسلوب الكالم أن قول الماتن: التقابل المتنوع إلى أنواعه

األربعة صريح بأن التقابل جنس أو كالجنس لتلك األربعة، وأن الضمير في أي موطن كانينظر إلى المرجع القريب إال أن يدل دليل على خالفه، فالمعنى بالجنس التقابل، والمراد

بالضمير في تحته التضايف كما أن الشارح حمله على هذا النمط وكذلك صاحب الشوارقإال أن القوشجي أرجع الضمير إلى التقابل وفسر الجنس بالتضايف، ثم قال ما قال وبعد ذلكنقل التفسير الذي قاله الشارح ثم أورد عليه، وصاحب الشوارق أجابه وشنع عليه بأنه أخطأ

في الجواب، فراجع الكتابين حتى تجد الصواب في البين.(٢) أتى بالكاف تنبيها على أن التقابل ليس جنسا على الحقيقة لما تحته بوجه من الوجوه، وقد

دل عليه الشيخ بقوله: وذلك ألن المتضايف ماهيته أنه معقول بالقياس إلى غيره، ثم يلحقهذه الماهية أن يكون مقابال ليس أنها يتقوم بهذا فإنه ليس هذا من المعاني التي يجب أنيتقدم في الذهن أوال حتى يتقرر في الذهن أن الشئ ماهيته مقولة بالقياس إلى غيره بل إذا

صار الشئ متضايفا لزم في الذهن أن يكون على صفة التقابل، فالذاتية بشرائطها غيرموجودة بين التقابل وبين األشياء التي هي كاألنواع للتقابل، إنتهى.

ثم إن صاحب الشوارق بعد نقل كالم الشيخ المذكور قال: أتى الشيخ بالتضايف على سبيلالتمثيل لجريانه في التضاد وغيره ويدل عليه قول المصنف أيضا ومقوليته عليها بالتشكيك

لما سيأتي من نفي التشكيك في الذاتيات وسواء في ذلك االعتباريات وغيرها، إنتهى.وقول الفخر الرازي على ما نقله القوشجي من أنا نعقل ماهية المتضايفين وإن لم يخطر ببالنا

امتناع اجتماعهما وذلك يعرفنا عدم تقوم المتضايفين، بالتقابل مأخوذ من دليل الشيخ كماال يخفى.

ثم إن المحقق الماتن قال في أساس االقتباس (ص ٥٨ ط ١) بعبارة أوضح وأوجز ما هذالفظه: وحمل تقابل بر أين أقسام نه چون حمل اأناس بود چه ماهيت بعضي بي تعقل تقابل

معقول است بل چون لوازم بود.

Page 172: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

(١٦١)

Page 173: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

ذكر أن مطلق التقابل يندرج تحت أحد أنواعه أعني التضايف، فإن التقابل منحيث هو تقابل نوع من التضايف، وذلك ألن المقابل ال يعقل إال مقيسا إلى غيره

لكن باعتبار عروض التقابل، فإن المقابل ال من هذه الحيثية قد ال يكون مضايفافإن ذات السواد وذات البياض ال باعتبار التقابل ليسا من المتضايفين، فإذا اخذ

السواد مقابال للبياض كان نوعا من المضاف المشهوري، فقد ظهر أن الجنس أعنيالمقابل من حيث هو مقابل يندرج تحت التضايف باعتبار عروض التقابل وال

استبعاد في أن يكون الشئ أخص أو مساويا من نوعه باعتبار عارض يعرض له.قال: ومقوليته عليها بالتشكيك وأشدها فيه الثالث (١).

--------------------(١) قد أصاب العبارة في سائر النسخ تحريف فاحش، حيث حرف فيها الثالث بالسلب أو

السالب. الصواب الثالث بدل السلب أو السالب بال دغدغة كما في (ت)، أي الثالث من أنواعالتقابل األربعة في العبارة المتقدمة وهو تقابل الضدين، على أن السلب ال يوافق شرح

العالمة الحلي أيضا ألنه قال: فإن تقابل الضدين أشد في التقابل من تقابل السلبواإليجاب، وبعد ذلك قال: وقيل إن تقابل السلب واإليجاب أشد من تقابل التضاد.ثم إن تقابل الضدين أشد ألن محلهما في االتصاف بأحدهما يفتقر إلى سلب اآلخر

ويستلزمه وهو - أي ثبوت الضد - أخص من السلب دون العكس، ألن السلب ال يستلزمالضد، فهو - أي ثبوت الضد - أشد في العناد لآلخر من سلبه، فالضدان فيهما سلب ضمي مع

كونهما في غاية الخالف، ولذلك كان أشدها في التقابل الثالث. وفي األصفار (ط ١ - ج ١ -ص ١٣٥): (إعلم أن مقولية التقابل على أقسامه بالتشكيك، وأشدها في بابه السلب

واإليجاب).

(١٦٢)

Page 174: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: التقابل يقال على أصنافه األربعة ال بالسوية بل بالتشكيك، فإن تقابلالضدين أشد في التقابل من تقابل السلب واإليجاب، وذلك ألن ثبوت الضد يستلزم

سلب اآلخر وهو أخص منه دون العكس فهو أشد في العناد لآلخر من سلبه.وقيل: إن تقابل السلب واإليجاب أشد من تقابل التضاد، ألن الخير لذاته خيروهو ذاتي وأنه ليس بشر وأنه عرضي، واعتقاد أنه شر يرفع العرضي وأنه ليس

بخير يرفع الذاتي، فيكون منافاة السلب أشد.قال: ويقال لألول تناقض ويتحقق في القضايا بشرائط ثمان.

أقول: تقابل السلب واإليجاب إن أخذ في المفردات كقولنا: زيد ال زيد، فهوتقابل العدم والملكة، وإن أخذ في القضايا سمي تناقضا كقولنا: زيد كاتب، زيد

ليس بكاتب، وهو إنما يتحقق في القضايا بثمان شرائط:األول: وحدة الموضوع فيهما، فلو قلنا: زيد كاتب، عمرو ليس بكاتب، لم

تتناقضا وصدقتا معا.الثاني: وحدة المحمول، فلو قلنا: زيد كاتب، زيد ليس بنجار، لم تتناقضا

وصدقتا معا.الثالث: وحدة الزمان، فلو قلنا: زيد موجود اآلن، زيد ليس بموجود أمس،

أمكن صدقهما.الرابع: وحدة المكان، فلو قلنا: زيد موجود في الدار، زيد ليس بموجود في

السوق، أمكن صدقهما.الخامس: وحدة اإلضافة، فلو قلنا: زيد أب أي لخالد، زيد ليس بأب أي

لعمرو، أمكن صدقهما.السادس: وحدة الكل والجزء، فلو قلنا: الزنجي أسود أي بعضه، الزنجي ليس

(١٦٣)

Page 175: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

بأسود أي ليس كل أجزائه كذلك، أمكن صدقهما.السابع: وحدة الشرط، فلو قلنا: األسود قابض للبصر (١) أي بشرط السواد،

األسود ليس بقابض للبصر أي ال بشرط السواد، أمكن صدقهما.الثامن: وحدة القوة والفعل، فلو قلنا: الخمر في الدن مسكر بالقوة، الخمر في

الدن ليس بمسكر بالفعل، لم تتناقضا وصدقتا معا.قال: هذا في القضايا الشخصية، أما المحصورة فبشرط تاسع وهو االختالف

فيه فإن الكلية ضد (٢)، والجزئيتان صادقتان.أقول: إعلم أن القضية إما شخصية أو مسورة أو مهملة، وذلك ألن الموضوع

إن كان شخصيا كزيد سميت القضية شخصية، وإن كان كليا يصدق على كثيرينفإما أن يتعرض للكلية والجزئية فيه أو ال، واألول هو القضية المسورة كقولنا: كل

انسان حيوان، بعض االنسان حيوان، ال شئ من االنسان بحجر، بعض االنسانليس بكاتب.

والثاني هو المهملة كقولنا: االنسان ضاحك، وهذه في قوة الجزئية فالبحثعن الجزئية يغني عن البحث عنها.

إذا عرفت هذا فنقول: الشرائط الثمان كافية في القضية الشخصية، أماالمحصورة فال بد فيها من شرط تاسع وهو االختالف في الكم، فإن الكليتينمتضادتان ال تصدقان، ويمكن كذبهما كقولنا: كل حيوان انسان، ال شئ منالحيوان بانسان، والجزئيتان قد تصدقان كقولنا: بعض الحيوان انسان، بعض

--------------------(١) لو ذكر المثال هكذا - كما في سائر الكتب -: الجسم مفرق للبصر بشرط كونه أبيض، وليس

بمفرق بشرط كونه أسود، لكان أولى.(٢) كما في النسخ كلها إال نسخة (ت) ففي هامشها: فإن الكلية ضد الكلية وكأن تعليقة أدرجت

في المتن، وذلك ألن الكالم في تناقض القضايا، وصرح بأن شرطه في المحصورة االختالفومع االختالف ال يصدق الضدية، فهذا قرينة بينة في أن المراد من قوله الكلية ضد هو أن

الكلية ضد الكلية فال حاجة إلى ذكرها مع بناء الرسالة على اإليجاز.

(١٦٤)

Page 176: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الحيوان ليس بانسان، أما الكلية والجزئية فال يمكن صدقهما البتة وال كذبهماكقولنا: كل انسان حيوان، بعض االنسان ليس بحيوان، فهما المتناقضان.

قال: وفي الموجهات عاشر وهو االختالف فيها (١) بحيث ال يمكن اجتماعهماصدقا وال كذبا.

أقول: ال بد في القضايا الموجهة من االختالف في الجهة بحيث ال يمكنصدقهما معا وال كذبهما، ونعني بالجهة كيفية القضية من الضرورة والدوام،واإلمكان واألطالق فإنهما لو لم يختلفا في الجهة أمكن صدقهما أو كذبهماكالممكنتين فإنهما تصدقان مع الشرائط التسع كقولنا: بعض االنسان كاتب

باإلمكان، ال شئ من االنسان بكاتب باإلمكان، وكالضرورتين فإنهما تكذبانكقولنا: بعض االنسان بالضرورة كاتب، ال شئ من االنسان بالضرورة كاتب،

وليس مطلق االختالف في الجهة كافيا في التناقض ما لم يكن اختالفا ال يمكناجتماعهما معه، فإن الممكنة والمطلقة المتخالفتين كما وكيفا ال تتناقضان كما قلنافي الممكنتين، أما الممكنة والضرورية إذا اختلفتا كما وكيفا فإنهما تتناقضان وكذا

المطلقة والدائمة.قال: وإذا قيد العدم بالملكة في القضايا سميت معدولة وهي تقابل

الوجودية (٢) صدقا ال كذبا إلمكان عدم الموضوع فيصدق مقابالهما.أقول: لما ذكر حكما من أحكام التناقض شرع في بيان حكم من أحكام

تقابل العدم والملكة، وهو أن العدم إذا اعتبر في القضايا سميت القضية معدولة وهوما يتأخر فيها حرف السلب عن الربط كقولنا: زيد هو ليس بكاتب، وهي تقابل

--------------------(١) قد حرفت العبارة في سائر النسخ بهذه الصورة: وهو االختالف أيضا بحيث. ولكن

الصواب: وهو االختالف فيها بحيث، كما اخترناه في المتن موافقا لنسخة (ت) وضمير فيهاراجع إلى الجهة بقرينة الموجهات، كما في الشرح وكما أن العبارة السابقة وهو االختالف فيه

راجع إلى الحصر بقرينة المحصورة.(٢) أي الموجبة المعدولة تقابل الموجبة المحصلة.

(١٦٥)

Page 177: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الوجودية في الصدق المتناع صدق الكتابة وعدمها على موضوع واحد في وقتواحد من جهة واحدة، ويجوز كذبهما معا عند عدم الموضوع، وإذا كذبا حينئذ

صدق مقابل كل واحد منهما فيصدق مقابل الموجبة المعدولة وهي السالبةالمعدولة، ومقابل الموجبة المحصلة وهي السالبة المحصلة إلمكان صدق السلب

في الطرفين عن الموضوع المنفي.قال: وقد يستلزم الموضوع أحد الضدين بعينه أو ال بعينه، أو ال يستلزم شيئا

منهما عند الخلو أو االتصاف بالوسط (١).أقول: هذه أحكام التضاد وهي أربعة: األول أن أحد الضدين بعينه قد يكون

الزما للموضوع كسواد القار، وقد ال يكون فإما أن يكون أحدهما ال بعينه الزماللموضوع كالصحة والمرض للبدن، أو ال يكون فإما أن يخلو عنهما معا كالفلك

الخالي عن الحرارة والبرودة أو يتصف بالوسط كالفاتر (٢).قال: وال يعقل للواحد ضدان.

أقول: هذا حكم ثان للتضاد وهو أنه ال يعرض (٣) بالنسبة إلى شئ واحد إاللواحد فال يضاد الواحد االثنين ألن الواحد إذا ضاد اثنين فإما بجهة واحدة أو

بجهتين، فإن كان بجهة واحدة فهو المطلوب وهو أن ضد الواحد واحد هو ذلكالقدر المشترك بينهما، وإن كان بجهتين كان ذلك وجوها من التضاد ال وجها

واحدا وليس البحث فيه.قال: وهو منفي (٤) عن األجناس.

أقول: هذا حكم ثالث للتضاد وهو أنه منفي عن األجناس وال ينتقض بالخير--------------------(١) أي أو عند االتصاف بالوسط.

(٢) وهو المتوسط بين الحرارة والبرودة.(٣) هذا الدليل بأسره خالصة ما ذكره الشيخ في إلهيات الشفاء وكذا الحكمان االتيان (ج ٢

ط ١ ص ٤٢٥ وص ٥٥١).(٤) أي التضاد منفي عنها. وقال الشارحان صاحب الشوارق والقوشجي: إن مستند هذا الحكم

والحكم اآلتي وهو قوله: ومشروط في األنواع باتحاد الجنس، هو االستقراء.

(١٦٦)

Page 178: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

والشر ألنهما ليسا جنسين (١) وال ضدين من حيث ذاتيهما بل تقابلهما من حيثالكمالية والنقص.

قال: ومشروط في األنواع باتحاد الجنس.أقول: هذا حكم رابع للتضاد العارض لألنواع وهو اندراج تلك األنواع تحت

جنس واحد أخير وال ينتقض بالشجاعة والتهور (٢) ألن تقابلهما من حيث الفضيلةوالرذيلة العارضتين ال من حيث ذاتيهما.قال: وجعل الجنس والفصل واحد (٣).

أقول: الجنس والفصل في الخارج شئ واحد ألنه ال يعقل حيوانية مطلقةموجودة بانفرادها انضمت إليه الناطقية فصارت انسانا بل الحيوانية في الخارج

هي الناطقية فوجودهما واحد، وهذه قاعدة قد مضى تقريرها، والذي يخطر لنا أنالغرض بذكرها هاهنا الجواب عن إشكال يورد على اشتراط دخول الضدين

تحت جنس واحد، وتقريره أن كل واحد من الضدين قد اشتمل على جنس وفصلوالجنس ال يقع به التضاد ألنه واحد فيهما، فإن وقع التضاد فإنما يقع بالفصول

لكن الفصول ال يجب اندراجها تحت جنس واحد وإال لزم التسلسل، فال تضادحقيقي في النوعين بل في الفصلين الذين ال يجب دخولهما تحت جنس واحد.

وتقرير الجواب أن الفصل والجنس واحد في األعيان، وإنما يتميزان فيالعقل فجعالهما واحد هو النوع فكان التضاد عارضا في الحقيقة لألنواع ال

للفصول االعتبارية، ألن التضاد إنما هو في الوجود ال في األمور المتعلقة، فهذاما فهمته من هذا الكالم ولعل غيري يفهم منه غير ذلك.

--------------------(١) ألنا قد نعقل األشياء التي يطلق عليها الخير أو الشر مع الذهول عن كونها خيرات أو

شرورا وقد تقدم آنفا توضيح ذلك تفصيال عن الشيخ والطوسي.(٢) بأن يقال: إنهما ضدان مع كونهما تحت جنسين هما الفضيلة والرذيلة.

(٣) قد تقدم في المسألة الرابعة من هذا الفصل أيضا حيث قال: وجعالهما واحد، ثم إن العبارةفي (م ت ص) منصوبة هكذا: وجعل الجنس والفصل واحدا بالنصب والباقية بالرفع.

والظاهر أن الرفع صواب.

(١٦٧)

Page 179: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الفصل الثالثفي العلة والمعلول

قال: كل شئ يصدر عنه أمر (١) إما باالستقالل أو االنضمام فإنه علة لذلك--------------------

(١) أورد عليه المحقق الشريف بأن هذا التعريف بظاهره ال يتناول غير الفاعلية، إذ ال صدورمن غير الفاعلية فاألولى أن تعرف باالحتياج فيقال: العلة ما يحتاج إليه أمر. قال صاحبالشوارق: إنما قال بظاهره إلمكان تأويل الصدور إلى االحتياج كما يشعر به أيضا قوله:فاألولى، ثم حمل الصدور على معنى عام حتى يجري في العلل كلها، ثم قال: ال بأس

بالتعريف، ألن قوله: باالنضمام يشمل العلل الثالث أيضا، ثم قال: أو يكون التعريف للفاعليةويفهم غيرها منه بالمقايسة.

أقول: األمر األهم في المقام هو أن يعلم أن العلة والمعلول بمعناهما المتعارف في األذهانال يجري على األول تعالى وآياته التي هي مظاهر أسمائه التي هي شؤون ذاته الصمدية التي

ال جوف لها، وأن التمايز بين الحق سبحانه وبين الخلق ليس تمايزا تقابليا، بل التمايز هوتميز المحيط عن المحاط بالتعين اإلحاطي والشمول االطالقي الذي هو الوحدة بمعناها

الحقيقي، بل إطالق الوحدة من باب التفخيم وهذا اإلطالق الحقيقي اإلحاطي حائز للجميعوال يشذ عن حيطته شئ فهو الكمال الحقيقي وهو سبحانه محيط بكل شئ ألنه الحي

القيوم أي القائم لذاته والمقيم لغيره ال أنه محيط على كل شئ فقط. فيجب تلطيف السر فيمعنى الصدور والتميز بين الحق والخلق وكون العلة والمعلول على النحو المعهود المتعارف

في األذهان السافلة ليس على ما ينبغي بعز جالله وعظموته سبحانه وتعالى.وبالجملة، يجب الوصول إلى نيل التوحيد القرآني حتى يعلم أن البينونة بين العلة ومعلولها

في المقام ليست عزلية بل وصفية بمعنى سلب السلوب والحدود والنواقص عنه تعالى حتىيعلم أن إطالق العلة والمعلول في المقام على ضرب من التوسع في التعبير أرفع وأشمخ من

المعنى المعهود.

(١٦٨)

Page 180: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

األمر واألمر معلول له.أقول: لما فرغ من البحث عن لواحق الماهية شرع في البحث عن العلة

والمعلول ألنهما من لواحق الماهية وعوارضها وهما من األمور العامة أيضا،ونفس اعتبار العلية والمعلولية من المعقوالت الثانية ومن أنواع المضاف.

وفي هذا الفصل مسائل:المسألة األولى

في تعريف العلة والمعلولوهما وإن كانا من المتصورات القطعية لكن قد يعرض اشتباه ما فيذكر على

سبيل التنبيه والتمييز ما يزيل ذلك االشتباه، فإذا فرضنا صدور شئ عن غيره كانالصادر معلوال والمصدور عنه علة سواء كان الصدور على سبيل االستقالل كما فيالعلل التامة (١)، أو على سبيل االنضمام كجزء العلة، فإن جزء العلة شئ يصدر عنه

أمر آخر لكن ال على سبيل االستقالل فهو داخل في الحد.المسألة الثانيةفي أقسام العلة

قال: وهي فاعلية ومادية وصورية وغائية.أقول: العلة هي ما يحتاج الشئ إليه، وهي إما أن تكون جزءا من المعلول أو

خارجة عنه، واألول إما أن يكون جزءا يحصل به الشئ بالفعل أو بالقوة واألولالصورة والثاني المادة، وإن كانت خارجة فإما أن تكون مؤثرة أو يقف التأثير

عليها فاألول فاعل والثاني غاية.المسألة الثالثة

في أحكام العلة الفاعليةقال: فالفاعل مبدأ التأثير وعند وجوده بجميع جهات التأثير يجب وجود المعلول.

--------------------(١) هكذا في النسخ األصيلة المعتبرة على صورة الجمع، وفي بعض النسخ جاءت الكلمة

باإلفراد أي العلة التامة.

(١٦٩)

Page 181: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: الفاعل هو المؤثر والغاية ما ألجله األثر والمادة والصورة جزءاه (١)وإذا وجد المؤثر بجميع جهات التأثير وجب وجود المعلول، ألنه لو لم يجب

لجاز وجود األثر عند وجود الجهات بأجمعها وعدمه، فتخصيص وقت الوجود بهإما أن يكون ألمر زائد أو ال يكون، فإن كان األول لم يكن المؤثر المفروض أوال

تاما هذا خلف، وإن كان الثاني لزم ترجيح أحد طرفي الممكن على اآلخر اللمرجح وهو محال.

قال: وال تجب مقارنة العدم.أقول: ذهب قوم إلى أن التأثير أنما يكون لما سبق بالعدم وهو على اإلطالق

غير سديد، بل المؤثر إن كان مختارا (٢) وجب فيه ذلك ألن المختار أنما يفعلبواسطة القصد وهو أنما يتوجه إلى شئ معدوم وإن كان موجبا لم يجب فيه ذلك.

قال: وال يجوز بقاء المعلول بعده (٣) وإن جاز في المعد.أقول: ذهب قوم غير محققين (٤) إلى أن احتياج األثر إلى المؤثر أنما هو آن

حدوثه، فإذا أوجد الفاعل الفعل استغني الفعل عنه فجاز بقاؤه بعده، وتمثلوا فيذلك بالبناء الباقي بعد الباني (٥) وغيره من اآلثار وهو خطأ، ألن علة الحاجة وهي

اإلمكان ثابتة بعد اإليجاد فثبتت الحاجة والبناء ليس علة مؤثرة في وجود البناءالباقي، وإنما حركته علة لحركة األحجار ووضعها على نسبة معينة، ثم بقاء الشكل

--------------------(١) أي جزءا األثر الذي هو معلول.

(٢) وقد تقدم الكالم فيه في المسألة الرابعة واألربعين من الفصل األول.(٣) أي بعد الفاعل في قوله: فالفاعل مبدأ التأثير.

(٤) وأما قول المحققين فقد تقدم في المسألة التاسعة والعشرين من الفصل األول من أن علةاحتياج األثر إلى مؤثره هو اإلمكان ال غير.

(٥) وكذا باالبن الباقي بعد األب وبالسخونة الباقية بعد النار، وقالوا: لو جاز على الباري العدملما أضر عدمه بقاء العالم، وشنع عليهم الشيخ في كتابي اإلشارات والشفاء. أما اإلشارات

فقد تقدم نقل كالمه منه في تلك المسألة المذكورة، وأما كالمه في الشفاء فيطلب في الثانيمن سادسة اإللهيات (ص ٥٢٤ ج ٢ ط ١).

(١٧٠)

Page 182: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

معلول ألمر آخر.هذا في العلل الفاعلية، أما العلل المعدة فإنها تعدم وإن كانت معلوالتها

موجودة كالحركة المعدة للوصول والحرارة.قال: ومع وحدته يتحد المعلول (١).

--------------------(١) يعني مع وحدة الفاعل الذي هو مبدأ التأثير يتحد المعلول، ويعبرون عنه بأن الواحد اليصدر عنه إال الواحد. والشيخ في اإلشارات وسم هذا المطلب بالتنبيه حيث قال في الفصل

الحادي عشر من خامس اإلشارات: تنبيه مفهوم أن علة ما يجب عنها - أ - غير مفهوم أن علةما بحيث يجب عنها - ب - الخ. وقال المحقق الماتن في شرحه عليه: يريد بيان أن الواحد

الحقيقي ال يوجب من حيث هو واحد إال شيئا واحدا بالعدد وكان هذا الحكم قريب منالوضوح، ولذلك وسم الفصل بالتنبيه وإنما كثرت مدافعة الناس إياه إلغفالهم معنى الوحدة

الحقيقية.أقول: وللراقم في هذا المقام من شرحه على اإلشارات تعليقة هي العمدة واألصل في بيان

صدور الواحد عن المبدأ األول الواحد األحدي الصمدي سبحانه وتعالى فعليك بالغور فيهاوهي ما يلي:

إن هذه المسألة أي الواحد األحدي ال يصدر عنه إال واحد من أمهات المسائل الفلسفية وقدتعاضد العقل والنقل فيها فإنه تحقق عن الشرع أول ما خلق الله العقل، ثم إن لهذه المسألة

الرصينة شأنا آخر أجل وأدق مما ذكر في هذا الكتاب وأترابه، وقد برهن في الحكمةالمتعالية والصحف العرفانية، والوصول إلى إدراك حقيقته يحتاج إلى تلطيف سر وتدقيق

فكر وتجريد نظر. وذلك الشأن هو الفرق بين أول ما صدر وبين أول ما خلق، فإن أول ما خلقهو العقل والخلق هو التقدير فالعقل هو تعين تقديري من التعينات التقديرية، وهذا التعين

شأن من شؤون الصادر األول ونقش من نقوشه وكلمة من كلماته العليا، وبتعبير آخر علىنحو توسع في التعبير أن هذا التعين عارض على مادة الممكنات وتلك المادة هو الوجود

المطلق بمعنى نفس الرحمن ال الوجود المطلق الحق األحدي المنزه عن هذا اإلطالق.والصادر األول هو الوجود المنبسط الساري في الممكنات ومنها العقل. فأول ما خلقه الله

تعالى هو العقل، وأما أول ما صدر عنه تعالى فهو الوجود المنبسط الذي هو مادة العقل ومادةجميع الممكنات.

وفي آخر نصوص الصدر القونوي: والحق سبحانه وتعالى من حيث وحدة وجوده لم يصدرعنه إال واحد الستحالة إظهار الواحد وإيجاده من حيث كونه واحدا ما هو أكثر من واحد،

لكن ذلك الواحد عندنا هو الوجود العام المفاض على أعيان المكونات وما وجد منهاوما لم يوجد مما سبق العلم بوجوده، وهذا الوجود مشترك بين القلم األعلى الذي هو أول

موجود المسمى أيضا بالعقل األول وبين سائر الوجودات، الخ.فراجع في تلك الغاية القصوى إلى المرحلة السادسة من الحكمة المتعالية أعني األسفار في

العلة والمعلول، سيما الفصل المعنون بقوله في الكشف عما هو البغية القصوى. وقد شرح هذاالفصل الحكيم اإللهي آقا علي المدرس في بدائع الحكم (ص ١٨٤)، وهكذا إلى األسفار

(ج ١ ص ١٩٣ ط ١) والى المقام الخامس من مصباح األنس البن الفناري في شرح مفتاحالغيب (ص ٦٩ ط ١) ورسالتنا الفارسية الموسومة بوحدت از ديدگاه عارف وحكيم تجديك

في المقام جدا، والله سبحانه ولي التوفيق.

Page 183: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

(١٧١)

Page 184: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: المؤثر إن كان مختارا (١) جاز أن يتكثر أثره مع وحدته، وإن كانموجبا ذهب األكثر إلى استحالة تكثر معلوله باعتبار واحد، وأقوى حججهم أن

نسبة المؤثر إلى أحد األثرين مغايرة لنسبته إلى اآلخر، فإن كانت النسبتانجزئيه (٢) كان مركبا وإال تسلسل.

وهي عندي ضعيفة (٣) ألن نسبة التأثير والصدور تستحيل أن تكون وجودية--------------------

(١) المؤثر األول سبحانه وتعالى مختار باتفاق المتألهين في التوحيد، والفاعل الموجب هوالمبدأ الطبيعي أعني األصول األزلية المادية التي هي أجزاء ال تتجزأ وجواهر فردة على

ما ذهب إليه القائلون بها في تكون صورة العالم ولم يتفوه حكيم إلهي بأن الواجب سبحانهفاعل موجب، كما لم يذهب إلى جواز صدور الكثرة عن الواحد بالوحدة الحقة الحقيقية

لبراءته عن الحيثيات الكثيرة، ومع ذلك كله يقول بسيط الحقيقة كل األشياء، فافهم.(٢) كلمة جزئيه على التثنية المضافة إلى الضمير.

(٣) كذا قال رحمه الله في كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد للمصنف قدس سره حيث قال الخواجة:ويكون مقدوره عند الحكماء بال توسط شيئا واحدا والباقي بتوسط، قال الشارح: أقول:

ذهب األوائل إلى أن الله تعالى يفعل بذاته ال بتوسط شئ آخر واحدا ال أزيد والباقي بتوسطذلك الصادر عنه، ألنه تعالى واحد من كل جهة والواحد من كل جهة ال يصدر عنه شيئان،ألن مفهوم صدور األول عنه مغاير لمفهوم صدور الثاني. وهذان المفهومان إن كانا مقومين

لزم تركيب واجب الوجود فال يكون واجبا، وكذا إن كان أحدهما داخال. وإن كانا خارجينكان مفهوم صدور أحدهما عنه غير مفهوم صدور اآلخر ويتسلسل.

ثم قال ردا عليهم: وهذا الكالم في غاية السقوط، ألن مفهوم الصدور اعتباري ال تحقق لهفي الخارج وإال لزم التسلسل ويلزم امتناع اتصاف البسيط بأكثر من واحد ألن مفهوم اتصافه

بأحد الشيئين مغاير لمفهوم اتصافه باآلخر وامتناع سلب شيئين عن واحد (ص ٤٤ ط ١).وكذا في كتابه المسمى نهج المسترشدين الذي شرحه الفاضل المقداد وسمى ذلك الشرحإرشاد الطالبين حيث قال في النهج: ويمكن استناد معلولين إلى علة بسيطة إلى آخر ما قال.

والفاضل المقداد بعد ما نقل مذهب الحكماء قال على مذهب العالمة: والجواب - يعنيالجواب عن الحكماء - من وجهين: األول من حيث النقض وهو أنا نمنع القسمة وحصرها

فإن ذلك أنما يتم على تقدير كون الصدورين موجودين في الخارج، فيقال فيهما إما أن يكوناداخلين أو خارجين، إلى آخر الكالم. وأما إذا كانا مفهومين ذهنيين ال تحقق لهما في الخارج

فإنا نختار حينئذ أنهما خارجان وال يلزم التسلسل لعدم احتياجهما إلى العلة.ثم قال: ثم المصنف - يعني صاحب النهج - استدل على كون الصدور أمرا اعتباريا ال وجودله في الخارج فإنه لو كان موجودا في الخارج لزم التسلسل والالزم باطل فكذا الملزوم. بيان

المالزمة أنه ال جائز أن يكون واجبا الستحالة تعدد الواجب، واستحالة كونه عرضا فيكونممكنا فيكون له صدور وننقل الكالم إلى صدوره ونقول فيه كما قلنا في األول فيلزم

التسلسل.الثاني من حيث المعارضة وهي هنا نقض إجمالي وذلك من وجهين (األول) أنه يلزم أن

ال يصدر عن ذلك البسيط شئ أصال، وذلك ألنكم تسلمون صدور أمر واحد عن تلك العلةالبسيطة، وحينئذ نقول: ذلك الواحد له صدور فيكون مغايرا للعلة ولذلك الواحد لكونه نسبة

إليهما فإما أن يكون داخال في العلة أو خارجا، فمن األول يلزم التركيب، ومن الثاني يلزمالتسلسل.

Page 185: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

(الثاني) أنه لو صح ما ذكرتم لزم أن ال يسلب من الواحد أكثر من واحد، وأن ال يتصف إال بشئواحد. أما األول فألن سلب (ا) عن (ج) مغاير لسلب (ب) عنه، ألنا نعقل أحد السلبين

ونغفل عن اآلخر فإما أن يكونا داخلين أو خارجين إلى آخره.وأما الثاني فألن اتصاف (ا) ب (ب) غير اتصافه ب (ج) وهما أيضا مغايران لما قلنا فإما أن

يكونا داخلين أو خارجين - إلى آخر الكالم - ويلزم ما قلتم، إنتهى (ص ٨٦ ط ١).أقول: إن السنخية بين الفاعل وفعله مما ال يعتريه ريب وال يتطرق إليه شائبة دغدغة ويعبرون

عنها بالسنخية بين العلة ومعلولها وكل فعل يصدر من فاعله على جهة خاصة فيه وإال يلزمصدور كل شئ عن كل شئ وظهور كل أثر عن كل شئ وهو كما ترى، فإن صدر عن

فاعل أثران فال شك أن فيه جهتين صدر كل واحد منهما عن كل واحدة منهما. وهذه الجهةهي الحيثية الواقعية المتحققة في ذات الفاعل وهو مبدأ صدور األثر ومنشأ ظهوره واألمراالعتباري المحض الذي يفرض في الذهن فرضا بال واقع أنى له شأنية االصدار. فما قالوا

في صدور الكثرة عن الواحد محقق في الفاعل ذي الحيثيات النفس األمرية ال الفاعلالصمد الذي هو األول واآلخر والظاهر والباطن. وحيث علمنا وأيقنا بأن نضد الكلماتاإللهية على نظم أتم وأحسن فال يصدر من فاعلها القيوم إال واحد هو نور مرشوش ورقمنشور، ثم تصور بصور الكثرة غير المتناهية األشرف فاألشرف نزوال واألخس فاألخسصعودا على وفق علمه العنائي الذي هو عين ذاته، والكثرات مرايا آياته ومظاهر أسمائه

وصفاته. ثم إن كالم الخواجة ليس إال في صدور الفعل عن فاعله وأما إن كان الفاعل واجبالوجود لذاته فهو غير مصرح في كالمه، فتأمل.

(١٧٢)

Page 186: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وإال لزم التسلسل، وإذا كانت من األمور االعتبارية استحالت هذه القسمة عليها.قال: ثم تعرض الكثرة (١) باعتبار كثرة اإلضافات.

أقول: لما بين أن العلة الواحدة ال يصدر عنها إال معلول واحد لزم أن تكونالموجودات بأسرها في سلسلة واحدة بحيث يكون أي موجود فرضته علة أليموجود فرضته أو معلوال له إما قريبة أو بعيدة فال يوجد شيئان يستغني أحدهما

عن اآلخر والوجود يكذب هذا فأوجبوا وقوع كثرة في المعلول األول غير حقيقيةبل إضافية يمكن أن يتكثر بها التأثير، قالوا: ألن المعلول األول بالنظر إلى ذاتهممكن وبالنظر إلى علته واجب وله ماهية ووجود مستفاد من فاعله وهو يعقلذاته لتجرده ويعقل مبدأه، وهذه جهات كثيرة إضافية يقع بها التكثر وال تثلم

وحدته ويصدر عنه باعتبار كل جهة شئ.وهذا الكالم عندنا في غاية السقوط، ألن هذه الجهات ال تصلح للتأثير (٢)

--------------------(١) إشارة إلى جواب ما قاله المتكلمون من أنه لو لم يصدر عن الواحد إال الواحد لما يصدر عن

المعلول األول إال واحد هو الثاني، وعنه واحد هو الثالث وهلم جرا، فيكون الموجوداتسلسلة واحدة طولية فكيف ظهرت الكثرات العرضية.

(٢) هذا االعتراض أورده الفخر الرازي أيضا. والحق أن الفاعل في الوجود هو الحق سبحانهوتلك الجهات هي شؤون ظهور آثاره. وما قالوه من أن العقل يعقل ذاته لتجرده ويعقل مبدأه

فليس عقال مباينا وموجودا متمايزا عن فاعله سبحانه وإال كان الواجب واحدا بالعددوهو سبحانه في السماء إله وفي األرض إله وقيوم لهما وله ما في السماوات واألرض بالملكية

الحقيقية التي يعبرون عنها باإلضافة النورية االشراقية. نعم لو تفوه بأن الماهيات متأصلة فيتحققها، أو الموجودات حقائق متمايزة متباينة لكان االعتراض واردا ولكن األمر أرفع من

تأصلها رأسا وأشمخ من تباينها أصال. والحكم على التوحيد الصمدي محكم غاية اإلحكام.

(١٧٤)

Page 187: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

ألنها أمور اعتبارية ومساوية لغيرها وال تكون شروطا فيه.قال: وهذا الحكم ينعكس على نفسه (١).

--------------------(١) النسخ كلها على نفسه إال (ت) فهي: إلى نفسه. يعني أن قولنا مع وحدته يتحد المعلول

ينعكس على نفسه أي مع وحدة المعلول تتحد العلة، أي كما أنه ال يصدر عن الواحد إالالواحد كذلك ال يصدر الواحد إال عن الواحد. واعلم أن كال من األصل والعكس مستدل على

حياله فال إشكال على عكسه إلى نفسه في الظاهر. وهذا مثل أن يقال على مبنى الحكمةالمتعالية: أن كل عاقل معقول وأن كل معقول عاقل، فإنهما حكمان برهن كل واحد منهما في

محله ال أن الحكم الثاني استفيد من العكس فيقال: أن الموجبة الكلية ال تنعكس كنفسها.ال بأس بنقل كالم كامل رصين من الماتن المحقق في الرد على زعم الفخر الرازي تأييدا

للمرام وتسديدا للحكم المبحوث عنه في الصدور في المقام قال في شرح الفصل الحاديعشر من خامس حكمة اإلشارات: إن الفاضل الشارح - يعني به الفخر الرازي - عارض به

دليل الحكماء بأن الواحد قد يسلب عنه أشياء كثيرة كقولنا: هذا الشئ ليس بحجر وليسبشجر، وقد يوصف بأشياء كثيرة كقولنا: هذا الرجل قائم وقاعد، وقد يقبل أشياء كثيرة

كالجوهر للسواد والحركة، وال شك في أن مفهومات سلب تلك األشياء عنه واتصافه بتلكاألشياء وقبوله لتلك األشياء مختلفة ويعود التقسيم المذكور حتى يلزم أن يكون الواحد

ال يسلب عنه إال واحد وال يوصف إال بواحد وال يقبل إال واحدا.وأجاب الخواجة عنه بأن سلب الشئ عن الشئ واتصاف الشئ بالشئ وقبول الشئ

للشئ أمور ال تتحقق عند وجود شئ واحد ال غير فإنه ال يلزم الشئ الواحد من حيث هوواحد بل يستدعي وجود أشياء فوق واحدة تتقدمها حتى يلزم تلك األمور لتلك األشياء

باعتبارات مختلفة وصدور األشياء الكثيرة عن األشياء الكثيرة ليس بمحال.بيانه أن السلب يفتقر إلى ثبوت موصوف وصفة والقابلية إلى قابل ومقبول أو إلى قابل وشئيوجد المقبول فيه واختالف المقبول كالسواد والحركة يفتقر إلى اختالف حال القابل فإن

الجسم يقبل السواد من حيث ينفعل عن غيره ويقبل الحركة من حيث يكون له حال ال يمتنعخروجه عنها. وأما صدور الشئ عن الشئ أمر يكفي في تحققه فرض شئ واحد هو العلة

وإال المتنع استناد جميع المعلوالت إلى مبدأ واحد.ال يقال: الصدور أيضا ال يتحقق إال بعد تحقق شئ يصدر عنه وشئ صادر، ألنا نقول:

الصدور يطلق على معنيين: أحدهما: أمر إضافي يعرض للعلة والمعلول من حيث يكونانمعا وكالمنا ليس فيه. والثاني: كون العلة بحيث يصدر عنه المعلول وهو بهذا المعنى متقدم

على المعلول ثم على اإلضافة العارضة لهما وكالمنا فيه، وهو أمر واحد إن كان المعلولواحدا. وذلك األمر قد يكون هو ذات العلة بعينها إن كانت العلة علة لذاتها، وقد يكون حالةتعرض لها إن كانت علة ال لذاتها بل بحسب حالة أخرى أما إذا كان المعلول فوق واحد فال

محالة يكون ذلك األمر مختلفا ويلزم منه التكثر في ذات العلة، إنتهى. ثم إن في المقاممباحثات أخرى رأينا الذب عنها أجدر وإن شئت فراجع األسفار (ج ٧ ط ٢ ص ٢١٩).

(١٧٥)

Page 188: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: يريد بذلك أن مع وحدة المعلول تتحد العلة وهو عكس الحكم األول،فال يجتمع على األثر الواحد مؤثران مستقالن بالتأثير ألنه بكل واحد منهما

واجب مستغن عن اآلخر فيكون حال الحاجة إليهما مستغنيا عنهما هذا خلف.قال: وفي الوحدة النوعية ال عكس.

أقول: إذا كانت العلة واحدة بالنوع كان المعلول كذلك وال يجب من كونالمعلول واحدا بالنوع كون العلة كذلك فإن األشياء المختلفة تشترك في الزمواحد كاشتراك الحركة والشمس والنار في السخونة ألن المعلول يحتاج إلى

مطلق العلة وتعين العلة جاء من جانب العلة ال المعلول.قال: والنسبتان من ثواني المعقوالت (١) وبينهما مقابلة التضايف.

--------------------(١) إعلم أن صاحب الشوارق جعل قوله: والنسبتان إلى قوله: تتكافى النسبتان مسألة ثالثة

فقال: هذه المسألة في أحوال العلة مطلقا سواء كانت تامة أو غير تامة مع معلولها:فمنها: أن العلية والمعلولية من األمور الغير المتأصلة في الخارج على ما قاله والنسبتان.. الخ.

ومنها: أن بينهما مقابلة التضايف، ومنها أنهما قد يجتمعان.. الخ.ومنها: أنهما أي العلة والمعلولة ال يتعاكسان فيهما أي في العلية والمعلولية، وهذا المعنى يقال

له الدور وهذه األحكام كلها ضرورية.ومنها: أنه ال يجوز الترتيب بينهما إلى غير النهاية ويقال له التسلسل، وإليه أشار بقوله: وال

يتراقى.. الخ. وقد احتج على بطالنه بوجوه: األول قوله ألن كل واحد.. الخ، والثاني برهانالتطبيق.. الخ.

(١٧٦)

Page 189: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: يعني أن نسبة العلية والمعلولية من المعقوالت الثانية الستحالة وجودشئ في األعيان هو مجرد علية أو معلولية وإن كان معروضهما موجودا وبينهما

مقابلة التضايف فإن العلة علة المعلول، والمعلول معلول العلة وقد نبه بقوله:وبينهما مقابلة التضايف على امتناع كون الشئ الواحد بالنسبة إلى شئ واحد

علة ومعلوال، وهو الدور المحال، ألن كونه علة يقتضي االستغناء والتقدم وكونهمعلوال يقتضي الحاجة والتأخر فيكون الشئ الواحد مستغنيا عن الشئ الواحد

متقدما عليه، ومحتاجا إليه متأخرا عنه هذا خلف.قال: وقد يجتمعان في الشئ الواحد بالنسبة إلى أمرين ال يتعاكسان فيهما.أقول: قد تجتمع نسبة العلية والمعلولية في الشئ الواحد بالنسبة إلى أمرين

فيكون علة ألحد الشيئين ومعلوال لآلخر كالعلة المتوسطة فإنها معلولة العلةاألولى، وعلة المعلول األخير لكن بشرط أن ال يكون ذانك األمران يتعاكسان في

النسبتين بأن تكون العلة األولى معلولة للمعلول األخير والمعلول األخير علة لهاوإال جاء الدور المحال.

المسألة الرابعةفي إبطال التسلسل

قال: وال يتراقى (١) معروضاهما في سلسلة واحدة إلى غير النهاية، ألن كلواحد منها (٢) ممتنع الحصول بدون علة واجبة، لكن الواجب بالغير ممتنع أيضا

--------------------(١) في نسخ (ص، ق، ش): وال يترامى، بالميم على وضوح.

(٢) قال صاحب الشوارق: هذا إشارة منه إلى طريقة مخترعة له مشهورة عنه وهي أن الممكنال يجب لذاته وما ال يجب لذاته ال يكون له وجود وما لم يكن له وجود ال يكون لغيره عنهوجود، فلو كانت الموجودات بأسرها ممكنة لما كان في الوجود موجود فال بد من واجب

لذاته فقد ثبت واجب الوجود وانقطع السلسلة أيضا.ثم قال: وهذه الطريقة حسنة حقة مستقيمة خفيفة المؤونة ومبناها على مقدمة ظاهرة جداوهي أن الشئ ما لم يمتنع جميع أنحاء عدمه لم يجب وجوده، ثم أخذ في تقرير الطريقة

ببيان مبسوط.وأقول: قوله: وهذه الطريقة حسنة حقة مستقيمة.. الخ تعريضات على ما في الشرح أعني

كشف المراد من قوله وفي هذا الوجه عندي نظر.ولعل وجه نظره ما قاله القوشجي في الشرح: من يجوز ذهاب سلسلة الممكنات إلى غير

النهاية يقول: كل منها يجب بغيره ويوجد بغيره وال ينتهي إلى ما هو واجب بذاته، فدعوى أنهال بد من وجود علة واجبة لذاتها مصادرة.

ثم يجب أن يعتقد أو يالحظ في هذه الوجوه من األدلة أن سلسلة الممكنات الموجودةبالفعل معا قائمة بذاتها ال بد أن تنتهي إلى واجب قائم لذاته مقيم لغيره أي الوجود القيوم ومع

التوجه إلى هذا األصل القويم كان النظر فيه غير مستقيم، وتعليله بالمصادرة عليل.

Page 190: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

(١٧٧)

Page 191: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

فيجب وجود علة لذاتها هي طرف.أقول: لما أبطل الدور شرع في إبطال التسلسل، وهو وجود علل ومعلوالت

في سلسلة واحدة غير متناهية، ونبه على الدعوى بقوله: وال يتراقى معروضاهمايعني معروض العلية والمعلولية في سلسلة واحدة إلى غير النهاية واحتج عليه

بوجوه: األول أن كل واحد من تلك الجملة ممكن وكل ممكن ممتنع حصوله بدونعلته الواجبة فكل واحد من تلك اآلحاد ممتنع حصوله بدون علته الواجبة ثم تلكالعلة الواجبة إن كانت واجبة لذاتها فهو المطلوب النقطاع السلسلة حينئذ، وإن

كانت واجبة بغيرها كانت ممكنة لذاتها فكانت مشاركة لباقي الممكنات في امتناعالوجود بدون العلة الواجبة فيجب وجود علة واجبة لذاتها هي طرف السلسلة

فتكون السلسلة منقطعة، وفي هذا الوجه عندي نظر.قال: وللتطبيق بين جملة قد فصل منها آحاد متناهية وأخرى لم تفصل منها.

أقول: هذا هو الوجه الثاني من الوجوه الدالة على امتناع التسلسل وهوالمسمى ببرهان التطبيق وهو دليل مشهور، وتقريره أنا إذا أخذنا جملة العللوالمعلوالت إلى ما ال يتناهى ووضعناها جملة ثم قطعنا منها جملة متناهية ثمأطبقنا إحدى الجملتين باألخرى بحيث يكون مبدأ كل واحدة من الجملتين

(١٧٨)

Page 192: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

واحدا، فإن استمرتا إلى ما ال يتناهى كانت الجملة الناقصة مثل الزائدة هذا خلف،وإن انقطعت الناقصة تناهت ويلزم تناهي الزائدة ألن ما زاد على المتناهي بمقدار

متناه فهو متناه.قال: وألن التطبيق باعتبار النسبتين (١) بحيث يتعدد كل واحد منها باعتبارهمايوجب تناهيهما لوجوب ازدياد إحدى النسبتين على األخرى من حيث السبق.أقول: هذا وجه ثالث وهو راجع إلى الثاني وهو برهان التطبيق لكن على نحو

آخر استخرجه المصنف رحمه الله مغاير للنحو الذي ذكره القدماء، وتقريره أنا إذاأخذنا

العلل والمعلوالت سلسلة واحدة غير متناهية فإن كل واحد من تلك السلسلة علةباعتبار ومعلول باعتبار، فيصدق عليه النسبتان باعتبارين ويحصل له التعدد

--------------------(١) أي نسبة العلية ونسبة المعلولية. واعلم أن طريق هذا البرهان أن تعزل المعلول المحض من

السلسلة إذا كان التسلسل في جانب العلل كما هو ظاهر هذا الشرح وصريح الشوارقواألسفار، أو العلة المحضة إذا كان التسلسل في جانب المعلوالت كما أن القوشجي أقام

البرهان بهذا الوجه أيضا، ثم تجعل كال من اآلحاد التي فوقه على األول أو تحتها على الثانيمتعددا باعتبار وصفي العلية والمعلولية، فيلزم زيادة وصف العلية على األول والمعلولية

على الثاني فتنقطع السلسلتان. فقوله: من حيث السبق، أي من حيث وجوب سبق العليةعلى المعلولية، أو بالعكس على الوجهين المذكورين في طريق العزل وكان الكالم في تناهي

معروضي العلية والمعلولية، فال تغفل.وهذا الوجه كما أفاده الشارح راجع إلى الثاني وقد استخرجه المصنف من برهان التطبيق، ثم

الظاهر من قول الشارح وال يحتاج في تطابقهما إلى توهم تطبيق، أنه ناظر إلى كون هذاالبرهان أقل مؤونة من برهان التطبيق كما يستفاد من الشوارق حيث قال: وهذا البرهان أقلمؤونة من برهان التطبيق ألنه مستغن عن توهم تطبيق كل واحد من آحاد إحدى السلسلتينبواحد من آحاد السلسلة األخرى كما احتاج إليه برهان التطبيق وذلك لكونهما متطابقتينبال تعمل من الوهم. وكذلك هو أتم فائدة منه ألنه يجري في المتعاقبات أيضا دون برهان

التطبيق.واعلم أن العزل إن أختص بالمعلول األخير فقط كان المراد من إحدى النسبتين هي النسبة

بالعلية كما في األسفار والشوارق وكان المراد من السبق السبق بالعلية، وإن لم يختص به كانقوله: إحدى النسبتين جاريا على العلة والمعلول كليهما، وكذلك السبق.

(١٧٩)

Page 193: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

باعتبار النسبتين، فإن الواحد من تلك السلسلة (١) من حيث إنه علة مغاير له منحيث إنه معلول، فإذا أطبقنا كل ما صدق عليه نسبة المعلولية على كل ما صدق

عليه نسبة العلية واعتبرت هذه السلسلة من حيث كل واحد منها علة تارة ومنحيث كل واحد منها معلول أخرى كانت العلل والمعلوالت المتباينات باالعتبار

متطابقتين في الوجود وال يحتاج في تطابقهما إلى توهم تطبيق، ومع ذلك يجب أنتكون العلل أكثر من المعلوالت من حيث إن العلل سابقة على المعلوالت في

طرف المبتدأ، فإذن المعلوالت قد انقطعت قبل انقطاع العلل، والعلل الزائدة عليهاإنما زادت بمقدار متناه فتكون الجملتان متناهيتين.

قال: وألن المؤثر في المجموع إن كان بعض أجزائه كان الشئ مؤثرا فينفسه وعلله وألن المجموع له علة تامة وكل جزء ليس علة تامة إذ الجملة ال تجب

به وكيف تجب الجملة بشئ هو محتاج إلى ما ال يتناهى من تلك الجملة.أقول: هذا وجه (٢) رابع على إبطال التسلسل، وتقريره أنا إذا فرضنا جملة

--------------------(١) دليل لحصول التعدد.

(٢) هذا الوجه هو ما ذكره الشيخ في الفصل الثاني عشر من رابع اإلشارات وقد صدره بالتنبيه.وكذا ذكره في الفصل السادس عشر من المبدأ والمعاد، وكالم الشارح هنا قريب مما ذكره

الشيخ فيه فال بأس بما أتى به في المبدأ والمعاد توضيحا للمراد، قال:فصل في أنه ال يمكن أن يكون لكل ممكن الوجود علة معه ممكنة إلى غير نهاية: وقبل ذلكفإنا نقدم مقدمات، فمن ذلك أنه ال يمكن أن يكون في زمان واحد لكل ممكن الذات علل

ممكنة الذات بال نهاية، وذلك ألن جميعها إما أن يكون موجودا معا وإما أن ال يكون موجودا معا.فإن لم يكن موجودا معا لم يكن الغير المتناهي في زمان واحد ولكن واحد قبل اآلخر أو بعداآلخر وهذا ال نمنعه. وأما أن يكون موجودا معا (١) وال واجب وجود فيها فال يخلو إما أن

تكون تلك الجملة بما نهي تلك الجملة واجبة الوجود بذاتها، أو ممكنة الوجود في ذاتها. فإن* ١ - قوله: وأما أن يكون موجودا معا.. الخ

هذا المطلب الجسيم كان مرادنا في قولنا آنفا من أنه يجب أن يالحظ أن سلسلة الممكناتالموجودة بالفعل معا.. الخ.

كانت واجبة الوجود بذاتها وكل واحد منها ممكن الوجود يكون الواجب الوجود يتقومبممكنات الوجود، هذا محال، وأما إن كانت ممكنة الوجود بذاتها فالجملة محتاجة في الوجود

إلى مفيد الوجود. فإما أن يكون خارجا منها أو داخال فيها.فإن كان داخال فيها فإما أن يكون كل واحد واجب الوجود - وكان كل واحد منها ممكن

الوجود - هذا خلف. وإما أن يكون ممكن الوجود فيكون هو علة للجملة ولوجود نفسه ألنه أحدالجملة. وما ذاته كافية في أن توجد ذاته فهو واجب الوجود، وكان ليس واجب الوجود هذا خلف.

فبقي أن يكون خارجا عنها، وال يجوز أن يكون علة ممكنة، فإنا جمعنا كل علة ممكنةالوجود في هذه الجملة، فهي إذا خارجة عنها وواجبة الوجود بذاتها، فقد انتهت الممكنات إلى

علة واجبة الوجود فليس لكل ممكن علة ممكنة معه. إنتهى ما أفاده في المبدأ والمعاد.

Page 194: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

(١٨٠)

Page 195: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

مترتبة من علل ومعلوالت إلى ما ال يتناهى، فتلك الجملة من حيث هي جملةممكنة لتركبها من اآلحاد الممكنة وكل ممكن له مؤثر فلتلك الجملة مؤثر فإما أن

يكون المؤثر هو نفس تلك الجملة وهو محال الستحالة كون الشئ مؤثرا فينفسه، وإما أن يكون خارجا عنها والخارج عن جملة الممكنات واجب فتنقطع

السلسلة وإما أن يكون جزءا من تلك الجملة وهذا محال وإال لزم كون الشئمؤثرا في نفسه وفي علله التي ال تتناهى وذلك من أعظم المحاالت. وأيضا فإن

المجموع ال بد له من علة تامة وكل جزء ليس علة تامة إذ الجملة ال تجب به وكلجزء ال يصلح أن يكون علة تامة للمجموع، وكيف تجب الجملة بجزء من أجزائها

وذلك الجزء محتاج إلى ما ال يتناهى من تلك الجملة.المسألة الخامسة

في متابعة المعلول للعلة في الوجود والعدمقال: وتتكافى النسبتان في طرفي النقيض.

أقول: الذي يفهم من هذا الكالم أن نسبة العلية مكافئة لنسبة المعلولية فيطرفي الوجود والعدم بالنسبة إلى معروضيهما على معنى أن نسبة العلية إذا صدقت

(١٨١)

Page 196: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

على معروض ثبوتي كانت نسبة المعلولية صادقة على معروض ثبوتي وبالعكس،وإذا صدقت نسبة العلية على معروض عدمي صدقت نسبة المعلولية على معروضعدمي وبالعكس وذلك يتم بتقرير مقدمة هي أن عدم المعلول أنما يستند إلى عدمالعلة ال غير، وبيانه أن عدم المعلول ال يستند إلى ذاته وإال لكان ممتنعا لذاته هذا

خلف، بل ال بد له من علة إما وجودية أو عدمية، واألول باطل ألن عند وجود تلكالعلة الوجودية إن لم يختل شئ من أجزاء العلة المقتضية لوجود المعلول، وال منشرائطها لزم وجود المعلول نظرا إلى تحقق علته التامة، وإن اختل شئ من ذلك

لزم عدم المعلول فيكون عدم المعلول مستندا إلى ذلك العدم ال غير.وإذا تقررت هذه المقدمة فنقول: العلة الوجودية يجب أن يكون معلولها

وجوديا ألنه لو كان عدميا لكان مستندا إلى عدم علته على ما قلنا ال إلى وجودهذه العلة، والمعلول الوجودي يستند إلى العلة الوجودية ال العدمية ألن تأثير

المعدوم في الموجود غير معقول.المسألة السادسة

في أن القابل ال يكون فاعالقال: والقبول والفعل متنافيان مع اتحاد النسبة لتنافي الزميهما.

أقول: ذهب األوائل إلى أن الشئ الواحد ال يكون قابال وفاعال لشئ واحد،وعبر عنه المصنف بقوله: القبول والفعل متنافيان يعني ال يجتمعان بل يتنافيان لكنمع اتحاد النسبة يعني أن يكون المفعول الذي تقع نسبة الفعل إليه هو بعينه المقبول

الذي تقع نسبة القبول إليه لتنافي الزميهما وهو اإلمكان والوجوب وذلك ألننسبة القابل إلى المقبول نسبة اإلمكان (١)، ونسبة الفاعل إلى المفعول نسبة

--------------------(١) كما في (ص) وفي (م، ق، ش) نسبة إمكان. ويأتي قوله في المسألة األولى من الفصلالرابع من المقصد الثاني في شرح قول الماتن: (وأدلة وجوده مدخولة) على تعريف اإلمكانباتفاق النسخ كلها حيث يقول: ألن نسبة القبول نسبة اإلمكان ونسبة الفاعل نسبة الوجوب.

(١٨٢)

Page 197: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الوجوب فلو كان الشئ الواحد مقبوال لشئ ومعلوال له أيضا لزم أن تكون نسبةذلك الشئ إلى فاعله بالوجوب واإلمكان هذا خلف.

المسألة السابعةفي نسبة العلة إلى المعلول

قال: وتجب المخالفة بين العلة والمعلول (١) إن كان المعلول محتاجا لذاته إلىتلك العلة وإال فال.

أقول: العلة إن كان معلولها محتاجا لماهيته إليها وجب كونها مخالفة لهاالستحالة تأثير الشئ في نفسه، وإن كانت علة لشخصيتها (٢) كتعليل إحدىالنارين باألخرى فإن المعلول ال يجب أن يكون مخالفا للعلة في الماهية وال

يكون أقوى منها وال يساويها عند فوات شرط أو حضور مانع ويساويها ال معذلك (٣)، واإلحساس بسخونة األجسام الذائبة أشد من سخونة النار لعدم االنفصال

بسرعة للزوجته ولبطء حركة اليد فيه لغلظه.المسألة الثامنة

في أن مصاحب العلة ليس بعلة وكذا مصاحب المعلول ليس معلوالقال: وال يجب صدق إحدى النسبتين على المصاحب.

أقول: يعني به أن نسبة العلية (٤) ال يجب صدقها على ما يصاحب العلة--------------------

(١) ذكره الشيخ في ثالث من سادسة إلهيات الشفاء (ص ٥٢٧ ج ٢ ط ١) قال في عنوان البحث:الفصل الثالث في مناسبة ما بين العلل الفاعلية ومعلوالتها، فراجع.

(٢) وفي (ص ق): لتشخصها.(٣) أي يساوي المعلول العلة ال مع فوات شرط أو حضور مانع. وقوله: واالحساس مثال لعدم

التساوي عند فوات شرط أو حضور مانع.(٤) وبعبارة أخرى ال يجوز ما مع العلة علة وإال لزم اجتماع العلتين في مرتبة واحدة، وال أن

يكون ما مع المعلول معلوال.

(١٨٣)

Page 198: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

ويالزمها فإن مع العلة شرائط كثيرة ولوازم ال مدخل لها في العلية كحمرة النار (١)فإنها ال تأثير لها في االحراق وكذا ما يصاحب المعلول ويالزمه ال يجب صدق

نسبة المعلولية عليه، قال الشيخ أبو علي ابن سينا (٢): إن الفلك الحاوي يصاحبعلة المحوي وال يجب أن يكون متقدما بالعلية على المحوي ألجل مصاحبته لعلة

المحوي فقد جعل ما مع القبل ليس قبال، ثم قال: وجود الخالء وعدم المحويمتقارنان (٣)، فلو كان الحاوي علة للمحوي لكان متقدما عليه فيكون متقدما على

ما يصاحبه أعني عدم الخالء، فيكون عدم الخالء (٤) متأخرا عنه من حيث إنهمصاحب للمتأخر، وهذا يدل على أن ما مع البعد يجب أن يكون بعدا، فتوهم

بعضهم (٥) أن الشيخ أوجب أن يكون ما مع البعد بعدا من حيث المعية والبعدية ولميوجب أن يكون ما مع القبل قبال وهذا فاسد ألنه ال فرق بين ما مع القبل وما مع

البعد من حيث البعدية والمعية والقبلية، والشيخ حكم في هذه الصورة الخاصةوكل ما يساويها بأن ما مع البعد يجب أن يكون بعدا لتحقق المالزمة الطبيعية بين

عدم الخالء ووجود المحوي بخالف العقل والفلك (٦) المتباينين بالذات واالعتبار.--------------------

(١) بالحاء المهملة والمعجمة كما في بعض النسخ مهملة.(٢) راجع في ذلك شرح الماتن على الفصل الحادي والعشرين من النمط األول من كتاباإلشارات قوله: يجب أن يعلم في الجملة أن الصورة الجرمية وما يصحبها ليس شئ منهما

سببا لقوام الهيولى مطلقا.. الخ، وكذا شرحه على الفصل الحادي والثالثين من النمطالسادس منه قوله هداية إذا فرضنا جسما يصدر عنه فعل.. الخ.

(٣) وبالعكس أي وجود المحوي وعدم الخالء متقارنان.(٤) أقول وهو الصواب وما في بعض النسخ أعني وجود الخالء فيكون وجود الخالء، غلط

جدا.(٥) هذا البعض هو الفخر الرازي وتفصيل كالمه في ذلك وجواب المحقق الطوسي إياه يطلبان

في الموضعين المذكورين من اإلشارات.(٦) العقل هو علة المحوي في المقام، فال تغفل.

(١٨٤)

Page 199: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

المسألة التاسعةفي أن العناصر ليست علال ذاتية بعضها لبعض

قال: وليس الشخص من العنصريات علة (١) ذاتية لشخص آخر منها وإال لمتتناه األشخاص (٢)، والستغنائه عنه بغيره.

أقول: الشخص من العناصر كهذه النار مثال ليس علة ذاتية لشخص آخر منهاأي يكون علة لوجوده وإال لوجدت أشخاص ال تتناهى دفعة واحدة، ألن العلل

الذاتية تصاحب المعلوالت.وأيضا فإن الشخص (٣) من العناصر يستغني عن الشخص اآلخر بغيره، إذ

ليس شخص ما من أشخاص النار مثال أولى بأن يكون علة لشخص آخر من بقيةأشخاص النوع بل الشخص الذي هو معلول سبيله سبيل سائر األشخاص في أنالشخصن الذي هو العلة ليس هو أولى بالعلية من الشخص الذي هو معلوله وما

يستغنى عنه بغيره ال يكون علة بالذات، فهو إذن علة بالعرض بمعنى أنه معد.--------------------

(١) وفي (ت): لشخص منها، بدون كلمة آخر، وإنما خص هذا الحكم بالعنصريات ألن األفالكال يجوز فيها الكثرة اإلفرادية، فإن كل نوع منها منحصر في فرده الشخصي بخالف

العنصريات ألن كل نوع منها يجوز فيه تكثر األفراد وتحققه.(٢) أقول: بل لم تتحقق األشخاص رأسا ألن العلة الذاتية إذا تحققت كان معلولها معها وال ينفك

عنها، والفرض أن معلولها أيضا من سنخ هذا الشخص فهو أيضا علة ذاتية فكون الشخصالعنصري علة ينجر حكمه إلى كونه مقتضيا للكثرة بحسب ذاته والطبيعة التي تقتضي ذاته

الكثرة محال أن يوجد لها فرد في الخارج وكأن مراده من قوله وإال لم تتناه األشخاص، كانهذا المعنى الذي أشرنا إليه فتدبر، على أن في كون الشخص العنصري علة ذاتية لشخص

آخر مفاسد أخرى.(٣) تقرير القوشجي أوضح وأخصر حيث قال: إن العناصر ليس بعضها أولى بأن يكون علةذاتية لبعضها من غيره، بل نسبة كلها في ذلك سواء فيستغني ما فرضناه معلوال عما فرضناه

علة بغير ذلك المفروض هذا خلف.

(١٨٥)

Page 200: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قال: ولعدم تقدمه.أقول: هذا وجه ثالث (١) على امتناع تعليل أحد الشخصين باآلخر، وتقريره

أن العلة متقدمة على المعلول بالذات، والشخصان إذا كانا من نوع واحد استحالتقدم أحدهما على اآلخر تقدما ذاتيا، ألن التقدم الذاتي ما يبقى (٢) للعلة مع وجود

المعلول، ألنه مقوم لها والتقدم بالزمان يبطل مع وجود المعلول ألنهما إذا اجتمعافي زمان واحد فقد عدم تقدم ما فرض علة.

قال: ولتكافؤهما (٣).أقول: هذا دليل رابع، وتقريره أن الماء والنار مثال متكافئان في أنه ليس النار

أولى بأن تكون علة للماء من العكس، والمتكافئان ال يصح (٤) أن يكون أحدهماعلة لآلخر.

قال: ولبقاء أحدهما مع عدم صاحبه.أقول: هذا دليل خامس، وتقريره أن ما يفرض علة من شخصيات النار فقد

يعدم وما يفرض معلوال يكون باقيا بعده ويستحيل بقاء المعلول بعد علته الذاتيةوبالعكس قد يعدم (٥) ما يفرض معلوال وما يفرض علة يكون باقيا بعده، ويستحيل

بقاء العلة (٦) منفكة عن المعلول.--------------------

(١) والوجه الثاني هو قوله: والستغنائه عنه بغيره، وقد شرحه الشارح العالمة بقوله: وأيضا فإنالشخص من العناصر.. الخ.

(٢) كلمة (ما) إما موصولة أو موصوفة.(٣) قرره صاحب الشوارق هكذا: الرابع أن أفراد النوع الواحد متكافئة لتماثلها، فليس بعضهاأولى بالعلية من بعض وهذا معنى قوله: ولتكافؤهما. وكذلك القوشجي في شرحه. ولكن يردعليهما على هذا التقرير أن كون هذا الوجه غير السابق فيه تأمل كما أورده بعض األجلة على

الشوارق، وأما ما قرره الشارح العالمة فال غبار عليه ومتين غاية المتانة.(٤) كما في (م)، والباقية: ال يصلح.

(٥) أتى به تحقيقا لقول الماتن: لبقاء أحدهما.(٦) كما تقدم في المسألة الثالثة من هذا الفصل قوله في ذلك: وال يجوز بقاء المعلول بعده وإن

جاز في المعد.

(١٨٦)

Page 201: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

المسألة العاشرةفي كيفية صدور األفعال منا

قال: والفاعل منا يفتقر إلى تصور جزئي (١) ليتخصص الفعل ثم شوق ثمإرادة (٢) ثم حركة من العضالت (٣) ليقع منا الفعل.

أقول: القوة البشرية أنما تفعل أثرها مع شعور وإدارك على الوجه النافع علما--------------------

(١) ألن الرأي الكلي ال ينبعث منه شئ مخصص جزئي، وراجع في ذلك شرحه علىالفصل التاسع والعشرين من ثالث اإلشارات.

(٢) وتسمى اإلجماع أيضا وفي (م) وحدها: ثم تشوق، مكان قوله: ثم شوق.(٣) بين قدس سره حق المطلب في المقام في شرحه على الفصل الخامس والعشرين من ثالثاإلشارات عند قول الشيخ وأما الحركات االختيارية فهي أشد نفسانية ولها مبدأ عازم مجمع،

بما هذا لفظه:إعلم أن لهذه الحركات مبادئ أربعة مترتبة أبعدها عن الحركات هو القوى المدركة وهي

الخيال أو الوهم في الحيوان، والعقل العملي بتوسطهما في االنسان.وتليها قوة الشوق فإنها تنبعث عن القوى المدركة، وتنشعب إلى شوق نحو طلب إنما ينبعث

عن إدراك المالئمة في الشئ اللذيذ أو النافع إدراكا مطابقا أو غير مطابق وتسمى شهوة،وإلى شوق نحو دفع وغلبة أنما تنبعث عن إدراك منافاة في الشئ المكروه أو الضار وتسمى

غضبا. ومغايرة هذه القوة للقوى المدركة ظاهرة وكما أن الرئيس في القوى المدركةالحيوانية هو الوهم فالرئيس في القوى المحركة هو هذه القوة.

ويليها االجماع وهو العزم الذي ينجزم بعد التردد في الفعل والترك وهو المسمى باإلرادةوالكراهة. ويدل على مغايرته للشوق كون االنسان مريدا لتناول ما ال يشتهيه، وكارها

لتناول ما يشتهيه. وعند وجود هذا االجماع يترجح أحد طرفي الفعل والترك اللذينتتساوى نسبتهما إلى القادر عليهما.

وتليها القوى المنبثة في مبادئ العضل المحركة لألعضاء، ويدل على مغايرتها لسائرالمبادئ كون االنسان المشتاق العازم غير قادر على تحريك أعضائه، وكون القادر على

ذلك غير مشتاق وال عازم. وهي المبادئ القريبة للحركات وفعلها تشنيج العضل وإرسالهاويتساوى الفعل والترك بالنسبة إليها، إنتهى.

بيان: مبادئ العضل هي األعصاب والقوى المنبثة فيها هي المبادئ القريبة للحركات.

(١٨٧)

Page 202: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أو ظنا، فافتقر الفعل الصادر عنها إلى مباد أربعة تصور لذلك الفعل الجزئي،فإن التصور الكلي ال يكون سببا لفعل جزئي ألن نسبة كل كلي إلى جزئياته واحدةفإما أن يقع كلها وهو محال أو ال يقع شئ منها وهو المطلوب، فال بد من تصور

جزئي يتخصص به الفعل فيصير جزئيا، فإذا حصل التصور بالنفع الحاصل مناألثر اشتاقت النفس إلى تحصيله فحصلت اإلرادة (١) الجازمة بعد التردد فتحركت

العضالت إلى الفعل فوجد.قال: والحركة إلى مكان (٢) تتبع إرادة بحسبها، وجزئيات تلك الحركة تتبعتخيالت وإرادات جزئية، فيكون السابق من هذه علة للسابق من تلك، المعدة

لحصول أخرى فتتصل اإلرادت في النفس والحركات في المسافة إلى آخرهما.أقول: الفاعل منا لحركة ما من الحركات أنما يفعلها بواسطة القصد واإلرادة

المتعلقة بتلك المسافة، فتلك الحركة تتبع إرادة بحسبها يعني الحركة إلى مكانمفروض تتبع إرادة متعلقة بالحركة إلى ذلك المخصوص، وكل حركة فعلى مسافةمنقسمة تكون الحركة في كل مسافة من تلك المسافات جزءا من الحركة األولى،

وكل جزء من تلك األجزاء يتبع تخيال خاصا وإرادة جزئية متعلقة به، فإذا تعلقتاإلرادة بإيجاد الجزء األول من الحركة ثم وجد الجزء األول كان وصول الجسمإلى ذلك الجزء مع اإلرادة الكلية المتعلقة بكمال الحركة علة لتجدد إرادة أخرى

--------------------(١) فإن قلت: االنسان قد يريد وال يشتاق كما في إرادة تناول الدواء البشع، فالجواب أنالمنفي هناك الشهوة ال الشوق مطلقا فإن من اعتقد النفع ينبعث من اعتقاده شوق عقلي ال

محالة وإن لم يسم شهوة.(٢) هذا الكالم لدفع إيراد يتوهم في المقام وهو أن صدور األفعال الجزئية عن االنسان ال

يتوقف على تصورات وإرادات جزئية، مثال من تصور الحركة على مسافة ينشئ إرادةمتعلقة بقطع جميع المسافة من غير أن يتصور المتحرك الحدود الجزئية من المسافة حتى

يتعلق بها اإلرادات الجزئية.واعلم أن هذه المسألة العاشرة وشرحها خالصة ما في آخر النمط الثالث من اإلشارات

وشرح الماتن عليه فراجع الفصلين الخامس والعشرين والتاسع والعشرين منه.

(١٨٨)

Page 203: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

تتعلق بجزء آخر، فإذا وجدت تلك اإلرادة تعلقت بذلك الجزء فيتحرك الجسم،وعلى هذا تتصل التخيالت واإلرادات في النفس والحركة في الخارج فتكون كل

حركة جزئية علة إلرادة خاصة، وكل إرادة خاصة علة لحركة جزئية من غير دور.المسألة الحادية عشرة

في أن القوى الجسمانية أنما تؤثر بمشاركة الوضعقال: ويشترط في صدق التأثير على المقارن الوضع (١).

أقول: يشترط في صدق التأثير (٢) أعني صدق كون الشئ علة على المقارنأعني الصور واألعراض، الوضع أعني اإلشارة الحسية وهو كونه بحيث يشار إليهأنه هنا أو هناك وذلك ألن القوى الجسمانية أعني الصور واألعراض المؤثرة إنماتؤثر بواسطة الوضع على معنى أنها تؤثر في محلها أوال، ثم فيما يجاور محلها

بواسطة تأثيرها في محلها، ثم فيما يجاور ذلك المجاور بواسطة المجاور وهكذا،--------------------

(١) كلمة على الجارة صلة للصدق. والمقارن بكسر الراء أي المقارن للمادة وذلك المقارن هوالصور القائمة بالمواد واألعراض الحالة في األجسام، والمقارن مقابل المفارق في اصطالح

أهل المعقول كما سيأتي في أول المقصد الثاني. والوضع مرفوع أي يشرط الوضع. واعلم أنما يشترط في تأثيره الوضع مادي ال محالة ألن قوامه بمواد األجسام فيؤثر أوال لمادته

وجرمه ثم لألقرب فاألقرب منه على وسعه، فإن النار تسخن وتضئ على سعتها والشمسكذلك ال يكلف الله نفسا إال وسعها، وأما ما ليس بمادي فال يشترط به وله اإلحاطة

كالمجردات. ثم إن المفارق إما مجرد بذاته وفعله أو مجرد بذاته فقط، األول العقل والثانيالنفس، فالنفوس الفلكية واالنسانية في النشأة األولى ليست بغنية عن األجرام واألجساموإن لم تكن مادية. وجملة األمر أن القوي المتعلقة باألجسام إما محتاجة في ذاتها إليهاكالقوة النارية والمائية مثال، أو محتاجة إليها ال في ذاتها بل في فعلها كالنفوس مطلقا،

وسيأتي البحث عن الجوهر المفارق في أولى األول من المقصد الثاني.ثم كان الصواب أن يجعل المسألة الحادية عشرة واللتان بعدها مسألة واحدة.

(٢) تقرير الشارح هذه المسألة بأسرها ملخص ما قرره المصنف في شرحه على الفصلالخامس عشر من سادس اإلشارات.

(١٨٩)

Page 204: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

إنما تؤثر في البعيد بواسطة تأثيرها في القريب، فإن النار ال تسخن كل شئ بلمادتها أوال ثم ما يجاورها، وهذا الحكم بين ال يحتاج إلى برهان.

المسألة الثانية عشرةفي تناهي القوى الجسمانية

قال: والتناهي بحسب المدة والعدة والشدة التي باعتبارها (١) يصدق التناهيوعدمه الخاص على المؤثر.

أقول: قوله والتناهي عطف على الوضع أي يشترط في صدق التأثير علىالمقارن - أعني الصور واألعراض - التناهي، ألنه ال يمكن وجود قوة جسمانية

تقوى على ما ال يتناهى.وقبل الخوض في الدليل مهد قاعدة في كيفية عروض التناهي وعدمه للقوى،

وأعلم أن التناهي وعدمه الخاص به - أعني عدم الملكة وهو عدم التناهي عما منشأنه أن يكون متناهيا - أنما يعرضان بالذات للكم إما المتصل كتناهي المقدار وال

تناهيه، أو المنفصل كتناهي العدد وال تناهيه، ويعرضان لغيره بواسطته كالجسمذي المقدار والعلل ذوات العدد، فإن عروض التناهي وعدمه لهما ظاهر، وأما

ما يتعلق به شئ ذو مقدار أو عدد كالقوى التي يصدر عنها عمل متصل في زمانأو أعمال متوالية، ففرض النهاية والالنهاية فيه يكون بحسب مقدار ذلك العمل أو

عدد تلك األعمال (٢) والذي بحسب مقدار ذلك العمل يكون إما مع وحدة العملواتصال زمانه (٣) أو مع فرض االتصال (٤) في العمل نفسه من غير نظر إلى وحدته

أو كثرته، فأصناف القوى ثالثة:--------------------

(١) كلمة الموصول صفة للكلمات الثالث والضمير راجع إليها.(٢) هذا هو الصنف الثالث اآلتي ذكره.

(٣) هذا هو الصنف األول.(٤) هذا هو الصنف الثاني. والمراد من فرض االتصال في العمل أنه ال تعدد له أي المعتبر في

هذا القسم هو امتداد الزمان فقط.

(١٩٠)

Page 205: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

األول: قوى يفرض صدور عمل واحد منها في أزمنة مختلفة كرماة تقطعسهامهم مسافة محدودة في أزمنة مختلفة، وهاهنا الشدة بحسب قلة الزمان،

فيكون ما ال يتناهى في الشدة واقعا ال في زمان وإال لكان الواقع في نصفه أشدمما ال يتناهى في الشدة، وهذه قوة بحسب الشدة.

والثاني: قوى يفرض صدور عمل ما منها على االتصال (١) في أزمنة مختلفةكرماة تختلف أزمنة حركات سهامهم في الهواء، وهاهنا تكون التي زمانها أكثرأقوى من التي زمانها أقل فيقع عمل غير المتناهية في زمان غير متناه، وهذه قوة

بحسب المدة.والثالث: قوى يفرض صدور أعمال متوالية عنها مختلفة بالعدد كرماة يختلف

عدد رميهم، وال محالة تكون التي يصدر عنها عدد أكثر أقوى من التي يصدر عنهاعدد أقل، وهاهنا يقع لغير المتناهية عمل غير متناهي العدد، وهذه قوة بحسب

العدة. فقد ظهر من هذا أن التناهي وعدمه الخاص به أنما صدقا على المؤثر بأحداالعتبارات الثالثة.

--------------------(١) أي من غير اعتبار وحدته وكثرته كما في األول والثالث حيث اعتبر األول في األول

والثاني في الثالث.بقي في المقام كالم وهو أن الشارح جعل التناهي عطفا على الوضع، وهذا الكالم بظاهرهيقتضي توقف التأثير على التناهي، وفيه دغدغة كما قال الشريف: الظاهر من هذا العطف

توقف تأثير القوة الجسمانية على التناهي كتوقفه على الوضع، لكن الظاهر كما هو المفهوممن كالمهم أن التأثير متوقف على الوضع ومستلزم للتناهي.

وقال المولى إسماعيل في تعليقته على الشوارق في بيان كالمهم ومستلزم للتناهي ما هذالفظه: أي ال يتوقف التأثير على التناهي وإال يلزم تحقق تناهي األثر قبل تحقق التأثير وهو

مستلزم لتحقق التأثير بعد تحقق األثر وتحقق األثر قبل تحقق التأثير وهو محال.لكن صاحب الشوارق سلك سبيل الشارح العالمة فقال ما هذه خالصة مقاله: كل مقارن مؤثر

ما لم يعلم تناهي أثره لم يحكم بأنه مؤثر ذلك األثر ولو كان األثر غير متناه نجزم بأن المؤثرمجرد متعلق بذلك المقارن ثم شنع على القوم بأنهم لم يتفطنوا ما ذكره فتحيروا في العطف.

وال يخفى عليك حسن رؤيته وجودة دقته في بيان العطف.

(١٩١)

Page 206: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قال: ألن القسري يختلف باختالف القابل ومع اتحاد المبدأ يتفاوت مقابله (١).أقول: لما مهد قاعدة في كيفية عروض التناهي وعدمه في القوى شرع في

الدليل على مطلوبه األول أعني وجوب تناهي تأثير القوى الجسمانية.وتقريره أن القوى الجسمانية إما أن تكون قسرية أو طبيعية، وكالهما

يستحيل صدور ما ال يتناهى عنهما.أما األول (٢) فألن صدور ما ال يتناهى بحسب الشدة من الحركات (٣) عن

القوتين (٤) محال لما مر، وإما بحسب المدة أو العدة فألنا لو فرضنا جسما متناهيايحرك جسما آخر متناهيا من مبدأ مفروض حركات (٥) ال تتناهى بحسب المدة أو

العدة ثم حرك بتلك القوة جسما أصغر (٦) من ذلك الجسم من ذلك المبدأ فإن--------------------

(١) أي مقابل المبدأ وهو الطرف اآلخر في الشرح، فيلزم التناهي بحسب التفاوت.(٢) أي القسرية.

(٣) بيان لما في قوله: ما ال يتناهى.(٤) صلة للصدور في قوله: صدور ما ال يتناهى. والقوتان القسرية والطبيعية.

ثم إن قوله: محال لما مر، ناظر إلى قوله: فيكون ما ال يتناهى في الشدة واقعا ال في زمان..الخ، وإال ما مر صريحا في هذا المعنى شئ غير ذكره األصناف الثالثة، وقوله: ال يمكن

وجود قوة جسمانية تقوى على ما يتناهى وهو ال يقتضي حجة له فقط دونهما.نعم، إن الالتناهي في الشدة ظاهر البطالن، ولذلك لم يشتغلوا باالحتجاج عليه وأقاموا

الحجة على الالتناهي بحسب المدة والعدة.وقال صاحب الشوارق: وأما بحسب الشدة فليس بمقصود إما لظهور بطالنه وإما لعدم فساده،

وذلك إذا كان يجوز انتهاء زمان الحركة في القلة إلى حيث ال يمكن باالمكان الوقوعيتنصيفه وتجزيته.

أقول: والصواب هو ظهور بطالنه، وأما الشق الثاني فمجرد فرض غير معتبر وال يتوهم أحدأن تكون في األجسام قوة جسمانية تقوى على ما ال يتناهى شدة، وهذا الفرض الموهوم

خارج عن البحث العلمي رأسا، ولذلك لم يقم الشيخ في اإلشارات الحجة على التناهي فيالشدة، وقال الخواجة في شرحه عليه بعد ذكر األصناف الثالثة - كما أتى به الشارح العالمةفي هذا الكتاب -: وكان مراد الشيخ ما يختلف في النهاية والالنهاية بحسب المدة أو العدة

فقط. إنتهى وإنما كان مراده ما يختلف فيهما ألن الالتناهي في الشدة ظاهر البطالن.(٥) منصوب بقوله: يحرك.

(٦) جاءت العبارة في غير واحدة من النسخ المطبوعة وغيرها هكذا: ثم حركت تلك القوةجسما أصغر، بتأنيث الفعل وحذف الجارة وهي محرفة بال دغدغة، والصحيحة

ما اخترناها. وعبارة الشيخ في اإلشارات هكذا: ثم فرضنا أنه يحرك أصغر من ذلك بتلكالقوة. وعبارة الخواجة في شرحه عليها هكذا: إذا حرك جسم بقوته جسما آخر من مبدأمفروض حركات ال نهاية لها ثم فرضنا أن ذلك الجسم المحرك يحرك جسما آخر شبيها

بالجسم األول في الطبيعة وأصغر منه بالمقدار بتلك القوة بعينها من ذلك المبدأ المفروض..الخ. ونظائر هذا التحريف في الكتاب كثيرة جدا.

Page 207: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

(١٩٢)

Page 208: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

تحريكه لألصغر أكثر من تحريكه لألكبر لقلة المعاوقة هنا ولكن المبدأ واحد فالتفاوتفي الطرف اآلخر فيجب تناهي الناقص مع فرض عدم تناهيه هذا خلف (١).

وهاهنا سؤال صعب (٢) وهو أن التفاوت في التحريكين جاز أن يكون بحسب--------------------

(١) إعلم أن المصنف الماتن سلك في إقامة هذا البرهان مسلك الشيخ في اإلشارات وبعدتقرير الحجة في الشرح قال: واعلم أن هذا البرهان أعم مأخذا مما استعمله الشيخ، فإن

الحاصل منه أن القوة الغير المتناهية لو حركت بالفرض جسمين مختلفين لوجب أن يكونتحريكها إياهما متفاوتا ويلزم منه كونها متناهية بالقياس إلى أحدهما بعد أن فرضت غير

متناهية مطلقا هذا خلف، فإذن القوة الغير المتناهية سواء كانت جسمانية أو غير جسمانيةيمتنع أن تكون مباشرة لتحريك األجسام بالقسر، والشيخ خصصه بالقوة الجسمانية ألن

غرضه في هذا الموضع هو نفي الال نهاية عن القوى الجسمانية، إنتهى.أقول: إنما كان البرهان أعم مأخذا ألن القوة الغير المتناهية تعم الجسمانية وغير الجسمانية،

وقوله: سواء كانت جسمانية أو غير جسمانية بيان لكونه أعم مأخذا.(٢) السائل هو الفخر الرازي في ذلك المقام، هذا السؤال والجواب وإيراد التلميذ وجواب

الشيخ وااليراد عليه كلها مذكورة في شرح الماتن المحقق الطوسي على الفصل التاسع عشرمن النمط السادس من اإلشارات، وراجع في ذلك أيضا الفصل األخير من المرحلة

الثامنة من األسفار (ج ١ ط ١ ص ٢٥٩). والسؤال كان رائجا قبل الفخر كما هو نص كالمالخواجة في المقام حيث قال: واالعتراض المشهور الذي أورده الفاضل الشارح عليه

بتجويز أن يكون التفاوت في التحريكين بالسرعة والبطء.. الخ.ثم ما قال الشارح بعد نقل كالم الماتن من اإلشارات: وفيه نظر ألن أخذ القوة بحسب

االعتبارين ال ينافي وقوع التفاوت باالعتبار الثالث، ليس كما ينبغي ألن ذلك النظر مجرد فرضغير معتبر في البحث العلمي، وكما قلنا آنفا أن الالتناهي في الشدة ظاهر البطالن ولذلك لم

يشتغلوا باالحتجاج عليه على أن الخواجة قال: إن هذا االعتراض أي السؤال الصعبمندفع، ألن المراد بالقوة المذكورة هاهنا هي التي ال نهاية لها باعتبار المدة والعدة دون الشدة

على ما مر. وقوله: على ما مر ناظر إلى ما قاله في الفصل الخامس عشر من النمط المذكوروقال هناك: كان مراد الشيخ في النهاية والالنهاية بحسب المدة والعدة فقط، وقيد فقط

إلخراج ما بحسب الشدة وذلك كما قلنا لشدة ظهور بطالنه، ولذا لم يبحثوا عنه بنظر علمي.

(١٩٣)

Page 209: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الشدة، وأجاب المصنف قدس الله روحه عن هذا السؤال في شرحه لإلشارات بأنالمراد بالقوة هاهنا هي التي ال نهاية لها بحسب المدة أو العدة ال الشدة.

وفيه نظر ألن أخذ القوة بحسب االعتبارين ال ينافي وقوع التفاوت باالعتبارالثالث.

وأورد بعض تالمذة أبي علي عليه أنه ال وجود للحركات دفعة فال يجوزالحكم عليها بالزيادة فضال عن كون الزيادة مقتضية لتناهيها كما قاله الشيخاعتراضا على المتكلمين حيث حكموا بتناهي الحوادث الزديادها كل يوم.

وأجاب الشيخ عنه بالفرق فإن الحوادث ليس لها كل موجود (١) حتى يحكمعليها بالتناهي وعدمه، والزيادة والنقصان بخالف القوة هاهنا فإنها موجودة

يحكم عليها بكونها قوية على تحريك الكل أو البعض وال شك في أن كون القوةقوية على تحريك الكل أعظم من كونها قوية على تحريك الجزء فأمكن الحكم

بالتناهي هاهنا لوجود المحكوم عليه وتحققه بخالف الحوادث.وللسائل أن يعود فيقول: التفاوت في القوة إنما هو باعتبار التفاوت في

المقوى عليه أعني الحركات، فإذا لم يكن الحكم على الحركات بالزيادةوالنقصان لم يكن الحكم على القوة بالتفاوت.

قال: والطبيعي (٢) يختلف باختالف الفاعل لتساوي الصغير والكبير فيالقبول، فإذا تحركا (٣) مع اتحاد المبدأ عرض التناهي.

--------------------(١) أي ليس لها مجموع موجود، فكلمة (كل) مرفوعة على أنها اسم ليس بمعنى المجموع،

وموجود صفة لها. وعبارة الخواجة في شرحه على اإلشارات في المقام هكذا: رد الشيخعليهم بأن قال لما لم يكن لها مجموع موجود في وقت من األوقات.

(٢) منصوب بقوله: ألن، معطوف على القسري.(٣) كما في النسخ كلها إال نسخة (ت) ففيها: وإذا تحركا.

(١٩٤)

Page 210: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: هذا بيان استحالة القسم الثاني (١) وهو أن تكون القوة المؤثرة فيماال يتناهى طبيعية. وتقريره أنه يجب أن يكون قبول الجسم العظيم للتحريك عنهامثل قبول الصغير وإال لكان التفاوت بسبب المانع وهو إما أن تكون الجسمية أو

لوازمها أو أمرا طبيعيا والكل محال، أو غريبا وقد فرضنا عدمه فلو حصلاختالف لكان بسبب الفاعل فإن القوة في العظيم أكثر من القوة في الصغير النقسام

--------------------(١) الخواجة قدس سره قرر البرهان في شرحه على اإلشارات (من الفصل ٢٠ إلى ٢٣ من النمط

السادس) بعد بيان تمهيد ثالث مقدمات أتى بها الشيخ ينبغي التدبر فيه نيال إلى المراد.األولى: أن الجسم من حيث هو جسم لما لم يكن مقتضيا لتحريك وال لمنع عنه بل كان ذلك

لقوة تحله فإذن كبيره وصغيره إذا فرضنا مجردين عن تلك القوة كانا متساويين في قبولالتحريك وإال لكان الجسم من حيث هو جسم مانعا عنه.

الثانية: أن القوة الجسمانية المسماة بالطبيعية إذا حركت جسمها وال محالة يكون ذلك الجسمخاليا عن المعاوقة وإال لم تكن الطبيعة طبيعة لذلك الجسم فال يجوز أن يعرض بسبب كبر

الجسم وصغره تفاوت في القبول لما مر في المقدمة األولى، بل أن عرض تفاوت فهو بسببالقوة فإنها تختلف باختالف محلها على ما سيأتي في المقدمة الثالثة وهناك يستبين أن التفاوتكما كان في الحركات القسرية بسبب القوابل ال غير فهو في الطبيعة بحسب الفواعل ال غير.

الثالثة: أن القوى الجسمانية المتشابهة تختلف باختالف األجسام ويتناسب بتناسب محالهاالمختلفة بالكبر والصغر ألنها حالة فيها متجزية بتجزئتها.

فنقول: إنه ال يجوز أن يكون في جسم من األجسام قوة طبيعية تحرك ذلك الجسم حركاتبال نهاية، وذلك ألن قوة ذلك الجسم أكثر وأقوى من قوة بعضه لو انفرد بالمقدمة األخيرة،وليس زيادة جسمه في القدر تؤثر في منع التحريك حتى تكون نسبة المحركين والمتحركين

واحدة بالمقدمة األولى، وفي هذا القول إشارة أيضا إلى سبب االحتياج إلى هذه المقدمة،وذلك السبب هو أن المعاوقة لو كانت في الكبير أكثر منها في الصغير مع أن القوة في الكبيرأيضا أقوى منها في الصغير لكانت نسبة المحركين والمتحركين واحدة لكن ليس كذلك لمامر في المقدمة األولى، بل المتحركان في حكم ما ال يختلفان والمحركان مختلفان بالمقدمة

الثانية، فإن حركتا جسميهما من مبدأ مفروض حركات بغير نهاية لزم منه تناهي األقل.أقول: لما ثبت أن صدق التأثير على المقارن مشروط بالوضع والتناهي المذكورين، وأن

القوى الجسمانية مطلقا تكون مدة آثارها وكذلك عدد آثارها متناهية كما أنها بحسب الشدةمتناهية فال بد أن ينتهي األمر إلى المفارق.

(١٩٥)

Page 211: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

القوى الطبيعية بانقسام محالها، فإذا حركت قوة الكل وقوة البعض جسميهما منمبدأ واحد مفروض فإن حركت الصغرى حركات غير متناهية كانت حركات

الكبرى أكثر ألنها أعظم فتكون أقوى وإال لكان حال الشئ مع غيره كحاله ال معغيره هذا خلف، فيقع التفاوت في الجانب الذي حكم فيه بعدم التناهي هذا خلف،

وإن تناهت حركات األصغر تناهت حركات األكبر ألن نسبة األثر إلى األثركنسبة المؤثر إلى المؤثر، وهذه نسبة متناه إلى متناه فكذا األولى.

المسألة الثالثة عشرةفي العلة المادية

قال: والمحل المتقوم بالحال قابل له ومادة للمركب.أقول: المحل إما أن يتقوم بالحال أو يقوم الحال، وإال لزم استغناء أحدهما

عن اآلخر فال حلول، فالمحل المتقوم بالحال هو الهيولى والمقوم للحال هوالموضوع والهيولى باعتبار الحال تسمى قابال، وباعتبار المركب تسمى مادة.

قال: وقبوله ذاتي.أقول: كون المادة قابلة أمر ذاتي لها ال غريب يعرض بواسطة الغير ألنه لوالذلك لكان عروض ذلك القبول في وقت حصوله يستدعي قبوال آخر ويلزم

التسلسل وهو محال، فهو إذن ذاتي يعرض للمادة لذاتها.قال: وقد يحصل القرب والبعد باستعدادات يكتسبها (١) باعتبار الحال فيه.

أقول: لما ذكر أن قبول المادة لما يحل فيها ذاتي استشعر أن يعترض عليه بمايظن أنه مناقض له، وهو أن يقال: إن المادة قد تقبل شيئا وال تقبل آخر، ثم يعرض

لها قبول اآلخر ويزول عنها القبول األول، وهذا يعطي أن القبول من األمور--------------------

(١) هذا االستعداد ليس ذاتيا بل يحصل من جهة العوارض الطارية وبه يحصل القرب والبعددون االستعداد الذاتي األول كان للمادة لذاتها.

(١٩٦)

Page 212: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

العارضة الحاصلة بسبب الغير ال من األمور الذاتية الالزمة لها لذاتها.وتحقيق الجواب أن نقول: إن القبول ثابت في كلتا الحالتين لكن القبول منه

قريب ومنه بعيد، فإن قبول النطفة للصورة االنسانية بعيد وقبول الجنين قريب، فإذاحصل القرب بالنظر إلى عرض من األعراض نسب القبول إليه وعدمه عن غيره،

وفي الحقيقة إنما حصل قرب القبول بعد بعده وسبب القرب والبعد هو األعراضوالصور الحالة في المادة، فإن الحرارة إذا حلت المادة واشتدت أعدتها لقرب

قبول الصورة النارية وخلع غيرها.المسألة الرابعة عشرة

في العلة الصوريةقال: وهذا الحال صورة للمركب وجزء فاعل لمحله (١).

أقول: هذا الحال يعني به الحال في المادة وهو صورة للمركب ال للمادة،ألنه بالنظر إلى المادة جزء فاعل ألن الفاعل في المادة هو المبدأ الفياض بواسطة

الصورة المطلقة.قال: وهو واحد.

أقول: ذكر األوائل أن الصورة المقومة للمادة ال تكون فوق واحدة، ألن--------------------

(١) كلمة الجزء مضافة إلى الفاعل أي جزء علة لمحله، والفاعل هو معطي الوجود وذلك ألنالصورة شريكة للفاعل الذي هو المفارق على ما سلك إليه المشاء وبسط الكالم فيه الشيخ

في النمط األول من اإلشارات وتقدم اإلشارة إليه.قال القوشجي: واعلم أن ما نقلناه عن الحكماء في هذا المبحث كلها من فروع الهيولى

والصورة، والمصنف لما كان منكرا لهما كما سيجئ كان المناسب أن ال يذكر هذه المباحثويذكرها على سبيل النفي واالنكار ال على طريق االثبات واالقرار. وقال صاحب الشوارقتعريضا له: إن هذه األمور المتفرعة على ثبوت الهيولى ذكرها المصنف هاهنا على سبيل

الحكاية، وبمعنى أنه على تقدير ثبوتها وعند القائلين بها يكون الحال هكذا فال منافاة بينهاوبين ما سيأتي من نفيه الهيولى في هذا الكتاب.

(١٩٧)

Page 213: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الواحدة إن استقلت بالتقويم استغنت المادة عن األخرى، وإن لم تستقل كانالمجموع هو الصورة وهو واحد، فالصورة واحدة.

المسألة الخامسة عشرةفي العلة الغائية

قال: والغاية علة بماهيتها (١) لعلية العلة الفاعلية، معلولة في وجودها للمعلول.أقول: الغاية لها اعتباران يحصل لها باعتبارهما التقدم والتأخر بالنسبة إلى

المعلول، وذلك ألن الفاعل إذا تصور الغاية فعل الفعل ثم حصلت الغاية بحصولالفعل، فماهية الغاية علة لعلية الفاعل، إذ لوال تلك الماهية وحصولها في علم

الفاعل لما أثر وال فعل الفعل، فإن الفاعل للبيت يتصور االستكنان أوال فيتحركإلى إيجاد البيت ثم يوجد االستكنان بحصول البيت، فماهية االستكنان علة لعلية

الفاعل ووجوده معلول للبيت، وال امتناع في أن يكون الشئ الواحد متقدماومتأخرا باعتبارين.

قال: وهي ثابتة لكل قاصد (٢).--------------------

(١) قريب من كالم الشيخ في الفصل السابع من رابع اإلشارات في تعريف الغاية حيث قال:والعلة الغائية التي ألجلها الشئ علة بماهيتها ومعناها لعلية العلة الفاعلية ومعلولة لها في

وجودها.. الخ. أي الغاية بصورتها الذهنية وحصولها في علم الفاعل علة لعلية العلةالفاعلية، وهي معلولة في وجودها الخارجي للمعلول، وأرادوا بقولهم أول الفكر آخر العمل

هذا المعنى. قال الشيخ في إلهيات الشفاء: ونعني بالغائية العلة التي ألجلها يحصل وجودشئ مبائن لها.

والمبائن هو المعلول الخارجي وإنما كان مبائنا لها ألنه ال يكون حاال فيها وال محال لها،وللعارف الرومي في المثنوي:

ظاهرا آنشاخ أصل ميوه است باطنا بهر ثمر شد شاخ هستگرنبودى ميل واميد ثمر كي نشاندى باغبان بيخ شجر

أول فكر آخر آمد در عمل خاصه فكرى كو بود وصف أزل(٢) الضمير راجع إلى الغاية، والغاية عرفت بأنها علة لعلية الفاعلية فال بد أن يكون معنى هذه

الجملة أن الغاية بهذا المعنى ثابتة لكل فاعل يفعل بالقصد أعني الفاعل بالقصد علىاصطالح الحكماء، ألن الغنى التام والجواد والملك الحق ال غرض وال غاية له مطلقا.

والفاعل الذي يفعل لغاية إما أن يكون وجود تلك الغاية أولى به فيكون الفاعل مستكمالبوجود الغاية، أو أن فاعليته يتم بتلك الغاية فيلزم أن يكون الفاعل ناقصا في عليته

ويستكمل بتلك الغاية، فالفاعل لغاية فقير والله سبحانه هو الغني فليس بفاعل لغاية وغرضكما أنه ليس بعابث أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا (المؤمنون ١٥).

قال الخواجة في شرحه على الفصل السادس من النمط السادس من اإلشارات: الغرض هوغاية فعل فاعل يوصف باالختيار فهو أخص من الغاية. والقائلون بأن الباري تعالى أنما يفعل

لغرض ذهبوا إلى أنه أنما يفعله لغرض يعود إلى غيره ال إلى ذاته وذلك ال ينافي كونه غنياوجوادا، فأشار الشيخ إلى أن من يفعل لغرض فال بد من أن يكون ذلك الفعل أحسن به من

تركه، ألن الفعل الحسن في نفسه إن لم يكن أحسن بالفاعل لم يمكن أن يصير غرضا له، ثم

Page 214: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أنتج من ذلك أن الملك الحق ال غرض له مطلقا.

(١٩٨)

Page 215: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: كل فاعل بالقصد واإلرادة فإنه أنما يفعل لغرض ما وغاية ما وإاللكان عابثا على أن العبث ال يخلو عن غاية، أما الحركات االسطقسية (١) فقد أثبت

األوائل لها غايات ألن الحبة من البر إذا رميت في األرض الطيبة وصادفها الماءوحر الشمس فإنها تنبت سنبلة، وهذه التأدية على سبيل الدوام أو الكثرة فيكونذلك غاية طبيعية. ومنع ذلك جماعة لعدم الشعور في الطبيعة فال يعقل لها غاية،

--------------------(١) في أقرب الموارد: األسطقس بفتح األلف وسكون السين وفتح الطاء وكسر القاف: أعجمية

معناها األصل وتسمى العناصر األسطقسات (بكسر األلف) وهي الماء واألرض والهواءوالنار. وفي المنجد: بفتح األلف وكسرها، وفي غياث اللغات: بضم األول والثالث والرابع

وسكون الثاني لفظ يوناني بمعنى العنصر.أقول: الكلمة إذا كانت عجمية تلعب بها العرب ما شاءت، وهذا المثل سائر بينهم: عجميفالعب به ما شئت. والغرض العمدة أن الشارح أراد منها الحركات الطبيعية مطلقا في قبالاإلرادية سواء كانت لعناصر بسيطة أو لم تكن، كما يستفاد التعميم من تمثيله بالبر وجعلهمقابال للفاعل بالقصد واإلرادة، ومن قول الماتن بعيد هذا وأثبتوا للطبيعيات غايات، ومن

قول الشارح هناك أما إثبات الغايات للحركات الطبيعية فقد تقدم. فقوله: فقد تقدم إشارة إلىما قاله في هذا المقام. وفي الشوارق أن الحكماء أثبتوا لكل تحريك وفعل سواء كان إراديا أو

طبيعيا غاية والمصنف خص هذا الحكم باإلراديات.

(١٩٩)

Page 216: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وأجابوا بأن الشعور يفيد تعيين الغاية ال تحصيلها.قال: أما القوة الحيوانية (١) المحركة فغايتها الوصول إلى المنتهى وهو قد

يكون (٢) غاية الشوقية وقد ال يكون، فإن لم تحصل فالحركة باطلة وإال فهو إماخير أو عادة (٣) أو قصد ضروري أو عبث وجزاف (٤).

أقول: القوة الحيوانية لها مباد على ما تقدم (٥): أحدها: القوة المحركة المنبثةفي العضالت، وثانيها: القوة الشوقية، وثالثها: التخيل أو الفكر. وغاية القوة

المحركة أنما هي الوصول إلى المنتهى وقد تكون هي بعينها (٦) غاية القوة الشوقيةكمن طلب مفارقة مكانه والحصول في آخر (٧) إلزالة ضجره، وقد تكون غيرها

كمن يطلب غريما في موضع معين، وفي هذا القسم إن لم تحصل غاية القوةالشوقية سميت الحركة باطلة بالنسبة إليها (٨)، وإن حصلت الغايتان (٩) وكان المبدأ

التخيل ال غير فهو الجزاف والعبث (١٠). وإن كان مع طبيعة كالتنفس فهو القصد--------------------

(١) قيد القوة بالحيوانية إلخراج الفلكية وذلك ألن القوة المحركة الفلكية ليست غايتهاالوصول إلى المنتهى بل غايتها الدوام على الحركة كما سيأتي.

(٢) أي الوصول.(٣) أي تلك الحركة والتذكير باعتبار الخبر. وفي (ت) وحدها: وهو قد يكون غاية الشرقية.

والنسخ األخرى: غاية الشوقية.(٤) قال قدس سره في شرحه على الفصل األخير من خامس اإلشارات: الجزاف لفظة معربة معناه األخذ

بكثرة من غير تقدير، وقد يطلق بحسب االصطالح على فعل يكون مبدأه شوقا تخيليا منغير أن يقتضيه فكر كالرياضة، أو طبيعة كالتنفس، أو مزاج كحركات المرضى، أو عادة

كاللعب باللحية مثال وهو باعتبار من الفاعل كما أن العبث يكون باعتبار من الغاية.(٥) تقدم في المسألة العاشرة من هذا الفصل.

(٦) أي تكون غاية القوة المحركة بعينها.(٧) فاجتمعت الغايتان أي غاية القوة المحركة وغاية القوة الشوقية.

(٨) وأما بالنسبة إلى القوة المحركة فالغاية حاصلة وليست بباطلة، ألن غايتها هي الوصول إلىالمنتهى.

(٩) أي غاية القوة المحركة وغاية القوة الشوقية.(١٠) الشيخ جعلهما اثنين حيث قال في الخامس من سادسة إلهيات الشفاء في إثبات الغاية

(ج ٢ ط ١ ص ٥٤١): كل نهاية ينتهي إليها الحركة وتكون هي بعينها الغاية المتشوقةالتخييلية وال يكون المتشوقة بحسب الفكرة، فهي التي تسمى العبث. وكل غاية ليست هي

نهاية الحركة ومبدأها تشوق تخيلي غير فكري، فال يخلو إما أن يكون التخييل وحده هوالمبدأ لحركة الشوق سمي ذلك الفعل جزافا ولم يسم عبثا الخ. وكذلك الخواجة في شرحه

على الفصل األخير من خامس اإلشارات جعلهما اثنين وقد تقدم آنفا.

(٢٠٠)

Page 217: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الضروري، وإن كان مع خلق وملكة نفسانية فهو العادة، وإن كان المبدأ الفكر فهوالخير المعلوم أو المظنون.

قال: وأثبتوا للطبيعيات غايات (١) وكذا لالتفاقيات.--------------------

(١) قال الشيخ في الفصل التاسع عشر من ثامن اإلشارات: إذا نظرت في األمور وتأملتهاوجدت لكل شئ من األشياء الجسمانية كماال يخصه وعشقا إراديا أو طبيعيا لذلك الكمالوشوقا طبيعيا أو إراديا إليه إذا فارقه رحمة من العناية األولى على النحو الذي هو به عناية.

وقال الخواجة في الشرح: وللشيخ رسالة لطيفة في العشق بين فيها سريانه في جميعالكائنات.

أقول: هذه الرسالة قد طبعت مع عدة رسائل أخرى للشيخ مترجمة بالفرنسية أيضا، وكتبهاالشيخ باسم تلميذه أبي عبد الله المعصومي الذي قال ابن سينا في حقه: أبو عبد الله مني بمنزلة

أرسطا طاليس من أفالطون.وكذا قال الخواجة في شرح الفصل السابع من رابع اإلشارات في البحث عن العلة الغائية

ما هذا لفظه: اعترض الفاضل الشارح بأنهم يثبتون لألفعال الطبيعية علال غائية والقوىالطبيعية ال شعور لها فال يمكن أن يقال تلك الغايات موجودة في أذهانها، وال أن يقال إنها

موجودة في الخارج ألن وجودها متوقف على وجود المعلوالت، فإذن تلك الغايات غيرموجودة، وغير الموجود ال يكون علة للموجود وال خالص عنه إال بأن يقال: ليس لألفعال

الطبيعية غايات.والجواب أن الطبيعة ما لم تقتض لذاتها شيئا كأين ما مثال ال تحرك الجسم إلى حصول ذلك

الشئ فكون ذلك الشئ مقتضاها أمر ثابت دال على وجود ذلك الشئ لها بالقوة وشعورما لها به قبل وجوده بالفعل فهو العلة الغائية لفعلها، إنتهى.

أقول: الحق أن الطبائع لها غايات وكل طبيعة تحب بقاءها وتعرج إلى كمالها والكل تسعىإلى غاية الغايات ومبدأ المبادئ الله رب العالمين، ونعم ما قال صاحب الحكمة المنظومة:

وكل شئ غاية مستتبع حتى فواعل هي الطبائعوفي األسفار: أن الله تعالى قد جعل لواجب حكمته في طبع النفوس محبة الوجود والبقاء

وجعل في جبلتها كراهة الفناء والعدم، وهذا حق ألن طبيعة الوجود خير محض ونورصرف وبقاءه خيرية الخير ونورية النور (ج ٤ ط ١ ص ١٦٣) بل أفاد الشيخ المعظم في األولمن ثانية نفس الشفاء أن حب الدوام أمر فائض من اإلله على كل شئ (ج ١ ط ١ ص ٢٩٤).

أقول: ومما ينادى بأعلى صوتها أن الطبيعيات أيضا لها غايات هي وحدة النظام الحاكية عنوحدة الصنع والتدبير الدالة على أن الحياة والشعور سارية في الكل، وينتهي األمر إلى أنالوجود المطلق الحق القيوم هو األول واآلخر والظاهر والباطن، وأن الخلق هو الموجود

المقدر القائم به قيام الفعل بفاعله والكالم بمتكلمه، وأن ما نزل من الموجودات من الصقعالربوبي ما نزل بكليته بل ملكوته بيده سبحانه وتعالى. وعليك بالتدبر فيما نتلوه عليك من

منطق الوحي وبيان السنة تراجمه:(الذي خلق فسوى × والذي قدر فهدى) (األعلى ٣ و ٤).(قال ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى) (طه ٥١).

(وفي األرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقىبماء واحد ونفضل بعضها على بعض في األكل إن في ذلك آليات لقوم يعقلون) (الرعد ٥).

الباب السادس والثالثون من توحيد الصدوق في الرد على الثنوية والزنادقة بإسناده عن

Page 218: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

هشام بن الحكم قال: قلت ألبي عبد الله عليه السالم: ما الدليل على أن الله واحد؟ قال: اتصال التدبيروتمام الصنع، كما قال عز وجل: لو كان فيهما آلهة إال الله لفسدتا.

وفي توحيد المفضل: يا مفضل إن اسم هذا العالم بلسان اليونانية الجاري المعروف عندهمقوسموس وتفسيره الزينة، وكذلك سمته الفالسفة ومن ادعى الحكمة فكانوا يسمونه بهذا االسمإال لما رأوا فيه من التقدير والنظام فلم يرضوا أن يسموه تقديرا ونظاما حتى سموه زينة، ليخبرواأنه مع ما هو عليه من الصواب واالتقان على غاية الحسن والبهاء (البحار ج ٢ ط ١ ص ٤٥).

(٢٠١)

Page 219: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: أما إثبات الغايات للحركات الطبيعية فقد تقدم البحث فيه (١) وأما العللاالتفاقية فقد نفاها قوم (٢) ألن السبب إن استجمع جهات المؤثرية لزم حصول

--------------------(١) في هذه المسألة حيث قال آنفا: أما الحركات االسطقسية فقد أثبت األوائل لها غايات.. الخ.(٢) الحق أن كل ممكن فله سبب، واالتفاق في نظام العالم منفي، وكل ما يتوهم أنه اتفاقي فهو

حق وجب وجوده إال أن العامة يسمون نادر الوجود أو الذي سببه مجهول لهم اتفاقيا والنادرله سبب، والشئ ما لم يجب وجوده ال يتحقق قط، وما لم ينف جميع أنحاء العدم عنه

ال يوجد. ونعم ما قال المتأله السبزواري في الحكمة المنظومة (ص ١٢٢).وليس في الوجود االتفاقي إذ كل ما يحدث فهو راقي

لعلل بها وجوده وجب يقول االتفاق جاهل السببوقال في تعليقته عليه: قولنا وليس في الوجود االتفاقي رد على القائل باالتفاق فيزعم

لسوء ظنه أن المطر مثال لضرورة المادة كائن إذ الشمس بخرت من البحار واألراضي الرطبةفإذا ارتفع البخار ووصل إلى الزمهرير برد وصار ماءا ونزل ضرورة فاتفق أن يتحقق مصالحشتى من غير قصد، ولم يعلم هذا الجاهل أنه ال يقع شئ في العالم ولو كان أحقر ما يتصور

بدون علم الله وإرادته وقدرته المحيطة، وقد مر أن كل القوى والمبادئ مجالي مشيتهوقدرته، فهب أن الشمس تبخر فمن الذي يسخرها ويديرها ويسيرها والنفس المتعلقة بهاالتي تجرها إلى الجنوب والشمال وتفعل الفصول األربعة من أمر من هو وتجلى من عليه

وبنور من يستضئ.وقوله: يقول االتفاق جاهل السبب، ناظر إلى عبارة المحقق الطوسي في شرحه على منطقاإلشارات في الفصل المبحوث فيه عن العرضي الالزم غير المقوم، حيث قال: الزم الشئ

بحسب اللغة هو ما ال ينفك الشئ عنه، وهو إما داخل فيه أو خارج عنه، واألول هو الذاتيالمقوم، والثاني هو المصاحب الدائم فإن المصاحب منه ما يصاحبه دائما، ومنه ما يصاحب

وقتا ما، وسبب المصاحبة إما أن يكون بحيث يمكن أن يعلم أو ال يكون، واألول ينسب إلىاللزوم في العرف، والثاني ينسب إلى االتفاق، فإن االتفاق ال يخلو عن سبب ما إال أن

الجاهل بسببه ينسبه إلى االتفاق (ص ١٨ ط ١).ونحوه ما قال في آخر شرح الفصل التاسع من النمط الثاني من اإلشارات في بيان قول الشيخ

وستعلم أن االتفاق يستند إلى أسباب غريبة: االتفاق ليس على ما يظن أنه ال يستند إلىسبب بل هو الذي يستند إلى سبب غريب يندر وجوده وال يتفطن له فينسب إلى االتفاق

(ص ٥٣ ط ١).أقول: تفصيل البحث عن ذلك يطلب في النمطين الرابع والخامس من اإلشارات، ثم يجب

عليك التمييز بين االتفاق الذي يقول به المنطقي، وبين قول الحكيم من أن ما يوجد فيالخارج ليس بإتفاقي، فالمنطقي يبحث عن اللزوم بين القضيتين وعدمها فما لم يكن بينهما

لزوم يقول: إن القضية اتفاقية، كقولك: إذا كانت الشمس طالعة كانت الحمامة طائرة. وأماالفلسفي فيحكم بأن كل واحد من طرفي القضية في النظام الوجودي وجب وجوده فوجد،

فتبصر.واعلم أن لموالنا مبين الحقائق اإلمام الصادق صلوات الله عليه في المقام كالما في توحيدالمفضل ينبغي أن نتشرف بتبرك نقله، قال عليه السالم (البحار ج ٢ ط ١ ص ٤٦ و ٤٧):فأما أصحاب الطبائع فقالوا: إن الطبيعة ال تفعل شيئا لغير معنى وال [تتجاوز] عما فيه تمام

الشئ في طبيعته، وزعموا أن المحنة تشهد بذلك فقيل لهم: فمن أعطى الطبيعة هذهالحكمة والوقوف على حدود األشياء بال مجاوزة لها، وهذا قد تعجز عنه العقول بعد طول

Page 220: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

التجارب؟فإن أوجبوا للطبيعة الحكمة والقدرة على مثال هذه األفعال فقد أقروا بما أنكروا ألن هذه هي

صفات الخالق، وإن أنكروا أن يكون هذا للطبيعة فهذا وجه الخلق يهتف بأن الفعل للخالقالحكيم.

وقد كان من القدماء طائفة أنكروا العمد والتدبير في األشياء، وزعموا أن كونها بالعرضواالتفاق، وكانوا مما احتجوا به هذه اإلناث التي تلد غير مجرى العرف والعادة كاالنسانيولد ناقصا أو زائدا إصبعا ويكون المولود مشوها مبدل الخلق، فجعلوا هذا دليال على أن

كون األشياء ليس بعمد وتقدير بل بالعرض كيف ما اتفق أن يكون.وقد كان أرسطا طاليس رد عليهم فقال: إن الذي يكون بالعرض واالتفاق إنما هو شئ في

الفرط مرة مرة ألعراض تعرض للطبيعة فتزيلها عن سبيلها وليس بمنزلة األمور الطبيعيةالجارية على شكل واحد جريا دائما متتابعا.

وأنت يا مفضل ترى أصناف الحيوان أن يجري أكثر ذلك على مثال ومنهاج واحد كاالنسانيولد وله يدان ورجالن وخمس أصابع كما عليه الجمهور من الناس. فأما ما يولد على خالف

ذلك فإنه لعلة تكون في الرحم أو في المادة التي ينشأ منها الجنين، كما يعرض فيالصناعات حين يتعمد الصانع الصواب في صنعته فيعوق دون ذلك عائق في األداة، أو فياآللة التي يعمل فيها الشئ، فقد يحدث مثل ذلك في أوالد الحيوان لألسباب التي وصفنافيأتي الولد زائدا أو ناقصا أو مشوها ويسلم أكثرها فيأتي سويا ال علة فيه، فكما أن الذييحدث في بعض األعمال األعراض لعلة فيه ال توجب عليها جميعا االهمال وعدم الصانع،

كذلك ما يحدث على بعض األفعال الطبيعية لعائق يدخل عليها ال يوجب أن يكون جميعهابالعرض واالتفاق.

فقول من قال في األشياء أن كونها بالعرض واالتفاق من قبل أن شيئا منها يأتي على خالفالطبيعة يعرض له خطأ وخطل.

فإن قالوا: ولم صار مثل هذا يحدث في األشياء؟ قيل لهم: ليعلم أنه ليس كون األشياءباضطرار من الطبيعة وال يمكن أن يكون سواه كما قال قائلون، بل هو تقدير وعمد من خالق

حكيم، إذ جعل الطبيعة تجري أكثر ذلك على مجرى ومنهاج معروف، ويزول أحيانا عنذلك ألعراض تعرض لها فيستدل بذلك على أنها مصرفة مدبرة فقيرة إلى إبداء الخالق

وقدرته في بلوغ غايتها وإتمام عملها تبارك الله أحسن الخالقين.أقول: تبجيل اإلمام عليه السالم أرسطا طاليس بما نطق فيه من لسان العصمة حجة على المتقشفين

الذين ليس لهم إال إزراء العلم وذويه بما أوهم فيهم نفوسهم األمارة بالسوء واإليذاء فهؤالءبمعزل عن سبيل الوالية وإال فهذا ولي الله األعظم يبجل العلم والعالم. وكفى بأرسطا طاليس

فخرا أن حجة الله على خلقه نطق باسمه تبجيال وارتضى سيرته السنية المضيئة بأنه كانيسلك الناس إلى بارئهم من طريق وحدة الصنع والتدبير، ويوقظ عقولهم بأن االتفاقي ال

يكون جاريا دائما متتابعا وما هو سنة دائمة ال تبدل وال تحول فهو تحت تدبير الملكوت،فكأن األصل ما هو قبل الطبيعة وفوقها وبعدها.

قال العالم األوحدي محمد الديلمي في محبوب القلوب (ص ١٤ ط ١): يروى أن عمرو بنالعاص قدم من اإلسكندرية على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسأله عما رأى؟ فقال: رأيت

قومايتطلسون ويجتمعون حلقا ويذكرون رجال يقال له أرسطو طاليس لعنه الله.

فقال صلوات الله وتسليماته عليه وآله: مه يا عمرو! إن أرسطو طاليس كان نبيا فجهله قومه.قال الديلمي: قال الفاضل الشهرزوري في تأريخ الحكماء: هكذا سمعناه.

ثم قال الديلمي: أقول ويؤيد هذه الرواية ما نقل السيد الطاهر ذو المناقب والمفاخر رضي

Page 221: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الدين علي بن طاووس قدس الله روحه في كتابه فرج المهموم في معرفة الحالل والحرام منعلم النجوم قوال بأن ابرخس وبطليموس كانا من األنبياء، وأن أكثر الحكماء كانوا كذلك وإنما

التبس على الناس أمرهم ألجل أسمائهم اليونانية، أي لما كانت أسماؤهم موافقة ألسماءبعض حكماء يونان الذين ينسب إليهم فساد االعتقاد اشتبه على الناس حالهم وظنوا أن

أصحاب تلك األسامي بأجمعهم على نهج واحد من االعتقاد.واعلم أن الشيخ سلك في الشفاء مسلك وحدة الصنع والتدبير على رد القائلين بالبخت

واالتفاق أيضا. وقد أشبع البحث عن ذلك وأجاد في الفصلين الثالث عشر والرابع عشر منالمقالة األولى منه في الفرق القائلين بالبخت واالتفاق ونقض حججهم (ج ١ ط ١ ص ٢٥ -

٣٣) وهذان الفصالن من غرر فصول الشفاء جدا، ومن كلماته السامية في الثاني منهما:ولنمعن النظر في مثل تكون السنبلة عن البرة باستمداد المادة عن األرض، والجنين عن

النطفة باستمداد المادة عن الرحم هل ذلك باالتفاق؟ ونجده ليس بإتفاقي بل أمرا توجبهالطبيعة وتستدعيه قوة.

وكذلك لنساعد أيضا على قولهم: إن المادة التي للثنايا ال تقبل إال هذه الصورة، لكنا نعلمأنها لم يحصل لهذه المادة هذه الصورة ألنها ال تقبل إال هذه الصورة بل حصلت هذه المادة

لهذه الصورة ألنها ال تقبل إال هذه الصورة فإنه ليس البيت إنما رسب فيه الحجر وطفىالخشب، ألن الحجر أثقل والخشب أخف، بل هناك صنعة صانع لم يصلح لها إال أن يكون نسب

مواد ما تفعله هذه النسبة فجاء بها على هذه النسبة، والتأمل الصادق يظهر صدق ما قلناه وهوأن البقعة الواحدة إذا سقط فيها حبة برة أنبتت سنبلة برة أو حبة شعير أنبتت سنبلة شعير،

ويستحيل أن يقال: إن األجزاء األرضية والمائية تتحرك بذاتها وتنفذ في جوهر البرةوتربيه فإنه سيظهر أن تحركها عن مواضعها ليس لذاتها، والحركات التي لذاتها معلومة

فيجب أن يكون تحركها أنما هو يجذب قوى مستكنة في الحبات جاذبة بإذن الله. وإن كانتاألمور تجري اتفاقا فلم ال ينبت البرة شعيرة؟ ولم ال يتولد شجرة مركبة من تين وزيتون كما

يتولد عندهم باالتفاق عنز أيل؟ ولم ال يتكرر هذه النوادر بل يبقى األنواع محفوظة علىأكثر؟ إلى آخر ما أفاد.

وقال العارف الرومي في المثنوي:هيچ گندم كارى وجوبردهد ديده اى اسبى كه كره خر دهد

(٢٠٢)

Page 222: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

مسببه قطعا وإال كان منتفيا فال مدخل لالتفاق.والجواب أن المؤثر قد يتوقف تأثيره على أمور خارجة عن ذاته غير دائمة

الحصول معه، فيقال لمثل ذلك السبب من دون الشرائط أنه اتفاقي إذا كانانفكاكه مساويا أو راجحا، ولو أخذناه مع تلك الشرائط كان سببا ذاتيا.

المسألة السادسة عشرةفي أقسام العلة

قال: والعلة مطلقا قد تكون بسيطة وقد تكون مركبة.أقول: يعني باالطالق ما يشتمل العلل األربع أعني المادية والصورية

والفاعلية والغائية، فإن كل واحدة من هذه األربع تنقسم إلى هذه األقسام، فالعلةالفاعلية عند المحققين قد تكون بسيطة كتحريك الواحد منا جسما ما، وقد تكون

مركبة كتحريك جماعة جسما أكبر.ومنع بعض الناس من التركيب في العلل وإال لزم نفيها، ألن كل مركب فإن

عدم كل جزء من أجزائه علة مستقلة في عدمه، فلو عدم جزء من العلة المركبة لزم

(٢٠٦)

Page 223: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

عدم العلة، فإذا عدم جزء ثان لم يكن له تأثير البتة لتحقق العدم بالجزء األول،وألن الموصوف بالعلة (١) إما كل واحد من أجزائه فيلزم تعدد العلل وانتفاء

التركيب وهو المطلوب، أو بعضها (٢) وهو المطلوب أيضا مع انتفاء األولوية، أوالمجموع وهو باطل ألن كل جزء لم يكن علة فعند االجتماع إن لم يحصل أمر لم

يكن المجموع علة، وإن حصل عاد الكالم في علة حصوله.وهذان ضعيفان (٣) القتضائهما انتفاء المركبات سواء كانت علال أم ال وهو

باطل (٤) بالضرورة والمادة المركبة (٥) كالزاج والعفص في الحبر، والصورة المركبةكاإلنسانية المركبة من أشكال مختلفة (٦)، والغاية المركبة كالحركة لشراء المتاع

ولقاء الحبيب.قال: وأيضا بالقوة أو بالفعل.

أقول: هذه المبادئ األربعة قد تكون بالقوة فإن الخمر فاعل لإلسكار فيالدن بالقوة، وقد تكون بالفعل كالخمر مع الشرب.

والمادة قد تكون بالفعل كالجنين لالنسانية، وقد تكون بالقوة كالنطفة.والصورة بالقوة كالمائية الحالة في الهواء بالقوة، وقد تكون بالفعل كالمائية

الحالة في مادتها.--------------------

(١) دليل آخر.(٢) عطف على كل واحد، وكذلك قوله: أو المجموع.

(٣) أي الدليالن.(٤) أي ذلك االقتضاء باطل.

(٥) والمادة البسيطة كهيوليات البسائط العنصرية، والصورة البسيطة كصور هذه البسائط،والغاية البسيطة كوصول كل منها إلى مكانه الطبيعي، ولعلها لوضوحها لم يذكرها الشارح.

عبارة الشيخ في الثاني من أولى طبيعيات الشفاء (ص ٨ ط ١ ج ١) كقولنا عن الزاج والعفصكان المداد (كان الحبر - خ -)، وفي الثالث منها: والعفص والزاج للحبر.

(٦) أي من صور أعضائها اآللية وإال فالصورية ال تكون مركبة، وقد مضى في آخر المسألةالرابعة عشرة من هذا الفصل أن الصورة واحدة. قال الشيخ في الثاني عشر من أولى

طبيعيات الشفاء: الصورة المركبة مثل صورة االنسانية التي تحصل من عدة قوى وصورتجتمع، فتدبر.

(٢٠٧)

Page 224: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

والغاية بالقوة هي التي يمكن جعلها كذلك وبالفعل هي التي حصل منها ذلك.قال: وكلية أو جزئية.

أقول: هذه العلل (١) قد تكون كلية كالبناء مطلقا، وقد تكون جزئية كهذا البناءوكذلك البواقي.

قال: وذاتية أو عرضية.أقول: العلة قد تكون ذاتية وهي التي يستند المعلول إليها بالحقيقة كالنارية

في االحراق، وقد تكون عرضية وهي أن تقتضي العلة شيئا ويتبع ذلك الشئشئ آخر كقولنا: السقمونيا مبرد، فإنه بالعرض كذلك ألنه يقتضي بالذات إزالة

السخونة ويتبعها حصول البرودة.وكذلك البواقي فإن المادة الذاتية هي محل الصورة والعرضية هي تلك

مأخوذة مع عوارض خارجة، والصورة الذاتية هي المقومة كاإلنسانية والعرضيةهي ما يلحقها من األعراض الالزمة أو المفارقة، والغاية الذاتية هي المطلوبة لذاتها

والعرضية هي ما يتبع المطلوب. وقد تطلق العلة العرضية على ما مع العلة (٢).قال: وعامة أو خاصة.

أقول: العلة العامة هي التي تكون جنسا للعلة الحقيقية كالصانع في البناءوالخاصة كالباني فيه وال يتحقق العموم والخصوص في الصور (٣).

--------------------(١) قد ذكر مثاال للفاعلية الكلية والجزئية فقط، وأمثلة البواقي غير خفية.

(٢) أي وصف مالزم للعلة كما يأتي في المسألة اآلتية قوله: ومن العلة العرضية ما هو معد،وجعله ثاني االعتبارين هناك.

(٣) قال الشيخ في الفصل الثاني عشر من أولى طبيعيات الشفاء: الصورة الخاصة ال تخالفالجزئية وهو مثل حد الشئ أو فصل الشئ أو خاصة الشئ. والعامة فال تفارق الكلية وهو

مثل الجنس للخاصة: إنتهى ما أردنا من نقل كالمه.الظاهر أن مراد الشيخ من قوله: الصورة الخاصة ال تفارق الجزئية والعامة الكلية، هو أن

األقسام بأسرها غير جارية في الصورة. وبعبارة أخرى أن األقسام المذكورة وهي أن العلةمطلقا بسيطة ومركبة، وبالقوة أو بالفعل، وكلية وجزئية، وذاتية وعرضية، وعامة وخاصة،وقريبة وبعيدة، ومشتركة أو خاصة، جارية بأسرها في غير الصورة وأما في الصورة فالكلية

والجزئية والعموم والخصوص فيها واحد. والمراد من التمثيل هو أن حد الشئ أو فصلالشئ أو خاصة الشئ كما ال يوجد في غير هذا الشئ المخصوص فكذلك الصورة الجزئية

كصورة هذا الكرسي ال توجد إال جزئية. وقوله وهو مثل الجنس للخاصة، ولم يقل: للنوع،ألن الجنس بالنسبة إلى النوع ليس صورة له بل مادة، فنقول: إن قول الشارح العالمة واليتحقق العموم والخصوص في الصورة، يشبه أن يكون مشيرا إلى ما قاله الشيخ من أنه لما

كانت الصورة الخاصة والجزئية وكذلك العامة والكلية بمعنى فال حاجة بعد ذكر أحدهما إلىذكر اآلخر، فتأمل.

وقيل: إنه ال فرق بين الصورة العامة والصورة الكلية كذلك ال فرق بين المادة العامة والكلية،والفاعل العام والكلي، والغاية العامة والكلية، فال حاجة إلى اعتبار العامة بعد الكلية.

Page 225: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

ولكن ال يبعد أن يكون مراد الشارح من عدم تحققهما فيها ما قاله بعضهم من أن الفاعل العاموالغاية والمادة العامتان، يصح وجود فرد مخصوص من أحدها يكون فاعال أو مادة أو غايةألشياء كثيرة بخالف الصورة فإنه ال يمكن وجود فرد منها مخصوص يصلح لكونه صورة

ألشياء كثيرة وإال لزم اتحاد االثنين، ويشبه أن يكون حمل كالمه على هذا الوجه أولى وألزم.

(٢٠٨)

Page 226: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قال: وقريبة أو بعيدة.أقول: العلة القريبة هي التي ال واسطة بينها وبين المعلول كالميل في الحركة،

والبعيدة هي علة العلة كالقوة الشوقية وكذا البواقي.قال: ومشتركة أو خاصة.

أقول: المشتركة كالنجار ألبواب متعددة، والخاصة كالنجار لهذا الباب.قال: والعدم للحادث (١) من المبادئ العرضية.

أقول: الحادث هو الموجود بعد أن لم يكن، وهو أنما يتحقق بعد سبق عدمعلته، فلما توقف تحققه على العدم السابق أطلقوا على العدم اسم المبدأ بالعرض

ومبدئه بالذات هو الفاعل ال غير.قال: والفاعل في الطرفين واحد.

--------------------(١) وفي (ت): فالعدم. والباقية: والعدم للحادث بالواو.

(٢٠٩)

Page 227: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: الفاعل في الوجود هو بعينه الفاعل في العدم على ما بينا (١) أوال من أنعلة العدم هي عدم العلة ال غير، والمؤثر في طرفي المعلول هو العلة ال غير لكن مع

حضورها تقتضي الوجود ومع عدمها تقتضي العدم.قال: والموضوع كالمادة.

أقول: الموضوع أيضا من العلل التي يتوقف وجود الحال عليها ونسبته إلىالحال نسبة المادة إلى الصورة فهو من جملة العلل.

المسألة السابعة عشرةفي أن افتقار المعلول أنما هو في الوجود أو العدم

قال: وافتقار األثر أنما هو في أحد طرفيهأقول: األثر له ماهية وله وجود وعدم، وافتقاره إلى المؤثر أنما هو في أن

يجعله موجودا أو معدوما، إذ التأثير أنما يعقل في أحد الطرفين أما الماهية فاليعقل التأثير فيها، فليس السواد سوادا بالفاعل بل وجوده وعدمه بالفاعل.

قال: وأسباب الماهية غير أسباب الوجود.أقول: أسباب الماهية باعتبار الوجود الذهني هي الجنس والفصل وباعتبار

الخارج هي المادة والصورة وأسباب الوجود هي الفاعل والغاية.قال: وال بد للعدم من سبب وكذا في الحركة.

أقول: قد بينا أن نسبة طرفي الوجود والعدم إلى الممكن واحدة، فال يعقلاتصافه بأحدهما إال بسبب، فكما افتقر الممكن في وجوده إلى السبب افتقر في

عدمه إليه وإال لكان ممتنع الوجود لذاته.--------------------

(١) بين في المسألتين الثامنة عشرة والثالثة واألربعين من الفصل األول، وسيذكره في المسألةاآلتية أيضا.

(٢١٠)

Page 228: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

ال يقال: الموجود منه ما هو باق (١) ومنه ما هو غير باق كالحركات واألصوات،واألول يفتقر عدمه إلى السبب، أما النوع الثاني فإنه يعدم لذاته.

ألنا نقول: يستحيل أن يكون العدم ذاتيا لشئ وإال لم يوجد، والحركة لهاعلة في الوجود فإذا عدمت أو عدم أحد شروطها عدمت وكذا األصوات، فال فرق

بين الحركات وغيرها.قال: ومن العلل المعدة ما يؤدي إلى مثل أو خالف أو ضد.

أقول: العلل تنقسم إلى المعد وإلى المؤثر، والمعد يعني به ما يقرب العلة إلىمعلولها بعد بعدها عنه وهو قريب من الشرط.

والعلة المعدة إما أن تؤدي إلى ما يماثلها كالحركة إلى المنتصف فإنها معدةللحركة إلى المنتهى وليست فاعلة لها بل الفاعل للحركة إما الطبيعة أو النفس لكن

فعل كل واحد منهما في الحركة إلى المنتهى بعيد وعند حصول الحركة إلىالمنتصف يقرب تأثير أحدهما في المعلول الذي هو الحركة إلى المنتهى، وإما أن

تؤدي إلى خالفها كالحركة المعدة للسخونة، وإما أن تؤدي إلى ضد كالحركةالمعدة للسكون عند الوصول إلى المنتهى.

قال: واألعداد قريب وبعيد.أقول: األعداد منه ما هو قريب وذلك كالجنين المستعد لقبول الصورة

االنسانية، ومنه ما هو بعيد كالنطفة لقبولها وكذلك العلة المعدة قد تكون قريبة وهيالتي يحصل المعلول عقيبها وقد تكون بعيدة وهي التي ال تكون كذلك، وتتفاوت

العلل في القرب والبعد على حسب تفاوت األعداد وهو قابل للشدة والضعف.قال: ومن العلل العرضية ما هو معد.

أقول: قد بينا (٢) أن العلة العرضية تقال باعتبارين: أحدهما: أن تؤثر العلة--------------------

(١) كما في (م). والنسخ األخرى كلها: منه ما هو قار ومنه ما هو غير قار.(٢) بين في المسألة السابقة عند قوله: وذاتية وعرضية. االعتبار األول هو قوله: وهي أن

تقتضي العلة شيئا، والثاني في آخر الشرح وهو قوله: وقد تطلق العلة العرضية.. الخ.ثم عبارة المتن أعني قوله: ومن العلل العرضية ما هو معد، موافقة لنسخة (ز). والباقية: ومن

العلة العرضية، باألفراد.

(٢١١)

Page 229: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

شيئا ويتبع ذلك الشئ شئ آخر كقولنا: الحرارة تقتضي الجمع بين المتماثالتفإنها لذاتها تقتضي الخفة، فما هو أخف في المركب يقبل السخونة أشد فينفصل

عن صاحبه ويطلب الصعود فيعرض له أن يجتمع مع مماثله، والثاني أن يكونللعلة وصف مالزم، فيقال له علة عرضية واألول علة معدة.

(٢١٢)

Page 230: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قال:المقصد الثاني

في الجواهر واألعراضوفيه فصول:

(٢١٣)

Page 231: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

األولفي الجواهر

الممكن إما أن يكون (١) موجودا في الموضوع وهو العرض أو ال وهو الجوهر.أقول: لما فرغ من البحث عن األمور الكلية المعقولة شرع في البحث عن

الموجودات الممكنة وهي الجواهر واألعراض، وفي هذا الفصل مسائل:المسألة األولى

في قسمة الممكنات بقول كليكل ممكن موجود إما أن يكون موجودا ال في موضوع وهو الجوهر، وإما أن

يكون موجودا في موضوع وهو العرض، ونعني بالموضوع المحل المتقوم بذاتهالمقوم لما يحل فيه، فإن المحل إما أن يتقوم بالحال أو يقوم الحال، إذ ال بد منحاجة أحدهما إلى اآلخر، فاألول يسمى المادة والثاني يسمى الموضوع، والحال

في األول يسمى صورة وفي الثاني يسمى عرضا، فالموضوع والمادة يشتركاناشتراك أخصين تحت أعم واحد هو المحل، والصورة والعرض يشتركان اشتراك

أخصين تحت أعم واحد هو الحال. والموضوع أخص من المحل، وعدم الخاص--------------------

(١) حرف التعريف للعهد، وقد تقدم في المسألة الحادية والعشرين من الفصل األول منالمقصد األول قوله: وقسمة كل منهما إلى االحتياج والغنى حقيقية، وفي مواضع أخرى أيضا.

(٢١٤)

Page 232: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أعم من عدم العام، فكل ما ليس في محل فهو ليس في موضوع وال ينعكس، ولهذاجاز أن يكون بعض الجواهر حاال في غيره، ولما كان تعريف العرض يشتمل على

القيد الثبوتي قدمه في القسمة على الجوهر.قال: وهو إما مفارق في ذاته وفعله وهو العقل، أو في ذاته وهو النفس، أو

مقارن فإما أن يكون محال (١) وهو المادة، أو حاال وهو الصورة، أو ما يتركب منهماوهو الجسم.

أقول: هذه قسمة الجوهر إلى أنواعه، فإن الجوهر إما أن يكون مفارقا في ذاتهوفعله للمادة وهو المسمى بالعقل، أو مفارقا في ذاته ال فعله وهو النفس الناطقة

فإنها مفارقة للمادة في ذاتها ووجودها دون فعلها الحتياجها إلى اآللة في التأثير،وال يمكن أن يكون مفارقا في فعله دون ذاته ألن االستغناء في التأثير يستدعي

* (هامش ثان) * ١ - يعني على تقدير تفسير المفارق بالمفارق عن المادة، والمقارنبالمقارن لها.

٢ - ذلك المعنى األعم هو القابل الذي يكون ذا وضع.٣ - وذلك ألن الجسم على رأيه ليس مركبا من الهيولى والصورة بل الجسم عنده هو

نفسالصورة الجسمية كما يأتي.

(* *)--------------------

(١) أورد القوشجي عليه بأن جعل المادة من أقسام المقارن للمادة نوع حزازة، فاألولى أنيقال: أو غير مفارق بدل قوله: أو مقارن. وكذا في استعمال المادة قبل أن يخرج من التقسيم

فاألولى تأخير تقسيم الجواهر إلى المفارق وغيره عن تقسيمه إلى المادة والصورة.وصاحب الشوارق فسره هكذا: إما مفارق عن الوضع أو مقارن للوضع، وال يخفى أن إيراد

القوشجي ال يرد على هذا التفسير.ثم قال في الشوارق تعريضا عليه: وأنت خبير بأنه على هذا التقدير (١) أيضا ال يجب أن

يكون المراد من المادة هو المحل المتقوم بالحال ليرد ما ذكره فإن للمادة معنى أعم منه (٢)ومن الموضوع ومن نفس الجسم ومن األجزاء التي ال تتجزأ، أال ترى أن الطوائف كلها

يطلقون لفظي المادة والمادي مع أن غير المشائين ال يقولون بالمادة بمعنى المحل المتقومبالحال، بل تفسير المفارق بالمفارق عن المادة هنا غير صحيح وإال لزم كون الجسم على

مذهب المصنف غير مادي (٣) بل من المجردات إذ يصدق عليه المفارق بهذا المعنى، إنتهى.

(٢١٥)

Page 233: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

االستغناء في الذات، وإما أن يكون مقارنا للمادة فإما يكون محال وهو الهيولى أوحاال وهو الصورة، أو ما يتركب منهما وهو الجسم، فهذه أقسام الجواهر.قال: والموضوع والمحل يتعاكسان وجودا وعدما في العموم والخصوص،

وكذا الحال والعرض.أقول: قد بينا أن الموضوع أخص من المحل فعدمه يكون أعم من عدم

المحل، فقد تعاكس الموضوع والمحل في العموم والخصوص باعتبار الوجودوالعدم، وكذا الحال والعرض فإن العرض أخص من الحال فعدمه أعم.

قال: وبين الموضوع والعرض مباينة.أقول: الموضوع هو المحل المتقوم بذاته المقوم لما يحل فيه والعرض ال يتقوم

بذاته، فبينهما مباينة.قال: ويصدق العرض على المحل والحال جزئيا (١).

أقول: المحل قد يكون جوهرا وهو ظاهر، وقد يكون عرضا (٢) على خالفبين الناس فيه فيصدق بعض المحل عرض، والحال أيضا قد يكون جوهرا

كالصورة الحالة في المادة، وقد يكون عرضا وهو ظاهر فيصدق بعض الحال--------------------

(١) أي ال كليا فإن الحركة القائمة بالجسم محل السرعة والبطء عند المتكلم كما يأتي فيالمسألة الخامسة من هذا الفصل، وأما عند الحكيم المشائي أن السرعة مثال ليست عرضا

قائما بالحركة بل هي فصل مقوم لها. ومن المحل ما هو جوهر وكذا الحال كالمادة والصورةعند المشاء، فبين المحل والعرض عموم وخصوص من وجه، فمادة االجتماع هي الحركةفإنها عرض على الجسم ومحل للسرعة والبطء. ومادتا االفتراق الجسم والسرعة فإن األول

محل ليس بعرض، والثانية عرض ليس بمحل، وكذا بين المحل والحال عموم وخصوص منوجه كما ال يخفى. والحال يصح أن يكون عطفا على المحل كما يصح أن يكون عطفا على

العرض، أي ويصدق الحال أيضا على المحل جزئيا ال كليا. واختار صاحب الشوارق الثانيألن النسبة بين الحال والعرض قد مرت فيلزم التكرار.

(٢) كالحركة بالنسبة إلى السرعة والبطء، والمحل أعم من الموضوع.

(٢١٦)

Page 234: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

عرض فقد ظهر صدق العرض على المحل والحال جزئيا.المسألة الثانية

في أن الجوهر والعرض ليسا جنسين لما تحتهماقال: والجوهرية والعرضية من ثواني المعقوالت (١) لتوقف نسبة إحداهما

--------------------(١) جعل المعلم األول المعوالت منحصرة في العشر: إحداها مقولة الجوهر حيث إنه جنس

ألنواعه الخمسة، والتسع الباقية األعراض التسعة المشهورة. ولكن بعضهم كابن سهالنالساوجي صاحب البصائر، والشيخ اإلشراقي وغيرهما كل أخذ مذهبا وال يهمنا نقل تلك

المذاهب.وأما ما ذهب إليه المصنف من نفي جنسية الجوهر والعرض لما تحتهما بأدلته الثالثة فأورد

عليها بأسرها بأن ما ذكره في الدليل األول من احتياج إثبات كثير من الجواهر كالنفوسالناطقة والصور النوعية، وكذا في إثبات عرضية كثير من األعراض كالمقادير واأللوان

واألضواء مثال إلى وسط أي نظر واستدالل، ولو كانا جنسين لما تحتهما لما احتجنا إليه ألنذاتي الشئ يكون بين الثبوت لذلك الشئ، فهو يتم لو كان الشئ متصورا بالكنه ولو تصور

بالكنه ألمكن أن ال نحتاج إلى وسط أصال.وبأن ما أتى به في الدليل الثاني من أنهما مقوالن على ما تحتهما من األنواع بالتشكيك، ألنبعض أنواع الجوهر كالمجرد أولى بالجوهرية من آخر كالمادة مثال، وكذلك العرض بعضه

كغير القار أولى بالعرضية من البعض كالقار والذاتي ال يكون مقوال بالتشكيك، فهو ال يتم ألنالتشكيك ناش من الوجود فإن الجوهر من حيث الوجود أقدم وأقوم من آخر. وأما بلحاظ

الجوهر فليس فيه تقديم وتأخير ألن معنى الجوهر هو الموجود ال في موضوع أنه ماهيةيلزمها في األعيان إذا وجدت أن يكون وجودها ال في موضوع، ال أنه كان الموجود بالفعل،

مثل ما يقال: فالن ضاحك، أي من شأنه عند التعجب أن يضحك فال ريب أنا إذا قلنا فيشئ: موجود أو معدوم، نجد أنه ماهية إذا وجدت في األعيان كانت ال في موضوع، وأن هذا

المعنى مقوم لذلك الشئ وذاتي له والجنس يدل على طبيعة األشياء وماهياتها بخالفالعرض ولو عبرنا عنه بأنه ماهية من شأنها الوجود في الموضوع كان هذا المعنى ال يدل على

طبيعة األعراض وحقيقتها، فإن معنى العرض سلب القيام بنفسه ونسبته إلى شئ آخر وهذاما يلحق ويعرض ماهية األعراض وال يدل على ماهيتها، مثال أن العرض ال يدل على طبيعة

البياض والسواد وغيرها بل على أن له نسبة إلى ما هو فيه، وعلى أنه ذاتي يقتضي هذهالنسبة كما أفاده الشيخ في منطق الشفاء والنمط الرابع من اإلشارات.

وأما ما أتى به في الثالث من أنا ال نعقل من الجوهر سوى المستغنى عن الموضوع، ومنالعرض المحتاج إليه وهما مفهومان إضافيان ومثل ذلك ال يمكن أن يكون إال عرضيا، فهو

في العرض صحيح ال كالم فيه، وأما في الجوهر فال، وذلك لما قلنا من أنا نتصور من الجوهرماهية شأنها إذا وجدت في الخارج ال يكون في موضوع وهذا المعنى هو حقيقة الجوهر

وكنهه، واالستغناء عن الموضوع المتصور من الجوهر وجه من وجوهه وعارض منعوارضه. فتبين لك أن نفي الجنسية في العرض صحيح إال أن الدليلين األولين عليالن،

والجوهر جنس واألدلة الثالثة في نفيه مردودة.

(٢١٧)

Page 235: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

على وسط.أقول: اتفق العقالء على أن العرض من حيث هذا المفهوم ليس جنسا لما تحته

بل هو أمر عرضي، واختلفوا في الجوهر هل هو جنس لما تحته أو عارض؟ والذياختاره المصنف رحمه الله أنه عارض وجعل الجوهرية والعرضية من المعقوالتالثانية، فإن كون الذات مستغنية عن المحل أو محتاجة إليه أمر زائد على نفس

الذات من األمور االعتبارية وحكم من أحكامها الذهنية، واستدل عليه بأن الذهنيتوقف في نسبة إحداهما إلى الذات على وسط (١) ولهذا احتجنا إلى االستدالل

على عرضية الكميات والكيفيات وجوهرية النفوس وأشباه ذلك، وجنس الشئال يجوز أن يتوقف ثبوته له على البرهان، وهذا الذي ذكره رحمه الله يدل على الزيادة

العلى كونه من المعقوالت الثانية.قال: واختالف األنواع باألولوية.

أقول: هذا دليل ثان على كون الجوهر عرضا عاما لجزئياته ال جنسا لها،وذلك ألن بعض الجزئيات أولى بالجوهرية من بعض، فإن الشخصيات أولىبالجوهرية من الكليات وال تفاوت في األجناس، وهو أيضا يدل على كون

العرض عرضيا لوقوع التفاوت فيه بين جزئياته، فإن األعراض القارة أولىبالعرضية من غيرها.

--------------------(١) أي على دليل، ألن الوسط ما يقارن قولنا ألنه.

(٢١٨)

Page 236: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قال: والمعقول اشتراكه عرضي.أقول: إنا نعقل بين الجسم والعقل والنفس والمادة والصورة أمرا مشتركا هو

االستغناء عن المحل وال نعقل بينها اشتراكا في غيره وهذا القدر أمر عرضي،فالجوهرية إن جعلت عبارة عن هذا االعتبار كانت عرضا عاما، وإن جعلتعبارة عن الماهية المقتضية لهذا االعتبار فليس هنا ماهية للجسم وراء كونه

جسما وكذلك البواقي، وهذه الماهيات تقتضي هذا االعتبار وإن اختلفت معاشتراكه، وكذلك البحث في العرض فإنا نعقل االشتراك بين الكم والكيف وباقياألعراض في الحاجة إلى المحل والعرضية في الوجود وهذا المعنى أمر اعتباري

فليست العرضية جنسا.المسألة الثالثة

في نفي التضاد عن الجواهرقال: وال تضاد بين الجواهر وال بينها وبين غيرها (١).

أقول: لما فرغ من تعريف الجوهر والعرض وبيان أنهما ليسا بجنسين شرعفي باقي أحكامهما فبين انتفاء الضدية عن الجواهر على معنى أنه ال ضد للجوهر

من الجواهر وال من غيرها، وبيانه أن الضد هو الذات الوجودية المعاقبة لذات أخرىوجودية في الموضوع مع كونها في غاية البعد عنها (٢) وقد بينا أن الجوهر ال

موضوعله فال يعقل فيه هذا المعنى ال بالنظر إلى جوهر آخر وال بالنظر إلى غيره من األعراض.

قال: والمعقول من الفناء العدم.أقول: لما بين انتفاء الضد عن الجوهر أخذ يرد على أبي هاشم وأتباعه حيث

--------------------(١) وفي (ت) وحدها: وال بينها وبين عرضها، وأما النسخ األخرى كلها فالعبارة: وال بينها وبين

غيرها.(٢) هذا هو تقابل الضدين بحسب التحقيق أي التضاد الحقيقي مقابل المشهوري، وقد تقدم

الكالم في ذلك في الحادية عشرة من ثاني األول.

(٢١٩)

Page 237: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

جعلوا للجواهر أضدادا هي الفناء، فقال: إن المعقول من الفناء العدم وليس الفناء أمراوجوديا يضاد الجوهر ألنه إما جوهر أو عرض، والقسمان باطالن فال تحقق له.

قال: وقد يطلق التضاد على البعض باعتبار آخر.أقول: إن بعض الجواهر قد يطلق عليه أنه ضد للبعض اآلخر لكن يؤخذ

التضاد باعتبار آخر وهو التنافي في المحل مطلقا (١) وحينئذ يكون بعض الصورالجوهرية يضاد البعض اآلخر.

المسألة الرابعةفي أن وحدة المحل ال تستلزم وحدة الحال

قال: ووحدة المحل ال تستلزم وحدة الحال إال مع التماثل بخالف العكس.أقول: المحل الواحد قد يحل فيه أكثر من حال واحد مع االختالف كالجسم

الذي يحله السواد والحركة والحرارة، وكالمادة التي تحل فيها الصور الجسميةوالنوعية.

هذا مع االختالف، أما مع التماثل فإنه ال يجوز أن يحل المثالن محال واحداالستلزامه رفع االثنينية النتفاء االمتياز بالذاتيات واللوازم التفاقهما فيهما،

وبالعوارض لتساوي نسبتهما إليها.فقد ظهر أن وحدة المحل ال تستلزم وحدة الحال إال مع التماثل، وأما العكس

فإنه يستلزم فإن وحدة الحال تستلزم وحدة المحل الستحالة حلول عرض واحدأو صورة واحدة في محلين وهو ضروري، وكالم أبي هاشم في التأليف (٢) وبعض

--------------------(١) أي تقابل الضدين بحسب الشهرة، وقد تقدم الفرق بين المحل والموضوع آنفا في أول هذا

المقصد.(٢) إن أبا هاشم ذهب إلى أن التأليف عرض واحد قائم بجوهرين فردين وأن هذا هو الموجب

لصعوبة االنفكاك بين أجزاء الجسم.

(٢٢٠)

Page 238: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

األوائل في اإلضافات (١) خطأ.قال: وأما االنقسام فغير مستلزم في الطرفين.

أقول: انقسام المحل ال يستلزم (٢) انقسام الحال، فإن الوحدة والنقطةواإلضافات كاألبوة والبنوة أعراض قائمة بمحال منقسمة وهي غير منقسمة، أما

الوحدة والنقطة فظاهر، وكذا اإلضافة فإنه ال يعقل حلول نصف األبوة أو البنوة فينصف ذات األب أو األبن.

وذهب قوم إلى أن انقسام المحل يقتضي انقسام الحال الستحالة قيامه معوحدته بكل واحد من األجزاء وتوزيعه عليها وانتفاء حلوله فيها، وأما الحال فإنهال يقتضي انقسامه انقسام المحل، فإن الحرارة والحركة إذا حال محال واحدا لميقتض ذلك أن يكون بعض المحل حارا غير متحرك وبعضه متحركا غير حار.

واعلم أن األعراض السارية (٣) إذا حلت محال منقسما انقسمت بانقسامه،واألعراض المنقسمة بالمقدار ال بالحقائق إذا حلت محال انقسم بانقسامها.

المسألة الخامسةفي استحالة انتقال األعراض

قال: والموضوع من جملة المشخصات (٤).--------------------

(١) أي في اإلضافات المتشابهة األطراف كالتقارب والتجاور واألخوة ونظائرها.(٢) قضية مهملة في قوة الجزئية، فال تنافي قوله اآلتي: واعلم أن األعراض السارية.. الخ.(٣) األعراض السارية هي التي تقبل القسمة بانقسام محالها كالسواد والبياض، والمنقسمةبالمقدار كالخط، وهذه داخلة في األولى بوجه، والحقائق الماهيات وال يخفى عليك أن

ماهيات المركبات ال تقبل االنقسام باعتبار محالها فضال عن البسائط.(٤) إعلم أن هذا الحكم غير مختص بالعرض بل شامل للصورة أيضا بالنسبة إلى المادة لكنالمصنف لما ذهب إلى بساطة الجسم وعدم تركبه من المادة والصورة كما يأتي عن قريب

خص هذا الحكم بالعرض كما أفاده في الشوارق.وقول الشارح: وإال لكان نوعه في شخصه، أي لكان نوعه منحصرا في شخصه. وفي بعض

النسخ: لكان نوعه منحصرا في شخصه. والمتن مطابق لنسخ (م، ق، ش).

(٢٢١)

Page 239: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: الحكم بامتناع انتقال األعراض قريب من البين، والدليل عليه أنالعرض إن لم يتشخص لم يوجد، فتشخصه ليس معلول ماهيته وال لوازمها وإال

لكان نوعه في شخصه، وال ما يحل فيه وإال الكتفى بموجده ومشخصه (١) عنموضوعه فيقوم بنفسه وهو محال، فبقي أن يكون معلول محله فيستحيل انتقاله

عنه وإال لم يكن ذلك الشخص ذلك الشخص.قال: وقد يفتقر الحال إلى محل متوسط (٢).

أقول: الحال قد يحل الموضوع من غير واسطة كالحركة القائمة بالجسم وقديفتقر إلى محل متوسط فيحل فيه ثم يحل ذلك المحل في الموضوع كالسرعة

القائمة بالجسم فإنها تفتقر إلى حلولها في الحركة ثم تحل الحركة في الجسم.المسألة السادسة

في نفي الجزء الذي ال يتجزأقال: وال وجود لوضعي ال يتجزأ باالستقالل.

أقول: هذه مسألة اختلف الناس فيها، فذهب جماعة من المتكلمين والحكماءإلى أن الجسم مركب من أجزاء ال تتجزأ فذهب بعضهم إلى تناهيها وبعضهم إلىعدمه، وذهب الباقون إلى أن الجسم بسيط في نفسه متصل كاتصاله عند الحس

لكنه يقبل االنقسام إما إلى ما يتناهى كما ذهب إليه من ال تحقيق له، أو إلى ما اليتناهى كما ذهب إليه الحكماء.

وقد نفى المصنف رحمه الله الجزء الذي ال يتجزأ بقوله: ال وجود لوضعي ال يتجزأباالستقالل، وذلك ألن ما ال يتجزأ من ذوات األوضاع أعني األشياء المشار إليها

--------------------(١) وفي (م) وحدها: بموجده وتشخصه.

(٢) أي يتوسطه، وفي (م، ق): إلى محل يتوسطه. والباقية إلى محل متوسط، كالشرح باالتفاق.

(٢٢٢)

Page 240: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

بالحس قد توجد ال باالستقالل كوجود النقطة في طرف الخط أو مركز الدائرة واليمكن وجوده باالستقالل، وقد استدل عليه بوجوه:

قال: لحجب المتوسط.أقول: هذا أحد األدلة على نفي الجزء، وتقريره أنا إذا فرضنا جوهرا متوسطا

بين جوهرين فإما أن يحجبهما عن التماس أو ال، والثاني باطل وإال لزم التداخل،واألول يوجب االنقسام ألن الطرف المالقي ألحدهما مغاير للطرف المالقي لآلخر.

قال: ولحركة الموضوعين (١) على طرفي المركب من ثالثة.أقول: هذا وجه ثان، وتقريره أنا إذا فرضنا خطا مركبا من ثالثة جواهر

وعلى طرفيه جزئين ثم تحركا على السواء في السرعة والبطء واالبتداء فال بد وأنيتالقيا، وإنما يمكن بأن يكون نصف كل واحد منهما على نصف الطرف والنصف

اآلخر على نصف المتوسط فتنقسم الخمسة.قال: أو من أربعة على التبادل.

أقول: هذا وجه ثالث، وتقريره أنا إذا فرضنا خطا مركبا من أربعة جواهروفوق أحد طرفيه جزء وتحت طرفه اآلخر جزء وتحركا على التبادل كل منهما

من أول الخط إلى آخره حركة على السواء في االبتداء والسرعة فإنهما اليقطعان الخط إال بعد المحاذاة، فموضع المحاذاة إن كان هو الثاني أو الثالث كان

أحدهما قد قطع أكثر فال بد وأن يكون بينهما وذلك يقتضي انقسام الجميع.قال: ويلزمهم ما يشهد الحس بكذبه من التفكك وسكون المتحرك وانتفاء الدائرة.

أقول: هذه وجوه أخرى تدل على نفي الجزء.أحدها: إن الحس يشهد بأن المتحرك على االستدارة باق على وضعه ونسبة

--------------------(١) يعني أنا لو فرضنا خمسة جواهر أفراد متساوية، فركب خط من ثالثة منها، ووضع

اآلخران على فوق طرفيه ثم تحرك الموضوعان إلى الوسط، إلى آخر ما في الشرح.

(٢٢٣)

Page 241: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أجزائه، ومع القول بالجزء يلزم التفكك ألن الجزء القريب من المنطقة إذا تحركجزءا فإن تحرك القريب من القطب (١) جزءا تساوى المداران وهو باطل

بالضرورة، وإن تحرك أقل من جزء لزم االنقسام، وإن لم يتحرك أصال لزم التفكك.الثاني: أن السرعة والبطء كيفيتان قائمتان بالحركة ال باعتبار تخلل السكنات

وعدمه، ألنه لو كان بسبب تخلل السكنات لزم أن يكون فضل سكنات الفرسالسائر من أول النهار إلى آخره خمسين فرسخا على حركاته بإزاء فضل حركات

الشمس من أول النهار إلى آخره على حركات الفرس، لكن فضل حركاتالشمس أضعاف أضعاف حركات الفرس فتكون سكنات الفرس أضعاف أضعاف

حركاته، لكن الحس يكذب ذلك. إذا ثبت هذا فإذا تحرك السريع جزءا فإنتحرك البطئ جزءا تساويا هذا خلف، وإن تحرك أقل لزم االنقسام وإن لم يتحرك

أصال لزم المحال. هذا ما خطر لنا اآلن من تفسير قوله رحمه الله: وسكون المتحرك.الثالث: أن الدائرة موجودة بالحس فإن كانت حقيقية لزم إبطال الجزء ألن

الدائرة القطبية (٢) إن تالقت أجزاؤها بظواهرها وبواطنها ساوت الدائرة المنطقيةهذا خلف، وإن تالقت ببواطنها خاصة لزم االنقسام، وإن لم تكن حقيقية كان ذلك

الرتفاع بعض أجزائها وانخفاض البعض اآلخر، لكن المنخفض إذا ملئ بالجزءولم يفضل كانت الدائرة حينئذ ولزم ما ذكرنا وإال لزم االنقسام.

قال: والنقطة عرض قائم بالمنقسم باعتبار التناهي.أقول: هذا جواب عن حجة من أثبت الجزء، وتقريرها أن النقطة موجودة

ألنها نهاية الخط فإن كانت جوهرا فهو المطلوب، وإن كانت عرضا فمحلها إن--------------------

(١) إنما قال: القريب من القطب، ألن نقطة القطب من حيث هي قطب ساكنة ال يتصور فيهاالحركة مطلقا ال االستدارية وال االستقامية، ولو فرضت فيه حركة استدارية لكانت نقطة

أخرى هي القطب وتدور هذه حولها، ثم إن العبارة في (م) كانت (من التفكيك) في المتنوالشرح كليهما، وفي النسخ األخرى: التفكك مطلقا.

(٢) الدائرة القطبية في المقام ما تلي جانب القطب وإن كانت مجاورة ومماسة للمنطقية، فتبصر.

(٢٢٤)

Page 242: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

انقسم انقسمت، ألن الحال في أحد الجزئين مغاير للحال في اآلخر، وإن لم ينقسمفهو المطلوب.

والجواب أنها عرض قائم بالمنقسم، وال يلزم انقسامها النقسام المحل ألنالحال في المنقسم باعتبار لحوق طبيعة أخرى به ال يلزم انقسامه بانقسام محله،

وهاهنا النقطة حلت في الخط المنقسم باعتبار عروض التناهي له.قال: والحركة ال وجود لها في الحال وال يلزم نفيها مطلقا (١).

أقول: هذا جواب عن حجة أخرى لهم وهي أن الحركة موجودة بالضرورةوهي من الموجودات الغير القارة فإما أن يكون لها في الحال وجود أو ال، والثانيباطل ألن الماضي والمستقبل معدومان، فلو لم تكن في الحال موجودة لزم نفيهامطلقا، وإذا كانت موجودة في الحال فإن كانت منقسمة كان أحد طرفيها سابقاعلى اآلخر فال يكون الحاضر كله حاضرا هذا خلف، وإن لم تكن منقسمة كانت

المسافة غير منقسمة ألنها لو انقسمت النقسمت الحركة ألن الحركة في أحدالجزئين مغايرة للحركة في الجزء اآلخر فتكون الحركة منقسمة مع أنا فرضناها

غير منقسمة.والجواب: أن الحركة ال وجود لها في الحال وال يلزم من نفيها في الحال نفيهامطلقا، ألن الماضي والمستقبل وإن كانا معدومين في الحال لكن كل منهما له

وجود في حد نفسه.قال: واآلن ال تحقق له خارجا.

أقول: هذا جواب عن حجة أخرى لهم وهي أن اآلن موجود النتفاء الماضيوالمستقبل، فإن كان اآلن منتفيا كان الزمان منتفيا مطلقا ويستحيل انقسامه وإال

لزم أن يكون الحاضر بعضه فال يكون اآلن كله آنا هذا خلف، وإذا كان موجودا--------------------(١) وفي (م) بدون كلمة (مطلقا).

(٢٢٥)

Page 243: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

فالحركة الواقعة فيه غير منقسمة وإال لكان أحد طرفيها واقعا في زمان واآلخر فيزمان آخر فينقسم ما فرضناه غير منقسم هذا خلف، ويلزم من عدم انقسام الحركة

عدم انقسام المسافة على ما مر تقريره.وتقرير الجواب: أن الماضي والمستقبل موجودان في حد أنفسهما معدومان

في اآلن ال مطلقا واآلن ال تحقق له في الخارج.قال: ولو تركبت الحركة مما ال يتجزأ لم تكن موجودة.

أقول: لما فرغ من النقض شرع في المعارضة فاستدل على أن الحركة التتركب مما ال يتجزأ، ألنها لو تركبت مما ال يتجزأ لم تكن موجودة، والتالي باطل

اتفاقا فكذا المقدم، بيان الشرطية أن الجزء إذا تحرك من حيز إلى حيز فإما أنيوصف بالحركة حال كونه في الحيز األول وهو باطل ألنه حينئذ لم يأخذ في

الحركة، أو حال كونه في الحيز الثاني وهو باطل أيضا ألن الحركة حينئذ قد انتهتوانقطعت وال واسطة بين األول والثاني، وهذا المحال نشأ من إثبات الجوهر الفرد

ألنه على تقدير عدمه تثبت الواسطة.ويمكن أن يقرر بيان الشرطية من وجه آخر وهو أن الحركة إما أن تكون

عبارة عن المماسة األولى أو الثانية، وهما محاالن لما مر أو مجموعهما وهو محالالنتفائه.

قال: والقائل بعدم تناهي األجزاء يلزمه مع ما تقدم النقض بوجود المؤلف ممايتناهى ويفتقر في التعميم إلى التناسب.

أقول: لما فرغ من إبطال مذهب القائلين بالجوهر الفرد شرع في إبطال مذهبالقائلين بعدم تناهي األجزاء فعال، وقد استدل عليه بما تقدم، فإن األدلة التي

ذكرناها تبطل الجوهر الفرد مطلقا سواء قيل بتركب الجسم من أفراد متناهية منهأو غير متناهية.

واستدل عليه أيضا بوجوه: األول: إنا نفرض أعدادا متناهية من الجواهر

(٢٢٦)

Page 244: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

األفراد ونؤلفها في جميع األبعاد، فإما أن يزيد مقدارها على مقدار الواحد أو ال،والثاني باطل وإال لم يكن تأليفها مفيدا للمقدار وال للعدد وهو باطل قطعا، وإن زاد

مقدارها على مقدار الواحد حتى حصلت أبعاد ثالثة حصل جسم من أجزاءمتناهية وهو يبطل قولهم: إن كل جسم متألف من أعداد غير متناهية، فهذا معنى

لزوم النقض بوجود المؤلف مما يتناهى. وأما قوله: ويفتقر في التعميم إلىالتناسب، فمعناه أنا إذا أردنا تعميم القضية بأن نحكم بأنه ال شئ من األجسام

بمؤلف من أجزاء غير متناهية فطريقه أن ينسب هذا المؤلف الذي ألفناه مناألجزاء المتناهية إلى بقية األجسام (١) فنقول: كل جسم فإنه متناه في المقدار فلهإلى هذا المؤلف نسبة وهي نسبة متناهي المقدار إلى متناهي المقدار، لكنا نعلم أن

المقدار يزيد بزيادة األجزاء وينقص بنقصانها، فنسبة المقدار إلى المقدار كنسبةاألجزاء إ لي األجزاء، لكن نسبة المقدار إلى المقدار نسبة متناه إلى متناه فكذا

نسبة األجزاء إلى األجزاء.قال: ويلزم عدم لحوق السريع البطئ.

أقول: هذا هو الوجه الثاني الدال على إبطال القول بعدم تناهي األجزاء،وتقريره أن الجسم لو تركب من أجزاء غير متناهية لم يلحق السريع البطئ،

والتالي باطل بالضرورة فكذا المقدم، بيان الشرطية أن البطئ إذا قطع مسافة ثمابتدأ السريع وتحرك فإنه مع قطع تلك المسافة يكون البطئ قد قطع شيئا آخر

فإذا قطعه السريع يقطع البطئ شيئا آخر وهكذا إلى ما ال يتناهى فال يلحق السريعالبطئ.

قال: وأن ال يقطع المسافة المتناهية في زمان متناه.أقول: هذا وجه ثالث قريب من الوجه الثاني، وتقريره أنا لو فرضنا الجسم

يشتمل على ما ال يتناهى من األجزاء لزم أن ال يقطع المتحرك المسافة المتناهية--------------------

(١) أي بقية األجسام التي كان الفرض أنها مؤلفة من أجزاء غير متناهية.

(٢٢٧)

Page 245: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

في زمان متناه، ألنه ال يمكنه قطعها إال بعد قطع نصفها وال يمكنه قطع نصفها إالبعد قطع ربعها وهكذا إلى ما ال يتناهى فيكون هناك أزمنة غير متناهية، وقد تكلمنا

على هذه الوجوه في كتاب األسرار بما لم يسبقنا إليه أحد.قال: والضرورة قضت ببطالن الطفرة والتداخل.

أقول: إعلم أن القائلين بعدم تناهي األجزاء اعتذروا عن الوجه األولبالتداخل، فقالوا: ال يلزم من عدم تناهي األجزاء عدم تناهي المقدار ألن األجزاء

تتداخل فيصير جزءان وأزيد في حيز واحد وفي قدره فال يلزم بقاء النسبة.واعتذروا عن الوجهين األخيرين بالطفرة، فإن المتحرك إذا قطع مسافة غير

متناهية األجزاء في زمان متناه فإنه يطفر بعض تلك األجزاء ويتحرك على البعضاآلخر، وكذلك السريع يطفر بعض األجزاء ليلحق البطئ، وهذان العذران باطالن

بالضرورة.قال: والقسمة بأنواعها تحدت اثنينية يساوي طباع كل واحد منهما (١) طباع

المجموع.أقول: يريد أن يبطل مذهب ذيمقراطيس في هذا الموضع، وهو أن الجسم

ينتهي في القسمة االنفكاكية إلى أجزاء قابلة للقسمة الوهمية ال االنفكاكية.وبيانه أن القسمة بأنواعها الثالثة - أعني االنفكاكية والوهمية والتي باختالفاألعراض اإلضافية أو الحقيقية - تحدث في المقسوم اثنينية تكون طبيعة كل

واحد من القسمين مساوية لطبيعة المجموع ولطبيعة الخارج عنه، وكل واحد منالقسمين لما صح عليه (٢) االنفكاك عن صاحبه فكذلك كل واحد من قسمي

--------------------(١) الطباع أعم من الطبيعة فيشمل الفلك أيضا، وذلك ألن الطباع يقال لمصدر الصفة الذاتية

األولية لكل شئ، والطبيعة قد تختص بما يصدر عنه الحركة والسكون فيما هو فيه أوالوبالذات من غير إرادة، وقوله: في هذا الموضع، باتفاق النسخ كلها.

(٢) كما في (م ز ش ق د). وفي (ص) وحدها: كما صح عليه.

(٢٢٨)

Page 246: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

القسمين إلى ما ال يتناهى.قال: وامتناع االنفكاك لعارض ال يقتضي االمتناع الذاتي.

أقول: بعض األجسام قد تمتنع عليها القسمة االنفكاكية ال بالنظر إلى ذاتها بلبالنظر إلى عارض خارج عن الحقيقة الجسمية، إما لصغر المقسوم بحيث ال تتناولهاآللة القاسمة أو صالبته أو وصول صورة تقتضي ذلك كما في الفلك عندهم ولكن

ذلك االمتناع ال يقتضي االمتناع الذاتي.قال: فقد ثبت أن الجسم شئ واحد متصل يقبل االنقسام إلى ما ال يتناهى.أقول: هذا نتيجة ما مضى ألنه قد بطل القول بتركب الجسم من الجواهر

األفراد سواء كانت متناهية أو غير متناهية، فثبت أنه واحد في نفسه متصل المفاصل له بالفعل وال شك في أنه يقبل االنقسام فإما أن يكون قابال لما يتناهى مناألقسام ال غير وهو باطل لما تقدم في إبطال مذهب ذيمقراطيس، أو لما ال يتناهى

وهو المطلوب.المسألة السابعةفي نفي الهيولى

قال: وال يقتضي ذلك ثبوت مادة سوى الجسم الستحالة التسلسل ووجودما ال يتناهى.

أقول: يريد أن يبين أن الجسم البسيط ال جزء له، وقد ذهب إلى ذلك جماعةمن المتكلمين وأبو البركات البغدادي.

وقال أبو علي: إن الجسم مركب من الهيولى والصورة، واحتج عليه بأنالجسم متصل في نفسه وقابل لالنفصال ويستحيل أن يكون القابل هو االتصال

نفسه ألن الشئ ال يقبل عدمه فال بد لالتصال من محل يقبل االنفصال واالتصالوذلك هو الهيولى واالتصال هو الصورة فاستدرك المصنف رحمه الله ذلك وقال: إن

(٢٢٩)

Page 247: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

ذلك - أي قبول االنقسام - ال يقتضي ثبوت مادة كما قررناه في كالم أبي علي، ألنالجسم المتصل له مادة واحدة (١) فإذا قسمناه استحال أن تبقى المادة على

وحدتها اتفاقا بل يحصل لكل جزء مادة، فإن كانت مادة كل جزء حادثة بعدالقسمة لزمه التسلسل ألن كل حادث عندهم ال بد له من مادة، وإن كانت موجودةقبل القسمة لزم وجود مواد ال نهاية لها بحسب ما في الجسم من قبول االنقسامات

التي ال تتناهى.المسألة الثامنة

في إثبات المكان لكل جسمقال: ولكل جسم مكان طبيعي يطلبه عند الخروج على أقرب الطرق.

أقول: كل جسم على اإلطالق فإنه يفتقر إلى مكان يحل فيه الستحالة وجودجسم مجرد عن كل األمكنة، وال بد وأن يكون ذلك المكان طبيعيا له ألنا إذا

جردنا الجسم عن كل العوارض فإما أن ال يحل في شئ من األمكنة وهو محال،أو يحل في الجميع وهو أيضا باطل بالضرورة، أو يحل في البعض فيكون ذلكالبعض طبيعيا، ولهذا إذا أخرج عن مكانه عاد إليه وإنما يرجع إليه على أقرب

الطرق وهو االستقامة.قال: فلو تعدد انتفى.

أقول: يريد أن يبين أن المكان الطبيعي واحد، ألنه لو كان لجسم واحدمكانان طبيعيان لكان إذا حصل في أحدهما كان تاركا للثاني بالطبع وكذا

بالعكس فال يكون واحد منهما طبيعيا له، فلهذا قال: فلو تعدد - يعني الطبيعي -انتفى ولم يكن له مكان طبيعي.

--------------------(١) المادة من حيث هي ليست إال هي فال توصف بالوحدة والكثرة بذاتها بل بتبع الصورة فال

يرد االيراد.

(٢٣٠)

Page 248: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قال: ومكان المركب (١) مكان الغالب أو ما اتفق وجوده فيه.أقول: المركب أن تركب من جوهرين (٢) فإن تساويا وتمانعا وقف في الوسط

بينهما وإال تفرقا، وإن غلب أحدهما كان مكانه مكان الغالب، وإن تركب من ثالثةوغلب أحدها كان مكانه مكان الغالب وإال كان في الوسط، وإن تركب من أربعةمتساوية حصل في الوسط أو ما اتفق وجوده فيه وإن غلب أحدها كان في مكانه

وال استمرار للمعتدل لسرعة انفعاله باألمور الغريبة.قال: وكذا الشكل والطبيعي منه الكرة.

أقول: قيل في تعريف الشكل (٣): إنه ما أحاط به حد واحد أو حدود، وفي--------------------

(١) ناظر إلى عبارة الشيخ في الفصل الخامس من النمط الثاني من اإلشارات حيث قال:وللبسيط مكان واحد يقتضيه طبعه وللمركب ما يقتضيه الغالب فيه إما مطلقا وإما بحسب

مكانه أو ما اتفق وجوده فيه إذا تساوت المجاذبات عنه، فكل جسم له مكان واحد.(٢) كالبخار فإنه أجزاء صغار مائية كثيرة مختلطة بالهواء، وكالدخان فإنه أجزاء صغار أرضية

كثيرة مختلطة بالهواء، بل وكل واحد منهما مركب من ثالثة والجزء الثالث فيهما هي النار، ثملو فرض تحقق المركب من جوهرين أو من ثالثة مع التساوي والتمانع وقف المركب حيثما

اتفق وجوده فيه. ولعل هذا المعنى هو مراد الشارح من الوسط، فتأمل.وعبارة الماتن في شرحه على الفصل المذكور من اإلشارات هكذا:

المركب إما أن يكون أحد أجزائه غالبا على الباقية باالطالق، أو ال يكون، والثاني ال يخلو إماأن تكون األجزاء التي أمكنتها في جهة واحدة كاألرض والماء مثال غالبة على األجزاءالباقية وحينئذ يكون تلك األجزاء معا غالبة بحسب طلب جهة المكان، أو ال يكون.

فالمركبات بحسب هذه القسمة ثالثة أقسام: ومكان القسم األول ما يقتضيه الغالب فيالمركب مطلقا، ومكان القسم الثاني ما يقتضيه الغالب فيه بحسب مكانه إذ ال غالب فيه مطلقا

لكن فيه غالب باالعتبار المذكور، ومكان القسم الثالث وهو الذي ال يغلب فيه جزء ال علىاإلطالق وال مع الغير باالعتبار المذكور فهو ما اتفق وجوده فيه ويكون ذلك عند تساوي

المجاذبات فيه عن المكان الذي اتفق وجوده فيه فإن ذلك يقتضي بقاءه ثمة كالحديدة التيتجذبها قطع متساوية من المغناطيس عن جوانبها.

(٣) الشكل عند المهندسين هو ما أحاط به حد أو حدود، كما في صدر المقالة األولى من األصول.ولكنه عند التحقيق من الكيفيات المختصة بالكم المتصل وهو هيئة إحاطة حد أو حدود بالشئ.

(٢٣١)

Page 249: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

التحقيق أنه من الكيفيات المختصة بالكميات وهو هيئة إحاطة الحد الواحد أوالحدود بالجسم وهو طبيعي وقسري، ألن كل جسم متناه على ما يأتي وكل متناه

مشكل بالضرورة، فإذا فرض خاليا عن جميع العوارض لم يكن له بد من شكلفيكون طبيعيا، ولما كانت الطبيعة واحدة لم تقتض أمورا مختلفة وال شكل أبسط

من االستدارة فيكون الشكل الطبيعي هو المستدير وباقي األشكال قسري.المسألة التاسعة

في تحقيق ماهية المكانقال: والمعقول من األول البعد فإن األمارات تساعد عليه.

أقول: األول يعني به المكان ألنه قد تبين أن الجسم يقتضي بطبعه شيئين:المكان والشكل، ولما كان الشكل ظاهرا وكان طبيعيا ذكره بعقب المكان ثم عاد

إلى تحقيق ماهية المكان وقد اختلف الناس فيه، والذي عليه المحققون أمران:أحدهما: البعد المساوي لبعد المتمكن وهذا مذهب أفالطون.

والثاني: السطح الباطن من الجسم الحاوي المماس للسطح الظاهر من الجسمالمحوي وهو مذهب أرسطو وأبي علي بن سينا.

وقد اختار المصنف األول وهو اختيار أبي البركات ومذهب المتكلمينقريب منه، والدليل على ما اختاره المصنف أن المعقول من المكان أنما هو البعد

فإنا إذا فرضنا الكوز خاليا من الماء تصورنا األبعاد التي يحيط بها جرم الكوزبحيث إذا ملئ ماء شغلها الماء بجملتها، واألمارات المشهورة في المكان من

قولهم إنه ما يتمكن المتمكن فيه ويستقر عليه ويساويه وما يوصف بالخلوواالمتالء يساعد على أن المكان هو البعد.

قال: واعلم أن البعد منه مالق للمادة وهو الحال في الجسم ويمانع مساويه،ومنه مفارق تحل فيه األجسام ويالقيها بجملتها ويداخلها بحيث ينطبق على بعد

(٢٣٢)

Page 250: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

المتمكن ويتحد به وال امتناع لخلوه عن المادة.أقول: لما فرغ من بيان ماهية المكان شرع في الجواب عن شبهة مقدرة تورد

على كون المكان بعدا، وهي أن المكان لو كان هو البعد لزم اجتماع البعدين،والتالي محال فالمقدم مثله، بيان الشرطية أن المتمكن له بعد فإن بقيا معا لزم

االجتماع واالتحاد إذ ال يزيد بعد الحاوي عند حلول المحوي، وإن عدم أحدهماكان المعدوم حاال في الموجود أو بالعكس وهما محاالن. وأما بيان استحالة

التالي فضروري لما تقدم من امتناع االتحاد، وألن المعقول من البعد الشخصيأنما هو البعد الذي بين طرفي الحاوي، فلو تشكك العقل في تعدده لزم السفسطة.

وتقرير الجواب أن البعد ينقسم إلى قسمين: أحدهما: بعد مقارن للمادة وحالفيها وهو البعد المقارن للجسم، والثاني: مفارق للمادة وهو الحاصل بين األجسام

المتباعدة. واألول يمانع مساويه يعني البعد المقارن للمادة أيضا فال يجامعهالستحالة التداخل بين بعدين مقارنين، والثاني ال يستحيل عليه مداخلة بعد ماديبل يداخله ويطابقه ويتحد به وهو محل الجسم المداخل بعده له، فال امتناع في

هذه المداخلة واالتحاد ألن هذا البعد خال عن المادة.قال: ولو كان المكان سطحا لتضادت األحكام.

أقول: لما بين حقيقة المكان شرع في إبطال مذهب المخالفين القائلين بأنالمكان هو السطح الباطن من الجسم الحاوي المماس للسطح الظاهر من المحوي،

وتقرير البطالن أن المكان لو كان هو السطح لتضادت األحكام الثابتة للجسمالواحد، فإن الحجر الواقف في الماء والطير الواقف في الهواء يفارقان سطحا بعد

سطح مع كونهما ساكنين، ولو كان المكان هو السطح لكانا متحركين ألن الحركةهي

مفارقة الجسم لمكان إلى مكان آخر، ولكانت الشمس المتحركة المالزمة لسطحهاساكنة، فيلزم سكون المتحرك وحركة الساكن وذلك تضاد في األحكام محال.

قال: ولم يعم المكان.أقول: هذا وجه ثان دال على بطالن القول بالسطح، وتقريره أن العقالء

(٢٣٣)

Page 251: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

حكموا باحتياج كل جسم إلى مكان، ولو كان المكان عبارة عن السطح الحاويلزم أحد األمرين وهو إما عدم تناهي األجسام حتى يكون كل جسم محاطا

بغيره، أو حصول جسم ال في مكان بأن يكون محيطا بجميع األجسام، والقسمانباطالن فالمقدم مثله (١).

المسألة العاشرةفي امتناع الخالء

قال: وهذا المكان ال يصح عليه الخلو من شاغل وإال لساوت حركة ذيالمعاوق حركة عديمه عند فرض معاوق أقل بنسبة زمانيهما.

أقول: اختلف الناس في هذا المكان، فذهب قوم إلى جواز الخالء وذهبآخرون إلى امتناعه وهو اختيار المصنف واستدل عليه بأن الخالء لو كان ثابتا

لكانت الحركة مع العائق كالحركة مع عدم العائق، والتالي باطل بالضرورة فالمقدممثله، وبيان الشرطية أنا إذا فرضنا متحركا يقطع مسافة ما خالية في ساعة ثم

نفرض تلك المسافة ممتلية فإن زمان الحركة يكون أطول ألن المالء الموجود فيالمسافة معاوق المتحرك عن الحركة، فلنفرضه يقطعها في ساعتين ثم نفرض مالءآخر أرق من األول على نسبة زمان الحركة في الخالء إلى زمانها في المالء وهوالنصف، فيكون معاوقته نصف المعاوقة األولى فيتحركها المتحرك في ساعة لكنالمالء الرقيق معاوق أيضا فتكون الحركة مع المعاوق كالحركة بدونه وهو باطل.

المسألة الحادية عشرةفي البحث عن الجهة

قال: والجهة طرف االمتداد الحاصل في مأخذ اإلشارة.--------------------

(١) كما في جميع النسخ الست المعتبرة بال استثناء. وأما ما في المطبوعة من قوله: فالملزوممثله، فكأنه تصحيح قياسي أوجبه قوله: لزم أحد األمرين.

(٢٣٤)

Page 252: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: لما بحث عن المكان وكانت الجهة مالئمة (١) له حتى ظن أنهما واحدعقبه بالبحث عنها وهي على ما فسرها جماعة من األوائل عبارة عن طرف

االمتداد الحاصل في مأخذ اإلشارة وذلك ألنا نتوهم امتدادا آخذا من المشيرومنتهيا إلى المشار إليه فذلك المنتهى هو طرف االمتداد الحاصل في مأخذ اإلشارة.

قال: وليست منقسمة.أقول: لما كانت الجهة عبارة عن الطرف لم تكن منقسمة ألن الطرف لو كان

منقسما لم يكن الطرف كله طرفا بل متناهية (٢) فال يكون الطرف طرفا هذا خلف،وألن المتحرك إذا وصل إلى المنتصف لم يخل إما أن يكون متحركا عن الجهة فال

يكون ما تخلف من الجهة أو يكون متحركا إليها فال يكون المتروك من الجهة.قال: وهي من ذوات األوضاع المقصودة بالحركة للحصول فيها وباإلشارة.

أقول: الجهة ليست أمرا مجردا عن المواد وعالئقها بل هي من ذواتاألوضاع التي تتناولها اإلشارة الحسية وتقصد بالحركة وباإلشارة فتكون

موجودة. وإنما قيد القصد بالحركة بقوله: للحصول فيها، ألن ما يقصد بالحركة قديكون موجودا كالجهة فإنها تقصد بالحركة ألنها تقصد الحصول فيها، وقد يكون

معدوما كالبياض الذي يتحرك الجسم إليه من السواد فإنه معدوم وليس مقصودابالحركة للحصول فيه بل لتحصيله.

قال: والطبيعي منها فوق وسفل (٣) وما عداهما غير متناه.--------------------

(١) باتفاق النسخ كلها.(٢) كما في (م) وهو اسم مكان، وغيرها: بل نهايته.

(٣) ولم يتعرض بأن محددهما ما هو، واعلم أن كثيرا منهم ذهبوا إلى أن محدد الجهات هوتاسع األفالك الموسوم باألطلس ومعدل النهار وفلك األفالك أيضا، وبعضهم كمعاصرينا إلىأنه األرض والبحث على المذهب األول يطلب في النمط الثاني من اإلشارات، وعلى الثاني

في مؤلفات المعاصرين، وال يهمنا الورود في البحث عن ذلك.

(٢٣٥)

Page 253: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: الجهة منها ما هو طبيعي وهو ثنتان ال غير: الفوق والسفل، ومنها ما هوغير طبيعي وهو ما عداهما، ونعني بالطبيعي ما يستحيل تغيره وانتقاله عن هيئته،

وبغير الطبيعي ما يمكن تغيره فإن القدام قد يصير خلفا وكذا اليمين قد يصيريسارا، وأما الفوق والسفل فال، وهذه الجهات التي ليست طبيعية غير متناهية

ألنها أطراف الخطوط المفروضة في االمتداد وتلك الخطوط غير متناهية.

(٢٣٦)

Page 254: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الفصل الثانيفي األجسام

قال: الفصل الثاني في األجساموهي قسمان: فلكية وعنصرية، أما الفلكية فالكلية منها تسعة واحد غير

مكوكب محيط بالجميع وتحته فلك الثوابت، ثم أفالك الكواكب السيارة السبعة،وتشتمل على أفالك تداوير وخارجة المراكز، والمجموع أربعة وعشرون وتشتمل

على سبعة متحيرة (١) وألف ونيف وعشرين كوكبا ثوابت.أقول: لما فرغ من البحث عن مطلق الجوهر شرع في البحث عن جزئياته

وبدأ بالجسم ألنه أقرب إلى الحس، وفي هذا الفصل مسائل:المسألة األولى

في البحث عن األجسام الفلكيةاعلم أن األجسام تنقسم قسمين: فلكية وعنصرية، واألفالك إما كلية تظهر

--------------------(١) هكذا في جميع النسخ التي عندنا، والصواب على سبعة سيارة بدل على سبعة متحيرة، إال

أن نسخة واحدة كانت خمسة متحيرة مكان سبعة متحيرة ولكنها صواب بحسب الصورةألن المتحيرة خمسة، وليست بصواب بحسب المعنى ألن تلك األفالك تشتمل على سبعة

سيارة وألف ونيف وعشرين كوكبا ثوابت، ال على الخمسة المتحيرة وتلك الكواكب، وإالفأين النيران. وتصدى بعض لتصحيح العبارة فقد غفل عن تحريف المعنى. والخمسة

المتحيرة هي الخنس الجوار الكنس.

(٢٣٧)

Page 255: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

منها حركة واحدة إما بسيطة أو مركبة، وإما جزئية.أما الكلية فتسعة واحد منها محيط بالجميع يسمى الفلك المحيط وهو غير

مكوكب ويسمى الفلك األطلس بهذا االعتبار، وتحته فلك الثوابت ويسمى فلكالبروج يماس المحيط بمقعره محدب هذا الفلك وتحت هذا زحل وتحته المشتري

وتحته المريخ وتحته الشمس وتحته الزهرة وتحته عطارد وتحته القمر يماسالعالي بمقعره محدب السافل، وهذه التسعة متوافقة المراكز وموافقة لألرض في

مركزها.ثم إن كل فلك من هذه األفالك السبعة ينفصل إلى أجسام كثيرة يقتضيه

اختالف حركات ذلك الكواكب في الطول والعرض واالستقامة والرجوعوالسرعة والبطء والبعد والقرب من األرض فاثبتوا لكل كوكب فلكا ممثال بفلك

البروج مركزه مركز العالم يماس بمحدبه مقعر ما فوقه وبمقعره محدب ما تحته وهوفلكه الكلي المشتمل على سائر أفالكه إال القمر فإن ممثله محيط بآخر يسمى

المائل.وأثبتوا أيضا فلكا خارج المركز عن مركز األرض ينفصل عن الممثل أو

المائل يتماس محدباهما ومقعراهما على نقطتين يسمى األبعد عن األرض أوجاواألقرب منه حضيضا.

وأثبتوا فلكا آخر يسمى فلك التدوير غير محيط باألرض بل هو في ثخنالخارج المركز يماس محدبة سطحيه على نقطتين تسمى األبعد ذروة واألقربإلى األرض حضيضا في السبعة عدا الشمس فإنهم أثبتوا لها فلكا خارج المركز

خاصة.وأثبتوا لعطارد فلكين خارجي المركز يسمى أحدهما المدير والثاني الحامل،

فالمجموع مع الفلكين العظيمين أربعة وعشرون فلكا تشتمل سبعة أفالك منها علىخمسة كواكب متحيرة. وفلك البروج يحتوي على ألف ونيف وعشرين كوكبا

ثابتة، وكون الثوابت في فلك واحد غير معلوم وكذلك انحصار األفالك فيما ذكروه

(٢٣٨)

Page 256: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

غير معلوم بل يجوز أن توجد أفالك كثيرة إما وراء المحيط أو بين هذه األفالك.وقول بعضهم إن أبعد بعد كل سافل مساو ألقرب قرب العالي باطل، ألن بين أبعد

بعد القمر وأقرب قرب عطارد ثخن فلك جوزهر القمر.قال: والكل بسائط.

أقول: ذهبوا إلى أن الفلك بسيط، ألن كل مركب يتطرق إليه االنحالل والفلكال يتطرق إليه االنحالل في هذه المدد المتطاولة فيكون بسيطا، وهذا حكم واجب

عندهم وممكن عندنا، ألن األجسام عندنا حادثة يمكن تطرق التغير إليها واالنحالل.قال: خالية من الكيفيات الفعلية واالنفعالية ولوازمها.

أقول: هذا حكم آخر لألفالك وهو أنها غير متصفة بالكيفيات الفعلية أعنيالحرارة والبرودة وما ينسب إليهما، وال الكيفيات االنفعالية أعني الرطوبة واليبوسة وما

ينسب إليهما، وغير متصفة بلوازمها أعني الثقل والخفة.واستدلوا على ذلك بأن األفالك (١) لو كانت حارة لكانت في غاية الحرارة،

--------------------(١) هذه العبارة إلى قوله: انتفى الزمهما أعني الثقل والخفة، ال توجد في نسخة معتبرة منالنسخ المخطوطة المعتبرة عندنا وهي نسخة (ق) والظاهر أنها تعليقة أدرجت في الكتاب،ونسخة (م) قد أصابتها سوانح من أول هذا الفصل الرابع وكتبت ثانيا من النسخ الرائجة.واعلم أن المتفكرين في خلق السماوات واألرض أثبتوا بأفهامهم الرصينة أفالكا مجسمة

لتنظيم حركات الكواكب، ولذا قالوا: إنا ال نثبت فضال في الفلكيات وعند التحقيق العالمالفلكي ال يحتاج أوال إلى إثبات الفلك المجسم بل الفلك عنده هو مدار الكوكب، وفرض

الفلك مجسما لسهولة التعليم والتعلم، والبحث عن عدد األفالك أنما هو بحث رياضي هيويأدرج في الكالم والفلسفة وقصارى ما يثبت الطبيعي في المقام هو محدد الجهات الذي

يعين الجهتين الطبيعتين وهما فوق وسفل، اللهم إال أن يقال: إن فرض الفلك المجسم انتشأمن تعريف الفلسلفة بأنها علم بأحوال األعيان فإن الفيلسوف تفطن باختالف األفالك على

اختالف أوضاع الكواكب وحركاتها المختلفة، فتدبر. وقد بسطنا الكالم في الفلك عند الطبيعيوالرياضي في الدرس الثامن عشر من كتابنا الموسوم بدروس معرفة الوقت والقبلة فراجع.

وما قاله الشارح العالمة من أن كون الثوابت في فلك واحد غير معلوم، فالصواب أن كونها فيفلك واحد من فرض العالم الهيوي ألنه ال يحتاج إلى أكثر من ذلك وال يثبت فضال فيالفلكيات. ومن فرض كونها في فلك واحد ينتظم به أمر حركاتها فإنها تتحرك في كل

سبعين سنة درجة واحدة فلكية، نعم أن للحكيم الرياضي الرصدي المولوي أبي القاسم غالمحسين ابن المولى فتح محمد الكربالئي الجينوري صاحب الزيج البهادري بيانا على

التفصيل في حركاتها المختلفة في ذلك الزيج ينجر نقله وشرحه إلى اإلطناب وأن شئتفراجعه (ص ٥٦٥).

ثم إن الشارح كأنما ناظر في قوله المذكور إلى ما قاله الشيخ في الفصل السادس من الفنالثاني من طبيعيات الشفاء: على أني لم يتبين لي بيانا واضحا أن الكواكب الثابتة في كرة

واحدة، أو في كرات ينطبق بعضها على بعض إال بإقناعات، وعسى أن يكون ذلك واضحالغيري (ص ١٧٥ ج ١ ط ١).

Page 257: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

(٢٣٩)

Page 258: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

والتالي باطل فالمقدم مثله، بيان الشرطية أن الفاعل موجود في مادة بسيطةال عائق لها فيجب حصول كمال األثر، وبيان بطالن التالي أن الهواء العالي أبرد من

الهواء المالصق لوجه األرض.وكذا لو اقتضت البرودة لبلغت الغاية فيها فكان يستولي الجمود على العناصر

فما كان يتكون شئ من الحيوان.ولقائل أن يقول: ال يلزم من اقتضاء الحرارة حصول النهاية، ألن الشديد

والضعيف مختلفان بالنوع وال يلزم من اقتضاء الماهية نوعا ما اقتضائها النوعاآلخر، ولهذا كان الهواء مقتضيا للسخونة ولم يقتض البالغ منها. وال يصح االعتذاربأن الرطوبة مانعة عن الكمال، ألن الرطوبة أنما تمنع عن كمال السخونة إذا أخذت

بمعنى البلة ال بمعنى الرقة واللطافة وال مكان أن تكون الطبيعة الفلكية تقتضيما يمنع عن الكمال، وألن الرطوبة إذا منعت عن كمال الحرارة كانت الطبيعة

الواحدة تقتضي أمرين متنافيين، إذا عرفت هذا فنقول: لما انتفت الحرارةوالبرودة انتفى الزمهما، أعني الثقل والخفة.

قال: شفافة.أقول: استدلوا على شفافية األفالك بوجهين: أحدهما: أنها بسائط وهو

منقوض بالقمر. والثاني: أنها ال تحجب ما ورائها عن األبصار، فإنا نبصر الثوابت

(٢٤٠)

Page 259: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وهي في الفلك الثامن وهذا أيضا ظني ال يفيد اليقين لجواز أن يكون لها لونضعيف غير حاجب كما في البلور.

المسألة الثانيةفي البحث عن العناصر البسيطة

قال: وأما العناصر البسيطة فأربعة: كرية النار والهواء والماء واألرض،واستفيد عددها من مزاوجات الكيفيات الفعلية واالنفعالية.

أقول: لما فرغ من البحث عن األجرام الفلكية شرع في البحث عن األجسامالعنصرية، وهي إما بسيطة أو مركبة، ولما كان البسيط جزءا من المركب وكان

البحث عن الجزء متقدما على البحث عن الكل قدم البحث عن البسائط.وأعلم أن البسائط العنصرية أربعة، وأقربها إلى الفلك النار ثم الهواء ثم الماء ثم

األرض، ومركزها مركز العالم (١) ألن النار حارة في الغاية فطلبت العلو، والهواء حار--------------------

(١) هاهنا زيادة في النسخ المطبوعة بعد قوله: ومركزها مركز العالم، تقرب من ستة عشر سطراولكن النسخ المخطوطة كلها خالية عنها، وإنما هي تعليقة أدرجت في الكتاب بال ارتياب،

وال بأس بنقلها هاهنا تتميما للفائدة وهي ما يلي:ومركزها مركز العالم ال غير، بيان ذلك أن العنصريات نجد فيها قوى مهيأة نحو الفعل أي

كيفيات تجعل موضوعاتها معدة للتأثير في شئ آخر مثل الحرارة والبرودة والطعوموالروائح، وقوى مهيأة نحو االنفعال السريع أو البطئ أي كيفيات تجعل موضوعاتها معدةللتأثر عن الغير بحسب السرعة أو البطء مثل الرطوبة واليبوسة واللين والصالبة وغير ذلك.

ثم فتشنا فوجدناها قد تخلو عن جميع الكيفيات الفعلية إال الحرارة والبرودة والمتوسطةالتي تستبرد بالقياس إلى الحار، وتستسخن بالقياس إلى البارد. فإنا نجد جسما خاليا عن

اللون، وجسما خاليا عن الطعم، ولم نجد جسما خاليا عن الحرارة أو البرودة أو المتوسطة،وكذلك فتشنا فوجدناها خالية عن جميع الكيفيات االنفعالية إال الرطوبة واليبوسة

والمتوسطة بينهما، فعلم بهذا االستقراء أن العناصر البسيطة ال تخلو عن إحدى الكيفيتينالفعليتين أي الحرارة والبرودة، وال عن إحدى الكيفيتين االنفعاليتين أي الرطوبة واليبوسة.

ولما كانت االزدواجات الممكنة الثنائية غير زائدة على أربعة: الحرارة مع اليبوسة، والحرارةمع الرطوبة، والبرودة مع الرطوبة، والبرودة مع اليبوسة، كانت البسائط الموضوعة لتلك

المزدوجات أربعة: الموضوع للحرارة واليبوسة وهو النار، والموضوع للحرارة والرطوبة وهوالهواء، والموضوع للبرودة والرطوبة وهو الماء، والموضوع للبرودة واليبوسة وهو األرض.والدليل على أنها كرات هو أنها بسائط، وقد علمت أن الشكل الذي تقتضيه البساطة هو

الكرى، انتهت تلك الزيادة.

(٢٤١)

Page 260: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

ال في الغاية فطلب العلو فوق باقي العناصر، واألرض أبرد العناصر فطلبت المركز.وهذه األربعة كرات منطبق بعضها على بعض لبساطتها، وألن خسوف القمر

إذا اعتبر (١) في وقت بعينه في بعض البالد لم يوجد في البلد المخالف لذلك البلدفي الطول في ذلك الوقت بعينه، والسائر على خط من خطوط نصف النهار (٢) إلى

--------------------(١) ولذلك كانوا بخسوف القمر يحصلون مقادير أطوال البالد. وهذا الطريق في تحصيل الطول

قد أتى به من المتأخرين صاحب الزيج البهادري في الباب الخامس عشر من المقالة الثالثةمنه (ص ٨٠) وأما في أزياج المتقدمين وصحفهم النجومية الهيوية فكثير ذكره، منها

المجسطي االسالمي قانون أبي ريحان البيروني تغمده الله برحمته فإن الباب األول منالمقالة الخامسة منه في بيان تصحيح أطوال البلدان بالخسوفات، وقد بسط القول فيه

وأحسن وأجاد وأفاد وهذا األثر القويم العظيم لم تجد له بديال بل عديال في موضوعه.واعلم أن الطريق المذكور في تحصيل أطوال اآلفاق جار في خسوف القمر فقط، وال يمكنتحصيلها من كسوف الشمس ألن كسوفها ليس بانمحاء نورها واقعا بل بحيلولة القمر بينها

وبين األرض، ولذا يختلف الكسوف باختالف اآلفاق بسبب اختالف المنظر اختالفا يتفقفي أفق أن ينكسف الشمس كليا، وفي أفق آخر أن ينكسف جزئيا، أو لم ينكسف أصال،بخالف القمر فإن انخسافه انمحاء نوره واقعا لوقوعه في ظل األرض وعدم إمكان كسبه

النور من الشمس، فمتى تحقق خسوف القمر في أفق كانت اآلفاق األخرى على سواء فيرؤيته على التفصيل الذي بين في محله.

ثم إن من أدلة أرسطو على كروية األرض ما يرى من ظل األرض على صفحة القمر حينالخسوف، فإن الظل يرى مدورا وظل الكرة فقط مدور فاألرض كرة.

وفي المقام أدلة أخرى ذكرناها مع اإلشارة إلى مصادرها ومأخذها في كتابنا الموسومبدروس معرفة الوقت والقبلة فراجع الدرس السادس عشر منه بل عدة مواضع

أخرى من سائر دروسه أيضا.(٢) أقول: وبذلك االرتفاع واالنخفاض حصلوا مساحة األرض على التفصيل الذي ذكرناه في

الدرس المذكور آنفا (ص ١٠١ من دروس معرفة الوقت والقبلة ط ١).

(٢٤٢)

Page 261: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الجانب الشمالي يزداد عليه ارتفاع القطب الشمالي وانخفاض الجنوبي وبالعكسوهذا يدل على كرية األرض، واألغوار واألنجاد (١) ال تؤثر في الكرية لصغرها

بالنسبة إليها.وأما الماء فألن راكب البحر إذا قرب من جبل ظهرت له قلته أوال ثم أسفله

ثانيا، والبعد بينه وبين القلة أكثر مما بينه وبين األسفل، والسبب فيه منع حدبة الماءعن إبصار األسفل وأما الباقيان فلما مر من بساطتهما وهي تقتضي الكرية.

وإنما استفيد عدد هذه العناصر وانحصارها في أربعة من مزاوجات الكيفياتالفعلية واالنفعالية أعني الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة.

قال: وكل منها ينقلب إلى المالصق، وإلى الغير بواسطة أو بوسائط.أقول: هذه العناصر األربعة كل واحد منها ينقلب إلى اآلخر إما ابتداءا

كصيرورة النار هواءا أو بواسطة واحدة كصيرورتها ماءا بواسطة انقالبها هواءا ثمانقالب الهواء ماءا، أو بوسائط كصيرورتها أرضا بواسطة انقالبها هوءا ثم ماءا ثمأرضا، واألصل فيه أن غالب األمر انقالب العنصر إلى مالصقه كانقالب النار هواءا

ابتداءا، وإلى البعيد بواسطة، ويدل على انقالب كل واحد منها إلى صاحبهما يشاهد من صيرورة النار هواءا عند االنطفاء وصيرورة الهواء نارا عند إلحاح

النفخ وصيرورة الهواء ماءا عند حصول البرد في الجو وانعقاد السحاب الماطر من--------------------

(١) وذلك ألن تضاريس األرض أوهادها وأنجادها ال تخرجها عن االستدارة حسا إذ ال نسبةمحسوسة لها إلى جملتها كبيضة من حديد ألزقت بها حبات شعير فال تقدح في كونها كروية

الشكل. بل قالوا: إن نسبة تلك التضاريس إلى كرة األرض أصغر بكثير من نسبة الشعير إلىالبيضة إذ برهنوا أن نسبة ارتفاع أعظم الجبال إلى قطر األرض كنسبة سبع عرض شعيرة إلى

كرة قطرها ذراع كما بين في محله.وبرهن المتأخرون أيضا إلى أن ارتفاع أعظم الجبال ال يتجاوز جزءا من سبعمائة جزء من

نصف قطر األرض، نعم أن المتأخرين ذهبوا إلى أن األرض ليست بكرة تامة بل شبيهةبالكرة شكلها في الحقيقة شلجمي بسبب تطامن طرفيها. والمباحث عن ذلك بطولها تطلب

في الدرس المذكور من دروس معرفة الوقت والقبلة.

(٢٤٣)

Page 262: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

غير وصول بخار إليه، وصيرورة الماء هواءا عند إسخانه، وصيرورة الماء أرضاكما يعقد أهل الحيل (١) المياه الجارية أحجارا صلبة، وصيرورة األرض ماءا كما

يتخذون مياها حارة ويحلون فيها أجسادا صلبة حجرية حتى تصير مياها جارية.قال: فالنار حارة يابسة شفافة متحركة بالتبعية لها طبقة واحدة وقوة على

إحالة المركب إليها.أقول: لما فرغ من األحكام المشتركة بين العناصر شرع في البحث عن

الكيفيات المختصة بكل عنصر عنصر وبدأ بالنار وذكر من أحكامها ستة:األول: أنها حارة والحس يدل على حرارة النار الموجودة عندنا، وأما النار

البسيطة التي هي الفلك األثير (٢) فإنها كذلك لوجود الطبيعة خالية عن العائقولبساطتها فإن الحرارة موجودة في النار التي عندنا مع امتزاجها بالضد فكيف

--------------------(١) أهل الحيل هم أرباب األكسير أي طالب الكيمياء، واألجساد هي األجسام الذائبة بحسب

مصطلحات أصحاب الحيل أي الفلزات. وإنما يعبرون عنها باألجساد ال األجسام ألنالجسد هو برزخ بين الطرفين ليس بغالظة ما دونه، وال بلطافة ما فوقه، كما يعبر أرباب

المعقول عن التمثالت في الخيال المتصل والمنفصل باألجساد، وبعضهم يعبرون عن األبداناألخروية مطلقا باألجساد، وبعضهم قائلون بأن معراج الخاتم صلى الله عليه وآله كان جسدانيا. وبالجملة

لما كانت الفلزات مما تكونت من العناصر وهي مركبات معدنية ذوات أمزجة، ولهاأيضا استحاالت ألطف مما هي بالفعل عبروا عنها باألجساد فهي ذائبة بالنسبة إلى بعدها كماهي ذائبة بالنسبة إلى قبلها. واألكسير هو الكيمياء وأهل العصر يقولون: الشيمي، وهي كلمة

فرنسية أصلها Chimic ولها فروع لغوية كثيرة وحرف C يتلفظ كثيرا بالكاف وإن كان معحرف h بعدها يتلفظ بالشين.

وما تذاب بها تلك األجساد من الزيبق والكبريت والنوشادر وغيرها تسمى في اصطالحأهل الكيمياء أرواحا، صرح بذلك ابن الفناري في مصباح األنس (ص ٢٠٩ ط ١) والشارح

العالمة ناظر في أغلب هذه المباحث إلى كلمات الماتن في شرحه على كتاب اإلشارات.فراجع شرحه على الفصل العشرين من النمط الثاني منه في المقام.

(٢) األثير هي النار الخالصة الصرفة، وقد يطلق على الفلك أيضا بل أكثر استعماله فيالفلكيات. والشارح قد أطلق الفلك على كرة األثير، وقد أطلقه عليها غيره أيضا.

(٢٤٤)

Page 263: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

بالنار الصرفة.الثاني: أنها يابسة وهو معلوم بالحس أيضا إن عنى باليبوسة ما ال يلتصق بغيره،

أما إن عنى بها ما يعسر تشكله باألشكال القريبة فالنار ليست يابسة بهذا المعنى.الثالث: أنها شفافة وإال لحجبت الثوابت عن األبصار، وألن النار كلما كانت

أقرب إلى الشفافية كانت أقوى كما في أصول الشعل (١).الرابع: أنها متحركة بالتبعية وهو حكم ظني ألنهم لما رأوا الشهب (٢) متحركةحكموا بحركة كرة النار ثم طلبوا العلة فقالوا: إن كل جزء من الفلك تعين مكانا

لجزء من النار فإذا انتقل ذلك الجزء انتقل المتمكن فيه كالساكن في السفينة.وهذا ضعيف، ألن الشهب ال تتحرك إلى جهة واحدة بل قد يكون إلى الشمال

تارة وإلى الجنوب أخرى، وما ذكروه من العلة فهو بعيد وإال لزم حركة كرة الهواءوالماء واألرض مع أن الفلك بسيط ال جزء له، ولو فرض له أجزاء لكانت متساوية

فكيف يصح اختالفها في كون بعضها مكانا لبعض أجزاء النار البسيطة والبعض--------------------

(١) ناظر إلى عبارة الشيخ في الفصل الخامس والعشرين من النمط الثاني من اإلشارات قال:إعلم أن النار الساترة لما وراءها أنما يكون ذلك لها إذا علقت شيئا أرضيا ينفعل بالضوء عنها

ولذلك أصول الشعل وحيث النار قوية هي شفافة ال يقع لها ظل ويقع لما فوقها ظل عنمصباح آخر.

(٢) الشهب والنيازك ليستا بمتحركتين بل يظن من نحو حدوثهما أنهما متحركتان، وبيانحدوثهما هو كما حرره الماتن في شرحه على الفصل المذكور أخيرا من اإلشارات أنالمتخلل اليابس المتصعد الكتساب الحرارة أعني الدخان المرتفع من األرض أنما يعلو

البخار ألن اليابس أكثر حفظا للكيفية الفعلية وأشد إفراطا فيها لذلك، فإذا بلغ الجو األقصىالحار بالفعل لبعده عن مجاورة الماء واألرض ومخالطة أبخرتهما وقربه من األثير اشتعل

طرفه العالي أوال ثم ذهب االشتعال فيه إلى آخره فرأى االشتعال ممتدا على سمت الدخانإلى طرفه اآلخر وهو المسمى بالشهاب، فإذا استحالت األجزاء األرضية نارا صرفة صارت

غير مرئية لعدم االستضاءة فظن أنها طفئت فليس ذلك بطفوء.نعم أن حدوث النيازك والشهب عند القطبين يدل على أن النار كروية الشكل صحيحة

االستدارة تحديبا وتقعيرا، فتأمل.

(٢٤٥)

Page 264: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

اآلخر مكانا لآلخر.الخامس: أنها ذات طبقة واحدة وذلك لقوتها على إحالة ما يمازجها فال يوجد

في مكانها غيرها.السادس: أنها قوية على إحالة المركب إليها، وذلك ظاهر.

قال: والهواء حار رطب شفاف له أربع طبقات.أقول: لما فرغ من البحث عن أحكام النار شرع في البحث عن الهواء

المالصق لها، وذكر له أحكاما أربعة: األول: أنه حار وذلك فيما يرجع إلى الكيفيةالفعلية وقد وقع التشاجر فيه، فأكثر الناس ذهب إلى أنه حار ال في الغاية ألنالماء إذا أريد جعله هواءا سخن فضل تسخين ومع استحكام التسخين ينقلبهواءا، وآخرون منعوا من ذلك ألنه لو اقتضى السخونة لطبعه لبلغ فيها الغاية

لوجود العلة الخالية عن المعاوق. الثاني: أنه رطب بمعنى سهولة قبول األشكال البمعنى البلة وذلك ظاهر، وهذا فيما يرجع إلى الكيفية االنفعالية. الثالث: أنه شفاف

وهو ظاهر لعدم إدراكه صرفا بالبصر. الرابع: أنه ذو طبقات أربع: الطبقة األولىالمالصقة لألرض، الثانية الطبقة الباردة بسبب ما يخالطها من األبخرة، الثالثة

الطبقة الصرفة، الرابعة الطبقة الممتزجة بشئ من النار (١).قال: والماء بارد رطب شفاف محيط بثالثة أرباع األرض له طبقة واحدة.

--------------------(١) في النسخ المطبوعة زيادة أسطر هاهنا وهي تعليقة أدرجت في المتن نأتي بها تتميما

للفائدة وهي هذه:الطبقة األولى: المجاور لألرض، المتسخن لمجاورة األرض، المشعشعة بشعاع النير، وهي

بخارية حارة. والبخار هو المتخلل الرطب وهو أجزاء مائية اكتسبت حرارة فتصاعدتألجلها وخالطت الهواء المالصق لألرض. الطبقة الثانية: وهي الهواء المتباعد عن األرض

الذي انقطع عنه تأثير الشعاع لبعده عن األرض وهي بخارية باردة، ويقال لها: الطبقةالزمهريرية، وذلك بسبب ما يخالطها من األبخرة. الطبقة الثالثة: الهواء الصرف. الطبقة الرابعة:

طبقة دخانية فإن البخار وإن صعد في الهواء لكن الدخان يجاوزه ويعلوه ألنه أخف حركةوأقوى نفوذا لشدة الحرارة، والدخان هو المتخلل اليابس. انتهت الزيادة.

(٢٤٦)

Page 265: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: ذكر للماء خمسة أحكام:األول: أنه بارد والحس يدل عليه ألنه مع زوال المسخنات الخارجية يحس

ببرده.واختلفوا فاألكثر على أن األرض أبرد منه ألنها أكثف وأبعد عن المسخنات

والحركة الفلكية، وقال قوم: إن الماء أبرد ألنا نحس بذلك وهو ضعيف ألن الشئقد يكون أشد بردا في الحس وال يكون في نفس األمر كذلك كما في جانبالسخونة، ولهذا كانت السخونة في األجسام الذائبة كالرصاص وغيره أشد في

الحس من النار الصرفة الخالية عن الضد لسرعة انفصال النار الصرفة عن اليدألجل لطافتها فال يدوم أثرها كذلك هاهنا أثر الماء للطافته ينبسط على العضو

ويصل إلى عمق كل جزء منه ويلتصق به بخالف التراب المتناثر عنه سريعا فكاناالحساس ببرد الماء أكثر.

الثاني: أنه رطب وهو ظاهر بمعنى البلة، وقيل: إنه يقتضي الجمود ألنه باردبالطبع والبرد يقتضي الجمود وإنما عرض السيالن له بسبب سخونة األرض

والهواء، ولو خلي وطبعه القتضى الجمود.الثالث: أنه شفاف ألنه مع صرافته ال يحجب عن األبصار. وقيل: إنه ملون

وإال لم يكن مرئيا ولضعف لونه لم يحجب عن األبصار.الرابع: أنه محيط بأكثر األرض وهو حكم ظني ألنهم جعلوا العناصر

متعادلة (١) وإال الستحال األضعف وعدم عنصره، فلو ال إحاطته بثالثة أرباعاألرض لكان أقل من األرض وإذا كان محيطا بأكثر األرض كان هو البحر وإال

فإما أن يكون فوق األرض أو تحتها (٢)، والثاني باطل وإال لكان أصغر مناألرض فبقي األول وهو البحر.

--------------------(١) أي متعادلة في الحجم.

(٢) المراد من التحت جوفها وباطنها، ولذا كان أصغر من األرض ألن ما في بطن الجسم أقل منه.

(٢٤٧)

Page 266: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الخامس: أنه ذو طبقة واحدة هو البحر، وهو ظاهر.قال: واألرض باردة يابسة ساكنة في الوسط شفافة لها ثالث طبقات.

أقول: ذكر لألرض أحكاما خمسة:األول: أنها باردة ألنها كثيفة، وقد سلف البحث في أنها أبرد العناصر.

الثاني: أنها يابسة، وهو أيضا ظاهر.الثالث: أنها ساكنة في الوسط، وقد نازع في ذلك جماعة فذهب قوم إلى أنها

متحركة إلى السفل، وآخرون إلى العلو، وآخرون باالستدارة، والحق خالف ذلككله وإال لما وصل الحجر المرمى إليها إن كانت هاوية، ولما نزل الحجر المرمى إلى

فوق إن كانت صاعدة، ولما سقط على االستقامة (١) إن كانت متحركة علىاالستدارة.

وقد أشار في هذا الحكم إلى فائدة بقوله: في الوسط، وهو الرد على من زعمأنها ساكنة بسبب عدم تناهيها من جانب السفل ال من حيث الطبع، وبيان بطالن

هذا القول ظاهر ألن األجسام متناهية.الرابع: أنها شفافة، وقد وقع فيه منازعة بين القوم فذهب جماعة إليه ألنها

بسيطة، وذهب آخرون إلى المنع ألنا نشاهد األرض فإن كانت بسيطة فالمطلوبوإن كانت ممتزجة بغيرها كانت األرضية عليها أغلب فكانت الشفافية أغلب

وليس كذلك، ثم نقضوا كبرى أولئك بالقمر.الخامس: في طبقاتها وهي ثالث (٢): طبقة هي أرض محضة وهي المركز

--------------------(١) بل هو كذلك ال يسقط عليها على االستقامة على نقطة رمي الحجر منها إلى فوق، وقريب

من هذا المنهج حركة الفاندول على الوجه الذي انتقل به فوكولة وعمل به في مرصد باريسوبيان تفصيله يطلب من تحفة األفالك (ص ٢٧ - ٣٠ ط ١) وغيره من كتب الفن منها كتاب

السماء بالفرنسية تأليف الفنس برژت (ص ١٣ - ١٦ ط باريس).(٢) عبارة الشفاء في المقام هكذا: فيشبه لذلك أن تكون األرض ثالث طبقات: طبقة تميل إلى

محوضة األرضية، وتغشيها طبقة مختلطة من األرضية والمائية وهو طين، وطبقة منكشفةعن الماء جفف وجهها الشمس وهو البر والجبل وما ليس بمنكشف فقد ساح عليه البحر

(ج ١ ط ١ ص ٢٢٧).وعبارة الفاضل الرومي في شرحه على الملخص في الهيئة للجغميني هكذا:

انحصار العناصر في األربعة مستفاد من ازدواجات الكيفيات الفعلية واالنفعالية على ما ذكرفي الطبيعي لكن التعويل على االستقراء، وهي تسع طبقات في المشهور عند الجمهوركاألفالك: طبقة األرض الصرفة المحيطة بالمركز، ثم الطبقة الطينية، ثم طبقة األرض

المخالطة التي تتكون فيها المعادن وكثير من النباتات والحيوانات، ثم طبقة الماء، ثم طبقةالهواء المجاور لألرض والماء، ثم الطبقة الزمهريرية الباردة بسبب ما تخالط الهواء من

األبخرة وعدم ارتقاء انعكاس األشعة إليها وهي منشأ السحب والرعد والبرق والصواعق، ثمطبقة الهواء الغالب القريب من الخلوص، ثم الطبقة الدخانية التي تتالشى فيها األدخنة

المرتفعة من السفل وتتكون فيها ذوات األذناب والنيازك وما يشبههما من األعمدة ونحوها

Page 267: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وربما توجد متحركة بحركة الفلك تشييعا له، ثم طبقة النار.ومنهم من قسم الهواء باعتبار مخالطة األبخرة وعدمها بقسمين: أحدهما: الهواء اللطيف الصافي

من األبخرة ألنها تنتهي في ارتفاعها إلى حد ال يتجاوزه وهو قريب من سبعة عشر فرسخا.وثانيهما: الهواء الكثيف المخلوط باألبخرة ويسمى كرة البخار وعالم النسيم وكرة الليلوالنهار إذ هي مهب الرياح والقابلة للظلمة والنور، والزرقة التي يظن أنها لون السماء أنمايتخيل فيها. وبهذا االعتبار يمكن أن يؤخذ الطبقات سبعا كالسماوات (ص ١٨ ط ١).

(٢٤٨)

Page 268: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وما يقاربه، وطبقة طينية، وطبقة بعضها منكشف هو البر وبعضها أحاط به البحر.المسألة الثالثة

في البحث عن المركباتقال: وأما المركبات فهذه األربعة أسطقساتها.

أقول: لما فرغ من البحث عن البسائط شرع في البحث عن المركبات وبدأ منذلك بالبحث عن بسائطها.

واعلم أن المركبات أنما تتركب من هذه العناصر األربعة ألن العنصر الواحدبسيط ال يقع به التفاعل فال بد من كثرة، ولما دل االستقراء على انتفاء صالحية

ما عدا الكيفيات األربع أعني الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة أو ما ينسب

(٢٤٩)

Page 269: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

إليها للفعل واالنفعال وجب أن يكون التفاعل إنما هو في هذه األربعة وحواملهاوكانت االسطقسات هذه العناصر األربعة الغير. وهذه العناصر من حيث هيأجزاء العالم تسمى أركانا، ومن حيث إنها تتركب منه المركبات من المعادن

والنباتات تسمى أسطقسات.قال: وهي حادثة عند تفاعل بعضها في بعض.

أقول: المركبات عند محققي األوائل تحدث عند تفاعل هذه العناصر األربعةبعضها في بعض إلى أن تستقر الكيفية المتوسطة المسماة بالمزاج.

وذهب أصحاب الخليط مثل انكساغورس وأتباعه إلى نفي ذلك، وقال: إنهنا أجزاءا هي لحم وأجزاءا هي عظام وأجزاءا هي حنطة (١) وغير ذلك من جميع

المركبات وهي مختلطة مبثوثة في العالم غير متناهية، فإذا اجتمع أجزاء من طبيعة--------------------

(١) وفى غير واحدة من النسخ المعتبرة أيضا: وأجزاءا هي شحمة بدل قوله: واجزاءا هيحنطة. وقد ذهب أصحاب الخليط إلى أن مادة هذه المحسوسات أي أعيان الموجودات هي

تلك األجزاء المختلفة بالنوع كما قاله الخواجة في شرحه على الثاني عشر من خامساإلشارات. وقال أيضا في شرحه على الفصل الثالث والعشرين من ثاني اإلشارات: إن

انكساغورس وأصحابه القائلين بالخليط كانوا ينكرون التغير في الكيفية وفي الصورة - أيكانوا ينكرون االستحالة والكون - ويزعمون أن األركان األربعة ال يوجد شئ منها صرفا بل

هي مختلطة من تلك الطبائع ومن سائر الطبائع النوعية. وإنما تسمى بالغالب الظاهر منهاويعرض لها عند مالقاة الغير أن يبرز منها ما كان كامنا فيها فيغلب ويظهر للحس بعد ما كان

مغلوبا غائبا عنه ال على أنه حدث بل على أنه برز ويكمن فيها ما كان بارزا فيصير مغلوباوغائبا بعد ما كان غالبا وظاهرا.

وبإزائهم قوم زعموا أن الظاهر ليس على سبيل بروز بل على سبيل نفوذ من غيره فيه كالماءمثال فإنه إنما يتسخن بنفوذ أجزاء نارية فيه من النار المجاورة له.

والمذهبان متقاربان فإنهما يشتركان في أن الماء مثال لم يستحل حارا لكن الحار نار تخالطهويفترقان بأن أحدهما يرى أن النار برزت من داخل الماء، والثاني يرى أنها وردت عليه من

خارجه.وإنما دعاهم إلى ذلك الحكم بامتناع كون الشئ عن ال شئ، وامتناع صيرورة الشئ شيئا

آخر.

(٢٥٠)

Page 270: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

واحدة ظن أن تلك الطبيعة حدثت وليس كذلك بل تلك الطبيعة كانت موجودةوالحادث التركيب ال غير، والضرورة قاضية ببطالن هذه المقالة فإنا نشاهد تبدل

ألوان وطعوم وروائح وغير ذلك من الصفات الحادثة.قال: فتفعل الكيفية في المادة فتكسر صرافة كيفيتها (١) وتحصل كيفية

متشابهة في الكل متوسطة هي المزاج.أقول: لما ذكر أن المركبات أنما تحصل عند تفاعل هذه العناصر بعضها في

بعض شرع في كيفية هذا التفاعل، واعلم أن الحار والبارد، أو الرطب واليابس إذااجتمعا وفعل كل منهما في اآلخر لم يخل إما أن يتقدم فعل أحدهما على انفعاله أو

يقترنا ويلزم من األول صيرورة المغلوب غالبا وهو محال، ومن الثاني كونالشئ الواحد غالبا مغلوبا دفعة واحدة وهو محال فلم يبق إال أن يكون الفاعل

في كل واحد منهما غير المنفعل، فقيل: الفاعل هو الصورة والمنفعل هو المادة،وينتقض بالماء الحار إذا مزج بالماء البارد واعتدال، فإن الفعل واالنفعال بينالحار والبارد هناك موجود مع أنه ال صورة تقتضي الحرارة في الماء البارد.

وقيل: الفاعل هو الكيفية والمنفعل هو المادة مثال تفعل حرارة الماء الحار فيمادة الماء البارد فتكسر البرودة التي هي كيفية الماء البارد وتحصل كيفية متشابهة

متوسطة بين الحرارة والبرودة هي المزاج، وهذا اختيار المصنف رحمه الله وفيه نظرألن

المادة إنما تنفعل في الكيفية الفاعلة ال في غيرها ويعود البحث من كون المغلوبيصير غالبا أو اجتماع الغالبية والمغلوبية للشئ الواحد في الوقت الواحد بالنسبة

إلى شئ واحد وهو باطل.قال: مع حفظ صور البسائط.--------------------

(١) وفي (ت): فتكسر ما فيه كيفيتها. والباقية كلها: فتكسر صرافة كيفيتها، كما اخترناه.والضمير في كيفيتها راجع إلى االسطقسات، وإن كان راجعا إلى المادة فباإلضمار أي تكسر

هذه الكيفية صرافة كيفية الصورة التي حالة في المادة.

(٢٥١)

Page 271: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: نقل الشيخ (١) في هذا الموضوع في كتاب الشفاء أن هنا مذهبا غريباعجيبا وهو أن البسائط إذا اجتمعت وتفاعلت بطلت صورها النوعية المقومة لها

وحدثت صورة أخرى نوعية مناسبة لمزاج ذلك المركب واحتجوا بأن العناصر لوبقيت على طبائعها حتى اتصف الجزء الناري مثال بالصورة اللحمية أمكن أن

يعرض للنار بانفرادها عارض ينتهي بها إلى أن تصير حرارتها إلى ذلك الحد الذيحصل لها عند كونها جزءا من المركب فتصير النار البسيطة لحما.

وأبطله الشيخ بأن ذلك يكون كونا وفسادا ال مزاجا (٢)، وألن الكاسر باق معاالنكسار فالطبائع باقية مع انكسار الكيفيات. ونقض ما ذكروه بوروده عليهم ألن

مذهبهم أن الجزء الناري تبطل ناريته عند امتزاجه ويتصف بالصورة اللحميةفيجوز عروض هذا العارض للنار البسيطة فإن شرطوا التركيب كان هو جوابنا.

قال: ثم تختلف األمزجة في األعداد بحسب قربها وبعدها من االعتدال.--------------------

(١) نقله في الفصل السابع من الفن الثالث من طبيعيات الشفاء (ص ٢٠٥ ج ١ ط ١).وقد ذهب صاحب األسفار إلى ذلك المذهب الذي استغربه الشيخ فراجع الفصل األول

من الباب الثاني من كتاب النفس منه (ص ٦ ج ٤ ط ١)، وكذلك الفصل التاسع من الفنالسادس من الجواهر واألعراض منه (ج ٢ ط ١ ص ١٩٤)، وكذلك الفصل الرابع عشر منالفن السادس منه (ج ٢ ص ٢٠٢)، وتفصيل ذلك يطلب في الفصل الخامس عشر من ذلك

الفن (ج ٢ ص ٢٠٦).وخالصة كالم الشيخ في الشفاء وغيره من طائفة المشاء ما ذكره بهمنيار في التحصيل من

أنالجواهر العنصرية ثابتة في الممتزج بصورها متغيرة في كيفياتها فقط وكيف ال تكون

ثابتةفيه والمركب أنما هو مركب عن أجزاء فيه مختلفة وإال لكان بسيطا ال يقبل األشد واألضعف.

وأما كيفياتها ولواحقها فتكون قد توسطت ونقصت عن حد الصرافة (ص ٦٩٣ ط ١).(٢) وفي (م ق): ال امتزاجا. ومفادهما في المقام واحد. وعنوان الفصل في الشفاء كان: في

إبطال مذهب محدث في المزاج. وما في الفصل من عبارات الشيخ تارة يناسب المزاج،وأخرى االمتزاج. وتعبير الخواجة في شرح اإلشارات والقوشجي وصاحب الشوارق في

شرح التجريد هو المزاج.

(٢٥٢)

Page 272: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: األمزجة في المركبات هي المعدة لقبول المركب للصور والقوىالمعدنية والنباتية والحيوانية، إذ المركبات كلها اشتركت في طبيعة الجسمية ثم

اختلفت في هذه القوى فبعضها اتصف بصورة حافظة لبسائطه عن التفرق جامعةلمتضادات مفرداته من غير أن يكون مبدأ لشئ آخر وهذه هي الصور المعدنية،

وبعضها اتصف بصورة تفعل مع ما تقدم التغذية والتنمية والتوليد ال غير وهيالنفس النباتية، وبعضها يفعل مع ذلك الحس والحركة اإلرادية وهي النفس

الحيوانية، فال بد وأن يكون هذا االختالف بسبب اختالف القوابل المستند إلىاختالف االستعداد المستفاد من اختالف األمزجة بسبب بعدها وقربها مناالعتدال، وكل من كان مزاجه أقرب (١) إلى االعتدال قبل نفسا أكمل.

قال: مع عدم تناهيها بحسب الشخص وإن كان لكل نوع طرفا إفراط وتفريطوهي تسعة.

--------------------(١) وأتم منه ما أفاد الخواجة في شرحه على الفصل األخير من النمط الثاني من اإلشارات

ونأتي بكالمه السامي تبركا ثم نتبعه بما نشير إليه في المقام لنفاسة البحث عن ذلك المطلباألسنى، قال قدس سره:

اعلم أن انكسار تضاد الكيفيات واستقرارها على كيفية متوسطة وحدانية نسبة ما لها إلىمبدئها الواحد، وبسببها تستحق ألن يفيض عليها صورة أو نفسا تحفظها فكلما كان االنكسار

أتم كانت النسبة أكمل والنفس الفائضة بمبدئها أشبه، إنتهى.أقول: كالمه السامي في اعتدال المزاج حكم محكم واصل رصين في النفس المكتفية التي

هي المركز والقطب وما سواها من النفوس وغيرها تدور حولها، فما كان أقرب منها فهو ذومزاج أعدل فهكذا األقرب فاألقرب، وعلى خالفه األبعد فاألبعد. وبهذا المطلب األسنىتقدر أن تفهم أسرارا في علم االنسان الكامل اإلمام وما جاء في الجوامع الروائية من أن

النفوس المكتفية إذا شاؤوا أن يعلموا علموا، فتدبر حق التدبر.ثم اعلم أن التوحد أيضا هو مالك تعلقنا الحقائق ألن التعقل هو التوحد والتعلق هو التفرق،

والتعقل ال يتحقق مع التعلق، ولذا قال أصحاب التوحيد: إن حقائق األشياء في الحضرةالعلمية بسيطة فال ندركها على نحو تعينها فيها إال من حيث أحديتنا كما أفاده في مصباح

األنس (ص ٩ ط ١).

(٢٥٣)

Page 273: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: األمزجة تختلف باختالف صغر أجزاء البسائط وكبرها، وهذااالختالف بسبب الصغر والكبر غير متناه فكانت األمزجة لذلك غير متناهية

بحسب الشخص وإن كان لكل نوع طرفا إفراط وتفريط فإن نوع االنسان مثال لهمزاج خاص معتدل بين طرفين هما إفراط وتفريط لكن ذلك المزاج الخاص (١)

يشتمل على ما ال يتناهى من األمزجة الشخصية وال يخرج عن حد المزاجاالنساني وكذلك كل نوع.

إذا عرفت هذا فاعلم أن األمزجة تسعة ألن البسائط إما أن تتساوى فيه وهوالمعتدل، أو يغلب أحدها فإما الحار مع اعتدال االنفعاليين أو البارد معه أو الحارمع غلبة الرطب أو اليابس أو البارد معهما أو يغلب الرطب مع اعتدال الفعليين أو

اليابس معه.قال:

--------------------(١) أي ذلك المزاج الخاص النوعي.

(٢٥٤)

Page 274: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الفصل الثالثفي بقية أحكام األجسام

وتشترك األجسام في وجوب التناهي لوجوب اتصاف ما فرض له ضده بهعند مقايسته بمثله مع فرض نقصانه عنه.

أقول: لما فرغ عن البحث في األجسام شرع في البحث عن باقي أحكامها إذقد كان سبق البحث عن بعض أحكامها، وهذا الفصل يشتمل على مسائل:

المسألة األولىفي تناهي األجسام (١)

وقد اتفق أكثر العقالء على ذلك وإنما خالف فيه حكماء الهند، واستدلالمصنف رحمه الله على ذلك بوجهين: األول برهان التطبيق، وتقريره أن األبعاد لو

كانت--------------------

(١) أقول: أما تناهي األبعاد الجزئية أي األجسام الجزئية فهو قريب من األوليات كتناهي كرةاألرض وغيرها من العناصر والكواكب، وأما تناهي األبعاد بمعنى أن العالم الجسماني ينتهي

في جميع الجهات إلى محدب محدد الجهات وبعده ال خالء وال مالء فدون إثباته خرطالقتاد. واألدلة التي ذكروها كلها مدخولة. وتلك األدلة هي البرهان السلمي، والترسي،

وبرهان التطبيق، والبرهان الذي أقامه السيد السمرقندي، والبرهان الالم الفي، والذي أقامهصاحب التلويحات، وبرهان التخليص، وبرهان المسامته. وقد حررتها وبينت وجوه عدم

تماميتها في المدعى في كتابنا الموسوم بألف نكتة ونكتة فاطلبها من النكتة الثالثة والثمانينوالستمائة منه.

(٢٥٥)

Page 275: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

غير متناهية ألمكننا أن نفرض خطين غير متناهيين مبدأهما واحد ثم نفصل منأحدهما قطعة ثم نطبق أحد الخطين على اآلخر بأن نجعل أول أحدهما مقابالألول اآلخر، وثاني األول مقابال لثاني الثاني والثالث للثالث وهكذا إلى ما اليتناهى، فإن استمرا كذلك كان الناقص مثل الزائد وهو محال بالضرورة، وإنانقطع الناقص انقطع الزائد ألن الزائد إنما زاد بمقدار متناه هو القدر المقطوع

والزائد على المتناهي بمقدار متناه يكون متناهيا، فالخطان متناهيان وهوالمطلوب.

إذا عرفت هذا فلنرجع إلى تتبع ألفاظ الكتاب، فقوله: وتشترك األجسام فيوجوب التناهي، إشارة إلى الدعوى مع التنبيه على كون هذا الحكم واجبا لكل

جسم.وقوله: لوجوب اتصاف ما فرض له ضده به، معناه لوجوب اتصاف الخط

الناقص الذي فرض له ضد التناهي ألنا فرضنا الخطين غير متناهيينبالتناهي (١).

وقوله: عند مقايسته بمثله، معناه عند مقايسة الخط الناقص بالخط الكاملالمماثل له في عدم التناهي. ومعنى المقايسة هنا مقابلة كل جزء من الناقص بجزء

من الكامل.وقوله: مع فرض نقصانه عنه، يعني مع فرض قطع شئ من الخط الناقص

حتى صار ناقصا، فهذا ما خطر لنا في معنى هذا الكالم.قال: ولحفظ النسبة بين ضلعي الزاوية وما اشتمال عليه مع وجوب اتصاف

الثاني به.أقول: هذا هو الدليل الثاني على تناهي األبعاد، وتقريره أنا إذا فرضنا زاوية

خرج ضلعاها إلى ما ال يتناهى على االستقامة فإن النسبة بين زيادة الضلعين--------------------

(١) صلة لقوله: اتصاف الخط، وهو بيان به في قول الماتن.

(٢٥٦)

Page 276: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وزيادة األبعاد التي اشتمل الضلعان عليها محفوظة بحيث كلما زاد الضلعان زادتاألبعاد على نسبة واحدة، فإذا استمرت زيادة الضلعين إلى ما ال يتناهى استمرتزيادة البعد بينهما إلى ما ال يتناهى مع وجوب اتصاف الثاني أعني البعد بينهما

بالتناهي المتناع انحصار ما ال يتناهى بين حاصرين.المسألة الثانية

في أن األجسام متماثلةقال: واتحاد الحد وانتفاء القسمة فيه يدل على الوحدة.

أقول: ذهب الجمهور من الحكماء والمتكلمين إلى أن األجسام متماثلة فيحقيقة الجسمية وإن اختلفت بصفات وعوارض، وذهب النظام إلى أنها مختلفة

الختالف خواصها وهو باطل ألن ذلك يدل على اختالف األنواع ال على اختالفالمفهوم من الجسم من حيث هو جسم.

وقد استدل المصنف رحمه الله على قوله بأن الجسم من حيث هو جسم يحد بحدواحد عند الجميع، أما عند األوائل فإن حده الجوهر القابل لألبعاد، وأما

المتكلمون فإنهم يحدونه بأنه الطويل العريض العميق وهذا الحد الواحد ال قسمةفيه، فالمحدود واحد الستحالة اجتماع المختلفات في حد واحد من غير قسمة بلمتى جمعت المختلفات في حد واحد وقع فيه التقسيم ضرورة، كقولنا: الحيوان إما

ناطق أو صاهل، ويراد بهما االنسان والفرس.المسألة الثالثة

في أن األجسام باقيةقال: والضرورة قضت ببقائها.

أقول: المشهور عند العقالء ذلك، ونقل عن النظام خالفه بناء منه على امتناع

(٢٥٧)

Page 277: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

استناد العدم إلى الفاعل وأنه ال ضد لألجسام مع وجوب فنائها يوم القيامة،فالتزم بعدم بقائها وأنها تتجدد حاال فحاال كاألعراض غير القارة، والمحققون

على خالف ذلك واعتمادهم على الضرورة فيه.وقيل: إن النظام (١) ذهب إلى احتياج الجسم حال بقائه إلى المؤثر، فتوهم

الناقل أنه كان يقول بعدم بقاء األجسام.المسألة الرابعة

في أن األجسام يجوز خلوها عن الطعوم والروائح واأللوانقال: ويجوز خلوها عن الكيفيات المذوقة والمرئية والمشومة كالهواء.

أقول: ذهب المعتزلة إلى جواز خلو األجسام عن الطعوم والروائح واأللوان،--------------------

(١) أقول: ذهب النظام إلى أن األجسام متجددة آنا فآنا كاألعراض كما في شرح المواقف(ص ٤٤٧ ط قسطنطنية). فقد تفوه النظام بالقول الحق أعني القول بحركة الجوهر ألن

األعراض هي المرتبة النازلة للجوهر فإذا كانت متجددة آنا فآنا كانت موضوعاتها متجددةأيضا وهذه حجة من حجج إثبات الحركة في الجوهر، كما قال الحكيم السبزواري في

الحكمة المنظومة.وجوهرية لدينا واقعة إذ كانت األعراض كال تابعة

فاألجسام ليست بباقية بالبرهان فهي متجددة آنا فآنا فال بد لها من جامع حافظ يجمعأجزاءها ويحفظ صورها على االتصال والدوام كما يقوله القائل بتجدد األمثال أيضا، وذلكالجامع الحافظ ليس إال أصال مفارقا ولواله الضمحلت األجسام وتفرقت الصور والهيئات

القتضاء الحركة ذلك. وادعاء الضرورة في بقائها ليس إال من شهادة الحس باستمراراألجسام وال يصلح الحس وشهادته بالبقاء للتعويل عليه والوثوق به.

وقال اآلمدي كما في شرح المواقف: نحن نعلم بالضرورة العقلية أن ما شاهدناه باألمس منالجبال الراسيات واألرضين والسماوات هو عين ما نشاهده اليوم، وكذا نعلم باالضطرار أنمن فاتحناه بالكالم هو عين من ختمناه معه، وأن أوالدنا ورفقاءنا اآلن هم الذين كانوا معنا

من قبل، إنتهى.وأقول: التعبير بالضرورة العقلية محض ادعاء، والحق أن يقال: نحن نعلم بالضرورة الحسية.

(٢٥٨)

Page 278: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

ومنعت األشعرية منه، أما المعتزلة فاحتجوا بمشاهدة بعض األجسام كذلككالهواء، واحتجت األشعرية بقياس اللون على الكون وبما قبل االتصاف علىما بعده، وهما ضعيفان ألن القياس المشتمل على الجامع ال يفيد اليقين فكيف

الخالي عنه مع قيام الفرق، فإن الكون ال يعقل خلو متحيز عنه بالضرورة بخالفاللون فإنه يمكن أن يتصور الجسم خاليا عنه، وأما امتناع الخلو عنها بعد

االتصاف فممنوع ولو سلم لظهر الفرق أيضا ألن الخلو بعد االتصاف أنما امتنعالفتقار الزائل بعد االتصاف إلى طريان الضد بخالف ما قبل االتصاف لعدم

الحاجة إليه.المسألة الخامسة

في أن األجسام يجوز رؤيتهاقال: ويجوز رؤيتها بشرط الضوء واللون وهو ضروري.

أقول: ذهب األوائل إلى أن األجسام مرئية لكن ال بالذات بل بالعرض، فإنهالو كانت مرئية بالذات لرؤي الهواء والتالي باطل فالمقدم مثله، وإنما يمكن رؤيتها

بتوسط الضوء واللون وهذا حكم ضروري يشهد به الحس وجمهور العقالء علىذلك ولم أعرف فيه مخالفا.

المسألة السادسةفي أن األجسام حادثة

قال: واألجسام كلها حادثة لعدم انفكاكها من جزئيات متناهية حادثة فإنها التخلو عن الحركة والسكون وكل منهما حادث وهو ظاهر.

أقول: هذه المسألة من أجل المسائل وأشرفها في هذا الكتاب وهي المعركةالعظيمة بين األوائل والمتكلمين، وقد اضطربت أنظار العقالء فيها وعليها مبنى

(٢٥٩)

Page 279: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

القواعد االسالمية (١) وقد اختلف الناس فيها، فذهب المسلمون والنصارى واليهودوالمجوس إلى أن األجسام محدثة، وذهب جمهور الحكماء إلى أنها قديمة،

وتفصيل قولهم في ذلك ذكرناه في كتاب المناهج.إذا عرفت هذا فنقول: الدليل على أن األجسام حادثة أنها ال تخلو عن أمور

متناهية حادثة، وكل ما لم يخل عن أمور متناهية حادثة فهو حادث، فاألجسامحادثة أما الصغرى فألن األجسام ال تخلو عن الحركة والسكون وهي أمور حادثةمتناهية، أما بيان عدم انفكاك الجسم عنهما فضروري ألن الجسم ال يعقل موجودافي الخارج منفكا عن المكان فإن كان البثا فيه فهو الساكن، وإن كان منتقال عنه

فهو المتحرك. وأما بيان حدوثهما فظاهر ألن الحركة هي حصول الجسم في الحيزبعد أن كان في حيز آخر، والسكون هو الحصول في الحيز بعد إن كان في ذلك

الحيز، فماهية كل واحد منهما تستدعي المسبوقية بالغير واألزلي غير مسبوقبالغير فماهية كل واحد منهما ليست قديمة.

وأيضا فإن كل واحد منهما يجوز عليه العدم، والقديم ال يجوز عليه العدم أماالصغرى فألن كل متحرك على اإلطالق فإن كل جزء من حركته يعدم ويوجد

عقيبه جزء آخر منها، وكل ساكن فإنه إما بسيط أو مركب، وكل بسيط ساكن يمكنعليه الحركة لتساوي الجانب المالقي منه لغيره من األجسام والجانب الذي ال

يالقيه في قبول المالقاة فأمكن على غير المالقي المالقاة كما أمكنت على--------------------

(١) أي وهو مبنى قواعد جميع األديان اإللهية ألن الدين عند الله االسالم، وال شك في حدوثهاآنا فآنا ألنه سبحانه وتعالى دائم الفضل على ما سواه بشؤون جميع أسمائه الحسنى وصفاتهالعليا كما أخبر عن نفسه بأنه كل يوم هو في شأن، فال تعطيل في اسم من أسمائه أزال وأبداألنه الحق األحدي الصمدي الغني المغني، فال حالة انتظار له في فعل من أفعاله وإيفاء حكماسم من أسمائه المنتشأة من ذاته بل األسماء عين المسمى كما أنها غيره وكل يوم هو فيشأن، وإذا كان هو في شأن فأسماؤه غير المتناهية أزال وأبدا في شؤونهم. الحمد لله الذي

هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لوال أن هدانا الله.

(٢٦٠)

Page 280: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

المالقي لكن ذلك أنما يكون بواسطة الحركة فكانت الحركة جائزة عليه، وأماالمركب فإنه مركب من البسائط، ونسوق الدليل الذي ذكرناه في البسيط إلى كل

جزء من أجزاء المركب، وأما الكبرى فألن القديم إن كان واجب الوجود لذاتهاستحال عدمه، وإن كان جائز الوجود استند إلى علة موجبة الستحالة صدور

القديم عن المختار ألن المختار أنما يفعل بواسطة القصد والداعي والقصد أنمايتوجه إلى إيجاد المعدوم فكل أثر لمختار حادث، فلو كان القديم أثرا لمؤثر لكانذلك المؤثر موجبا، فإن كان واجبا لذاته استحال عدمه فاستحال عدم معلوله، وإنكان ممكنا نقلنا الكالم إليه فإما أن يتسلسل وهو محال أو ينتهي إلى مؤثر موجبيستحيل عدمه فيستحيل عدم معلوله، فقد ظهر أن القديم يستحيل عليه العدم، وقد

بينا جواز العدم على الحركة والسكون فيستحيل قدمهما.قال: وأما تناهي جزئياتها (١) فألن وجود ما ال يتناهى محال للتطبيق،

ولوصف كل حادث باإلضافتين المتقابلتين ويجب زيادة المتصف بإحداهما منحيث هو كذلك على المتصف باألخرى فينقطع الناقص والزائد أيضا.

--------------------(١) كما في (ت، ق، ز) والضمير راجع إلى األجسام وذلك ألن المصنف بين حدوث األجسام

من جهة عدم انفكاكها من جزئيات متصفة بوصفين: أحدهما كونها متناهية، وثانيهما كونهاحادثة. فما لم يتبين تناهي الجزئيات وحدوثها لم يتبين حدوث األجسام فأخذ المصنف فيبيانهما فبدأ بحدوث الجزئيات مع أن ترتيب العبارة يوجب تقديم بيان تناهيها ألن الحدوث

مأخوذ في بيان التناهي، فقال: فإنها - يعني الجزئيات - ال تخلو من الحركة والسكون وكلمنهما حادث. ثم تصدى لبيان تناهي الجزئيات فقال: وأما تناهي جزئياتها.. الخ. فكانينبغي في الشرح أن يقال: لما بين حدوث الجزئيات شرع اآلن في بيان تناهيها، إال أن

الشارح قرأ جزئياتها على التثنية فأرجع الضمير إلى الحركة والسكون والنساخ كتبوا المتنعلى منواله على صورة التثنية وهو كما ترى.

ثم المراد من قوله: فيجب زيادة المتصف بإحداهما، هو الذي اتصف باإلضافتين أي السبوقواللحوق أو العلية والمعلولية كليهما، والناقص هو الذي اتصف بالسبق مثال وحده، والزائد

ما اتصف بالسبق واللحوق معا.

(٢٦١)

Page 281: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: لما بين حدوث الحركة والسكون شرع اآلن في بيان تناهيهما ألن بيانحدوثهما غير كاف في الداللة، وهذا المقام هو المعركة بين الحكماء والمتكلمين،

فإن المتكلمين يمنعون من اتصاف الجسم بحركات ال تتناهى، واألوائل جوزواذلك.

والمتكلمون استدلوا على قولهم بوجوه: أحدها: أن كل فرد حادث فالمجموعكذلك، وهو ضعيف إذ ال يلزم من حدوث كل فرد حدوث المجموع.

الثاني: إنها قابلة للزيادة والنقصان فتكون متناهية، وهو ضعيف بمعلومات اللهتعالى ومقدوراته، فإن األولى أزيد من الثانية (١) وال يلزم تناهيهما.

الثالث: التطبيق وهو (٢) أن تؤخذ جملة الحركات من اآلن إلى األزل جملة،ومن زمان الطوفان إلى األزل جملة أخرى ثم تطبق إحدى الجملتين باألخرى

فإن استمرا إلى ما ال يتناهى كان الزائد مثل الناقص هذا خلف، وإن انقطع الناقصتناهى وتناهى الزائد ألنه إنما زاد بمقدار متناه والزائد على المتناهي بمقدار متناه

--------------------(١) الحق أن معلوماته تعالى ومقدوراته غير متناهيتين بالفعل ألنه صمد غير متناه فكذلك

معلوماته ومقدوراته فال تجري النسبة فيهما فال تتطرق الزيادة والنقصان فيهما، فتبصر.(٢) أقول: األمر المهم في التناهي هو أن جميع أعيان الموجودات المتحققة في الخارج مستندة

في وجوداتها إلى الغني الواجب بالذات بالفعل وهذا معنى انتهاؤها واستنادها الوجودي إلىالواجب كان على وزان قوله سبحانه لكليمه: أنا بدك الالزم يا موسى. والحركات الماضية

ليست علال فاعلية لوجودها واألمر أرفع من المباحث العادية. قالت المتكلمة: إن دوامالشئ مع الشئ يقتضي مساواتهما وعدم أولوية أحدهما بالعلية وهو ممنوع فإن الشعاع

المحسوس من النير ال النير منه وهو معه يدوم بدوامه، وكذا حركة الخاتم مع حركة اإلصبعفألن يدوم أثر أقوى المؤثرات وما له كل التأثير في الحقيقة كان أولى، والخلو عن التأثير

تعطيل. ثم كون الحركات دائمة أزلية ال يلزم منه أن يكون كل حادث متوقفا على حصولما ال يتناهى فيقال: إن كل ما كان كذلك فال يحصل، وذلك أعني عدم اللزوم ألن المتوقف

على غير المتناهي وجودا يلزم منه عدم حصوله، ال على غير المتناهي إعدادا له. واألهممن ذلك األمر هو النيل بمعنى توحيده سبحانه. ورأينا التعرض بواحدة واحدة من شبههم

والرد عليها موجبا لإلسهاب فاألعراض عنها أنسب بالتعليقة على الكتاب.

(٢٦٢)

Page 282: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

يكون متناهيا.الرابع: أن كل حادث يوصف بإضافتين متقابلتين هما السابقية والمسبوقية،

ألن كل واحد من الحوادث غير المتناهية يكون سابقا على ما بعده والحقا لماقبله، والسبق واللحوق إضافتان متقابلتان وإنما صح اتصافه بهما ألنهما أخذا

بالنسبة إلى شيئين.إذا عرفت هذا فنقول: إذا اعتبرنا الحوادث الماضية المبتدئة من اآلن تارة من

حيث إن كل واحد منها سابق، وتارة من حيث هو بعينه الحق، كانت السوابقواللواحق المتبائنتان باالعتبار متطابقتين في الوجود وال يحتاج في تطابقهما إلى

توهم تطبيق، ومع ذلك يجب كون السوابق أكثر من اللواحق في الجانب الذي وقعفيه النزاع، وإلى هذا أشار بقوله: ويجب زيادة المتصف بإحداهما، أعني بإحدى

اإلضافتين وهو إضافة السبق على المتصف باألخرى أعني إضافة اللحوق، فإذناللواحق منقطعة في الماضي قبل انقطاع السوابق فتكون متناهية، والسوابق أيضا

تكون متناهية ألنها زادت بمقدار متناه، وهذا الوجه األخير استنبطه المصنف رحمه اللهولم نعثر عليه في كالم القدماء.

قال: والضرورة قضت بحدوث ما ال ينفك عن حوادث متناهية.أقول: لما بين أن األجسام ال تنفك عن الحركة والسكون وبين حدوثهما

وتناهيهما وجب القول بحدوث األجسام ألن الضرورة قضت بحدوث ما ال ينفكعن حوادث متناهية.

قال: فاألجسام حادثة ولما استحال قيام األعراض إال بها ثبت حدوثها.أقول: هذا نتيجة ما ذكر من الدليل وهو القول بحدوث األجسام، وأما

األعراض فإنه يستحيل قيامها بأنفسها وتفتقر في الوجود إلى محل تحل فيهوهي إما جسمانية أو غير جسمانية والكل حادث، أما الجسمانية فالمتناع قيامهابغير األجسام وإذا كان الشرط حادثا كان المشروط كذلك بالضرورة، وأما غير

(٢٦٣)

Page 283: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الجسمانية فبالدليل الدال على حدوث كل ما سوى الله تعالى. والمصنف رحمه اللهإنما

قصد األعراض الجسمانية لقوله: لما استحال قيام األعراض إال بها ثبت حدوثها.قال: والحدوث اختص بوقته إذ ال وقت قبله، والمختار يرجح أحد مقدوريه

ال ألمر عند بعضهم (١).أقول: لما بين حدوث العالم شرع في الجواب عن شبه الفالسفة، وأقوى

شبههم ثالثة أجاب المصنف رحمه الله عنها في هذا الكتاب.الشبهة األولى وهي أعظمها قالوا: المؤثر التام في العالم إما أن يكون أزليا أو

حادثا، فإن كان أزليا لزم قدم العالم ألن عند وجود المؤثر التام يجب وجود األثر،ألنه لو تأخر عنه ثم وجد لم يخل إما أن يكون لتجدد أمر أو ال، واألول يستلزم

كون ما فرضناه مؤثرا تاما ليس بتام هذا خلف، والثاني يستلزم ترجيح أحدطرفي الممكن ال لمرجح ألن اختصاص وجود األثر بالوقت الذي وجد فيه دون

ما قبله وما بعده مع حصول المؤثر التام يكون ترجيحا من غير مرجح.وإن كان المؤثر في العالم حادثا نقلنا الكالم إلى علة حدوثه ويلزم التسلسل

أو االنتهاء إلى المؤثر القديم وهو محال لتخلف األثر عنه، وهذا المحال أنما نشأمن فرض حدوث العالم.

وقد أجاب المتكلمون عن هذه الشبهة بوجوه: أحدها: أن المؤثر التام قديملكن الحدوث اختص بوقت اإلحداث النتفاء وقت قبله، فاألوقات التي يطلبفيها الترجيح معدومة وال يتمايز إال في الوهم، وأحكام الوهم في مثل ذلك غير

مقبولة بل الزمان يبتدأ وجوده مع أول وجود العالم ولم يمكن وقوع ابتداء سائر--------------------

(١) كما في (ت، ق، ش، ز، د) وذلك األمر هو الداعي والمرجح. وفي بعض النسخ: أحدمقدوريه بال داع ومرجح عند بعضهم والمظنون أن تفسير األمر جعل موضعه في المتن. وفي

(ص): أحد مقدوريه ال لمرجح عند بعضهم، وفي هامشه ال ألمر - خ ل. وقوله: ألن عندوجود المؤثر التام يجب وجود األثر، باتفاق النسخ كلها.

(٢٦٤)

Page 284: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الموجودات قبل ابتداء وجود الزمان أصال.الثاني: أن المؤثر التام أنما يجب وجود أثره معه لو كان موجبا، أما إذا كان

مختارا فال ألن المختار يرجح أحد مقدوريه على اآلخر ال لمرجح، فالعالم قبلوجوده كان ممكن الوجود وكذا بعد وجوده لكن المؤثر المختار أراد إيجاده وقت

وجوده دون ما قبله وما بعده ال ألمر.الثالث: أنه لم ال يجوز اختصاص بعض األوقات بمصلحة تقتضي وجود

العالم فيه بها دون ما قبل ذلك الوقت وبعده، فالمؤثر التام وإن كان حاصال فياألزل لكن ال يجب وجود العالم فيه تحصيال لتلك المصلحة.

الرابع: أن الله تعالى علم وجود العالم وقت وجوده وخالف علمه محال، فلميمكن وجوده قبل وقت وجوده.

الخامس: أن الله تعالى أراد إيجاد العالم وقت وجوده واإلرادة مخصصةلذاتها.

السادس: أن العالم محدث لما تقدم فيستحيل وجوده في األزل ألن المحدثهو ما سبقه العدم واألزل ما لم يسبقه العدم والجمع بينهما محال، ثم عارضوهم

بالحادث اليومي فإنه معلول إما لقديم فيلزمه قدمه أو لحادث فيتسلسل.قال: والمادة منفية.

أقول: هذا جواب عن الشبهة الثانية، وتقريرها أنهم قالوا: كل حادث فهومسبوق بإمكان وجوده وذلك اإلمكان ليس أمرا عدميا وإال فال فرق بين نفي

اإلمكان واالمكان المنفي، وال قدرة القادر ألنا نعللها به فهو مغاير، وليسجوهرا ألنه نسبة وإضافة فهو عرض فمحله يكون سابقا عليه وهو المادة، فتلك

المادة إن كانت قديمة ويستحيل انفكاكها عن الصورة لزم قدم الصورة فيلزم قدمالجسم وإن كانت حادثة تسلسل.

والجواب قد بينا أن المادة منفية وقد سلف تحقيقه.

(٢٦٥)

Page 285: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قال: والقبلية ال تستدعي الزمان وقد سبق تحقيقه.أقول: هذا جواب عن الشبهة الثالثة، وتقريرها أنهم قالوا: كل حادث فإن

عدمه سابق على وجوده، وأقسام السبق منفية هنا إال الزماني، فكل حادثيستدعي سابقة الزمان عليه فالزمان إن كان حادثا لزم أن يكون زمانيا وهو

محال، وإن كان قديما وهو مقدار الحركة لزم قدمها لكن الحركة صفة للجسم فيلزمقدمه.

والجواب ما تقدم من أن السبق ال يستدعي الزمان وإال لزم التسلسل.قال:

(٢٦٦)

Page 286: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الفصل الرابعفي الجواهر المجردة

أما العقل فلم يثبت دليل على امتناعه (١).أقول: لما فرغ من البحث عن الجواهر المقارنة شرع في البحث عن الجواهرالمجردة ولبعدها عن الحس أخرها عن البحث عن المقارنات وفي هذا الفصل

مسائل:المسألة األولى

في العقول المجردة(واعلم) أن جماعة من المتكلمين نفوا هذه الجواهر واحتجوا بأنه لو كان

هاهنا موجود ليس بجسم وال جسماني لكان مشاركا لواجب الوجود في هذاالوصف فيكون مشاركا له في ذاته. وهذا الكالم سخيف ألن االشتراك في الصفات

السلبية ال يقتضي االشتراك في الذوات فإن كل بسيطين يشتركان في سلبما عداهما عنهما مع انتفاء الشركة بينهما في الذات، بل االشتراك في الصفات

الثبوتية ال يقتضي اشتراك الذوات ألن األشياء المختلفة قد يلزمها الزم واحد فإذاثبت ذلك لم يلزم من كون هذه الجواهر المجردة مشاركة للواجب تعالى في

--------------------(١) بل األدلة الرصينة العقلية والنقلية قائمة على تحققه وجودا.

(٢٦٧)

Page 287: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وصف التجرد وهو سلبي مشاركتها له في الحقيقة فلهذا لم يجزم المصنف رحمه اللهبنفي

هذه الجواهر المجردة.قال: وأدلة وجوده مدخولة كقولهم: الواحد ال يصدر عنه أمران، وال سبق

لمشروط بالالحق في تأثيره أو وجوده، وال لما انتفت صالحية التأثير عنه ألنالمؤثر هنا مختار.

أقول: لما بين انتفاء الجزم بعدم الجوهر المجرد الذي هو العقل شرع في بيانانتفاء الجزم بثبوته وذلك ببيان ضعف أدلة المثبتين.

واعلم أن أكثر الفالسفة ذهبوا إلى أن المعلول األول هو العقل األول (١) وهوموجود مجرد عن األجسام والمواد في ذاته وتأثيره معا، ثم إن ذلك العقل يصدر

عنه عقل وفلك لتكثيره باعتبار كثرة جهاته الحاصلة من ذاته ومن فاعله، ثميصدر عن العقل الثاني عقل ثالث وفلك ثان وهكذا إلى أن ينتهي إلى العقل األخير

وهو المسمى بالعقل الفعال، وإلى الفلك األخير التاسع وهو فلك القمر.واستدلوا على إثبات الجواهر المجردة التي هي العقول بوجوه:

األول: قالوا: إن الله تعالى واحد فال يكون علة للمتكثر فيكون الصادر عنهواحدا فال يخلو إما أن يكون جسما أو مادة أو صورة أو نفسا أو عرضا أو عقال،

واألقسام كلها باطلة سوى األخير.أما األول فألن كل جسم مركب من المادة والصورة، وقد بينا أن المعلول

األول يكون واحدا وإلى هذا القسم أشار بقوله: الواحد ال يصدر عنه أمران.وأما الثاني: فألن المادة هي الجوهر القابل فال تصلح للفاعلية، ألن نسبة

--------------------(١) المعلول هو المخلوق وقد اعتبر في الخلق التقدير فينبغي أن يفرق ويميز في هذا المقامبين أول ما صدر وبين أول ما خلق. أما الصادر األول فهو نور مرشوش ورق منشور عليها

جميع الكلمات النورية الخلقية من العقل األول إلى آخر الخلق. والبحث عن ذلك بالتفصيلواالستيفاء موكول إلى محله. ولعل ما في رسالتنا الفارسية الموسومة بالوحدة في نظر

الحكيم والعارف يجديك في المقام.

(٢٦٨)

Page 288: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

القبول نسبة اإلمكان ونسبة الفاعل نسبة الوجوب، ويستحيل أن تكون نسبةالشئ الواحد إلى الواحد نسبة إمكان ووجوب، فإذا لم تصلح المادة للفاعلية لم

تكن هي المعلول األول السابق على غيره ألن المعلول األول يجب أن يكون علةفاعلية لما بعده، وإلى هذا القسم أشار بقوله: وال لما انتفت صالحية التأثير عنه، أي

ال سبق للمادة التي ال تصلح أن تكون فاعال وإذا لم تكن سابقة لم تكن هيالمعلول األول لما بينا أن المعلول األول سابق على غيره من المعلوالت.وأما الثالث فألن الصورة مفتقرة في فاعليتها وتأثيرها إلى المادة ألنها إنما

تؤثر إذا كانت موجودة مشخصة، وإنما تكون كذلك إذا كانت مقارنة للمادة فلوكانت الصورة هي المعلول األول السابق على غيره لكانت مستغنية في عليتها عنالمادة وهو محال، فالحاصل أن الصورة محتاجة في وجودها الشخصي إلى المادة

فال تكون سابقة عليها وعلى غيرها من الممكنات الستحالة اشتراط السابقبالالحق، وإلى هذا القسم أشار بقوله: وال سبق لمشروط، أي الصورة بالالحق أي

بالمادة في وجوده.وأما الرابع فألن النفس أنما تفعل بواسطة البدن، فلو كانت هي المعلول األول

لكانت علة لما بعدها من األجسام فتكون مستغنية في فعلها عن البدن فال تكوننفسا بل عقال وهو محال، فهي إذا مشروطة بأسرها (١) باألجسام، فلو كانت سابقة

عليها لكان السابق مشروطا بالالحق في تأثيره المستند إليه وهو محال، وإلى هذاأشار بقوله: وال سبق لمشروط أي النفس بالالحق أي الجسم في تأثيره.

وأما الخامس فألن العرض محتاج في وجوده إلى الجوهر، فلو كان المعلولاألول عرضا لكان علة للجواهر كلها فيكون السابق مشروطا في وجوده بالالحقوهو باطل بالضرورة، وإليه أشار بقوله: وال سبق لمشروط بالالحق في وجوده،

فالحاصل أن الصورة والعرض مشروطان بالمادة والجوهر فال يكونان سابقين--------------------

(١) كما في (م، د) وفي (ص، ق، ز، ش): مشروط تأثيرها.

(٢٦٩)

Page 289: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

عليهما، والنفس أنما تؤثر بواسطة الجسم فال تكون متقدمة عليه تقدم العلة علىالمعلول وإال استغنت في تأثيرها عنه.

إذا عرفت هذا الدليل فنقول: بعد تسليم أصوله أنه إنما يلزم لو كان المؤثرموجبا، أما إذا كان مختارا فال فإن المختار تتعدد آثاره وأفعاله، وسيأتي الدليل

على أنه مختار.قال: وقولهم استدارة الحركة توجب اإلرادة المستلزمة للتشبه بالكامل، إذ

طلب الحاصل فعال أو قوة يوجب االنقطاع، وغير الممكن محال لتوقفه على دوامما أوجبنا انقطاعه، وعلى حصر أقسام الطلب، مع المنازعة في امتناع طلب

المحال.أقول: هذا هو الوجه الثاني من الوجوه التي استدلوا بها على إثبات العقول

المجردة مع الجواب عنه.وتقرير الدليل أن نقول: حركات السماوات إرادية (١) ألنها مستديرة، وكلحركة مستديرة إرادية ألن الحركة إما طبيعية أو قسرية، والمستديرة ال تكون

طبيعية ألن المطلوب بالطبع ال يكون متروكا بالطبع، وكل جزء من المسافة فيالحركة المستديرة فإن تركه بعينه هو التوجه إليه، وإذا انتفت الطبيعة انتفت القسريةألن القسر على خالف الطبع وحيث ال طبع فال قسر فثبت أنها إرادية وكل حركة

إرادية فإنها تستدعي مطلوبا، وألن العبث ال يدوم وذلك المطلوب يجب أنيستكمل الطالب به وإال لم يتوجه بالطلب نحوه، فإما أن يكون كما ال في نفسه أوال، والثاني محال وإال لجاز انقطاع الحركة ألنه ال بد وأن يظهر لذلك الطالب أن

--------------------(١) قال عز من قائل: (إذ قال يوسف ألبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر

رأيتهم لي ساجدين (يوسف ٦) والساجدون صيغة جمع لذوي العقول. وفي الدعاء الثالثواألربعين من الصحيفة الكاملة السجادية وهو دعاؤه عليه السالم إذا نظر إلى الهالل: أيها الخلق

المطيع الدائب السريع المتردد في منازل التقدير المتصرف في فلك التدبير.. الخ.

(٢٧٠)

Page 290: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

ذلك المطلوب ليس بكمال في ذاته فيترك الطلب، وإذا كان المطلوب كماال حقيقيافإما أن يحصل بالكلية وهو محال وإال لوقفت الحركة فيجب أن يحصل على

التعاقب، ولما كانت كماالت الفلك حاضرة بأسرها سوى الوضع ألنه كامل فيجوهره وباقي مقوالته غير الوضع فإن أوضاعه الممكنة ليست حاضرة بأسرها، إذ

ال وضع يحصل له إال وهناك أوضاع ال نهاية لها معدومة عنه، وال يمكن حصولهادفعة فهي أنما تحصل على التعاقب. ثم إن الفلك لما تصور كمال العقل وأنه لم يبق

فيه شئ بالقوة إال وقد خرج إلى الفعل اشتاق إلى التشبه به في ذلك ليستخرجما فيه بالقوة إلى الفعل، ولما تعذر ذلك دفعة استخرج كماله في أوضاعه على

التعاقب فقد ظهر من هذا وجود عقل يتشبه به الفلك في حركته فإن كان واحدا لزمتشابه الحركات الفلكية في الجهات والسرعة والبطء وليس كذلك فيجب وجود

عقول متكثرة بحسب تكثر الحركات في الجهة (١) والسرعة والبطء.ال يقال: لم ال يتحرك ألجل نفع السافل أو لم ال يختلف في السرعة والبطء

والجهة لذلك؟ ألنا نقول: الفلكيات أشرف من هذا العالم ويستحيل أن يفعلالعالي شيئا ألجل السافل وإال لكان مستكمال به فالكامل مستكمل بالناقص هذا

خلف، فال يمكن أن تكون الحركة في أصلها وال في هيئتها ألجل نفع السافل فهذاتقرير الدليل.

والجواب أن هذا مبني على دوام الحركة، ونحن قد بينا حدوث العالم فيجبانقطاعها فبطل هذا الدليل من أصله. وأيضا فهذا الدليل يتوقف على حصر أقسامالطلب واألقسام التي ذكروها ليست حاصرة، سلمنا لكن لم ال يجوز أن يكونالطلب لما يستحيل حصوله أو لما هو حاصل وال شعور للطالب بذلك ونمنع

وجوب الشعور بذلك؟ ثم نقول: ال نسلم أن الحركة الفلكية دورية فلم ال يتحركعلى االستقامة؟ سلمنا أنها دورية فلم ال تكون قسرية قوله: انتفاء الطبع يقتضي

--------------------(١) وفي (م): الحركات والجهة، وفي غيرها: في الجهة. وهذا هو الصواب المختار.

(٢٧١)

Page 291: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

انتفاء القسر؟ قلنا: ممنوع فإن حركة المحوي بالحاوي حركة قسرية وإن كانتبالعرض وهي دورية، سلمنا لكن الحركة ليست مقصودة بالذات بل إنما تراد

لغيرها فلم حصرتم ذلك الغير في استخراج األوضاع ولم؟ ال يجوز أن تكون للفلككماالت غير األوضاع معدومة كالتعقالت المتجددة؟ وأيضا فإنه على قدر خاص

فباقي أنواع الكم عنه معدومة، وكذا كثير من أنواع الكيف فلم أوجبتم الحركة فيالوضع للتشبه باستخراج أنواع األوضاع ولم توجبوا استخراج باقي األعراض من

الكم والكيف؟ بل األيون (١) عنه معدومة مع استحالة حصولها له عندكم فلم ال يجوزمثله في األوضاع؟ سلمنا ذلك لكن لم أوجبتم وجود عقل يتشبه به الفلك؟ ولم اليقال: إن خروج األوضاع كمال مقصود له (٢) فيتحرك لطلبه من غير حاجة إلىمتشبه به؟ سلمنا لكن لم أحلتم نفع السافل وحديث االستفادة مع أنه خطابي غير

الزم؟ وبالجملة فهذا الوجه ضعيف جدا.إذا عرفت هذا فنرجع إلى تتبع ألفاظ الكتاب، فقوله: وقولهم يقرأ بالجر عطفا

على قوله: كقولهم. وقوله: استدارة الحركة توجب اإلرادة، إشارة إلى ما نقلناهعنهم من أن الحركة المستديرة ال تكون إال إرادية. وقوله: المستلزمة للتشبه

بالكامل، إشارة إلى أن الغاية من الحركة ليس كما ال يحصل دفعة وال يمتنع منالحصول بل هو التشبه الحاصل على التعاقب. وقوله: إذ طلب الحاصل فعال أو قوة

يوجب االنقطاع، إشارة إلى أن ذلك الكمال ليس حاصال بالفعل وإال لوقفت--------------------

(١) كما في غير (م) وأما في (م) - وهي أقدم النسخ - فالعبارة: بل األلوان. والمراد من األيونأمكنة األفالك التي هي غير أمكنتها الفعلية. وقال الشيخ في التعليقات: هذه األوضاع

واأليون كلها طبيعية للفلك. وقال في إلهيات الشفاء (ج ٢ ط ١ ص ٦١٥): فهذه الحركة التشبه سائر الحركات إلى قوله: ألنها نفس استبقاء األوضاع واأليون على التعاقب.. الخ،

ونحوه في طبيعيات الشفاء (ج ١ ط ١ ص ٤٦) فكلماته فيهما يؤيد األيون في الكشف، بلالمحقق هو األيون ال األلوان.

(٢) وفي غير واحدة من النسخ المعتبرة: كمال مفقود له.

(٢٧٢)

Page 292: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الحركة وال بالقوة التي يمكن حصولها دفعة لذلك أيضا. وقوله وغير الممكنمحال، إشارة إلى أن الكمال إذا كان ممتنع الحصول استحال طلبه. وقوله: لتوقفهعلى دوام ما أوجبنا انقطاعه، إشارة إلى بيان ضعف هذا الدليل فإنه مبني على دوام

الحركة، وقد بينا وجوب انقطاعه. وقوله: وعلى حصر أقسام الطلب، إشارة إلىاعتراض ثان وهو أن نمنع حصر أقسام الطلب في أنه إما أن يكون كما ال حاصالأو ممتنع الحصول أو يحصل على التعاقب. وقوله: مع المنازعة في امتناع طلب

المحال، إشارة إلى اعتراض آخر وهو أنا نمنع استحالة طلب المحال لجوازالجهل على الطالب.

قال: وقولهم ال علية بين المتضائفين (١) وإال ألمكن الممتنع أو علل األقوىباألضعف لمنع االمتناع الذاتي.

أقول: هذا هو الوجه الثالث من الوجوه التي استدلوا بها على إثبات العقول،وتقريره أن نقول: األفالك ممكنة فلها علة فهي إن كانت غير جسم وال جسماني

ثبت المطلوب، وإن كانت العلة جسمانية لزم الدور، وإن كانت جسما فإما أنيكون الحاوي علة للمحوي أو بالعكس، والثاني محال ألن المحوي أضعف من

الحاوي فلو كان المحوي علة لزم تعليل األقوى الذي هو الحاوي باألضعف الذيهو المحوي وهو محال، واألول وهو أن يكون الحاوي علة في المحوي (٢) محال

أيضا، وبيانه يتوقف على مقدمات: إحداها: أن الجسم ال يكون علة إال بعدصيرورته شخصا معينا، وهو ظاهر ألنه إنما يؤثر إذا صار موجودا بالفعل وال

وجود لغير الشخصي. الثانية: أن المعلول حال فرض وجود العلة يكون ممكناوإنما يلحقه الوجوب بعد وجود العلة ووجوبها. الثالثة: أن األشياء المتصاحبة ال

تتخالف في الوجوب واإلمكان، إذا عرفت هذا فنقول: لو كان الحاوي علة--------------------

(١) وفي (م): قال ال علية بين المتضائفين. وظاهر الشرح يوافقها.(٢) باتفاق النسخ كلها، وأسلوب الكالم يقتضي أن يقال: علة للمحوي.

(٢٧٣)

Page 293: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

للمحوي لكان متقدما بشخصه المعين علي وجود المحوي فيكون المحوي حينئذممكنا فيكون انتفاء الخالء ممكنا ألنه مصاحب لوجود المحوي لكن الخالءممتنع لذاته، والجواب بعد تسليم امتناع الخالء ال نسلم كون االمتناع ذاتيا.

إذا عرفت هذا فنرجع إلى تتبع ألفاظ الكتاب، فنقول: قوله: ال علية بينالمتضائفين، الذي يفهم من هذا الكالم أنه ال علية بين الحاوي والمحوي

وسماهما المتضائفين ألنه أخذهما من حيث هما حاو ومحوي، وهذان الوصفانمن باب المضاف. وقوله: وإال ألمكن الممتنع، إشارة إلى ما بيناه من إمكان الخالء

الممتنع لذاته على تقدير كون الحاوي علة. وقوله: أو علل األقوى باألضعف،إشارة إلى ما بيناه من كون الضعيف علة في القوي على تقدير كون المحوي علة

للحاوي. وقوله: لمنع االمتناع الذاتي، إشارة إلى ما بيناه في الجواب من المنع منكون الخالء ممتنعا لذاته، فهذا ما فهمناه من هذا الموضع.

المسألة الثانيةفي النفس الناطقة

قال: وأما النفس فهي كمال (١) أول لجسم طبيعي آلي ذي حياة بالقوة.أقول: هذا هو البحث عن أحد أنواع الجوهر وهو البحث عن النفس الناطقة،

وقبل البحث عن أحكامها شرع في تعريفها وقد عرفها الحكماء بأنها كمال أوللجسم طبيعي آلي ذي حياة بالقوة، ألن الجسم إذا أخذ بمعنى المادة كانت النفس

المنضمة إليه الذي يحصل من اجتماعهما (٢) نبات أو حيوان أو انسان صورة، وإذاأخذ بمعنى الجنس كانت كماال ألن طبيعة الجنس ناقصة قبل الفصل، وقد عرفوا

--------------------(١) أقول يناسب المقام الرجوع إلى رسالتنا الموسومة بعيون مسائل النفس مما برز من قلمالراقم. وهي تنشعب إلى ستة وستين عينا في كل عين تنهمر حقائق نورية في معرفة النفس،

ونرجوا أن تكون تامة الفائدة ألهل التحقيق وأن تقع موقع قبول أرباب البحث والتنقيب،والله سبحانه ولي التوفيق.

(٢) هكذا بإفراد الموصول بإطباق النسخ وكأن الصواب الذين على التثنية أي الجسم والنفسالذين يحصل من اجتماعها.. الخ (الشفاء ج ١ ط ١ ص ٢٧٨).

(٢٧٤)

Page 294: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

النفس بالكمال دون الصورة ألن النفس االنسانية غير حالة في البدن فليستصورة له وهي كمال له، واعلم أن الكمال منه أول وهو الذي يتنوع به الشئ

كالفصول، ومنه ثان وهو ما يعرض للنوع بعد كماله من صفاته الالزمة والعارضة،فالنفس من القسم األول وهي كمال لجسم طبيعي غير صناعي كالسرير وغيره،

وليست كماال لكل طبيعي حتى البسائط بل هي كمال لجسم طبيعي آلي تصدر عنهأفعاله بواسطة اآلالت ومعناه كونه ذا آالت يصدر عنه بتوسطها وغير توسطها (١)

ما يصدر من أفاعيل الحياة التي هي التغذي والنمو والتوليد واالدراك والحركةاإلرادية والنطق.

المسألة الثالثةفي أن النفس الناطقة ليست هي المزاج

قال: وهي مغايرة لما هي شرط فيه الستحالة الدور.أقول: ذهب المحققون إلى أن النفس الناطقة مغايرة للمزاج، وعليه ثالثة

أوجه (٢): األول: ما ذكر األوائل أن النفس الناطقة شرط في حصول المزاج، ألنالمزاج أنما يحصل من اجتماع العناصر المتضادة فعلة ذلك االجتماع يجب أن

تكون متقدمة عليه وكذا شرط االجتماع وهو النفس الناطقة فال تكون هي المزاجالمتأخر عن االجتماع الستحالة الدور. وفي هذا الوجه نظر (١) ألنهم عللوا

حدوث النفس باالستعداد الحاصل من المزاج فكيف جعلوا اآلن حدوثاالجتماع من النفس. وللشيخ هنا كالم طويل ليس هذا موضع ذكره.

--------------------(١) وذلك كعلم النفس بنفسها وبآالتها من القوى ومحالها، وإدراكها الحقائق المرسلة والكليات

المطلقة.(٢) باتفاق النسخ كلها، أي يستدل عليه، أو يدل عليه، أو نحوهما.

(٣) والماتن في شرحه على الفصل الخامس من نفس اإلشارات أورد هذا النظر ثم أجابه علىأسلوب الحكمة المشائية. والشارح العالمة ناظر إلى كالمه هناك فراجع العين الخامسة

عشر من عيون مسائل النفس.

(٢٧٥)

Page 295: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قال: وللممانعة في االقتضاء.أقول: هذا هو الوجه الثاني، وتقريره أن المزاج يمانع النفس في مقتضاها كما

في الرعشة، فإن مقتضي النفس الحركة إلى جانب ومقتضي المزاج الحركة إلىجانب آخر وتضاد اآلثار يستدعي تضاد المؤثر فهاهنا الممانعة بين النفس

والمزاج في جهة الحركة. وكذلك قد يقع بينهما الممانعة في نفس الحركة إما بأنتكون الحركة نفسانية ال يقتضيها المزاج كما في حال حركة االنسان على وجه

األرض فإن مزاجه يقتضي السكون عليها ونفسه تقتضي الحركة، أو بأن تكونطبيعية ال تقتضيها النفس كما في حال الهوي.

قال: ولبطالن أحدهما مع ثبوت اآلخر.أقول: هذا هو الوجه الثالث الدال على أن النفس مغايرة للمزاج، وتقريره أن

االدراك أنما يكون بواسطة االنفعال فإن الالمس إذا أدرك شيئا ال بد وأن ينفعلعن الملموس (١) فلو كان الالمس هو المزاج لبطل عند انفعاله وحدثت كيفية مزاجيةأخرى، وليس المدرك هو الكيفية األولى لبطالنها ووجوب بقاء المدرك عند االدراك،

وال الثانية ألن المدرك ال بد وأن ينفعل عن المدرك والشئ ال ينفعل عن نفسه.المسألة الرابعة

في أن النفس ليست هي البدنقال: ولما تقع الغفلة عنه.

أقول: ذهب من ال تحصيل له إلى أن النفس الناطقة هي البدن، وقد أبطلهالمصنف بوجوه ثالثة:

األول: أن االنسان قد يغفل (٢) عن بدنه وأعضائه وأجزائه الظاهرة والباطنة--------------------

(١) هكذا جاءت العبارة في جميع النسخ وكان الصواب: فال بد وأن ينفعل ألن في إذا معنىالشرط.

(٢) إن شئت فراجع في ذلك الدرس الرابع والخمسين من كتابنا الموسوم بدروس معرفةالنفس (ص ١٧٢ ط ١) بل يجديك ذلك الكتاب في مسائل النفس الموردة في هذه

المباحث من التجريد وشرحه غاية الجدوى.

(٢٧٦)

Page 296: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وهو متصور لذاته ونفسه فوجب أن يغايرها، فقوله: ولما تقع الغفلة عنه عطف علىقوله: لما هي شرط فيه أي والنفس مغايرة لما هي شرط فيه ولما تقع الغفلة عنه

أعني البدن.قال: والمشاركة به.

أقول: هذا هو الوجه الثاني الدال على أن النفس ليست هي البدن، وتقريره أنالبدن جسم وكل جسم على اإلطالق فإنه مشارك لغيره من األجسام في الجسميةفاالنسان يشارك غيره من األجسام في الجسمية ويخالفه في النفس االنسانية ومابه المشاركة غير ما به المباينة فالنفس غير الجسم، فقوله: والمشاركة به عطف

على قوله: الغفلة عنه أي وهي مغايرة لما تقع الغفلة عنه والمشاركة به.قال: والتبدل فيه.

أقول: هذا هو الوجه الثالث، وتقريره أن أعضاء البدن وأجزائه تتبدل كلوقت ويستبدل ما ذهب بغيره فإن الحرارة الغريزية تقتضي تحليل الرطوبات

البدنية، فالبدن دائما في التحلل واالستخالف والهوية باقية من أول العمر إلىآخره، والمتبدل مغاير للباقي فالنفس غير البدن، فقوله: والتبدل فيه عطف على

قوله: والمشاركة به أي وهي مغايرة لما تقع المشاركة به والتبدل فيه.المسألة الخامسةفي تجرد النفس

قال: وهي جوهر مجرد لتجرد عارضها.أقول: اختلف الناس في ماهية النفس وأنها هل هي جوهر أم ال، والقائلون

بأنها جوهر اختلفوا في أنها هل هي مجرد أم ال، والمشهور عند األوائل وجماعة

(٢٧٧)

Page 297: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

من المتكلمين كبني نوبخت من اإلمامية والمفيد منهم والغزالي والحليمي (١)والراغب من األشاعرة أنها جوهر مجرد ليس بجسم وال جسماني، وهو الذي

اختاره المصنف رحمه الله واستدل على تجردها بوجوه (٢):األول: تجرد عارضها وهو العلم، وتقرير هذا الوجه أن هاهنا معلومات مجردة

عن المواد فالعلم المتعلق بها يكون ال محالة مطابقا لها فيكون مجردا لتجردها،فمحله وهو النفس يجب أن يكون مجردا الستحالة حلول المجرد في المادي.

قال: وعدم انقسامه.أقول: هذا هو الوجه الثاني وهو أن العارض للنفس أعني العلم غير منقسم

فمحله أعني المعروض كذلك، وتقرير هذا الدليل يتوقف على مقدمات: إحداهما:أن هاهنا معلومات غير منقسمة وهو ظاهر فإن واجب الوجود غير منقسم وكذا

الحقائق البسيطة. الثانية: أن العلم بها غير منقسم ألنه لو انقسم لكان كل واحد منجزئيه إما أن يكون علما أو ال يكون، والثاني باطل ألنه عند االجتماع إما أن

يحصل أمر زائد أو ال، فإن كان الثاني لم يكن ما فرضناه علما بعلم هذا خلف، وإنكان األول فذلك الزائد إما أن يكون منقسما فيعود البحث، أو ال يكون فيكون

--------------------(١) هذا الرجل يذكر في البحث عن المعاد الجسماني من هذا الكتاب أيضا، والنسخ المطبوعة

عارية عن اسمه وغير واحدة من المخطوطة الموثوق بها واجدة إياه، وكذلك الراغب فيالموضعين لكن لم نظفر بالحليمي في غير واحد من تراجم الرجال.

ولعل الحليمي هو الحكيمي وفي الفهرست البن النديم (ص ١٦٨ ط تجدد): أبو عبد اللهمحمد بن أحمد بن إبراهيم بن قريش الحكيمي. وكان أخباريا قد سمع من جماعة.. الخ.

(٢) قد جمعنا أدلة تجردها العقلية من مصادرها العلمية تنتهي إلى أكثر من سبعين دليال عدةمنها ناطقة في تجردها البرزخي، وطائفة منها في تجردها العقلي، وبعضها في فوق طور

تجردها. ثم قوله الستحالة حلول المجرد في المادي، كان على ممشى المشاء والمتكلمةواألمر أشمخ من الحلول وأرفع منه كما حقق في الحكمة المتعالية. وهكذا كثير منالتعبيرات اآلتية من الحال والمحل والعروض والعارض والمعروض أو القبول والقابل

والمقبول ونظائرها.

(٢٧٨)

Page 298: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

العلم غير منقسم وهو المطلوب، وإن كان كل جزء علما فإما أن يكون علما بكلذلك المعلوم فيكون الجزء مساويا للكل هذا خلف، أو ببعضه فيكون ما فرضناهغير منقسم منقسما هذا خلف. الثالثة: أن محل العلم غير منقسم ألنه لو انقسمالنقسم العلم ألنه إن لم يحل في شئ من أجزائه لم يحل في ذلك المحل، وإن

حل فإما أن يكون في جزء غير منقسم وهو المطلوب، أو في أكثر من جزء فإما أنيكون الحال في أحدهما عين الحال في اآلخر وهو محال بالضرورة، أو غيره

فيلزم االنقسام. الرابعة: أن كل جسم وكل جسماني فهو منقسم ألنا قد بينا أن الوجود لوضعي غير منقسم وإذا ثبتت هذه المقدمات ثبت تجرد النفس. وفيه نظرللمنع (١) من المساواة مطلقا عند المساواة في تعلق الجزء بكل المعلوم كالكل.

قال: وقوتها على ما تعجز المقارنات عنه.أقول: هذا هو الوجه الثالث، وتقريره أن النفوس البشرية تقوى على ما ال

تقوى عليه المقارنات للمادة فال تكون مادية ألنها تقوى على ما ال يتناهى ألنهاتقوى على تعقالت األعداد غير المتناهية، وقد بينا أن القوة الجسمانية ال تقوى

على ما ال يتناهى فتكون مجردة، وفيه نظر ألن التعقل (٢) قبول ال فعل وقبول ما اليتناهى للجسمانيات ممكن.

قال: ولحصول عارضها بالنسبة إلى ما يعقل محال منقطعا.أقول: هذا هو الوجه الرابع، وتقريره أن النفس لو حلت جسما من قلب أو

دماغ لكانت دائمة التعقل له أو كانت ال تعقله البتة، والتالي باطل بقسميه فكذا--------------------

(١) وفي نظره نظر ألن الحكم لم يجر على صرف التعلق حتى يرد اعتراضه بل التعلق الذييكون العلم بالجزء علما بكل ذلك المعلوم فيلزم على هذا أن يكون الجزء مساويا للكل بال

كالم.(٢) وفي (م): ألن التعقل قبول الفعل. والنسخ األخرى: ألن التعقل قبول ال فعل. ثم إن نظر

الشارح منظور فيه، فتدبر.

(٢٧٩)

Page 299: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

المقدم، بيان الشرطية أن القوة العاقلة إذا حلت في قلب أو دماغ لم يخل إما أنتكفي صورة ذلك المحل في التعقل أو ال تكفي، فإن كفت لزم حصول التعقل دائما

لدوام تلك الصورة للمحل، وإن لم تكف لم تعقله البتة الستحالة أن يكون تعقلهامشروطا بحصول صورة أخرى لمحلها فيها وإال لزم اجتماع المثلين وأما بطالن

التالي فظاهر ألن النفس تعقل القلب والدماغ في وقت دون وقت.ولنرجع إلى ألفاظ الكتاب فقوله رحمه الله: ولحصول عارضها يعني بالعارض

التعقل. قوله: بالنسبة إلى ما يعقل محال منقطعا، أي ولحصول العارض وهو التعقلبالنسبة إلى ما يعقل محال من قلب أو دماغ حصوال منقطعا ال دائما.

قال: والستلزام استغناء العارض استغناء المعروض.أقول: هذا وجه خامس يدل على تجرد النفس العاقلة، وتقريره أن النفس

تستغني في عارضها وهو التعقل عن المحل فتكون في ذاتها مستغنية عنه، ألناستغناء العارض يستلزم استغناء المعروض ألن العارض محتاج إلى المعروض،

فلو كان المعروض محتاجا إلى شئ لكان العارض أولى باالحتياج إليه، فإذااستغنى العارض وجب استغناء المعروض.

وبيان استغناء التعقل عن المحل أن النفس تدرك ذاتها لذاتها ال آللة وكذاتدرك آلتها وتدرك إدراكها لذاتها وآللتها، كل ذلك من غير آلة متوسطة (١) بينهاوبين هذه المدركات، فإذن هي مستغنية في إدراكها لذاتها وآللتها وإلدراكها عناآللة فتكون في ذاتها مستغنية عن اآللة أيضا، فقوله رحمه الله: والستلزام استغناءالعارض، عنى بالعارض هنا التعقل. وقوله: استغناء المعروض، عنى به النفس التي

يعرض لها التعقل.--------------------

(١) كما في (م، ش) والنسخ األخرى تتوسط، وقوله اآلتي: التي يعرض لها التعقل، جاءتالعبارة في (م) يحصل مكان يعرض. ولكن سياق الكالم في المتن والشرح بقرينة العارض والمعروض يوافق

المختار.

(٢٨٠)

Page 300: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قال: والنتفاء التبعية.أقول: الذي فهمناه من هذا الكالم أن هذا وجه آخر دال على تجرد النفس،

وتقريره أن القوة المنطبعة في الجسم تضعف بضعف ذلك الجسم الذي هو شرطفيها والنفس بالضد من ذلك فإنها حال ضعف الجسم كما في وقت الشيخوخة

تقوى وتكثر تعقالتها، فلو كانت جسمانية لضعفت بضعف محلها وليس كذلك فلماانتفت تبعية النفس للجسم في حال ضعفه دل ذلك على أنها ليست جسمانية.

قال: ولحصول الضد.أقول: هذا وجه سابع يدل على تجرد النفس، وتقريره أن القوة الجسمانية مع

توارد األفعال عليها وكثرتها تضعف وتكل ألنها تنفعل عنها، ولهذا فإن من نظرطويال إلى قرص الشمس ال يدرك في الحال غيرها إدراكا تاما والقوى النفسانية

بالضد من ذلك، فإن عند تكثر التعقالت تقوى وتزداد، فالحاصل عند كثرة األفعالهو ضد ما يحصل للقوة الجسمانية عند كثرة األفعال، فهذا ما خطر لنا في معنى

قوله رحمه الله: ولحصول الضد.المسألة السادسة

في أن النفس البشرية متحدة بالنوع (١)قال: ودخولها تحت حد واحد يقتضي وحدتها.

أقول: اختلف الناس في ذلك، فذهب األكثر إلى أن النفوس البشرية متحدةبالنوع متكثرة بالشخص وهو مذهب أرسطا طاليس. وذهب جماعة من القدماء

إلى أنها مختلفة بالنوع، واحتج المصنف رحمه الله على وحدتها بأنها يشملها حدواحد واألمور المختلفة يستحيل اجتماعها تحت حد واحد.

--------------------(١) بل التحقيق أن النفس في النشأة األولى نوع وتحتها أفراد، وفي النشأة األخرى جنس

وتحتها أنواع، فتبصر.

(٢٨١)

Page 301: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وعندي في هذا نظر، فإن التحديد ليس لجزئيات النفس حتى يلزم ما ذكره بللمفهوم النفس وهو المعنى الكلي، وذاك كما يحتمل أن يكون نوعا يحتمل أن

يكون جنسا، فإن قال: إن حد الكلي حد لكل نفس نفس إذ ال يعقل من كل نفسسوى ما قلناه في التحديد منعنا ذلك وألزمناه الدور ألن األشياء المتكثرة أنما

يصح جعلها (١) في حد واحد لو كانت متحدة في الماهية، فلو استفدنا وحدتها منالدخول في الحد الواحد لزم الدور، والتحديد ليس راجعا إلى المفهوم من النفس

بل إلى حقيقتها في نفس األمر وإال لكان الحد حدا بحسب االسم ال حدا بحسبالحقيقة.

قال: واختالف العوارض ال يقتضي اختالفها.أقول: هذا جواب عن شبهة من استدل على اختالفها، وتقرير الدليل أنهم

قالوا: وجدنا النفوس البشرية تختلف في العفة والفجور والذكاء والبالدة، وليسذلك من توابع المزاج ألن المزاج قد يكون واحدا والعوارض مختلفة، فإن بارد

المزاج قد يكون في غاية الذكاء وكذا حار المزاج قد يكون في غاية البالدة وقديتبدل والصفة النفسانية باقية، وال من األشياء الخارجية ألنها قد تكون بحيثتقتضي خلقا والحاصل ضده فعلمنا أنها لوازم للماهية، وعند اختالف اللوازم

يختلف الملزوم.والجواب أن الملزومات مختلفة، وليست هي النفس وحدها بل النفس

والعوارض المختلفة، ومجموع النفس مع العوارض إذا كان مختلفا ال يلزم أنيكون كل جزء أيضا مختلفا فهذه الحجة مغالطية، هذا صورة ما أجاب به المصنف

في بعض كتبه عن هذه الحجة، وفي هذا نظر واألقرب في الجواب ما ذكره هنا وهوأن هذه عوارض مفارقة غير الزمة، فاختالفها ال يقتضي اختالف معروضها.

--------------------(١) كما في (م). وفي غيرها: يصح جمعها.

(٢٨٢)

Page 302: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

المسألة السابعةفي أن النفوس البشرية حادثة (١)

قال: وهي حادثة وهو ظاهر على قولنا، وعلى قول الخصم لو كانت أزلية لزماجتماع الضدين أو بطالن ما ثبت أو ثبوت ما يمتنع.

أقول: اختلف الناس في ذلك، فالمليون ذهبوا إلى أنها حادثة وهو ظاهرعلى قواعدهم لما ثبت من حدوث العالم وهي من جملة العالم، وألجل ذلك قال

المصنف رحمه الله: وهو ظاهر على قولنا.وأما الحكماء فقد اختلفوا هاهنا، فقال أرسطو: إنها حادثة. وقال أفالطون:

إنها قديمة (٢). والمصنف رحمه الله ذكر هاهنا حجة أرسطو أيضا على الحدوث.وتقرير هذه الحجة أن النفوس لو كانت أزلية لكانت إما واحدة أو كثيرة،

والقسمان باطالن، فالقول بقدمها باطل أما المالزمة فظاهرة، وأما بطالن وحدتهافألنها لو كانت واحدة أزال فإما أن تتكثر فيما ال يزال أو ال تتكثر، والثاني باطل

وإال لزم أن يكون ما يعلمه زيد يعلمه كل أحد وكذا سائر الصفات النفسانية، لكنالحق خالف ذلك فإنه قد يعلم زيد شيئا وعمرو جاهل به، ولو اتحدت نفساهما

لزم اتصاف كل واحد بالضدين. واألول باطل أيضا ألنها لو تكثرت لكانتالنفسان الموجودتان اآلن إما أن يقال: كانتا حاصلتين قبل االنقسام فقد كانت

الكثرة حاصلة قبل فرض حصولها هذا خلف، وإما أن يقال: حدثتا بعد االنقساموهو محال وإال لزم حدوث النفسين وبطالن النفس التي كانت موجودة، وأظن أن

--------------------(١) التحقيق أنها حادثة بحدوث األبدان ال مع حدوثها.

(٢) والحق أن مراده من قدمها قدم مبدعها ومنشئها الذي ستعود إليه بعد انقطاعها عن الدنياكما في الفصل السابع من الطرف الثاني من المسلك الخامس من األسفار (ط ١ ج ١ ص ٣١٩)

وراجع في ذلك الدرس الثالث من كتابنا اتحاد العاقل بالمعقول (ص ٤٢ ط ١).

(٢٨٣)

Page 303: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قوله رحمه الله: وإال لزم اجتماع الضدين، إشارة إلى هذه اللوازم الناشئة عن هذا القسممن المنفصلة ألن القول بالوحدة فيما ال يزال يستلزم اتصاف النفوس بالضدين،

والقول بالكثرة فيما ال يزال مع حصولها يستلزم تكثر ما فرضناه واحدا وهو جمعبين الضدين أيضا، والقول بالكثرة مع تجددها يستلزم بطالن النفس الواحدة

وحدوث هاتين النفسين مع فرض قدمهما وهو جمع بين الضدين أيضا.وأما بطالن كثرتها أزال فألن التكثر إما بالذاتيات أو باللوازم أو بالعوارض،

والكل باطل. أما األول فلما ثبت من وحدتها بالنوع، وكذا الثاني ألن كثرة اللوازمتستلزم كثرة الملزومات، وأظن أن قوله: أو بطالن ما ثبت، إشارة إلى هذا ألن

القول بالكثرة الذاتية يستلزم بطالن وحدتها بالنوع وقد أثبتناه.وأما الثالث فألن اختالف العوارض للذوات المتساوية أنما يكون عند تغاير

المواد ألن نسبة العارض إلى المثلين واحدة ومادة النفس البدن الستحالةاالنطباع عليها وقبل البدن ال مادة وإال لزم التناسخ وهو محال.

وأظن أن قوله: أو ثبوت ما يمتنع، إشارة إلى هذا.المسألة الثامنة

في أن لكل نفس بدنا واحدا وبالعكسقال: وهي مع البدن على التساوي.

أقول: هذا حكم ضروري أو قريب من الضروري، فان كل انسان يجد ذاتهذاتا واحدة (١) فلو كان لبدن نفسان لكان تلك الذات ذاتين وهو محال، فيستحيل

تعلق النفوس الكثيرة ببدن واحد. وكذا العكس فإنه لو تعلقت نفس واحدة ببدنينلزم أن يكون معلوم أحدهما معلوما لآلخر وبالعكس وكذا باقي الصفات النفسانية

وهو باطل بالضرورة.--------------------

(١) كما قال سبحانه وتعالى: ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه (األحزاب ٥).

(٢٨٤)

Page 304: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

المسألة التاسعةفي أن النفس ال تفنى بفناء البدن (١)

قال: وال تفنى بفنائه.أقول: اختلف الناس هاهنا، فالقائلون بجواز إعادة المعدوم جوزوا فناء

النفس مع فناء البدن، والمانعون هناك منعوا هنا. أما األوائل فقد اختلفوا أيضاوالمشهور أنها ال تفنى، أما أصحابنا فإنهم استدلوا على امتناع فنائها بأن اإلعادةواجبة على الله تعالى على ما يأتي، ولو عدمت النفس المتنعت إعادتها لما ثبت

من امتناع إعادة المعدوم فيجب أن ال تفنى، وأما األوائل فاستدلوا بأنها لو عدمتلكان إمكان عدمها محتاجا إلى محل مغاير لها ألن القابل يجب وجوده مع المقبول

وال يمكن وجود النفس مع العدم فذلك المحل هو المادة فتكون النفس ماديةفتكون مركبة هذا خلف، على أن تلك المادة يستحيل عدمها الستحالة التسلسل.

وهذه الحجة ضعيفة ألنها مبنية على ثبوت اإلمكان واحتياجه إلى المحلالوجودي وهو ممنوع، سلمنا لكن ذلك ينتقض بالجواهر البسيطة فإنها ممكنة

ومعنى إمكانها قبولها للعدم فتكون مادية، سلمنا لكن لم ال يجوز القول بكون النفوسمركبة من جوهرين مجردين أحدهما يجري مجرى المادة واآلخر يجري مجرىالصورة، وبقاء الجوهر المادي ال يكفي في بقاء جوهر النفس، ثم ينتقض ذلك

بإمكان الحدوث فإنه قد تحقق هناك إمكان من دون مادة قابلة فكذا إمكان الفساد.المسألة العاشرة

في إبطال التناسخقال: وال تصير مبدأ صورة آلخر وإال بطل (٢) ما أصلناه من التعادل.

--------------------(١) هذا الحكم المحكم نتيجة أدلة تجردها مطلقا.

(٢) وفي (ت) وحدها: وإال لبطل. والنسخ األخرى كما اخترناه.

(٢٨٥)

Page 305: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: اختلف الناس هاهنا، فذهب جماعة من العقالء إلى جواز التناسخ (١)في النفوس بأن تنتقل النفس التي كانت مبدأ صورة لزيد مثال إلى بدن عمرو

وتصير مبدأ صورة له، ويكون بينهما من العالقة كما كان بين البدن األول وبينها.وذهب أكثر العقالء إلى بطالن هذا المذهب، والدليل عليه أنا قد بينا أن

النفوس حادثة وعلة حدوثها قديمة فال بد من حدوث استعداد وقت حدوثهاليتخصص ذلك الوقت بااليجاد فيه، واالستعداد أنما هو باعتبار القابل فإذا حدثوتم وجب حدوث النفس المتعلقة به، فإذا حدث بدن تعلقت به نفس تحدث عنمباديها، فإذا انتقلت إليه نفس أخرى مستنسخة لزم اجتماع النفسين لبدن واحد،وقد بينا بطالنه ووجوب التعادل في األبدان والنفوس حتى ال توجد نفسان لبدن

واحد وبالعكس.المسألة الحادية عشرة

في كيفية تعقل النفس وإدراكها (٢)قال: وتعقل بذاتها وتدرك باآلالت لالمتياز بين المختلفين وضعا من غير

إسناد.أقول: إعلم أن التعقل هو إدراك الكليات واالدراك هو االحساس باألمور

الجزئية، وقد ذهب جماعة من القدماء إلى أن النفس تعقل األمور الكلية بذاتها منغير احتياج إلى آلة، وتدرك األمور الجزئية بواسطة قوى جسمانية هي محال

االدراك، والحكم األول ظاهر فإنا نعلم قطعا أنا ندرك األمور الكلية مع اختالل--------------------

(١) القول الحق المحقق في التناسخ هو ما حررناه بعون الفياض على اإلطالق في كتابناالمسمى بألف نكتة ونكتة، فراجع النكتتين ٦٣٧ و ٨٤٩ منه.

(٢) هذه المسألة من أغمض المسائل الحكمية، وقد حررنا البحث عنها والفحص عن مبانيهافي الدرس التاسع عشر من كتابنا الموسوم باتحاد العاقل بالمعقول.

(٢٨٦)

Page 306: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

كل عضو يتوهم آلة للتعقل وقد سلف تحقيق ذلك، وأما الحكم الثاني وهو افتقارهافي اإلدارك الجزئي إلى اآلالت فألنا نميز بين األمور المتفقة بالماهية المختلفة

بالوضع ال غير، كما أنا نفرق بين العين اليمنى واليسرى من الصورة التي نتخيلهاونميز بينهما مع اتحادهما في الحقيقة واختالفهما في الوضع، فليس االمتياز بينهما

بذاتي وال بما يلزم الذات لفرض تساويهما بل بأمور عارضة، ثم اختصاص كلواحدة منهما بعارضها ليس في الوجود الخارجي، ألن المتخيل قد ال يكون

موجودا في الخارج فليس االمتياز إذن للمأخوذ عنه بل لآلخذ، فإن كان محلإحداهما هو بعينه محل األخرى استحال اختصاص إحداهما بكونها يمنى

واألخرى بكونها يسرى، ألن نسبة العارض إليهما واحدة فبقي أن يكون المحلمختلفا حتى يكون الجانب الذي تحل فيه إحداهما غير الجانب الذي تحل فيه

األخرى.إذا عرفت هذا فقوله: وتعقل بذاتها، إشارة إلى ما ذكرناه من أن التعقل لألمورالكلية لذات النفس من غير آلة. وقوله: وتدرك باآلالت، إشارة إلى أن إدراك

األمور الجزئية أنما يكون بواسطة قوى جسمانية. وقوله: لالمتياز بين المختلفينوضعا، إشارة إلى ما مثلناه من االمتياز بين العينين. وقوله: من غير إسناد، أي من

غير إسناد إلى الخارج.المسألة الثانية عشرة

في القوى النباتيةقال: وللنفس قوى تشارك بها غيرها وهي الغاذية والنامية والمولدة.

أقول: لما كان البدن آلة للنفس في أفاعيلها المنوطة به كان صالحها بصالحه،ولما كان البدن مركبا من العناصر المتضادة وكان تأثير الجزء الناري فيه اإلحالة

احتج في بقائه إلى إيراد بدل ما يتحلل منه، فاقتضت حكمة الله تعالى جعل النفس

(٢٨٧)

Page 307: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

ذات قوة يمكنها بها استخالف ما ذهب بما يأتي وذلك أنما يكون بالغذاء. ثم لماكان البدن أول خلقته محتاجا إلى زيادة في مقداره على ما يناسب في أقطارهبأجسام تنضم إليه من خارج وجب في حكمة الله تعالى جعل النفس ذات قوة

يمكنها بها تحصيل جواهر قابلة للتشبه بالبدن تنضم إليه على تناسب فيأقطاره (١) هي النامية. ثم لما كان البدن ينقطع ويعدم واقتضت عناية الله تعالىاالستحفاظ بهذا النوع وجب في حكمة الله تعالى جعل النفس ذات قوة تحيل

بعض الجواهر المستعدة لقبول الصورة االنسانية إلى تلك الصورة وهي القوةالمولدة، فكانت النفس ذات قوى ثالث: الغاذية والنامية والمولدة، وهذه القوى

مشتركة بين االنسان والحيوان والنبات. فالغاذية هي التي تحيل الغذاء إلى مشابهةالمغتذي ليخلف بدل ما يتحلل، والنامية هي التي تزيد في أقطار الجسم على

التناسب الطبيعي ليبلغ إلى تمام النشوء، والمولدة هي التي تفيد المني بعد استحالتهفي الرحم الصور والقوى واألعراض. واعلم أن إسناد التصوير إلى هذه القوة

باطل، وسيأتي بيانه (٢) إن شاء الله.قال: وأخرى أخص يحصل بها االدراك إما للجزئي أو للكلي.

أقول: للنفس أيضا قوى أخص من األولى هي االدراك إما للجزئي وهواالحساس، وإما للكلي وهو التعقل، فاإلحساس مشترك بينه وبين الحيوان خاصة

فهو أخص من القوى األولى المشتركة بينها وبين النبات، والتعقل أخص مناالحساس ألنه ال يحصل للحيوان بل لالنسان.

قال: فللغاذية الجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة.أقول: القوة الغاذية يتوقف فعلها على أربع قوى ليتم االغتذاء (٣) وهي:

--------------------(١) أي في أبعاده الثالثة من الطول والعرض والعمق على تناسبه الطبيعي.

(٢) وهو قوله اآلتي بعيد هذا: والمصورة عندي باطلة.(٣) كما في غير (م) من النسخ الخمس، وأما (م) ففيها: ليتم الغذاء.

(٢٨٨)

Page 308: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الجاذبة للغذاء، والماسكة له لتهضمه الهاضمة، والهاضمة وهي التي تحيل الغذاءالذي جذبته الجاذبة وأمسكته الماسكة إلى قوام يتهيأ ألن تجعله الغاذية جزءا

بالفعل من المغتذى، والدافعة للفضالت.

قال: وقد تتضاعف هذه لبعض األعضاء.أقول: قد تتضاعف هذه القوى لبعض األعضاء كالمعدة التي تجذب بقوتها

غذاء كلية البدن، والتي تمسكه هناك، والتي تغيره إلى ما يصلح ألن يصير دما،والتي تدفعه إلى الكبد. وفيها أيضا قوة جاذبة لما تغتذي به المعدة خاصة وقوة

ماسكة وقوة هاضمة وقوة دافعة.قال: والنمو مغاير للسمن.

أقول: النمو هو زيادة الجسم بسبب اتصال جسم آخر به من نوعه، وتكونالزيادة مداخله (١) في أجزاء المزيد عليه وهو مغاير للسمن وكذا الذبول مغاير

للهزال، فإن الواقف في النمو قد يسمن كالشيخ إذا صار سمينا فإن أجزاءه األصليةقد جفت وصلبت فال يقوى الغذاء على تفريقها فال يتحقق النمو، وكذلك النامي قد

يهزل.قال: والمصورة عندي باطلة (٢) الستحالة صدور هذه األفعال المحكمة

المركبة عن قوة بسيطة ليس لها شعور أصال.أقول: أثبت الحكماء للنفس قوة يصدر عنها التصوير والتشكيل بشكل نوع

ذي القوة، والحق ما ذهب إليه المصنف من أن ذلك محال، ألن هذه األشكالوالصور أمور محكمة متقنة فال تصدر عن طبيعة غير شاعرة بما يصدر عنها بل

--------------------(١) جمع المدخل، والضمير راجع إلى جسم آخر. والكلمة حرفت تارة بمداخلة، وأخرى

بمتداخلة.(٢) التحقيق التام في هذه المسألة مذكور في العين الثانية والثالثين من كتابنا عيون مسائل النفس

فراجع.

(٢٨٩)

Page 309: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

يجب إسنادها إلى مدبر حكيم. وأيضا فإن هذه التشكيالت أمور مركبة، والقوةالبسيطة ال تصدر عنها أشياء كثيرة بل شكلها في محلها البسيط هو الكرة، فتكون

هذه المركبات على شكل الكرات وهو باطل بالضرورة.المسألة الثالثة عشرةفي أنواع اإلحساس

قال: وأما قوة اإلدراك للجزئي فمنه اللمس وهو قوة منبثة في البدن كله.أقول: لما فرغ من البحث عن األمر العام - أعني القوة النباتية - شرع اآلن في

البحث عما هو أخص منه وهو القوة الحيوانية أعني اإلحساس المشترك بيناالنسان وغيره من الحيوانات، وبدأ باللمس ألن باقي الحواس يراد لجلب النفع

وهذا لدفع الضرر، ولما كان دفع الضرر أولى من جلب النفع ال جرم قدم البحث فيهعلى غيره من القوى الحساسة. واعلم أن اللمس كيفية قائمة بالبدن منبثة في

ظاهره أجمع يدرك بها المنافي والمالئم.قال: وفي تعدده نظر (١).

أقول: اختلف الناس في أن اللمس هل هو قوة واحدة أو قوى كثيرة،فالجمهور على أنها قوى أربع: األولى: الحاكمة بين الحار والبارد. الثانية:

الحاكمة بين الرطب واليابس. الثالثة: الحاكمة بين الصلب واللين. الرابعة: الحاكمةبين الخشن واألملس، ألن القوة الواحدة ال يصدر عنها أكثر من أمر واحد.

قال: ومنه الذوق ويفتقر إلى توسط الرطوبة اللعابية الخالية عن المثل والضد.أقول: الذوق قوة قائمة بسطح اللسان ال يكفي فيه المالمسة بل ال بد من

متوسط من الرطوبة اللعابية الخالية عن الطعوم، ألنها إن كانت ذات طعم مماثل--------------------

(١) وفي (ت) كتب في هامشها على صورة النسخة: وهي متعددة. وفي (د) بالعكس أعنيجعل قوله: وفي تعدده نظر، نسخة. وكأن ما في الشرح يستشم منه صحة قوله: وهي متعددة.

(٢٩٠)

Page 310: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

للمدرك لم يتحقق اإلدراك، ألن اإلدراك أنما يكون باالنفعال والشئ ال ينفعل عنمماثله، وإن كانت ذات طعم مضاد لم تؤد الكيفية على صرافتها بصحة كما في

المرضى.قال: ومنه الشم ويفتقر إلى وصول الهواء المنفعل أو ذي الرائحة (١) إلى

الخيشوم.أقول: الشم قوة في الدماغ تحملها زائدتان شبيهتان بحلمتي الثدي نابتتان

من مقدم الدماغ وقد فارقتا لين الدماغ قليال ولم تلحقهما صالبة العصب، ويفتقرإلى وصول الهواء المنفعل عن ذي الرائحة إلى الخيشوم أو وصول أجزاء من ذي

الرائحة إليه، ألنه أنما يدرك بالمالقاة.وقد ذهب قوم إلى أن الشم أنما يكون بأن تتحلل أجزاء الجسم ذي الرائحة

وتنتقل مع الهواء المتوسط إلى الحاسة، ألن الدلك والتبخير يهيج (٢) الرائحةويذكيها.

وقال آخرون: إن الهواء المتوسط يتكيف بتلك الكيفية ال غير وإال لنقص وزنالجسم ذي الرائحة مع استنشاقها، والمصنف رحمه الله قد نبه بكالمه على تجويز

األمرين، فإن الشم قد يحصل بكل واحد منهما.قال: ومنه السمع ويتوقف على وصول الهواء المنضغط إلى الصماخ.

أقول: ذهب قوم إلى أن السمع أنما يحصل عند تأدي الهواء (٣) المنضغط بينالقارع والمقروع إلى الصماخ ولهذا تدرك الجهة، ويتأخر السماع عن األبصار

لتوقف األول على حركة الهواء دون الثاني، والمصنف رحمه الله مال إلى هذا هاهنا،وفيه نظر ألن الصوت قد يسمع من وراء الجدار مع امتناع بقاء الشكل (٤) على

--------------------(١) باتفاق النسخ كلها كما هو صريح الشرح أيضا. وما في المطبوعة: (المنفعل من ذي

الرائحة) فهو وهم.(٢) كما في (م)، وفي نسخة: يفيح والباقية: يفتح.

(٣) النسخ كلها إال (م) ففيها: عند بادي الهواء. وفي النسخ المطبوعة: عند تعدي الهواء.(٤) أي شكل تموج الهواء وهيئة الصوت. وقوله: لهذا تدرك الجهة ويتأخر السماع عناإلبصار، استدالل على أن الصوت له وجود في الخارج. وفي المباحث المشرقية للفخر

الرازي لمعتقد أن يعتقد أن الصوت ال وجود له في الخارج بل إنما يحدث في الحس منمالمسة الهواء المتموج، وهذا باطل ألنا كما أدركنا الصوت أدركنا مع ذلك جهته.. الخ

(ج ١ ط ١ ص ٣٠٦).واعلم أن صفتي القرب والبعد في األصوات أمران معنويان، فإدراك النفس إياهما تدل على

تجردها عن األحياز وسائر أوصاف المادة كما حررناه في رسالتنا المصنوعة في براهينتجردها، وجملة األمر في المقام ما أفادها صدر المتألهين في الفصل الثاني من الباب الرابعمن الجواهر واألعراض من األسفار (ج ٢ ط ١ ص ٣٢) من أن التحقيق أن يقال: إن تعلق

النفس بالبدن يوجب تعلقها بما اتصل به كالهواء المجاور بحيث كأنهما شئ تعلقت به النفس

Page 311: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

تعلقا ولو بالعرض، فكلما حدث فيه شئ مما يمكن للنفس إدراكه بشئ من الحواس منالهيئات والمقادير واألبعاد بينها والجهة التي لها وغيرها فأدركت النفس له كما هو عليه.

أقول: هذا التحقيق األنيق هو أحد البراهين على أن النفس الناطقة تصير بعد تكاملهاالجوهري عارية عن المواد، وهو كالم سام سامك يعقله من كان له قلب. وقد حررناه بالتقرير

األبين في الدرس الثمانين من دروس معرفة النفس، وأما نظر الشارح العالمة ففيه أنالصوت المسموع من وراء الجدار يدل على بقاء الشكل على حاله.

(٢٩١)

Page 312: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

حاله لو أمكن نفوذ الهواء.قال: ومنه البصر (١) ويتعلق بالذات بالضوء واللون.

أقول: المبصرات إما أن يتعلق األبصار بها أوال وبالذات أو ثانيا وبالعرض،واألول هو الضوء واللون ال غير والثاني ما عداهما من سائر المبصرات كالشكل

والحجم والمقدار والحركة والوضع والحسن والقبح وغير ذلك من أصناف المرئيات.قال: وهو راجع فينا إلى تأثر الحدقة (٢).

أقول: اإلدراك عند جماعة من الفالسفة والمعتزلة راجع إلى تأثر الحاسة،فاإلبصار بالعين معناه تأثر الحدقة وانفعالها عن الشئ المرئي، هذا في حقنا نحن

--------------------(١) في النسخ المطبوعة زيادة كانت تعليقة أدرجت في المتن على هذه الصورة ومنه البصر

وهي قوة مودعة في العصبتين المجوفتين اللتين تتالقيان وتتفارقان إلى العينين بعد تالقيهمابتلك ويتعلق بالذات بالضوء واللون.

(٢) وفي (ت) وهو راجع فيهما إلى تأثر الحدقة.

(٢٩٢)

Page 313: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

ولهذا قيده المصنف رحمه الله بقوله: فينا (١)، ألن اإلدراك ثابت في حقه تعالى واليتصور فيه التأثر، وذهبت األشاعرة إلى أنه معنى زائد على تأثر الحدقة.

قال: ويجب حصوله مع شرائطه.أقول: شروط اإلدراك (٢) سبعة: األول: عدم البعد المفرط. الثاني: عدم القرب

المفرط، ولهذا ال يبصر ما يلتصق بالعين. الثالث: عدم الحجاب. الرابع: عدم الصغرالمفرط. الخامس: أن يكون مقابال أو في حكم المقابل. السادس: وقوع الضوء

على المرئي إما من ذاته أو من غيره. السابع: أن يكون المرئي كثيفا، بمعنى وجودالضوء واللون له. إذا عرفت هذا فنقول: عند المعتزلة واألوائل أن عند حصول هذه

الشرائط يجب اإلدراك بالضرورة، فإن سليم الحاسة يشاهد الشمس إذا كانتعلى خط نصف النهار بالضرورة، ولو تشكك العقل في ذلك جاز أن يكون

بحضرتنا جبال شاهقة وأصوات هائلة وإن كنا ال ندركها وذلك سفسطة.أما األشاعرة فلم يوجبوا ذلك وجوزوا حصول جميع الشرائط مع انتفاء

اإلدراك، واحتجوا بأنا نرى الكبير صغيرا، والسبب فيه رؤية بعض أجزائه دونالبعض مع تساوي الجميع في الشرائط وهو خطأ لوقوع التفاوت بالقرب والبعد،

فلهذا أدركنا بعض األجزاء وهي القريبة دون الباقي، ويتحقق التفاوت بخروجخطوط ثالثة من الحدقة إلى المرئي، أحدها عمود والباقيان ضلعا مثلث قاعدتهالمرئي، فالعمود أقصر ألنه يوتر الحادة والضلعان أطول ألنهما يوتران القائمة.

--------------------(١) أقول: بل ال يصح فينا على اإلطالق أيضا، ألنا نبصر في منامنا بل في يقظتنا في أحوالنا

األخرى أبصارا أرفع وأشد مما في يقظتنا مع أنه ال يتحقق بتأثر الحدقة، فعلى هذا اقرأوأرقه.

(٢) أي اإلدراك البصري ولكن األبصار في الرؤيا بل في كثير من أحوالنا حالة اليقظة أيضا اليشترط فيه واحدة من تلك الشرائط.

ثم جاءت النسخ كلها هكذا: شرائط اإلدراك سبعة: األول.. الثاني.. الثالث. والصواب:شروط اإلدراك سبعة: األول.. الخ. أو شرائط اإلدراك سبع: األولى.. الثانية.. الثالثة.. الخ.

(٢٩٣)

Page 314: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قال: بخروج الشعاع (١).أقول: اختلف الناس في كيفية األبصار، فقال قوم: إنه بخروج شعاع متصل

من العين إلى المرئي على هيئة مخروط رأسه عند الحدقة وقاعدته عند المرئي،وهو اختيار المصنف رحمه الله. وقال أبو علي: إن األبصار أنما يكون بانطباع صورة

المرئي في الرطوبة الجليدية (٢). والقوالن عندي باطالن، أما األول فألن الشعاعإما جسم أو عرض، والثاني يستحيل عليه االنتقال، واألول باطل المتناع أن

يخرج من العين على صغرها حجم متصل منها إلى كرة الثوابت، وأيضا فإن حركةالشعاع ليست طبيعية لعدم اختصاصها بجهة دون أخرى فال تكون قسرية وظاهر

أنها ليست إرادية، وألن الشعاع جسم لطيف جدا فيلزم تشوشه عند هبوبالرياح فال يحصل األبصار للمقابل، وأما الثاني فألنه يستحيل انطباع العظيم في

الصغير.قال: فإن انعكس إلى المدرك أبصر وجهه.

أقول: الشعاع إذا خرج (٣) من العين واتصل بالمرئي وكان صقيال كالمرآةانعكس عنه إلى كل ما نسبته إلى المرئي كنسبة العين إليه، ولهذا وجب تساوي

زاويتي الشعاع واالنعكاس ووجب أن يشاهد بالمرآة (٤) كل ما وضعه إليها كوضعالرائي فإن انعكس الشعاع إلى الرائي نفسه أدرك وجهه، وإذا انتفت الصقالة لم

--------------------(١) األمر األهم في األبصار أن تعلم أن المقصود من خروج الشعاع عند قائليه خروج الشعاع

من المرئي إلى البصر ال بالعكس كما اشتهر في صحف المتأخرين وراجع في ذلك العينالثالثين من عيون مسائل النفس.

(٢) الرطوبة الجليدية هي رطوبة نيرة تشبه الجليد، مستديرة غير صحيحة االستدارة وبهايكون البصر.

(٣) عبارة القوشجي في المقام هكذا: الشعاع إذا وقع على صقيل كالمرآة مثال ينعكس منه إلىشئ آخر وضعه من ذلك الصقيل كوضعه مما خرج عنه الشعاع فزاوية االنعكاس كزاوية

الشعاع على ما ذكر في المناظر.(٤) كما في (ز). والباقية: في المرآة. ولكن األولى أنسب بكالم أصحاب الشعاع من الثانية.

(٢٩٤)

Page 315: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

يحصل االنعكاس كاألشياء الخشنة التي نشاهدها فإنه ال ينعكس عنها شعاع إلىغيرها لعدم المالسة. هذا علة أصحاب الشعاع في رؤية االنسان وجهه بالمرآة،

وأما القائلون باالنطباع فقالوا: إنه تنطبع في المرآة صورة الرائي ثم تنطبع فيالعين من تلك الصورة صورة أخرى. وهو باطل ألن الصورة لو انطبعت في المرآة

لم تتغير بتغير وضع الرائي.قال: وإن عرض تفرق السهمين تعدد المرئي.

أقول: هذا إشارة إلى علة الحول عند القائلين بالشعاع، والسبب في الحولعندهم أن النور الممتد من العين على شكل المخروط قوته في سهم المخروط،

فإذا خرج من العينين مخروطان والتقى سهماهما عند المبصر واتحدا أدركالمدرك الشئ كما هو، وإن لم يلتق السهمان عند شئ واحد بل حصل اإلدراك

بطرف المخروط ال بوقوع السهم عليه رأى الرائي الشئ الواحد شيئين.أما القائلون باالنطباع فإنهم قالوا: الصورة تنطبع أوال في الرطوبة الجليدية

وليس اإلدراك عندها وإال ألدركنا الشئ الواحد شيئين، كما إذا لمسنا باليدينكان لمسين لكن الصورة التي في الجليدية تتأدى بواسطة الروح المصبوب فيالعصبتين المجوفتين إلى ملتقاهما على هيئة مخروط فيلتقي المخروطان هناك

وعند الملتقى روح مدرك وحينئذ تتحد عند الروح من الصورتين صورة واحدة،وإن لم ينفذ المخروطان نفوذا على سبيل التقاطع انطبع من كل شبح ينفذ عن

الجليدية خيال بانفراده وهو الحول.المسألة الرابعة عشرة

في أنواع القوى الباطنة المتعلقة بإدراك الجزئياتقال: ومن هذه القوى بنطاسيا الحاكمة بين المحسوسات.

(٢٩٥)

Page 316: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: أثبت األوائل للنفس قوى جزئية خمس باطنة: األولى: بنطاسيا (١)وهي الحس المشترك وهو المدرك للصور الجزئية التي تجتمع عنده مثل

المحسوسات. الثانية: خزانته وهي الخيال. الثالثة: الوهم وهو قوة تدرك المعانيالجزئية المتعلقة بالمحسوسات كالصداقة الجزئية والعداوة الجزئية. الرابعة:خزانته وهي الحافظة. الخامسة: القوة المتصرفة في الصور الجزئية والمعاني

الجزئية بالتركيب والتحليل فتركب صورة انسان يطير وجبل ياقوت، وهذه القوةتسمى متخيلة إن استعملتها القوة الوهمية، ومتفكرة (٢) إن استعملتها القوة الناطقة.

إذا عرفت هذا فنقول: الدليل على ثبوت الحس المشترك وجوه: أحدها أنانحكم على صاحب لون معين بطعم معين فال بد من حضور هذين المعينين عند

الحاكم، لكن الحاكم وهو النفس أنما يدرك الجزئيات بواسطة اآلالت على ما تقدمفيجب حصولهما معا في آلة واحدة وليس شئ من الحواس الظاهرة لذلك

فال بد (٣) من إثبات قوة باطنة هي الحس المشترك، وإلى هذا الدليل أشار بقوله:الحاكمة بين المحسوسات.

قال: لرؤية القطرة خطا والشعلة دائرة.أقول: هذا دليل ثان على إثبات الحس المشترك، وتقريره أنا نرى القطرة

النازلة خطا مستقيما، والشعلة التي تدار بسرعة دائرة مع أنه ليس في الخارجكذلك وال في القوة الباصرة، ألن البصر أنما يدرك الشئ على ما هو عليه، والالنفس ألنها ال تدرك الجزئيات فال بد من قوة أخرى يحصل بها إدراك القطرة

--------------------(١) ويقال لها الخيال أيضا. واألطباء يسمونها المصورة، تفصيل البحث يطلب في عيون مسائل

النفس.(٢) كما في (ش) وفي (ق ص د ز) مفكرة. المفكرة صفة للقوة الناطقة من حيث إنها استعملت

القوة المتصرفة، والمتفكرة صفة للمتصرفة من تلك الحيثية كالمتخيلة.(٣) كما في (ص). والباقية: كذلك فال بد.

(٢٩٦)

Page 317: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

حال حصولها في المكان األول ثم إدراكها حال حصولها في المكان الثاني،ويرتسم الحصول الثاني قبل انمحاء الصورة األولى عن القوة الشاعرة فتتصل

الصورتان في الحس المشترك فترى النقطة كالخط والشعلة كالدائرة.قال: والمبرسم ما ال تحقق له (١).

أقول: هذا دليل ثالث على إثبات هذه القوة، وتقريره أن صاحب البرساميشاهد صورا ال وجود لها في الخارج وإال لشاهدها كل ذي حس سليم فال بد منقوة ترتسم فيها تلك الصور حال المشاهدة، وكذا النائم يشاهد صورا ال تحقق لها

في الخارج والسبب فيه ما ذكرناه، وقد بينا أن تلك القوة ال يجوز أن تكون هيالنفس فال بد من قوة جسمانية ترتسم فيها هذه الصور.

قال: والخيال لوجوب المغايرة بين القابل والحافظ.أقول: هذه القوة الثانية المسماة بالخيال وهي خزانة الحس المشترك الحافظة

لما يزول عنه بعد غيبوبة الصور التي باعتبارها تحكم النفس بأن ما شوهد ثانيا هوالذي شوهد أوال، واستدلوا على مغايرتها الحس المشترك بأن هذه القوة حافظة

والحس المشترك قابل والحافظ مغاير للقابل المتناع صدور األثرين عن علةواحدة، وألن الماء فيه قوة القبول وليس فيه قوة الحفظ فدل على المغايرة. وهذا

كالم ضعيف بينا ضعفه في كتاب األسرار.قال: والوهم المدرك للمعاني الجزئية (٢).

--------------------(١) المبرسم على هيئة المفعول معرب من كلمتين فارسيتين إحداهما بر بمعنى الجنبواألخرى سام بمعنى المرض. وفي البرسام من بحر الجواهر للهروي قال نفيس أنه قد

خالف جمهور القوم في تعريف هذا المرض فإنهم اتفقوا على أنه ورم في الحجاب الحاجزنفسه وهو الحجاب المعترض الذي بين القلب والمعدة. وفي بعض النسخ المخطوطة

المسرسم مكان المبرسم وأصله من السرسام كالبرسام.(٢) والحق أن األمر في اإلدراك تثليث ال تربيع، والوهم عقل ساقط، والبحث عن تحقيق هذا

المطلب األسنى يطلب في كتابنا الموسوم بألف نكتة ونكتة فراجع النكتة ٥١٥ منه.

(٢٩٧)

Page 318: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: هذه القوة الثالثة المدركة للمعاني الجزئية وتسمى الوهم وهي مغايرةللنفس الناطقة لما تقدم من أن النفس ال تدرك الجزئيات لذاتها وأشار إليه بقوله:

الجزئية، وللحس المشترك ألن هذه القوة تدرك المعاني والحس يدرك الصورالمحسوسة (١) وأشار إليه بقوله: للمعاني، وللخيال ألن الخيال شأنه الحفظ والوهم

شأنه اإلدراك فتغايرا كما قلنا الحس والخيال وأشار إليه بقوله: المدرك.قال: والحافظة.

أقول: هذه القوة الرابعة المسماة بالحافظة وهي خزانة الوهم ودليل إثباتها كماقلناه في الخيال سواء. وهذه تسمى المتذكرة باعتبار قوتها على استعادة الغائبات

ولهم خالف في أن المتذكرة هي الحافظة أو غيرها.قال: والمتخيلة المركبة للصور والمعاني بعضها مع بعض (٢).

أقول: هذه القوة الخامسة المسماة بالمتخيلة باعتبار استعمال الحس لهاوالمتفكرة باعتبار استعمال العقل لها وهي التي تركب بعض الصور مع بعض كما

تركب صورة جذع عليه رأس انسان، وتركب بعض المعاني مع بعض وتركببعض الصور مع بعض المعاني. ويدل على مغايرتها لما تقدم صدور هذا الفعل عنها

دون غيرها من القوى المتناع صدور أكثر من فعل واحد عن قوة واحدة.قال:

--------------------(١) أي الحس المشترك يدركها.

(٢) وفي بعض النسخ بعضها ببعض، ولكن الصواب هو ما اخترناه ألن التركيب ليس بمزجيبل انضمامي، فتدبر.

(٢٩٨)

Page 319: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الفصل الخامسفي األعراض

وتنحصر في تسعة.أقول: لما فرغ من البحث عن الجواهر انتقل إلى البحث عن األعراض، وفي هذا

الفصل مسائل:المسألة األولى

في أن األعراض منحصرة في تسعةهذا رأي أكثر األوائل فإنهم قسموا الموجود إلى واجب وممكن، والواجب

هو الله تعالى ال غير، والممكن إما غني عن الموضوع وهو الجوهر أو محتاج إليهوهو العرض (وأقسامه تسعة): الكم والكيف واألين والوضع والملك واإلضافة

وأن يفعل وأن ينفعل والمتى. والمتكلمون حصروه في أحد وعشرين هي: الكونواللون والطعوم والروائح والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والتأليف

واالعتماد والحياة والقدرة واالعتقاد والظن والنظر واإلرادة والكراهة والشهوةوالنفرة واأللم واللذة. وأثبت بعضهم أعراضا أخر يأتي البحث عنها وهذه

األعراض مندرجة تحت تلك، ألن الكون هو األين أو ما يقاربه وباقي األعراضالتي ذكروها مندرجة تحت الكيف، فألجل هذا بحث المصنف رحمه الله عن

األعراضالتسعة لدخول هذه تحتها، ومع ذلك فاألوائل لم يوجد لهم دليل على حصر

(٢٩٩)

Page 320: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

األعراض في التسعة، وبعضهم جعل أجناس الممكنات منحصرة في أربعة:الجوهر والكم والكيف والنسبة، وبالجملة فالحصر لم يقم عليه برهان.

المسألة الثانيةفي قسمة الكم

قال: األول الكم فمتصله القار جسم وسطح وخط وغيره الزمان ومنفصلهالعدد.

أقول: الكم إما متصل أو منفصل، ونعني بالمتصل ما يوجد فيه جزء مشتركيكون نهاية ألحد القسمين وبداية لآلخر كالجسم إذا نصف فإن موضع التنصيفحد مشترك بين النصفين هو نهاية ألحدهما وبداية لآلخر، والمنفصل ما ال يكون

كذلك كاألربعة المنقسمة إلى اثنين واثنين فإنه ليس بينهما حد مشترك وكذاالثالثة، وال يتوهم أن الوسط نهاية ألحد القسمين وبداية لآلخر ألنه إن عد فيهما

صارت الثالثة أربعة وإن أسقط منها صارت اثنين وال أولوية ألحدهما دون اآلخر.إذا عرفت هذا فنقول: المتصل إما قار الذات وهو الذي تجتمع أجزاؤه في

الوجود كالجسم، أو غير قار الذات وهو الذي ال يكون كذلك كالزمان فإنه اليمكن أن يكون أحد الزمانين مجامعا لآلخر، والقار الذات إما أن ينقسم في جهة

واحدة وهو الخط، أو في جهتين وهو السطح أو في ثالث جهات وهو الجسمالتعليمي. وغير قار الذات هو الزمان ال غير. والمنفصل هو العدد خاصة ألن تقومه

من الوحدات التي إذا جردت عن معروضاتها كانت أجزاء العدد ال غير.المسألة الثالثة

في خواصهقال: ويشملها قبول المساواة وعدمها والقسمة وإمكان وجود العاد (١).

--------------------(١) والعاد يطلق على الكم المنفصل، والمقدر على المتصل والعدد األول هو الذي ال يعده غير

الواحد، والمركب هو الذي يعده عدد آخر كما في صدر تاسعة األصول، والظاهر أنه أرادمعناه األعم كما هو المستفاد من كالم الشارح أيضا.

ثم إن أصول النسخ المعتبرة التي عندنا مطبقة على لفظة ويشملها، كما في (ت د ص ق ش ز)وأما (م) فناقصة هنا. فالضمير راجع إلى الجسم والسطح والخط والزمان والعدد، وفي غيرها

جاءت اللفظة ويشملهما، فالضمير راجع إلى الكمين المتصل والمنفصل.

(٣٠٠)

Page 321: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: ذكر للكم ثالث خواص: األولى: قبول المساواة وعدمها عدم الملكة،فإن أحد الشيئين أنما يساوي غيره أو يفارقه باعتبار مقداره ال باعتبار ذاته، فإن

كل الجسم وبعضه متساويان في الطبيعة ومتفاوتان في المقدار.الثانية: قبول القسمة، وذلك ألن الماهية أنما يعرض لها االنقسام واإلثنينية

بواسطة المقدار، وهذا االنقسام قد يعني به كون الشئ بحيث يوجد فيه شئ غيرشئ وهذا المعنى يلحق المقدار لذاته، والثاني قبول االفتراق وهو من توابع

المادة عندهم على ما سلف البحث فيه، ومرادهم هنا األول.الثالثة: إمكان وجود العاد، وذلك ألن المنقسم أنما ينقسم إلى آحاد هي

أجزاؤه فتلك اآلحاد عادة له، ولما كان االنقسام قد يكون بالفعل كما في الكمالمنفصل وقد يكون بالقوة كما في المتصل كان الالزم لمطلق الكم هو إمكان وجود

واحد عاد ال الوجود بالفعل.قال: وهو ذاتي وعرضي.

أقول: الكم منه ما هو بالذات كاألقسام التي عددناها له، ومنه ما هو بالعرضوهو معروضها كالجسم الطبيعي أو عارضها (١) كالسواد الحال في السطح فإنه

متقدر بقدرة فكميته عرضية ال ذاتية، أو ما يجامعه في المحل أو ما يتعلق بمايعرض له كقولنا: قوة متناهية أو غير متناهية بسبب تناهي المقوى عليه في العدة

أو المدة أو الشدة وعدم تناهيه.--------------------

(١) وفي المطبوعة زيادة تقرب من سطر كانت تعليقة أدرجت في الكتاب وهي هذه: كالجسمالطبيعي الذي هو معروض للكم المتصل، وكالمعدود الذي هو معروض للكم المنفصل، أو

عارضها كالسواد.

(٣٠١)

Page 322: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

المسألة الرابعةفي أحكامه

قال: ويعرض ثاني القسمين فيهما ألولهما (١).أقول: قد بينا أن الكم إما متصل وإما منفصل، وأيضا إما ذاتي أو عرضي،

والثاني من القسمين في القسمين معا يعرض لألول منهما فإن الجسم التعليمييعرض له االنقسام فيحصل له التعدد فيصير معدودا قد عرض له النوع الثاني منالكم وهو المنفصل، وكذا الزمان يقسم إلى الساعات والشهور واأليام واألعوام

فيحصل له التعدد، وأيضا الزمان متصل بذاته ويعرض له التقدير بالمسافة أيضاكما يقال زمان حركة فرسخ فظهر معنى قوله: ويعرض ثاني القسمين فيهما ألولهما.

قال: وفي حصول المنافي وعدم الشرط داللة على انتفاء الضدية.أقول: يريد أن الكم ال تضاد فيه، والدليل عليه وجهان: أحدهما: أن المنافي

للضدية حاصل فال تكون الضدية موجودة، بيانه أن أنواع الكم المنفصل يتقومبعضها ببعض فأحد النوعين إما مقوم لصاحبه أو متقوم به ويستحيل تقوم أحد

الضدين باآلخر. وأما المتصل فألن أحد النوعين إما قابل لآلخر كالسطح للخطوالجسم للسطح أو مقبول له كالعكس والضد ال يكون قابال لضده وال مقبوال له،

فحصول التقويم والقابلية المنافيان للضدية يقتضي انتفاء الضدية.الثاني: أن الشرط في التضاد مفقود في الكم فال تضاد فيه، بيانه أن للتضاد

شرطين أحدهما اتحاد الموضوع، الثاني أن يكون بينهما غاية التباعد، وهمامنتفيان هنا أما عدم اتحاد الموضوع في العدد فألنه ليس لشئ من العددين

--------------------(١) كما في (ق) وفي (ز ت د ص ش): منهما ألولهما. ولكن الشرح موافق للوجه األول ألن

المراد من قوله الثاني من القسمين هو المنفصل والعرضي، والمراد من قوله: في القسمين معاهو قسما الكم، أحدهما: إما متصل ومنفصل، وثانيهما: إما ذاتي أو عرضي.

(٣٠٢)

Page 323: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

موضوع قريب مشترك، وكذا المتصل فإن الجسم الطبيعي معروض للتعليميوللسطح بواسطة التعليمي وكذا للخط بواسطة السطح، وأما عدم كونهما في غايةالتباعد فألنه ال مقدار يوجد إال ويمكن أن يفرض ما هو أكبر منه أو أصغر فال غاية

في التباعد وكذا العدد.قال: ويوصف بالزيادة والكثرة ومقابليهما دون الشدة ومقابلها.

أقول: الكم بأنواعه يوصف بأن بعضا منه زائد على بعض آخر، فإن الستةأزيد من الثالثة وكذا الخط الذي طوله عشرة أزيد من الذي طوله خمسة، فيصدق

عليه وصف الزيادة ومقابلها أعني النقصان ألن الزائد أنما يعقل بالقياس إلىالناقص. وكذا يوصف بالكثرة والقلة ويمتنع اتصافه بالشدة والضعف، وبيانه ظاهرفإنه ال يعقل أن خطا أشد من خط آخر في الخطية، وال ثالثة أشد من ثالثة أخرى

في الثالثية. والفرق بين الكثرة والشدة ظاهر، وكذا بين الزيادة والشدة، فإنالكثرة والزيادة أنما تتحققان بالنسبة إلى أصل موجود ال يتغير فصله بسبب

الزيادة وال حقيقته بخالف الشدة.قال: وأنواع متصله قد تكون تعليمية.

أقول: األنواع الثالثة للكم المتصل القار الذات قد تؤخذ باعتبار ما فتسمىتعليمية، وقد تؤخذ باعتبار آخر، مثال إذا أخذ المقدار باعتبار ذاته ال من حيثاقترانه بالمواد وأعراضها من األلوان وغيرها كان ذلك مقدارا تعليميا كالسطح

التعليمي والخط التعليمي والجسم التعليمي وكذا النقطة، وإنما سميت هذه األنواعتعليمية ألن علم التعاليم (١) إنما يبحث عنها مجردة عن المواد وتوابعها.

--------------------(١) أي علم الرياضي سيما الهندسة، فإنهم أول ما كانوا يتعلمونه هو علم الهندسة ألنه يقوم

الفكر ويعدله ويقيمه على الوسط ويحفظه من االنحراف والشطط، وهذا العلم نعم العونلتعديل الفكر. قال ابن خلدون في مقدمة تاريخه ونعم ما قال: إعلم أن الهندسة تفيد صاحبها

إضاءة في عقله واستقامة في فكره ألن براهينها كلها بينة االنتظام، جلية الترتيب ال يكادالغلط يدخل أقيستها لترتيبها وانتظامها فيبعد الفكر بممارستها عن الخطأ، وينشأ

لصاحبها عقل على ذلك المهيع. وقد زعموا أنه كان مكتوبا على باب أفالطون: من لم يكنمهندسا فال يدخلن منزلنا. وكان شيوخنا رحمهم الله يقولون: ممارسة علم الهندسة للفكربمثابة الصابون للثوب الذي يغسل منه األقذار وينقيه من األوضار واألدران وإنما ذلك لما

أشرنا إليه من ترتيبه وانتظامه، إنتهى، (ص ٤٨٦ ط مصر).

(٣٠٣)

Page 324: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قال: وإن كانت تختلف بنوع ما من االعتبار.أقول: الظاهر من هذا الكالم أن كون الجسم تعليميا يفارق كون السطح

والخط كذلك، وبيانه أن الجسم يمكن أن يؤخذ ال بشرط غيره، أو بشرط ال غيرهوأما السطح والخط فال يمكن أخذهما إال باالعتبار األول فلهذا اختلفت األنواع

بنوع ما من االعتبار.قال: وتخلف الجوهرية عما يقال في جواب ما هو في كل واحد يعطي

عرضيته.أقول: يريد أن يبين أن هذه األنواع بأسرها أعراض، واستدل بطريقين

أحدهما عام في الجميع والثاني مختص بكل واحد واحد، أما العام فتقريره أنمعنى الجوهرية في حد كل واحد من السطح والخط والجسم التعليمي والزمان

والعدد غير داخل في جواب ما هو إذا سئل عن حقيقته فيكون خارجا عن الحقيقةفيكون كل واحد من هذه عرضا.

قال: والتبدل (١) مع بقاء الحقيقة وافتقار التناهي إلى برهان وثبوت الكرة--------------------

(١) الغرض أن الجسم التعليمي والسطح والخط والزمان والعدد أعراض فال يكون واحدمنها جزءا لماهية الجسم الطبيعي ألنه جوهر. والبرهان األول لألول وهكذا على الترتيب

أي التبدل مع بقاء الحقيقة يعطي عرضية الجسم التعليمي، وافتقار التعليمي إلى برهانيعطي عرضية السطح - إلى قوله: - والتقوم به أي التقوم بالعرض يعطي عرضية العدد.

وفي (ت) وحدها: والتقوم به، والنسخ األخرى كلها: والتقويم به. ووجههما ظاهر. ولكن قولالشارح: وأما العدد فألنه متقوم باآلحاد على إطباق النسخ، ظاهر في األول إن لم يكن نصا

صريحا عليه.

(٣٠٤)

Page 325: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الحقيقية واالفتقار إلى عرض والتقوم به، يعطي عرضية الجسم التعليمي والسطحوالخط والزمان والعدد.

أقول: هذا هو الوجه الدال على عرضية كل واحد واحد بخصوصيته، أماالجسم التعليمي فإنه عرض ألن الجسم قد يتبدل في كل واحد من أبعاده والحقيقةباقية، فإن الشمعة تقبل األشكال المختلفة مع بقاء حقيقتها، فزوال كل واحد من

األبعاد وبقاء الجسمية يدل على عرضية األبعاد أعني الجسم التعليمي.وأما السطح فإنه عرض ألن ثبوته للجسم إنما هو بواسطة التناهي العارض

للجسم الفتقاره إلى برهان يدل عليه مع أن أجزاء الحقيقة ال تثبت بالبرهان، وإذاكان التناهي عارضا كان ما يثبت بواسطته أولى بالعرضية.

وأما الخط فإنه عرض ألنه غير واجب الثبوت للجسم وما كان كذلك كانعرضا، وبيان عدم وجوبه أنه أنما يثبت للسطح بواسطة تناهيه والسطح قد ال

يفرض فيه النهاية كما في الكرة الحقيقية الساكنة فإنه ال خط فيها بالفعل.وأما الزمان فإنه يفتقر إلى الحركة ألنه مقدارها والمقدار مفتقر إلى المتقدر

والحركة عرض والمفتقر إلى العرض أولى بالعرضية فالزمان عرض.وأما العدد فألنه متقوم باآلحاد على ما تقدم واآلحاد عرض فالعدد كذلك.

قال: وليست األطراف أعداما وإن اتصفت بها مع نوع من اإلضافة.أقول: ذهب جماعة من المتكلمين إلى أن السطح الذي هو طرف الجسم

والخط الذي هو طرف السطح والنقطة التي هي طرف الخط اعدام صرفة ال تحققلها في الخارج وإال النقسمت النقسام محلها، وألن الطرف عبارة عن نهاية الشئ

التي هي عبارة عن فنائه وعدمه، وألن السطحين إذا التقيا عند تالقي األجسام إنكان باألسر لزم التداخل وإال فاالنقسام (١)، وكذا الخط والنقطة.

--------------------(١) كما في النسخ كلها إال (ص) ففيها: وإال لزمه االنقسام. ولكنها تصحيح قياسي وتصرف

وهمي من غير لزوم وضرورة.

(٣٠٥)

Page 326: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وهذه الوجوه ال تخلو من دخل، أما األول فإنما يلزم ذلك في األعراضالسارية، أما غيرها فال.

وأما الثاني فألن النهاية ليست عدما محضا وال فناء صرفا (١) ألن العدم اليشار إليه، واألطراف يشار إليها بل هاهنا أمور ثالثة:

أحدها: السطح وهو مقدار ذو طول وعرض قابل لإلشارة موجود.والثاني: فناء الجسم بمعنى انقطاعه في جهة معينة من جهات االمتداد وليس

بعدم صرف بل هو عدم أحد أبعاد الجسم وهو ثخنه.والثالث: إضافة تعرض تارة للسطح فيقال: سطح مضاف إلى ذي السطح،

وتارة للفناء فيقال: نهاية لجسم ذي نهاية، واإلضافة عارضة لهما متأخرة عنهما،وقد يؤخذ السطح عاريا عن هذه اإلضافة فيكون موضوعا لعلم الهندسة، وكذا

البحث في الخط والنقطة.وأما الثالث فأن الجسمين (٢) إذا التقيا عدم السطحان وصارا جسما واحدا إن

اتصال، وإن تماسا فالسطحان باقيان.قال: والجنس معروض التناهي وعدمه.

أقول: يريد بالجنس الكم من حيث هو هو، فإنه جنس لنوعي المتصلوالمنفصل، وهو الذي يلحقه لذاته التناهي وعدم التناهي عدم الملكة ال العدمالمطلق، فإن العدم المطلق قد يصدق على الشئ الذي سلب عنه ما باعتباره

يصدق أنه متناه كالمجردات. وإنما يلحقان أعني التناهي وعدمه العدم الخاصما عدا الكم بواسطة الكم، فيقال للجسم أنه متناه أو غير متناه باعتبار مقداره،ويقال للقوة ذلك باعتبار عدد اآلثار (٣) وامتداد زمانها وقصره، ويقال للبعد

--------------------(١) وفي النسخ الست األولى: وال نفيا صرفا.

(٢) وفي عدة نسخ معتبرة: وعن الثالث أن الجسمين، ولكن سياق العبارة يقتضي ما اخترناهمن نسخ أخرى.

(٣) وفي (م) باعتبار عدد اآلنات، وال معنى لآلنات في المقام.

(٣٠٦)

Page 327: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

والزمان والعدد أنها متناهية أو غير متناهية ال باعتبار لحوق طبيعة بها بل لذاتها.قال: وهما اعتباريان.

أقول: يريد به أن التناهي وعدمه من األمور االعتبارية ال العينية فإنه ليس فيالخارج ماهية يقال لها أنها تناه أو عدم تناه، بل إنما يعقالن عارضين لغيرهما في

الذهن.قال: الثاني الكيف ويرسم بقيود عدمية تخصه جملتها (١) باالجتماع.

أقول: لما فرغ من البحث عن الكم شرع في البحث عن الكيف وهو الثاني مناألعراض التسعة، وفيه مسائل:

المسألة األولىفي رسمه

إعلم أن األجناس العالية ال يمكن تحديدها لبساطتها بل ترسم بأمور أعرفمنها عند العقل، والرسم أنما يتألف من خواص الشئ وعوارضه، ولما كانتالعوارض قد تكون عامة وقد تكون خاصة والعام ال يفيد التميز الذي هو أقلمراتب التعريف لم تصلح العوارض العامة للتعريف إال إذا اختصت باالجتماع

بالماهية المرسومة، كما يقال في تعريف الخفاش: إنه الطائر الولود، ولما لم يوجدلهذا الجنس خاصة تفيد تصوره توصلوا إلى تعريفه بعوارض عدمية كل واحد منها

أعم منه لكنها باجتماعها خاصة به، فقالوا في تعريفه: إنه هيئة قارة ال يتوقفتصورها على تصور غيرها وال تقتضي القسمة والالقسمة في محلها اقتضاء أوليا.

فقولنا: هيئة، يشمل جميع األعراض التسعة ويخرج عنها الجوهر.وقولنا: قارة، يخرج عنه الحركة وما ليس بقار من األعراض.

وقولنا: ال يتوقف تصورها على تصور غيرها، يخرج عنه األعراض النسبية.--------------------

(١) وفي (م): تحصر جملتها. وفي (ت) تخص جملتها.

(٣٠٧)

Page 328: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وقولنا: وال تقتضي القسمة والالقسمة في محلها، يخرج عنه الكم والوحدةوالنقطة.

وقولنا: اقتضاء أوليا، ليدخل في المحدود العلم باألشياء التي ال تنقسم فإنهيقتضي الالقسمة مع أنه من الكيف ألن اقتضاءه لذلك ليس أوليا بل لوحدة المعلوم.

المسألة الثانيةفي أقسامه

قال: وأقسامه أربعة.أقول: الكيف له أنواع أربعة: أحدها: الكيفيات المحسوسة كالسواد والحرارة،الثاني: الكيفيات المختصة بذوات األنفس كالعلوم واإلرادات والظنون، الثالث:

الكيفيات االستعدادية كالصالبة واللين، الرابع: الكيفيات المختصة بالكمياتكالزوجية واالنحناء واالستقامة وغيرها.

المسألة الثالثةفي البحث عن المحسوسات

قال: فالمحسوسات إما إنفعاليات أو إنفعاالت.أقول: الكيفيات المحسوسة إن كانت راسخة عسرة الزوال سميت انفعالياتالنفعال الحواس عنها أوال، وإن كانت غير راسخة بل سريعة الزوال سميت

انفعاالت وهي وإن لم تكن في أنفسها انفعاالت لكنها لقصر مدتها وسرعة زوالهامنعت اسم جنسها واقتصر في تسميتها على االنفعاالت.

المسألة الرابعةفي مغايرة الكيفيات لألشكال واألمزجة

قال: وهي مغايرة لألشكال الختالفهما في الحمل.

(٣٠٨)

Page 329: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: ذهب قوم من القدماء إلى أن هذه الكيفيات نفس األشكال، قالوا: ألناألجسام تنتهي في التحليل إلى أجزاء صغار تقبل القسمة الوهمية ال االنفكاكية

وتلك األجزاء مختلفة في األشكال، فالتي تحيط (١) بها أربعة مثلثات تكون مفرقةالتصال العضو فيحس منها بالحرارة، والتي تحيط بها ستة مربعات تكون غليظةغير نافذة فيحس منها بالبرد، والذي يقطع العضو إلى أجزاء صغار ويكون شديدالنفوذ هو المحرق الحريف والمالقي لذلك التقطيع هو الحلو، والذي ينفصل منهشعاع مفرق للبصر هو األبيض، والذي ينفصل منه شعاع قابض للبصر هو السواد

ويحصل من اختالطهما باقي أنواع األلوان.والمحققون أبطلوا هذه المقالة بأن األشكال واأللوان مختلفة في المحموالتفيحمل على أحدهما بااليجاب ما يحمل على اآلخر بالسلب فيلزم تغايرهما

بالضرورة، وبيانه أن األشكال ملموسة وغير متضادة واأللوان متضادة غيرملموسة، وأيضا األشكال مبصرة والحرارة والبرودة ليستا كذلك.

قال: والمزاج لعمومها.--------------------

(١) أي األجزاء التي تحيط بها.. الخ. وقوله اآلتي: والذي يقطع، وكذا والذي ينفصل أي الجزءالذي كان كذلك. وعبارة النسخ مضطربة، وعبارة القوشجي في المقام موافقة للمختار،

وصاحب الشوارق نقل عبارة القوشجي أيضا حرفا بحرف، قال: زعم جمع من األوائل أنهذه الكيفيات نفس األشكال قالوا: إن األجسام ينتهي تحليلها إلى أجزاء صلبة قابلة

لالنقسام الوهمي دون االنقسام الفعلي، وزعموا أن تلك األجزاء متخالفة األشكال فاألجزاءالتي يحيط بها أربع مثلثات تكون متحدة األطراف مفرقة التصال العضو فتحس منها

بالحرارة. واألجزاء التي يحيط بها ست مربعات تكون غليظة األطراف غير نافذة في العضوفتحس منها بالبرودة. وكذا الحال في الطعوم فإن الجزء الذي يقطع العضو إلى أجزاء صغار

وتكون شديدة النفوذ فيه هو الحريف، والجزء الذي يتالقى هذا التقطيع هو الحلو. وكذاالقول في األلوان فإن الجزء الذي ينفصل منه شعاع مفرق للبصر هو األبيض، والذي ينفصلمنه شعاع جامع للبصر هو األسود، ويتحصل من اختالط هذين النوعين من الشعاع األلوان

المتوسطة بين السواد والبياض.

(٣٠٩)

Page 330: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: ذهب آخرون من األوائل إلى أن الكيفيات هي األمزجة وهو خطأ،ألن المزاج كيفية متوسطة بين الحار والبارد يحصل من تفاعلهما والحرارة

والبرودة من الكيفيات الملموسة فيكون المزاج منها، فاللون والطعم مما ليسبملموس يكون مغايرا للمزاج وإن كان تابعا له لكن التابع مغاير للمتبوع.

المسألة الخامسةفي البحث عن الملموسات

قال: فمنها أوائل الملموسات وهي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة،والبواقي منتسبة إليها.

أقول: لما كانت الكيفيات الملموسة أظهر عند الطبيعة لعمومها بالنسبة إلى كلحيوان قدم البحث عنها. واعلم أن الكيفيات الملموسة إما فعلية أو انفعالية أو ما

ينسب إليهما، فالفعلية كيفيتان هما الحرارة والبرودة، والمنفعلة اثنتان هما الرطوبةواليبوسة، ونعني بالفعلية ما تفعل الصورة بواسطتها في المادة، وبالمنفعلة ما تنفعل

المادة باعتبارها. وإنما كانت األوليان فعليتين واألخريان منفعلتين وإن كانتالمادة تنفعل باعتبارهما ألن األوليين تفعالن في األخريين دون العكس، وأما

باقي الكيفيات الملموسة كاللطافة والكثافة واللزوجة والهشاشة والجفاف والبلةوالثقل والخفة فإنها تابعة لهذه األربعة.

قال: فالحرارة جامعة للمتشاكالت، مفرقة للمختلفات، والبرودة بالعكس.أقول: الحرارة من شأنها إحداث الخفة والميل الصاعد ويحصل بسبب ذلك

الحركة، فإذا وردت الحرارة على المركب وسخنته طلب األلطف الصعود قبل غيرهلسرعة انفعاله فاقتضى ذلك تفريق أجزاء المركب المختلفة، فإذا صعد األلطف

جامع مشاكله، فمن هاهنا قيل: إنها تقتضي جمع المتشاكالت وتفريق المختلفات،وأما البرودة فإنها بالعكس من ذلك.

(٣١٠)

Page 331: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قال: وهما متضادتان.أقول: الحرارة والبرودة كيفيتان وجوديتان بينهما غاية التباعد فهما

متضادتان، ولم يخالف في هذا الحكم أحد من المحققين، وقد ذهب قوم غيرمحققين إلى أن البرودة عدم الحرارة عما من شأنه أن يكون حارا، فيكون التقابل

بينهما تقابل العدم والملكة وهو خطأ، ألنا ندرك من الجسم البارد كيفية زائدةعلى الجسمية المطلقة والعدم غير مدرك، فالبرودة صفة وجودية.قال: وتطلق الحرارة على معان أخر مخالفة للكيفية في الحقيقة.

أقول: لفظة الحرارة تطلق على معان: أحدها: الكيفية المحسوسة من حرارةالنار، والثاني: الحرارة المناسبة للحياة وهي شرط فيها وتسمى الحرارة

الغريزية (١) وهي مخالفة لتلك في الحقيقة ألن تلك مضادة للحياة والثانية شرطفيها، والثالث: حرارة الكواكب النيرة وهي مخالفة لما تقدم.

قال: والرطوبة كيفية تقتضي سهولة التشكل، واليبوسة بالعكس.أقول: الرطوبة فسرها الشيخ بأنها كيفية تقتضي سهولة التشكل واالتصال

والتفرق، والجمهور يطلقون الرطوبة على البلة ال غير فالهواء ليس برطب عندهم،وعند الشيخ أنه رطب وجعل البلة هي الرطوبة الغريبة الجارية على ظاهر

الجسم، كما أن االنتفاع هو الرطوبة الغريبة النافذة إلى باطنه والجفاف عدم البلةعما من شأنه أن يبتل واليبوسة مقابلة للرطوبة.

قال: وهما مغايرتان للين والصالبة.أقول: اللين والصالبة من الكيفيات االستعدادية، فاللين كيفية يكون الجسم

بها مستعدا لالنغمار، ويكون للشئ بها قوام غير سيال فينفصل عن موضوعه واليمتد كثيرا وال يتفرق بسهولة وإنما يكون قبوله للغمر من الرطوبة وتماسكه من

--------------------(١) الغريزية في قبال الغريبة. ويقال للغريزية: الروح البخاري.

(٣١١)

Page 332: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

اليبوسة والصالبة كيفية تقتضي مقابل ذلك.قال: والثقل كيفية تقتضي حركة الجسم إلى حيث ينطبق مركزه على مركز

العالم إن كان مطلقا، والخفة بالعكس، ويقاالن باإلضافة باعتبارين.أقول: لما كان الثقل والخفة من الكيفيات المحسوسة صادرتين عن الحرارة

والبرودة بحث عنهما. واعلم أن كل واحد منهما يقال بمعنيين: حقيقي وإضافي،فالثقل الحقيقي كيفية تقتضي حركة الجسم إلى أسفل بحيث ينطبق مركزه على

مركز العالم إذا لم يعقه عائق، والخفة بالعكس وهي كيفية تقتضي حركة الجسم إلىفوق بحيث يطفو على العناصر وينطبق سطحه على سطح الفلك إن لم يعقه عائق.

وأما اإلضافي فإنه يقال بمعنيين في كل واحد منهما، فالخفيف باإلضافة يقالبمعنيين: أحدهما الذي في طباعه أن يتحرك في أكثر المسافة الممتدة بين المركز

والمحيط حركة إلى المحيط وقد يعرض له أن يتحرك عن المحيط وال تتضادهاتان الحركتان، والثاني الذي إذا قيس إلى النار نفسها كانت النار سابقة له إلى

المحيط فهو عند المحيط ثقيل وخفيف باإلضافة.قال: والميل طبيعي وقسري ونفساني.

أقول: الميل هو الذي يسميه المتكلمون اعتمادا، وينقسم بانقسام معلولهأعني الحركة إلى طبيعي كميل الحجر المسكن في الهواء والزق في الماء، وإلى

قسري كميل الحجر إلى فوق عند قسره على الصعود، وإلى نفساني كميل الحيوانإلى الحركة حال اندفاعه اإلرادي.

قال: وهو العلة القريبة للحركة، وباعتباره يصدر عن الثابت متغير.أقول: الميل هو العلة القريبة للحركة، وباعتبار تحققه يصدر عن الثابت شئ

متغير وذلك ألن الطبيعة أمر ثابت، وكذا القوة القسرية والنفسانية فيستحيل صدورالحركة المتغيرة عنها فال بد من أمر يشتد ويضعف بسبب مصادمات الموانع

الخارجية والداخلية هو الميل يصدر عن الطبيعة ويقتضي الحركة فيحصل

(٣١٢)

Page 333: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

باشتداده سرعة الحركة وشدتها وبضعفه ضد ذلك.قال: ومختلفه متضاد.

أقول: يشير إلى عدم إمكان اجتماع ميلين مختلفين، وذلك ألن الميل يقتضيالحركة إلى جهة والصرف عن أخرى، فلو اجتمع في الجسم ميالن القتضى حركته

وتوجهه إلى جهتين مختلفتين وذلك غير معقول، نعم كما يجوز أن يجتمع فيجسم واحد حركتان مختلفتان أحداهما بالذات واألخرى بالعرض، كذلك يجوز

اجتماع ميل ذاتي وعرضي كحجر يحمله انسان متحرك فإن الثقل موجود فيه وهوميله الذاتي حال خرق الهواء به وهو ميله العرضي الذي هو لالنسان ذاتي، فإذا

تجدد على ذي ميل طبيعي ميل قسري تقاوم السببان أعني الطبيعة والقاسروحدث ميل القاهر منهما فإن كان القاسر غالبا أخذت الطبيعة والموانع الخارجيةفي إفنائه قليال قليال ثم تقوى الطبيعة ويأخذ الميل القسري في النقص والطبيعة في

الزيادة إلى أن يتعادال، فيبقى الجسم عديم الميل ثم تأخذ الطبيعة في االزديادعلى التعادل فتوجد ميال مشوبا بآثار الضعف (١) ثم يشتد الميل ويزداد الضعف فال

--------------------(١) وفي (م ص): فتوجد ميال مستويا بإزاء الضعف. وعبارته اآلتية بعد بضع أسطر: فإذا

فرضناه ممنوا بالمعاوقة: حرفت هكذا: محفوفا، وفي بعضها ممنوعا وفي بعضها مستوا، وفيبعضها بكلمات أخرى، ونظائر هذا التحريف في الكتاب كثيرة جدا. وكذا اإلضافات التي

هي إلحاقات الحواشي بالكتاب، وكذا االسقاط األخرى رأينا عدم التعرض بها أجدر وأولىواعلم أن عبارة المحقق الطوسي في شرحه على اإلشارات المطبوع الرائج موافقة لما

اخترناها حيث قال في شرح الفصل السادس من النمط الثاني: فإذا طرأ على جسم ذي ميلطبيعي بالفعل ميل قسري تقاوم السببان أعني القاسر والطبيعة فإن غلب القاسر وصارت

الطبيعة مقهورة حدث ميل قسري وبطل الطبيعي، ثم تأخذ الموانع الخارجية والطبيعية معافي إفنائه قليال قليال وتقوى الطبيعة بحسب ذلك، ويأخذ الميل القسري في االنتقاص وقوة

الطبيعة في االزدياد إلى أن تقاوم الطبيعة الباقي من الميل القسري فيبقى الجسم عديمالميل، ثم تجدد الطبيعة ميلها مشوبا بآثار الضعف الباقية فيها ويشتد الميل بزوال الضعف

فيكون األمر بين قوة الطبيعة والميل القسري قريبا من االمتزاج الحادث بين الكيفياتالمتضادة (ص ٤٩ ط شيخ رضا).

(٣١٣)

Page 334: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

يمكن اجتماع ميلين طبيعي وقسري على حد الصرافة بل يكون الجسم أبدا ذاحال متوسط بين الميل القسري الشديد والطبيعي الشديد.

قال: ولوال ثبوته لتساوى ذو العائق وعادمه.أقول: هذا إشارة إلى الدليل على وجود الميل الطبيعي في كل جسم (١) قابلللحركة القسرية، وتقريره أن المتحرك إذا كان خاليا عن المعاوقة وقطع بميله

القسري مسافة ما فإنه يقطعها في زمان، فإذا فرضناه ممنوا بالمعاوقة قطعها فيزمان أطول، فإذا فرضناه مع معاوقة أقل من األولى على نسبة الزمانين قطعها في

زمان مساو لزمان عديم المعاوقة، وذلك محال قطعا المتناع تساوي زماني عديمالمعاوقة وواجدها.

قال: وعند آخرين هو جنس بحسب عدد الجهات ومتماثل ومختلفباعتبارها.

أقول: لما فرغ من البحث عن الميل وأحكامه على رأي األوائل شرع في--------------------

(١) هذا لو لم يكن القول بقوة جاذبة األرض حاكما عليه. وقد ذهب ثابت بن قرة من علماءصدر االسالم إلى القول بتجاذب األرض كما نص به المتأله السبزواري في شرح األسماء

حيث قال في شرح الفصل السادس من الجوشن الكبير عند قوله عليه السالم: يا من استقرتاألرضون بإذنه: وقال ثابت بن قرة: سببه - أي سبب ميل األجزاء الثقيلة من جميع الجوانبإلى المركز - طلب كل جزء موضعا يكون فيه قربه من جميع األجزاء قربا متساويا إذ عنده

ميل المدرة إلى السفل ليس لكونها طالبة للمركز بالذات بل ألن الجنسية منشأ االنضمام،فقال: لو فرض أن األرض تقطعت وتفرقت في جوانب العالم ثم أطلقت أجزاؤها لكان يتوجه

بعضها إلى بعض ويقف حيث يتهيأ تالقيها (ص ٥٣ ط ١) فبما قلنا دريت أن مذهب نيوتن فيالقوة الجاذبة لألرض ليس بمذهب بديع لم يكن قبل ولم يذهب إليه أحد وهو ممن نطق بهوليس إال. وأكثر اآلراء الغربية الرائجة الدارجة في أصول المسائل العلمية كانت هكذا وما

منها إال وله أصل رصين في الصحف االسالمية إال أن الناس لغفلتهم عما في أيديهم يأكلوننعمهم ويشكرون األغيار.

(٣١٤)

Page 335: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

البحث عنه على رأي المتكلمين وهو جنس على رأيهم تحته ستة أنواع بحسبعدد الجهات الست ثم قالوا: إن منه ما هو متماثل وهو كل ما اختص بجهة واحدة

ألن تساوي المعلول يستلزم تساوي العلة، ومنه مختلف وهو ما تعددت جهاته.واختلف أبو علي وأبو هاشم في مختلفه، فقال أبو هاشم: إنه غير متضاد الجتماع

الميلين في الحجر الصاعد قسرا وفي الحلقة التي يتجاذبها اثنان، وقال أبو علي:إنه متضاد.

قال: ومنه الثقل وآخرون منهم جعلوه مغايرا.أقول: من أجناس االعتماد عند أبي هاشم الثقل وهو االعتماد الالزم

الموجب للحركة سفال، وقال أبو علي (١): إن الثقل راجع إلى تزايد أجزاء الجسمفجعله مغايرا لجنس االعتماد، وهو خطأ ألن تزايد األجزاء الحقيقية حاصل في

الخفيف وال ثقل له.قال: ومنه الزم ومفارق.

أقول: ذهب المتكلمون إلى أن االعتماد منه ما هو الزم وهو االعتماد نحوالفوق والسفل، ومنه ما هو مفارق وهو المختلف (٢) وهو المقتضي للحركة إلى

إحدى الجهات األربع، وإنما كان مفارقا لعدم وجوب وقوف الجسم في إحداها أوذهابه عنها بخالف الجهتين.

قال: ويفتقر إلى محل ال غير (٣).أقول: لما كان االعتماد عرضا وكان كل عرض مفتقرا إلى محل كان االعتماد

مفتقرا إلى المحل، ولما امتنع حلول عرض في محلين كان االعتماد كذلك، فألجل--------------------(١) هو أبو علي الجبائي المعتزلي.

(٢) كما في (م ق) والنسخ األخرى: المجتلب. وقد تقدم ذكر المختلف في هذه المسألة غيرمرة، وسيأتي أيضا.

(٣) أي يحتاج االعتماد إلى محل واحد، أما إلى محل فلكونه عرضا، وأما إلى محل واحدفالمتناع حلول عرض في محلين، والقياس بالتأليف وهم. ومدافعة محله أي خفظه.

(٣١٥)

Page 336: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

هذا قال: إنه يفتقر إلى محل ال غير. وبعض المتكلمين لما طعن في كلية الحكمينافتقر إلى االستدالل عليهما هنا، واستدلوا على األول بأن صفة ذاته وجوب

مدافعة محله لصفة ذاته، فلو انتفى المحل انتفت صفة الذات وذلك يقتضي نفيالذات، وعلى الثاني بأنه يكون مساويا للتأليف ألن االفتقار إلى أزيد من محلواحد من خواص التأليف، واالشتراك في أخص الصفات يستلزم االشتراك في

الذات.قال: وهو مقدور لنا.

أقول: ذهب المتكلمون إلى أن االعتماد مقدور لنا، ألنه يقع بحسب دواعيناوينتفي بحسب صوارفنا فيكون صادرا عنا.

قال: وتتولد عنه أشياء بعضها لذاته من غير شرط، وبعضها بشرط، وبعضها اللذاته.

أقول: قسم المتكلمون االعتماد بالنسبة إلى ما يتولد عنه إلى أقسام ثالثة،أحدها: ما يتولد عنه لذاته من غير حاجة إلى شرط وإن كان قد يحتاج إليه أحياناوهو األكوان واالعتماد في محله وإن كان يولدهما في غير محله بشرط التماس.

وإنما قلنا: إنه يتولد عنه األكوان، ألن الجسم يختص بجهة دون أخرى حال حركتهفال بد من مخصص لتلك الجهة وهو االعتماد. وقلنا إنه يولد االعتماد لوجود

الحركة القسرية شيئا بعد شئ، فإن المتحرك يوجد (١) فيه االعتماد واالعتماديولد الحركة األولى واالعتماد معا ثم إذا تحرك ولد االعتماد حركة أخرى

واعتمادا آخر.وثانيها: ما يتولد عنه بشرط وال يصح بدونه وهو األصوات فإنها تتولد عنه

--------------------(١) كما في (د، ش) وفي نسخ أخرى المحرك مكان المتحرك، ولكن الحق هو األول، واألكوان

هي األكوان األربعة على اصطالح المتكلمين وهي الحركة والسكون واالجتماع واالفتراق.وسيأتي البحث عنها في مقولة األين.

(٣١٦)

Page 337: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

بشرط المصاكة ألن الصدى موجود في غير محل القدرة وما يتعدى محل القدرةال يولده إال االعتماد وإذا كان ما يتعدى محل القدرة يتولد عن االعتماد فما يحل

محلها أولى.وثالثها: ما يتولد عنه ال بنفسه بل بتوسط وهو األلم والتأليف، فإن االعتماد

يولد المجاورة والتفريق، والمجاورة تولد التأليف، والتفريق يولد األلم.المسألة السادسة

في البحث عن المبصراتقال: ومنها أوائل المبصرات وهي اللون والضوء.

أقول: من الكيفيات المحسوسة المبصرات، وقد نبه بقوله: أوائل المبصراتعلى أن من المبصرات ما يتناوله الحس البصري أوال وبالذات وهو ما ذكره هنا

من اللون والضوء، ومنها ما يتناوله بواسطة كغيرهما من المرئيات، فإن البصر إنمايدركها بواسطة هذين وهذا كما قال في األول، ومنها أوائل الملموسات فإن فيه

تنبيها على أن هناك كيفيات تدرك باللمس بواسطة غيرها.قال: ولكل منهما طرفان.

أقول: لكل واحد من اللون والضوء طرفان، ففي اللون السواد والبياض وفيالضوء النور الخارق والظلمة، وما عدا هذه فإنها متوسطة بين هذه كالحمرةوالخضرة والصفرة والغبرة وغيرها من األلوان وكالظل وشبهه من األضواء.

قال: ولألول حقيقة.أقول: ذهب من ال مزيد تحصيل له إلى أن األلوان ال حقيقة لها، فإن البياض

المتخيل أنما يحصل من مخالطة الهواء لألجسام الشفافة المنقسمة إلى األجزاءالصغار كما في زبد الماء والثلج، والسواد المتخيل أنما يتخيل لعدم غور الجسم (١)

--------------------(١) هذه هي العبارة الصحيحة. والعدم بضم العين وسكون الدال المهملتين. والغور بفتح الغين

المعجمة، والضوء منصوب على المفعولية. وقد حرفت العبارة في النسخ المطبوعة بصورمشوهة.

وعبارة الشيخ في الشفاء هكذا: قالوا فأما السواد فيتخيل لعدم غور الجسم وعمقه الضوءواإلشفاف معا (أول الفصل الرابع من المقالة الثالثة من نفس الشفاء، ص ٣١٣ ج ١ ط ١).

(٣١٧)

Page 338: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الضوء. والشيخ اضطرب كالمه في البياض، فتارة جعله كيفية حقيقية وأخرى أنهغير حقيقية بل سبب حصوله ما ذكر. والحق أنه كيفية حقيقية قائمة بالجسم فيالخارج ألنه محسوس كما في بياض البيض المسلوق فإنه ليس لنفوذ الهواء فيه

لزيادة ثقله بعد الطبخ، وبالجملة فاألمور المحسوسة غنية عن البرهان.قال: وطرفاه السواد والبياض المتضادان.

أقول: طرفا اللون هما السواد والبياض، وقيدهما بالمتضادين ألن الضدينهما اللذان بينهما غاية التباعد فألجل ذلك ذكر هذا القيد في الطرفين، وهذا تنبيهعلى أن ما عداهما متوسط بينهما وليس نوعا قائما بانفراده كما ذهب إليه بعض

الناس من أن األلوان الحقيقية خمسة: السواد والبياض والحمرة والصفرةوالخضرة، ونبه بقوله: المتضادان على امتناع اجتماعهما خالفا لبعض الناس حيث

ذهب إلى أنهما يجتمعان كما في الغبرة وهو خطأ.قال: ويتوقف على الثاني في االدراك ال الوجود.

أقول: ذهب أبو علي ابن سينا إلى أن الضوء شرط وجود اللون، فاألجسامالملونة حال الظلمة تعدم عنها ألوانها ألنا ال نراها في الظلمة فإما أن يكون لعدمها

وهو المراد، أو لحصول المانع وهو ما يقال من أن الظلمة كيفية قائمة بالمظلم مانعةمن األبصار وهو باطل وإال لمنعت من هو بعيد عن النار عن مشاهدة القريب منها

ليال وليس كذلك وهو خطأ جدا، ألنا نقول: إنما لم تحصل الرؤية لعدم الشرطوهو الضوء ال النتفاء المرئي في نفسه، ونبه المصنف على ذلك بقوله: ويتوقف

- أي اللون - على الثاني - أي الضوء - في اإلدراك ال الوجود.

(٣١٨)

Page 339: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قال: وهما متغايران حسا.أقول: يريد أن اللون والضوء متغايران خالفا لقوم غير محققين ذهبوا إلى أن

الضوء هو اللون، قالوا: إن الظهور المطلق هو الضوء، والخفاء المطلق هو الظلمة،والمتوسط بينهما هو الظل، والحس يدل على المغايرة.

قال: قابالن للشدة والضعف، المتباينان نوعا.أقول: كل واحد من هذين - أعني اللون والضوء - قابل للشدة والضعف وهو

ظاهر محسوس، فإن البياض في الثلج أشد من البياض في العاج، وضوء الشمسأشد من ضوء القمر. إذا عرفت هذا فاعلم أن الشديد في كل نوع يخالف الضعيفمنه بالنوع، وذهب قوم إلى أن سبب الشدة والضعف ليس االختالف بالحقيقة بل

باختالط بعض أجزاء الشديد بأجزاء الضد فيحصل الضعف وإن لم يختلط حصلتالشدة، وقد بينا خطأهم فيما تقدم.

قال: ولو كان الثاني جسما لحصل ضد المحسوس.أقول: ذهب من ال تحصيل له إلى أن الضوء جسم، وسبب غلطه ما يتوهم من

كونه متحركا بحركة المضئ، وإنما كان ذلك باطال ألن الحس يحكم بافتقاره إلىموضوع يقوم به وال يمكنه تجريده عن محل يقومه، فلو كان جسما لحصل ضد

هذا الحكم المحسوس وهو قيامه بنفسه واستغناؤه عن موضوع يحل فيه.ويحتمل أن يكون قوله: لحصل ضد المحسوس، أن الضوء إذا أشرق على

الجسم ظهر وكلما ازداد إشراقا ازداد ظهورا في الحس، فلو كان جسما لكانساترا لما يشرق عليه فكان يحصل ضد المحسوس أعني ضد االشراق، ويكون

كلما ازداد إشراقه ازداد ستره، لكن الحس يشهد بضد ذلك.أو نقول: إن الحس يشهد بسرعة ظهور ما يشرق عليه الضوء، فإن الشمس إذاطلعت على وجه األرض أشرقت دفعة واحدة، ولو كان الضوء جسما افتقر إلى

زمان يقطع فيه هذه المسافة الطويلة فكان يحصل ضد السرعة المحسوسة، فهذه

(٣١٩)

Page 340: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

االحتماالت كلها صالحة لتفسير قوله: لحصل ضد المحسوس.وأما سبب وهم أولئك (١) من أنه متحرك فهو خطأ، ألن الضوء يحدث عند

المقابلة ال أنه يتحرك من الجسم المقابل إلى غيره.قال: بل هو عرض قائم بالمحل معد لحصول مثله في المقابل.

أقول: لما أبطل كونه جسما ثبت كونه عرضا قائما بالمحل، إذ العرض ال يقومبنفسه وإذا قام بالمحل حصل منه استعداد للجسم المقابل لمحله لتكيفه بمثل كيفيته

كما في األجسام النيرة الحاصل منها النور في المقابل، وقد نبه بذلك على أنالمضئ أنما يضئ ما يقابله.

قال: وهو ذاتي وعرضي، أول وثان.أقول: الضوء منه ذاتي ومنه عرضي، وأيضا منه ما هو أول ومنه ما هو ثان،

فالذاتي يسمى ضوءا بقول مطلق وأما العرضي وهو الحاصل من المضئ لذاتهفي غيره فإنه يسمى نورا، واألول من الضوء ما حصل عن المضئ لذاته، والثاني

ما حصل عن المقابل له كاألرض قبل طلوع الشمس فإنها مضيئة لمقابلتها الهواءالمضئ لمقابلة الشمس.

قال: والظلمة عدم ملكة (٢).أقول: الظلمة عدم الضوء عما من شأنه أن يكون مضيئا، ومثل هذا العدم

المقيد بموضوع خاص يسمى عدم ملكة، وليست الظلمة كيفية وجودية قائمة--------------------

(١) باتفاق النسخ كلها وهو ناظر إلى قوله: وسبب غلطه ما يتوهم من كونه متحركا.(٢) ولكن قال األمام سيد الساجدين عليه السالم: سبحانك تسمع أنفاس الحيتان في قعور البحار،

سبحانك تعلم وزن السماوات، سبحانك تعلم وزن األرض (األرضين - خ ل)، سبحانك تعلموزن الشمس والقمر، سبحانك تعلم وزن الظلمة والنور، سبحانك تعلم وزن الفئ والهواء،

سبحانك تعلم وزن الريح كم هي من مثقال ذرة. (الصحيفة الثانية السجادية مما جمعهالمحدث الثقة الجليل صاحب الوسائل الشيخ الحر العاملي رضوان الله تعالى عليه ص ٢٧٧

ط ١ مصر. وكان من دعائه عليه السالم في التسبيح).

(٣٢٠)

Page 341: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

بالمظلم كما ذهب إليه من ال تحقيق له، ألن المبصر ال يجد فرقا بين حالتيه عندفتح العين في الظلمة وبين تغميضها في عدم اإلدراك، فلو كانت كيفية وجودية

لحصل الفرق. وفي هذا نظر فإنه يدل على انتفاء كونها كيفية وجودية مدركة العلى أنها وجودية مطلقا (١).

المسألة السابعةفي البحث عن المسموعات

قال: ومنها المسموعات وهي األصوات الحاصلة من التموج المعلول للقرعوالقلع.

أقول: من الكيفيات المحسوسة األصوات وهي المدركة بالسمع. واعلم أنالصوت عرض قائم بالمحل، وقد ذهب قوم غير محققين إلى أن الصوت جوهر (٢)ينقطع بالحركة وهو خطأ، ألن الجوهر يدرك باللمس والبصر والصوت ليس كذلك.

وذهب آخرون إلى أنه عبارة عن التموج الحاصل في الهواء من القلع أوالقرع، وآخرون قالوا: إنه القلع أو القرع.

وهذان المذهبان باطالن، وسبب غلطهم أخذ سبب الشئ مكانه فإن الصوتمعلول للتموج المعلول للقرع أو القلع وليس هو أحدها ألنها تدرك بحس البصر

بخالف الصوت. إذا عرفت هذا فاعلم أن القلع أو القرع إذا حصل حدث تموج بينالقارع والمقروع في الهواء وانتقل ذلك التموج إلى سطح الصماخ فأدرك الصوت،

وال نعني بذلك أن تموجا واحدا ينتقل بعينه إلى الصماخ بل يحصل تموج بعدتموج عن صدم بعد آخر كما في تموج الماء إلى أن يصل إلى الحس.

--------------------(١) وهي العبارة الصحيحة اتفقت النسخ الست األصلية وما في المطبوعة: (ال على انتفاء كونها

وجودية مطلقا) مصحفة جدا، وكم لها من نظير في الكتاب أعرضنا عن التعرض بها خوفالإلسهاب.

(٢) باتفاق النسخ الست األولى: الصوت جواهر، على صيغة الجمع.

(٣٢١)

Page 342: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قال: بشرط المقاومة.أقول: القرع أنما يحصل معه الصوت إذا حصلت المقاومة بين القارع

والمقروع، فإنك لو ضربت خشبة على وجه الماء بحيث تحصل المقاومة فإنهيحدث الصوت، ولو وضعتها عليه بسهولة لم يحصل الصوت، وال يشترط الصالبة

لحصول الصوت من الماء والهواء وال صالبة هناك.قال: في الخارج.

أقول: ذهب قوم إلى أن الصوت ليس بحاصل في الخارج بل إنما يحصل عندالصماخ، وهو ما إذا تموج الهواء وانتهى التموج إلى قرع سطح الصماخ فيحصل

الصوت وهو خطأ، وإال لم تدرك الجهة وال البعد كما في اللمس حيث كان إدراكهبالمالقاة. وال يمكن أن يقال: إن إدراك الجهة أنما كان ألن القرع توجه من تلكالجهة وإدراك البعد، ألن ضعف الصوت وقوته يدل على القرب والبعد (١) ألنا لو

سددنا األذن اليسرى ألدركنا باليمنى جهة الصوت الحاصل من الجهة اليسرىوالضعف لو كان للبعد لم نفرق بين القوي البعيد والضعيف القريب.

قال: ويستحيل بقاؤه لوجوب إدراك الهيئة الصورية.أقول: الصوت يستحيل عليه البقاء خالفا للكرامية، والدليل عليه أنا إذا

سمعنا لفظة زيد (٢) أدركنا الهيئة الصورية أعني ترتيب الحروف وتقديم بعضهاعلى بعض، ولو كانت أجزاء الحروف باقية لم يكن إدراك هذا الترتيب أولى من

باقي التركيبات الخمسة.قال: ويحصل منه آخر.

أقول: الصوت أنما يحصل باعتبار التموج في الهواء الواصل إلى سطح--------------------

(١) تقدم كالمنا فيهما.(٢) وفي (م): إذا وضعنا لفظة زيد، والتركيبات الخمسة هي غير كلمة زيد من حروف زيد

وهي: يزد، ديز، زدي، دزي، يدز.

(٣٢٢)

Page 343: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الصماخ، وقد بينا وجوده في الخارج فإذا تأدى التموج إلى جسم كثيف مقاوملذلك التموج رده، فحصل منه تموج آخر وحصل من ذلك التموج اآلخر صوت

آخر هو الصدى، والظاهر أن هذا الصدى أنما يحصل من تموج الهواء الحاصل بينالهواء المتموج المتوجه إلى المقاوم وبين ذلك المقاوم ال من الهواء المتوجه بعد

صدمه للمقابل وإن كان فيه احتمال، وكالم المصنف رحمه الله محتمل لهما ألن قوله:ويحصل منه آخر يحتمل كال المعنيين.

قال: وتعرض له كيفية مميزة، تسمى باعتبارها حرفا.قوله: تعرض للصوت كيفية يتميز بها عن صوت آخر مثله تميزا في المسموعيسمى الصوت باعتبار تلك الكيفية حرفا وهي حروف التهجي وحصرها غير

معلوم بالبرهان.قال: إما مصوت أو صامت، متماثل أو مختلف بالذات أو بالعرض.

أقول: تنقسم الحروف إلى قسمين (١): مصوت وصامت، فالمصوت هو حرفالمد واللين أعني الواو واأللف والياء، وهي أنما تحصل في زمان، وإما صامت

وهو ما عداها. والصامت إما متماثل كالجيم والجيم أو مختلف، والمختلف إمابالذات كالجيم والحاء أو بالعرض وهو إما أن يكون أحد الجيمين مثال ساكنا

واآلخر متحركا أو يكون أحدهما متحركا بحركة واآلخر بضدها.قال: وينتظم منها الكالم بأقسامه.

أقول: هذه الحروف المسموعة إذا تألفت تأليفا مخصوصا أي بحسب الوضعسميت كالما، فحد الكالم على هذا هو ما انتظم من الحروف المسموعة ويدخل

--------------------(١) ينبغي التوجه إلى التميز بين الحروف المصوتة أو الصامتة هاهنا وبين ما في العلم

االرثماطيقي، ألن في ذلك العلم اصطالحا آخر في الصامتة ففيه تسمى أربعة عشر حرفاصامتة تجمعها هذه الكلمات األربع: أحد، رسص، طعكل، موهال. وذكروا لها خواص وآثارا

معجبة وراجع في المقام األسفار أيضا (ج ٢ ط ١ ص ٣٣).

(٣٢٣)

Page 344: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

فيه المفرد وهو الكلمة الواحدة، والمؤلف التام وهو المحتمل للصدق والكذب،وغير المحتمل لهما من األمر والنهي واالستفهام والتعجب والنداء وغير التام

التقييدي وغيره، وإلى هذا أشار بقوله: بأقسامه.قال: وال يعقل غيره (١).

--------------------(١) رد على األشاعرة إعلم أنما األوائل ذهبوا - من قوله سبحانه: (وكلم الله موسى تكليما)

ونحوه - إلى القول بأن الله متكلم والقرآن كالم الله ثم إلى أن القرآن قديم، إجالال للقرآن ثماقتفاهم األشاعرة فانجر األمر إلى أن أفتوا بأن من قال بخلق القرآن أي حدوثه فهو مبدع بل

كافر. ثم لما قابلوا االعتراضات الكثيرة من أرباب العقول القائلين بأن القرآن مخلوق أيحادث تمسكوا لتثبيت اعتقادهم وإنفاذه ردا على المعترضين عليهم بالكالم النفسي. وقالوا:إن الكالم نفسي ولفظي، والقرآن كالم قديم بالمعنى األول، والثاني المخلوق الحادث دالعليه وهذا متصرم الحدوث دون األول. ثم لما واجهوا اعتراضات القول في الكالم النفسيبأنه أي نحو من الكالم تمسكوا بأنه كالم ليس بخبر وال أمر وال نهي وال يدخل فيه ماضوال حال وال استقبال وال غيرها من أحكام الكالم اللفظي وال أحكام الكالم الخيالي. وقدتمسك الفخر الرازي في المحصل في إثبات الكالم النفسي بقول األخطل (ص ١٢٦ ط

اآلستانة):إن الكالم لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليال

وقال المصنف أعني المحقق الطوسي في نقد المحصل ردا عليه: االستدالل بهذا البيتركيك وهو يقتضي أن يقال لألخرس: متكلم، لكونه بهذه الصفة. وقال في النقد أيضا: فقدصارت مسألة قدم الكالم إلى أن قام العلماء وقعدوا وضرب الخلفاء األكابر ألجلها بالسوط

بل بالسيف مبتنية على هذا البيت الذي قاله األخطل، واألعجب تكفيرهم من يأبى القولبهذا األمر المحال.

وقد أصر الفخر في محصله بأن كالم الله تعالى قديم وهو إمام األشاعرة، ومرادهم من الكالمهذا هو النفسي.

وقال شارح المقاصد: وعلى البحث والمناظرة في ثبوت الكالم النفسي وكونه هو القرآنينبغي أن يحمل ما نقل من مناظرة أبي حنيفة وأبي يوسف ستة أشهر ثم استقر رأيهما على أن

من قال بخلق القرآن فهو كافر.وفي شرح القوشجي: الحنابلة قالوا: كالمه تعالى حروف وأصوات يقومان بذاته وأنه قديم،وقد بالغوا فيه حتى قال بعضهم جهال: الجلد والغالف أيضا قديمان فضال عن المصحف.

وفي الملل والنحل للشهرستاني: قال أبو الحسن األشعري: الباري تعالى متكلم بكالموكالمه واحد، والعبارات واأللفاظ المنزلة على لسان المالئكة إلى األنبياء عليهم السالم دالالت

على الكالم األزلي والداللة مخلوقة محدثة والمدلول قديم أزلي، والفرق بين القراءةوالمقرو والتالوة والمتلو كالفرق بين الذكر والمذكور، فالذكر محدث والمذكور قديم. انتهى

ملخصا (ص ٩٦ ج ١ ط مصر).فما يعني بقوله: وكالمه واحد؟ فإن أراد علمه البسيط األحدي القرآني الجمعي فلم يجعلالكالم قسيم العلم، ثم ما يعني في قوله: والعبارات واأللفاظ المنزلة على لسان المالئكة.

واألمر: أرفع من هذه األقاويل، وبعض إشاراتنا في رسالتنا الفارسية المسماة بالقرآنواالنسان يجديك في المقام. وبالجملة إن أرادوا بالكالم النفسي علمه األزلي الذاتي البسيط

األحدي القرآني الجمعي، وباللفظي الفرقان المحدث الكتبي أو اللفظي وإال فال فائدة في

Page 345: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قيل وقال.

(٣٢٤)

Page 346: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: يريد أن الكالم أنما هو المنتظم من الحروف المسموعة وال يعقل غيرهوهو ما أطبق عليه المعتزلة. واألشاعرة أثبتوا معنى آخر سموه الطلب والكالم (١)

النفساني غير مؤلف من الحروف واألصوات يدل هذا الكالم عليه وهو مغايرلإلرادة، ألن االنسان قد يأمر بما ال يريد إظهارا لتمرد العبد عند السلطان فيحصلعذره في ضربه، ومغاير لتخيل الحروف ألن تخيلها تابع لها ومختلف باختالفها،

وهذا المعنى ال يختلف وظاهر أنه مغاير للحياة والقدرة وغيرهما من األعراض،والمعتزلة بالغوا في إنكار هذا المعنى وادعوا الضرورة في نفيه وقالوا: األمر أنما

يعقل مع اإلرادة وليس الطلب مغايرا لها (٢) وحينئذ يصير النزاع هنا لفظيا.المسألة الثامنة

في البحث عن المطعوماتقال: ومنها المطعومات التسع الحادثة من تفاعل الثالث في مثلها.

--------------------(١) كما في (م)، والنسخ األخرى خالية عن الطلب إال الثانية منها بعد كتابته مد على وجهه خط

البطالن. ولكن ذيل الشرح يؤيد ما في نسخة (م) حيث يقول: وليس الطلب مغايرا لها.(٢) وهذا البحث عن الطلب واإلرادة تطرق في أصول الفقه أيضا، وقد بسطوا الكالم فيهما في

كتبهم غاية البسط بل ألفوا فيه رسائل.

(٣٢٥)

Page 347: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: المشهور عند األوائل أن الجسم إن كان عديم الطعم فهو التفه، وتعدالتفاهة من الطعوم التسعة، وإن كان ذا طعم لم ينفك عن أحد الطعوم الثمانية وهي:

الحالوة والحموضة والملوحة والحرافة والمرارة والعفوصة والقبض والدسومة.وهذه الطعوم التسعة تحصل من تفاعل ثالث كيفيات هي: الحرارة والبرودة

والكيفية المعتدلة في مثلها في العدد، أعني ثالث كيفيات ال مثلها في الحقيقة وهي:الكثافة واللطافة والكيفية المعتدلة. فإن الحار إن فعل في الكثيف حدثت المرارة،وفي اللطيف الحرافة، وفي المعتدل الملوحة. والبارد إن فعل في الكثيف حدثت

العفوصة، وفي اللطيف الحموضة، وفي المعتدل القبض. والمعتدل إن فعل فياللطيف حدثت الدسومة، وفي الكثيف الحالوة، وفي المعتدل التفاهة.

المسألة التاسعةفي البحث عن المشمومات

قال: ومنها المشمومات وال أسماء ألنواعها إال من حيث الموافقة والمخالفة.أقول: من أنواع الكيفيات المحسوسة الروائح المدركة بحاسة الشم، ولم

يوضع ألنواعها أسماء مختصة بها كما وضعوا لغيرها من األعراض، بل ميزوا بينهامن حيث الموافقة والمخالفة، فيقال: رائحة طيبة ورائحة منتنة، أو من حيث

إضافتها إلى المحل كرائحة المسك.المسألة العاشرة

في البحث عن الكيفيات االستعداديةقال: واالستعدادات المتوسطة بين طرفي النقيض.

أقول: لما فرغ من البحث عن الكيفيات المحسوسة شرع في القسم الثاني منأقسام الكيف األربعة وهي الكيفيات االستعدادية وهي ما يترجح به القابل في

(٣٢٦)

Page 348: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أحد جانبي قبوله وهي متوسطة بين طرفي النقيض - أعني الوجود والعدم - وذلكألن الرجحان ال يزال يتزايد في أحد طرفي الوجود والعدم إلى أن ينتهي إليهما،فذلك الرجحان القابل للشدة والضعف المتوسط بين طرفي الوجود والعدم هو

الكيف االستعدادي وطرفاه الوجود والعدم، وهذا الرجحان إن كان نحو الفعل فهوالقوة، وإن كان نحو االنفعال فهو الالقوة.

المسألة الحادية عشرةفي البحث عن الكيفيات النفسانية

قال: والنفسانية حال أو ملكة.أقول: هذا هو القسم الثالث من أقسام الكيف وهو الكيفيات النفسانية، ونعني

بها المختصة بذوات األنفس وهي إما أن تكون سريعة الزوال وتسمى حاال لسرعةزوالها، وإما بطيئة الزوال وتسمى ملكة، والفرق بينهما ليس بفصول مميزة بل

بعوارض خارجية وربما كان الشئ حاال ثم صار بعينه ملكة.المسألة الثانية عشرة

في البحث عن العلم بقول مطلققال: منها العلم وهو إما تصور أو تصديق (١) جازم مطابق ثابت.

--------------------(١) العلم المقسم للتصور والتصديق هو الحصولي االرتسامي ال مطلق العلم. والبحث عنالعلم على شعوبه من أغمض المسائل الحكمية، ولنا رسالة فيه لعلها مفيدة في موضوعها.ثم عد العلم من الكيفيات فيه ما فيه ألن الكيف عرض والعرض ال يكون مؤثرا في حقيقة

الموضوع وجوهره والعلم يخرج النفس من الظلمة إلى النور ويصير عينها وأنى للعرضهذه الشأنية؟! بل العلم من حيث إنه يجعل وجود النفس قويا ويخرجها من الضيق إلى السعة

فهو من حيث الوجود خارج عن المقوالت. اللهم إال أن يقال: مفهومه كيف نفساني، تفصيلالبحث يطلب في رسالتنا في العلم.

(٣٢٧)

Page 349: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: من الكيفيات النفسانية العلم، وقسمه إلى التصور وهو عبارة عنحصول صورة الشئ في الذهن، وإلى التصديق الجازم المطابق الثابت وهو

الحكم اليقيني بنسبة أحد المتصورين إلى اآلخر إيجابا أو سلبا. وإنما شرط فيالتصديق الجزم ألن الخالي منه ليس بعلم بهذا المعنى وإن كان قد يطلق عليه اسم

العلم بالمجاز وأنما هو الظن، وشرط المطابقة ألن الخالي منها هو الجهل المركب،وشرط الثبات ألن الخالي منه هو التقليد، أما الجامع لهذه الصفات فهو العلم

خاصة.قال: وال يحد.

أقول: اختلف العقالء في العلم، فقال قوم: إنه ال يحد لظهوره، فإن الكيفياتالوجدانية لظهورها ال يمكن تحديدها لعدم انفكاكه عن تحديد الشئ باألخفى

والعلم منها، وألن غير العلم إنما يعلم بالعلم فلو علم العلم بغيره لزم الدور. وقالآخرون: يحد. فقال بعضهم: إنه اعتقاد أن الشئ كذا مع اعتقاد أنه ال يكون إال

كذا. وقال آخرون: إنه اعتقاد يقتضي سكون النفس، وكالهما غير مانعين.قال: ويقتسمان الضرورة واالكتساب.

أقول: يريد أن كل واحد من التصور والتصديق ينقسم إلى الضروريوالمكتسب، يريد بالضروري من التصور ما ال يتوقف على طلب وكسب، ومن

التصديق ما يكفي تصور طرفيه في الحكم بنسبة أحدهما إلى اآلخر إيجابا أوسلبا، وبالمكتسب ضد ذلك فيهما.

المسألة الثالثة عشرةفي أن العلم يتوقف على االنطباع

قال: وال بد فيه من االنطباع (١).--------------------

(١) بل األمر أرفع من االنطباع. وقول الشارح: ال تحقق لها في الخارج، كثيرا ما يراد منالخارج نفس األمر، فالصور العلمية المحققة لها نفسية في متن الحقائق الوجودية بمراتبها

ومدارجها، ثم إن استداللهم هذا من إحدى الدالالت على إثبات الوجود الذهني على مذاقالقوم.

(٣٢٨)

Page 350: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: اختلف العلماء في ذلك، فذهب جمهور األوائل إلى أن العلم يستدعيانطباع المعلوم في العالم وأنكره آخرون، احتج األولون بأنا قد ندرك أشياء ال

تحقق لها في الخارج، فلو لم تكن منطبعة في الذهن كانت عدما صرفا ونفيا محضافيستحيل اإلضافة إليها.

واحتج اآلخرون بوجهين: األول: أن التعقل لو كان هو حصول صورة المعقولفي العاقل لزم أن يكون الجدار المتصف بالسواد متعقال له، والتالي باطل فكذا

المقدم. الثاني: أن الذهن قد يتصور أشياء متقدرة فيلزم حصول المقدار فيه فيكونمتقدرا، والجواب عنهما سيأتي.

قال: في المحل المجرد القابل (١).أقول: هذا إشارة إلى الجواب عن اإلشكالين، وتقريره أن المحل الذي

جعلناه عاقال مجرد عن المواد كلها، والمجرد ال يتصف بالمقدار باعتبار حلولصورته فيه، فإن صورة المقدار ال يلزم أن تكون مقدارا، وأيضا هذه الصورة

القائمة بالعاقل حالة في محل قابل لها فلهذا كان عاقال لها، أما الجسم فليس محالقابال لتعقل السواد فال يلزم أن يكون متعقال له.

قال: وحلول المثال مغاير.أقول: هذا إشارة إلى كيفية حلول الصورة في العاقل، وتقريره أن الحال في

العاقل أنما هو مثال المعقول وصورته (٢) ال ذاته ونفسه، ولهذا جوزنا حصول--------------------

(١) القبول واالنطباع واالرتسام ونظائرها رائجة في ألسنة المشاء، واألمر كما قلنا فوق هذهالعبارات، ثم إن العلم صورة عارية عن المادة وأحكامها فوعاؤه أعم من الواهب والمتهب

يجب أن يكون من سنخه، فالنفس ومخرجها من النقص والكمال ليسا من هذه النشأة األولىالطبيعية.

(٢) الصورة بمعنى ما هو الشئ بالفعل فالعلم هو إدراك النفس صورة الشئ بهذا المعنىوعطف على المثال الصورة ليفيد أن المثال بمعنى ما هو الشئ بالفعل. وراجع في تفصيل

ذلك الفصل السابع من نفس اإلشارات حيث يقول الشيخ: إدراك الشئ هو أن يكونحقيقته متمثلة عند المدرك يشاهدها ما به يدرك. والى بيان الخواجة في الشرح حيث يقول:

يقال تمثل كذا عند كذا إذا حضر منتصبا عنده بنفسه أو بمثاله. والى الفصل التاسع من النمطالسادس منه حيث يقول: ال تجد إن طلبت مخلصا إال أن تقول أن تمثل النظام الكلي فيالعلم السابق مع وقته الواجب الالئق يفيض منه ذلك النظام على ترتيبه.. الخ. والى الفصل

التاسع من النمط الثامن منه حيث يقول: وكمال الجوهر العقل أن تتمثل فيه جلية الحق األولقدر ما يمكنه أن ينال منه ببهائه الذي يخصه ثم يتمثل فيه الوجود كله على ما هو عليه مجردا

عن الشوب.. الخ.ومع الغور والخوض في تلك الكلمات الكاملة تحصل أن ما شنع القوم على المشاء بأنهمذهبوا إلى أن ذات األول تعالى محل الصور واالرتسام ليس على ما ينبغي، فإن التشنيع يرد

عليهم لو كان المثال بمعنى الشبح والشكل ونحوهما، فتدبر.

Page 351: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

(٣٢٩)

Page 352: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

صورة األضداد في النفس ولم نجوز حصول األضداد في محل واحد في الخارج،فعلم أن حلول مثال الشئ وصورته مغاير لحلول ذلك الشئ، ولما كان هذا

الكالم مما يستعان به على حل ما تقدم من الشكوك ذكره عقيبه.قال: وال يمكن االتحاد (١).

أقول: ذهب قوم من أوائل الحكماء إلى أن التعقل أنما يكون باتحاد صورةالمعقول والعاقل وهو خطأ فاحش فإن االتحاد محال على ما تقدم، ويلزمه أيضا

المحال من وجه آخر وهو اتحاد الذوات المعقولة.وكذلك ذهب آخرون إلى أن التعقل يستدعي اتحاد العاقل بالعقل الفعال وهو

خطأ لما تقدم والستلزامه تعقل كل شئ عند تعقل شئ واحد.قال: ويختلف باختالف المعقول.

أقول: اختلف الناس هنا، فذهب قوم إلى جواز تعلق علم واحد بمعلومين--------------------

(١) بل االتحاد محقق وليس إال. وكتابنا دروس اتحاد العاقل بالمعقول كافل أنحاء المباحثعنه في المسألتين أي مسألة اتحاد صورة المعقول والعاقل، ومسألة اتحاد العاقل بالعقل

الفعال.

(٣٣٠)

Page 353: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

ومنعه آخرون وهو الحق، ألنا قد بينا أن التعقل هو حصول صورة مساويةللمعلوم في العالم، وصور األشياء المختلفة تختلف باختالفها فال يمكن أن تكون

صورة واحدة لمختلفين فال يتعلق علم واحد باثنين وإنما جوز ذلك من جعل العلمأمرا وراء الصورة.

قال: كالحال واالستقبال.أقول: هذا إشارة إلى إبطال مذهب جماعة من المعتزلة ذهبوا إلى أن العلم

باالستقبال علم بالحال عند حضور االستقبال، فقالوا: إن العلم بأن الشئ سيوجدعلم بوجوده إذا وجد. وإنما دعاهم إلى ذلك ما ثبت من أن الله تعالى عالم بكلمعلوم، فإذا علم أن زيدا سيوجد ثم وجد فإن زال العلم األول وتجدد علم آخر

لزم كونه تعالى محال للحوادث وإن لم يزل كان هو المطلوب. وهذا خطأ فاحشفإن العلم بأن الشئ سيوجد علم بالعدم الحالي والوجود في ثاني الحال، والعلم

بأن الشئ موجود غير مشروط بالعدم الحالي بل هو مناف له فيستحيلاتحادهما. والوجه في حل الشبهة المذكورة ما التزمه أبو الحسين هنا من أن الزائل

هو التعلقات الحاصلة بين العلم والمعلوم ال العلم نفسه، وسيأتي زيادة تحقيق فيهذا الموضع (١) إن شاء الله تعالى.

قال: وال يعقل إال مضافا فيقوى اإلشكال مع االتحاد.أقول: اعلم أن العلم وإن كان من الكيفيات الحقيقية القائمة بالنفس فإنه ال

يعقل إال مضافا إلى الغير، فإن العلم علم بالشئ وال يعقل تجرده عن اإلضافةحتى أن بعضهم توهم أنه نفس اإلضافة (٢) الحاصلة بين العالم والمعلوم ولم يثبت

--------------------(١) كما في (م ش ز د) وفي (ص) وحدها: في هذا الموضوع.

(٢) وهو الفخر الرازي وأتباعه، قال الفخر: لست أفتي أن العلم من أي مقولة إن لم يكن منمقولة اإلضافة، إنتهى. أقول: لو سئل الفخر عن علمه بنفسه فيقال له: هل العلم حاصل

لنفسك بذاتها أم ال؟ فيقر بعدم اإلضافة ألن بين الشئ ونفسه ال يتحقق إضافة. ثم العجبأنه كيف ذهب إلى أن أشرف البضاعة االنسانية هو أضعف المقوالت االعتباري، وإنماذهب في العلم إلى اإلضافة ليندفع عنه بعض الشكوك الموردة على كون االدراك صورة

وتفصيل ذلك يطلب في شرح الخواجة على الفصل السابع من نفس اإلشارات في العلم.قال صدر المتألهين في الفصل الحادي عشر من الطرف األول من المسلك الخامس من

األسفار (ج ١ ط ١ ص ٢٨٨) والعجب من هذا المسمى باإلمام كيف زلت قدمه في باب العلمحتى صار الشئ الذي به كمال كل حي وفضيلة كل ذي فضل والنور الذي يهتدي به

االنسان إلى مبدئه ومعاده، عنده من أضعف األعراض وأنقص الموجودات التي ال استقالللها في الوجود؟ أما تأمل في قوله تعالى في حق السعداء: (نورهم يسعى بين أيديهم

وبأيمانهم)؟ أما تدبر في قول الله سبحانه ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور)؟ وفي قوله:(هل يستوي الذين يعلمون والذين ال يعلمون)؟ ألم ينظر في معنى قول رسوله عليه وآله

السالم: اإليمان نور يقذفه الله في قلب المؤمن؟ فهذا وأمثاله كيف تكون حقيقتها حقيقة

Page 354: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

اإلضافة التي ال تحصل لها خارجا وذهنا إال بحسب تحصل حقيقة الطرفين؟!.وقال في الفصل الرابع من القسم الثاني من الجواهر واألعراض من األسفار (ج ٢ ط ١

ص ٣٩): قال فخر المناظرين - إلى قوله: - وأما العلم واإلدراك مطلقا فليس كما زعمه هذاالنحرير - يعني به فخر المناظرين - عبارة عن إضافة محضة بين العالم ومعلومه من غيرحاجة إلى وجود صورة، وإال فلم يكن منقسما إلى التصور والتصديق، وال أيضا متعلقا

بالمعدوم حين عدمه، وال أيضا حصل علم الشئ بنفسه، إذ ال إضافة بين الشئ والمعدوم،وال بينه وبين نفسه، بل المراد بالعلم هو نفس الصورة الموجودة المجردة.. الخ.

(٣٣١)

Page 355: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أمرا حقيقيا مغايرا لإلضافة. إذا عرفت هذا فإن األشكال يقوى مع االتحاد هكذاقاله المصنف رحمه الله والذي يلوح منه أن العاقل والمعقول إذا كانا شيئا واحدا كما

إذاعقل نفسه توجه اإلشكال عليه بأن يقال: أنتم قد جعلتم العلم صورة مساوية

للمعلوم في العالم، وهذا ال يتأتى هاهنا الستحالة اجتماع األمثال، ويقوىاإلشكال باعتبار اإلضافة إذ اإلضافة أنما تعقل بين شيئين ال بين الشئ الواحد

ونفسه فال يتحقق علم الشئ بذاته.والجواب عن األول أن العلم أنما يستدعي الصورة لو كان العالم عالما بغيره،

أما عالم ذاته فإن ذاته يكفي في علمه من غير احتياج إلى صورة أخرى.وعن الثاني أن العاقل من حيث أنه عاقل مغاير له من حيث إنه معقول

(٣٣٢)

Page 356: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

فأمكن تحقق اإلضافة، وألن العالم هو الشخص والمعلوم هو الماهية الكلية.وهذان رديان، أما األول فألن المغايرة بين العاقل من حيث إنه عاقل

والمعقول من حيث إنه معقول متوقفة على التعقل، فلو جعلنا التعقل متوقفا علىهذا النوع من التغاير دار. وأما الثاني فألن العالم هاهنا يكون عالما بجزئه وليس

البحث فيه.قال: وهو عرض (١) لوجود حده فيه.

أقول: ذهب المحققون إلى أن العلم عرض وأكثر الناس كذلك في العلمبالعرض، واختلفوا في العلم بالجوهر فالذين قالوا: إن العلم إضافة بين العالموالمعلوم، قالوا: إنه عرض أيضا. والذين قالوا: إن العلم صورة اختلفوا فقال

بعضهم: إنه جوهر ألن حده صادق عليه إذ الصورة الذهنية ماهية إذا وجدت فياألعيان كانت ال في موضوع وهذا معنى الجوهر، والمحققون قالوا: إنه عرض

أيضا لوجود حد العرض فيه فإنه موجود حال في النفس ال كجزء منها وهذا معنىالعرض. واستدالل القائلين بأنه جوهر خطأ، ألن الصورة الذهنية يمتنع وجودها

في الخارج وإنما الموجود ما هي مثال له.المسألة الرابعة عشرة

في أقسام العلمقال: وهو فعلي وانفعالي وغيرهما.

أقول: العلم منه ما هو فعلي وهو المحصل لألشياء الخارجية كعلم واجبالوجود تعالى بمخلوقاته، وكما إذا تصورنا نقشا لم نستفد صورته من الخارج ثم

أوجدنا في الخارج ما يطابقه، ومنه انفعالي وهو المستفاد من األعيان الخارجيةكعلمنا بالسماء واألرض وأشباههما، ومنه ما ليس أحدهما كعلم واجب الوجود

--------------------(١) بل هو فوق المقولة وجودا.

(٣٣٣)

Page 357: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

تعالى بذاته.قال: وضروري أقسامه ستة، ومكتسب.

أقول: قد تقدم أن العلم إما ضروري وإما كسبي، ومضى تفسيرهما، وأقسامالضروري ستة: البديهيات وهي قضايا يحكم بها العقل لذاته ال لسبب خارجيسوى تصور طرفيها كالحكم بأن الكل أعظم من الجزء وغيره من البديهيات.

الثاني: المشاهدات وهي إما مستفادة من حواس ظاهرة كالحكم بحرارة النار أومن الحواس الباطنة وهي القضايا االعتبارية بمشاهدة قوى غير الحس الظاهر، أو

بالوجدان من النفس ال باعتبار اآلالت مثل شعورنا بذواتنا وبأفعالنا. الثالث:المجربات وهي قضايا تحكم بها النفس باعتبار تكرار المشاهدات كالحكم بأن

الضرب بالخشب مؤلم، وتفتقر إلى أمرين المشاهدة المتكررة والقياس الخفي وهوأنه لو كان الوقوع على سبيل االتفاق لم يكن دائما وال أكثريا، والفارق بين هذهوبين االستقراء هو القياس. الرابع: الحدسيات وهي قضايا مبدأ الحكم بها حدس

قوي من النفس يزول معه الشك كالحكم باستفادة نور القمر من الشمس، وتفتقرإلى المشاهدة المتكررة والقياس الخفي إال أن الفارق بين هذه وبين المجربات أن

السبب في المجربات معلوم السببية غير معلوم الماهية، وفي الحدسيات معلومباالعتبارين. الخامس: المتواترات وهي قضايا تحكم بها النفس لتوارد أخبار

المخبرين عليها بحيث يزول معه الشك بعدم االتفاق بين المخبرين والتواطؤ.السادس: فطرية القياس وهي قضايا تحكم بها النفس باعتبار وسط ال ينفك الذهن

عنه.قال: وواجب وممكن.

أقول: العلم ينقسم إلى واجب وهو علم واجب الوجود بذاته، وإلى ممكنوهو ما عداه، وإنما كان األول واجبا ألنه نفس ذاته الواجبة.

(٣٣٤)

Page 358: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قال: وهو تابع (١) بمعنى أصالة موازيه (٢) في التطابق.أقول: إعلم أن التابع يطلق على ما يكون متأخرا عن المتبوع، وعلى ما يكون

مستفادا منه، وهما غير مرادين في قولنا: العلم تابع للمعلوم، فإن العلم قد يتقدمالمعلوم زمانا وقد يفيد وجوده كالعلم الفعلي. وإنما المراد هنا كون العلم والمعلوم

متطابقين بحيث إذا تصورهما العقل حكم بأصالة المعلوم في هيئة التطابق وأنالعلم تابع له وحكاية عنه وأن ما عليه العلم فرع على ما عليه المعلوم، وعلى هذا

التقدير يجوز تأخر المعلوم الذي هو األصل عن تابعه فإن العقل يجوز تقدمالحكاية على المحكي.

قال: فزال الدور.أقول: الذي يفهم من هذا الكالم أمران: أحدهما: أن يقال: قد قسمتم العلم إلىأقسام من جملتها الفعلي الذي هو العلة في وجود المعلوم، وهاهنا جعلتم جنسالعلم تابعا فلزمكم الدور، إذ تبعية الجنس تستلزم تبعية أنواعه. وتقرير الجواب

عن هذا أن نقول: نعني بتبعية العلم ما قررناه من كون العلم والمعلوم متطابقين علىوجه إذا تصورهما العقل حكم بأن األصل في هيئة التطابق هو ما عليه المعلوم وأن

--------------------(١) وبمعنى آخر العلم تابع حيث يعطي األعيان الثابتة ما يطلبه كل واحد منها باقتضاء عينه

الثابت فال دور، والبحث عنه يطلب في عدة مواضع من شرح القيصري على فصوص الحكم(ص ١٧، ١٠٤، ١٧٩، ٢٠٠، ٢٧٠ ط ١) وفي مصباح األنس (ص ٨٣ ط ١).

(٢) كما في (م ز). وهو الصواب على موازاة قوله اآلتي في المسألة الرابعة عشرة من الفصلالثالث من المقصد الثالث: (فال يجوز تمكين الظالم من الظلم من دون عوض في الحال

يوازي ظلمه). باتفاق النسخ كلها، ص ٣٥٤. وفي (ت): موازنه، بالنون، وفي (ش): موازنته.وفي (د): موازاته. وفي بعض النسخ: مقارنه.

ويؤيد المختار تعبير الشيخ في إلهيات الشفاء (ج ٢ ط ١ ص ٦٣٦) حيث قال في كمال النفسالناطقة: فتنقلب عالما معقوال موازيا للعالم الموجود كله. وكذا قوله في رابع النمط الخامس

من اإلشارات: مثل هذا االتصال الذي يوازي الحركات في المقادير.

(٣٣٥)

Page 359: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

ما عليه العلم فرع عليه (١)، ووجه الخالص من الدور بهذا التحقيق أن العلم الفعليمحصل للمعلوم في الخارج ال مطلقا.

الثاني: أن يقال: المتبوع يجب أن يتقدم التابع بأحد أنواع التقدم الخمسة،وهاهنا ال تقدم بالشرف وال بالوضع ألنهما غير معقولين فبقي أن يكون التقدم هنا

بالذات أو بالعلية أو بالزمان، وعلى هذه التقادير الثالثة يمتنع الحكم بتأخرالمتبوع عن التابع في الزمان وال شك في أن علم الله تعالى األزلي، والعلوم السابقة

على الصور الموجودة في الخارج متقدمة بالزمان، والمتأخر عن غيره بالزمانيمتنع أن يكون متقدما عليه بنوع ما من أنواع التقدمات باالعتبار الذي كان به

متأخرا عنه، والجواب عنه ما تقدم أيضا.المسألة الخامسة عشرة

في توقف العلم على االستعدادقال: وال بد فيه من االستعداد أما الضروري فبالحواس وأما الكسبي فباألول.

أقول: قد بينا أن العلم إما ضروري وإما كسبي، وكالهما حصل بعد عدمه إذالفطرة البشرية خلقت أوال عارية عن العلوم ثم يحصل لها العلم بقسميه، فال بد من

استعداد سابق مغاير للنفس وفاعل للعلم، فالضروري فاعله هو الله تعالى إذ القابلال يخرج المقبول من القوة إلى الفعل بذاته وإال لم ينفك عنه، وللقبول درجات

مختلفة في القرب والبعد. وإنما تستعد النفس للقبول على التدريج فتنتقل منأقصي مراتب البعد إلى أدناها قليال قليال ألجل المعدات التي هي اإلحساس

بالحواس على اختالفها والتمرن عليها وتكرارها مرة بعد أخرى، فيتم االستعداد--------------------

(١) ولكن في (ص): هو فاعلية المعلوم وأن فاعلية العلم فرع عليه، وهي ال تفيد معنى محصالوالظاهر أنها محرفة.

(٣٣٦)

Page 360: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

إلفاضة العلوم البديهية الكلية من التصورات والتصديقات فهي كليات تلكالمحسوسات (١).

وأما النظرية فإنها مستفادة من النفس أو من الله تعالى على اختالف اآلراءلكن بواسطة االستعداد بالعلوم البديهية، أما في التصورات فبالحد والرسم، وأما

في التصديقات فبالقياسات المستندة إلى المقدمات الضرورية.المسألة السادسة عشرة

في المناسبة بين العلم واالدراكقال: وباصطالح يفارق (٢) اإلدراك مفارقة الجنس النوع وباصطالح آخر

مفارقة النوعين.أقول: إعلم أن العلم يطلق على اإلدراك لألمور الكلية كاللون والطعم مطلقا،

ويطلق اإلدراك على الحضور عند المدرك مطلقا فيكون شامال للعلم ولإلدراكالجزئي - أعني المدرك بالحس - كهذا اللون وهذا الطعم، وال يطلق العلم على هذا

النوع من االدراك، ولذلك ال يصفون الحيوانات العجم بالعلم وإن وصفوهاباإلدراك، فيكون الفرق بين العلم واإلدراك مطلقا على هذا االصطالح فرق ما بين

النوع والجنس النوع هو العلم والجنس هو االدراك.وقد يطلق اإلدراك باصطالح آخر على االحساس ال غير فيكون الفرق بينه

وبين العلم هو الفرق ما بين النوعين الداخلين تحت الجنس وهو اإلدراك مطلقا هنا.المسألة السابعة عشرة

في أن العلم بالعلة يستلزم العلم بالمعلولقال: وتعلقه على التمام بالعلة يستلزم تعلقه كذلك بالمعلول.

--------------------(١) كما في (م). والباقية: بين كليات تلك المحسوسات.

(٢) كما في (ت) والباقية: وفي االصطالح يفارق.

(٣٣٧)

Page 361: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: العلم بالعلة يقع باعتبارات ثالثة، األول: العلم بماهية العلة من حيثهي ذات وحقيقة ال باعتبار آخر، وهذا ال يستلزم العلم بالمعلول ال على التمام وال

على النقصان.الثاني: العلم بها من حيث هي مستلزمة لذات أخرى وهو علم ناقص بالعلةفيستلزم علما ناقصا بالمعلول من حيث إنه الزم للعلة ال من حيث ماهيته.الثالث: العلم بذاتها وماهيتها ولوازمها وملزوماتها وعوارضها ومعروضاتها

وما لها في ذاتها وما لها بالقياس إلى الغير، وهذا هو العلم التام بالعلة وهو يستلزمالعلم التام بالمعلول فإن ماهية المعلول وحقيقته الزمة لماهية العلة، وقد فرض

تعلق العلم بها من حيث ذاتها ولوازمها.المسألة الثامنة عشرة

في مراتب العلمقال: ومراتبه ثالث.

أقول: ذكر الشيخ أبو علي (١) أن للتعقل ثالث مراتب: األولى: أن يكون بالقوةالمحضة وهو عدم التعقل عما من شأنه ذلك. الثانية: أن يكون بالفعل التام كما إذا

علم الشئ علما تفصيليا. الثالثة: العلم بالشئ إجماال كمن علم مسألة ثم غفلعنها ثم سئل عنها فإنه يحضر الجواب عنها في ذهنه، وليس ذلك بالقوة المحضة

ألنه في الوقت عالم باقتداره على الجواب وهو يتضمن علمه بذلك الجوابوليس علما بها على جهة التفصيل وهو ظاهر.

المسألة التاسعة عشرةفي كيفية العلم بذي السبب

قال: وذو السبب إنما يعلم به كليا.--------------------

(١) في الفصل السادس من المقالة الخامسة من نفس الشفاء في البحث عن العقل البسيط(ص ٣٥٨ ط ١) حيث قال: فنقول إن تصور المعقوالت على وجوه ثالثة.. الخ.

(٣٣٨)

Page 362: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: إعلم أن الشئ إذا كان ذا سبب فإنه أنما يعلم بسببه ألنه بدون السببممكن وإنما يجب بسببه، فإذا نظر إليه من حيث هو هو لم يحكم العقل بوقوعه وال

بعدمه وإنما يحكم بأحدهما إذا عقل وجود السبب أو عدمه، فذو السبب إنمايحكم بوجوده أو عدمه بالنظر إلى سببه. إذا ثبت هذا فإن ذا السبب أنما يعلم كليا

ألن كونه صادرا عن الشئ تقييد له بأمر كلي أيضا، وتقييد الكلي بالكلي اليقتضي الجزئية.

وتحقيق هذا أنك إذا عقلت كسوفا شخصيا من جهة سببه وصفاته الكلية التييكون كل واحد منها نوعا مجموعا في شخصه كان العلم به كليا، والكسوف وإن

كان شخصيا فإنه عند ذلك يصير كليا ويكون نوعا مجموعا في شخص، والنوعالمجموع في شخص، له معقول كلي ال يتغير وما يستند إليه من صفاته وأحوالهيكون مدركا بالعقل فال يتغير فإنه كلما حصلت علل الشخصي وأسبابه وجب

حصول ذلك الجزئي، فيقال: إن هذا الشخصي أسبابه كذا، وكلما حصلت هذهاألسباب كان هذا الشخصي أو مثله فيكون كليا بعلله.

المسألة العشرونفي تفسير العقل

قال: والعقل غريزة يلزمها العلم بالضروريات عند سالمة اآلالت.أقول: هذا هو المحقق في تفسير العقل، وقد فسره قوم بأنه العلم بوجوب

الواجبات واستحالة المستحيالت المتناع انفكاك أحدهما عن اآلخر، وهو ضعيفلعدم المالزمة بين التالزم واالتحاد.

قال: ويطلق على غيره باالشتراك.أقول: لفظة العقل مشتركة بين قوى النفس االنسانية وبين الموجود المجرد

في ذاته وفعله معا، ويندرج تحته عند األوائل عقول عشرة سبق البحث فيها.

(٣٣٩)

Page 363: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أما القوى النفسانية فيقال: عقل علمي وعقل عملي، أما العلمي فأول مراتبهالهيوالني وهو الذي من شأنه االستعداد المحض من غير حصول علم ضروري أو

كسبي.وثانيها العقل بالملكة وهو الذي استعد بحصول العلوم الضرورية إلدراك

النظريات فصار له بتلك األوليات ملكة االنتقال إلى النظريات، وأعلى درجاتهذه المرتبة ما يسمى القوة القدسية، وأدناها مرتبة البليد الذي تثبت أفكاره دونحصول مطالبه، وبين هاتين الدرجتين درجات متفاوتة في القرب والبعد بحسب

شدة االستعداد وضعفه.وثالثها العقل بالفعل وهو أن تكون النفس بحيث متى شاءت استحضرتالعلوم النظرية المكتسبة من العلوم الضرورية ال على أنها بالفعل موجودة.

ورابعها العقل المستفاد وهو حصول تلك النظريات بالفعل وهو آخر درجاتكمال النفس في هذه القوة.

وأما العملي فيطلق على القوة التي باعتبارها يحصل التمييز بين األمورالحسنة والقبيحة، وعلى المقدمات التي يستنبط بها األمور الحسنة والقبيحة،

وعلى فعل األمور الحسنة والقبيحة.المسألة الحادية والعشرون

في االعتقاد والظن وغيرهماقال: واالعتقاد يقال ألحد قسميه.

أقول: االعتقاد من األمور الضرورية، لكن اختلفوا في أنه هل هو من قبيلالعلوم أو جنس مغاير لها؟ فقال جماعة باألول، وذهب أبو الهذيل العالف إلى

الثاني، وأبطله أبو علي الجبائي بأنه لو كان كذلك لكان إما مثال للعلم وهو المطلوبأو ضدا فال يجتمعان مع أنهما قد يجتمعان أو مخالفا فال ينتفيان بالضد الواحد.

(٣٤٠)

Page 364: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

والتحقيق هنا أن نقول: إن االعتقاد أحد قسمي العلم، وذلك ألنا قد بينا أنالعلم يقال على التصور وعلى التصديق كأنه جنس لهما، واالعتقاد هو التصديق

وهو قسم من قسمي العلم.قال: فيتعاكسان في العموم والخصوص.

أقول: هذا نتيجة ما مضى، والذي نفهم منه أن االعتقاد قد ظهر أنه أحدقسمي العلم فهو أخص منه بهذا االعتبار، ألن العلم شامل للتصور والتصديق الذي

هو االعتقاد، واالعتقاد باعتبار آخر أعم من العلم ألنه شامل للظن والجهلالمركب واعتقاد المقلد. فهذا ما ظهر لنا من قوله: فيتعاكسان أي االعتقاد والعلم في

العموم والخصوص.واعلم أن لنا في هذا الكالم على هذا التفسير نظرا، وذلك ألن االعتقاد أنما

يكون قسما من العلم لو أخذ العلم التصديقي باالعتبار األعم الشامل للعلم بمعنىاليقين والظن والجهل المركب واعتقاد المقلد، وحينئذ ال يتم التعاكس ألن

االعتقاد ال يكون أعم من العلم بهذا االعتبار فالواجب أن يراد باعتباراصطالحين أو ما يؤدي معناه.

قال: ويقع فيه التضاد بخالف العلم.أقول: إعلم أن االعتقاد منه ما هو متماثل ومنه ما هو مختلف، والمختلف علىقسمين متضاد وغير متضاد، وهذا ظاهر لكن وجه التضاد عند أبي علي الجبائيتعلقه بالضدين فحكم بتضاد اعتقادي الضدين، وقال به أبو هاشم أوال ثم حكمبأن تضاده أنما هو لتعلقه بااليجاب والسلب ال غير، أما العلم فال يقع فيه تضاد

لوجوب المطابقة فيه.قال: والسهو عدم ملكة العلم (١) وقد يفرق بينه وبين النسيان.

--------------------(١) وفي (ت): والسهو عدم ملكته، والباقية كلها كما اخترناه.

(٣٤١)

Page 365: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: هذا هو المشهور عند األوائل والمتكلمين، وذهب الجبائيان إلى أنالسهو معنى يضاد العلم، وقد فرق األوائل بينه وبين النسيان فقالوا: إن السهو زوال

الصورة عن المدرك خاصة دون الحافظ والنسيان زوالها عنهما معا.قال: والشك تردد الذهن بين الطرفين.

أقول: الشك هو سلب االعتقاد وتردد الذهن بين طرفي النقيض علىالتساوي وليس معنى قائما بالنفس وهو مذهب األوائل وأبي هاشم. وقال أبو

علي: إنه معنى يضاد العلم، واختاره البلخي لتجدده بعد أن لم يكن، وهو خطأ لعدماتحاد المتعلق الذي هو شرط في تضاد المتعلقات.

قال: وقد يصح تعلق كل من االعتقاد والعلم بنفسه وباآلخر فيتغاير االعتبار الالصور.

أقول: إعلم أن العلم واالعتقاد من قبيل النسب واإلضافات يصح تعلقهمابجميع األشياء حتى بأنفسهما فيصح تعلق االعتقاد باالعتقاد وبالعلم وكذا العلم

يتعلق بنفسه وباالعتقاد، إذا عرفت هذا فإذا تعلق العلم بنفسه وجب تعدد االعتبارإذ العلم كان آلة ينظر به، وباعتبار تعلق العلم به يصير شيئا منظورا فيه، وكونالشئ معلوما مغاير العتبار كونه علما فال بد من تغاير االعتبار، أما الصور فال

وإال لزم وجود صور ال تتناهى بالنسبة إلى معلوم واحد، ألن العلم بالشئ ال ينفكعن العلم بالعلم بذلك الشئ عند اعتبار المعتبرين. (واعلم) أن العلم بالعلم علم

بكيفية وهيئة للعالم يقتضي النسبة إلى معلوم ذلك العلم وليس علما بالمعلوم كماذهب إليه الجبائيان.

قال: والجهل بمعنى يقابلهما وآخر (١) قسم ألحدهما.أقول: إعلم أن الجهل يقال على معنيين: بسيط ومركب، فالبسيط هو عدم

--------------------(١) أي بمعنى آخر. وفي (م ش ص د): وبآخر. وفي (ز): وتأخر.

(٣٤٢)

Page 366: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

العلم عما من شأنه أن يكون عالما، وبهذا المعنى يقابل العلم واالعتقاد مقابلة العدموالملكة. والمركب هو اعتقاد الشئ على خالف ما هو عليه وهو قسم لالعتقاد إذ

االعتقاد جنس للجهل وغيره، ويسمى األول بسيطا نظرا إلى عدم تركبه والثانيمركبا لتركبه من اعتقاد وعدم مطابقة.

قال: والظن ترجيح أحد الطرفين وهو غير اعتقاد الرجحان.أقول: الظن ترجيح أحد الطرفين - أعني طرف الوجود وطرف العدم -

ترجيحا غير مانع من النقيض، وال بد من هذا القيد ليخرج االعتقاد الجازم.واعلم أن رجحان االعتقاد مغاير العتقاد الرجحان، ألن األول ظن ال غير

والثاني قد يكون علما.قال: ويقبل الشدة والضعف وطرفاه علم وجهل.

أقول: لما كان الظن عبارة عن ترجيح االعتقاد من غير منع النقيض وكانللترجيح مراتب داخلة بين طرفي شدة في الغاية وضعف في الغاية كان قابال

للشدة والضعف، وطرفاه العلم الذي ال مرتبة بعده للرجحان والجهل البسيط الذيال ترجيح معه البتة أعني الشك المحض.

المسألة الثانية والعشرونفي النظر وأحكامه

قال: وكسبي العلم يحصل بالنظر مع سالمة جزئيه ضرورة.أقول: قد بينا أن العلم ضربان: ضروري ال يفتقر إلى طلب وكسب، ونظري

يفتقر إليه. فالثاني هو المكتسب بالنظر وهو ترتيب أمور ذهنية للتوصل إلى أمرمجهول، فالترتيب جنس بعيد ألنه كما يقع في األمور الذهنية كذلك يقع في

األشياء الخارجية، فالتقييد باألمور الذهنية يخرج األخير عنه.ثم الترتيب الخاص قد يراد الستحصال ما ليس بحاصل، وقد ال يكون كذلك.

(٣٤٣)

Page 367: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

فالثاني ليس بنظر وهذا الحد قد اشتمل على العلل األربع للنظر أعني المادةوالصورة والغاية وفيه إشارة إلى الفاعل، وهذه األمور قد تكون تصورات هي إما

حدود أو رسوم يستفاد منها علم بمفرد، وقد تكون تصديقات يكتسب بها تصديق.واعلم أن النظر لما كان مركبا اشتمل بالضرورة على جزء مادي وجزء

صوري، فالمادي هو المقدمات والصوري هو الترتيب بينها، فإذا سلم هذانالجزءان بأن كان الحمل والوضع والربط والجهة على ما ينبغي وكان الترتيب على

ما ينبغي حصل العلم بالمطلوب بالضرورة هذا في التصديقات، وكذا فيالتصورات فإنه إذا كان الحد مشتمال على جنس قريب وفصل أخير وقدم الجنس

على الفصل حصل تصور المحدود قطعا، وإليه أشار المصنف بقوله: مع سالمةجزئيه يعني الجزء المادي والجزء الصوري.

واعلم أن الناس اختلفوا هنا، فقال من ال مزيد تحصيل له: إن النظر ال يفيدالعلم ألن العلم بإفادته للعلم إن كان ضروريا لزم اشتراك العقالء فيه، وإن كان

نظريا تسلسل، وألن النظر لو استلزم العلم لم يختلف الناس في آرائهم الشتراكهمفي العلوم الضرورية التي هي مبادئ النظرية. وذهب المحققون إلى أنه يفيد

العلم بالضرورة فإنا متى اعتقدنا أن العالم ممكن وأن كل ممكن محدث حصل لناالعلم بالضرورة بأن العالم محدث فخرج الجواب عن الشبهة األولى بقوله:

ضرورة، وال يجب اشتراك العقالء في الضروريات فإن كثيرا من الضرورياتيتشكك فيها بعض الناس إما لخفاء في التصور أو لغير ذلك، وخرج الجواب عنالشبهة الثانية بقوله: مع سالمة جزئيه، وذلك ألن اختالف الناس في االعتقاد أنماكان بسبب تركهم الترتيب الصحيح وغفلتهم عن شرائط الحمل وغير ذلك من

أسباب الغلط، أما في الجزء المادي أو الصوري فإذا سلما حصل المطلوب لكلمن حصل له سالمة الجزئين.

قال: ومع فساد أحدهما قد يحصل ضده.

(٣٤٤)

Page 368: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: النظر إذا فسد إما من جهة المادة أو من جهة الصورة لم يحصل العلم،وقد يحصل ضده أعني الجهل وقد ال يحصل، والضابط في ذلك أن نقول: إن كانالفساد من جهة الصورة لم تلزم النتيجة الباطلة وإن كان من جهة المادة ال غير كانالقياس منتجا، فإن كانت الصغرى في الشكل األول صادقة والكبرى كاذبة في كلواحد (١) كانت النتيجة كاذبة قطعا وإال جاز أن تكون صادقة وأن تكون كاذبة.وبهذا التحقيق ظهر بطالن ما يقال من أن النظر الفاسد ال يستلزم الجهل وإال لكان

المحق إذا نظر في شبهة المبطل أفاده الجهل وليس كذلك مع أنه معارض بالنظرالصحيح، فإن شرط اعتقاد حقية المقدمات في الصحيح شرطناه نحن في الفاسد

أيضا.قال: وحصول العلم عن الصحيح واجب.

أقول: اختلف الناس هنا، فالمعتزلة على أن النظر مولد للعلم وسبب له،واألشاعرة قالوا: إن الله تعالى أجرى عادته بخلق العلم عقيب النظر وليس النظر

موجبا وال سببا للعلم، واستدلوا على ذلك بأن العلم الحادث أمر ممكن والله تعالىقادر على كل الممكنات فاعل لها على ما يأتي في خلق األعمال، فيكون العلم من

فعله، والمعتزلة لما أبطلوا القول باستناد األفعال الحيوانية إلى الله تعالى بطلعندهم هذا االستدالل، ولما رأوا العلم يحصل عقيب النظر وبحسبه وينتفي عند

انتفائه حكموا عليه بأنه سبب له كما في سائر األسباب. والحق أن النظر الصحيحيجب عنده حصول العلم وال يمكن تخلفه عنه، فإنا نعلم قطعا أنه متى حصل لنا

اعتقاد المقدمتين فإنه يجب حصول النتيجة، قالت األشاعرة: التذكر ال يولد العلمفكذا النظر بالقياس عليه والجواب الفرق بينهما ظاهر.

قال: وال حاجة إلى المعلم.--------------------

(١) أي في كل واحد من الضروب. وفي (م): في كل واحدة. ولكن الصواب ما اخترناه كما فيالنسخ األخرى كلها.

(٣٤٥)

Page 369: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: ذهبت المالحدة إلى أن النظر غير كاف في حصول المعارف بل ال بدمن معونة من المعلم للعقل لتعذر العلم بأظهر األشياء وأقربها من دون مرشد،

وأطبق العقالء على خالفه ألنا متى حصلت المقدمتان لنا على الترتيبالمخصوص حصل لنا الجزم بالنتيجة سواء كان هناك معلم أو ال، وصعوبة تحصيل

المعرفة بأظهر األشياء ال يدل على امتناعها مطلقا من دون المعلم، وقد ألزمهمالمعتزلة الدور والتسلسل لتوقف العلم بصدقه على العلم بتصديق الله تعالى إياه

بواسطة المعجزة، فلو توقفت المعرفة بالله تعالى عليه دار، وألن احتياج كل عارفإلى معلم يستلزم حاجة المعلم إلى آخر ويتسلسل. وهذان اإللزامان ضعيفان، ألن

الدور الزم على تقدير استقالل المعلم بتحصيل المعارف وليس كذلك بل هومرشد إلى استنباط األحكام من األدلة التي من جملتها ما يدل على صدقه من

المقدمات والتسلسل يلزم لو وجب مساواة عقل المعلم لعقولنا، أما على تقديرالزيادة فال.

قال: نعم ال بد من الجزء الصوري.أقول: يشير بذلك إلى ترتيب المقدمات فإنه ال بد مع حصول المقدمتين في

الذهن من ترتيب حاصل بينهما ليحصل العلم بالنتيجة وهو الجزء الصوري للنظر،إذ لوال الترتيب لحصلت العلوم الكسبية لجيمع العقالء ولم يقع خلل ألحد في

اعتقاده. وقيل: ال حاجة إليه وإال لزم التسلسل أو اشتراط الشئ بنفسه وهو سهو،فإن التسلسل يلزم لو قلنا بافتقار كل زائد إلى ترتيب وليس كذلك بل المفتقر إلى

الترتيب إنما هو األجزاء المادية خاصة.قال: وشرطه عدم الغاية وضدها وحضورها.

أقول: الذي فهمناه من هذا الكالم أن شرط النظر عدم العلم بالمطلوب الذيهو غاية النظر وإال لزم تحصيل الحاصل، ويشترط أيضا عدم ضدها أعني الجهل

المركب ألنه باعتقاده حصول العلم له ال يطلبه فال يتحقق النظر في طرفه،

(٣٤٦)

Page 370: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

ويشترط أيضا حضورها (١) أعني حضور المطلوب الذي هو الغاية، إذ الغافل عنالشئ ال يطلبه والنظر نوع من الطلب.

قال: ولوجوب ما يتوقف عليه العقليان (٢) وانتفاء ضد المطلوب على تقدير ثبوتهكان التكليف به عقليا.

أقول: اختلف الناس في وجوب النظر هل هو عقلي أو سمعي؟ فذهبتالمعتزلة إلى األول واألشاعرة إلى الثاني، أما المعتزلة فاستدلوا على وجوب النظر

عقال بأن معرفة الله تعالى واجبة مطلقا وال تتم إال بالنظر وما ال يتم الواجبالمطلق إال به فهو واجب، فهاهنا ثالث مقدمات: إحداها: أن معرفة الله تعالى

واجبة مطلقا، واستدلوا على ذلك بوجهين: األول: أن معرفة الله تعالى دافعةللخوف الحاصل من االختالف وغيره ودفع الخوف واجب عقال، الثاني: أن شكرالله تعالى واجب ألن نعمه على العبد كثيرة، والمقدمتان ضروريتان والشكر ال يتمإال بالمعرفة ضرورة. الثانية: أن معرفة الله تعالى ال تتم إال بالنظر وذلك قريب منالضرورة إذ المعرفة ليست ضرورية قطعا فهي كسبية وال كاسب سوى النظر إذالتقليد يستند إليه وتصفية الخاطر إن انفلت عن ترتيب المقدمات لم يحصل منهاعلم بالضرورة. الثالثة: أن ما ال يتم الواجب المطلق إال به فهو واجب وإال لخرج

الواجب المطلق عن كونه واجبا أو لزم تكليف ما ال يطاق، ألن الشرط إذا لم يكنواجبا جاز تركه، فحينئذ إما أن يجب على المكلف المشروط أو ال، والثاني يلزم

منه خروجه عن كونه واجبا مطلقا، واألول يلزم منه تكليف ما ال يطاق، إذ وجوبالمشروط حال عدم الشرط إيجاب لغير المقدور وهو محال، فثبت أن وجوب

النظر عقلي وال يجب سمعا خاصة وإال لم يجب، والتالي باطل فالمقدم مثله. بيانالشرطية أن النظر إذا لم يجب إال بالسمع لزم إفحام األنبياء ألن النبي إذا جاء إلى

--------------------(١) وذلك ألن طلب المجهول المطلق محال، فمن يطلب شيئا فال بد من أن يدرك منه أوال شيئا.

(٢) وفي (م ز): العقليات بالجمع. والنسخ األخرى كلها بالتثنية كما في الشرح.

(٣٤٧)

Page 371: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

المكلف وأمره باتباعه لم يجب على المكلف االمتثال حتى يعلم صدقه وال يعلمصدقه إال بالنظر، فإذا امتنع المكلف من النظر حتى يعرف وجوبه عليه لم يجز

استناد الوجوب إلى النبي لعدم العلم بصدقه حينئذ وال وجوب عقلي فينتفيالوجوب على تقدير الوجوب السمعي. إذا عرفت هذا فنقول: قوله: ولوجوب ما

يتوقف عليه العقليان، أشار بلفظة ما إلى المعرفة والعقليان أشار به إلى وجوبالشكر ووجوب دفع الخوف عن النفس. وقوله: وانتفاء ضد المطلوب على تقديرثبوته، يشير به إلى انتفاء الوجوب السمعي الذي هو ضد المطلوب ألن المطلوب

هو الوجوب العقلي وضده هو الوجوب السمعي. وقوله: على تقدير ثبوته، يعني لوفرض الوجوب سمعيا لم يكن واجبا، فهذا ما فهمناه من كالمه في هذا الموضع.

وأما األشعرية فقد احتجوا بوجهين: األول: قوله تعالى: (وما كنا معذبينحتى نبعث رسوال) نفى التعذيب بدون البعثة فال يكون النظر واجبا قبلها. الثاني:لو وجب النظر فإما لفائدة عاجلة والواقع مقابلها أو آجلة وحصولها ممكن بدونالنظر، فتوسط النظر عبث وكذا إن لم يكن لفائدة، ثم قالوا: ما ألزمتمونا به مناالفحام على تقدير الوجوب السمعي الزم لكم على تقدير الوجوب العقلي، ألن

وجوب النظر وإن كان عقليا إال أنه كسبي، فالمكلف إذا جاءه النبي وأمره باتباعهكان له أن يمتنع حتى يعرف صدقه، وال يعرف صدقه إال بالنظر، والنظر ال يجبعليه بالضرورة بل بالنظر، فقبل النظر ال يعرف وجوبه فله أن يقول: ال أنظر حتى

أعرف وجوب النظر، وذلك يستلزم االفحام أيضا.والجواب عن األول التخصيص، وهو حمل نفي التعذيب المتوقف على

الرسالة على ترك التكليف السمعي، أو تأول الرسول بالعقل جمعا بين األدلة.وعن الثاني أن الفائدة عاجلة وهي زوال الخوف وآجلة وهي نيل الثواب

بالمعرفة الذي ال يمكن االبتداء به في الحكمة.وعن الثالث أن وجوب النظر وإن كان نظريا إال أنه فطري القياس، فكان

اإللزام عائدا على األشاعرة دون المعتزلة.

(٣٤٨)

Page 372: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قال: وملزوم العلم دليل والظن أمارة.أقول: لما كان النظر متعلقا بما يستلزم العلم من االعتقادات أو الظن وجب

البحث عن المتعلق، فالمستلزم للعلم يسمى دليال والمستلزم للظن يسمى أمارة،وقد يقال الدليل على معنى أخص من المذكور وهو االستدالل بالمعلول على

العلة.قال: وبسائطه عقلية ومركبة الستحالة الدور.

أقول: بسائط الدليل يعني به مقدماته فإن الدليل لما كان مركبا من مقدمتينكانت كل واحدة من تينك المقدمتين جزءا بسيطا بالنسبة إلى الدليل وإن كانت

مركبة في نفس األمر. إذا عرفت هذا فالمقدمات قد تكون عقلية محضة وقد تكونمركبة من عقلي وسمعي، وال يمكن تركبها من سمعيات محضة وإال لزم الدور ألن

السمعي المحض ليس بحجة إال بعد معرفة صدق الرسول، وهذه المقدمة لواستفيدت بالسمع دار بل هي عقلية محضة، فإذن إحدى مقدمات النقليات كلها

عقلية، والضابط في ذلك أن كل ما يتوقف عليه صدق الرسول ال يجوز إثباتهبالنقل، وكل ما يتساوى طرفاه بالنسبة إلى العقل ال يجوز إثباته بالعقل وما عدا

هذين يجوز إثباته بهما.قال: وقد يفيد اللفظي القطع.

أقول: قيل: إن األدلة اللفظية ال تفيد اليقين لتوقفه على أمور كلها ظنية وهي:اللغة والنحو والتصريف وعدم االشتراك والمجاز والنقل والتخصيص واالضماروالنسخ والتقديم والتأخير والمعارض العقلي، والحق خالف هذا فإن كثيرا من

األدلة اللفظية تعلم داللتها على معانيها قطعا وانتفاء هذه المفاسد عنها.قال: ويجب تأويله عند التعارض.

أقول: إذا تعارض دليالن نقليان أو دليل عقلي ونقلي وجب تأويل النقل، أمامع تعارض النقلين فظاهر المتناع تناقض األدلة، وأما مع تعارض العقلي والنقلي

(٣٤٩)

Page 373: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

فكذلك أيضا. وإنما خصصنا النقلي بالتأويل المتناع العمل بهما وإلغائهما والعملبالنقلي وإبطال العقلي ألن العقلي أصل للنقلي، فلو أبطلنا األصل لزم إبطال الفرع

أيضا، فوجب العدول إلى تأويل النقلي وإبقاء الدليل العقلي على مقتضاه.قال: وهو قياس وقسيماه.

أقول: الضمير في وهو عائد على الدليل مطلقا، واعلم أن الدليل ينقسم إلىثالثة أقسام: قياس واستقراء وتمثيل، وإلى األخيرين أشار بقوله: وقسيماه، وذلكألن االستدالل إما أن يكون بالعام على الخاص أو بالعكس أو بأحد المتساويينالمندرجين تحت عام شامل لهما على اآلخر. فاألول هو أجلى األدلة وأشرفها

ألفادته اليقين وهو المسمى بالقياس أخذا من المحاذاة، كأن القائس يطلبمحاذاة النتيجة للمقدمتين في العلم، والثاني االستقراء أخذا من قصد القرى قرية

فقرية، كأن المستقرئ يتبع الجزئيات، والثالث التمثيل.قال: فالقياس اقتراني واستثنائي.

أقول: القياس إما أن يكون المطلوب أو نقيضه مذكورا فيه بالفعل أو بالقوة،واألول يسمى االستثنائي والثاني االقتراني، مثال األول: إن كان هذا انسانا فهوحيوان لكنه انسان ينتج أنه حيوان فالنتيجة مذكورة بالفعل، أو نقول: لكنه ليسبحيوان ينتج أنه ليس بانسان، فالنقيض مذكور في القياس بالفعل. ومثال الثاني:

كل انسان حيوان وكل حيوان جسم، ينتج كل انسان جسم وهو مذكور في القياسبالقوة.

قال: فاألول باعتبار الصورة القريبة أربعة والبعيدة اثنان.أقول: الذي فهمناه من هذا الكالم أن القياس االقتراني له اعتباران: أحدهمابحسب مادته أعني مقدماته، والثاني بحسب صورته أعني الهيئة والترتيب

الالحقين به العارضين لمجموع المقدمات وهو ما يسمى باعتباره شكال، وهو بهذااالعتبار على أربعة أقسام كل قسم سموه شكال، ألن الحد األوسط إن كان محموال

(٣٥٠)

Page 374: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

في الصغرى موضوعا في الكبرى فهو الشكل األول كقولنا: كل (ج ب) وكل (ب ا)،وإن كان محموال فيهما فهو الثاني كقولنا: كل (ج ب) وال شئ من (ا ب)، وإن كان

موضوعا فيهما فهو الثالث كقولنا: كل (ج ب) وكل (ج ا)، وإن كان موضوعا فيالصغرى محموال في الكبرى فهو الرابع كقولنا: كل (ج ب) وكل (ا ج)، وهذهالقسمة باعتبار الصورة القريبة. وأما بالنظر إلى المادة فله اعتباران أيضا: أحدهما

باعتبار صورة كل مقدمة والثاني باعتبار مادتها، فباالعتبار األول وهو اعتبارهبالنظر إلى الصورة البعيدة ينقسم إلى قسمين: حملي وشرطي، فالحملي كما قلنا،

والشرطي كقولنا: كلما كان (أب) ف (ج د) وكلما كان (ج د) ف (ه ز) ينتج كلماكان (أب) ف (ه ز) أو نقول: كلما كان (أب) ف (ج د) وليس البتة إذا كان (ه ز)

ف(ج د) أو نقول: كلما كان (أب) ف (ج د) وكلما كان (أب) ف (ه ز) أو نقول:

كلماكان (أب) ف (ج د) وكلما كان (ه ز) ف (أب).قال: وباعتبار المادة القريبة خمسة والبعيدة أربعة.

أقول: مقدمات القياس هي المادة البعيدة له باعتبار مقدمة مقدمة ومجموعهاال باعتبار صورة خاصة وشكل معين هي المادة القريبة، ومقدمات القياس أربع:

مسلمات ومظنونات ومشبهات ومخيالت، هذا باعتبار المادة البعيدة. وأماباعتبار المادة القريبة فأقسام القياس خمسة: البرهان والجدل والخطابة

والسفسطة والشعر.قال: والثاني متصل فناتجه أمران وكذا غير الحقيقي من المنفصل، ومنه

ضعفه.أقول: الثاني هو االستثنائي وهو ضربان: األول: أن تكون مقدمته الشرطية

متصلة وينتج منه قسمان: أحدهما: استثناء عين المقدم لعين التالي، والثاني:استثناء نقيض التالي لنقيض المقدم. والثاني: أن تكون منفصلة وهو قسمان أيضا:

أحدهما أن تكون غير حقيقية، والثاني أن تكون حقيقية، فغير الحقيقية ضربان:

(٣٥١)

Page 375: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

مانعة الجمع وينتج قسمان منها استثناء عين المقدم لنقيض التالي واستثناء عينالتالي لنقيض المقدم، ومانعة الخلو وينتج قسمان منها أيضا استثناء نقيض المقدملعين التالي واستثناء نقيض التالي لعين المقدم. وأما الحقيقة فإنها تنتج أربع نتائج

من استثناء عين المقدم لنقيض التالي وبالعكس، ومن استثناء عين التالي لنقيضالمقدم وبالعكس.

قال: واألخيران يفيدان الظن، وتفاصيل هذه األشياء مذكورة في غير هذاالفن.

أقول: يريد باألخيرين االستقراء والتمثيل وهما يفيدان الظن ال العلم، واعلمأن تفاصيل هذه األشياء وبيان شرائطها مذكورة في علم المنطق وإنما انساق

الكالم إليه هنا.قال: والتعقل والتجرد متالزمان الستلزام انقسام المحل انقسام الحال، فإن

تشابهت (١) عرض الوضع للمجرد وإال تركب مما ال يتناهى.أقول: هذه المسألة وما بعدها من تتمة مباحث التعقل، وقد ادعى هنا أن

التعقل والتجرد متالزمان بمعنى أن كل عاقل مجرد وبالعكس (أما األول) فاستدلعليه بعد ما تقدم بأن التعقل حال في ذات العاقل فذلك المحل إما أن ينقسم أو ال،

والثاني هو المراد واألول باطل ألن انقسام المحل يستدعي انقسام الحال، إذالحال إما أن يحل بتمامه في جزئي المحل أو في أحد جزئيه أو ال يحل في شئ

منه، واألول يلزم منه االنقسام إن كان الحال في أحد الجزئين غير الحال فياآلخر أو تعدد الواحد إن اتحدا، والثاني يفيد المطلوب والثالث خالف الفرض.فإذا ثبت ذلك فالجزءان إما أن يتشابها أو يختلفا، واألول يستلزم وجود المقدارلما فرض مجردا والثاني يستلزم وجود ما ال يتناهى من األجزاء للصورة العقلية

--------------------(١) أي فإن تشابهت أقسام المحل المستفادة من قوله: الستلزام انقسام المحل انقسام الحال.

والمحل هو القوة العاقلة في المقام.

(٣٥٢)

Page 376: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وذلك بحسب ما في المحل من االنقسامات الممكنة.قال: والستلزام التجرد صحة المعقولية المستلزمة إلمكان المصاحبة.

أقول: هذا دليل الحكم الثاني وهو أن كل مجرد عاقل، وتقريره أن كل مجردفإنه يصح أن يكون معقوال بالضرورة، إذ العائق عن التعقل أنما هو المادة ال غير

وكلما صح أن يكون معقوال وحده صح أن يكون معقوال مع غيره وهو قطعي، فإذنكل مجرد فإنه يصح أن يقارن غيره فنقول: هذه الصحة إما أن تتوقف على ثبوت

المجرد في العقل أو ال، واألول محال ألن الثبوت في العقل نوع من المقارنة فيلزمتوقف إمكان الشئ على وقوعه وهو باطل بالضرورة والثاني هو المطلوب.

وهذا الدليل عندي في غاية الضعف، ألن توقف إمكان مقارنة المجردالمعقول للصورة المعقولة على ثبوت مقارنة المجرد للعقل ال يقتضي توقف

اإلمكان على الوقوع، إذ اإلمكان هنا عائد إلى مقارنة المعقول للمعقول وهي غير،والثبوت عائد إلى مقارنة المعقول للعاقل وهي غير فال يلزم ما ذكر من المحال.

المسألة الثالثة والعشرونفي أحكام القدرة

قال: ومنها القدرة وتفارق الطبيعة والمزاج بمقارنة الشعور والمغايرة فيالتابع.

أقول: لما فرغ من البحث عن العلم شرع في البحث عن القدرة، وأشار بقوله:ومنها أي ومن الكيفيات النفسانية ألنها صفة قائمة بذوات األنفس.

واعلم أن الجسم من حيث هو غير مؤثر وإال لتساوت األجسام في ذلك،وإنما يؤثر باعتبار صفة قائمة به، والصفة المؤثرة إما أن تؤثر مع الشعور أو بدونه

وعلى كال التقديرين إما أن يتشابه التأثير أو يختلف، فاألقسام أربعة: أحدها:الصفة المقترنة بالشعور المتفقة في التأثير وهي القوة الفلكية. الثاني: المقترنة

(٣٥٣)

Page 377: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

بالشعور المختلفة في التأثير وهي القوة الحيوانية أعني القدرة التي يأتي البحثعن أحكامها. الثالث: الصفة المؤثرة غير المقترنة بالشعور المتشابهة في التأثير

وهي القوة الطبيعية. الرابع: غير المقترنة بالشعور المختلفة في التأثير وتسمىالنفس النباتية.

إذا عرفت هذا فنقول: القدرة مغايرة للطبيعة والمزاج، أما األول فلوجوباقترانها بالشعور بخالف الطبيعة، وأما الثاني فألن المزاج كيفية متوسطة بين

الحرارة والبرودة فيكون من جنسهما فتكون تابعة أعني تأثيره من جنستأثيرهما، وأما القدرة فإن تأثيرها مضاد لتأثيرهما وإلى هذا أشار بقوله: والمغايرة

في التابع.قال: مصححة للفعل بالنسبة.

أقول: القدرة صفة تقتضي صحة الفعل من الفاعل ال إيجابه، فإن القادر هوالذي يصح منه الفعل والترك معا فلو اقتضت االيجاب لزم المحال، ومعنى قوله:بالنسبة أي باعتبار نسبة الفعل إلى الفاعل وذلك ألن الفعل صحيح في نفسه ال

يجوز أن يكون للقدرة مدخل في صحته الذاتية ألن اإلمكان للممكن واجب وأمانسبته إلى الفاعل فجاز أن يكون معلال، هذا الذي فهمناه من قوله: بالنسبة.

قال: وتعلقها بالطرفين.أقول: هذا هو المشهور من مذهب الحكماء والمعتزلة وهو أن القدرة متعلقة

بالضدين، وقالت األشاعرة: إنما تتعلق بطرف واحد، وهو خطأ لوقوع الفرق بينالقادر والموجب.

قال: وتتقدم الفعل لتكليف الكافر وللتنافي ولزوم أحد محالين لواله.أقول: هذا مذهب الحكماء والمعتزلة، وقالت األشاعرة: إنها مقارنة للفعل،والضرورة قاضية ببطالن هذا فإن القاعد يمكنه القيام قطعا، واألشاعرة بنوا

مقالتهم على أصل لهم سيأتي بطالنه وهو أن العرض ال يبقى.

(٣٥٤)

Page 378: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

ثم المعتزلة استدلوا على مقالتهم بوجوه ثالثة: األول: أن القدرة لو لم تتقدمالفعل قبح تكليف الكافر، والتالي باطل باالجماع فالمقدم مثله، وبيان المالزمة أن

تكليف ما ال يطاق قبيح فلو لم يكن الكافر متمكنا من اإليمان حال كفره لزمتكليف ما ال يطاق. الثاني: لو لم تكن القدرة متقدمة على الفعل لزم استغناء الفعلعن القدرة مع فرض الحاجة إليها وهو تناف ظاهر، وبيان المالزمة أن الحاجة إلى

القدرة أنما هي إلخراج الفعل من العدم إلى الوجود وحالة االخراج يستغني عنالقدرة وقبله ال قدرة فال حاجة إليها مع أن الفعل إنما يخرج بالقدرة، وإلى هذا أشارالمصنف بقوله: وللتنافي. الثالث: لو لم تكن القدرة متقدمة لزم إما حدوث قدرة ا لله

تعالى أو قدم الفعل، والقسمان محاالن فالمقدم باطل، وإلى هذا أشار بقوله: ولزومأحد محالين لواله أي لوال التقدم، هذا ما خطر لنا في تفسير هذا الكالم.ويمكن أن يكون قوله: وللتنافي، إشارة إلى دليل مغاير للدليل الثاني الذي

ذكرناه وهو أن القدرة لو قارنت الفعل وقد بينا أن القدرة تتعلق بالضدين فيلزمحصول الضدين معا وهو تناف، فيكون قوله: ولزوم أحد محالين من تتمة هذا

الكالم، وهو أن نقول: لو كانت القدرة مقارنة لزم اجتماع الضدين للقدرة عليهماوهو تناف، فيلزم أحد محالين إما اجتماعهما مع تضادهما وتنافيهما أو إيجاب

أحدهما فيتقدم على اآلخر مع فرض المقارنة.قال: وال يتحد وقوع المقدور مع تعدد القادر.

أقول: ال يمكن وقوع مقدور واحد بقادرين وهو مما قد اختلف فيه، والدليلعليه أنه لو وقع بهما لزم استغناؤه بكل واحد منهما عن كل واحد منهما حال

حاجته إليه وهو باطل بالضرورة، ويمكن تعلق القادرين بمقدور واحد بأن يكونذلك الشئ مقدورا لكل واحد منهما وإن لم يقع إال بأحدهما، ولهذا قال: وال يتحد

وقوع المقدور، ولم يقل: وال يتحد المقدور.قال: وال استبعاد في تماثلها.

(٣٥٥)

Page 379: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: ذهب قوم من المعتزلة إلى أن القدر (١) مختلفة وبنوه على أصل لهم وهوأنه ال تجتمع قدرتان على مقدور واحد وإال ألمكن اتصاف ذاتين بهما فيجتمععلى المقدور الواحد قادران وهو محال، وإذا ثبت امتناع اجتماع قدرتين علىمقدور واحد ثبت اختالف القدر ألن التماثل في المتعلق يستلزم اتحاد المتعلق،

ونحن لما جوزنا تعلق القادرين بمقدور واحد اندفع هذا الدليل وحينئذ جاز وقوعالتماثل فيها كغيرها من األعراض. قال: وتقابل العجز تقابل الملكة والعدم.أقول: العجز عند األوائل وجمهور المعتزلة أنه عدم القدرة عما من شأنه أن

يكون قادرا فهو عدم ملكة القدرة، وذهبت األشعرية إلى أنه معنى يضاد القدرةألنه ليس جعل العجز عدما للقدرة أولى من العكس، وهو خطأ فإنه ال يلزم منعدم األولوية عندهم عدمها في نفس األمر وال من عدمها في نفس األمر ثبوت

العجز معنى.قال: وتغاير الخلق (٢) لتضاد أحكامهما والفعل.

أقول: الخلق ملكة نفسانية تصدر بها عن النفس أفعال بسهولة من غير سابقةفكر وروية، وهو مغاير للقدرة لتضاد أحكامهما، ألن القدرة تتساوى نسبتها إلى

الضدين والخلق ليس كذلك، والخلق أيضا يغاير الفعل ألنه قد يكون تكليفا.المسألة الرابعة والعشرون

في األلم واللذةقال: ومنها األلم واللذة وهما نوعان من االدراك تخصصا بإضافة تختلف

بالقياس.--------------------

(١) كما في (م ص ز د) وكذا في العبارة اآلتية. وهي جمع القدرة كثقبة وثقب، وغرفة وغرف.(٢) وفي (ت) وحدها: وتضاد الخلق. والشرح يوافق الوجه األول الموافق لسائر النسخ كلها.

(٣٥٦)

Page 380: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: من الكيفيات النفسانية األلم واللذة والمرجع بهما إلى اإلدراك، فهمانوعان منه تخصصا بإضافة تختلف بالقياس، ألن اللذة عبارة عن إدراك المالئم

واأللم عبارة عن إدراك المنافي، فهما نوعان من االدراك تخصص كل واحد منهمابإضافة إلى المالئمة والمنافرة، وهما أمران يختلفان بالقياس إلى األشخاص، إذ

قد يكون الشئ مالئما لشخص ومنافرا آلخر.قال: وليست اللذة خروجا عن الحالة الطبيعية ال غير (١).

أقول: نقل عن محمد بن زكريا الطبيب (أن اللذة هي الخروج عن الحالةالطبيعية ألنها أنما تعرض بانفعال يعرض للحاسة يقتضيه تبدل حال) وهو غير

جيد فإنه أخذ ما بالعرض مكان ما بالذات، ولهذا نلتذ بصورة نشاهدها من غيرسابقة إبصار لها حتى ال تجعل اللذة عبارة عن الخالص عن ألم الشوق.

قال: وقد يستند األلم إلى التفرق.أقول: لأللم سببان: أحدهما: تفرق االتصال فإن مقطوع اليد يحس باأللم

--------------------(١) كما في (م ت د ص ش) وهذه عبارة صحيحة اخترناها. وكلمة غير كما في المطبوعةزائدة. وهذا التصحيف قد تطرق في كتب أخرى كاألسفار حيث قال: وزعم بعض األطباءكمحمد بن زكريا الرازي أن اللذة عبارة عن الخروج عن الحال الغير الطبيعية.. الخ (ج ٢

ط ١ ص ٣٨)، وكالمباحث المشرقية للفخر الرازي حيث قال: زعم محمد بن زكريا أن اللذةعبارة عن الخروج عن الحالة الغير الطبيعية، واأللم عبارة عن الخروج عن الحالة الطبيعية،

وسبب هذا الظن أخذ ما بالعرض مكان ما بالذات.. الخ (ج ١ ط ١ ص ٣٨٧) وعبارة األسفارمأخوذة من المباحث. ولكن العبارة محرفة وقد تصرف فيها من ال دربة له في فهم أساليب

العبارات العلمية. والعبارة في نسخة مخطوطة من المباحث عندنا هكذا: زعم محمد بنزكريا أن اللذة عبارة عن الخروج عن الحالة الطبيعية، وسبب هذا الظن أخذ ما بالعرضمكان ما بالذات.. الخ. وعبارة الخواجة موافقة لها، ونسخة التجريد المنسوبة إلى خط

الخواجة أيضا موافقة لما اخترناه.ثم قد نقل الفخر في المحصل عبارة الرازي هكذا: ثم قال محمد بن زكريا اللذة عبارة عن

الخالص عن األلم (ص ٧٥ ط مصر).

(٣٥٧)

Page 381: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

بسبب تفرق اتصالها عن البدن، وقد نازع في ذلك بعض المتأخرين بأن التفرقعدمي فال يكون علة للوجودي، وفيه نظر ألن التفرق ليس عدما محضا فجاز

التعليل به على أن التفرق أنما كان علة بالعرض، فإن العلة بالذات أنما هي سوءالمزاج. الثاني: سوء المزاج المختلف (١) ألن الحمى توجب األلم وال تفرق هناك،

وإنما قلنا المختلف ألن سوء المزاج المتفق ال يقتضي التألم.قال: وكل منهما حسي وعقلي وهو أقوى.

أقول: يريد قسمة األلم واللذة بالنسبة إلى الحس والعقل، وذلك ألن جماعةأنكروا العقلي منهما، والحق خالفه فإنا نلتذ بالمعارف وهي لذات عقلية ال تعلق

للحس بها ونتألم بفقدانها بل هذه اللذة أقوى من اللذة الحسية، ولهذا كثيرا ما تتركاللذة الحسية ألجل اللذة الوهمية ال العقلية فكيف العقلية، وأيضا فإن الحس إنما

يدرك ظواهر األجسام وال تعلق له باألمور الكلية، والعقل يدرك باطن الشئويميز بين الذاتيات والعوارض ويفرق بين الجنس والفصل، فيكون إدراكه أتم

فتكون اللذة فيه أقوى.المسألة الخامسة والعشرون

في اإلرادة والكراهةقال: ومنها اإلرادة والكراهة وهما نوعان من العلم.

أقول: من الكيفيات النفسانية اإلرادة والكراهة، وهما نوعان من العلمبالمعنى األعم، وذلك ألن اإلرادة عبارة عن علم الحي أو اعتقاده أو ظنه بما فيالفعل من المصلحة، والكراهة علمه أو ظنه أو اعتقاده بما فيه من المفسدة، هذا

مذهب جماعة. وقال آخرون: إن اإلرادة والكراهة زائدتان على هذا العلم--------------------

(١) ألن المتفق أي المستوى صارت حرارة الحمى متمكنة فيه كالمزاج له (األسفار ج ٢ ط ١ص ٣٨).

(٣٥٨)

Page 382: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

مترتبتان عليه، ألنا نجد من أنفسنا ميال إلى الشئ أو عنه مترتبا على هذا العلم،وهي تفارق الشهوة فإن المريض يريد شرب الدواء وال يشتهيه.

قال: وأحدهما الزم مع التقابل.أقول: الذي فهمناه من هذا الكالم أن أحدهما أي إرادة الشئ تستلزم كراهة

ضده فإن الكراهة للضد أحدهما يعني أحد األمرين إما اإلرادة أو الكراهة الزملإلرداة للشئ مع تقابل المتعلقين أعني الشئ والضد. وهذا حكم قد اختلف فيه

فذهب األكثر إليه، وذهب قوم إلى أن إرادة الشئ نفس كراهة الضد وهو غلط منباب أخذ ما بالعرض مكان ما بالذات.

ويحتمل أن يكون معنى قوله: وأحدهما الزم مع التقابل، أي أن أحدهما الزمللعلم قطعا إذ المعلوم إما أن يشتمل فعله على نوع من المصلحة أو على نوع منالمفسدة، فأحد األمرين الزم لكن ال يلزمه أحدهما بعينه للتقابل بينهما بل الالزم

واحد ال بعينه.قال: ويتغاير اعتبارهما بالنسبة إلى الفاعل وغيره.

أقول: الذي يظهر لنا من هذا الكالم أن اإلرادة والكراهة يتغاير اعتبارهمابالنسبة إلى الفاعل باإلرادة وغيره، وذلك ألن اإلرادة إن كانت لنفس فعل الفاعلمن نفسه فهي عبارة عن صفة تقتضي تخصيصه بااليجاد دون غيره مما عداه مناألفعال في وقت خاص دون غيره من سائر األوقات، وإن كانت لفعل الغير فإنها

ال تؤخذ بهذا المعنى.قال: وقد تتعلقان بذاتيهما بخالف الشهوة والنفرة.

أقول: اإلرادة قد تراد والكراهة قد تكره، وهذا حكم ظاهر لكن اإلرادةالمتعلقة باإلرادة ليست هي اإلرادة المتعلقة بالفعل ألن اختالف المتعلقات يقتضياختالف المتعلقات (١) أما الشهوة والنفرة فال يصح تعلقهما بذاتيهما فالشهوة ال

--------------------(١) األول بالفتح والثاني بالكسر.

(٣٥٩)

Page 383: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

تشتهي وكذلك النفرة ال ينفر عنها، ألن الشهوة والنفرة أنما تتعلقان بالمدرك البمعنى أنه يجب أن يكون موجودا، فقد تتعلق الشهوة والنفرة بالمعدوم وهما غير

مدركين.قال: فهذه الكيفيات تفتقر إلى الحياة وهي صفة تقتضي الحس والحركة

مشروطة باعتدال المزاج عندنا.أقول: هذه الكيفيات النفسانية التي ذكرها مشروطة بالحياة وهو ظاهر، ثم

فسر الحياة بأنها صفة تقتضي الحس والحركة، وزادها إيضاحا بقوله: مشروطةباعتدال المزاج، ثم قيد ذلك بقوله: عندنا، ليخرج عنه حياة واجب الوجود فإنها

غير مشروطة باعتدال المزاج وال تقتضي الحس والحركة.قال: فال بد من البنية.

أقول: هذا نتيجة ما تقدم من اشتراط الحياة باعتدال المزاج، فإن ذلك أنمايتحقق مع البنية وهذا ظاهر، واألشاعرة أنكروا ذلك وجوزوا وجود حياة في

محل غير منقسم بانفراده وهو ظاهر البطالن.قال: وتفتقر إلى الروح (١).

أقول: الحياة تفتقر إلى الروح، وهي أجسام لطيفة متكونة من بخاريةاالخالط سارية في العروق تنبعث من القلب، وحاجة الحياة إليها ظاهرة.

قال: وتقابل الموت تقابل العدم والملكة.أقول: الموت هو عدم الحياة عن محل وجدت فيه فهو مقابل للحياة مقابلة

العدم والملكة، وذهب أبو علي الجبائي إلى أنه معنى وجودي يضاد الحياة لقولهتعالى: الذي خلق الموت والحياة والخلق يستدعي االيجاد وهو ضعيف، ألن

--------------------(١) أي الروح البخاري وهي من صفوة االخالط األربعة وال جسم ألطف منه وهي المطية

األولى للنفس.

(٣٦٠)

Page 384: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الخلق هو التقدير وذلك ال يستدعي كون المقدور وجوديا.المسألة السادسة والعشرونفي باقي الكيفيات النفسانية

قال: ومن الكيفيات النفسانية الصحة والمرض.أقول: الصحة والمرض من الكيفيات النفسانية عند الشيخ، أما الصحة فقد

حدها في الشفاء بأنها ملكة في الجسم الحيواني تصدر عنه ألجلها أفعاله الطبيعيةوغيرها على المجرى الطبيعي غير مأوفة، والمرض حالة أو ملكة مقابلة لتلك (١).

وهنا إشكال فإن المتضادين يدخالن تحت جنس واحد، فالصحة إن دخلت فيالحال والملكة فكذا المرض لكن أجناس المرض سوء المزاج وسوء التركيب

وتفرق االتصال، فسوء المزاج إن كان هو الحرارة الزائدة مثال فهو من الكيفياتالفعلية ال من الحال والملكة، وإن كان هو اتصاف البدن بها فهو من مقولة أن ينفعل،

وسوء التركيب عبارة عن مقدار أو عدد أو وضع أو شكل أو انسداد مجرى يخلباألفعال، وال شئ من هذه بحال وال ملكة وتفرق االتصال عدمي ال يدخل تحت

مقولة.قال: والفرح والغم.

أقول: الفرح أحد الكيفيات النفسانية وكذا الغم، والسبب المعد للفرح كون--------------------

(١) أي مقابلة للصحة. وفي (م) وحدها: مقابلة لذلك أي مقابلة لذلك الحد. والوجه األولمطابق لعبارة الشيخ كما في نسخة عتيقة من الشفاء عندنا حيث قال في الفصل الثاني من

المقالة السابعة من قاطيغورياس منطق الشفاء: الصحة وهي ملكة في الجسم الحيواني تصدرعنه ألجلها أفعاله الطبيعية وغيرها على المجرى الطبيعي غير مؤوفة، وسواء نسبت إلى

البدن كله أو إلى عضو واحد، وسواء كانت بالحقيقة أو بحسب الحس، فإن الذي بحسبالحس رسمه بحسب الحس. والمرض حالة أو ملكة مقابلة لتلك فال تكون أفعاله من كل

الوجوه كذلك بل تكون هناك آفة في الفعل.. الخ.

(٣٦١)

Page 385: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

حامله الذي هو الروح على أفضل أحواله في الكم والكيف، والفاعل تخيلالكمال (١)، وأضداد هذه أسباب للغم.

قال: والغضب والحزن والهم والخجل والحقد.أقول: هذه أيضا من األعراض النفسانية، واعلم أن جميع العوارض النفسانية

تسلتزم حركة الروح إما إلى داخل أو خارج، واألول إن كانت كثيرة فكما فيالفزع أو قليلة فكما في الحزن، والثاني إما دفعة فكما في الغضب أو يسيرا يسيرا

فكما في اللذة، وقد يتفق أن يتحرك إلى جهتين دفعة واحدة إذا كان العارضيلزمه عارضان كالهم فإنه يوجد معه غضب وحزن فتختلف الحركتان، وكالخجل

الذي تنقبض الروح معه أوال إلى الباطن ثم يخطر بالبال انتفاء الضرر فتنبسطثانيا، ويعتبر في الحقد غضب ثابت وعدم سهولة االنتقام وعدم صعوبته.

المسألة السابعة والعشرونفي الكيفيات المختصة بالكميات

قال: والمختصة بالكمية إما المتصلة كاالستقامة واالستدارة واالنحناءوالتقعير والتقبيب والشكل والخلقة، أو المنفصلة كالزوجية والفردية.

أقول: لما فرغ من البحث عن الكيفيات النفسانية شرع في الكيفيات المختصةبالكميات، ونعني بها الكيفية التي تعرض للكمية أوال وبالذات وللجسم ثانيا

وبالعرض، واعلم أن الكم على قسمين: متصل ومنفصل، أما المتصل فقد يعرض لهالكيف مثل االستقامة واالستدارة واالنحناء والتقعير والتقبيب والشكل والخلقة،

وأما المنفصل فقد يعرض له أيضا أنواع أخر من الكيف كالزوجية والفرديةوغيرهما.

قال: فالمستقيم أقصر الخطوط الواصلة بين نقطتين، وكما أنه موجود فكذا--------------------

(١) التخيل مصدر مضاف خبر للفاعل.

(٣٦٢)

Page 386: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الدائرة.أقول: رسم ارشميدس الخط المستقيم بأنه أقصر خط يصل بين نقطتين ألن

كل نقطتين يمكن أن يوصل بينهما بخطوط غير مستقيمة مختلفة في الطول والقصروبخط واحد مستقيم هو أقصرها.

إذا عرفت هذا فنقول: الخط المستقيم موجود بالضرورة، أما الدائرة وهيسطح مستو يحيط به خط واحد في داخله نقطة كل الخطوط المستقيمة الخارجة

منها إلى المحيط متساوية، فقد اختلف الناس في وجودها فالذين أثبتوا ما الينقسم من ذوات األوضاع نفوها، والباقون أثبتوها وهو اختيار المصنف رحمه الله ألن

الدائرة المحسوسة موجودة، فإذا وصلنا بين المركز المحسوس منها وبين المحيطبخط ثم نقلنا طرف الخط الذي عند المحيط إلى جزء آخر، فإن لم ينطبق عليه فإن

كان لزيادة جزء أزلناه وإن كان لنقصان جزء مألناه به وإن كان لنقصان أقل منجزء أو لزيادة أقل منه لزم انقسام الجوهر وإمكان العمل أيضا.

قال: والتضاد منتف عن المستقيم والمستدير فكذا عن عارضيهما.أقول: إنه ربما توهم بعض الناس أن الخط المستقيم يضاد الخط المستديرللتنافي بينهما، والتحقيق خالف هذا فإن الضدين يجب اتحاد موضوعهماوالموضوع هنا ليس بواحد إذ المستقيم يستحيل أن ينقلب إلى المستدير

وبالعكس، وأيضا فإن المستقيم قد يكون وترا لقسي غير متناهية (١) كثرة وضد--------------------

(١) كما في (م ص ز ذ ش) وفي بعض النسخ: غير متشابهة. والوجهان يفيدان معنى صحيحا إالأن األول متعين وال تكون القسي غير المتناهية على وتر إال غير المتشابهة، وأظن أن تعليقةأقيمت مقام غير المتناهية ثم بدلت الكثرة بالكثيرة ليستقيم المعنى. والقسي المتشابهة هي

التي تقبل الزوايا المتساوية، كما يرشدك بذلك العاشر من ثانية اكرثا وذوسيوس بتحريرالمحقق الماتن: إذا كانت في كرة دوائر متوازية ورسمت دوائر عظيمة تمر بأقطابها فإن

القسي من الدوائر المتوازية التي فيما بين الدوائر العظيمة متشابهة.

(٣٦٣)

Page 387: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الواحد واحد ال غير، وإذا انتفى التضاد عنهما فكذا عن عارضيهما، ويفهم منهأمران: أحدهما: أن التضاد منتف عن االستقامة واالستدارة العارضتين للخطالمستقيم والمستدير. والثاني: أن التضاد منتف عن الحركتين الواقعتين على

الخطين المستقيم والمستدير.قال: والشكل هيئة إحاطة الحد أو الحدود بالجسم ومع انضمام اللون تحصل

الخلقة.أقول: ذكر القدماء أن الشكل ما أحاط به حد أو حدود، والتحقيق أنه من

باب الكيف فإنه هيئة تعرض للجسم بسبب إحاطة الحد الواحد أو الحدود بهكالكرية والتربيع وهو مغاير للوضع بمعنى المقولة، وإذا اعتبر الشكل واللون معا

حصلت الخلقة.قال: الثالث المضاف.

أقول: لما فرغ من البحث عن الكيف وأقسامه شرع في المضاف وهو المقولةالثالثة من المقوالت العشر، وهذه المقولة مع ما بعدها من المقوالت كلها نسبية

وهو قسم مقابل لما تقدم من المقوالت، وفي هذا القسم مسائل:المسألة األولى

في أقسامهقال: وهو حقيقي ومشهوري.

أقول: المضاف قد يقال لنفس اإلضافة أعني العارضة للشئ باعتبار قياسهإلى غيره كاألبوة والبنوة، ويقال له: المضاف الحقيقي فإنه لذاته يقتضي اإلضافة،

وغيره أنما يقتضي اإلضافة بواسطته، ويقال للذات التي عرضت لها اإلضافةبالفعل كاألب واالبن ويسمى المضاف المشهوري، وقد يقال للذات نفسها مضاف

مشهوري باعتبار كونها معروضة لإلضافة.

(٣٦٤)

Page 388: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

المسألة الثانيةفي خواصه

قال: ويجب فيه االنعكاس والتكافؤ بالفعل أو القوة.أقول: هاتان خاصتان مطلقتان للمضاف ال يشاركه فيهما غيره، إحداهما:

وجوب االنعكاس فإنه كما أن األب أب لالبن فكذا االبن ابن لألب، والمرادباالنعكاس الحكم بإضافة كل واحد منها إلى صاحبه من حيث كان مضافا إليه كمامثلناه، فإن لم تراع هذه الحيثية لم يجب االنعكاس كما تقول: األب أب لالنسان.

الثانية: التكافؤ في الوجود بالفعل أو القوة والمتقدم مصاحب للمتأخر ذهنا.قال: ويعرض للموجودات أجمع.

أقول: المضاف الحقيقي يعرض لجميع الموجودات، كما يقال للواجب تعالى:قادر عالم خالق رازق، ويقال لنوع من الجواهر: إنه أب وابن وغيرهما، ويقال

للخط: طويل وقصير، وللعدد: قليل وكثير، وللكيف: أسخن وأبرد، وللمضاف:كاألقرب واألبعد (١)، ولألين: أعلى وأسفل، وللمتى: أقدم وأحدث، وللوضع: أشد

استقامة وانحناء، وللملك: أكسى وأعرى، وللفعل: أقطع وأصرم، ولالنفعال: أشدتسخنا وتقطعا.المسألة الثالثة

في أن اإلضافة ليست ثابتة في األعيانقال: وثبوته ذهني وإال تسلسل وال ينفع تعلق اإلضافة بذاتها.

أقول: اختلف العقالء هنا، فذهب قوم إلى أن اإلضافة ثابتة في األعيان، ألنفوقية السماء ليست عدما محضا وال أمرا ذهنيا غير مطابق. وقال آخرون: إنها

--------------------(١) باتفاق النسخ كلها.

(٣٦٥)

Page 389: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

عدمية في األعيان ثابتة في األذهان، وهو اختيار المصنف رحمه الله وأكثر المحققين.والدليل عليه وجوه ذكرها المصنف: أحدها أن اإلضافة لو كانت ثابتة في األعيان

لزم التسلسل، ألن حلولها في المحل إضافة أخرى وحلول ذلك الحلول ثابتيستدعي محال وحلوال وذلك يوجب التسلسل.

أجاب الشيخ أبو علي ابن سينا عن هذا (١) بأن قال: يجب أن نرجع في حل--------------------

(١) أجاب عنه الشيخ في الفصل العاشر من ثالثة إلهيات الشفاء (ج ٢ ط ١ ص ٤٦٢) عبارةالشيخ المنقولة في نسخ كشف المراد تغاير عبارة الشفاء في الجملة. وقول الشارح بعد نقل

كالم الشيخ: (وهذا الكالم على طوله غير مفيد للمطلوب) يعطي أنه نقل كالمه من غيرتصرف فيه وتحرير آخر، ولكن عرضها على الشفاء يوهم أن ما في الكشف كأنه تحرير

آخر من كالم الشيخ. كيف كان فقد نأتي هنا بعبارة الشيخ من نسخة مصححة عندناصححناها في أثناء تدريسنا إياها بمقابلتها على عدة نسخ مخطوطة كريمة موجودة في

مكتبتنا المحقرة على غاية الدقة واالتقان في العمل فهي ما يلي:يجب أن نرجع في حل هذه الشبهة إلى حد المضاف المطلق فنقول: إن المضاف هو الذي

ماهيته معقولة بالقياس إلى غيره فكل شئ في األعيان يكون بحيث ماهيته أنما يعقلبالقياس إلى غيره فذلك الشئ من المضاف، لكن في األعيان أشياء كثيرة بهذه الصفة

فالمضاف في األعيان موجود فإن كان للمضاف ماهية أخرى فينبغي أن يجرد ما له منالمعنى المعقول بالقياس إلى غيره فذلك المعنى هو بالحقيقة المعقول بالقياس إلى غيره،

وغيره إنما هو معقول بالقياس إلى غيره بسبب هذا المعنى وهذا المعنى ليس معقوال بالقياسإلى غيره بسبب شئ غير نفسه بل هو مضاف لذاته فليس هناك ذات وشئ هو اإلضافة بل

هناك مضاف بذاته ال بإضافة أخرى فتنتهي من هذا الطريق اإلضافات. وأما كون هذا المعنىالمضاف بذاته في هذا الموضوع فهو من حيث إنه في هذا الموضوع ماهية معقولة بالقياسإلى هذا الموضوع وله وجود آخر، مثال وهو وجود األبوة وذلك الوجود أيضا مضاف لكن

ليس ذلك هذا فليكن هذا عارضا من المضاف لذي المضاف وكل واحد منهما مضاف لذاتهإلى ما هو مضاف إليه بال إضافة أخرى فالكون محموال مضاف لذاته، والكون أبوة مضاف

لذاته، إنتهى.أقول: إن الشارح في البحث عن التقابل وهو المسألة الحادية عشرة من ثاني المقصد األول

قال في تعريف التضايف ما هذا لفظه: المتقابالن إن كانا وجوديين فإن عقل أحدهما بالقياسإلى اآلخر فهو تقابل التضايف كاألبوة والبنوة.. إلى قوله في تعريف الضدين في المشهور: إن

الضدين في المشهور يطلقان على كل وجوديين متقابلين ال يعقل أحدهما بالقياس إلىاآلخر.. الخ.

وعلى هذا الوزن ينبغي أن يقال هاهنا في تعريف اإلضافة نحو عبارات الشيخ من يعقل،والمعقول ونظائرهما في عبارة الشفاء والشارح عدل عنها إلى مقولة ونظائرهما كما في الكتاب.

(٣٦٦)

Page 390: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

هذه الشبهة إلى حد المضاف المطلق فنقول: المضاف هو الذي ماهيته مقولةبالقياس إلى غيره، فكل شئ في األعيان يكون بحسب ماهيته (١) إنما يقال

بالقياس إلى غيره فذلك الشئ هو المضاف، لكن في األعيان أشياء كثيرة بهذهالصفة فالمضاف في األعيان موجود. ثم إن كان في المضاف ماهية أخرى فينبغي

أن يجرد ما له من المعنى المقول بالقياس إلى غيره فذلك المعنى هو بالحقيقةالمعنى المقول بالقياس إلى غيره، وغيره أنما هو مقول بالقياس إلى غيره بسببهذا المعنى، وهذا المعنى ليس مقوال بالقياس إلى غيره بسبب شئ غير نفسه بل

هو مضاف لذاته فليس هناك ذات وشئ هو اإلضافة بل هناك مضاف بذاته البإضافة أخرى فتنتهي من هذا الطريق اإلضافات. وأما كون هذا المعنى المضاف

بذاته في هذا الموضع (٢) فله وجود آخر - مثال وجود األبوة في األب - أمر زائدعلى ذات األب، وذلك الموجود أمر مضاف أيضا فليكن هذا عارضا من المضاف

لذي المضاف (٣) وكل واحد منهما مضاف لذاته إلى ما هو مضاف إليه ال إلضافةأخرى. فالكون محموال مضاف لذاته، والكون أبوة مضاف لذاته.

وهذا الكالم على طوله غير مفيد للمطلوب، ألن التسلسل الذي ألزمناه ليسمن حيث إن المضاف الذي هو المقولة يكون مضافا بإضافة أخرى حتى تقسم

--------------------(١) كما في (م). وفي غيرها: يكون بحيث ماهيته.

(٢) كما في (م). وفي غيرها في هذا الموضوع.(٣) كما في (م). وفي عدة نسخ مخطوطة من الشفاء وكشف المراد:

فليكن هذا عارضا من المضاف لزم المضاف. وما في (م) أمتن وأوفق بأسلوب العبارة. بلينبغي أن يقال هو متعين ولزم محرف.

(٣٦٧)

Page 391: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

األشياء إلى ما هو مضاف بذاته وإلى ما هو مضاف بغيره بل من حيث إن المضافالحقيقي كاألبوة تفتقر إلى محل تتقوم به لعرضيتها وحلولها في ذلك المحل إضافة

لها إلى ذلك المحل يستدعي محال وحلوال ويتسلسل، وإلى هذا أشار المصنف رحمهالله

بقوله: وال ينفع تعلق اإلضافة بذاتها، أي تعلق اإلضافة بالمضاف إليه لذاتها الإلضافة أخرى.

قال: ولتقدم وجودها عليه (١).أقول: هذا وجه ثان دال على أن اإلضافة ليست ثابتة في األعيان، وتقريره

أنها لو كانت ثبوتية لشاركت الموجودات في الوجود وامتازت عنها بخصوصيةما، فاتصاف وجودها بتلك الخصوصية إضافة سابقة على وجود اإلضافة فيلزمتقدم وجود اإلضافة على وجودها وهو محال، فالضمير في (عليه) يرجع إلى

وجودها. ويحتمل عوده إلى المحل ويكون معنى الكالم أن اإلضافة لو كانتموجودة لزم تقدمها على محلها ألن وجود محلها حقيقة له، فاتصافه به نوع إضافة

سابق على وجود اإلضافة، وأعاد الضمير إليه من غير ذكر لفظي لظهوره.قال: ولزم عدم التناهي في كل مرتبة من مراتب األعداد.

أقول: هذا وجه ثالث، وتقريره أن اإلضافات لو كانت ثابتة في األعيان لزمأن تكون كل مرتبة من مراتب األعداد تجتمع فيه إضافات وجودية ال تتناهى،ألن االثنين مثال له اعتبار بالنسبة إلى األربعة وتعرض له بذلك االعتبار إضافة

النصفية، وإلى الستة وتعرض له بحسبه إضافة الثلثية، وهكذا إلى ما ال يتناهى وهومحال. أما أوال فلما بينا من امتناع وجود ما ال يتناهى مطلقا، وأما ثانيا فألن تلك

اإلضافات موجودة دفعة ومترتبة في الوجود باعتبار تقدم بعض المضاف إليهعلى بعض فيلزم اجتماع أعداد ال تتناهى دفعة مترتبة وهو محال اتفاقا، وأما ثالثا

--------------------(١) برفع الوجود فاعل تقدم، وتقدم فعل ماض.

(٣٦٨)

Page 392: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

فألن وجود اإلضافات يستلزم وجود المضاف إليه فيلزم وجود ما ال يتناهى مناألعداد دفعة من ترتبها، وكل ذلك مما برهن على استحالته.

قال: وتكثر (١) صفاته تعالى.أقول: هذا وجه رابع، وتقريره أن اإلضافات لو كانت وجودية لزم وجود

صفات الله تعالى متكثرة ال تتناهى، ألن له إضافات ال تتناهى وذلك محال.المسألة الرابعة

في باقي مباحث اإلضافةقال: ويخص كل مضاف مشهوري مضاف حقيقي (٢) فيعرض له االختالف

واالتفاق إما باعتبار زائد أو ال.أقول: المضاف المشهوري كاألب يعرض له مضاف حقيقي كاألبوة وكذا

االبن تعرض له البنوة، فكل مضاف مشهوري يعرض له مضاف حقيقي وال يمكنأن يكون مضاف حقيقي واحد عارضا لمضافين مشهوريين المتناع قيام عرض

واحد بمحلين، فإذا كان كل مضاف مشهوري يعرض له مضاف حقيقي عرضحينئذ االختالف في المضاف الحقيقي كاألبوة والبنوة واالتفاق كاألخوة والجوار.

ثم إن هذا المضاف الحقيقي يعرض للمضاف المشهوري إما باعتبار زائديحصل فيهما كالعاشق والمعشوق فإن في العاشق هيئة مدركة وفي المعشوق هيئة

يتعلق بها اإلدراك فيحصل حينئذ إضافة العشق باعتبار هذا الزائد، وقد يكونالزائد في أحدهما إذ العالم المضاف إلى المعلوم باعتبار قيام صفة العلم به، وقد ال

يكون باعتبار زائد كالميامن والمياسر (٣) فإنهما يتضايفان ال ألجل صفة زائدة--------------------

(١) برفع التكثر وإضافته عطفا على عدم التناهي، أي لزم تكثر صفاته.(٢) باتفاق النسخ كلها، فمضاف حقيقي فاعل.

(٣) على هيئة اسم الفاعل فيهما. وفي نسخ قد حرفا بالتيامن والتياسر. وال يخفى عليك وجهالتحريف ألن الكالم في المضاف المشهوري وعروض إضافة حقيقية.

(٣٦٩)

Page 393: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

على اإلضافة، هذا خالصة ما فهمناه من هذا الكالم.المسألة الخامسةفي مقولة األين

قال: الرابع األين وهي النسبة إلى المكان (١).أقول: لما فرغ من البحث عن المضاف شرع في البحث عن األين وهي نسبةالشئ إلى مكانه بالحصول فيه وهو حقيقي وهو نسبة الشئ إلى مكانه الخاصبه، وغير حقيقي وهو نسبته إلى مكان عام كقولنا: زيد في الدار، وهذه النسبة

مغايرة للوجود ولكل واحد من الجسم والمكان وال تقبل الشدة والضعف.قال: وأنواعه أربعة عند قوم هي الحركة والسكون واالجتماع واالفتراق.أقول: أنواع الكون عند المتكلمين أربعة: الحركة والسكون وهما حالتا

الجسم بانفراده باعتبار المكان، واالجتماع واالفتراق وهما حالتاه باعتبارانضمامه إلى الغير من األجسام.

قال: فالحركة كمال أول لما بالقوة من حيث هو بالقوة أو حصول الجسم فيمكان بعد آخر.

أقول: هذان تعريفان للحركة، األول منهما للحكماء والثاني للمتكلمين.أما التعريف األول فاعلم أن الحركة حال حصول الجسم في المكان المنتقل

عنه معدومة عنه ممكنة له فهي كمال للجسم، ثم إن حصوله في المكان الثانيحينئذ معدوم عنه ممكن له فهو كمال أيضا، والجسم في تلك الحال بالقوة فيالمكان الثاني لكن الحركة أسبق الكمالين، فالحركة كمال أول لما بالقوة أعني

الجسم الذي هو بالقوة في المكان الثاني. وإنما قيدنا بقولنا: من حيث هو بالقوة،--------------------

(١) باتفاق النسخ كلها.

(٣٧٠)

Page 394: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

ألن الحركة تفارق سائر الكماالت بأن جميع الكماالت إذا حصلت خرج ذوالكمال من القوة إلى الفعل، وهذا الكمال من حيث إنه كمال يستلزم كون ذي

الكمال بالقوة.وأما الثاني فإن المتكلمين قالوا: ليست الحركة هي الحصول في المكان

األول، ألن الجسم لم يتحرك بعد، وال واسطة بين األول والثاني وإال لم يكن مافرضناه ثانيا بثان فهي الحصول في المكان الثاني ال غير.

قال: ووجودها ضروري.أقول: اتفق أكثر العقالء على أن الحركة موجودة وادعوا الضرورة في ذلك،

وخالفهم جماعة من القدماء كزينون وأتباعه قالوا: إنها ليست موجودة واستدلواعلى ذلك بوجوه:

أحدها: أن الحركة لو كانت موجودة لكانت إما منقسمة فيكون الماضي غيرالمستقبل أو غير منقسمة فيلزم تركبها من األجزاء التي ال تتجزأ، والالزمان باطالن.

الثاني: أن الحركة ليست هي الحصول في المكان األول ألن الجسم حينئذ لميتحرك بعد، وال في المكان الثاني ألن الحركة انتهت وانقطعت، وال المجموع

المتناع تحقق جزئيه معا في الوجود فال تكون موجودة.الثالث: أن الحركة ليست واحدة فال تكون موجودة.

وهذه االستدالالت في مقابلة الحكم الضروري فال تكون مسموعة.قال: يتوقف على المتقابلين والعلتين والمنسوب إليه والمقدار.

أقول: وجود الحركة يتوقف على أمور ستة: أحدها: ما منه الحركة. والثاني:ما إليه الحركة أعني مبدأ الحركة ومنتهاها، والظاهر أن مراده بالمتقابلين هذان ألن

المبدأ والمنتهى متقابالن ال يجتمعان في شئ واحد باعتبار واحد. الثالث: ما بهالحركة وهو السبب والعلة الفاعلية لوجودها. الرابع: ما له الحركة أعني الجسم

المتحرك وهو العلة القابلية، وهذان هما المرادان بقوله: والعلتين. الخامس: ما فيه

(٣٧١)

Page 395: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الحركة أعني المقولة التي ينتقل الجسم فيها من نوع إلى نوع، والظاهر أنه المرادبقوله: والمنسوب إليه، إذ المقولة تنسب الحركة إليها بالتبعية (١).

السادس: الزمان الذي تقع فيه الحركة وهو المراد بقوله: والمقدار، فإن الزمانمقدار الحركة.

قال: فما منه وما إليه قد يتحدان محال وقد يتضادان ذاتا وعرضا.أقول: ما منه وما إليه قد يكون محلهما واحدا لكن ال باعتبار واحد كالنقطةفي الحركة المستديرة فإنها بعينها مبدأ للحركة المستديرة ومنتهى لها لكن

باعتبارين، وقد يتغاير محلهما كالحركات المستقيمة ثم قد يتضاد المحل فيالمتكثر إما ذاتا كالحركة من السواد إلى البياض أو عرضا كالحركة من اليمين إلى

الشمال.قال: ولهما اعتباران (٢) متقابالن أحدهما بالنظر إلى ما يقاالن له.

أقول: الذي فهمناه من هذا الكالم أن لكل واحد مما منه وما إليه اعتبارين:أحدهما بالقياس إلى ما يقال له أعني ذا المبدأ وذا المنتهى، والثاني بقياس كل

واحد إلى صاحبه. فاألول قياس التضايف والثاني قياس التضاد، وذلك ألن المبدأال يضايف المنتهى النفكاكهما تصورا بل يضايف ذا المبدأ، فإن المبدأ مبدأ لذي

المبدأ وكذا المنتهى، وأما اعتبار المبدأ إلى المنتهى فإنه مضاد له إذ ليسمضايفا، وال سلبا وإيجابا، وال عدما وملكة فلم يبق إال التضاد، وهذان االعتباران

أعني التضايف والتضاد متقابالن. (واعلم) أن هاهنا إشكاال وهو أن يقال: الضدان اليعرضان لموضوع واحد مجتمعين فيه، والمبدأ والمنتهى قد يعرضان لجسم واحد.

--------------------(١) كما في نسخة (م) والنسخ األخرى كلها بالفيئية.

(٢) العبارة في الشوارق هكذا: ولهما اعتباران متقابالن أحدهما بالنظر إلى ما يقاالن له،وثانيهما اعتبار كل منهما بالنظر إلى اآلخر (ص ٣٧٦ ج ٢ ط ١) ولكن نسخ كشف المراد كلها

مطبقة على ما نقلناه، وكأنه لم يأت باالعتبار اآلخر لداللة أسلوب الكالم عليه.

(٣٧٢)

Page 396: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

والجواب أن الضدين قد يجتمعان في جسم واحد إذا لم يكن الجسمموضوعا قريبا لهما، وحال المبدأ والمنتهى هنا كذلك ألن موضوعهما األطراففي الحركات المستقيمة وتلك متغايرة، بقي أن يقال: هذا ال يتأتى في الحركات

المستديرة، وقد نبه المصنف رحمه الله على ذلك بقوله: قد يتحدان محال، فيكون وجهالخالص عدم اجتماع الوصفين إذ حال وصفه بكونه منتهى ينتفي عنه كونه مبدأ،

وفيه ما فيه.قال: ولو اتحدت العلتان انتفى المعلول.

أقول: قد بينا أنه يريد بالعلتين هنا الفاعلية أعني المحرك والقابلية أعنيالمتحرك، وادعى تغايرهما على معنى أنه ال يجوز أن يكون الشئ محركا لنفسهبل إنما يتحرك بقوة موجودة أما فيه كالطبيعة أو خارجة عنه (١) ألنه لو تحركلذاته النتفت الحركة إذ بقاء العلة يستلزم بقاء المعلول، فإذا فرضنا الجسم لذاته

علة للحركة كان علة ألجزائها فيكون كل جزء منها باقيا ببقاء الجسم، لكن بقاءالجزء األول منها يقتضي أن ال يوجد الثاني المتناع اجتماع أجزائها في الوجود

فال توجد الحركة وقد فرضناها موجودة هذا خلف، وإلى نفي الحركة أشار بقوله:انتفى المعلول.

قال: وعم.أقول: هذه حجة ثانية على أن الفاعل للحركة ليس هو القابل أعني نفس

الجسمية، وتقريره أن نقول: األجسام متساوية في الماهية، فلو اقتضت لذاتهاالحركة لزم عمومها لكل جسم فكان كل جسم متحركا (هف) ثم إن الجسمية إناقتضت الحركة إلى جهة معينة لزم حركة كل األجسام إليها وهو باطل بالضرورة،

وإن كان إلى جهة غير معينة انتفت الحركة، وأشار إلى هذا الدليل بقوله: (وعم) أي--------------------

(١) باتفاق النسخ كلها. وفي المطبوعة: أو خارجة عنه كالنفس. والظاهر أن المثال أعني قوله:كالنفس تعليقة أدرجت في الكتاب.

(٣٧٣)

Page 397: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وعم ما فرضناه معلوال وهو الحركة إما مطلقا أو إلى جهة معينة على ما قررناالوجهين فيه.

قال: بخالف الطبيعة المختلفة المستلزمة في حال ما.أقول: هذا جواب عن إشكال يورد على هذين الدليلين، وتقريره أن نقول:

الطبيعة قد تقتضي الحركة وال يلزم دوامها بدوام الطبيعة وال عمومها بعمومها.وتقرير الجواب أن نقول: الطبائع مختلفة فجاز اقتضاء بعضها الحركة إلى جهة

معينة بخالف غيرها، وإلى هذا أشار بقوله: المختلفة.وأيضا الطبيعة لم نقل إنها مطلقا علة للحركة وإال لزم المحال بل إنما تقتضيها

في حال ما وهو حال خروج الجسم عن مكانه الطبيعي، أما حال بقاء الجسم فيمكانه الطبيعي فال تقتضي الحركة، وإليه أشار بقوله: المستلزمة في حال ما.قال: والمنسوب إليه أربع، فإن بسائط الجواهر توجد دفعة ومركباتها تعدم

بعدم أجزائها.أقول: يريد بالمنسوب إليه ما توجد فيه الحركة على ما تقدم تفسيره،

والحركة تقع في أربع مقوالت ال غير (١) هي: الكم والكيف واألين والوضع، وال تقعفيما سوى ذلك أما الجوهر فقسمان: بسيط ومركب، فالبسيط يوجد دفعة فال

تتحقق فيه حركة، والمركب يعدم بعدم أحد أجزائه فال تقع فيه حركة إذ المتحركباق حال الحركة والمركب ليس بباق حال الحركة فال تقع فيه حركة أيضا.

قال: والمضاف تابع.أقول: المضاف ال تقع فيه حركة بالذات ألنه أبدا تابع لغيره، فإن كان متبوعه

قابال للشدة والضعف قبلهما هو وإال فال.قال: وكذا متى.

أقول: ذكر الشيخ في النجاة أن متى يوجد للجسم بتوسط الحركة فكيف--------------------

(١) التحقيق في المقام يطلب في كتابنا الفارسي الموسوم ب (گشى در حركت).

(٣٧٤)

Page 398: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

يكون فيه حركة فإن كل حركة في متى فلو كان فيه حركة لكان لمتى متى آخر،وقال في الشفاء: يشبه أن يكون حال متى كحال اإلضافة في أن االنتقال ال يكونفيه بل يكون في كم أو كيف ويكون الزمان الزما لذلك التغير فيعرض بسببه فيه

التبدل.قال: والجدة دفعة.

أقول: مقولة الملك ال تتحقق فيها حركة، ألنا قد بينا أنها عبارة عن نسبةالتملك فإن حصل وقع دفعة وإال فال حصول له فال تعقل فيه حركة.

قال: وال تعقل حركة في مقولتي الفعل واالنفعال.أقول: هاتان المقولتان ال توجد الحركة فيهما، ألن االنتقال من التبرد إلى

التسخن إن كان بعد كمال التبرد وانتهائه لم يكن االنتقال من التبرد بل من البرودةإذ التبرد قد عدم وانقطع، وإن كان قبل كماله كان الجسم في حال واحد أعني حال

الحركة متوجها إلى كيفيتين متضادتين هذا خلف.قال: ففي الكم باعتبارين لدخول (١) الماء القارورة المكبوبة عليه، وتصدع

االنية عند الغليان.أقول: لما بين أن الحركة تقع في أربع مقوالت وأبطل وقوعها في الزائد شرع

في تفصيل وقوع الحركة في مقولة مقولة، فابتدأ بالكم وذكر أن الحركة تقع فيهباعتبارين: أحدهما التخلخل والتكاثف، والثاني النمو والذبول.

أما األول فالمراد به زيادة مقدار الجسم ونقصانه من غير ورود أجزاءجسمانية عليه، أو انفصال أجزاء منه بناء على أن المقدار أمر زائد على الجسم

--------------------(١) كما في (ش د ق) والنسخ األخرى بالكاف أي كدخول. وقول الشارح: (واستدل على

وقوع الحركة بهذا االعتبار بوجهين) موافق لالم فإن الالم لالستدال والتعليل. وإن قيل: إنالكاف تأتي للتعليل أيضا نحو قوله تعالى (واذكروه كما هداكم). وقوله: (وتصدع) مصدر

مجرور مضاف إلى اآلنية، عطفا على الدخول.

(٣٧٥)

Page 399: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وأن الجسم قابل لالنتقال من نوع منه إلى نوع آخر على التدريج، واستدل علىوقوع الحركة بهذا االعتبار بوجهين:

األول: أن القارورة إذا كبت على الماء فإن كان بعد المص دخلها الماء وإالفال، مع أن الخالء أو المالء في البابين واحد (١) فليس ذلك إال ألن الهواء المحتقن

داخل القارورة له مقدار طبيعي وبسبب المص يخرج شئ من الهواء فيكتسبالباقي لضرورة الخالء (٢) مقدارا أكثر غير طبيعي فإذا كبت القارورة على الماء

--------------------(١) كما في (ش د ق ص). وفي (ز): مع أن الخالء والمالء في البابين واحد. وفي (م) مع أن

الخالء والمالء في المائين واحد. وفي نسخة أخرى مع أن الخالء والمالء في التأثير واحد.وفي المطبوعة: مع أن الخالء والماء في البابين واحد. (المباحث المشرقية للفخر الرازي ج ١

ص ٥٦٩).(٢) كما في النسخ كلها إال (ص) ففيها: لصيرورة الخالء، وما في المطبوعة: لضرورة امتناعالخالء وهم، وإن كان عبارة القوشجي ونحوها عبارة صاحب الشوارق أيضا: ضرورة امتناعالخالء. ومعنى لضرورة الخالء أن الخالء يوجب ذلك، أي يوجب أن يكتسب الباقي مقدارا

أكثر غير طبيعي.وعبارة القوشجي في تقرير الدليل األول هكذا: إن القارورة الضيقة الرأس يكب على الماء

فال يدخلها أصال، فإذا مصت مصا قويا وسد رأسها باإلصبع بحيث ال يتصل برأسها هواء منخارج ثم تكب عليه دخلها، وبهذا الطريق يمألون الرشاشات الطويلة األعناق الضيقة

المنافذ جدا بماء الورد، وما ذلك الدخول لخالء حدث فيها بأن يخرج المص منها بعضالهواء ويبقى مكان ذلك البعض الخارج خاليا المتناعه على رأيهم، بل ألن المص أخرجبعض الهواء وأحدث في الهواء الباقي تخلخال فكبر حجمه بحيث يشتغل مكان الخارجأيضا، ثم أوجد في ذلك الهواء المتخلخل البرد الذي في الماء تكاثفا فصغر حجمه وعاد

بطبعه إلى مقداره الذي كان له قبل المص فدخل فيها الماء ضرورة امتناع الخالء.وفي المباحث للفخر (ج ١ ص ٥٦٩): أن القارورة تمص فتكب على الماء فيدخلها الماء فإما

أن يكون قد وقع الخالء وهو محال، وإما أن يكون الجسم الكائن فيها قد تخلخل بالقسرالحامل إياه على تخلية المكان ثم كثفه برد الماء أو تكاثف بطبعه فرجع إلى حجمه الطبيعي

عند زوال السبب المخلخل إياه خارجا عن طبعه وذلك هو المطلوب.وفي الدليل بعض شبهات أوردوها في الكتب المطولة أشار إلى جوابها صاحب المنظومة فيالحكمة في التعليقة بقوله: فيتكاثف هواء القارورة ببرد الماء أو لتنافرهما أو شبه ذلك فيرجعإلى الخلف ويتبعه الماء أو المائع اآلخر لمحالية الخالء بخالف ما إذا كانت غير ممصوصة

(ص ٢٤٣ ط ١ أعلى).

(٣٧٦)

Page 400: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

داخلها الماء فعاد الهواء إلى مقداره الطبيعي لوجود المستخلف عن الهواء الخارجبالمص.

الثاني: أن اآلنية إذا ملئت ماءا وسد رأسها سدا محكما وغليت بالنار فإنهاتنشق، وليس ذلك لمداخلة أجزاء النار لعدم الثقب في اآلنية فبقي أن يكون ذلك

لزيادة مقدار ما فيها، وعندي في هذين الوجهين نظر وإن أفادا الظن.قال: وحركة أجزاء المغتذي في جميع األقطار (١) على التناسب.

أقول: هذا هو االعتبار الثاني وهو الحركة في الكم باعتبار النمو، (واعلم) أنالنامي يزداد جسمه بسبب اتصال جسم آخر به وتلك الزيادة ليست مطلقا بل إذاداخلت أجزاء المزيد عليه وتشبهت به، فضد هذه الحالة الذبول وقد يشتبه هذا

بالسمن، والفرق بينهما أن الواقف في النمو قد يسمن كما أن المتزايد في النمو قديهزل، وذلك ألن الزيادة إذا أحدثت المنافذ في األصل ودخلت فيها وتشبهتبطبيعة األصل واندفعت أجزاء األصل إلى جميع األقطار على نسبة واحدة في

نوعه فذاك هو النمو، والشيخ قد يسمن ألن أجزاءه األصلية قد جفت وصلبتفال يقوى المغتذى على تفريقها والنفوذ فيها، فال تتحرك أجزاؤه األصلية إلى

الزيادة فال يكون ناميا وإن تحرك لحمه إلى الزيادة، فيكون ذلك في الحقيقة نموافي اللحم لكن المسمى باسم النمو أنما هو حركة األعضاء األصلية.

قال: وفي الكيف لالستحالة المحسوسة مع الجزم ببطالن الكمونوالورود (٢) لتكذيب الحس لهما.

--------------------(١) أي في جميع األبعاد.

(٢) مقابل الكمون هو البروز، ووجه الورود ظاهر أيضا وفي الشرح ما يدل عليه، والنسخ كلهاببطالن الكمون والورود مكان الكمون والبروز، وفي بعضها كلمة البروز مكتوبة على صورة

خ ل. والنسخة المنسوبة إلى خط الخواجة أيضا: ببطالن الكمون والورود. وفي المباحثالمشرقية: أصحاب الكمون والظهور (ج ١ ط ١ ص ٥٧٦). وعبارة الخواجة في شرحه على الفصل الثالث

والعشرين من النمط الثاني من اإلشارات كانت بلفظة البروز والورود، وتقدمالكالم فيهما (ص ٢٥٠).

(٣٧٧)

Page 401: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: لما فرغ من البحث عن الحركة في الكم شرع في الحركة في الكيفأعني االستحالة، واستدل على ذلك بالحس فإنه يقضي بصيرورة الماء البارد حارا

على التدريج وبالعكس وكذا في األلوان وغيرها من الكيفيات المحسوسة.واعلم أن اآلراء لم تتفق على هذا، فإن جماعة من القدماء أنكروا االستحالة

وافترقوا في االعتذار عن الحرارة المحسوسة في الماء إلى قسمين: أحدهما ذهبإلى أن في الماء أجزاء نارية كامنة فيه فإذا ورد عليه نار من خارج برزت تلك

األجزاء وظهرت للحس، والثاني ذهب إلى أن األجزاء النارية ترد عليه منخارج وتداخله فيحس منه بالحرارة.

والقوالن باطالن فإن الحس يكذبهما، أما األول فألن األجزاء الكامنة يجباالحساس بها عند مداخلة اليد لجميع أجزاء الماء وتفرقها قبل ورود الحرارة

عليه، ولما لم يكن كذلك دل على بطالن الكمون.وأما الثاني فألنا نشاهد جبال من كبريت تقرب منه نار صغيرة فيحترق، معأنا نعلم أنه لم يكن في تلك النار الصغيرة من األجزاء النارية ما يالقي الجبل

ويغلب عليه حسا.قال: وفي األين والوضع ظاهر.

أقول: وقوع الحركة في هاتين المقولتين أعني األين والوضع ظاهر، لكنالشيخ ادعى أنه الذي استخرج وقوع الحركة في الوضع، وقد وجد في كالم أبي

نصر الفارابي وقوعها فيه. (واعلم) أن الحركة في الوضع وإن استلزمت حركةاألجزاء في األين لكن ذلك باعتبار آخر مغاير العتبار حركة الجميع في الوضع.

قال: وتعرض لها وحدة باعتبار وحدة المقدار والمحل والقابل.أقول: الحركة منها واحدة بالعدد ومنها كثيرة، أما الواحدة فهي الحركة

(٣٧٨)

Page 402: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

المتصلة من مبدأ المسافة إلى نهايتها، وقد بينا تعلق الحركة بأمور ستة والمقتضيلوحدتها إنما هو ثالثة منها ال غير: األول: وحدة الموضوع وهو أمر ضروري في

وحدة كل عرض الستحالة قيام العرض بمحلين، وإليه أشار بقوله: والمحل.الثاني: وحدة الزمان وهو كذلك أيضا الستحالة إعادة المعدوم بعينه، وإليه

أشار بقوله: المقدار.الثالث: وحدة المقولة التي فيها الحركة فإن الجسم الواحد قد يتحرك في

الزمان الواحد حركتي كيف وأين، وإليه أشار بقوله: والقابل.ويحتمل أن يكون القابل هو الموضوع والمحل هو المقولة، ووحدة المحرك

غير شرط فإن المتحرك بقوة ما مسافة إذا تحرك بأخرى قبل انقطاع فعل األولىاتحدت الحركة، وإذا اتحدت األشياء الثالثة اتحد ما منه وما إليه، لكن كل واحد

منهما غير كاف فإن المتحرك من مبدأ واحد قد ينتهي إلى شيئين والمنتهي إلىشئ واحد قد يتحرك من مبدأين.

قال: واختالف المتقابلين والمنسوب إليه يقتضي االختالف (١).أقول: إذا اختلف أحد األمور الثالثة أعني ما منه وما إليه وما فيه، اختلفت

الحركة بالنوع فإن الحركة في الكيف تغاير الحركة في األين وهذا ظاهر، وأيضاالصاعدة ضد الهابطة. وأراد بالمتقابلين ما منه وما إليه وبالمنسوب إليه ما فيه واليشترط اختالف الموضوع فإن الحجر والنار قد يتحركان حركة واحدة بالنوع،وال الفاعل ألن الطبيعية والقسرية قد تصدر عنهما حركة واحدة به، وال الزمان

لعدم اختالفه، وفي هذه المباحث نظر ذكرناه في كتاب األسرار.قال: وتضاد األولين التضاد.

--------------------(١) كما في (ش ص ز د) وفي (م ق ت) ونسخ أخرى: مقتض لالختالف، ولكن الصواب هواألول كما نص به الشارح في بيان المتن التالي حيث يقول: أي وتضاد األولين يقتضي التضاد.

(٣٧٩)

Page 403: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: من الحركات ما هو متضاد وهي الداخلة تحت جنس أخير كالصاعدةوالهابطة، فعلة تضادهما ليس تضاد المتحرك إلمكان صعود الحجر والنار، وال

تضاد المحرك لصدور الصعود عن الطبع والقسر، وال الزمان لعدم تضاده، وال مافيه التحاد المسافة فيهما فلم يبق إال ما منه وما إليه، وإليه أشار بقوله: وتضاد

األولين التضاد أي وتضاد األولين يقتضي التضاد وعنى باألولين ما منه وما إليه.وال يمكن التضاد باالستقامة واالستدارة ألنهما غير متضادين.

قال: وال مدخل للمتقابلين والفاعل في االنقسام.أقول: الحركة تنقسم بانقسام الزمان، فإن الحركة في نصف الزمان نصف

الحركة في جميعه مع التساوي في السرعة والبطء، وبانقسام المتحرك فإنها عرضحال فيه والحال في المنقسم يكون ال شك منقسما، وبانقسام ما فيه أعني المسافةفإن الحركة إلى منتصفها نصف الحركة إلى منتهاها وال مدخل للمتقابلين أعني ما

منه وما إليه في االنقسام وال للفاعل، وذلك كله ظاهر.قال: وتعرض لها كيفية تشتد فتكون الحركة سريعة، وتضعف فتكون بطيئة

وال تختلف بهما الماهية.أقول: تعرض للحركة كيفية واحدة تشتد تارة وتضعف أخرى، فتكون الحركة

باعتبار شدتها سريعة وباعتبار ضعفها بطيئة وتلك الكيفية هي السرعة والبطء، والتختلف ماهية الحركة بهاتين الكيفيتين لوجهين: األول: أن هذه الكيفية واحدةوإنما تختلف بالقياس إلى غيرها فما هو سريع بالنسبة إلى شئ قد يكون بطيئا

بالنسبة إلى غيره. الثاني: أنا نقسم الجنس الواحد من الحركة إلى الصاعد والهابطمثال ونقسمه أيضا إلى السريع والبطئ، وهاتان القسمتان ليستا مرتبتين حتى

يكون عروض إحداهما للجنس بواسطة األخرى بل يعرضان أوال لذلك الجنس،وقد تبين أن الجنس الواحد ال يعرض له فصالن من غير ترتيب بل الفصل أحدهما

خاصة.

(٣٨٠)

Page 404: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قال: وسبب البطء الممانعة الخارجية أو الداخلية ال تخلل السكنات وإال لماأحس بما اتصف بالمقابل.

أقول: اعلم أن المتكلمين ذهبوا إلى أن تخلل السكنات بين أجزاء الحركةسبب لالحساس بالبطء، واألوائل لما امتنع عندهم وجود جزء ال يتجزأ في

الحركة امتنع إسناد البطء إلى تخلل السكنات بل أسندوه إلى الموانع الخارجيةكالمالء في الحركات الطبيعية، وإلى الداخلية كالميول الطبيعية في الحركات

القسرية ألنه لو كان تخلل السكنات سبب البطء لما أحس بما اتصف بالمقابليعني أنه يلزم عدم االحساس بالحركات المتصفة بالسرعة التي هي مقابلة البطء

لما تقدم في مسألة الجزء الذي ال يتجزأ.قال: وال اتصال لذوات الزوايا واالنعطاف لوجود زمان بين آني الميلين.

أقول: يريد أن كل حركتين مستقيمتين مختلفتين فإن بينهما زمان سكون كمابين الصاعدة والهابطة، وعبر عن ذلك بذوات الزوايا وهي الحركة الحاصلة على

خطين أحدهما متصل باآلخر على غير االستقامة، واالنعطاف وهي الحركةالراجعة من المنتهى إلى المبدأ. وإنما وجب السكون بينهما ألن لكل حركة علة

تقتضي إيصال الجسم إلى المطلوب والوصول موجود آنا فعلته كذلك، وهذا اآلنالذي يوجد فيه الميل المقتضي للوصول ليس هو آن الميل الذي يقتضي المفارقةالستحالة اجتماع الميلين وال يتصل اآلنان فال بد من فاصل هو زمان عدم الميل

فيكون الجسم ساكنا فيه وهو المطلوب.قال: والسكون حفظ النسب فهو ضد.

أقول: اختلف الناس في تحقيق ماهية السكون وأنها هل هي وجودية أوعدمية؟ فالمتكلمون على األول، فجعلوه عبارة عن حصول الجسم في حيز واحد

أكثر من زمان واحد، والحكماء على الثاني قالوا: إنه عدم الحركة عما من شأنه أنيتحرك، والمصنف رحمه الله اختار قول المتكلمين وهو أنه وجودي وأن مقابلته

(٣٨١)

Page 405: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

للحركة تقابل الضدية ال تقابل العدم والملكة وجعله عبارة عن حفظ النسب بيناألجسام الباقية (١) على حالها.

قال: يقابل الحركتين.أقول: يمكن أن يفهم من هذا الكالم معنيان: أحدهما: إنه إشارة إلى الصحيح

من الخالف الواقع بين األوائل من أن المقابل للحركة هو السكون في مبدأ الحركةال نهايتها، أو أن السكون مقابل للحركة من مكان السكون وإليه، والحق هو األخير

ألن السكون ليس عدم حركة خاصة وإال لكان المتحرك إلى جهة ساكنا في غيرتلك الجهة بل هو عدم كل حركة ممكنة في ذلك المكان، واحتج األولون بأنالسكون في النهاية كمال للحركة وكمال الشئ ال يقابله. والجواب أن السكون

ليس كماال للحركة بل للمتحرك.الثاني: أن السكون ضد يقابل الحركة المستقيمة والمستديرة معا، وذلك ألنهلما بين أن السكون عبارة عن حفظ النسب وكان حفظ النسب أنما يتم ببقاء

الجسم في مكانه على وضعه وجب أن يكون السكون مقابال للحركة المستقيمةوالمستديرة معا النتفاء حفظ النسب فيهما.

قال: وفي غير األين حفظ النوع.أقول: لما بين أن السكون عبارة عن حفظ النسب وكان ذلك أنما يتحقق في

السكون في المكان لكن ليس كل سكون في مكان، وجب عليه أن يفسر السكونفي غير األين من المقوالت فجعله عبارة عن حفظ النوع في المقولة، التي تقع فيها

الحركة.قال: ويتضاد لتضاد ما فيه (٢).

--------------------(١) كما في (م) والنسخ الباقية: األجسام الثابتة. والصواب األول كما يصرح به في شرح المتن

التالي.(٢) كما في غير (م) وفيها: ويتضادان لتضاد ما فيه، على التثنية. ولعلها باعتبار السكونين أي

يتضاد سكون سكونا لتضاد ما فيه.

(٣٨٢)

Page 406: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: قد يعرض في السكون التضاد كما يعرض في الحركة، فإن السكون فيالمكان األعلى يضاد السكون في المكان األسفل فعلة تضاده ليست تضاد الساكن

وال المسكن وال الزمان لما تقدم في الحركة، وال تعلق له بما منه وما إليه فوجب أنتكون علة تضاده هو تضاد ما فيه.

قال: ومن الكون طبيعي وقسري وإرادي.أقول: الكون يريد به هنا الجنس الشامل للحركة والسكون كما اصطلح عليهالمتكلمون، وقسمه إلى أقسام ثالثة وذلك ألنه عبارة عن حصول الجسم في

الحيز، وذلك الحصول قد بينا أنه ال يجوز استناده إلى ذات الجسم فال بد من قوةيستند إليها، وتلك القوة إما أن تكون مستفادة من الخارج وهي القسرية، أو ال

وهي الطبيعية إن لم تقارن الشعور، واإلرادية إن قارنته.قال: فطبيعي الحركة أنما يحصل عند مقارنة أمر غير طبيعي.

أقول: الطبيعية أمر ثابت والحركة غير ثابتة فال تستند إليها لذاتها بل ال بد مناقتران الطبيعة بأمر غير طبيعي، ويفتقر في الرد إليه إلى االنتقال فيكون ذلك

االنتقال طبيعيا أما في األين فكالحجر المرمى إلى فوق، وأما في الكيف فكالماءالمسخن، وأما في الكم فكالذابل بالمرض.

قال: ليرد الجسم إليه فيقف.أقول: غاية الحركة الطبيعية أنما هي حصول الحالة المالئمة الطبيعية التي

فرضنا زوالها حتى اقتضت الطبيعة الحركة ورد الجسم إليها بعد عدمها عنه، ال الهربعن الحالة غير الطبيعية، قيل لعدم االختصاص وهو ممنوع، إذ كل طريق غير

طبيعي مهروب عنه فيختص بالطبيعي، وعلى كل تقدير فإذا حصلت الحالة الطبيعيةوقف الجسم وعدمت الحركة الطبيعية لزوال الشرط وهو عدم الحالة غير الطبيعية.

قال: فال تكون دورية.أقول: هذا نتيجة ما تقدم، فإن الحركة الطبيعية تطلب استرداد الحالة الطبيعية

(٣٨٣)

Page 407: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

بعد زوالها، والحركة الدورية تطلب بالحركة عين ما هربت عنه فال تكون طبيعيةوهو ظاهر.

واعلم أن الحركة الطبيعية قد بينا أنها أنما تصدر عن الطبيعة ال بانفرادها بلبمشاركة األحوال الغير الطبيعية، ولتلك األحوال درجات متفاوتة (١) في القرب

والبعد، فإذا حركت الطبيعة الجسم إلى نقطة معينة كانت مع حال مخصوصة غيرمالئمة، فإذا وصل الجسم إلى تلك النقطة لم تبق تلك الحالة بل حصلت حالة

أخرى هي الحصول في حد آخر، فعلة الحركة األولى التامة غير علة الحركة الثانيةفال يقال: الطبيعة في منتصف المسافة مثال تهرب عما طلبته بالطبيعة.

قال: وقسريها مستند إلى قوة مستفادة قابلة للضعف.أقول: الحركة القسرية إما أن تكون مع مالزمة المتحرك أو مع مفارقته،

واألول ال إشكال فيه وإنما البحث في الثاني، فالمشهور أن المحرك كما يفيدالمقسور حركة كذلك يفيده قوة فاعلة لتلك الحركة قابلة للضعف بسبب األمور

الخارجية والطبيعة المقاومة، وكلما ضعفت القوة القسرية بسبب المصادماتقويت الطبيعة إلى أن تفنى تلك القوة بالكلية.

وعندي هنا إشكال، فإن الواحد بالشخص ال يبقى حال ضعفه، فالقوة القسريةإذا عدمت عند ضعفها افتقر المتجدد منها إلى علة كافتقار الحركة، واألقرب هنا أن

نثبت في المتحرك قسرا أمورا ثالثة: الحركة القسرية والميل القسري وهو القابلللشدة والضعف والقوة المستفادة من القاسر وهي باقية ال تشتد وال تضعف وتجددالميول ما لم يحصل للهواء الذي يتحرك فيه المتحرك تلبد وتصلب يمنع عن النفوذ

فيه فتبطل القوة القسرية بالكلية.قال: وطبيعي السكون يستند إلى الطبيعة مطلقا.

أقول: السكون منه طبيعي كاستقرار األرض في المركز، ومنه قسري كالحجر--------------------

(١) هكذا في جميع النسخ إال (م) ففيها: درجات متقاربة.

(٣٨٤)

Page 408: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الواقف في الهواء قسرا، ومنه إرادي كسكون الحيوان بإرادته في مكان ما.والطبيعي من السكون ما يستند إلى الطبيعة مطلقا بخالف الحركة الطبيعية المستندة

إلى الطبيعة ال مطلقا بل عند مقارنة أمر غير مالئم.قال: وتعرض البساطة ومقابلها للحركة خاصة.

أقول: من الحركات ما هو بسيط كحركة الحجر إلى أسفل، ومنها ما هو مركبكحركة النملة على الرحى إذا اختلفتا في المقصد، فإن حركة كل من النملة والرحى

وإن كانت بسيطة لكن إذا نظر إلى حركة النملة الذاتية باعتبار حصولها في محلمتحرك بالعرض حصل لها تركيب، ثم إن كانت إحدى الحركتين مساوية لألخرى

حدث للنملة ثبات بالنسبة إلى األمور الثابتة وإن فضلت إحداهما األخرى حصللها حركة بقدر فضل إحداهما على األخرى، وهذا أنما يكون في متحرك يتحرك

بالعرض إذ يستحيل تحرك الجسم الواحد بالذات حركتين إلى جهة أو جهتين.قال: وال يعلل الجنس (١) وال أنواعه بما يقتضي الدور.

أقول: الذي خطر لنا في تفسير هذا الكالم الرد على أبي هاشم حيث قال: إنحصول الجسم في المكان معلل بمعنى وإن الحركة معللة بمعنى، والدليل على

بطالنه أن المعنى الذي جعل علة في الحصول إما أن يوجد قبل الحصول أو ال، فإنكان الثاني لزم الدور، وإن كان األول فإن اقتضى اندفاع الجسم إلى مكان ما فهو

الميل وهو ثابت، وإال لم يكن علة.المسألة السادسة

في المتىقال: الخامس المتى وهو النسبة إلى الزمان أو طرفه.

--------------------(١) المراد بالجنس في المقام الكون أي األين كما تقدم في كالم الشارح آنفا بيان قوله: (ومن

الكون طبيعي وقسري وإرادي) من أن الكون هو الجنس، فإن الكون عند المعتزلة هوالجنس ألنواعه األربعة: الحركة والسكون واالجتماع واالفتراق.

(٣٨٥)

Page 409: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: لما فرغ من البحث عن مقولة األين شرع في البحث عن المتى، والمرادبها نسبة الشئ إلى الزمان أو طرفه بالحصول فيه وهو إما حقيقي وهو الذي ال

يفضل عن كون الشئ كالصيام في النهار، وإما غير حقيقي كالصالة فيه.والفرق بين المتى الحقيقي واألين الحقيقي في النسبة أن المتى الواحد قد

يشترك فيه كثيرون بخالف األين الحقيقي.قال: والزمان مقدار الحركة من حيث التقدم والتأخر العارضين لها (١) باعتبار آخر.

أقول: الحركة يعرض لها نوعان من التقدم والتأخر وتتقدر باعتبارهما، فإنالحركة ال بد لها من مسافة تزيد بزيادتها وتنقص بنقصانها وال بد لها من زمان

كذلك، ويعرض ألجزائها تقدم وتأخر باعتبار تقدم بعض أجزاء المسافة علىبعض، فإن الجزء من الحركة الحاصل في الحيز المتقدم من المسافة متقدم علىالحاصل في المتأخر منها، وكذلك الحاصل في المتقدم من الزمان متقدم على

الحاصل في متأخره، لكن الفرق بين تقدم المسافة وتقدم الحركة أن المتقدم منالمسافة يجامع المتأخر بخالف أجزاء الحركة، ويحصل للحركة عدد باالعتبارينفالزمان هو مقدار الحركة وعددها من حيث التقدم والتأخر العارضين لها باعتبارالمسافة ال باعتبار الزمان وإال لزم الدور، وإلى هذا أشار بقوله: باعتبار آخر، أي

باعتبار آخر مغاير العتبار الزمان.قال: وإنما تعرض المقولة بالذات للمتغيرات، وبالعرض لمعروضها.

أقول: هذه المقولة التي هي المتى إنما تعرض بالذات للمتغيرات كالحركات،وإنما تعرض لغيرها بالعرض وبواسطتها، فإن ما ال يتغير ال تعرض له هذه النسبة

إال باعتبار عروض صفات متغيرة له كاألجسام التي تعرض لها الحركات--------------------

(١) كما في (ز) وفي عدة نسخ مخطوطة مصححة معتبرة (م ق ص ش د): العارضان لها، وكذافي عبارة الشارح. ومتن الشوارق والقوشجي والشرح القديم لألصفهاني والنسخة المنسوبة

إلى خط الخواجة كلها: العارضان لها فالنعت مقطوع تنبيها على أن الزمان يلحقه التقدموالتأخر لذاته.

(٣٨٦)

Page 410: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

فتلحقها هذه النسبة.قال: وال يفتقر وجود معروضها وعدمه إليه.

أقول: الذي فهمناه من هذا الكالم أمران: (أحدهما) أن وجود معروضالمتغيرات وعدمه ال يفتقر إلى الزمان ألنه متأخر عن المتغيرات ألنه مقدارها

وهي متأخرة عن المتغيرات التي هي معروضها، فلو افتقر وجود المعروضوعدمه إليه لزم الدور.

(الثاني) أن هذه النسبة التي هي المقولة عارضة للمنتسبين اللذين أحدهماالزمان، فالزمان معروض لهذه النسبة ووجود هذا المعروض وعدمه ال يفتقران

إلى الزمان وإال لزم التسلسل.قال: والطرف كالنقطة وعدمه في الزمان ال على التدريج.

أقول: الطرف يعني به اآلن فإنه طرف الزمان ووجوده فرضي على ما اختارهالمصنف رحمه الله من نفي الجوهر الفرد كوجود النقطة في الجسم، وعدمه في جميع

الزمان الذي بعده ال على التدريج وذلك ألن عدم الشئ قد يكون في آنكاألجسام وغيرها من األعراض القارة، وقد يكون في زمان وهذا على قسمين:األول: أن يكون العدم على التدريج كعدم الحركة، والثاني: أن يكون ال على

التدريج كالالمماسة وكعدم اآلن.قال: وحدوث العالم يستلزم حدوثه.

أقول: قد بينا فيما تقدم أن العالم حادث والزمان من جملته فيكون حادثابالضرورة، واألوائل نازعوا في ذلك وقد تقدم كالمهم والجواب عنه.

المسألة السابعةفي الوضع

قال: السادس الوضع وهو هيئة تعرض للجسم باعتبار نسبتين.

(٣٨٧)

Page 411: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: الوضع من جملة األعراض النسبية، واعلم أن لفظة الوضع تقال علىمعان باالشتراك: أحدها: كون الشئ بحيث يشار إليه إشارة حسية أنه هنا أو

هناك، فالنقطة ذات وضع بهذا االعتبار دون الوحدة. وثانيها: هيئة تعرض للجسمبسبب نسبة أجزائه بعضها إلى بعض. والثالث: هيئة تعرض للجسم بسبب نسبةأجزائه بعضها إلى بعض وبسبب نسبة أجزائه إلى األمور الخارجة عنه، وهذا هوالمقولة المذكورة هنا كالقيام فإنه يفتقر إلى حصول نسبة األجزاء ونسبة لها إلى

األمور الخارجية مثل كون رأس القائم من فوق ورجاله من أسفل ولوال هذهالنسبة لكان االنتكاس قياما، وإلى هذا أشار بقوله: باعتبار نسبتين، أي باعتبار

نسبة األجزاء بعضها إلى بعض وباعتبار نسبة األجزاء إلى األمور الخارجية.قال: وفيه تضاد وشدة وضعف.

أقول: قد يقع في الوضع تضاد كالقيام واالنتكاس، فإنهما هيئتان وجوديتانبينهما غاية الخالف متعاقبتان على موضوع واحد فيكونان متضادين، وقد يقع فيه

أيضا شدة وضعف فإن االنتصاب واالنتكاس قد يقبالن الشدة والضعف.المسألة الثامنة

في الملكقال: السابع الملك وهو نسبة التملك.

أقول: قال أبو علي: إن مقولة الملك لم أحصلها إلى اآلن، ويشبه أن تكونعبارة عن نسبة الجسم إلى حاو له أو لبعض أجزائه كالتسلح (١) والتختم، فمنه

--------------------(١) بالحاء المهملة، والمعجمة مهملة.

أما عبارة الشيخ فقال في الفصل الثالث من ثانية طبيعيات الشفاء في بيان المقوالت التيتقع الحركة فيها: وأما مقولة الجدة فإني إلى هذه الغاية لم أتحققها، والذي يقال: إن هذهالمقولة تدل على نسبة الجسم إلى ما يشمله ويلزمه في االنتقال، فيكون تبدل هذه النسبة

على الوجه األول أنما هو في السطح الحاوي وفي المكان فال يكون فيها على ما أظنلذاتها وأوال حركة (ج ١ ط ١ ص ٤٧).

(٣٨٨)

Page 412: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

ذاتي كحال الهرة عند أهابها، ومنه عرضي كبدن االنسان عند قميصه. وأماالمصنف رحمه الله فإنه حصل هذه المقولة وبين أنها عبارة عن نسبة التملك قال رحمه

الله:ولخفائها عبر المتقدمون عنها بعبارات مختلفة كالجدة والملك وله.

المسألة التاسعةفي مقولتي الفعل واالنفعال

قال: الثامن والتاسع أن يفعل وأن ينفعل.أقول: هاتان مقولتان ذهب األوائل إلى أنهما ثابتان عينا وهما عبارة عن

تأثير الشئ في غيره وتأثره عنه ما دام التأثير والتأثر موجودين، وإذا انقطعا قيللهما: فعل وانفعال، فإن الجسم ما دام في االحتراق قيل له هو ذا يحترق (١) فإذا

--------------------(١) هو ذا كلمة واحدة معناها بالفارسية: اينك، اكنون، آنك.

وفي طبيعيات أرسطو (ص ٤٦٥ ط ١ القاهرة): وأما هو ذا فإنه الجزء من الزمان المستقبلالقريب من اآلن الحاضر غير المنقسم، مثال ذلك أن تقول: متى تمضي؟ فيقال لك: هو ذا

يمضي، أي الوقت الذي هو مزمع بالمضي فيه قد أزف.ومن الزمان السالف ما ليس ببعيد من اآلن، مثال ذلك أن تقول: متى تمضي؟ فيقال لك: هو ذاقد مضيت. ولسنا نقول: إن مدينة ايليون هو ذا قد فتحت، ألن فتحها كان بعيدا جدا من اآلن.أقول: فكلمة هو ذا يونانية دخيلة في كلمات العرب ال أنها مؤلفة من كلمتين هما: هو وذا، ثماستعملت مفردة كما يظن، ونحوها كلمة هب بمعنى سلمنا الرائجة في الصحف العربية فإنها

يونانية أيضا دخلت في لغة العرب من قلم المترجمين في أوائل االسالم، ال أنها من وهبكما يظن أيضا.

وقال الشيخ في آخر المقالة الثانية من طبيعيات الشفاء (ج ١ ط ١ ص ٨١): ومن هذه األلفاظ- يعني األلفاظ الزمانية - قولهم: هو ذا، وهو ما يدل على آن قريب في المستقبل من اآلن

الحاضر ال يشعر بمقدار البعد بينهما قصرا شعورا يعتد به.والشيخ عقد في الموضع المذكور من الشفاء فصال في بيان األلفاظ الزمانية نحو: بغتة ودفعة

وقبيل ونحوها. وقال في منطق الشفاء: شكل الكلمة التي في المستقبل بعينه شكل الكلمةالتي للحاضر فيقال: إن زيدا يمشي أي في الحال، ويمشي أي في االستقبال، فإذا حاولوا

زيادة البيان قالوا: إن زيدا هو ذا يمشي فأقتضى الحال، أو قالوا: سوف يمشي فاقتضىاالستقبال.

وهذه الكلمة في الروايات أيضا غير عزيزة ففي كتاب الطب ألبي عتاب وأخيه أحمد بنالعباس بن المفضل قال: حدثني أخي المفضل قال: لدغتني عقرب فكادت شوكته حين

ضربتني تبلغ بطني من شدة ما ضربتني، وكان أبو الحسن العسكري عليه السالم جارنا، فصرت إليهفقال [أبي]: إن ابني عبد الله لدغته وهو ذا يتخوف عليه، فقال: أسقوه من دواء الجامع فإنه

دواء الرضا عليه السالم، الحديث.وفي الباب الحادي والعشرين من أبواب التيمم من وسائل الشيعة (ج ١ ص ١٨٩ من الطبع

البهادري): عبد الله بن عاصم قال: سألت أبا عبد الله عليه السالم عن الرجل ال يجد الماء فيتيممويقوم في الصالة فجاء الغالم فقال: هو ذا الماء، فقال: إن كان لم يركع فلينصرف ويلتوضأ

وإن كان قد ركع فليمض في صالته.

Page 413: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وقال الشيخ في الفصل الخامس من النمط الثالث من اإلشارات في إثبات أن نفس االنسانغير الجسمية والمزاج ما هذا لفظه: هو ذا يتحرك الحيوان بشئ غير جسميته.. الخ.

وترجمه عبد السالم الفارسي هكذا: آنك جانور جنبش مى كند بچيزى جز جسم أو.وللسيد األفخم محمد باقر المعروف بالمير الداماد تعليقة في ذلك المقام من اإلشارات في

بيان كلمة هو ذا، قال: هو ذا - بفتح الهاء وتسكين الواو - كلمة مفردة تستعمل لالستمراروالتأكيد ومرادفها في لغة الفرس همي، ومقابلتها في لغة العرب بغتة.. الخ.

أقول: والصواب أن مرادفها في لغة الفرس اينك واكنون وآنك، كما علمت من كلمات أرسطووالشيخ ومواضع استعمالها في الرواية وغيرها، ثم إن قوله: تستعمل لالستمرار والتأكيد ففيه

ما فيه أيضا كما دريت، ولما فسرها لالستمرار والتأكيد قال: إن مرادفها في لغة الفرس همي،وقد فهمت معناها الصحيح ومرادفها كذلك.

(٣٨٩)

Page 414: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

انقطع احتراقه واستقر أطلق عليه لفظة المصدر.قال: والحق ثبوتهما ذهنا وإال لزم التسلسل.

أقول: المصنف رحمه الله ذهب هنا إلى ما ذهب إليه المتكلمون، وخالف األوائل فيذلك وجعل هاتين المقولتين أمرين ذهنيين ال ثبوت لهما عينا وإال لزم التسلسل.

ووجه اللزوم أن ثبوتهما يستدعي علة مؤثرة فيهما، فلتلك العلة نسبة التأثير إليهماولهما نسبة التأثر عنها، وذلك يستدعي ثبوت نسبتين أخريين وهكذا إلى ما ال يتناهى.

(٣٩٠)

Page 415: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

المقصد الثالثفي إثبات الصانع تعالى وصفاته وآثاره

وفيه فصول:

(٣٩١)

Page 416: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

األولفي وجوده تعالى

قال: الموجود إن كان واجبا وإال استلزمه الستحالة الدوروالتسلسل.

أقول: يريد إثبات واجب الوجود تعالى وبيان صفاته وما يجوز عليه وما اليجوز وبيان أفعاله وآثاره وابتدأ بإثبات وجوده ألنه األصل في ذلك كله،

والدليل على وجوده أن نقول هنا موجود بالضرورة فإن كان واجبا فهو المطلوب،وإن كان ممكنا افتقر إلى مؤثر موجود بالضرورة فذلك المؤثر إن كان واجبا

فالمطلوب، وإن كان ممكنا افتقر إلى مؤثر موجود فإن كان واجبا فالمطلوب وإنكان ممكنا تسلسل أو دار، وقد تقدم بطالنهما وهذا برهان قاطع أشير إليه في

الكتاب العزيز بقوله: (أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد) (١) وهواستدالل لمي.

والمتكلمون سلكوا طريقا آخر فقالوا: العالم حادث فال بد له من محدث، فلوكان محدثا تسلسل أو دار، وإن كان قديما ثبت المطلوب ألن القدم يستلزم

الوجوب، وهذه الطريقة أنما تتمشى بالطريقة األولى، فلهذا اختارها المصنف رحمه اللهعلى هذه.

--------------------(١) فصلت: ٥٣.

(٣٩٢)

Page 417: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الفصل الثانيفي صفاته تعالى

وفيه مسائلالمسألة األولى:

في أنه تعالى قادر (١)قال: الثاني في صفاته. وجود العالم بعد عدمه ينفي اإليجاب.

أقول: لما فرغ من البحث عن الداللة على وجود الصانع تعالى شرع فياالستدالل على صفاته تعالى وابتدأ بالقدرة، والدليل على أنه تعالى قادر أنا قدبينا أن العالم حادث، فالمؤثر فيه إن كان موجبا لزم حدوثه أو قدم ما فرضناه

حادثا أعني العالم والتالي بقسميه باطل، بيان المالزمة أن المؤثر الموجبيستحيل تخلف أثره عنه، وذلك يستلزم إما قدم العالم وقد فرضناه حادثا أو

حدوث المؤثر ويلزم التسلسل، فظهر أن المؤثر للعالم قادر مختار.قال: والواسطة غير معقولة.

أقول: لما فرغ من االستدالل على مطلوبه شرع في أنواع من االعتراضاتللخصم مع وجه المخلص منها، وتقرير هذا السؤال أن يقال: دليلكم يدل على أن

--------------------(١) باتفاق النسخ كلها، بدون كلمة مختار وفي آخر البحث: فظهر أن المؤثر للعالم قادر مختار،

أيضا باتفاق النسخ كلها، فأوهم ذيل البحث زيادة مختار في العنوان كما في المطبوعة.

(٣٩٣)

Page 418: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

مؤثر العالم مختار وليس يدل على أن الواجب مختار بل جاز أن يكون الواجبتعالى موجبا لذاته معلوال يؤثر (١) في العالم على سبيل االختيار، وتقرير الجواب

أن هذه الواسطة غير معقولة (٢) ألنا قد بينا حدوث العالم بجملته وأجزائه،والمعني بالعالم كل موجود سوى الله تعالى، وثبوت واسطة بين ذات الله تعالى

وبين ما سواه غير معقول.قال: ويمكن عروض الوجوب واالمكان لألثر باعتبارين.

أقول: هذا جواب عن سؤال آخر، وتقريره أن المؤثر إما أن يستجمع جميعجهات المؤثرية أو ال، فإن كان األول كان وجود األثر عنه واجبا وإال الفتقر

ترجيحه إلى مرجح زائد فال تكون الجهات بأسرها موجودة هذا خلف، أو لزمالترجيح من غير مرجح وهو باطل بالضرورة، وإن لم يكن مستجمعا لجميع

الجهات استحال صدور األثر عنه، وحينئذ ال يمكن تحقق القادر ألنه على تقديرحصول جميع الجهات يمتنع الترك، وعلى تقدير انتفاء بعضها يمتنع الفعل فال

تتحقق المكنة من الطرفين.وتقرير الجواب أن األثر تعرض له نسبتا الوجوب واإلمكان باعتبارين فال

يتحقق الموجب وال يلزم الترجيح من غير مرجح، وبيانه أن فرض استجماعالمؤثر جميع ما ال بد منه في المؤثرية هو بأن يكون المؤثر المختار مأخوذا مع

قدرته التي يستوي طرفا الوجود والعدم بالنسبة إليها ومع داعيه الذي يرجح أحدطرفيه، وحينئذ يجب الفعل بعدهما نظرا إلى وجود الداعي والقدرة وال تنافي بين

--------------------(١) كما في (م ص ش د) فقوله: معلوال، مفعول لقوله: موجبا، بالكسر على هيئة الفاعل. وفي

(ق ز): موجبا لذاته وله معلول يؤثر. فعلى هذه النسخة كان قوله: موجبا، بالفتح. ولكنهاتصرف من غير لزوم ومفادهما واحد لكن ما في النسخ األولى وهي أمتنها وأقدمها متعين بال

كالم.(٢) وفي (م)، وحدها وهي أقدم النسخ: أو بواسطة غير معقولة. والنسخ األخرى كلها كما في

المتن، وأسلوب كالم الخواجة في التجريد يعطي األول.

(٣٩٤)

Page 419: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

هذا الوجوب وبين اإلمكان نظرا إلى مجرد القدرة واالختيار، وهذا كما إذا فرضناوقوع الفعل من المختار فإنه يصير واجبا من جهة فرض الوقوع وال ينافي

االختيار، وبهذا التحقيق يندفع جميع المحاذير الالزمة ألكثر المتكلمين في قولهمالقادر يرجح أحد مقدوريه على اآلخر ال لمرجح.

قال: واجتماع القدرة على المستقبل مع العدم.أقول: هذا جواب عن سؤال آخر، وتقريره أن نقول: األثر إما حاصل في

الحال فواجب فال يكون مقدورا، أو معدوم فممتنع فال قدرة.وتقرير الجواب أن األثر معدوم حال حصول القدرة وال نقول: أن القدرة حال

عدم األثر تفعل الوجود في تلك الحال بل في المستقبل، فيمكن اجتماع القدرةعلى الوجود في المستقبل مع العدم في الحال. ال يقال: الوجود في االستقبال غيرممكن في الحال ألنه مشروط باالستقبال الممتنع في الحال، وإذا كان كذلك فال

قدرة عليه في الحال وعند حصول االستقبال يعود الكالم، ألنا نقول: القدرة التتعلق بالوجود في االستقبال في الحال بل في االستقبال.

قال: وانتفاء الفعل ليس فعل الضد.أقول: هذا جواب عن سؤال آخر، وتقريره أن القادر ال يتعلق فعله بالعدم فال

يتعلق فعله بالوجود. أما بيان المقدمة األولى فألن الفعل يستدعي الوجودواالمتياز وهما ممتنعان في حق المعدوم، وأما الثانية فألنكم قلتم القادر هو الذي

يمكنه الفعل والترك وإذا انتفى إمكان الترك انتفى إمكان الفعل. وتقرير الجواب أنالقادر هو الذي يمكنه أن يفعل وأن ال يفعل، وليس ال يفعل عبارة عن فعل الضد.

قال: وعمومية العلة تستلزم عمومية الصفة.أقول: يريد بيان أنه تعالى قادر على كل مقدور وهو مذهب األشاعرة،

وخالف أكثر الناس في ذلك فإن الفالسفة قالوا: إنه تعالى قادر على شئ

(٣٩٥)

Page 420: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

واحد (١) ألن الواحد ال يتعدد أثره، وقد تقدم بطالن مقالتهم.والمجوس ذهبوا إلى أن الخير من الله تعالى والشر من الشيطان، ألن الله

تعالى خير محض وفاعل الشر شرير.والمانوية ذهبوا (٢) إلى أن الخير من النور والشر من الظلمة.

والنظام قال: إن الله تعالى ال يقدر على القبيح ألنه يدل على الجهل أو الحاجة.وذهب البلخي إلى أن الله ال يقدر على مثل مقدور العبد ألنه إما طاعة أو سفه (٣).

وذهب الجبائيان إلى أنه تعالى ال يقدر على عين مقدور العبد وإال لزماجتماع الوجود والعدم على تقدير أن يريد الله إحداثه والعبد عدمه.

وهذه المقاالت كلها باطلة، ألن المقتضي لتعلق القدرة بالمقدور أنما هواإلمكان، إذ مع الوجوب واالمتناع ال تعلق واإلمكان ثابت في الجميع فثبت

الحكم وهو صحة التعلق، وإلى هذا أشار المصنف رحمه الله بقوله: عمومية العلة أياإلمكان تستلزم عمومية الصفة، أعني القدرة على كل مقدور.

والجواب عن شبهة المجوس أن المراد من الخير والشرير إن كان من فعلهمافلم ال يجوز إسنادهما إلى شئ واحد، وأيضا الخير والشر ليسا ذاتيين للشئفجاز أن يكون الشئ خيرا بالقياس إلى شئ وشرا بالقياس إلى آخر، وحينئذ

يصح إسنادهما إلى ذات واحدة.وعن شبهة النظام أن اإلحالة حصلت بالنظر إلى الداعي، فال تنافي اإلمكان

الذاتي المقتضي لصحة تعلق القادر.--------------------

(١) الفيلسوف اإللهي ال يقول أن ذلك الشئ واحد عددي فال ردع وال بطالن.(٢) قال الماتن في نقد المحصل (ص ١٣٠ ط مصر): المجوس من الثنوية يقولون: إن فاعلالخير يزدان، وفاعل الشر اهرمن ويعنون بهما ملكا وشيطانا، والله تعالى منزه عن فعل الخيروالشر. والمانوية يقولون: إن فاعلهما النور والظلمة. والديصانية يذهبون إلى مثل ذلك.. الخ

فيستفاد من كالمه أن الثنوية في الشرح كما في المطبوعة محرفة والصواب المانوية.(٣) وفي (م) إما طاعة أو سنة، والنسخ الباقية سفه، والشارح العالمة قال في الشرح: إن الطاعة

والعبث وصفان.. الخ والعبث هو السفه.

(٣٩٦)

Page 421: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وعن شبهة البلخي أن الطاعة والعبث وصفان ال يقتضيان االختالف الذاتي.وعن شبهة الجبائيين أن العدم أنما يحصل إذا لم يوجد داع لقادر آخر إلى

إيجاده.المسألة الثانية

في أنه تعالى عالمقال: واألحكام والتجرد (١) واستناد كل شئ إليه دالئل العلم.

أقول: لما فرغ من بيان كونه تعالى قادرا وكيفية قدرته شرع في بيان كونهتعالى عالما وكيفية علمه، واستدل على كونه تعالى عالما بوجوه ثالثة، األول منها

للمتكلمين واألخيران للحكماء:الوجه األول: أنه تعالى فعل األفعال المحكمة وكل من كان كذلك فهو عالم،

(أما المقدمة األولى) فحسية ألن العالم إما فلكي أو عنصري، وآثار الحكمةواإلتقان فيهما ظاهرة مشاهدة، (وأما الثانية) فضرورية ألن الضرورة قاضية بأن

غير العالم يستحيل منه وقوع الفعل المحكم المتقن مرة بعد أخرى.الوجه الثاني: أنه تعالى مجرد وكل مجرد عالم بذاته وبغيره، أما الصغرى

فإنها وإن كانت ظاهرة لكن بيانها يأتي فيما بعد عند االستدالل على كونه تعالىليس بجسم وال جسماني، وأما الكبرى فألن كل مجرد فإن ذاته حاصلة لذاته ال

لغيره وكل مجرد حصل له مجرد فإنه عاقل لذلك المجرد، ألنا ال نعني بالتعقل إالالحصول فإذن كل مجرد فإنه عاقل لذاته.

وأما إن كل مجرد عالم بغيره فألن كل مجرد أمكن أن يكون معقوال وحدهوكل ما يمكن أن يكون معقوال وحده أمكن أن يكون معقوال مع غيره وكل مجرد

--------------------(١) األحكام هو إتقان الصنع ووحدة التدبير، والحكم باألحكام محكم، وأما تجرده تعالىفتنزيه في عين التشبيه تعالى الله عن ذلك بل هو في السماء إله وفي األرض إله وهو الصمد

الحق العالي في دنوه والداني في علوه.

(٣٩٧)

Page 422: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

يعقل مع غيره فإنه عاقل لذلك الغير، أما ثبوت المعقولية لكل مجرد فظاهر ألنالمانع من التعقل أنما هو المادة ال غير، وأما صحة التقارن في المعقولية فألن كل

معقول فإنه ال ينفك عن األمور العامة، وأما وجوب العاقلية (١) حينئذ فألن إمكانمقارنة المجرد للغير ال يتوقف على الحضور في العقل ألنه نوع من المقارنةفيتوقف إمكان الشئ على ثبوته فعال وهو باطل، وإمكان المقارنة هو إمكان

التعقل، وفي هذا الوجه أبحاث مذكورة في كتبنا العقلية.الوجه الثالث: أن كل موجود سواه ممكن على ما يأتي في باب الوحدانية،

وكل ممكن فإنه مستند إلى الواجب إما ابتداءا أو بوسائط على ما تقدم، وقد سلفأن العلم بالعلة يستلزم العلم بالمعلول، والله تعالى عالم بذاته على ما تقدم فهو عالم

بغيره.قال: واألخير عام.

أقول: الوجه األخير من األدلة الثالثة الدالة على كونه تعالى عالما يدل علىعمومية علمه بكل معلوم، وتقريره أن كل موجود سواه ممكن وكل ممكن مستندإليه فيكون عالما به سواء كان جزئيا أو كليا، وسواء كان موجودا قائما بذاته أو

عرضا قائما بغيره، وسواء كان موجودا في األعيان أو متعقال في األذهان ألنوجود الصورة في الذهن من الممكنات أيضا فيستند إليه، وسواء كانت الصورةالذهنية صورة أمر وجودي أو عدمي ممكن أو ممتنع، فال يعزب عن علمه شئ

من الممكنات وال من الممتنعات، وهذا برهان شريف قاطع.قال: والتغاير اعتباري.

أقول: لما فرغ من االستدالل على كونه تعالى عالما بكل معلوم شرع فيالجواب عن االعتراضات الواردة عن المخالفين وابتدأ باعتراض من نفى علمه

--------------------(١) كما في (م ص) وهما أصح النسخ واألولى أقدمها. وفي (ش ق ز د): وأما ثبوت العاقلية.

وال يخفى عليك أن قوله: فإنه عاقل لذلك الغير، يناسب الوجوب أشد مناسبة من الثبوت.

(٣٩٨)

Page 423: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

تعالى بذاته ولم يذكر االعتراض صريحا بل أجاب عنه وحذفه للعلم به. وتقريراالعتراض أن نقول: العلم إضافة بين العالم والمعلوم أو مستلزم لإلضافة، وعلى

كال التقديرين فال بد من المغايرة بين العالم والمعلوم وال مغايرة في علمه بذاته.والجواب أن المغايرة قد تكون بالذات وقد تكون بنوع من االعتبار، وهاهنا

ذاته تعالى من حيث إنها عالمة مغايرة لها من حيث إنها معلومة وذلك كاف فيتعلق العلم.

قال: وال يستدعي العلم صورا مغايرة للمعلومات عنده، ألن نسبة الحصولإليه أشد من نسبة الصور المعقولة لنا.

أقول: هذا جواب عن اعتراض آخر أورده من نفي علم الله تعالى بالماهياتالمغايرة له، وتقرير االعتراض أن العلم صورة مساوية للمعلوم في العالم، فلو كان

الله تعالى عالما بغيره من الماهيات لزم حصول صور تلك المعلومات في ذاتهتعالى وذلك يستلزم تكثره تعالى، وكونه قابال وفاعال ومحال آلثاره، وأنه تعالىال يوجد شيئا مما يباين ذاته بل بتوسط األمور الحالة فيه (١) وكل ذلك باطل.

وتقرير الجواب أن العلم ال يستدعي صورا مغايرة للمعلومات عنده تعالىألن العلم هو الحصول عند المجرد على ما تقدم، وال ريب في أن األشياء كلها

حاصلة له ألنه مؤثرها وموجدها، وحصول األثر للمؤثر أشد من حصولالمقبول لقابله مع أن الثاني ال يستدعي حصول صورة مغايرة لذات الحاصل، فإنا

إذا عقلنا ذواتنا لم نفتقر إلى صورة مغايرة لذواتنا، ثم إذا أدركنا شيئا ما بصورة--------------------

(١) وفي (م): بل بتوسط األمور الخارجية، فاألمور الخارجية هي تلك الصور الحالة في الذاتفهي من حيث إنها تغاير الذات خارجية عنها، فتدبر. والنسخ الباقية بعضها: بل يتوسط

األمور الحالة فيه، وبعضها: أو بتوسط األمور الحالة فيه. وما اخترناه موافق لعبارة الخواجةفي الفصل السابع عشر من النمط السابع من شرحه على اإلشارات (ص ١٩٢ ط الشيخرضا) حيث قال: وبأنه تعالى ال يوجد شيئا مما يباينه بذاته بل بتوسط األمور الحالة فيه.

والشارح العالمة ناظر إلى عباراته في ذلك المقام من شرح اإلشارات، فراجع.

(٣٩٩)

Page 424: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

تحصل في أذهاننا فإنا ندرك تلك الصورة الحاصلة في الذهن بذاتها ال باعتبارصورة أخرى وإال لزم تضاعف الصور مع أن تلك الصورة حاصلة لذاتنا ال

بانفرادها بل بمشاركة من المعقوالت، فحصول العلم بالموجودات لواجب الوجودالذي تحصل له األشياء من ذاته بانفراده من غير افتقار إلى صور لها أولى، ولماكانت ذاته سببا لكل موجود وعلمه بذاته علة لعلمه بآثاره وكانت ذاته وعلمه

بذاته العلتان متغايرتين باالعتبار متحدتين بالذات فكذا معلوله والعلم به متحدانبالذات متغايران بنوع من االعتبار، وهذا بحث شريف أشار إليه صاحب التحصيل

وبسطه المصنف رحمه الله في شرح اإلشارات، وبهذا التحقيق يندفع جميع المحاالتألنها لزمت باعتبار حصول صور في ذاته تعالى عن ذلك.

قال: وتغير اإلضافات ممكن.أقول: هذا جواب عن اعتراض الحكماء القائلين بنفي علمه تعالى بالجزئياتالزمانية، وتقرير االعتراض أن العلم يجب تغيره عند تغير المعلوم وإال النتفت

المطابقة، لكن الجزئيات الزمانية متغيرة فلو كانت معلومة لله تعالى لزم تغير علمهتعالى، والتغير في علم الله تعالى محال.

وتقرير الجواب أن التغير هنا أنما هو في اإلضافات ال في الذات وال فيالصفات الحقيقية كالقدرة التي تتغير نسبتها وإضافتها إلى المقدور عند عدمه وإن

لم تتغير في نفسها، وتغير اإلضافات جائز ألنها أمور اعتبارية ال تحقق لها فيالخارج.

قال: ويمكن اجتماع الوجوب واالمكان باعتبارين.أقول: هذا جواب عن احتجاج من نفى علمه تعالى بالمتجددات قبل

وجودها، وتقرير كالمهم أن العلم لو تعلق بالمتجدد قبل تجدده لزم وجوبه وإاللجاز أن ال يوجد، فينقلب علمه تعالى جهال وهو محال.

(٤٠٠)

Page 425: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

والجواب إن أردتم بوجوب ما علمه تعالى (١) أنه واجب الصدور عن العلمفهو باطل، ألنه تعالى يعلم ذاته ويعلم المعدومات (٢) وإن أردتم وجوب المطابقةلعلمه فهو صحيح لكن ذلك وجوب الحق ال سابق فال ينافي اإلمكان الذاتي، وإلى

هذا أشار بقوله: ويمكن اجتماع الوجوب واإلمكان باعتبارين.المسألة الثالثة

في أنه تعالى حيقال: وكل قادر عالم حي بالضرورة.

أقول: اتفق الناس على أنه تعالى حي واختلفوا في تفسيره، فقال قوم: إنهعبارة عن كونه تعالى ال يستحيل أن يقدر ويعلم. وقال آخرون: إنه من كان علىصفة ألجله عليها يجب أن يعلم ويقدر. والتحقيق أن صفاته تعالى إن قلنا بزيادتها

على ذاته فالحياة صفة ثبوتية زائدة على الذات وإال فالمرجع بها إلى صفة سلبيةوهو الحق، وقد بينا أنه تعالى قادر عالم فيكون بالضرورة حيا ألن ثبوت الصفة

فرع عدم استحالتها.المسألة الرابعة

في أنه تعالى مريدقال: وتخصيص بعض الممكنات بااليجاد في وقت يدل على إرادته تعالى (٣).

أقول: اتفق المسلمون على أنه تعالى مريد لكنهم اختلفوا في معناه، فأبوالحسين جعله نفس الداعي على معنى أن علمه تعالى بما في الفعل من المصلحة

--------------------(١) باتفاق النسخ كلها.

(٢) أي يعلم المتجددات قبل وجودها.(٣) التحقيق هو أن العلم واإلرادة والشوق والميل معنى واحد يوجد في عوالم أربعة إنسانية،وأن إرادته تعالى لألشياء عين علمه بها وهما عين ذاته. (األسفار ج ٣ ط ١ ص ٧٦ و ٨٠)

وراجع في ذلك رسالتنا في الجعل.

(٤٠١)

Page 426: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الداعية إلى االيجاد هو المخصص واإلرادة. وقال النجار: إنه سلبي وهو كونهتعالى غير مغلوب وال مستكره وعن الكعبي أنه راجع إلى أنه عالم بأفعال نفسهوآمر بأفعال غيره. وذهبت األشعرية والجبائيان إلى أنه صفة زائدة على العلم.

والدليل على ثبوت الصفة مطلقا أن الله تعالى أوجد بعض الممكنات دونبعض مع تساوي نسبتها إلى القدرة، فال بد من مخصص غير القدرة التي شأنها

االيجاد مع تساوي نسبتها إلى الجميع، وغير العلم التابع للمعلوم وذلك المخصصهو اإلرادة، وأيضا بعض الممكنات يخصص بااليجاد في وقت دون ما قبله وبعده

مع التساوي فال بد من مرجح غير القدرة والعلم.قال: وليست زائدة على الداعي وإال لزم التسلسل أو تعدد القدماء.

أقول: اختلف الناس هنا، فذهبت األشعرية إلى إثبات أمر زائد على ذاتهقديم هو اإلرادة، والمعتزلة اختلفوا فقال أبو الحسين: إنها نفس الداعي، وهو

الذي اختاره المصنف. وقال أبو علي وأبو هاشم: إن إرادته حادثة ال في محل.وقالت الكرامية: إن إرادته حادثة في ذاته، والدليل على ما اختاره المصنف أن

إرادته لو كانت قديمة لزم تعدد القدماء، والتالي باطل فالمقدم مثله، ولو كانتحادثة إما في ذاته أو ال في محل لزم التسلسل، ألن حدوث اإلرادة في وقت دون

آخر يستلزم ثبوت إرادة مخصصة، والكالم فيها كالكالم هنا.المسألة الخامسة

في أنه تعالى سميع بصيرقال: والنقل دل على اتصافه باإلدراك والعقل على استحالة اآلالت.

أقول: اتفق المسلمون كافة على أنه تعالى مدرك واختلفوا في معناه، فالذيذهب إليه أبو الحسين أن معناه علمه تعالى بالمسموعات والمبصرات، وأثبت

األشعرية وجماعة من المعتزلة صفة زائدة على العلم.

(٤٠٢)

Page 427: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

والدليل على ثبوت كونه تعالى سميعا بصيرا السمع، فإن القرآن قد دل عليهوإجماع المسلمين على ذلك. إذا عرفت هذا فنقول: السمع والبصر في حقنا أنمايكون بآالت جسمانية وكذا غيرهما من االدراكات، وهذا الشرط ممتنع في حقهتعالى بالعقل فإما أن يرجع بالسمع والبصر إلى ما ذهب إليه أبو الحسين، وإما إلى

صفة زائدة غير مفتقرة إلى اآلالت في حقه تعالى.المسألة السادسة

في أنه تعالى متكلمقال: وعمومية قدرته تدل على ثبوت الكالم والنفساني غير معقول.

أقول: ذهب المسلمون كافة إلى أنه تعالى متكلم واختلفوا في معناه، فعندالمعتزلة أنه تعالى أوجد حروفا وأصواتا في أجسام جمادية دالة على المراد،

وقالت األشاعرة: إنه متكلم بمعنى أنه قام بذاته معنى غير العلم واإلرادةوغيرهما من الصفات تدل عليها العبارات وهو الكالم النفساني، وهو عندهم معنى

واحد (١) ليس بأمر وال نهي وال خبر وال غير ذلك من أساليب الكالم،والمصنف رحمه الله حينئذ استدل على ثبوت الكالم بالمعنى األول بما تقدم من كونه

تعالى قادرا على كل مقدور ال شك في إمكان خلق أصوات في أجسام تدل علىالمراد، وقد اتفقت المعتزلة واألشاعرة على إمكان هذا لكن األشاعرة أثبتوا معنىآخر، والمعتزلة نفوا هذا المعنى ألنه غير معقول إذ ال يعقل ثبوت معنى غير العلم

ليس بأمر وال نهي وال خبر وال استخبار وهو قديم والتصديق موقوف على التصور.قال: وانتفاء القبح عنه تعالى يدل على صدقه.

أقول: لما أثبت كونه تعالى متكلما وبين معناه شرع في بيان كونه تعالى--------------------

(١) قد تقدم البحث عن الكالم النفسي، وكونه معنى واحدا بسيطا كأنه ناظر إلى علمهاألحدي، إال أنهم جعلوه مقابل العلم، فال يصح بناء كالم النفسي على العلم وتصحيحه.

(٤٠٣)

Page 428: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

صادقا، وقد اتفق المسلمون عليه لكن ال يتمشى على أصول األشاعرة، أماالمعتزلة فهذا المطلب عندهم ظاهر الثبوت ألن الكذب قبيح بالضرورة، والله تعالى

منزه عن القبائح ألنه تعالى حكيم على ما يأتي فال يصدر الكذب عنه تعالى.المسألة السابعة

في أنه تعالى باققال: ووجوب الوجود يدل على سرمديته ونفي الزائد.

أقول: اتفق المثبتون للصانع تعالى على أنه باق أبدا واختلفوا فذهباألشعري إلى أنه باق ببقاء يقوم به. وذهب آخرون إلى أنه باق لذاته وهو الحق

الذي اختاره المصنف، والدليل على أنه باق ما تقدم من بيان وجوب وجودهلذاته وواجب الوجود لذاته يستحيل عليه العدم وإال لكان ممكنا. واالعتراض

الذي يورد هنا - وهو أنه يجوز أن يكون واجبا لذاته في وقت وممتنعا في وقتآخر - يدل على سوء فهم مورده ألن ماهيته حينئذ بالنظر إليها مجردة عن الوقتينتكون قابلة لصفتي الوجود والعدم وال نعني بالممكن سوى ذلك. (واعلم) أن هذاالدليل كما يدل على وجوب البقاء يدل على انتفاء المعنى الذي أثبته أبو الحسناألشعري، ألن وجوب الوجود يقتضي االستغناء عن الغير، فلو كان باقيا بالبقاء

كان محتاجا إليه فيكون ممكنا هذا خلف.المسألة الثامنة

في أنه تعالى واحدقال: والشريك.

أقول: هذا عطف على الزائد، أي ووجوب الوجود يدل على نفي الزائد ونفيالشريك. (واعلم) أن أكثر العقالء اتفقوا على أنه تعالى واحد، والدليل على ذلك

(٤٠٤)

Page 429: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

العقل والنقل، أما العقل فما تقدم من وجوب وجوده تعالى فإنه يدل على وحدته،ألنه لو كان هناك واجب وجود آخر لتشاركا في مفهوم كون كل واحد منهماواجب الوجود فإما أن يتميزا أو ال، والثاني يستلزم المطلوب وهو انتفاء الشركة

واألول يستلزم التركيب وهو باطل وإال لكان كل واحد منهما ممكنا، وقد فرضناهواجبا هذا خلف، وأما النقل فظاهر.

المسألة التاسعةفي أنه تعالى مخالف لغيره من الماهيات

قال: والمثل.أقول: هذا عطف على الزائد أيضا، أي ووجوب الوجود يدل على نفي الزائد

ونفي الشريك ونفي المثل وهذا مذهب أكثر العقالء، وخالف فيه أبو هاشم فإنهجعل ذاته مساوية لغيرها من الذوات، وإنما تخالفها بحالة توجب أحواال أربعة

وهي: الحيية والعالمية والقادرية والموجودية، وتلك الحالة هي صفة آلهية، وهذاالمذهب ال شك في بطالنه فإن األشياء المتساوية تتشارك في لوازمها، فلو كانت

الذوات متساوية جاز انقالب القديم محدثا وبالعكس وذلك باطل بالضرورة.المسألة العاشرة

في أنه تعالى غير مركبقال: والتركيب بمعانيه.

أقول: هذا عطف على الزائد، بمعنى أن وجوب الوجود يقتضي نفي التركيبأيضا، والدليل على ذلك أن كل مركب فإنه مفتقر إلى أجزائه لتأخره وتعليله بها

وكل جزء من المركب فإنه مغاير له وكل مفتقر إلى الغير ممكن، فلو كان الواجبتعالى مركبا كان ممكنا هذا خلف فوجوب الوجود يقتضي نفي التركيب.

(٤٠٥)

Page 430: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

واعلم أن التركيب قد يكون عقليا وهو التركيب من الجنس والفصل، وقديكون خارجيا كتركيب الجسم من المادة والصورة وتركيب المقادير من غيرها،والجميع منفي عن الواجب تعالى الشتراك المركبات في افتقارها إلى األجزاء فال

جنس له وال فصل له وال غيرهما من األجزاء العقلية والحسية.المسألة الحادية عشرةفي أنه تعالى ال ضد له

قال: والضد.أقول: هذا عطف على الزائد أيضا، فإن وجوب الوجود يقتضي نفي الضد ألنالضد يقال بحسب المشهور على ما يعاقب غيره من الذوات على المحل أو

الموضوع مع التنافي بينهما، وواجب الوجود يستحيل عليه الحلول فال ضد له بهذاالمعنى، ويطلق أيضا على مساو في القوة ممانع، وقد بينا أنه تعالى ال مثل له فال

مشارك له تعالى في القوة.المسألة الثانية عشرة

في أنه تعالى ليس بمتحيزقال: والتحيز.

أقول: هذا عطف على الزائد أيضا، فإن وجوب الوجود يقتضي نفي التحيزعنه تعالى، وهذا حكم متفق عليه بين أكثر العقالء وخالف فيه المجسمة، والدليلعلى ذلك أنه لو كان متحيزا لم ينفك عن األكوان الحادثة وكل ما ال ينفك عن

الحادث (١) فهو حادث وقد سبق تقرير ذلك وكل حادث ممكن فال يكون واجباهذا خلف، ويلزم من نفي التحيز نفي الجسمية.

--------------------(١) باألفراد كما في (م). والنسخ األخرى كلها عن الحوادث، بالجمع.

(٤٠٦)

Page 431: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

المسألة الثالثة عشرةفي أنه تعالى ليس بحال في غيره

قال: والحلول.أقول: هذا عطف على الزائد، فإن وجوب الوجود يقتضي كونه تعالى ليس

حاال في غيره، وهذا حكم متفق عليه بين أكثر العقالء وخالف فيه بعض النصارىالقائلين بأنه حل في المسيح وبعض الصوفية القائلين بأنه حال في أبدان

العارفين، وهذا المذهب ال شك في سخافته ألن المعقول من الحلول قيام موجودآخر على سبيل التبعية بشرط امتناع قيامه بذاته، وهذا المعنى منتف في حقه تعالى

الستلزامه الحاجة المستلزمة لإلمكان.المسألة الرابعة عشرة

في نفي االتحاد عنه تعالىقال: واالتحاد.

أقول: هذا عطف على الزائد، فإن وجود الوجوب ينافي االتحاد ألنا قد بيناأن وجوب الوجود يستلزم الوحدة فلو اتحد بغيره لكان ذلك الغير ممكنا فيكون

الحكم الصادق على الممكن صادقا على المتحد به فيكون الواجب ممكنا، وأيضافلو اتحد بغيره لكانا بعد االتحاد إما أن يكون موجودين كما كانا فال اتحاد وإن

عدما أو عدم أحدهما فال اتحاد أيضا ويلزم عدم الواجب فيكون ممكنا هذا خلف.المسألة الخامسة عشرة

في نفي الجهة عنه تعالىقال: والجهة.

أقول: هذا حكم من األحكام الالزمة لوجوب الوجود وهو معطوف على

(٤٠٧)

Page 432: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الزائد، وقد نازع فيه جميع المجسمة فإنهم ذهبوا إلى أنه تعالى جسم في جهةوأصحاب أبي عبد الله بن كرام اختلفوا، فقال محمد بن الهيصم: إنه تعالى في جهةفوق العرش ال نهاية لها والبعد بينه وبين العرش أيضا غير متناه. وقال بعضهم: البعدمتناه. وقال قوم منهم: إنه تعالى على العرش كما تقوله المجسمة، وهذه المذاهبكلها فاسدة ألن كل ذي جهة فهو مشار إليه ومحل لألكوان الحادثة فيكون حادثا

فال يكون واجبا.المسألة السادسة عشرة

في أنه تعالى ليس محال للحوادثقال: وحلول الحوادث فيه.

أقول: وجوب الوجود ينافي حلول الحوادث في ذاته تعالى وهو معطوفعلى الزائد، وقد خالف فيه الكرامية، والدليل على االمتناع أن حدوث الحوادث

فيه تعالى يدل على تغيره وانفعاله في ذاته وذلك ينافي الوجوب، وأيضا فإنالمقتضي للحادث إن كان ذاته كان أزليا وإن كان غيره كان الواجب مفتقرا إلىالغير وهو محال، وألنه إن كان صفة كمال استحال خلو الذات عنه وإن لم يكن

استحال اتصاف الذات به.المسألة السابعة عشرة

في أنه تعالى غنيقال: والحاجة.

أقول: وجوب الوجود ينافي الحاجة وهو معطوف على الزائد، وهذا الحكمظاهر فإن وجوب الوجود يستدعي االستغناء عن الغير في كل شئ فهو ينافي

(٤٠٨)

Page 433: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الحاجة، وألنه لو افتقر إلى غيره لزم الدور، ألن ذلك الغير محتاج إليه إلمكانه.(ال يقال) الدور غير الزم ألن الواجب مستغن في ذاته وبعض صفاته عن ذلك

الغير وبهذا الوجه يؤثر في ذلك الغير، فإذا احتاج في جهة أخرى إلى ذلك الغيرانتفى الدور (ألنا نقول) هذا بناء على أن صفاته تعالى زائدة على الذات وهو باطللما سيأتي، وأيضا فالدور ال يندفع ألن ذلك الممكن بالجهة التي يؤثر في الواجب

تعالى صفة يكون محتاجا إليه، وحينئذ يلزم الدور المحال، وألن افتقاره في ذاتهيستلزم إمكانه وكذا في صفاته، ألن ذاته موقوفة على وجود تلك الصفة أو عدمها

المتوقفين على الغير فيكون متوقفا على الغير فيكون ممكنا، وهذا برهان عولعليه الشيخ ابن سينا.المسألة الثامنة عشرة

في استحالة األلم واللذة عليه تعالىقال: واأللم مطلقا واللذة المزاجية.

أقول: هذا أيضا عطف على الزائد، فإن وجوب الوجود يستلزم نفي اللذةواأللم.

واعلم أن اللذة واأللم قد يكونان من توابع المزاج، فإن اللذة من توابع اعتدالالمزاج واأللم من توابع سوء المزاج، وهذان المعنيان أنما يصحان في حق األجسام

وقد ثبت بوجوب الوجود أنه تعالى يستحيل أن يكون جسما فينتفيان عنه. وقديعني باأللم إدراك المنافي وباللذة إدراك المالئم، فاأللم بهذا المعنى منفي عنه ألنواجب الوجود ال منافي له، وأما اللذة بهذا المعنى فقد اتفق األوائل على ثبوتها لله

تعالى ألنه مدرك ألكمل الموجودات أعني ذاته فيكون ملتذا به، والمصنف رحمه اللهكأنه قد ارتضى هذا القول، وهو مذهب ابن نوبخت وغيره

من المتكلمين إال أن إطالق الملتذ عليه يستدعي األذن الشرعي.

(٤٠٩)

Page 434: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

المسألة التاسعة عشرةفي نفي المعاني واألحوال والصفات الزائدة في األعيان

قال: والمعاني واألحوال والصفات الزائدة عينا.أقول: ذهبت األشاعرة إلى أن لله تعالى معاني قائمة بذاته هي القدرة والعلموغيرهما من الصفات تقتضي القادرية والعالمية والحيية إلى غيرها من باقي

الصفات. وأبو هاشم أثبت أحواال غير معلومة لكن تعلم الذات عليها (١) وجماعةمن المعتزلة أثبتوا لله تعالى صفات زائدة على الذات، وهذه المذاهب كلها ضعيفة

ألن وجوب الوجود يقتضي نفي هذه األمور عنه ألنه تعالى يستحيل أن يتصفبصفة زائدة على ذاته سواء جعلناها معنى أو حاال أو صفة غيرهما ألن وجوبالوجود يقتضي االستغناء عن كل شئ فال يفتقر في كونه قادرا إلى صفة القدرة

وال في كونه عالما إلى صفة العلم وال غير ذلك من المعاني واألحوال، وإنما قيدالصفات بالزائدة عينا ألنه تعالى موصوف بصفات الكمال لكن تلك الصفات

نفس الذات في الحقيقة وإن كانت مغايرة لها باالعتبار.المسألة العشرون

في أنه تعالى ليس بمرئيقال: والرؤية (٢).

--------------------(١) وفي (ش) علتها، أعربها بتشديد الالم والتاء المنقوطتين من فوق. وفي (د) بدون تشديد

وإعجام، وفي النسخ األخرى: عليها، على الجار والمجرور باإلعجام. وفي نسخة أخرىعندنا صححت العبارة وأعربت هكذا: (لكن بعلم الذات عللها) بإضافة العلم إلى الذات

المجرور بالباء، وعللها على هيئة الجمع.والصواب هو األوسط المختار أعني عليها على الجار والمجرور كما في نسختين من شرحالقديم لمؤلفه محمود بن أحمد األصفهاني حيث قال في المقام: ومذهب أبي هاشم أن لله

تعالى أحواال مثل العالمية والقادرية وغيرهما، والحال ال يعلم ولكن يعلم الذات عليها،إنتهى. وكالم الفخر الرازي في المحصل أيضا يفيد هذا المعنى (ص ١٣٦ ط ١ مصر).

(٢) الحق أن الرؤية بمعنى لقائه سبحانه هي غاية آمال العارفين بالله وقد ندب إليه الشرعبأنحاء عديدة، وأما الرؤية بمعنى األبصار بالعين فال تدركه األبصار وهو يدرك األبصار.

والراقم قد صنف في كل واحدة من المسألتين رسالة على حدة لعلها وافية في شعوبمباحثها العقلية والنقلية.

قال الشيخ األجل الصدوق في باب رؤية كتاب التوحيد ما هذا لفظه: واألخبار التي رويتفي هذا المعنى - يعني في الرؤية - صحيحة وإنما تركت إيرادها في هذا الباب خشية أن

يقرأها جاهل بمعانيها فيكذب بها فيكفر بالله عز وجل وهو ال يعلم.واألخبار التي ذكرها أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره، والتي أوردها محمد بن أحمد بن

يحيى في جامعه في معنى الرؤية صحيحة ال يردها إال مكذب بالحق أو جاهل به، وألفاظهاألفاظ القرآن، ولكل خبر منها معنى ينفي التشبيه والتعطيل ويثبت التوحيد، وقد أمرنا األئمة

صلوات الله عليهم أن ال نكلم الناس إال على قدر عقولهم.

Page 435: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

ومعنى الرؤية الواردة في األخبار العلم، وذلك أن الدنيا دار شكوك وارتياب وخطرات فإذاكان يوم القيامة كشف للعباد من آيات الله وأموره في ثوابه وعقابه ما تزول به الشكوك كوك ويعلم

حقيقة قدرة الله عز وجل، وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل (لقد كنت في غفلة من هذافكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد).

إنتهى ما أردنا من نقل كالمه - رضوان الله تعالى عليه - في التوحيد، ولكن ال يخفى عليك أناألئمة عليهم السالم أمرونا أن نكلم الناس على قدر عقولهم، وما أمرونا أن ال نروي أحاديثهم التيحدثوا بها. والشيخ األكرم المفيد قدس سره قال في تصحيح االعتقادات نقدا عليه: ولو اقتصر على

األخبار ولم يتعاط ذكر معانيها كان أسلم له من الدخول في باب يضيق عنه سلوكه.والمتأله السبزواري في شرح األسماء عند قوله عليه السالم في الفصل الخمسين من الجوشن الكبير:

يا من يرى وال يرى، حرر أقوال القوم في الرؤية أتم تحرير فراجعه إليه (ص ١٨٥ ط ١).

(٤١٠)

Page 436: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: وجوب الوجود يقتضي نفي الرؤية أيضا، (واعلم) أن أكثر العقالءذهبوا إلى امتناع رؤيته تعالى، والمجسمة جوزوا رؤيته العتقادهم أنه تعالى

جسم، ولو اعتقدوا تجرده لم تجز رؤيته عندهم، واألشاعرة خالفوا العقالء كافةهنا وزعموا أنه تعالى مع تجرده تصح رؤيته، والدليل على امتناع الرؤية أن

وجوب وجوده يقتضي تجرده ونفي الجهة والحيز عنه فينتفي الرؤية عنهبالضرورة، ألن كل مرئي فهو من جهة يشار إليه بأنه هنا أو هناك، ويكون مقابال

أو في حكم المقابل، ولما انتفى هذا المعنى عنه تعالى انتفت الرؤية.

(٤١١)

Page 437: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قال: وسؤال موسى لقومه.أقول: لما استدل على نفي الرؤية شرع في الجواب عن احتجاج األشاعرة،

وقد احتجوا بوجوه أجاب المصنف عنها، األول: أن موسى عليه السالم سأل الرؤية ولوكانت ممتنعة لم يصح منه السؤال.

والجواب أن السؤال كان من موسى عليه السالم لقومه ليبين لهم امتناع الرؤية لقولهتعالى: (لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة) وقوله: (أفتهلكنا

بما فعل السفهاء منا).قال: والنظر ال يدل على الرؤية مع قبوله التأويل.

أقول: تقرير الوجه الثاني لهم أنه تعالى حكى عن أهل الجنة النظر إليهفقال: (إلى ربها ناظرة) والنظر المقرون بحرف (إلى) يفيد الرؤية ألنه حقيقة فيتقليب الحدقة نحو المطلوب التماسا لرؤيته، وهذا متعذر في حقه تعالى النتفاء

الجهة عنه فبقي المراد منه مجازه وهو الرؤية التي هي معلول النظر الحقيقيواستعمال لفظ السبب في المسبب من أحسن وجوه المجاز.

والجواب المنع من إرادة هذا المجاز، فإن النظر وإن اقترن به حرف (إلى) اليفيد الرؤية، ولهذا يقال: نظرت إلى الهالل فلم أره، وإذا لم يتعين هذا المعنى

لإلرادة أمكن حمل اآلية على غيره، وهو أن يقال: إن (إلى) واحد اآلالء ويكونمعنى ناظرة أي منتظرة، أو نقول: إن المضاف هنا محذوف وتقديره: إلى ثوابربها. (ال يقال) االنتظار سبب الغم واآلية سيقت لبيان النعم، (ألنا نقول) سياقاآلية يدل على تقدم حال ألهل الثواب والعقاب على استقرارهم في الجنة والنار

بقوله: (وجوه يومئذ ناضرة) بدليل قوله تعالى: (ووجوه يومئذ باسرة تظن أنيفعل بها فاقرة) فإن في حال استقرار أهل النار في النار قد فعل لها فاقرة فال

يبقى للظن معنى، وإذا كان كذلك فانتظار النعمة بعد البشارة بها ال يكون سببا للغمبل سببا للفرح والسرور ونضارة الوجه، كمن يعلم وصول نفع إليه يقينا في وقت

(٤١٢)

Page 438: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

فإنه يسر بذلك وإن لم يحضر الوقت كما أن انتظار العقاب بعد االنذار بورودهيوجب الغم ويقتضي بسارة الوجه.

قال: وتعليق الرؤية (١) على استقرار الجبل المتحرك ال يدل على اإلمكان.أقول: هذا جواب عن الوجه الثالث لألشعرية، وتقرير احتجاجهم أن الله

سبحانه وتعالى علق الرؤية في سؤال موسى عليه السالم على استقرار الجبل واالستقرارممكن، ألن كل جسم فسكونه ممكن والمعلق على الممكن ممكن. والجواب أنه

تعالى علق الرؤية على االستقرار ال مطلقا بل على استقرار الجبل حال حركتهواستقرار الجبل حال الحركة محال فال يدل على إمكان المعلق.

قال: واشتراك المعلوالت ال يدل على اشتراك العلل مع منع التعليل والحصر.أقول: هذا جواب عن شبهة األشاعرة من طريق العقل استدلوا بها على جواز

رؤيته تعالى، وتقريرها أن الجسم والعرض قد اشتركا في صحة الرؤية وهذا حكممشترك يستدعي علة مشتركة وال مشترك بينهما إال الحدوث أو الوجود،

والحدوث ال يصلح للعلية ألنه مركب من قيد عدمي فيكون عدميا فلم يبق إالالوجود فكل موجود تصح رؤيته والله تعالى موجود.

وهذا الدليل ضعيف جدا لوجوه: األول: المنع من رؤية الجسم بل المرئي هواللون والضوء ال غير. الثاني: ال نسلم اشتراكهما في صحة الرؤية فإن رؤية الجوهر

مخالفة لرؤية العرض. الثالث: ال نسلم أن الصحة ثبوتية بل هي أمر عدمي ألنجنس صحة الرؤية وهو اإلمكان عدمي فال يفتقر إلى العلة. الرابع: ال نسلم أنالمعلول المشترك يستدعي علة مشتركة فإنه يجوز اشتراك العلل المختلفة في

المعلوالت المتساوية. الخامس: ال نسلم الحصر في الحدوث والوجود وعدم العلمال يدل على العدم مع أنا نتبرع بذكر قسم آخر وهو اإلمكان وجاز التعليل به وإن

--------------------(١) كما في (م) وفي (ق، ص، ش، د): وتعليق الرؤية باستقرار المتحرك ال يدل على اإلمكان.

وفي (ز): الستقرار المتحرك. وفي (ت): والتعليق باستقرار الجبل ال يدل على اإلمكان.

(٤١٣)

Page 439: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

كان عدميا ألن صحة الرؤية عدمية. السادس: ال نسلم أن الحدوث ال يصلحللعلية، وقد بينا أن صحة الرؤية عدمية على أنا نمنع من كون الحدوث عدميا

ألنه عبارة عن الوجود المسبوق بالغير ال المسبوق بالعدم. السابع: لم ال يجوز أنتكون العلة هي الوجود بشرط اإلمكان أو بشرط الحدوث، والشروط يجوز أنتكون عدمية. الثامن: المنع من كون الوجود مشتركا ألن وجود كل شئ نفس

حقيقته، ولو سلم كون الوجود الممكن مشتركا لكن وجود الله تعالى مخالف لغيرهمن الوجودات ألنه نفس حقيقته، وال يلزم من كون بعض الماهيات (١) علة لشئ

كون ما يخالفه علة لذلك الشئ. التاسع: المنع من وجود الحكم عند وجودالمقتضي فإنه جاز وجود مانع في حقه تعالى إما ذاته أو صفة من صفاته أو قبولالحكم يتوقف على شرط كالمقابلة هنا وهي تمتنع في حقه تعالى فال يلزم وجود

الحكم فيه.المسألة الحادية والعشرون

في باقي الصفاتقال: وعلى ثبوت الجود.

أقول: هذا عطف على قوله: على سرمديته، أي أن وجوب الوجود يدل علىسرمديته وعلى ثبوت الجود، واعلم أن الجود هو إفادة ما ينبغي للمستفيد من غير

استعاضة منه، والله تعالى قد أفاد الوجود الذي ينبغي للممكنات من غير أنيستعيض منها شيئا من صفة حقيقية أو إضافية فهو جواد، وجماعة األوائل نفوا

الغرض عن الجواد وهو باطل وسيأتي بيانه في باب العدل.--------------------

(١) أي بعض الماهيات بوجوده علة لشئ كما هو ظاهر. أو أن الكون في الموضعين بمعنىالوجود. وفي المطبوعة: وال يلزم من كون وجود بعض الماهيات، ولكن النسخ كلها عارية

عن الوجود والكلمة كانت تعليقة أدرجت في المتن.

(٤١٤)

Page 440: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قال: والملك.أقول: وجوب الوجود يدل على كونه تعالى ملكا ألنه غني عن الغير في ذاته

وصفاته الحقيقية المطلقة والحقيقية المستلزمة لإلضافة وكل شئ مفتقر إليه، ألنكل ما عداه ممكن إنما يوجد بسببه وله ذات كل شئ ألنه مملوك له مفتقر إليه في

تحقق ذاته فيكون ملكا، ألن الملك هو المستجمع لهذه الصفات الثالث.قال: والتمام وفوقه.

أقول: وجوب الوجود يدل على كونه تعالى تاما وفوق التمام، أما كونه تامافألنه واحد على ما سلف، واجب من كل جهة يمتنع تغيره وانفعاله وتجدد شئ

له، فكل ما من شأنه أن يكون له فهو حاصل له بالفعل، وأما كونه فوق التمام فألنما حصل لغيره من الكماالت فهو منه مستفاد.

قال: والحقية.أقول: وجوب الوجود يدل على ثبوت الحقية له تعالى، واعلم أن الحق يقال

للثابت مطلقا والثابت دائما، ويقال على حال القول والعقد بالنسبة إلى المقولوالمعتقد إذا كان مطابقا وهو الصادق أيضا لكن باعتبار نسبة القول والعقد إليه،والله تعالى واجب الثبوت والدوام غير قابل للعدم والبطالن، فذاته أحق من كل

حق وهو محقق كل حقيقة.قال: والخيرية.

أقول: وجوب الوجود يدل على ثبوت وصف الخيرية لله تعالى، ألن الخيرعبارة عن الوجود والشر عبارة عن عدم كمال الشئ من حيث هو مستحق له،وواجب الوجود يستحيل أن يعدم عنه شئ من الكماالت فال يتطرق إليه الشر

بوجه من الوجوه فهو خير محض.قال: والحكمة.

أقول: وجوب الوجود يقتضي وصف الله تعالى بالحكمة، ألن الحكمة قد يعني

(٤١٥)

Page 441: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

بها معرفة األشياء وقد يراد بها صدور الشئ على الوجه األكمل، وال عرفان أكملمن عرفانه تعالى فهو حكيم بالمعنى األول، وأيضا فإن أفعاله تعالى في غاية

األحكام واإلتقان ونهاية الكمال فهو حكيم بالمعنى الثاني أيضا.قال: والتجبر.

أقول: وجوب الوجود يقتضي وصفه تعالى بكونه جبارا، ألن وجوب الوجوديقتضي استناد كل شئ إليه فهو يجبر ما بالقوة بالفعل والتكميل كالمادة بالصورة

فهو جبار من حيث إنه واجب الوجود.قال: والقهر.

أقول: وجوب الوجود يقتضي وصفه تعالى بكونه قهارا بمعنى أنه يقهر العدمبالوجود والتحصيل.

قال: والقيومية.أقول: وصفه تعالى بكونه واجب الوجود يقتضي وصفه بكونه قيوما بمعنى

أنه قائم بذاته ومقيم لغيره، ألن وجوب الوجود يقتضي استغناءه عن غيره وهومعني قيامه بذاته ويقتضي استناد غيره إليه وهو المعنى بكونه مقيما لغيره.

قال: وأما اليد والوجه والقدم والرحمة والكرم والرضا والتكوين فراجعة إلىما تقدم.

أقول: ذهب أبو الحسن األشعري إلى أن اليد صفة وراء القدرة، والوجه صفةمغايرة للوجود، وذهب عبد الله بن سعيد إلى أن القدم صفة مغايرة للبقاء وأن

الرحمة والكرم والرضا صفات مغايرة لإلرادة، وأثبت جماعة من الحنفية التكوينصفة مغايرة للقدرة، والتحقيق أن هذه الصفات راجعة إلى ما تقدم.

(٤١٦)

Page 442: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الفصل الثالثفي أفعاله

وفيه مسائلالمسألة األولى

في إثبات الحسن والقبح العقليينقال: الثالث في أفعاله، الفعل المتصف بالزائد إما حسن أو قبيح، والحسن أربعة.

أقول: لما فرغ من إثباته تعالى وبيان صفاته شرع في بيان عدله وأنه تعالىحكيم ال يفعل القبيح وال يخل بالواجب وما يتعلق بذلك من المسائل، وبدأ بقسمةالفعل إلى الحسن والقبيح وبين أن الحسن والقبح أمران عقليان، وهذا حكم متفقعليه بين المعتزلة. وأما األشاعرة فإنهم ذهبوا إلى أن الحسن والقبح أنما يستفادان

من الشرع فكل ما أمر الشارع به فهو حسن وكل ما نهى عنه فهو قبيح، ولوال الشرعلم يكن حسن وال قبح، ولو أمر الله تعالى بما نهى عنه ال نقلب القبيح إلى الحسن.

واألوائل ذهبوا إلى أن من األشياء ما هو حسن ومنها ما هو قبيح بالنظر إلى العقلالعملي، وقد شنع أبو الحسين على األشاعرة بأشياء ردية وما شنع به فهو حق إذ ال

تتمشى قواعد االسالم بارتكاب ما ذهب إليه األشعرية من تجويز القبائح عليهتعالى وتجويز إخالله بالواجب، وما أدري كيف يمكنهم الجمع بين المذهبين.

واعلم: أن الفعل من التصورات الضرورية، وقد حده أبو الحسين بأنه ما

(٤١٧)

Page 443: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

حدث عن قادر مع أنه حد القادر بأنه الذي يصح أن يفعل وأن ال يفعل فلزمهالدور، على أن الفعل أعم من الصادر عن قادر وغيره. إذا عرفت هذا، فالفعل

الحادث إما أن ال يوصف بأمر زائد على حدوثه وهو مثل حركة الساهي والنائموإما أن يوصف وهو قسمان حسن وقبيح، فالحسن ما ال يتعلق بفعله ذم القبيح

بخالفه، والحسن إما أن ال يكون له وصف زائد على حسنه وهو المباح ويرسمبأنه ما ال مدح فيه على الفعل والترك، وإما أن يكون له وصف زائد على حسنه

فإما أن يستحق المدح بفعله والذم بتركه وهو الواجب، أو يستحق المدح بفعله واليتعلق بتركه ذم وهو المندوب، أو يستحق المدح بتركه وال يتعلق بفعله ذم وهوالمكروه، فقد انقسم الحسن إلى األحكام األربعة: الواجب والمندوب والمباح

والمكروه ومع القبيح تبقى األحكام الحسنة والقبيحة خمسة.قال: وهما عقليان للعلم بحسن اإلحسان وقبح الظلم من غير شرع.

أقول: استدل المصنف رحمه الله على أن الحسن والقبح أمران عقليان بوجوه، هذاأولها وتقريره أنا نعلم بالضرورة حسن بعض األشياء وقبح بعضها من غير نظرإلى شرع، فإن كل عاقل يجزم بحسن اإلحسان ويمدح عليه، وبقبح اإلساءة

والظلم ويذم عليه، وهذا حكم ضروري ال يقبل الشك وليس مستفادا من الشرعلحكم البراهمة والمالحدة به من غير اعتراف منهم بالشرائع.

قال: والنتفائهما مطلقا لو ثبتا شرعا.أقول: هذا وجه ثان يدل على أن الحسن والقبح عقليان، وتقريره أنهما لو

ثبتا شرعا لم يثبتا ال شرعا وال عقال، والتالي باطل إجماعا فالمقدم مثله، بيانالشرطية أنا لو لم نعلم حسن بعض األشياء وقبحها عقال لم نحكم بقبح الكذبفجاز وقوعه من الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا، فإذا أخبرنا في شئ أنه قبيح لم

نجزم بقبحه وإذا أخبرنا في شئ أنه حسن لم نجزم بحسنه لتجويز الكذبولجوزنا أن يأمرنا بالقبيح وأن ينهانا عن الحسن النتفاء حكمته تعالى على هذا

التقدير.

(٤١٨)

Page 444: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قال: ولجاز التعاكس.أقول: الذي خطر لنا في تفسير هذا الكالم أنه لو لم يكن الحسن والقبح

عقليين لجاز أن يقع التعاكس في الحسن والقبح بأن يكون ما نتوهمه حسنا قبيحاوبالعكس، فكان يجوز أن يكون هناك أمم عظيمة تعتقد حسن مدح من أساء إليهموذم من أحسن كما حصل لنا اعتقاد عكس ذلك، ولما علم كل عاقل بطالن ذلك

جزمنا باستناد هذه األحكام إلى القضايا العقلية ال األوامر والنواهي الشرعية والالعادات.

قال: ويجوز التفاوت في العلوم لتفاوت التصور.أقول: لما استدل على مذهبه من إثبات الحسن والقبح العقليين شرع في

الجواب عن شبهة األشاعرة، وقد احتجوا بوجوه: األول: لو كان العلم بقبح بعضاألشياء وحسنها ضروريا لما وقع التفاوت بينه وبين العلم لزيادة الكل علىالجزء، والتالي باطل بالوجدان فالمقدم مثله، والشرطية ظاهرة ألن العلوم

الضرورية ال تتفاوت. (والجواب) المنع من المالزمة فإن العلوم الضرورية قدتتفاوت لوقوع التفاوت في التصورات، فقوله: (ويجوز التفاوت في العلوم لتفاوت

التصور) إشارة إلى هذا الجواب.قال: وارتكاب أقل القبيحين مع إمكان المخلص (١).

أقول: هذا يصلح أن يكون جوابا عن شبهتين لألشعرية: إحداهما: قالوا: لو--------------------

(١) مع إمكان التخلص كما في (ش، ت) وفي (م، ص، ز) مع إمكان المخلص. وفي (د) مع عدمإمكان المخلص. وفي (ق) مع عدم إمكان التخلص. يعني إذا اضطر إلى ارتكاب القبيحينولم يمكنه الخالص عنهما ارتكب أقل القبيحين كالمثال الثاني في الكتاب فإنه أن يكذب

غدا فالكذب قبيح، وإن لم يكذب فخالف الوعد قبيح، لكنه يرتكب أقل القبيحين.وظاهر الشرح حيث قال: وأيضا قد يمكن التخلص عن الكذب، يوافق عدم العدم وإن كان

للعدم معنى صحيح، وكذا التخلص في المتن، ولكن قد تكرر ذكر المخلص في الكتابونسخ (م ص) متفقة فيه والشرح تعبير بعبارة أخرى.

(٤١٩)

Page 445: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

كان الكذب قبيحا لكان الكذب المقتضي لتخليص النبي من يد ظالم قبيحا،والتالي باطل ألنه يحسن تخليص النبي فالمقدم مثله. الثانية: قالوا: لو قال

االنسان: ألكذبن غدا، فإن حسن منه الصدق بإيفاء الوعد لزم حسن الكذب، وإنقبح كان الصدق قبيحا فيحسن الكذب.

والجواب فيهما واحد، وذلك ألن تخليص النبي أرجح من الصدق فيكونتركه أقبح من الكذب، فيجب ارتكاب أدنى القبيحين وهو الكذب الشتماله على

المصلحة العظيمة الراجحة على الصدق. وأيضا يجب عليه ترك الكذب في غدألنه إذا كذب في الغد فعل شيئا فيه جهتا قبح وهو العزم على الكذب وفعله،

ووجها واحدا من وجوه الحسن وهو الصدق وإذا ترك الكذب يكون قد ترك تتمةالعزم والكذب وهما وجها حسن، وفعل وجها واحدا من وجوه القبح وهو

الكذب. وأيضا قد يمكن التخلص عن الكذب في الصورة األولى بأن يفعل التوريةأو يأتي بصورة اإلخبار الكذب من غير قصد إليه، وألن جهة الحسن هي

التخلص (١) وهي غير منفكة عنه وجهة القبح هي الكذب وهي غير منفكة عنه فماهو حسن لم ينقلب قبيحا وكذا ما هو قبيح لم ينقلب حسنا.

قال: والجبر باطل.أقول: هذا جواب عن شبهة أخرى لهم وهي أنهم قالوا: الجبر حق فينتفي

الحسن والقبح العقليان والمالزمة ظاهرة وبيان صدق المقدم ما يأتي والجوابالطعن في الصغرى وسيأتي البحث فيها.

المسألة الثانيةفي أنه تعالى ال يفعل القبيح وال يخل بالواجب

قال: واستغناؤه وعلمه يدالن على انتفاء القبح عن أفعاله تعالى.--------------------

(١) دليل للصورتين كلتيهما وإن كان بظاهره يناسب الثانية، فما في (م) من قوله: وألن جهةالحسن هي التخليص، كان مفاده بينا مناسبا للصورة األولى.

(٤٢٠)

Page 446: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: اختلف الناس هنا، فقالت المعتزلة: إنه تعالى ال يفعل قبيحا وال يخلبواجب، ونازع األشعرية في ذلك وأسندوا القبائح إليه تعالى الله عن ذلك، والدليل

على ما اختاره المعتزلة أن له داعيا إلى فعل الحسن وليس له صارف عنه، ولهصارفا عن فعل القبيح وليس له داع إليه وهو قادر على كل مقدور، ومع وجود

القدرة والداعي يجب الفعل، وإنما قلنا ذلك ألنه تعالى غني يستحيل عليه الحاجةوهو عالم بحسن الحسن وقبح القبيح، ومن المعلوم بالضرورة أن العالم بالقبيح

الغني عنه ال يصدر عنه وأن العالم بالحسن القادر عليه إذا خال من جهات المفسدةفإنه يوجده، وتحريره أن الفعل بالنظر إلى ذاته ممكن وواجب بالنظر إلى علته،

وكل ممكن مفتقر إلى قادر فإن علته أنما تتم بواسطة القدرة والداعي، فإذا وجدافقد تم السبب، وعند تمام السبب يجب وجود الفعل. وأيضا لو جاز منه فعل القبيح

أو االخالل بالواجب الرتفع الوثوق بوعده ووعيده إلمكان تطرق الكذب عليهولجاز منه إظهار المعجزة على يد الكاذب وذلك يفضي إلى الشك في صدق

األنبياء ويمتنع االستدالل بالمعجزة عليه.المسألة الثالثة

في أنه تعالى قادر على القبيحقال: مع قدرته عليه لعموم النسبة وال ينافي االمتناع الالحق.

أقول: ذهب العلماء كافة إلى أنه تعالى قادر على القبيح إال النظام، والدليلعلى ذلك أنا قد بينا عموم نسبة قدرته إلى الممكنات والقبيح منها فيكون مندرجا

تحت قدرته. احتج بأن وقوعه منه يدل على الجهل أو الحاجة وهما منفيان فيحقه تعالى. والجواب أن االمتناع هنا بالنظر إلى الحكمة فهو امتناع الحق ال يؤثر

في اإلمكان األصلي، ولهذا عقب المصنف رحمه الله االستدالل على مراده بالجوابعن الشبهة التي له وإن لم يذكرها صريحا.

(٤٢١)

Page 447: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

المسألة الرابعةفي أنه يفعل لغرض

قال: ونفي الغرض يستلزم العبث وال يلزم عوده إليه.أقول: اختلف الناس هنا، فذهبت المعتزلة إلى أنه تعالى يفعل لغرض وال

يفعل شيئا لغير فائدة، وذهبت األشاعرة إلى أن أفعاله تعالى يستحيل تعليلهاباألغراض والمقاصد. والدليل على مذهب المعتزلة أن كل فعل ال يفعل لغرض

فإنه عبث والعبث قبيح، والله تعالى يستحيل منه فعل القبيح. احتج المخالف بأنكل فاعل لغرض وقصد فإنه ناقص بذاته مستكمل بذلك الغرض، والله تعالى

يستحيل عليه النقصان. (والجواب) النقص أنما يلزم لو عاد الغرض والنفع إليه، أماإذا كان النفع عائدا إلى غيره فال كما نقول: إنه تعالى يخلق العالم لنفعهم.

المسألة الخامسةفي أنه تعالى يريد الطاعات ويكره المعاصي

قال: وإرادة القبيح قبيحة وكذا ترك إرادة الحسن ولألمر والنهي (١).أقول: مذهب المعتزلة أن الله تعالى يريد الطاعات من المؤمن والكافر سواء

وقعت أو ال، ويكره المعاصي سواء وقعت أو ال. وقالت األشاعرة: كل ما هو واقعفهو مراد سواء كان طاعة أو معصية. والدليل على ما ذهب إليه المعتزلة وجهان:

األول: أنه تعالى حكيم ال يفعل القبيح على ما تقدم، فكما أن فعل القبيح قبيح--------------------

(١) كما في (م) وهو الصواب والشرح يوافقه. والنسخ الباقية كلها: واألمر والنهي. وعلى هذهالنسخ كان معنى العبارة هكذا: وكذا ترك إرادة الحسن قبيح، وكذا ترك األمر والنهي قبيح.

ألنه سبحانه يجب عليه األمر بالحسن والنهي عن القبيح، ولكن شرح العالمة ناص علىصحة النسخة األولى.

(٤٢٢)

Page 448: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

فكذا إرادته قبيحة، وكما أن ترك الحسن قبيح فكذا إرادة تركه. الثاني: أنه تعالى أمربالطاعات ونهى عن المعاصي والحكيم إنما يأمر بما يريده ال بما يكرهه، وينهى عمايكرهه ال عما يريده، فلو كانت الطاعة من الكافر مكروهة لله تعالى لما أمر بها، ولوكانت المعصية مرادة لله تعالى لما نهاه عنها، وكان الكافر مطيعا بكفره وعدم إيمانه

ألنه فعل ما أراده الله تعالى منه وهو المعصية وامتنع عما كرهه وذلك باطل قطعا.قال: وبعض األفعال مستندة إلينا والمغلوبية غير الزمة والعلم تابع.

أقول: لما فرغ من االستدالل شرع في إبطال حجج الخصم، وهي ثالثة:األولى: قالوا: الله تعالى فاعل لكل موجود فتكون القبائح مستندة إليه

بإرادته. والجواب ما يأتي من كون بعض األفعال مستندة إلينا.الثانية: إن الله تعالى لو أراد من الكافر الطاعة، والكافر أراد المعصية وكان

الواقع مراد الكافر لزم أن يكون الله تعالى مغلوبا، إذ من يقع مراده من المريدينهو الغالب. والجواب أن هذا غير الزم ألن الله تعالى أنما يريد الطاعة من العبدعلى سبيل االختيار وهو أنما يتحقق بإرادة المكلف، ولو أراد الله تعالى إيقاع

الطاعة من الكافر مطلقا سواء كانت عن إختيار أو إجبار لوقعت.الثالثة: قالوا: كل ما علم الله تعالى وقوعه وجب وما علم عدمه امتنع، فإذا

علم عدم وقوع الطاعة من الكافر استحال إرادتها منه وإال لكان مريدا لما يمتنعوجوده. والجواب أن العلم تابع ال يؤثر في إمكان الفعل، وقد مر تقرير ذلك.

المسألة السادسةفي أنا فاعلون

قال: والضرورة قاضية باستناد أفعالنا إلينا (١).--------------------

(١) ينبغي في المقام الفرق بين إسناد الفعل وإيجاده والموجد هو الوجود الحق سبحانه وتعالى،وأفعالنا مستندة إلينا، بحول الله وقوته أقوم وأقعد. وسلطانه ال يرفع عن ممكن وال معنىللرفع أصال وما تشاؤون إال أن يشاء الله رب العالمين، فتدبر في قوله سبحانه: وأنه هو

أضحك وأبكى وأنه هو أمات وأحيا وأنه خلق الزوجين الذكر واألنثى من نطفة إذا تمنىوأن عليه النشأة األخرى وأنه هو أغنى وأقنى فاألفعال الستة موجدها هو سبحانه

واستنادها إلى الخلق. والمسائل والبحث عنها حول هذا المطلب تطلب في رسالتناالمصنوعة في رد الجبر والتفويض وإثبات أمر بين األمرين.

(٤٢٣)

Page 449: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: اختلف العقالء هنا، فالذي ذهب إليه المعتزلة أن العبد فاعل ألفعالنفسه، واختلفوا فقال أبو الحسين: إن العلم بذلك ضروري، وهو الحق الذي ذهب

إليه المصنف رحمه الله. وقال آخرون: إنه إستداللي. وأما جهم بن صفوان فإنه قال:إن

الله تعالى هو الموجد ألفعال العباد وإضافتها إليهم على سبيل المجاز، فإذا قيل:فالن صلى وصام، كان بمنزلة قولنا: طال وسمن. وقال ضرار بن عمرو والنجاروحفص الفرد (١) وأبو الحسن األشعري: إن الله تعالى هو المحدث لها والعبد

مكتسب، ولم يجعل لقدرة العبد أثرا في الفعل بل القدرة والمقدور واقعان بقدرةالله تعالى، وهذا االقتران هو الكسب، وفسر القاضي الكسب بأن ذات الفعل واقعة

بقدرة الله تعالى، وكونه طاعة ومعصية صفتان واقعتان بقدرة العبد. وقال أبو إسحاقاإلسفرايني من األشاعرة: إن الفعل واقع بمجموع القدرتين. والمصنف التجأ إلى

--------------------(١) في غير واحد من كتب الملل والنحل: وحفص بن الفرد. والفرد بالفاء، وبالقاء تصحيف.

قال األستاذ في شرحه على التجريد بالفارسية ما هذا لفظه: وحفص القرد يعني بوزينه لقباست. أقول الظاهر أن تحريف الفرد بالقرد نشأ من تكفير الشافعي إياه. وفي أول المقالة

الخامسة من الفن الثالث من الفهرست البن النديم (ص ٢٢٩ ط رضا تجدد): وكان حفصالفرد من المجبرة من أكابرهم نظيرا للنجار. ويكنى أبا عمرو. وكان من أهل مصر، قدم

البصرة فسمع بأبي الهذيل واجتمع معه وناظره فقطعه أبو الهذيل، وكان أوال معتزليا ثم قالبخلق األفعال وكان يكنى أبا يحيى، ثم عد كتبه.

وفي لسان الميزان للعسقالني (ص ٣٣٠ ج ١ ط حيدرآباد، الترجمة رقم ١٣٥٥) حفص القرد(معجمة بالقاف) مبتدع. قال النسائي صاحب كالم ال يكتب حديثه وكفره الشافعي في

مناظرته.وفي ميزان االعتدال (١ / ٥٦٤ الترجمة رقم ٢١٤٣) مثل ما في اللسان.

(٤٢٤)

Page 450: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الضرورة هاهنا فإنا نعلم بالضرورة الفرق بين حركة الحيوان اختيارا وبين حركةالحجر الهابط، ومنشأ الفرق هو اقتران القدرة في أحد الفعلين به وعدمه في اآلخر.

قال: والوجوب للداعي (١) ال ينافي القدرة كالواجب.أقول: لما فرغ من تقرير المذهب شرع في الجواب عن شبه الخصم، وتقريرالشبهة األولى أن صدور الفعل من المكلف إما أن يقارن تجويز ال صدوره أو

امتناع ال صدوره، والثاني يستلزم الجبر واألول إما أن يترجح منه الصدور على الصدوره لمرجح أو ال لمرجح، والثاني يلزم منه الترجيح ألحد طرفي الممكن من

غير مرجح وهو محال، واألول يستلزم التسلسل أو االنتهاء إلى ما يجب معهالترجيح، وهو ينافي التقدير ويستلزم الجبر.

والجواب أن الفعل بالنظر إلى قدرة العبد ممكن وواجب بالنظر إلى داعيهوذلك ال يستلزم الجبر، فإن كل قادر فإنه يجب عنه األثر عند وجود الداعي كما

في حق الواجب تعالى فإن هذا الدليل قائم في حقه تعالى ووجه المخلص ماذكرناه، على أن هذا غير مسموع من أكثرهم حيث جوزوا من القادر ترجيح أحد

مقدوريه على اآلخر من غير مرجح، وبه أجابوا عن الشبهة التي أوردها الفالسفةعليهم، فما أدري لم كان الجواب مسموعا هناك ولم يكن مسموعا هاهنا.

قال: واإليجاد ال يستلزم العلم إال مع اقتران القصد فيكفي االجمال (٢).أقول: هذا الجواب عن شبهة أخرى لهم، وتقريرها أن العبد لو كان موجدا

ألفعال نفسه لكان عالما بها، والتالي باطل فالمقدم مثله، والشرطية ظاهرة. وبيانبطالن التالي أنا حال الحركة نفعل حركات جزئية ال نعقلها وإنما نقصد الحركة

إلى المنتهى وإن لم نقصد جزئيات تلك الحركة.--------------------

(١) كما في (ق ش د ز) وفي (م ت): والوجوب الداعي. وفي (ص): والوجوب والداعي.والشرح يوافق ما اخترناه وهي النسخ األربع المذكورة.

(٢) كما في (م د). والنسخ األخرى: فيكفي االجمالي، مع الياء.

(٤٢٥)

Page 451: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

والجواب أن االيجاد ال يستلزم العلم، فإن الفاعل قد يصدر عنه الفعل بمجردالطبع كاالحراق الصادر عن النار من غير علم فال يلزم من نفي العلم نفي االيجاد،نعم االيجاد مع القصد يستلزم العلم لكن العلم االجمالي كاف فيه وهو حاصل في

الحركات الجزئية بين المبدأ والمنتهى.قال: ومع االجتماع يقع مراده تعالى.

أقول: هذا جواب عن شبهة أخرى لهم، وتقريرها أن العبد لو كان قادرا علىالفعل لزم اجتماع قادرين على مقدور واحد، والتالي باطل فالمقدم مثله، بيان

الشرطية أنه تعالى قادر على كل مقدور، فلو كان العبد قادرا على شئالجتمعت قدرته وقدرة الله تعالى عليه. وأما بطالن التالي فألنه لو أراد الله تعالىإيجاده وأراد العبد إعدامه فإن وقع المرادان أو عدما لزم اجتماع النقيضين، وإن

وقع مراد أحدهما دون اآلخر لزم الترجيح من غير مرجح.والجواب أن نقول: يقع مراد الله تعالى ألن قدرته أقوى من قدرة العبد وهذا

هو المرجح، وهذا الدليل أخذه بعض األشاعرة من الدليل الذي استدل بهالمتكلمون على الوحدانية وهناك يتمشى لتساوي قدرتي اإللهين المفروضين، أما

هنا فال.قال: والحدوث اعتباري.

أقول: هذا جواب عن شبهة أخرى ذكرها قدماء األشاعرة وهي أن الفاعليجب أن يخالف فعله في الجهة التي بها يتعلق فعله وهو الحدوث، ونحن محدثون

فال يجوز أن نفعل الحدوث.(وتقرير الجواب) أن الفاعل ال يؤثر الحدوث ألنه أمر اعتباري ليس بزائد

على الذات وإال لزم التسلسل، وإنما يؤثر في الماهية وهي مغايرة له.قال: وامتناع الجسم لغيره.

(٤٢٦)

Page 452: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: هذا جواب عن شبهة أخرى لهم وهي أنا لو كنا فاعلين في اإلحداثلصح منا إحداث الجسم لوجود العلة المصححة للتعلق وهي الحدوث. والجوابأن الجسم يمتنع صدوره عنا ال ألجل الحدوث حتى يلزم تعميم االمتناع بل إنما

امتنع صدوره عنا ألننا أجسام والجسم ال يؤثر في الجسم على ما مر.قال: وتعذر المماثلة (١) في بعض األفعال لتعذر اإلحاطة.

أقول: هذا جواب عن شبهة أخرى ذكرها قدماؤهم وهي أنا لو كنا فاعلينلصح منا أن نفعل مثل ما فعلناه أوال من كل جهة لوجود القدرة والعلم، والتالي

باطل فالمقدم مثله، وبيان بطالن التالي أنا ال نقدر على أن نكتب في الزمان الثانيمثل ما كتبناه في الزمان األول من كل وجه بل ال بد من تفاوت بينهما في وضع

الحروف ومقاديرها.(وتقرير الجواب) أن بعض األفعال تصدر عنا في الزمان الثاني مثل ما

صدرت في الزمان األول مثل كثير من الحركات واألفعال، وبعضها يتعذر علينافيه ذلك ال ألنه ممتنع ولكن لعدم اإلحاطة الكلية بما فعلناه أوال، فإن مقادير

الحروف إذا لم نضبطها لم يصدر عنا مثلها إال على سبيل االتفاق.قال: وال نسبة في الخيرية بين فعلنا وفعله تعالى.

أقول: هذا جواب عن شبهة أخرى لهم قالوا: لو كان العبد فاعال لإليمان لكانبعض أفعال العبد خيرا من فعله تعالى، ألن اإليمان خير من القردة والخنازير،

والتالي باطل باالجماع فالمقدم مثله.والجواب أن نسبة الخيرية هنا منتفية ألنكم إن عنيتم بأن اإليمان خير أنه

أنفع فليس كذلك ألن األيمان أنما هو فعل شاق مضر على البدن ليس فيه خيرعاجل، وإن عنيتم به أنه خير لما فيه من استحقاق المدح والثواب به بخالف

القردة والخنازير فحينئذ ال يكون اإليمان خيرا بنفسه وإنما الخير هو ما يؤدي إليه--------------------

(١) والحق أن الجواب الحاسم للشبهة هو التحقيق في تجدد األمثال وعدم تكرار التجلي.

(٤٢٧)

Page 453: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

اإليمان من فعل الله تعالى بالعبد وهو المدح والثواب، وحينئذ يكون المدحوالثواب خيرا وأنفع للعبد من القردة والخنازير لكن ذلك من فعله تعالى. (واعلم)

أن هذه الشبهة ركيكة جدا، وإنما أوردها المصنف رحمه الله هنا ألن بعض الثنويةأورد

هذه الشبهة على ضرار بن عمرو فأذعن لها والتزم بالجبر ألجلها.قال: والشكر على مقدمات اإليمان.

أقول: هذا جواب عن شبهة أخرى لهم قالوا: لو كان العبد فاعال لإليمان لماوجب علينا شكر الله تعالى عليه، والتالي باطل باالجماع فالمقدم مثله، والشرطية

ظاهرة فإنه ال يحسن منا شكر غيرنا على فعلنا.والجواب أن الشكر ليس على فعل اإليمان بل على مقدماته من تعريفنا

إياه (١) وتمكيننا منه وحضور أسبابه واألقدار على شرائطه.قال: والسمع متأول ومعارض بمثله والترجيح معنا.

أقول: هذا جواب عن الشبه النقلية بطريق إجمالي، وتقريره أنهم قالوا: قدورد في الكتاب العزيز ما يدل على الجبر كقوله تعالى:

(الله خالق كل شئ)(والله خلقكم وما تعملون) (ختم الله على قلوبهم) (ومن يرد أن يضله يجعل

صدره ضيقا حرجا.والجواب أن هذه اآليات متأولة، وقد ذكر العلماء تأويالتها في كتبهم. وأيضا

فهي معارضة بمثلها وقد صنفها (٢) أصحابنا على عشرة أوجه:أحدها: اآليات الدالة على إضافة الفعل إلى العبد كقوله تعالى: (فويل للذين

يكتبون الكتاب بأيديهم) (إن يتبعون إال الظن) (حتى يغيروا ما بأنفسهم)(بل سولت لكم أنفسكم) (فطوعت له نفسه) (ومن يعمل سوءا يجز به) (كلنفس بما كسبت رهينة) (كل امرئ بما كسب رهين) (ما كان لي عليكم من

--------------------(١) كما في (ص). وفي (ش ز د): وتعريفنا إياه.

(٢) النسخة الثانية: وقد وضعتها، والباقية: وقد صنفها.

(٤٢٨)

Page 454: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

سلطان إال أن دعوتكم فاستجبتم لي) إلى آخرها.الثاني: اآليات الدالة على مدح المؤمنين على اإليمان وذم الكفار على الكفر

والوعد والوعيد كقوله تعالى: (اليوم تجزى كل نفس بما كسبت) (اليوم تجزونبما كنتم تعملون) (وإبراهيم الذي وفى) (وال تزر وازرة وزر أخرى)

(لتجزى كل نفس بما تسعى) (هل تجزون إال ما كنتم تعملون) (من جاءبالحسنة فله عشر أمثالها) (من أعرض عن ذكري) (أولئك الذين اشتروا

الحياة الدنيا) (إن الذين كفروا بعد إيمانهم).الثالث: اآليات الدالة على تنزيه أفعاله تعالى عن مماثلة أفعالنا في التفاوت

واالختالف والظلم كقوله تعالى: (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت) (الذيأحسن كل شئ خلقه) والكفر ليس بحسن وكذا الظلم، (وما خلقنا السماء

واألرض وما بينهما إال بالحق) (إن الله ال يظلم مثقال ذرة) (وما ربك بظالمللعبيد) (وما ظلمناهم) (ال ظلم اليوم) (وال يظلمون فتيال).

الرابع: اآليات الدالة على ذم العباد على الكفر والمعاصي والتوبيخ على ذلككقوله تعالى: (كيف تكفرون بالله) (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى)

(وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم اآلخر) (ما منعك أن تسجد) (فما لهم عنالتذكرة معرضين) (لم تلبسون الحق بالباطل) (لم تصدون عن سبيل الله).

الخامس: اآليات الدالة على التهديد والتخيير كقوله: (فمن شاء فليؤمن ومنشاء فليكفر) (اعملوا ما شئتم) (لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر) (فمن شاءذكره) (فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيال) (فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا) (سيقول

الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا وال آباؤنا) (وقالوا لو شاء الرحمن ماعبدناهم).

السادس: اآليات الدالة على المسارعة إلى األفعال قبل فواتها كقوله تعالى:(وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) (أجيبوا داعي الله) (استجيبوا لله وللرسول)

(٤٢٩)

Page 455: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

(واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم) (وأنيبوا إلى ربكم).السابع: اآليات التي حث الله تعالى فيها على االستعانة به وثبوت اللطف منهكقوله تعالى: (وإياك نستعين) (فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) (استعينوا

بالله) (أو ال يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم ال يتوبون وال هميذكرون) (ولوال أن يكون الناس أمة واحدة) (ولو بسط الله الرزق لعباده)

(فبما رحمة من الله لنت لهم) (إن الصالة تنهى عن الفحشاء والمنكر). الثامن: اآلياتالدالة على استغفار األنبياء (ربنا ظلمنا أنفسنا) (سبحانك

إني كنت من الظالمين) (رب إني ظلمت نفسي) (رب إني أعوذ بك أن أسألكما ليس لي به علم).

التاسع: اآليات الدالة على اعتراف الكفار والعصاة بنسبة الكفر إليهم كقولهتعالى: (ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم - إلى قوله: - بل كنتم مجرمين)

وقوله: (ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين) (كلما القي فيها فوج). العاشر:اآليات الدالة على التحسر والندامة على الكفر والمعصية وطلب

الرجعة كقوله: ٠ وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا منها) (رب ارجعون) (ولوترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم) (أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة)

إلى غير ذلك من اآليات الكثيرة وهي معارضة لما ذكروه (١) على أن الترجيح معنا،ألن التكليف إنما يتم بإضافة األفعال إلينا وكذا الوعد والوعيد والتخويف

واالنذار، وإنما طول المصنف رحمه الله في هذه المسألة ألنها من المهمات.المسألة السابعة

في المتولدقال: وحسن المدح والذم على المتولد يقتضي العلم بإضافته إلينا.

أقول: األفعال تنقسم إلى المباشر والمتولد والمخترع، فاألول هو الحادث--------------------

(١) وفي النسخة الثانية: بما ذكروه.

(٤٣٠)

Page 456: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

ابتداء بالقدرة في محلها. والثاني هو الحادث الذي يقع بحسب فعل آخر كالحركةالصادرة عن االعتماد ويسمونه المسبب ويسمون األول سببا سواء كان الثاني

حادثا في محل القدرة أو في غير محلها. والثالث ما يفعل ال لمحل فاألول مختصبنا والثالث مختص به تعالى والثاني مشترك.

واعلم أن الناس اختلفوا في المتولد هل يقع بنا (١) أم ال؟ فجمهور المعتزلةعلى أنه من فعلنا كالمباشر. وقال معمر: إنه ال فعل للعبد إال اإلرادة وما عداها منالحوادث فهي واقعة بطبع المحل، واالنسان عنده جزء في القلب توجد فيه اإلرادةوما عداها يضيفه إلى طبع المحل. وقال آخرون: ال فعل للعبد إال الفكر وهم بعض

المعتزلة. وقال أبو إسحاق النظام: إن فعل االنسان هي الحركات الحادثة فيه بحسبدواعيه واإلنسان عنده هو شئ منساب (٢) في الجملة، واإلرادة واالعتقادات

حركات القلب، وما يوجد منفصال عن الجملة كالكتابة وغيرها فإنه من فعله تعالىبطبع المحل. وقال ثمامة: إن فعل االنسان هو ما يحدثه في محل قدرته فأما ماتعدى محل القدرة فهو حادث ال محدث له وفعل ال فاعل له. وقالت األشعرية:

المتولد من فعله تعالى، والجماهير من المعتزلة التجأوا في هذا المقام إلى الضرورةفإنا نعلم استناد المتولدات إلينا كالكتابة والحركات وغيرهما من الصنائع،

ويحسن منا مدح الفاعل وذمه كما في المباشر، والمصنف رحمه الله استدل بحسنالمدح والذم على العلم بأنا فاعلون للمتولد ال عليه، ألن الضروريات ال يجوز

االستدالل عليها، نعم يجوز االستدالل على كونها ضرورية إذا لم يكن هذا الحكمضروريا، وجماعة من المعتزلة ذهبوا إلى أنه كسبي واستدلوا بحسن المدح والذم

عليه فلزمهم الدور ألن حسن المدح والذم مشروط بالعلم باالستناد إلينا فلوجعلنا االستناد إلينا مستفادا منه لزوم الدور.

--------------------(١) وفي غير واحدة من النسخ: هل يقع منا.

(٢) وفي (ص) وحدها: هو شئ سار.

(٤٣١)

Page 457: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قال: والوجوب باختيار السبب الحق.أقول: هذا جواب عن إشكال يورد هنا وهو أن يقال: إن المتولد ال يقع

بقدرتنا ألن المقدور هو الذي يصح وجوده وعدمه عن القادر، وهذا المعنى منفيفي المتولد ألن عند اختيار السبب يجب المسبب فال يقع بالقدرة المصححة.والجواب أن الوجوب في المسبب عند اختيار السبب وجوب الحق كما أن

الفعل يجب عند وجود القدرة والداعي وعند فرض وقوعه وجوبا الحقا ال يؤثرفي اإلمكان الذاتي والقدرة فكذا هنا.

قال: والذم في إلقاء الصبي عليه ال على االحراق.أقول: هذا جواب عن شبهة لهم وهي أن المدح والذم ال يدالن على العلم

باستناد المتولد إلينا، فإنا نذم على المتولد وإن علمنا استناده إلى غيرنا، فإنا نذممن ألقى الصبي في النار إذا احترق بها وإن كان المحرق هو الله تعالى.

والجواب أن الذم هنا على االلقاء ال على االحراق، فإن االحراق من الله تعالىعند االلقاء حسن لما يشتمل عليه من األعواض لذلك الصبي ولما فيه من مراعاة

العادات وعدم انتقاضها في غير زمان األنبياء، ووجوب الدية حكم شرعي ال يجبتخصيصه بالفعل فإن الحافر للبئر يلزمه الدية وإن كان الوقوع غير مستند إليه.

المسألة الثامنةفي القضاء والقدر

قال: والقضاء والقدر (١) إن أريد بهما خلق الفعل لزم المحال أو اإللزام صح--------------------

(١) القدر هو تفصيل قضائه. قال قدس سره في شرح الفصل الواحد والعشرين من سابع اإلشارات:إن القضاء عبارة عن وجود جميع الموجودات في العالم العقلي مجتمعة ومجملة على سبيلاالبداع. والقدر عبارة عن وجودها في موادها الخارجية بعد حصول شرائطها مفصلة واحدا

بعد واحد، كما جاء في التنزيل في قوله عز من قائل: (وإن من شئ إال عندنا خزائنه وماننزله إال بقدر معلوم.

وقال الشيخ - رضوان الله عليه -: ويجب أن يكون عالما بكل شئ ألن كل شئ الزم لهبوسط أو غير وسط يتأدى إليه بعينه قدره الذي هو تفصيل قضائه األول تأديا واجبا إذ كان

ما ال يجب ال يكون.

(٤٣٢)

Page 458: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

في الواجب خاصة أو األعالم صح مطلقا وقد بينه أمير المؤمنين عليه السالم في حديثاألصبغ.

أقول: يطلق القضاء على الخلق واالتمام، قال الله تعالى: (فقضاهن سبعسماوات في يومين) أي خلقهن وأتمهن، وعلى الحكم واإليجاب كقوله تعالى:

(وقضى ربك أال تعبدوا إال إياه) أي أوجب وألزم، وعلى اإلعالم واإلخباركقوله تعالى: (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب) أي أعلمناهم وأخبرناهم،

ويطلق القدر على الخلق كقوله تعالى: (وقدر فيها أقواتها) والكتابة كقولالشاعر:

واعلم بأن ذا الجالل قد قدر في الصحف األولى التي كان سطروالبيان كقوله تعالى: (إال امرأته قدرناها من الغابرين) أي بينا وأخبرنا

بذلك.إذا ظهر هذا فنقول لألشعري: ما تعني بقولك: إنه تعالى قضى أعمال العباد

وقدرها، إن أردت به الخلق واإليجاد فقد بينا بطالنه وإن األفعال مستندة إلينا،وإن عني به اإللزام لم يصح إال في الواجب خاصة، وإن عني به أنه تعالى بينهاوكتبها وأعلم أنهم سيفعلونها فهو صحيح، ألنه تعالى قد كتب ذلك أجمع فياللوح المحفوظ وبينه لمالئكته، وهذا المعنى األخير هو المتعين لالجماع على

وجوب الرضا بقضاء الله تعالى وقدره وال يجوز الرضا بالكفر وغيره من القبائحوال ينفعهم االعتذار بوجوب الرضا به من حيث إنه فعله تعالى وعدم الرضا به منحيث الكسب لبطالن الكسب أوال، وثانيا فألنا نقول: إن كان كون الكفر كسبا

بقضائه تعالى وقدره وجب الرضا به من حيث هو كسب وهو خالف قولكم، وإن

(٤٣٣)

Page 459: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

لم يكن بقضاء وقدر بطل استناد الكائنات بأجمعها إلى القضاء والقدر.واعلم أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (١) صلوات الله عليه وسالمه قد

بين معنى القضاء والقدر وشرحهما شرحا وافيا في حديث األصبغ بن نباتة لماانصرف من صفين فإنه قام إليه شيخ فقال له: أخبرنا يا أمير المؤمنين عن مسيرنا

إلى الشام أكان بقضاء الله تعالى وقدره، فقال أمير المؤمنين عليه السالم: والذي فلقالحبة وبرأ النسمة ما وطأنا موطئا وال هبطنا واديا وال علونا تلعة إال بقضاء وقدر،

فقال له الشيخ: عند الله احتسب عنائي ما أرى لي من األجر شيئا، فقال له: مهأيها الشيخ بل عظم الله أجركم في مسيركم وأنتم سائرون وفي منصرفكم وأنتم

منصرفون ولم تكونوا في شئ من حاالتكم مكرهين وال إليها مضطرين، فقالالشيخ: كيف والقضاء والقدر ساقانا، فقال: ويحك لعلك ظننت قضاء الزما وقدراحتما لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والوعد والوعيد واألمر والنهي ولم تأت

الئمة من الله لمذنب وال محمدة لمحسن ولم يكن المحسن أولى بالمدح منالمسئ وال المسئ أولى بالذم من المحسن، تلك مقالة عبدة األوثان وجنود

الشيطان وشهود الزور وأهل العمى عن الصواب، وهم قدرية هذه األمة ومجوسها،أن الله تعالى أمر تخييرا ونهى تحذيرا وكلف يسيرا لم يعص مغلوبا ولم يطعمكرها ولم يرسل الرسل عبثا ولم يخلق السماوات واألرض وما بينهما باطال

(ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار) فقال الشيخ: وما القضاء والقدراللذان ما سرنا إال بهما، فقال: هو األمر من الله تعالى والحكم وتال قوله تعالى:

--------------------(١) راجع في بيان الحديث الوافي للفيض - قدس الله سره - فإنه قد أتى ببيان من المحقق

الخواجة في بيانه وفوائد أخرى مطلوبة جدا (ص ١١٧ ج ١ ط ١). وفيه كان المصراع األخيرهكذا: جزاك ربك باالحسان إحسانا. وفي نسخة: جزاك ربك عنا منه إحسانا. وللشيخ

الكراجكي رضي الله عنه في كنز الفوائد في القضاء والقدر لطائف عذبة (ص ١٦٨ ط ١) وإن شئتفراجع االحتجاج للطبرسي - رضوان الله عليه - (ص ١٠٩ ط ١). وفي باب الرضا

بالقضاء من الوافي أيضا إشارات لطيفة في ذلك (ص ٥٥ ج ٣ ط ١).

(٤٣٤)

Page 460: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

(وقضى ربك أال تعبدوا إال إياه) فنهض الشيخ مسرورا وهو يقول: أنت األمام الذينرجو بطاعته يوم النشور من الرحمن رضوانا

أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا جزاك ربك عنا فيه إحساناقال أبو الحسن البصري ومحمود الخوارزمي: وجه تشبيهه عليه السالم المجبرةبالمجوس من وجوه: أحدها: أن المجوس اختصوا بمقاالت سخيفة واعتقادات

واهية معلومة البطالن وكذلك المجبرة.وثانيها: أن مذهب المجوس أن الله تعالى يخلق فعله ثم يتبرأ منه كما خلق

إبليس ثم انتفى منه وكذلك المجبرة قالوا: إنه تعالى يفعل القبائح ثم يتبرأ منها.وثالثها: أن المجوس قالوا: إن نكاح األخوات واألمهات بقضاء الله وقدره

وإرادته، ووافقهم المجبرة حيث قالوا: إن نكاح المجوس ألخواتهم وأمهاتهمبقضاء الله وقدره وإرادته.

ورابعها: أن المجوس قالوا: إن القادر على الخير ال يقدر على الشر وبالعكس،والمجبرة قالوا: إن القدرة موجبة للفعل غير متقدمة عليه، فاالنسان القادر على

الخير ال يقدر على ضده وبالعكس.المسألة التاسعة

في الهدى والضاللةقال: واإلضالل اإلشارة (١) إلى خالف الحق وفعل الضاللة واالهالك

والهدى مقابل واألوالن منفيان عنه تعالى.أقول: يطلق اإلضالل على اإلشارة إلى خالف الحق وإلباس الحق بالباطل

كما تقول: أضلني فالن عن الطريق، إذا أشار إلى غيره وأوهم أنه هو الطريق،ويطلق على فعل الضاللة في االنسان كفعل الجهل فيه حتى يكون معتقدا خالف

--------------------(١) إسناد اإلضالل إليه سبحانه بالعرض، وقد قررنا بيانه في النكتة السابعة من ألف نكتة ونكتة.

(٤٣٥)

Page 461: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الحق. ويطلق على االهالك والبطالن كما قال تعالى: (فلن يضل أعمالهم) يعنييبطلها. والهدى يقال لمعان ثالثة مقابلة لهذه المعاني فيقال بمعنى نصب الداللةعلى الحق كما تقول: هداني إلى الطريق، وبمعنى فعل الهدى في االنسان حتى

يعتقد الشئ على ما هو به، وبمعنى اإلثابة كقوله تعالى: (سيهديهم) يعنيسيثيبهم، واألوالن منفيان عنه تعالى يعني اإلشارة إلى خالف الحق وفعل الضاللة،

ألنهما قبيحان والله تعالى منزه عن فعل القبيح، وأما الهداية فالله تعالى نصبالداللة على الحق وفعل الهداية الضرورية في العقالء ولم يفعل اإليمان فيهم ألنهكلفهم به ويثيب على اإليمان، فمعاني الهداية صادقة في حقه تعالى إال فعل ما

كلف به، وإذا قيل: إنه تعالى يهدي ويضل فإن المراد به أنه يهدي المؤمنين بمعنىأنه يثيبهم ويضل العصاة بمعنى أنه يهلكهم ويعاقبهم، وقول موسى عليه السالم: إن

هي إال فتنتك فالمراد بالفتنة الشدة والتكليف الصعب، يضل بها من يشاء أييهلك من يشاء وهم الكفار.

المسألة العاشرةفي أنه تعالى ال يعذب األطفال

قال: وتعذيب غير المكلف قبيح وكالم نوح عليه السالم مجاز والخدمة ليست عقوبةله والتبعية في بعض األحكام جائزة.

أقول: ذهب بعض الحشوية إلى أن الله تعالى يعذب أطفال المشركين ويلزماألشاعرة تجويزه والعدلية كافة على منعه، والدليل عليه أنه قبيح عقال فال يصدر

منه تعالى.احتجوا بوجوه: األول: قول نوح عليه السالم: (وال يلدوا إال فاجرا كفارا)

والجواب: أنه مجاز والتقدير أنهم يصيرون كذلك ال حال طفوليتهم. الثاني: قالوا: إنانستخدمه ألجل كفر أبيه فقد فعلنا فيه ألما وعقوبة فال يكون

(٤٣٦)

Page 462: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قبيحا. والجواب أن الخدمة ليست عقوبة للطفل وليس كل ألم ومشقة عقوبة، فإنالفصد والحجامة ألمان وليسا عقوبة، نعم استخدامه عقوبة ألبيه وامتحان له يعوض

عليه كما يعوض على أمراضه.الثالث: قالوا: إن حكم الطفل يتبع حكم أبيه في الدفن ومنع التوارث والصالةعليه ومنع التزويج. والجواب أن المنكر عقابه ألجل جرم أبيه وليس بمنكر أن

يتبع حكم أبيه في بعض األشياء إذا لم يحصل له بها ألم وعقوبة وال ألم له في منعهمن الدفن والتوارث وترك الصالة عليه.

المسألة الحادية عشرةفي حسن التكليف وبيان ماهيته ووجه حسنه وجملة من أحكامه

قال: والتكليف حسن (١) الشتماله على مصلحة ال تحصل بدونه.أقول: التكليف مأخوذ من الكلفة وهي المشقة، وحده إرادة من تجب طاعته

--------------------(١) التكليف يتعلق في العبادة الصفاتية ال الذاتية، وفي مصباح األنس في المقام فوائد نفيسة،

منها قوله: ال تكليف في العبادة الذاتية وليست من نتائج األمر إنما متعلقه الصفاتية رأفة منالله واحتياطا من ميله بجاذب إحدى صفاته من االعتدال الموقوف عليه االستكمال إذ

القلوب وإن كانت مفطورة على معرفته والعبادة له واللجأ إليه فإن الشواغل والغفالت التيهي من خواص هذه النشأة تشغله عن ذكر ما يجب استحضاره فاحتاج إلى التذكير ال جرم

أمره بها وإليه اإلشارة بقوله عليه وآله السالم: كل مولود يولد على الفطرة، الحديث(ص ١٤٩ ط ١).

ثم إن كالمه والتكليف حسن، رد على أصحاب المعارف يشابه قولهم قول البراهمة اآلتي ردعقيدتهم في البحث عن حسن البعثة. قال الطبرسي في مجمع البيان في تفسير قوله سبحانه:

(ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون) (البقرة ١٠٣) وفي هذهاآلية داللة على بطالن قول أصحاب المعارف ألنه نفى ذلك العلم عنهم.

وفي نسخة مخطوطة مصححة من المجمع عندنا فسر أصحاب المعارف في هامشها هكذا:الظاهر أن المراد بأصحاب المعارف الذين يقولون ال حاجة بنا إلى بعثة األنبياء ألن عقولنا

مستقلة بما يحتاج إليه في المعاش والمعاد.

(٤٣٧)

Page 463: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

على جهة االبتداء ما فيه مشقة بشرط اإلعالم ويدخل تحت واجب الطاعةالواجب تعالى والنبي عليه السالم واإلمام والسيد والوالد والمنعم ويخرج البواقي.

وشرطنا االبتداء ألن إرادة هؤالء أنما تكون تكليفا إذا لم يسبقه غيره إلى إرادةما أراده، ولهذا ال يسمى الوالد مكلفا بأمر الصالة ولده لسبق إرادة الله تعالى لها منه.

والمشقة ال بد من اعتبارها ليتحقق المحدود، إذ التكليف مأخوذ من الكلفة.وشرطنا اإلعالم ألن المكلف إذا لم يعلم إرادة المكلف بالفعل لم يكن مكلفا.إذا عرفت هذا فنقول: التكليف حسن ألن الله تعالى فعله والله تعالى ال يفعل

القبيح، ووجه حسنه اشتماله على مصلحة ال تحصل بدونه وهي التعريض لمنافععظيمة ال تحصل بدون التكليف، ألن التكليف إن لم يكن لغرض كان عبثا وهو

محال، وإن كان لغرض فإن كان عائدا إليه تعالى لزم المحال، وإن كان إلى غيرهفإن كان إلى غير المكلف كان قبيحا، وإن كان إلى المكلف فإن كان حصوله ممكنا

بدون التكليف لزم العبث، وإن لم يمكن فإن كان لنفع انتقض بتكليف من علم اللهكفره وإن كان للتعريض فهو المطلوب.

إذا عرفت هذا فنقول: الغرض من التكليف هو التعريض لمنفعة عظيمة ألنهتعريض للثواب، وللثواب منافع عظيمة خالصة دائمة واصلة مع التعظيم والمدح،

وال شك أن التعظيم أنما يحسن للمستحق له، ولهذا يقبح منا تعظيم األطفالواألرذال كتعظيم العلماء، وإنما يستحق التعظيم بواسطة األفعال الحسنة وهي

الطاعات، ومعنى قولنا: إن التكليف تعريض للثواب، أن المكلف جعل المكلفعلى الصفات التي تمكنه الوصول إلى الثواب وبعثه على ما به يصل إليه وعلم أنه

سيوصله إليه إذا فعل ما كلفه.قال: بخالف الجرح ثم التداوي، والمعاوضات والشكر باطل.

أقول: هذه إيرادات على ما اختاره المصنف: األول: أن التكليف للنفع يتنزل

(٤٣٨)

Page 464: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

منزلة من جرح غيره ثم داراه طلبا للدواء (١) وكما أن ذلك قبيح فكذا التكليف.الثاني: أن التكليف طلبا للنفع يتنزل منزلة المعاوضات كالبيوع واإلجارات

وغيرها، وال شك أن المعاوضات تفتقر إلى رضا المتعاوضين حتى أن من عاوضبغير إذن صاحبه فعل قبيحا والتكليف عندكم ال يشترط فيه رضا المكلف.

الثالث: لم ال يجوز أن يكون التكليف شكرا للنعم السابقة؟والجواب عن األول بالفرق من وجهين: أحدهما: أن الجرح مضرة والتكليف

نفسه ليس بمضرة وإنما المشقة في األفعال التي يتناولها التكليف. الثاني: أن الجرحوالتداوي إنزال مضرة ال غرض فيه إال التخلص من تلك المضرة بخالف التكليف.

وعن الثاني أن المراضاة تعتبر في المعاوضات الختالف أغراض الناس فيالتعامل جنسا ووصفا، أما إذا لم يكن هناك معاوضة وبلغ النفع حدا يكون غاية مايطلبه العقالء لم يختلف العقالء في اختيار المشقة بسببه حتى أن العقالء يسفهون

الممتنع منه.وعن الثالث أن الشكر ال يشترط فيه المشقة، والله تعالى قادر على إزالة صفة

المشقة عن هذه األفعال، فلو كان التكليف شكرا لزم العبث في صفة المشقة وألنطلب الفعل الشاق شكرا يخرج النعمة عن كونها نعمة.

قال: وألن النوع محتاج إلى التعاضد المستلزم للسنة النافع استعمالها فيالرياضة وإدامة النظر في األمور العالية، وتذكر اإلنذارات المستلزمة إلقامة

العدل مع زيادة األجر والثواب.أقول: لما ذكر المصنف رحمه الله حسن التكليف على رأي المتكلمين شرع في

طريق االسالميين من الفالسفة فبدأ بذكر الحاجة إلى التكليف، ثم ذكر منافعهالدنيوية واألخروية، وتحقيقه أن نقول: إن الله خلق االنسان مدنيا بالطبع (٢) ال

--------------------(١) كما في النسخة الثالثة وهي الصحيحة، والباقية كلها داواه بالواو وهي عليلة.

(٢) ناظر إلى كلمات الشيخ في الفصل الرابع من النمط التاسع من اإلشارات في إثبات النبوةحيث قال: إشارة لما لم يكن االنسان بحيث يستقل وحده بأمر نفسه.. الخ، بل الشيخ

ناظر في هذا الفصل إلى كالم الشيخ اليوناني زينون الكبير تلميذ ارسطا طاليس في الفصلالرابع من رسالته في المبدأ والمعاد وقد حررها المعلم الثاني أبو نصر الفارابي أتم تحرير وقد

طبعت مع عدة رسائل أخرى للفارابي في حيدرآباد الدكن. قال زينون: النبي يضع السننوالشرائع ويأخذ األمة بالترغيب والترهيب يعرفهم أن لهم إلها مجازيا لهم على أفعالهم،

يثيب الخير ويعاقب على الشر وال يكلفهم بعلم ما ال يحتملونه فإن هذه الرتبة التي هي رتبةالعلم أعلى من أن يصل إليها كل أحد. قال معلمي أرسطا طاليس حكاية عن معلمه أفالطن:

إن شاهق المعرفة أشمخ من أن يطير إليه كل طائر وسرادق البصيرة أحجب من أن يحومحوله كل سائر.

Page 465: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

(٤٣٩)

Page 466: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

كغيره من الحيوانات، ال يمكن أن تبقى أشخاصه وال تحصل لهم كماالتهم إالبالتعاضد والتعاون، ألن األغذية والملبوسات أمور صناعية يحتاج كل منهم إلى

صاحبه في عمل يستعيضه عن عمله له حتى يتم كمال ما يحتاج إليه واجتماعهممع تباين شهواتهم وتغاير أمزجتهم واختالف قواهم المقتضية لألفعال الصادرة

عنهم مظنة التنازع والفساد ووقوع الفتن، فوجب وضع قانون وسنة عادلةيتعادلون بها فيما بينهم، ثم تلك السنة لو استند وضعها إليهم لزم المحذور فوجب

استنادها إلى شخص متميز عنهم بكمال قواه واستحقاقه لالنقياد إليه والطاعة له،وذلك أنما يكون بمعجزات تدل على أنها من عند الله تعالى، ثم من المعلوم

تفاوت أشخاص الناس في قبول الخير والشر والرذائل والنقصان والفضائلبحسب اختالف أمزجتهم وهيئات نفوسهم، فوجب أن يكون هذا الشارع مؤيدا ال

يعجز عن أحكام شريعته في جمهور الناس، بعضهم بالبرهان وبعضهم بالوعظوبعضهم بتأليف القلب وبعضهم بالزجر والقتال، ولما كان النبي ال يتفق في كل

زمان وجب أن تبقى السنن المشروعة إلى وقت اضمحاللها واقتضاء الحكمةاإللهية تجديد غيرها، ففرضت عليهم العبادات المذكرة لصاحب الشرع وكررت

عليهم حتى يستحكم التذكير بالتكرير، فيحصل لهم من تلقي األوامر والنواهياإللهية منافع ثالث: إحداها: رياضة النفس باعتبار اإلمساك عن الشهوات ومنعها

(٤٤٠)

Page 467: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

عن القوة الغضبية المكدرة لصفاء القوة العقلية. الثانية: تعويد النفس النظر فياألمور اإللهية والمطالب العالية وأحوال المعاد والتفكر في ملكوت الله تعالى

وكيفية صفاته وأسمائه وتحقق فيضان الموجودات عنه تعالى متسلسلة فيالترتيب الذي اقتضته الحكمة اإللهية بالبراهين القطعية الخالية عن المغالطة.

والثالثة: تذكرهم ما وعدهم الشارع من الخير والشر األخرويين بحيث ينحفظالنظام المقتضي للتعادل والترافد، ثم زاد الله تعالى لمستعملي الشرائع األجر

والثواب في اآلخرة فهذه مصالح التكليف عند األوائل.قال: وواجب لزجره عن القبائح.

أقول: هذا مذهب المعتزلة وأنكرت األشاعرة ذلك، والدليل على وجوبالتكليف أنه لو لم يكلف الله تعالى من كملت شرائط التكليف فيه لكان مغريابالقبيح، والتالي باطل لقبحه فالمقدم مثله، بيان الشرطية أن الله تعالى إذا أكمل

عقل االنسان وجعل فيه ميال إلى القبيح وشهوة له ونفورا عن الحسن فلو لم يقررفي عقله وجوب الواجب وقبح القبيح والمؤاخذة على االخالل بالواجب وفعلالقبيح لكان وقوع القبيح من المكلف دائما، وإلى هذا أشار بقوله: لزجره عن

القبائح، أي لزجر التكليف عن القبائح.قال: وشرائط حسنه انتفاء المفسدة وتقدمه وإمكان متعلقه وثبوت صفة

زائدة على حسنه وعلم المكلف بصفات الفعل وقدر المستحق وقدرته عليهوامتناع القبيح عليه وقدرة المكلف على الفعل وعلمه به أو إمكانه وإمكان اآللة.أقول: لما ذكر أن التكليف حسن شرع في بيان ما يشترط في حسن التكليف،

وقد ذكر أمورا ال يحسن التكليف بدونها منها ما يرجع إلى نفس التكليف، ومنها مايرجع إلى متعلق التكليف أعني الفعل والمكلف والمكلف.

أما ما يرجع إلى التكليف فأمران: أحدهما: انتفاء المفسدة فيه بأن ال يكونمفسدة لنفس المكلف به في فعل آخر داخل في تكليفه أو مفسدة لمكلف آخر.

(٤٤١)

Page 468: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

والثاني: أن يكون متقدما على الفعل قدرا يتمكن المكلف فيه من االستدالل بهفيفعل الفعل في الوقت الذي يجب إيقاعه فيه.

وأما ما يرجع إلى الفعل فأمران: أحدهما: إمكان وجوده. والثاني: كون الفعل قداشتمل على صفة زائدة على حسنه بأن يكون واجبا أو مندوبا، وإن كان التكليف

ترك فعل فإما أن يكون الفعل قبيحا أو يكون اإلخالل به أولى من فعله.وأما ما يرجع إلى المكلف فأن يكون عالما بصفات الفعل لئال يكلف إيجاد

القبيح وترك الواجب، وأن يكون عالما بقدر ما يستحق على الفعل من الثواب لئاليخل ببعضه، وأن يكون القبيح ممتنعا عليه لئال يخل بالواجب فال يوصل الثواب

إلى مستحقه.وأما ما يرجع إلى المكلف فأن يكون قادرا على الفعل وأن يكون عالما به أو

متمكنا من العلم به وإمكان اآللة أو حصولها إن كان الفعل ذا آلة.قال: ومتعلقه إما علم إما عقلي أو سمعي وإما ظن وإما عمل.

أقول: متعلق التكليف قد يكون علما وقد يكون عمال، أما العلم فقد يكونعقليا محضا نحو العلم بوجود الله تعالى وكونه قادرا عالما إلى غير ذلك من

المسائل التي (١) يتوقف السمع عليها، وقد يكون سمعيا نحو التكاليف السمعية.وأما الظن فنحو كثير من األمور الشرعية كظن القبلة وغيرها. وأما العمل فقد يكونعقليا كرد الوديعة وشكر المنعم وبر الوالدين وقبح الظلم والكذب وحسن التفضل

والعفو، وقد يكون سمعيا كالصالة وغيرها، وهذه األفعال تنقسم إلى الواجبوالمندوب والحرام والمكروه.

قال: وهو منقطع لالجماع وإليصال الثواب.أقول: يريد أن التكليف منقطع، ويدل عليه االجماع والمعقول، أما االجماعفظاهر إذ االتفاق بين المسلمين وغيرهم واقع على أن التكليف منقطع، وأما

--------------------(١) وفي عدة نسخ: إلى غير ذلك من الصفات التي.

(٤٤٢)

Page 469: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

المعقول فنقول: لو كان التكليف دائما لم يمكن إيصال الثواب إلى المطيع، والتاليباطل قطعا فالمقدم مثله، بيان الشرطية أن التكليف مشروط بالمشقة، والثواب

مشروط بخلوصه عن األكدار والمشاق، والجمع بينهما محال وال بد من تراخ بينالتكليف والثواب وإال لزم االلجاء.

قال: وعلة حسنه عامة.أقول: لما بين أوال حسن التكليف مطلقا شرع في بيان حسنه في حق الكافر،

والدليل عليه أن العلة في حسن التكليف وهي التعريض للثواب عامة في حقالمؤمن والكافر فكان التكليف حسنا فيهما وهو ظاهر.

قال: وضرر الكافر من اختياره.أقول: هذا جواب عن سؤال مقدر، وتقريره أن تكليف الكافر ضرر محض المصلحة فيه فال يكون حسنا، بيان المقدمة األولى أن التكليف نوع مشقة في

العاجل وحصل العقاب بتركه وهو ضرر عظيم فانتفت المصلحة فيه إذ ال ثواب لهفكان قبيحا قطعا.

والجواب: أن التكليف نفسه ليس بضرر وال يستلزم من حيث هو تكليفضررا وإال لكان تكليف المؤمن كذلك، بل الضرر أنما نشأ من سوء اختيار الكافر

لنفسه.قال: وهو مفسدة ال من حيث التكليف بخالف ما شرطناه.

أقول: الذي يخطر لنا في تحليل هذا الكالم أنه جواب عن سؤال مقدر أيضاوهو أن يقال: إنكم شرطتم في التكليف أن ال يكون مفسدة للمكلف وال لغيره،

وهذا التكليف يستلزم الضرر بالمكلف فيكون قبيحا، كما أن تكليف زيد لو استلزممفسدة راجعة إلى عمرو كان قبيحا.

والجواب: أن الضرر هنا مفسدة ال من حيث التكليف بل من حيث اختيارالمكلف على ما تقدم بخالف ما شرطناه أعني انتفاء المفسدة الالزمة للتكليف.

(٤٤٣)

Page 470: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قال: والفائدة ثابتة.أقول: هذا جواب عن سؤال مقدر، وتقريره أن تكليف الكافر ال فائدة فيه،

ألن الفائدة من التكليف هي الثواب وال ثواب له فال فائدة في تكليفه فكان عبثا.والجواب ال نسلم أن الفائدة هي الثواب بل التعريض له وهو حاصل في حقه

كالمؤمن.المسألة الثانية عشرة

في اللطف وماهيته وأحكامهقال: واللطف واجب لتحصيل الغرض به (١).

أقول: اللطف هو ما يكون المكلف معه أقرب إلى فعل الطاعة وأبعد من فعلالمعصية ولم يكن له حظ في التمكين ولم يبلغ حد االلجاء.

واحترزنا بقولنا: ولم يكن له حظ في التمكين عن اآللة، فإن لها حظا فيالتمكين وليست لطفا.

وقولنا: ولم يبلغ حد االلجاء، ألن االلجاء ينافي التكليف واللطف ال ينافيه.هذا اللطف المقرب.

وقد يكون اللطف محصال وهو ما يحصل عنده الطاعة من المكلف على سبيلاالختيار، ولواله لم يطع مع تمكنه في الحالين، وهذا بخالف التكليف الذي يطيععنده ألن اللطف أمر زائد على التكليف فهو من دون اللطف يتمكن بالتكليف من

أن يطيع أو ال يطيع، وليس كذلك التكليف ألن عنده يتمكن من أن يطيع وبدونه اليتمكن من أن يطيع أو ال يطيع، فلم يلزم أن يكون التكليف الذي يطيع عنده لطفا.

إذا عرفت هذا فنقول: اللطف واجب خالفا لألشعرية، والدليل على وجوبهأنه يحصل غرض المكلف فيكون واجبا وإال لزم نقض الغرض، بيان المالزمة أن

--------------------(١) كما في (م ص ز ق). والباقية: ليحصل الغرض به.

(٤٤٤)

Page 471: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

المكلف إذا علم أن المكلف ال يطيع إال باللطف، فلو كلفه من دونه كان ناقضالغرضه كمن دعا غيره إلى طعام وهو يعلم أنه ال يجيبه إال إذا فعل معه نوعا من

التأدب، فإذا لم يفعل الداعي ذلك النوع من التأدب كان ناقضا لغرضه، فوجوباللطف يستلزم تحصيل الغرض.

قال: فإن كان من فعله تعالى وجب عليه وإن كان من المكلف وجب أن يشعرهبه ويوجبه وإن كان من غيرهما شرط في التكليف العلم بالفعل.

أقول: لما ذكر وجوب اللطف شرع في بيان أقسامه وهو ثالثة: األول: أنيكون من فعل الله تعالى، فهذا يجب على الله تعالى فعله لما تقدم. الثاني: أن يكونمن فعل المكلف، فهذا يجب على الله تعالى أن يعرفه إياه ويشعره به ويوجبه عليه.الثالث: أن يكون من فعل غيرهما، فهذا ما يشترط في التكليف بالملطوف فيه العلم

بأن ذلك الغير يفعل اللطف.قال: ووجوه القبح منتفية والكافر ال يخلو من لطف واألخبار

بالسعادة والشقاوة ليس مفسدة.أقول: لما ذكر أقسام اللطف شرع في االعتراضات على وجوبه مع الجواب

عنها، وقد أورد من شبهات األشاعرة ثالثة:األولى: قالوا: اللطف أنما يجب إذا خال من جهات المفسدة ألن جهات

المصلحة ال تكفي في الوجوب ما لم تنتف جهات المفسدة، فلم ال يجوز أن يكوناللطف الذي توجبونه مشتمال على جهة قبح ال تعلمونه فال يكون واجبا. وتقرير

الجواب أن جهات القبح معلومة لنا ألنا مكلفون بتركها وليس هنا وجه قبحوليس ذلك استدالال بعدم العلم على العلم بالعدم.

الثانية: أن الكافر إما أن يكلف مع وجود اللطف أو مع عدمه، واألول باطلوإال لم يكن لطفا ألن معنى اللطف هو ما حصل الملطوف فيه عنده، والثاني إما أن

يكون عدمه لعدم القدرة عليه فيلزم تعجيز الله تعالى وهو باطل، أو مع وجودها

(٤٤٥)

Page 472: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

فيلزم االخالل بالواجب. والجواب أن اللطف ليس معناه هو ما حصل الملطوففيه فإن اللطف لطف في نفسه سواء حصل الملطوف فيه أو ال بل كونه لطفا من حيث

إنه يقرب إلى الملطوف فيه ويرجح وجوده على عدمه، وامتناع ترجيحه أنمايكون لمعارض أقوى هو سوء اختيار المكلف فيكون اللطف في حقه مرجوحا.

ويمكن أن يكون ذلك جوابا عن سؤال آخر لهم، وتقريره أن اللطف لو كانواجبا لم تقع معصية من مكلف أصال ألنه تعالى قادر على كل شئ، فإذا قدر

على اللطف لكل مكلف في كل فعل لم تقع معصية ألنه تعالى ال يخل بالواجبلكن الكفر والمعاصي موجودة. وتقرير الجواب أن نقول: إنما يصح أن يقال: يجب

أن يلطف للمكلف إذا كان له لطف يصلح عنده وال استبعاد في أن يكون بعضالمكلفين ال لطف له سوى العلم بالمكلف والثواب مع الطاعة والعقاب مع المعصية

والكافر له هذا اللطف.الثالثة: أن األخبار بأن المكلف من أهل الجنة أو من أهل النار مفسدة ألنه

إغراء بالمعاصي وقد فعله تعالى وهو ينافي اللطف. والجواب أن األخبار بالجنةليس إغراء مطلقا لجواز أن يقترن به من األلطاف ما يمتنع عنده من اإلقدام على

المعصية وإذا انتفى كونه إغراء على هذا التقدير بطل قولهم إنه مفسدة على اإلطالقوأما األخبار بالنار فليس مفسدة أيضا ألن األخبار إن كان للجاهل كأبي لهب

انتفت المفسدة فيه ألنه ال يعلم صدق إخباره تعالى فال يدعوه ذلك إلى اإلصرارعلى الكفر، وإن كان عارفا كإبليس لم يكن إخباره تعالى بعاقبته (١) داعيا إلىاالصرار على الكفر ألنه يعلم أنه بإصراره عليه يزداد عقابه فال يصير مغريا عليه.

قال: ويقبح منه تعالى التعذيب مع منعه دون الذم.أقول: المكلف إذا منع المكلف من اللطف قبح منه عقابه ألنه بمنزلة األمر

بالمعصية والملجئ إليها، كما قال الله تعالى: (ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله--------------------

(١) وفي (ص ش): إخباره تعالى بمعاقبته.

(٤٤٦)

Page 473: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

لقالوا ربنا لوال أرسلت إلينا رسوال) فأخبر أنهم لو منعهم (١) اللطف في بعثهالرسول لكان لهم أن يسألوا بهذا السؤال وال يكون لهم هذا السؤال إال مع قبح

إهالكهم من دون البعثة وال يقبح ذمه ألن الذم حق مستحق على القبيح غيرمختص بالمكلف بخالف العقاب المستحق للمكلف، ولهذا لو بعث االنسان غيرهعلى فعل القبيح ففعله لم يسقط حق الباعث من الذم كما أن إلبليس ذم أهل النار

وإن كان هو الباعث على المعاصي.قال: وال بد من المناسبة وإال ترجح بال مرجح بالنسبة إلى المنتسبين.

أقول: لما فرغ من االعتراضات على وجوب اللطف شرع في ذكر أحكامهوقد ذكر منها خمسة: األول: أنه ال بد وأن يكون بين اللطف والملطوف فيه

مناسبة، والمراد بالمناسبة هنا كون اللطف بحيث يكون حصوله داعيا إلى حصولالملطوف فيه، وهذا ظاهر ألنه لوال ذلك لم يكن كونه لطفا أولى من كون غيرهلطفا فيلزم الترجيح من غير مرجح، ولم يكن كونه لطفا في هذا الفعل أولى من

كونه لطفا في غيره من األفعال وهو ترجيح من غير مرجح أيضا، وإلى هذين أشاربقوله: وإال ترجح بال مرجح بالنسبة إلى المنتسبين، وعنى بالمنتسبين اللطف

والملطوف فيه، هذا ما فهمناه من هذا الكالم.قال: وال يبلغ اإللجاء.

أقول: هذا الحكم الثاني من أحكام اللطف وهو أن ال يبلغ في الدعاء إلىالملطوف فيه إلى حد االلجاء، ألن الفعل الملجئ إلى فعل آخر يشبه اللطف فيكون كل منهما داعيا إلى الفعل غير أن المتكلمين ال يسمون الملجئ إلى الفعل

لطفا، فلهذا شرطنا في اللطف زوال االلجاء عنه إلى الفعل.قال: ويعلم الملكف اللطف إجماال أو تفصيال.

--------------------(١) كما في (م ص). والباقية: فأخبر أنه لو منعهم.

(٤٤٧)

Page 474: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: هذا هو الحكم الثالث من أحكام اللطف وهو وجوب كونه معلوماللمكلف إما باالجمال أو بالتفصيل، ألنه إذا لم يعلمه ولم يعلم الملطوف فيه ولميعلم المناسبة بينهما لم يكن داعيا له إلى الفعل الملطوف فيه (١) فإن كان العلم

االجمالي كافيا في الدعاء إلى الفعل لم يجب التفصيل كما يعلم على الجملة كوناأللم الواصل إلى البهيمة لطفا لنا وإن كان اللطف ال يتم إال بالتفصيل وجب حصوله

ويكفي العلم االجمالي في المناسبة التي بين اللطف والملطوف فيه.قال: ويزيد اللطف على جهة الحسن.

أقول: هذا هو الحكم الرابع وهو كون اللطف مشتمال على صفة زائدة علىالحسن من كونه واجبا كالفرائض أو مندوبا كالنوافل هذا فيما هو من فعلنا، وأما

ما كان من فعله تعالى فقد بينا وجوبه في حكمته.قال: ويدخله التخيير.

أقول: هذا هو الحكم الخامس وهو أن اللطف ال يجب أن يكون معينا بليجوز أن يدخله التخيير بأن يكون كل واحد من الفعلين قد اشتمل على جهة من

المصلحة المطلوبة من اآلخر فيقوم مقامه ويسد مسده، أما في حقنا فكما فيالكفارات الثالث، وأما في حقه تعالى فلجواز أن يخلق لزيد ولدا يكون لطفا له

وإن كان يجوز حصول اللطفية بخلق ولد غير ذلك الولد من أجزاء غير أجزاء الولداألول وعلى صورة غير صورته، وحينئذ ال يجب أحد الفعلين بعينه بل يكون

حكمه حكم الواجب المخير.قال: بشرط حسن البدلين (٢).

أقول: لما ذكر أن اللطف يجوز أن يدخله التخيير نبه على شرط كل واحد من--------------------

(١) كما في (م) والباقية: إلى فعل الملطوف فيه.(٢) كما في جميع النسخ التي عندنا، وكذا في شرح القوشجي وشرح القديم، ولكن في (ت):

بشرط حسن التذكير. والظاهر أن التذكير تحريف البدلين فإنه ال معنى للتذكير.

(٤٤٨)

Page 475: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

البدلين أعني اللطف وبدله، وأطلق على كل واحد منهما اسم البدل بالنظر إلىصاحبه، إذ ليس أحدهما باألصالة أولى من اآلخر، وذلك الشرط كون كل واحد

منهما حسنا ليس فيه وجه قبح، وهذا مما لم تتفق اآلراء عليه فإن جماعة منالعدلية ذهبوا إلى تجويز كون القبيح كالظلم منا لطفا قائما مقام إمراض الله تعالى.

واستدلوا بأن وجه كون األلم من فعله تعالى لطفا هو حصول المشاق وتذكرالعقاب وذلك حاصل بالظلم منا فجاز أن يقوم مقامه. وهذا ليس بجيد ألن كونهلطفا جهة وجوب والقبيح ليس له جهة وجوب واللطف إنما هو في علم المظلوم

بالظلم ال في نفس الظلم، كما نقول: إن العلم بحسن ذبح البهيمة لطف لنا وإن لميكن الذبح نفسه لطفا.

المسألة الثالثة عشرةفي األلم ووجه حسنه

قال: وبعض األلم قبيح يصدر منا خاصة وبعضه حسن يصدر منه تعالى ومناوحسنه إما الستحقاقه أو الشتماله على النفع أو دفع الضرر الزائدين أو لكونه

عاديا أو على وجه الدفع.أقول: في هذا الكالم مباحث: األول: في مناسبة هذا البحث وما بعده لما قبله.

إعلم أنا قد بينا وجوب األلطاف والمصالح وهي ضربان: مصالح في الدينومصالح في الدنيا أعني المنافع الدنياوية، ومصالح الدين إما مضار أو منافع،

والمضار منها آالم وأمراض وغيرها كاآلجال والغالء، والمنافع الصحة والسعة فيالرزق والرخص، فألجل هذا بحث المصنف رحمه الله عقيب اللطف عن هذه األشياء،

ولما كانت اآلالم تستلزم األعواض وجب البحث عنها أيضا.البحث الثاني: اختلف الناس في قبح األلم وحسنه، فذهبت الثنوية إلى قبح

جميع اآلالم، وذهبت المجبرة إلى حسن جميعها من الله تعالى، وذهبت البكريةوأهل التناسخ والعدلية إلى حسن بعضها وقبح الباقي.

(٤٤٩)

Page 476: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

البحث الثالث: في علة الحسن، اختلف القائلون بحسن بعض األلم في وجهالحسن، فقال أهل التناسخ: إن علة الحسن هي االستحقاق ال غير ألن النفوس

البشرية إذا كانت في أبدان قبل هذه األبدان وفعلت ذنوبا استحقت األلم عليها،وهذا أيضا قول البكرية. وقالت المعتزلة: إنه يحسن عند شروط: أحدها: أن يكونمستحقا، وثانيها: أن يكون فيها نفع عظيم يوفى عليها، وثالثها: أن يكون فيها دفعضرر أعظم منها، ورابعها: أن يكون مفعوال على مجرى العادة كما يفعله الله تعالىبالحي إذا ألقيناه في النار، وخامسها: أن يكون مفعوال على سبيل الدفع عن النفس

كما إذا آلمنا (١) من يقصد قتلنا، ألنا متى علمنا اشتمال األلم على أحد هذهالوجوه حكمنا بحسنه قطعا.

قال: وال بد في المشتمل على النفع من اللطف.أقول: هذا شرط لحسن األلم المبتدأ الذي يفعله الله تعالى الشتماله على نفع

المتألم وهو كونه مشتمال على اللطف إما للمتألم أو لغيره، ألن خلو األلم عن النفعالزائد الذي يختار المولم معه األلم يستلزم الظلم وخلوه عن اللطف يستلزم العبث

وهما قبيحان فال بد من هذين االعتبارين في هذا النوع من األلم، وهنا اختلفالشيخان فقال أبو علي: إن علة قبح األلم كونه ظلما ال غير فلم يشترط هذا

الشرط. وقال أبو هاشم: إنه يقبح لكونه ظلما أو لكونه عبثا فأوجب في األمراضالتي يفعلها الله تعالى في الصبيان مع األعواض الزائدة اشتمالها على اللطف

لمكلف آخر، ولهذا يقبح منا تخليص الغريق بشرط كسر يده واستيجار من ينزحماء البئر ويقذفه فيها لغير غرض مع توفية األجرة، ويمكن الجواب هنا ألبي علي

بما ذكرناه في كتاب نهاية المرام (٢).قال: ويجوز في المستحق كونه عقابا.

--------------------(١) من اإليالم.

(٢) كتاب نهاية المرام في علم الكالم للعالمة، نسخة منه موجودة في مكتبة المجلس.

(٤٥٠)

Page 477: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: هذا مذهب أبي الحسين البصري فإنه جوز أن تقع األمراض (١) فيالكفار والفساق عقابا للكافر والفاسق، ألنه ألم واصل إلى المستحق فأمكن أن

يكون عقابا ويكون تعجيله قد اشتمل على مصلحة لبعض المكلفين كما فيالحدود. ومنع قاضي القضاة من ذلك وجزم بكون أمراضهم محنا ال عقوبات ألنه

يجب عليهم الرضا والصبر عليها والتسليم وترك الجزع وال يلزمهم ذلك في العقاب.والجواب المنع من عدم اللزوم في العقاب ألن الرضا يطلق على معنيين:

أحدهما: االعتقاد لحسن الفعل وهو مشترك بين العقاب والمحنة، والثاني: موافقةالفعل للشهوة وهذا غير مقدور للعبد (٢) فال يجب في المحنة وال في العقاب، وإذا

كان الرضا بالمعنى األول واجبا في العقاب فكذلك الصبر على ذلك االعتقادواجب بأن ال يظهر خالف الرضا وهو الجزع، ويجب أيضا التسليم بأن يعتقد أنه

لو تمكن من دفع المرض الذي هو مصلحة له ال يدفعه وال يمتنع منه.قال: وال يكفي اللطف في ألم المكلف في الحسن.

أقول: هذا مذهب الشيخين وقاضي القضاة، وجوز بعض المشايخ إدخالاأللم على المكلف إذا اشتمل على اللطف واالعتبار وإن لم يحصل في مقابلته

عوض، ألن األلم كما يحسن لنفع يقابله فكذا يحسن لما يؤدي إليه األلم، ولهذاحسن منا تحمل مشاق السفر لربح يقابل السلعة وال يقابل مشاق السفر، ولما كانمشاق السفر علة في حصول الربح المقابل للسلعة فكذا األلم الذي هو لطف لواله

لما حصل الثواب المقابل للطاعة فحسن فعله وإن خلى عن العوض ألدائه إلىالنفع.

وحجة األوائل أن األلم غير المستحق لوال اشتماله على النفع أو دفع الضرركان قبيحا والطاعة المفعولة ألجل األلم ليست بنفع والثواب المستحق عليها يقابل

--------------------(١) كذا في جميع النسخ التي عندنا إال في (م) ففيها: تقع اآلالم.

(٢) كذا في (م) والباقية: بدون للعبد.

(٤٥١)

Page 478: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الطاعة دون األلم فيبقى األلم مجردا عن النفع وذلك قبيح.قال: وال يحسن مع اشتمال اللذة على لطفيته (١).

أقول: هذا مذهب أبي الحسين البصري خالفا ألبي هاشم، وتقرير مذهب أبيهاشم أنا لو فرضنا اشتمال اللذة على اللطف الذي اشتمل عليه األلم هل يحسن

منه تعالى فعل األلم بالحي ألجل لطف الغير مع العوض الزائد الذي يختاره المتألملو عرض عليه؟ قال أبو هاشم: نعم ألن األلم المشتمل على المنفعة الموفية في

حكم المنفعة عند العقالء، ولهذا ال يعد العقالء مشاق السفر الموصلة إلى األرباحمضارا، وإذا كان األلم في حكم المنفعة صار حصول اللطف في تقدير منفعتينفيتخير الحكيم في أيهما شاء. وأبو الحسين منع ذلك ألن األلم أنما يصير في

حكم المنفعة إذا لم يكن طريق لتلك المنفعة إال ذلك األلم، ولو أمكن الوصول إلىتلك المنفعة بدون ذلك األلم كان ذلك األلم ضررا وعبثا، ولهذا يعد العقالء السفر

ضررا مع حصول الربح بدونه.قال: وال يشترط في الحسن اختيار المتألم بالفعل.

أقول: ال يشترط في حسن األلم المفعول ابتداء من الله تعالى اختيار المتألمللعوض الزائد عليه بالفعل، ألن اعتبار االختيار أنما يكون في النفع الذي يتفاوتفيه اختيار المتألمين، فأما النفع البالغ إلى حد ال يجوز اختالف االختيار فيه فإنه

يحسن وإن لم يحصل االختيار بالفعل وهذا هو العوض المستحق عليه تعالى.المسألة الرابعة عشرة

في األعواضقال: والعوض نفع مستحق خال عن تعظيم وإجالل.

--------------------(١) كما في (ت، م، ص، ق، ز، د، ش) أي باتفاق النسخ كلها.

(٤٥٢)

Page 479: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: لما ذكر حسن األلم المبتدأ مع تعقبه بالعوض الزائد وجب عليه البحثعن العوض وأحكامه وبدأ بتحديده، فالنفع جنس للمتفضل به وللمستحق وقيدالمستحق فصل يميزه عن النفع المتفضل به وقيد الخلو عن التعظيم واالجالل

يخرج به الثواب.قال: ويستحق عليه تعالى بإنزال اآلالم وتفويت المنافع لمصلحة الغير وإنزال

الغموم سواء استندت إلى علم ضروري أو مكتسب أو ظن ال ما تستند إلى فعلالعبد وأمر عباده بالمضار أو إباحته وتمكين غير العاقل.

أقول: هذه الوجوه التي يستحق بها العوض على الله تعالى: األول: إنزالاآلالم بالعبد كالمرض وغيره، وقد سبق بيان وجوب العوض به (١) من حيث

اشتماله على الظلم لو لم يجب العوض.الثاني: تفويت المنافع إذا كانت منه تعالى لمصلحة الغير، ألنه ال فرق بين

تفويت المنافع وإنزال المضار، فلو أمات الله تعالى ابنا لزيد وكان في معلومهتعالى أنه لو عاش النتفع به زيد الستحق عليه تعالى العوض عما فاته من منافعولده، ولو كان في معلومه تعالى عدم انتفاعه به ألنه يموت قبل االنتفاع به لميستحق به عوضا لعدم تفويته المنفعة منه تعالى. وكذلك لو أهلك ماله استحق

العوض بذلك سواء شعر بهالك ماله أو لم يشعر، ألن تفويت المنفعة كإنزال األلمولو آلمه ولم يشعر به الستحق العوض، فكذا إذا فوت عليه منفعة لم يشعر بها،

وعندي في هذا الوجه نظر.الثالث: إنزال الغموم بأن يفعل الله تعالى أسباب الغم، ألن الغم يجري مجرى

الضرر في العقل سواء كان الغم علما ضروريا بنزول مصيبة أو وصول ألم، أو كانظنا بأن يغتم عند أمارة لوصول مضرة أو فوات منفعة، أو كان علما مكتسبا ألن الله

--------------------(١) أي العوض بإنزال اآلالم بالعبد. وفي (م): العوض بها، فالضمير راجع إلى اآلالم، ولكن

األول أنسب بأسلوب الكالم.

(٤٥٣)

Page 480: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

تعالى هو الناصب للدليل والباعث على النظر فيه وكذا هو الناصب ألمارة الظنفلما كان سبب الغم منه تعالى كان العوض عليه، وأما الغم الحاصل من العبد نفسهمن غير سبب منه تعالى نحو أن يبحث العبد فيعتقد جهال نزول ضرر به أو فوات

منفعة فإنه ال عوض فيه عليه تعالى، ولو فعل به تعالى فعال لو شعر به الغتم نحو أنيهلك له ماال وهو ال يشعر به إلى أن يموت فإنه ال يستحق العوض عليه تعالى

ألنه إذا لم يشعر به لم يغتم به.الرابع: أمر الله تعالى عباده بإيالم الحيوان أو أباحه سواء كان األمر لاليجاب

كالذبح في الهدي والكفارة والنذر أو للندب كالضحايا، فإن العوض في ذلك كلهعلى الله تعالى الستلزام األمر واإلباحة الحسن واأللم أنما يحسن إذا اشتمل على

المنافع العظيمة البالغة في العظم حدا يحسن األلم ألجله.الخامس: تمكين غير العاقل مثل سباع الوحش وسباع الطير والهوام، وقد

اختلف أهل العدل هنا على أربعة أقوال: فذهب بعضهم إلى أن العوض على اللهتعالى مطلقا ويعزى هذا القول إلى أبي علي الجبائي. وقال آخرون: إن العوض

على فاعل األلم وهو قول يحكي عن أبي علي أيضا (١). وقال آخرون: ال عوضهنا على الله تعالى وال على الحيوان. وقال قاضي القضاة: إن كان الحيوان ملجأإلى اإليالم كان العوض عليه تعالى وإن لم يكن ملجأ كان العوض على الحيوان

نفسه.احتج األولون بأنه تعالى مكنه وجعل فيه ميال شديدا إلى اإليالم مع إمكان

عدم الميل ولم يجعل له عقال يميز به حسن األلم من قبحه ولم يزجره بشئ منأسباب الزجر مع إمكان ذلك كله، فكان ذلك بمنزلة اإلغراء فلوال تكفله تعالى

بالعوض لقبح منه ذلك.--------------------

(١) كذا في جميع النسخ، وفي (م) يحيى مكان يحكي، ولم نجد يحيى هذا في تراجم الرجالمع طول فحصنا.

(٤٥٤)

Page 481: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

واحتج اآلخرون بقوله عليه السالم: إن الله تعالى ينتصف للجماء من القرناء.واحتج النافون للعوض بقوله عليه السالم: جرح العجماء جبار.

واحتج القاضي بأن التمكين ال يقتضي انتقال العوض من الفاعل إلى الممكنوإال لوجب عوض القتل على صانع السيف بخالف اإللجاء المقتضي الستناد الفعلفي الحقيقة إلى الملجئ، ولهذا يحسن ذمه دون الملجأ، وبأن العوض لو كان عليه

تعالى لما حسن منعها عن األكل.والجواب عن األول أنه ال داللة في الحديث على أنه تعالى ينتصف للجماء

بأن ينقل أعواض القرناء إليها وهو يصدق بتعويض الله تعالى إياها كما أن السيدإذا غرم ما أتلفه عبده يقال: قد أنصف المظلوم من عبده، مع أنه يحتمل المجاز

بتشبيه الظالم لتمكنه من الظلم بالقرناء والمظلوم بالجماء لضعفه.وعن الثاني أن المراد انتفاء القصاص.

وعن الثالث بالفرق، فإن القاتل ممنوع من القتل وعنده اعتقاد عقلي يمنعهعن األقدام عليه، فلهذا لم نقل بوجوب العوض على صانع السيف بخالف السبع.وعن الرابع أنه قد يحسن المنع عن األكل إذا (١) كان لذلك المنع وجه حسن،

كما أنه يحسن منا منع الصبيان عن شرب الخمر ومنع المعاقب عن العقاب.قال: بخالف االحراق (٢) عند األلقاء في النار والقتل عند شهادة الزور.

أقول: إذا طرحنا صبيا في النار فاحترق فإن الفاعل لأللم هو الله تعالىوالعوض علينا نحن، ألن فعل األلم واجب في الحكمة من حيث إجراء العادة والله

تعالى قد منعنا من طرحه ونهانا عنه، فصار الطارح كأنه الموصل إليه األلم فلهذاكان العوض علينا دونه تعالى. وكذلك إذا شهد عند األمام شاهدا زور بالقتل فإن

العوض على الشهود وإن كان الله تعالى قد أوجب القتل واألمام تواله وليس--------------------

(١) كذا في (م). والباقية: قد يحسن المنع منا عن الحسن إذا.(٢) بخالف األحرار (م).

(٤٥٥)

Page 482: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

عليهما عوض ألنهما أوجبا بشهادتهما على اإلمام إيصال األلم إليه من جهةالشرع فصار كأنهما فعاله. (ال يقال) هذا يوجب العوض (١) عليه تعالى ألنه هو

الموجب على اإلمام قتله. (ألنا نقول) قبول الشاهدين عادة شرعية يجبإجراؤها على قانونها كالعادات الحسيات، فكما وجب العوض على الملقي للطفلفي النار قضاء لحق العادة الحسية كذلك وجب العوض هنا على الشاهدين قضاء

لحق العادة الشرعية، والمناط هو الحكمة المقتضية الستمرار العادات.قال: واالنتصاف عليه تعالى واجب عقال وسمعا.

أقول: اختلف أهل العدل في ذلك، فذهب قوم منهم إلى أن االنتصاف للمظلوممن الظالم واجب على الله تعالى عقال ألنه هو المدبر لعباده فنظره كنظر الوالدلولده، فكما يجب على الوالد االنتصاف كذلك يجب عليه تعالى قياسا للغائب

على الشاهد. وقال آخرون منهم: إنه يجب سمعا ألن الوالد يجب عليه تدبيرأوالده وتأديبهم أما االنتصاف بأخذ األرش من الظالم ودفعه إلى المظلوم فال

نسلم وجوبه عقال بل يحسن منا تركهم إلى أن تكمل عقولهم لينتصف بعضهم منبعض، والمصنف رحمه الله اختار وجوبه عقال وسمعا أما من حيث العقل فألن ترك

االنتصاف منه تعالى يستدعي ضياع حق المظلوم ألنه تعالى مكن الظالم وخلىبينه وبين المظلوم مع قدرته تعالى على منعه ولم يمكن المظلوم من االنتصاف،

فلوال تكلفه تعالى باالنتصاف لضاع حق المظلوم وذلك قبيح عقال. وأما من حيثالسمع فلورود القرآن بأنه تعالى يقضي بين عباده ولوصف المسلمين له تعالى

بأنه الطالب أي الذي يطلب حق الغير من الغير.قال: فال يجوز تمكين الظالم من الظلم من دون عوض في الحال يوازي

ظلمه.--------------------

(١) كما في (م) وفي عدة نسخ: هال وجب العوض.

(٤٥٦)

Page 483: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: هذا تفريع علي وجوب االنتصاف وهو أنه هل يجوز تمكين الله (١)تعالى من الظلم من ال عوض له في الحال يوازي ظلمه فمنع منه المصنف رحمة الله

وقداختلف أهل العدل هنا، فقال أبو هاشم والكعبي: إنه يجوز، لكنهما اختلفا فقال

الكعبي: يجوز أن يخرج من الدنيا وال عوض له يوازي ظلمه، وقال: إن الله تعالىيتفضل عليه بالعوض المستحق عليه ويدفعه إلى المظلوم. وقال أبو هاشم: اليجوز بل يجب التبقية ألن االنتصاف واجب والتفضل ليس بواجب فال يجوزتعليق الواجب بالجائز. قال السيد المرتضى: إن التبقية تفضل أيضا فال يجوز

تعليق االنتصاف بها، فلهذا وجب العوض في الحال واختاره المصنف رحمه الله لماذكرناه.

قال: فإن كان المظلوم من أهل الجنة فرق الله تعالى (٢) أعواضه على األوقاتأو تفضل عليه بمثلها وإن كان من أهل العقاب أسقط بها جزءا من عقابه بحيث ال

يظهر له التخفيف بأن يفرق الناقص على األوقات.أقول: لما بين وجوب االنتصاف ذكر كيفية إيصال العوض إلى مستحقه.

(واعلم) أن المستحق للعوض إما أن يكون مستحقا للجنة أو للنار فإن كانمستحقا للجنة فإن قلنا: إن العوض دائم فال بحث، وإن قلنا: إنه منقطع توجه

اإلشكال بأن يقال: لو أوصل العوض إليه ثم انقطع عنه حصل له األلم بانقطاعه.والجواب من وجهين: األول: أنه يوصل إليه عوضه متفرقا على األوقات

بحيث ال يبين له انقطاعه فال يحصل له األلم. الثاني: أن يتفضل الله تعالى عليه بعدانقطاعه بمثله دائما فال يحصل األلم، وإن كان مستحقا للعقاب جعل الله تعالى

عوضه جزءا من عقابه بمعنى أنه يسقط من عقابه بإزاء ما يستحقه من األعواض،--------------------

(١) كما في (م). والنسخ األخرى: هل يجوز أن يمكن الله.(٢) كما في النسخ كلها إال (ت) ففيها: عرف الله تعالى. وكان الشرح على األولى أعني فرق

أنسب من الثانية.

(٤٥٧)

Page 484: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

إذ ال فرق في العقل بين إيصال النفع ودفع الضرر في اإليثار، فإذا خفف عقابهوكانت آالمه عظيمة علم أن آالمه بعد إسقاط ذلك القدر من العقاب أشد وال يظهر

له أنه كان في راحة، أو نقول: إنه تعالى ينقص من آالمه ما يستحقه من أعواضهمتفرقا على األوقات بحيث ال يظهر له الخفة من قبل.

قال: وال يجب دوامه لحسن الزائد بما يختار معه األلم وإن كان منقطعا واليجب حصوله في الدنيا الحتمال مصلحة التأخير، واأللم على القطع ممنوع مع أنه

غير محل النزاع.أقول: لما ذكر وجوب العوض شرع في بيان أحكامه، وقد اختلف الشيخان

هنا فقال أبو علي الجبائي: إنه يجب دوامه. وقال أبو هاشم: ال يجب، واختارهالمصنف رحمه الله، والدليل عليه أن العوض أنما حسن الشتماله على النفع الزائد على

األلم أضعافا يختار معه المولم ألمه، ومثل هذا يتحقق في المنقطع فكان وجهالحسن فيه ثابتا فال تجب إدامته.

وقد احتج أبو علي بوجهين أشار المصنف إلى الجواب عنهما: األول: أنه لوكان العوض منقطعا لوجب إيصاله في الدنيا، ألن تأخير الواجب بعد وجوبه

وانتفاء الموانع منع للواجب، وإنما قلنا بانتفاء الموانع ألن المانع هو الدوام معانقطاع الحياة المانع من دوامه. (والجواب) ال نسلم أن المانع من تقدمه في الدنيا

إنما هو انقطاع الحياة لجواز أن يكون في تأخيره مصلحة خفية.الثاني: لو كان العوض منقطعا لزم دوامه والتالي ال يجامع المقدم، بيان

المالزمة أنه بانقطاعه يتألم صاحب العوض واأللم يستلزم العوض فيلزم منانقطاعه دوامه.

والجواب من وجهين: األول: يجوز انقطاعه من غير أن يشعر صاحبهبانقطاعه إما إليصاله إليه على التدريج في األوقات بحيث ال يشعر بانتفائه لكثرة

غيره من منافعه، أو بأن يجعله ساهيا ثم يقطعه فال يتألم حينئذ. الثاني: أنه غير

(٤٥٨)

Page 485: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

محل النزاع ألن البحث في العوض المستحق على األلم هل يجب إدامته، وليسالبحث في استلزام األلم الحاصل باالنقطاع لعوض آخر وهكذا دائما.

قال: وال يجب إشعار صاحبه بإيصاله عوضا.أقول: هذا حكم آخر للعوض يفارق به الثواب وهو أنه ال يجب إشعار

مستحقه بتوفيته عوضا له بخالف الثواب، إذ يجب في الثواب مقارنة التعظيم والفائدة فيه إال مع العلم به، أما هنا فألنه منافع ومالذ وقد ينتفع ويلتذ من ال يعلم

ذلك، فما يجب إيصاله إلى المثاب في اآلخرة من األعواض يجب أن يكون عالمابه من حيث إنه مثاب ال من حيث إنه معوض، وحينئذ أمكن أن يوفيه الله تعالىفي الدنيا على بعض المعوضين غير المكلفين وأن ينتصف لبعضهم من بعض في

الدنيا فال تجب إعادتهم في اآلخرة.قال: وال يتعين منافعه.

أقول: هذا حكم ثالث للعوض وهو أنه ال يتعين منافعه، بمعنى أنه ال يجبإيصاله في منفعة معينة دون أخرى بل يصلح توفيته بكل ما يحصل فيه شهوة

المعوض، وهذا بخالف الثواب ألنه يجب أن يكون من جنس ما ألفه المكلف منمالذه كاألكل والشرب واللبس والمنكح ألنه رغب به في تحمل المشاق، بخالف

العوض فإنا قد بينا أنه يصح إيصاله إليه وإن لم يعلم أنه عوض عما وصل إليه مناأللم فصح إيصاله إليه بكل منفعة.

قال: وال يصح إسقاطه.أقول: هذا حكم آخر للعوض وهو أنه ال يصح إسقاطه وال هبته ممن وجب

عليه في الدنيا وال في اآلخرة سواء كان العوض عليه تعالى أو علينا، هذا قول أبيهاشم وقاضي القضاة. وجزم أبو الحسين بصحة إسقاط العوض علينا إذا استحلالظالم من المظلوم وجعله في حل بخالف العوض عليه تعالى فإنه ال يسقط ألن

إسقاطه عنه تعالى عبث لعدم انتفاعه به.

(٤٥٩)

Page 486: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

واحتج القاضي بأن مستحق العوض ال يقدر على استيفائه وال على المطالبةبه. وال يعرف مقداره وال صفته فصار كالصبي المولى عليه ال يصح له إسقاط حقه

عن غريمه.والوجه عندي (١) جواز ذلك ألنه حقه وفي هبته نفع للموهوب، ويمكن نقل

هذا الحق إليه فكان جائزا. والحمل على الصبي غير تام ألن الشرع منع الصبي منالتصرف في ماله لمصلحة شرعية حتى أنا لوال الشرع لجوزنا من الصبي المميز

إذا علم دينه، وأن هبته (٢) إحسان إلى الغير وآثر هذا اإلحسان النتفاء الضرر عنهمع اشتماله على االختيار في الهبة ألنه كالبالغ لكن الشرع فرق بينهما، وعلى هذالو كان العوض مستحقا عليه تعالى أمكن هبته مستحقة لغيره من العباد لما ذكرنا

من أنه حقه، وفي هبته انتفاع الموهوب وإمكان نقل هذا الحق، أما الثوابالمستحق عليه تعالى فال يصح منا هبته لغيرنا ألنه مستحق بالمدح فال يصح نقله

إلى من ال يستحقه.قال: والعوض عليه تعالى يجب تزايده إلى حد الرضا عند كل عاقل وعلينا

يجب مساواته.أقول: هذا حكم آخر للعوض وهو أنه إما أن يكون علينا أو عليه تعالى، أما

العوض الواجب عليه تعالى فإنه يجب أن يكون زائدا عن األلم الحاصل بفعله أوبأمره أو بإباحته أو بتمكينه لغير العاقل زيادة تنتهي إلى حد الرضا من كل عاقل

بذلك العوض في مقابلة ذلك األلم لو فعل به، ألنه لوال ذلك لزم الظلم، أما مع مثلهذا العوض فإنه يصير كأنه لم يفعل، وأما العوض علينا فإنه يجب مساواته لما

--------------------(١) هو كالم الشارح العالمة خالف المصنف وأبا هاشم وقاضي القضاة في عدم صحة إسقاط

العوض علينا، واختار رأي أبي الحسين في صحة إسقاط العوض علينا، ثم صرح بالفرق بينالعوض والثواب بأن األول يصح إسقاطه علينا دون الثاني، فتبصر.

(٢) باتفاق النسخ كلها إال (ز) ففيها: من الصبي المميز إذا علم دينه بأن هبته.. الخ، ثم الظاهرأن دينه فتح الدال.

(٤٦٠)

Page 487: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

فعله من األلم أو فوته من المنفعة، ألن الزائد على ما يستحق عليه من الضمانيكون ظلما، وال يخرج ما فعلناه بالضمان عن كونه ظلما قبيحا فال يلزم أن يبلغ

الحد الذي شرطناه في اآلالم الصادرة منه تعالى.المسألة الخامسة عشرة

في اآلجالقال: وأجل الحيوان (١) الوقت الذي علم الله تعالى بطالن حياته فيه.

أقول: لما فرغ من البحث عن األعواض انتقل إلى البحث عن اآلجال، وإنمابحث عنه المتكلمون ألنهم بحثوا عن المصالح واأللطاف، وجاز أن يكون موت

انسان في وقت مخصوص لطفا لغيره من المكلفين فبحثوا عنه بعد بحثهم عنالمصالح. (واعلم) أن األجل هو الوقت، ونعني بالوقت هو الحادث أو ما يقدر

تقدير الحادث، كما يقال: جاء زيد عند طلوع الشمس، فإن طلوع الشمس أمرحادث معلوم لكل أحد فجعل وقتا لغيره، ولو فرض جهالة طلوع الشمس وعلممجئ زيد لبعض الناس صح أن يقال: طلعت الشمس عند مجئ زيد. إذا عرفت

هذا فأجل الحيوان هو الوقت الذي علم الله تعالى بطالن حياة ذلك الحيوان فيه،وأجل الدين هو الوقت الذي جعله الغريمان محال له.

قال: والمقتول يجوز فيه األمران لواله.أقول: اختلف الناس في المقتول لو لم يقتل، فقالت المجبرة: إنه كان يموت

قطعا، وهو قول أبي الهذيل العالف. وقال بعض البغداديين: إنه كان يعيش قطعا.وقال أكثر المحققين: إنه كان يجوز أن يعيش ويجوز أن يموت. ثم اختلفوا فقال

قوم منهم: إن من كان المعلوم منه البقاء لو لم يقتل له أجالن. وقال الجبائيان--------------------

(١) وفي (ت): وأجل الحيوان الموقت الذي على الله تعالى بطالن حياته فيه. والشرح يوافقاألول. وكلمة على في (ت) تحريف علم ألن رسم الخط القديم كان علم قريبا من على.

(٤٦١)

Page 488: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وأصحابهما وأبو الحسين البصري: إن أجله هو الوقت الذي قتل فيه وليس له أجلآخر لو لم يقتل فما كان يعيش إليه ليس بأجل له اآلن حقيقي بل تقديري.واحتج الموجبون لموته بأنه لواله لزم خالف معلوم الله تعالى وهو محال.

واحتج الموجبون لحياته بأنه لو مات لكان الذابح غنم غيره محسنا إليه،ولما وجب القود ألنه لم يفوت حياته.

والجواب عن األول ما تقدم من أن العلم ال يؤثر في المعلوم، وعن الثاني بمنعالمالزمة إذ لو ماتت الغنم استحق مالكها عوضا زائدا على الله تعالى فبذبحه فوت

عليه األعواض الزائدة، والقود من حيث مخالفة الشارع إذ قتله حرام عليه وإنعلم موته، ولهذا لو أخبر الصادق بموت زيد لم يجز ألحد قتله.

قال: ويجوز أن يكون األجل لطفا للغير ال للمكلف.أقول: ال استبعاد في أن يكون أجل االنسان لطفا لغيره من المكلفين وال

يمكن أن يكون لطفا للمكلف نفسه، ألن األجل يطلق على عمره وحياته، ويطلقعلى أجل موته. (أما األول) فليس بلطف ألنه تمكين له من التكليف واللطف

زائد على التمكين، (وأما الثاني) فهو قطع التكليف فال يصح أن يكلف بعده فيكونلطفا له فيما يكلفه من بعد واللطف ال يصح أن يكون لطفا فيما مضى.

المسألة السادسة عشرةفي األرزاق

قال: والرزق ما صح االنتفاع به ولم يكن ألحد منعه منه.أقول: الرزق عند المجبرة ما أكل سواء كان حراما أو حالال، وعند المعتزلة

أنه ما صح االنتفاع به ولم يكن ألحد منع المنتفع به لقوله تعالى: (وأنفقوا ممارزقناكم) والله تعالى ال يأمر باإلنفاق من الحرام، قالوا: وال يوصف الطعام المباحفي الضيافة أنه رزقه ما لم يستهلكه ألن للمبيح منعه قبل استهالكه بالمضغ والبلع،

(٤٦٢)

Page 489: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وكذا طعام البهيمة ليس رزقا لها قبل أن تستهلكه ألن للمالك منعها منه إال إذاوجب رزقها عليه والغاصب إذا استهلك الطعام المغصوب باألكل ال يوصف بأنه

رزقه ألن الله تعالى منعه من االنتفاع به بعد مضغه وبلعه، ألن تصرفاته أجمعمحرمة بخالف من أبيح له الطعام ألنه بعد المضغ والبلع ال يحسن من أحد تفويته

االنتفاع به ألنه معدود فيما تقدم من األسباب المؤدية إلى االنتفاع به. وليسالرزق هو الملك ألن البهيمة مرزوقة وليست مالكة والله تعالى مالك، وال يقال: إن

األشياء رزق له تعالى والولد والعلم رزق لنا وليسا ملكا لنا، فحينئذ األرزاق كلهامن قبله تعالى ألنه خالق جميع ما ينتفع به وهو الممكن من االنتفاع والتوصل إلى

اكتساب الرزق وهو الذي يجعل العبد أخص باالنتفاع به بعد الحيازة أو غيرها مناألسباب الموصلة إليه، ويحظر على غيره منعه من االنتفاع وهو خالق الشهوة التي

بها يتمكن من االنتفاع.قال: والسعي في تحصيله قد يجب ويستحب ويباح ويحرم (١).

أقول: ذهب جمهور العقالء إلى أن طلب الرزق سائغ، وخالف فيه بعضالصوفية الختالط الحرام بالحالل بحيث ال يتميز، وما هذا سبيله يجب الصدقة به

فيجب على الغني دفع ما في يده إلى الفقير بحيث يصير فقيرا ليحل له أخذ األموالالممتزجة بالحرام وألن في ذلك مساعدة للظالمين بأخذ العشور والخراجات

ومساعدة الظالم محرمة. والحق ما قلناه ويدل عليه المعقول والمنقول، أماالمعقول فألنه دافع للضرر فيكون واجبا. وأما المنقول فقوله تعالى: (وابتغوا من

فضل الله) إلى غيرها من اآليات، وقوله عليه السالم: (سافروا تغنموا) أمر بالسفر ألجلالغنيمة.

والجواب عن األول بالمنع من عدم التميز، إذ الشارع ميز الحالل من الحرام--------------------

(١) كذا في النسخ كلها إال في (م) ففيها: ويباح ويكره ويحرم. والشرح على وزان النسخاألولى.

(٤٦٣)

Page 490: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

بظاهر اليد وألن تحريم التكسب من هذه الحيثية يقتضي تحريم التناول والالزمباطل اتفاقا (١)، وعن الثاني أن المكتسب غرضه االنتفاع بزراعته أو تجارته ال

تقوية الظلمة (٢). (إذا عرفت هذا) فالسعي في طلب الرزق قد يجب مع الحاجة،وقد يستحب إذا طلب التوسعة عليه وعلى عياله، وقد يباح مع الغنى عنه، وقد

يحرم مع منعه عن الواجب.المسألة السابعة عشرة

في األسعارقال: والسعر تقدير العوض الذي يباع به الشئ وهو رخص وغالء وال بد من

اعتبار العادة واتحاد الوقت والمكان ويستند (٣) إليه تعالى وإلينا أيضا.أقول: السعر هو تقدير العوض الذي يباع به الشئ وليس هو الثمن وال

المثمن وهو ينقسم إلى رخص وغالء، فالرخص هو السعر المنحط عما جرت بهالعادة مع اتحاد الوقت والمكان، والغالء زيادة السعر عما جرت به العادة معاتحاد الوقت والمكان. وإنما اعتبرنا الزمان والمكان ألنه ال يقال: إن الثلج قدرخص سعره في الشتاء عند نزول الثلج ألنه ليس أوان بيعه، ويجوز أن يقال:

رخص في الصيف إذا نقص سعره عما جرت به عادته في ذلك الوقت، وال يقال:رخص سعره في الجبال التي يدوم نزوله فيها ألنها ليست مكان بيعه، ويجوز أن

يقال: رخص سعره في البالد التي اعتيد بيعه فيها.--------------------

(١) باتفاق النسخ كلها.(٢) وفي (ش): ال معونة الظلمة. وفي (د): ال معونة، نسخة. والنسخ األخرى هي ما اخترناه في

الكتاب.(٣) أي السعر، وإن شئت قلت: كل واحد من الرخص والغالء. وفي (ش ق د): ويستندان، أي

الرخص والغالء، والمال واحد. وفي (م ص ز ت): ويستند. وظاهر الشرح يوافق الوجهين،والنسخ الثانية أمتن من األولى غالبا كما اخترناه.

(٤٦٤)

Page 491: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

(واعلم) أن كل واحد من الرخص والغالء قد يكون من قبله تعالى، بأن يقللجنس المتاع المعين ويكثر رغبة الناس إليه فيحصل الغالء لمصلحة المكلفين، وقد

يكثر جنس ذلك المتاع ويقلل رغبة الناس إليه تفضال منه تعالى وإنعاما أولمصلحة دينية فيحصل الرخص، وقد يحصالن من قبلنا بأن يحمل السلطان الناسعلى بيع تلك السلعة بسعر غال ظلما منه أو الحتكار الناس أو لمنع الطريق خوف

الظلمة أو لغير ذلك من األسباب المستندة إلينا فيحصل الغالء، وقد يحمل السلطانالناس على بيع السلعة برخص ظلما منه أو يحملهم على بيع ما في أيديهم من

جنس ذلك المتاع فيحصل الرخص.المسألة الثامنة عشرة

في األصلحقال: واألصلح قد يجب لوجود الداعي وانتفاء الصارف.

أقول: اختلف الناس هنا، فقال الشيخان أبو علي وأبو هاشم وأصحابهما: إناألصلح ليس بواجب على الله تعالى. وقال البلخي: إنه واجب، وهو مذهب

البغداديين وجماعة من البصريين. وقال أبو الحسين البصري: إنه يجب في حالدون حال، وهو اختيار المصنف رحمه الله. وتحرير صورة النزاع أن الله تعالى إذا علم

لمانتفاع زيد بإيجاد قدر من المال له وانتفاء الضرر به في الدين عنه وعن غيره من

المكلفين هل يجب إيجاد ذلك القدر له أم ال؟ احتج الموجبون بأن لله تعالى داعياإلى إيجاده وليس له صارف عنه، فيجب ثبوته ألن مع ثبوت القدرة ووجود

الداعي وانتفاء الصارف يجب الفعل. وبيان تحقق الداعي أنه إحسان خال عنجهات المفسدة، وبيان انتفاء الصارف أن المفاسد منتفية وال مشقة فيه.

واحتج النفاة بأن وجوبه يؤدي إلى المحال فيكون محاال، بيان المالزمة أنالو فرضنا انتفاء المفسدة في الزائد على ذلك القدر وثبوت المصلحة فإن وجب

(٤٦٥)

Page 492: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

إيجاده لزم وقوع ما ال نهاية له، ألنا نفرض ذلك في كل زائد، وإن لم يجب ثبتالمطلوب.

قال أبو الحسين: إذا كان ذلك القدر مصلحة خالية عن المفسدة وكان الزائدعليه مفسدة وجب عليه أن يعطيه ذلك القدر لوجود الداعي وانتفاء الصارف، وإذا

لم يكن في الزائد مفسدة إلى غير النهاية فإنه تعالى قد يفعل ذلك القدر وقد اليفعله، ألن من دعاه الداعي إلى الفعل وكان ذلك الداعي حاصال في فعل ما يشقفإن ذلك يجري مجرى الصارف عنه فيصير الداعي مترددا بين الداعي والصارففال يجب الفعل وال الترك، وتمثل بأن من دعاه الداعي على دفع درهم إلى فقيرولم يظهر له ضرر في دفعه فإنه يدفعه إليه، فإن حضره من الفقراء جماعة يكون

الدفع إليهم مساويا للدفع إلى األول ويشق عليه الدفع إليهم لحصول الضرر فإنه قديدفع الدرهم إلى الفقير منهم وقد ال يدفعه، فإذا كان حصول الداعي فيما يشق

يقتضي تجويز العدم فحصوله فيما يستحيل وجوده أولى النتفاء الفعل معه، فلهذاقال: قد يجب األصلح في بعض األحوال دون بعض. وللنفاة وجوه أخر ذكرناها

في كتاب نهاية المرام على االستقصاء.

(٤٦٦)

Page 493: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قال:المقصد الرابع

في النبوة

(٤٦٧)

Page 494: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

البعثة حسنة الشتمالها على فوائد كمعاضدة العقل فيما يدل عليه واستفادةالحكم فيما ال يدل وإزالة الخوف واستفادة الحسن والقبح والنافع والضار (١)

وحفظ النوع االنساني وتكميل أشخاصه بحسب استعداداتهم المختلفة وتعليمهمالصنائع الخفية واألخالق والسياسات واألخبار بالعقاب والثواب فيحصل اللطف

للمكلف.أقول: في هذا المقصد مسائل:

المسألة األولىفي حسن البعثة

اختلف الناس في ذلك، فذهب المسلمون كافة وجميع أرباب الملل وجماعةمن الفالسفة إلى ذلك ومنعت البراهمة منه، والدليل على حسن البعثة أنها قد

اشتملت على فوائد وخلت عن المفاسد فكانت حسنة قطعا، وقد ذكر المصنف رحمهالله

جملة من فوائد البعثة:منها: أن يعتضد العقل بالنقل فيما يدل العقل عليه من األحكام كوحدة الصانع

وغيرها، وأن يستفاد الحكم من البعثة فيما ال يدل العقل عليه كالشرائع وغيرها من--------------------

(١) كما في (ق ش د ز ت) وفي (م ص): والمنافع والمضار. ونسخ الشرح القديم موافقةلألولى.

(٤٦٨)

Page 495: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

مسائل األصول.ومنها: إزالة الخوف الحاصل للمكلف عند تصرفاته، إذ قد علم بالدليل العقلي

أنه مملوك لغيره وأن التصرف في ملك الغير بغير إذنه قبيح، فلوال البعثة لما علمحسن التصرفات فيحصل الخوف بالتصرف وبعدمه، إذ يجوز العقل طلب المالك

من العبد فعال ال سبيل إلى فعله إال بالبعثة فيحصل الخوف.ومنها: أن بعض األفعال حسنة وبعضها قبيحة، ثم الحسنة منها ما يستقل العقلبمعرفة حسنه ومنها ما ال يستقل وكذا القبيحة ومع البعثة يحصل معرفة الحسن

والقبح اللذين ال يستقل العقل بمعرفتهما.ومنها: أن بعض األشياء نافعة لنا مثل كثير من األغذية واألدوية وبعضها ضار

لنا مثل كثير من السموم والحشائش والعقل ال يدرك ذلك كله، وفي البعثة تحصلهذه الفائدة العظيمة.

ومنها: أن النوع االنساني خلق ال كغيره من الحيوانات فإنه مدني بالطبعيحتاج إلى أمور كثيرة في معاشه ال يتم نظامه إال بها وهو عاجز عن فعل األكثر

منها إال بمشاركة ومعاونة والتغلب موجود في الطبائع البشرية بحيث يحصلالتنافر المضاد لحكمة االجتماع فال بد من جامع يقهرهم على االجتماع وهو السنة

والشرع، وال بد للسنة من شارع يسنه ويقرر ضوابطها وال بد وأن يتميز ذلكالشخص من غيره من بني نوعه لعدم األولوية، وذلك المائز ال يجوز أن يكون مما

يحصل من بني النوع لوقوع التنافر في التخصيص فال بد وأن يتميز من قبل اللهتعالى بمعجزة ينقاد البشر إلى تصديق مدعيها ويخوفهم من مخالفته ويعدهم على

متابعته بحيث يتم النظام ويستقر حفظ النوع اإلنساني على كماله الممكن له.ومنها: أن أشخاص البشر متفاوتة في إدراك الكماالت وتحصيل المعارف

واقتناء الفضائل، فبعضهم مستغن عن معاون لقوة نفسه وكمال إدراكه وشدةاستعداده لالتصال باألمور العالية، وبعضهم عاجز عن ذلك بالكلية، وبعضهم

متوسط الحال وتتفاوت مراتب الكمال في هذه المرتبة بحسب قربها من أحد

(٤٦٩)

Page 496: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الطرفين وبعدها عن اآلخر، وفائدة النبي تكميل الناقص من أشخاص النوعبحسب استعداداتهم المختلفة في الزيادة والنقصان.

ومنها: أن النوع اإلنساني محتاج إلى آالت وأشياء نافعة في بقائه كالثيابوالمساكن وغيرها وذلك مما يحتاج في تحصيله إلى معرفة عمله والقوة البشرية

عاجزة عنه، ففائدة النبي في ذلك تعليم هذه الصنائع النافعة الخفية.ومنها: أن مراتب األخالق وتفاوتها معلوم يفتقر فيه إلى مكمل بتعليماألخالق والسياسات بحيث تنتظم أمور االنسان بحسب بلده ومنزله.

ومنها: أن األنبياء يعرفون الثواب والعقاب على الطاعة وتركها فيحصلللمكلف اللطف ببعثتهم فتجب بعثتهم لهذه الفوائد.

قال: وشبهة البراهمة باطلة بما تقدم.أقول: احتجت البراهمة على انتفاء البعثة بأن الرسول إما أن يأتي بما يوافق

العقول أو بما يخالفها، فإن جاء بما يوافق العقول لم يكن إليه حاجة وال فائدة فيه،وإن جاء بما يخالف العقول وجب رد قوله. وهذه الشبهة باطلة بما تقدم في أولالفوائد وذلك أن نقول: لم ال يجوز أن يأتوا بما يوافق العقول وتكون الفائدة فيه

التأكيد لدليل العقل؟ أو نقول: لم ال يجوز أن يأتوا بما ال تقتضيه العقول وال تهتديإليه وإن لم يكن مخالفا للعقول؟ بمعنى أنهم ال يأتون بما يقتضي العقل نقيضه مثل

كثير من الشرائع والعبادات التي ال يهتدي العقل إلى تفصيلها.المسألة الثانية

في وجوب البعثةقال: وهي واجبة الشتمالها على اللطف في التكاليف العقلية.

أقول: اختلف الناس هنا، فقالت المعتزلة: إن البعثة واجبة. وقالت األشعرية:إنها غير واجبة. احتجت المعتزلة بأن التكاليف السمعية ألطاف في التكاليف العقلية

(٤٧٠)

Page 497: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

واللطف واجب فالتكليف السمعي واجب، وال تمكن معرفته إال من جهة النبيفيكون وجود النبي واجبا ألن ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب. واستدلوا على

كون التكليف السمعي لطفا في العقلي بأن االنسان إذا كان مواظبا على فعلالواجبات السمعية وترك المناهي الشرعية كان من فعل الواجبات العقلية واالنتهاء

عن المناهي العقلية أقرب، وهذا معلوم بالضرورة لكل عاقل، وقد بينا فيما تقدم أناللطف واجب.المسألة الثالثة

في وجوب العصمةقال: ويجب في النبي العصمة (١) ليحصل الوثوق فيحصل الغرض ولوجوب

متابعته وضدها واإلنكار عليه (٢).أقول: اختلف الناس هنا، فجماعة المعتزلة جوزوا الصغائر على األنبياء إما

على سبيل السهو كما ذهب إليه بعضهم، أو على سبيل التأويل كما ذهب إليه قوممنهم، أو ألنها تقع محبطة بكثرة ثوابهم. وذهبت األشعرية والحشوية إلى أنهيجوز عليهم الصغائر والكبائر إال الكفر والكذب. وقالت اإلمامية: إنه تجبعصمتهم عن الذنوب كلها صغيرها وكبيرها والدليل عليه وجوه: أحدها: إن

الغرض من بعثة األنبياء عليهم السالم أنما يحصل بالعصمة فتجب العصمة تحصيالللغرض.

وبيان ذلك أن المبعوث إليهم لو جوزوا الكذب على األنبياء والمعصية جوزوا في--------------------

(١) الحق أن السفير اإللهي مؤيد بروح القدس، معصوم في جميع أحواله وأطواره وشؤونه قبلالبعثة أو بعدها، فالنبي معصوم في تلقي الوحي وحفظه وإبالغه كما أنه معصوم في أفعالهمطلقا باألدلة العقلية والنقلية فمن أسند إليه الخطأ فهو مخطئ، ومن أسند إليه السهو فهوأولى به. ونقل الروايات واألخبار بل اآليات القرآنية في ذلك يؤدي إلى اإلسهاب وتنزيه

األنبياء لعلم الهدى السيد المرتضى أغنانا عن ورود البحث عن هذه المسائل.(٢) وفي (ق د): لالنكار عليه. والباقية كلها: واالنكار عليه.

(٤٧١)

Page 498: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أمرهم ونهيهم وأفعالهم التي أمروهم باتباعهم فيها ذلك، وحينئذ ال ينقادون إلىامتثال أوامرهم وذلك نقض للغرض من البعثة. الثاني: أن النبي تجب متابعته فإذافعل معصية فإما أن تجب متابعته أو ال، والثاني باطل النتفاء فائدة البعثة واألول

باطل ألن المعصية ال يجوز فعلها، وأشار بقوله: لوجوب متابعته وضدها، إلى هذاالدليل ألنه بالنظر إلى كونه نبيا تجب متابعته، وبالنظر إلى كون الفعل معصية اليجوز اتباعه. الثالث: أنه إذا فعل معصية وجب االنكار عليه لعموم وجوب النهي

عن المنكر وذلك يستلزم إيذاءه وهو منهي عنه، وكل ذلك محال.قال: وكمال العقل والذكاء والفطنة وقوة الرأي وعدم السهو وكلما ينفر عنهمن دناءة اآلباء وعهر األمهات والفظاظة والغلظة واالبنة وشبهها واألكل على

الطريق وشبهه.أقول: يجب أن يكون في النبي هذه الصفات التي ذكرها، وقوله: وكمال العقل،عطف على العصمة أي ويجب في النبي كمال العقل وذلك ظاهر، وأن يكون فيغاية الذكاء والفطنة وقوة الرأي بحيث ال يكون ضعيف الرأي مترددا في األمور

متحيرا، ألن ذلك من أعظم المنفرات عنه، وأن ال يصح عليه السهو لئال يسهو عنبعض ما أمر بتبليغه، وأن يكون منزها عن دناءة اآلباء وعهر األمهات ألن ذلك

منفر عنه، وأن يكون منزها عن الفظاظة والغلظة لئال يحصل النفرة عنه، وأن يكونمنزها عن األمراض المنفرة (١) نحو االبنة وسلس الريح والجذام والبرص وعن

--------------------(١) في خصال الصدوق وخامس البحار في كتاب النبوة (ص ٢٠٤ ط ١).

في خبر القطان عن السكري عن الجوهري عن ابن عمارة عن أبيه عن جعفر بن محمد عنأبيه عليه السالم قال: إن أيوب عليه السالم ابتلى سبع سنين من غير ذنب (بغير ذنب - خ ل) وإن األنبياء

عليهم السالمال يذنبون ألنهم معصومون مطهرون ال يذنبون وال يزيغون وال يرتكبون ذنبا ال صغيرا وال

كبيرا، وقال: إن أيوب عليه السالم من جميع ما ابتلي به لم تنتئن له رائحة وال قبحت له صورة والخرجت منه مدة من دم وال قيح وال استقذره أحد رآه وال استوحش منه أحد شاهده وال تدود

شئ من جسده، وهكذا يصنع الله عز وجل بجميع من يبتليه من أنبيائه وأوليائه المكرمينعليه، وإنما اجتنبه الناس لفقره وضعفه في ظاهر أمره لجهلهم بما له عند ربه تعالى من

التأييد والفرج. وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أعظم الناس بالء األنبياء ثم األمثل فاألمثل، وإنماابتاله الله عز وجل بالبالء العظيم الذي يهون معه على جميع الناس لئال يدعوا له الربوبية إذاشاهدوا ما أراد الله أن يوصله إليه من عظائم نعمه تعالى متى شاهدوه وليستدلوا بذلك على

أن الثواب من الله تعالى على ضربين: استحقاق واختصاص، ولئال يحتقروا ضعيفا لضعفه والفقيرا لفقره وال مريضا لمرضه وليعلموا أنه يسقم من يشاء ويشفي من يشاء متى شاء كيفشاء بأي سبب شاء ويجعل ذلك عبرة لمن شاء وشقاوة لمن شاء وسعادة لمن شاء، وهو

عز وجل في جميع ذلك عدل في قضائه وحكيم في أفعاله ال يفعل بعباده إال األصلح لهم والقوة لهم إال به، إنتهى.

قوله صلى الله عليه وسلم: أعظم الناس بالء األنبياء. ومن ذلك العظم الضر بالضم قال عز من قائل: (وأيوب

Page 499: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين) إذ الضر بالفتح الضر في كل شئ،وبالضم الضرر في النفس، ذكره في الكشاف.

قال علم الهدى في تنزيه األنبياء: فإن قيل أفتصحون ما روي من أن الجذام أصابه حتىتساقطت أعضاؤه؟ قلنا: أما العلل المستقذرة التي تنفر من رآها وتوحشه كالبرص والجذام

فال يجوز شئ منها على األنبياء عليهم السالم ألن النفور ليس بواقف على األمور القبيحة بل قديكون من الحسن والقبح معا وليس ينكر أن يكون أمراض أيوب عليه السالم وأوجاعه ومحنه في

جسمه ثم في أهله وماله بلغت مبلغا عظيما تزيد في الغم واأللم على ما ينال المجذوم وليسينكر تزايد األلم فيه عليه السالم وإنما ينكر ما اقتضى التنفير.

قال في مجمع البيان عند قوله سبحانه: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلبالنفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في األمر فإذا عزمت فتوكل

على الله إن الله يحب المتوكلين) (آل عمران ١٥٩).في هذه اآلية داللة على اختصاص نبينا بمكارم األخالق ومحاسن األفعال، ومن عجيب

أمره صلى الله عليه وسلم أنه كان أجمع الناس لدواعي الترفع ثم كان أدناهم إلى التواضع وذلك أنه كانأوسط الناس نسبا وأوفرهم حسبا وأسخاهم وأشجعهم وأزكاهم وأفصحهم، وهذه كلها من

دواعي الترفع. ثم كان من تواضعه أنه كان يرقع الثوب ويخصف النعل ويركب الحمارويعلف الناضح ويجيب دعوة المملوك ويجلس في األرض ويأكل على األرض وكان يدعو

إلى الله من غير زئر وكهر وال زجر. ولقد أحسن من مدحه في قوله:فما حملت من ناقة فوق ظهرها أبر وأوفى ذمة من محمد

إلى أن قال رحمه الله: وفيها أيضا داللة على ما نقوله في اللطف ألنه سبحانه نبه على أنه لوالرحمته لم يقع اللين والتواضع ولو لم يكن كذلك لما أجابوه فبين أن األمور المنفرة منفية عنه

وعن سائر األنبياء ومن يجري مجراهم في أنه حجة على الخلق، وهذا يوجب تنزيههمأيضا عن الكبائر ألن التنفير في ذلك أكثر.

(٤٧٢)

Page 500: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

كثير من المباحات الصارفة عن القبول منه القادحة في تعظيمه نحو األكل علىالطريق (١) وغير ذلك ألن ذلك كله مما ينفر عنه فيكون منافيا للغرض من البعثة.

المسألة الرابعةفي الطريق إلى معرفة صدق النبي

قال: وطريق معرفة صدقه (٢) ظهور المعجز على يده وهو ثبوت (٣) ما ليسبمعتاد أو نفي ما هو معتاد مع خرق العادة ومطابقة الدعوى.

أقول: لما ذكر صفات النبي وجب عليه ذكر بيان معرفة صدقه وهو شئواحد وهو ظهور المعجز على يده، ونعني بالمعجز ثبوت ما ليس بمعتاد أو نفي ما

هو معتاد مع خرق العادة ومطابقة الدعوى، ألن الثبوت والنفي سواء في اإلعجازفإنه ال فرق بين قلب العصا حية وبين منع القادر على رفع أصغر األشياء. وشرطنا

--------------------(١) في الكافي عن الصادق عليه السالم قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الغداة ومعه كسرة قد

غمسهافي اللبن وهو يأكل ويمشي وبالل يقيم الصالة. وفيه عن أمير المؤمنين عليه السالم: ال بأس أن يأكل

الرجل وهو يمشي وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك. نقله الشيخ بهاء الدين رحمه الله فيالكشكول

(ص ٥٧١ ط ١) فتدبر في الروايتين فإن في األولى ناصا على أنه خرج قبل الغداة فهي تقيدالثانية على وجه ال ينافي التنافر العقلي.

(٢) الحق أنه نفسه دليل لنفسه كما أن الدليل دليل لنفسه أي دليل كل أمر فإنما هو دليل لنفسه.كما أن الوحي إذا أنزل إليه وجبرئيل نزل به على قلبه أدرك النبوة بنفسه وصدقها بذاته إدراكاما اعتراه وسوسة، وتصديقا ما اعتوره دغدغة بل هو على بينة من ربه رأى نبوته على بصيرة

أشد من رؤية الشمس البازغة على بصر.(٣) المعجز أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي مع عدم المعارضة.

(٤٧٤)

Page 501: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

خرق العادة ألن فعل المعتاد أو نفيه ال يدل على الصدق، وقلنا مع مطابقة الدعوىألن من يدعي النبوة ويسند معجزته إلى إبراء األعمى فيحصل له الصمم مع عدم

برء العمى (١) ال يكون صادقا.وال بد في المعجز من شروط: أحدها: أن يعجز عن مثله أو ما يقاربه األمة

المبعوث إليها. الثاني: أن يكون من قبل الله تعالى أو بأمره. الثالث: أن يكون فيزمان التكليف، ألن العادة تنتقض عند أشراط الساعة. الرابع: أن يحدث عقيب

دعوى المدعي للنبوة أو جاريا مجرى ذلك، ونعني بالجاري مجرى ذلك أن يظهردعوى النبي في زمانه وأنه ال مدعي للنبوة غيره ثم يظهر المعجز بعد أن ظهر

معجز آخر عقيب دعواه فيكون ظهور الثاني كالمتعقب لدعواه ألنه يعلم تعلقهبدعواه وأنه ألجله ظهر كالذي ظهر عقيب دعواه. الخامس: أن يكون خارقا للعادة.

المسألة الخامسةفي الكرامات

قال: وقصة مريم (٢) وغيرها تعطي جواز ظهوره على الصالحين.قال: اختلف الناس هنا، فذهب جماعة من المعتزلة إلى المنع من إظهار

--------------------(١) كما في (م) والنسخ األخرى: مع عدم برء عماه.

(٢) حكم حكيم وكالم كامل رصين ألن النفوس االنسانية مجبولة ومفطورة على االعتالء إلىمقاماتها الشامخة التي تعطي المفاتيح وتصرف في مادة الكائنات بإذن الله سبحانه، واألنبياءواألوصياء دعوا ما سواهم من النفوس االنسانية إلى االرتقاء إلى معارجهم كما يناديك بذلك

القرآن الفرقان بقوله السالم الصدق تعالوا، فلوال هذه الشأنية لهم لما وقعوا في محل الخطاببذلك األمر المستطاب، وهم عليهم السالم معصومون في جميع شؤون أحوالهم، فحاشاهم أن يدعوا

الذين ليسوا بمستحقين لذلك الخطاب وقابلين له فإن هذا من أعمال الجهال قال تعالىشأنه: (قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين) (البقرة ٦٨) نعم يجبالفرق في المقام بين النبوة اإلنبائية والنبوة التشريعية على ما حررناهما في سائر رسائلنا،

واإلشارات القرآنية والمأثورات المتظافرة معاضدة على أفصح لسان وأنطق بيان في ذلك.

(٤٧٥)

Page 502: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

المعجز على الصالحين كرامة لهم ومن إظهاره على العكس على الكذابين إظهارالكذبهم، وجوزه أبو الحسين منهم وجماعة أخرى من المعتزلة واألشاعرة وهو

الحق، واستدل المصنف رحمه الله بقصة مريم فإنها تدل على ظهور معجزات عليهاوغيرها مثل قصة آصف وكاألخبار المتواترة المنقولة عن علي عليه السالم وغيره من

األئمة، وحمل المانعون قصة مريم على اإلرهاص لعيسى عليه السالم (١) وقصة آصفعلى أنه معجز لسليمان عليه السالم مع بلقيس كأنه يقول: إن بعض اتباعي يقدر على

هذامع عجزكم عنه، ولهذا أسلمت بعد الوقوف على معجزاته، وقصة علي عليه السالم

علىتكملة معجزات النبي عليه السالم.

قال: وال يلزم خروجه عن األعجاز وال التنفير وال عدم التميز وال إبطال داللتهوال العمومية.

أقول: هذه وجوه استدل بها المانعون من المعتزلة: األول: قالوا: لو جاز ظهورالمعجزة على غير األنبياء إكراما لهم لجاز ظهورها عليهم وإن لم يعلم بها غيرهم،

ألن الغرض هو سرورهم، وإذا جاز ذلك بلغت في الكثرة إلى خروجها عناإلعجاز. والجواب المنع من المالزمة، ألن خروجها عن حد اإلعجاز وجه قبح

ونحن أنما نجوز ظهور المعجزة إذا خال عن جهات القبح فنجوز ظهورها ما لم تبلغفي الكثرة إلى حد خروجها عن اإلعجاز.

الثاني: قالوا: لو جاز ظهور المعجزة على غير النبي لزم التنفير عن األنبياء، إذعلة وجوب طاعتهم ظهور المعجزة عليهم، فإذا شاركهم في ذلك من ال تجب

طاعته هان موقعه، ولهذا لو أكرم (٢) الرئيس بنوع ما كل أحد هان موقع ذلك النوع--------------------

(١) الرهص بالكسر العرق األسفل من الحائط، يقال: رهصت الحائط بما يقيمه، قاله الجوهريفي الصحاح. وفي منتهى اإلرب: رهص بالكسر چينه بن ديوار. واإلرهاص إحداث

معجزات تدل على بعثته وكأنه تأسيس لقاعدة نبوته فكأنه العرق األسفل من الحائط يقال لهالرهص بالنسبة إلى ما يبنى عليه ويأتي بعده.

(٢) أي هان موقع اإلعجاز. والنسخ كلها متفقة على ما اخترناه، وضمير موقعهم كما فيالمطبوعة من قبل راجع إلى األنبياء.

(٤٧٦)

Page 503: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

لمن يستحق االكرام. والجواب بمنع انحطاط مرتبة اإلعجاز كما لو ظهر على نبيآخر فإنه لو لم يظهر إال على نبي واحد لكان موقعه أعظم، فكما ال تلزم اإلهانة مع

ظهوره على جماعة من األنبياء كذا ال تلزم اإلهانة مع ظهوره على الصالحين.الثالث: احتجاج أبي هاشم قال: المعجز يدل بطريق اإلبانة والتخصيص،وفسره قاضي القضاة بأن المعجز يدل على تميز النبي عن غيره، إذ األمة

مشاركون له في االنسانية ولوازمها فلوال المعجز لما تميز عنهم فلو شاركه غيرهفيه لم يحصل االمتياز. والجواب أن امتياز النبي يحصل بالمعجز واقتران دعوىالنبوة، وهذا شئ يختص به دون غيره وال يلزم من مشاركة غيره له في المعجزة

مشاركته له في كل شئ.الرابع: لو جاز إظهار المعجز على غير النبي لبطلت داللته على صدق مدعي

النبوة، والتالي باطل فالمقدم مثله، بيان المالزمة أن ثبوت المعجز في غير صورةالنبوة ينفي اختصاصه بها، وحينئذ ال يظهر الفرق بين مدعي النبوة وغيرها في

المعجز فبطلت داللته، إذ ال داللة للعام على الخاص. (والجواب) المنع منالمالزمة، ألن المعجز مع الدعوى مختص بالنبي، فإذا ظهرت المعجزة على

شخص فإما أن يدعي النبوة أو ال، فإن ادعاها علمنا صدقه إذ اظهار المعجزة علىيد الكاذب قبيح عقال، وإن لم يدع النبوة لم يحكم بنبوته. والحاصل أن المعجزة ال

تدل على النبوة ابتداء بل تدل على صدق الدعوى، فإن تضمنت الدعوى النبوةدلت المعجزة على تصديق المدعي في دعواه ويستلزم ذلك ثبوت النبوة.الخامس: قالوا: لو جاز إظهار المعجز على صادق ليس بنبي لجاز إظهاره

على كل صادق، فجاز إظهار المعجز على المخبر بالجوع والشبع وغيرهما.والجواب ال يلزم (١) العمومية أي ال يلزم إظهار المعجز على كل صادق إذ نحن

أنما نجوز إظهاره على مدعي النبوة أو الصالح إكراما له وتعظيما، وذلك ال يحصل--------------------

(١) النسخ كلها متفقة على ما اخترناه في المقام.

(٤٧٧)

Page 504: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

لكل مخبر بصدق.قال: ومعجزاته عليه السالم قبل النبوة تعطي اإلرهاص.

أقول: اختلف الناس هنا، فالذين منعوا الكرامات منعوا من إظهار المعجزةعلى سبيل االرهاص إال جماعة منهم وجوزه الباقون، واستدل المصنف رحمه الله على

تجويزه بوقوع معجزات الرسول صلى الله عليه وآله قبل النبوة كما نقل من انشقاقإيوان كسرى،

وغور ماء بحيرة ساوا (١)، وانطفاء نار فارس وقصة أصحاب الفيل والغمام الذيكان يظله عن الشمس وتسليم األحجار عليه، وغير ذلك مما ثبت له عليه السالم قبل

النبوة.قال: وقصة مسيلمة وفرعون إبراهيم تعطي جواز إظهار المعجزة على العكس.

أقول: اختلف الناس هنا، فالذين منعوا الكرامات منعوا من إظهار المعجزةعلى يد الكاذبين على العكس من دعواهم إظهارا لكذبهم، واستدل المصنف رحمه الله

بالوقوع على الجواز كما نقل عن مسيلمة الكذاب لما ادعى النبوة، فقيل له: إنرسول الله صلى الله عليه وآله دعا ألعور فرد الله عينه الذاهبة، فدعا ألعور فذهبت عينهالصحيحة. وكما نقل أن إبراهيم عليه السالم لما جعل الله تعالى عليه النار بردا وسالما

قالنمرود عند ذلك (٢): إنما صارت كذلك هيبة مني فجاءته نار في تلك الحال

فأحرقت لحيته.ال يقال: يكفي في التكذيب ترك المعجز عقيب دعواهم فيبقى إظهار المعجز

على العكس خرقا للعادة من غير فائدة فيكون عبثا، ألنا نقول: قد يتضمن--------------------

(١) البحيرة تصغير البحر يعني بها درياچه ساوة، وهي معروفة في زماننا ببحيرة قم.(٢) كما في النسخ كلها إال (ق) ففيها: قال عمه عند ذلك. ولكن كالم الخواجة حيث قال:

وفرعون إبراهيم، يعطي األول. نعم جاءت العبارة في (ق ت) بالواو بعد فرعون، أي:وفرعون وإبراهيم. فعلى هذا الوجه يمكن أن يقال: وقصة عم إبراهيم، فكان فرعون هو

فرعون موسى كما يقال في قصة فرعون موسى إنه قال انفلق البحر هيبة مني فأدركه الغرق.ولكن الصواب هو اإلضافة أي: فرعون إبراهيم، كما في (م ص د ش ز) على أن الشارح لم

يشر إلى فرعون موسى أصال.

(٤٧٨)

Page 505: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

المصلحة إظهاره على العكس إظهارا لتكذيبه في الحال بحيث يزول الشكلتجويز أن يقال: تأخير المعجز عقيب الدعوى قد يكون لمصلحة ثم يوجد بعد

وقت آخر فال يحصل الجزم التام بالتكذيب.المسألة السادسة

في وجوب البعثة في كل وقتقال: ودليل الوجوب يعطي العمومية.

أقول: اختلف الناس هنا، فقال جماعة من المعتزلة: إن البعثة ال تجب في كلوقت بل في حال دون حال وهو ما إذا كانت المصلحة في البعثة. وقال علماء

اإلمامية: إنه تجب البعثة في كل وقت بحيث ال يجوز خلو زمان من شرع نبي.وقالت األشاعرة: ال تجب البعثة في كل وقت ألنهم ينكرون الحسن والقبح

العقليين، وقد مضى البحث معهم. واستدل المصنف رحمه الله على وجوب البعثة فيكل

وقت بأن دليل الوجوب يعطي العمومية، أي دليل وجوب البعثة يعطي عموميةالوجوب في كل وقت ألن في بعثته زجرا عن القبائح وحثا على الطاعة فتكون

لطفا، وألن فيه تنبيه الغافل وإزالة االختالف ودفع الهرج والمرج، وكل ذلك منالمصالح الواجبة التي ال تتم إال بالبعثة فتكون واجبة في كل وقت.

قال: وال تجب الشريعة.أقول: اختلف الشيخان هنا، فقال أبو علي: تجوز بعثة نبي لتأكيد ما في العقولوال يجب أن تكون له شريعة. وقال أبو هاشم وأصحابه: ال يجوز أن يبعث إال

بشريعة ألن العقل كاف في العلم بالعقليات فالبعثة تكون عبثا. والجواب يجوز أنتكون البعثة قد اشتملت على نوع من المصلحة بأن يكون العلم بنبوته ودعائه

إياهم إلى ما في العقول مصلحة لهم فال تكون البعثة عبثا ويجب عليهم النظر في

(٤٧٩)

Page 506: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

معجزته (١) فيحصل لهم مصلحة ال تحصل بدون البعثة. واحتج أبو علي بأنه يجوزبعثة نبي بعد نبي بشريعة واحدة وكذا تجوز بعثة نبي بمقتضى ما في العقول.

المسألة السابعةفي نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله

قال: وظهور معجزة القرآن وغيره مع اقتران دعوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله يدلعلى

نبوته، والتحدي (٢) مع االمتناع وتوفر الدواعي يدل على اإلعجاز، والمنقولمعناه متواترا من المعجزات يعضده.

أقول: لما فرغ من البحث في النبوة مطلقا شرع في إثبات نبوة نبينامحمد عليه السالم، والدليل عليه أنه ظهرت المعجزة على يده وادعى النبوة فيكون

صادقا، أما ظهور المعجزة على يده فلوجهين: األول: أن القرآن معجز (٣) وقد ظهر--------------------

(١) كما في (ص). والباقية: النظر في معجزتهم.(٢) قال الجوهري في الصحاح: تحديت فالنا إذا ماريته في فعل ونازعته الغلبة.

(٣) ال يخفى عليك أن معجزات السفراء اإللهية على قسمين: قولي وفعلي، والقولي أقوىالحجتين على حجيتهم، وقد استوفينا البحث عن ذلك في رسالتنا نهج الوالية (ص ١٩٥ -

٢٠٢ ط ١ من ١١ رسالة فارسي)، فإن شئت فراجعه.ثم إن من معجزاته الفعلية الباقية إلى اآلن قبلة المدينة الطيبة زادها الله تعالى شرفا بيان ذلكيطلب في الدرس السادس والخمسين من كتابنا دروس معرفة الوقت والقبلة (ص ٣٦٥ -

٣٨٤ ط ١).ثم إن معجزته الفعلية األخرى هي بناء جدار مسجده كان يعلم المسلمون من ظله وقت

زوال كل يوم في غاية االستواء والتعديل على أساس رصين علمي بني بنور الله صار دلياللمهرة الفنون الرياضية على استنباط الشكلين الظلي والمغني منه، كما أن نفس بناء الجدار

على ذلك الوجه صار دليال للمراصد الكبار الستعالم الظهر الحقيقي معتقدين بأنه أوثقالطرق وأحسنها وأتقنها لذلك والبحث على االستقصاء عن ذلك يطلب أيضا من الدرس

الثاني والسبعين من كتابنا المذكور. وقد حررناه بالفارسية في رسالتنا (قرآن وإنسان) وفيالنكتة المائة من ألف نكتة ونكتة.

(٤٨٠)

Page 507: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

على يده، أما إعجاز القرآن فألنه تحدى (١) به فصحاء العرب لقوله تعالى: (فأتوابسورة من مثله) (فأتوا بعشر سور مثله مفتريات) (قل لئن اجتمعت األنس

والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ال يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعضظهيرا)، والتحدي مع امتناعهم عن اإلتيان بمثله مع توفر الدواعي عليه إظهارا

لفضلهم وإبطاال لدعواه وسالمة (٢) من القتل يدل على عجزهم وعدم قدرتهم علىالمعارضة. وأما ظهوره على يده فبالتواتر.

الثاني: أنه نقل عنه معجزات كثيرة كنبوع الماء (٣) من بين أصابعه صلى الله عليه وآلهحتى

اكتفى الخلق الكثير من الماء القليل بعد رجوعه من غزاة تبوك.وكعود ماء بئر الحديبية لما استقاه أصحابه بالكلية وتنشف البئر فدفع سهمه

إلى البراء بن عازب فأمره بالنزول وغرزه في البئر فغرزه فكثر الماء في الحالحتى خيف على البراء بن عازب من الغرق.

ونقل عنه عليه السالم في بئر قوم شكوا إليه ذهاب مائها في الصيف فتفل فيها حتىانفجر الماء الزالل منها فبلغ أهل اليمامة ذلك فسألوا مسيلمة لما قل ماء بئرهم ذلك

فتفل فيها فذهب الماء أجمع.ولما نزل قوله تعالى: وأنذر عشيرتك األقربين قال لعلي عليه السالم: شق فخذ

شاة وجئني بعس من لبن وادع لي من بني أبيك بني هاشم، ففعل علي عليه السالم ذلكودعاهم وكانوا أربعين رجال فأكلوا حتى شبعوا ما يري فيه إال أثر أصابعهم

وشربوا من العس حتى اكتفوا واللبن على حاله، فلما أراد أن يدعوهم إلى االسالمقال أبو لهب: كاد أن يسحركم محمد، فقاموا قبل أن يدعوهم إلى الله تعالى، فقال

--------------------(١) كأنه تحدى أوال بمثل القرآن، ثم خفف فتحدى بعشر سور، ثم خفف فتحدى بسورة من

مثله ولو كانت مثل الكوثر.(٢) باإلضافة باتفاق النسخ كلها، أي مع سالمته صلى الله عليه وسلم من القتل.

(٣) وفي (م): كنبع الماء. والنبوع والنبع بمعنى. وما في المطبوعة من قوله: (كينبوع الماء) فهومحرف كنبوع الماء.

(٤٨١)

Page 508: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

لعلي عليه السالم: افعل مثل ما فعلت، ففعل في اليوم الثاني كاألول فلما أراد أنيدعوهم

عاد أبو لهب إلى كالمه، فقال لعلي عليه السالم: افعل مثل ما فعلت، ففعل مثله فياليوم

الثالث فبايع عليا عليه السالم (١) على الخالفة بعده ومتابعته.وذبح له جابر بن عبد الله عناقا يوم الخندق وخبز له صاع شعير ثم دعاه عليه السالم

فقال أنا وأصحابي، فقال: نعم، ثم جاء إلى امرأته وأخبرها بذلك فقالت له: أأنتقلت امض وأصحابك؟ فقال: ال بل هو لما قال أنا وأصحابي قلت نعم، فقالت: هو

أعرف بما قال، فلما جاء عليه السالم قال: ما عندكم، قال جابر: ما عندنا إال عناق فيالتنور وصاع من شعير خبزناه فقال له عليه السالم: أقعد أصحابي عشرة عشرة، ففعل

فأكلوا كلهم.وسبح الحصى في يده عليه السالم وشهد الذئب له بالرسالة: فإن أهبان بن أوس (٢)

كان يرعى غنما له فجاء ذئب فأخذ شاة منها فسعى نحوه فقال له الذئب: أتعجبمن أخذي شاة، هذا محمد يدعو إلى الحق فال تجيبونه، فجاء إلى النبي وأسلم

وكان يدعي مكلم الذئب.وتفل في عين علي عليه السالم لما رمدت فلم ترمد بعد ذلك أبدا، ودعا له بأن

يصرف الله تعالى عنه الحر والبرد، فكان لباسه في الصيف والشتاء واحدا. وانشقله القمر. ودعا الشجرة فأجابته وجاءته تخد األرض من غير جاذب وال دافع ثمرجعت إلى مكانها. وكان يخطب عند الجذع فاتخذ له منبرا فانتقل إليه فحن

الجذع إليه حنين الناقة إلى ولدها فالتزمه فسكن.وأخبر بالغيوب في مواضع كثيرة كما أخبر بقتل الحسين عليه السالم وموضع الفتك

به فقتل في ذلك الموضع. وأخبر بقتل ثابت بن قيس بن الشماس فقتل بعده عليهالسالم.

وأخبر أصحابه بفتح مصر وأوصاهم بالقبط خيرا فإن لهم ذمة ورحما. وأخبرهم--------------------

(١) باتفاق النسخ كلها.(٢) أهبان بضم األول كعثمان صحابي. في الخصائص الكبرى للسيوطي: أهبان بن أوس (ج ٢مصر ص ٢٦٨ و ط حيدرآباد الدكن ج ٢ ص ٦١) وفي أسد الغابة: ج ١ ص ١٦١ ط مصر.

(٤٨٢)

Page 509: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

بادعاء مسيلمة النبوة باليمامة وادعاء العنسي (١) النبوة بصنعاء وأنهما سيقتالنفقتل فيروز الديلمي العنسي قرب وفاة النبي صلى الله عليه وآله، وقتل خالد بن الوليد

مسيلمة.وأخبر عليا عليه السالم بخبر ذي الثدية وسيأتي. ودعا على عتبة بن أبي لهب لما تال

عليه السالموالنجم فقال عتبة: كفرت برب النجم، بتسليط كلب الله عليه فخرج عتبة إلى الشام

فخرج األسد فارتعدت فرائصه فقال له أصحابه: من أي شئ ترتعد، فقال: إنمحمدا دعا علي فوالله ما أظلت السماء على ذي لهجة أصدق من محمد فأحاطالقوم بأنفسهم (٢) ومتاعهم عليه فجاء األسد فلحس (٣) رؤوسهم واحدا واحدا

حتى إنتهى إليه فضغمه ضغمة ففزع منه ومات. وأخبر بموت النجاشي (٤) وقتل زيدابن حارثة بموته فأخبر عليه السالم بقتله في المدينة، وأن جعفرا أخذ الراية ثم قال: قتل

جعفر، ثم توقف وقفة ثم قال: وأخذ الراية عبد الله بن رواحة، ثم قال: وقتل عبد اللهابن رواحة، وقام عليه السالم إلى بيت جعفر واستخرج ولده ودمعت عيناه ونعى جعفرا

إلى أهله ثم ظهر األمر كما أخبر عليه السالم. وقال لعمار: تقتلك الفئة الباغية، فقتلهأصحاب معاوية والشتهار هذا الخبر لم يتمكن معاوية من دفعه واحتال على

العوام، فقال: قتله من جاء به، فعارضه ابن عباس وقال: لم يقتل الكفار إذن حمزةوإنما قتله رسول الله ألنه هو الذي جاء به إليهم حتى قتلوه. وقال لعلي عليه السالم:

ستقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين، فالناكثون طلحة وزبير ألنهمابايعاه ونكثا، والقاسطون هم الظالمون وهم معاوية وأصحابه ألنهم ظلمة بغاة،

--------------------(١) بالعين المهملة والنون الساكنة، األسود العنسي في الخصائص الكبرى ج ٢ ص ١١٦ ط

مصر. والعنسي من األنساب للسمعاني.(٢) في الخصائص الكبرى للسيوطي فحاطوا أنفسهم بمتاعهم ووسطوه بينهم (ج ١ ط مصر

ص ٣٦٩). والكلب هو الحيوان المفترس فيشمل األسد والذئب ونحوها.(٣) كما في (م) والنسخ األخرى: يهمش مكان فلحس.

(٤) ثم جمع المسلمين في البقيع فصلى على جنازة النجاشي عن بعد، وقد كان النجاشي قدآوى المسلمين في الحبشة وأن الله ال يضيع أجر من أحسن عمال.

(٤٨٣)

Page 510: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

والمارقون هم الخارجون عن الملة وهم الخوارج. وهذه المعجزات بعض ما نقلواقتصرنا على هذا القدر لكثرتها وبلوغ الغرض بهذه، وقد أوردنا معجزات أخرى

منقولة في كتاب نهاية المرام.قال: وإعجاز القرآن قيل لفصاحته، وقيل ألسلوبه وفصاحته، وقيل

للصرفة (١). والكل محتمل.--------------------

(١) قال في نقد المحصل: إعجاز القرآن على قول قدماء المتكلمين وبعض المحدثين فيفصاحته. وعلى قول بعض المتأخرين في صرف عقول الفصحاء القادرين على المعارضة

عن إيراد المعارضة. قالوا: كل أهل صناعة اختلفوا في تجويد تلك الصناعة فال محالة يكونفيهم واحد ال يبلغ غيره شأوه، وعجز الباقون عن معارضته وال يكون ذلك معجزا له ألنذلك ال يكون خرقا للعادة لكن صرف عقول أقرانه القادرين على معارضته عن معارضته

يكون خرقا للعادة فذلك هو المعجز. واالستدالل باألخالق واألفعال أيضا قوي وهو معنىقوله تعالى: ويتلوه شاهد منه فإن ذلك يشهد على صدقه في دعواه وهو صادر منه، إنتهى

كالمه.وقال ياقوت في معجم األدباء: قرأت بخط عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان الخفاجي في

كتاب له ألفه في الصرفة زعم فيه أن القرآن لم يخرق العادة بالفصاحة حتى صار معجزةللنبي صلى الله عليه وآله وأن كل فصيح بليغ قادر على اإلتيان بمثله إال أنهم صرفوا عن ذلك ال أن يكون

القرآن في نفسه معجز الفصاحة، وهو مذهب لجماعة من المتكلمين والرافضة منهم بشرالمريسي والمرتضى أبو القاسم قال في تضاعيفه: وقد حمل جماعة من األدباء قول أصحاب

هذا الرأي على أنه ال يمكن أحد من المعارضة بعد زمان التحدي على أن ينظموا علىأسلوب القرآن وأظهر ذلك قوم وأخفاه آخرون، إنتهى.

فزعم أصحاب الصرفة أن الله تعالى صرف القوى البشرية عن المعارضة ولذلك عجزوا ولوالصرفه تعالى لهم الستطاعوا أن يأتوا بمثله.

والحق أن القرآن معجز في بالغته وأسلوبه وكماله اللفظي والمعنوي في جميع جهاته وليسإعجازه منحصرا في البالغة واألديب ينظر إليه من حيث صناعته، فيقول من هذه الجهة

معجز، وكل ذي فن في الفنون يخبر عنه بحسب فنه ويظهر العجز عن االتيان بمثله كذلك.وعلى القول بالصرفة أيضا إعجازه تام بل يمكن التفوه باألولوية وذلك ألنهم عاجزون عن

إتيان ما هو كان مقدورا لهم فبصرفه سبحانه إياهم عجزوا عن ذلك فكل من اهتم عن اإلتيانبمثله يصرفه الله تعالى عن ذلك.

ثم لما كان الشريف المرتضى من أعاظم اإلمامية قائال بالصرفة أسندوا القول بالصرفةإليهم وإال لم يذهب اإلمامية - أنار الله برهانهم - على اإلطالق إلى الصرفة.

ثم لما كان الشريف المرتضى من أعاظم اإلمامية قائال بالصرفة أسندوا القول بالصرفةإليهم وإال لم يذهب اإلمامية - أنار الله برهانهم - على اإلطالق إلى الصرفة.

(٤٨٤)

Page 511: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: اختلف الناس هنا، فقال الجبائيان: إن سبب إعجاز القرآن فصاحته.وقال الجويني: هو الفصاحة واألسلوب معا (١)، وعنى باألسلوب الفن والضرب.وقال النظام والمرتضى: هو الصرفة، بمعنى أن الله تعالى صرف العرب ومنعهم عن

المعارضة. واحتج األولون بأن المنقول عن العرب أنهم كانوا يستعظمونفصاحته، ولهذا أراد النابغة االسالم لما سمع القرآن وعرف فصاحته فرده

أبو جهل وقال له: يحرم عليك األطيبين (٢)، وأخبر الله تعالى عنهما بذلك بقوله: (انهفكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر ثم نظر) إلى آخر اآلية، وألن

الصرفة لو كانت (٣) سببا في إعجازه لوجب أن يكون في غاية الركاكة، ألن الصرفةعن الركيك أبلغ في اإلعجاز، والتالي باطل بالضرورة. واحتج السيد المرتضى بأنالعرب كانوا قادرين على األلفاظ المفردة وعلى التركيب، وإنما منعوا عن اإلتيان

بمثله تعجيزا لهم عما كانوا قادرين عليه، وكل هذه األقسام محتملة.قال: والنسخ تابع للمصالح.

أقول: هذا إشارة إلى الرد على اليهود حيث قالوا بدوام شرع موسى عليه السالم،قالوا: ألن النسخ باطل، إذ المنسوخ إن كان مصلحة قبح النهي عنه وإن كان مفسدة

قبح األمر به، وإذا بطل النسخ لزم القول بدوام شرع موسى عليه السالم. وتقريرالجواب

أن نقول: األحكام منوطة بالمصالح والمصالح تتغير بتغير األوقات وتختلفباختالف المكلفين فجاز أن يكون الحكم المعين مصلحة لقوم في زمان فيؤمر به،

--------------------(١) هكذا نقلت العبارة بإطباق جميع النسخ التي عندنا. وما في المطبوعة: وقال أهل الحق هو

الفصاحة واألسلوب معا، يعد من تحريفات الكتاب.(٢) كما في (م ص) والنسخ األخرى: فصده. وفي صحاح الجوهري: األطيبان األكل والجماع.(٣) هكذا كانت العبارة في جميع النسخ وسياق العبارة يقتضي أن يقال: وبأن الصرفة لو كانت

بالباء الجارة ال الالم، أي واحتج األولون بأن المنقول عن العرب.. وبأن الصرفة لو كانت..

(٤٨٥)

Page 512: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

ومفسدة لقوم في زمان آخر فينهى عنه.قال: وقد وقع حيث حرم على نوح بعض ما أحل لمن تقدمه وأوجب الختان

بعد تأخيره وحرم الجمع بين األختين وغير ذلك من األحكام (١).أقول: هذا تأكيد ألبطال قول اليهود المانعين من النسخ فإنه بين أوال جواز

وقوعه، وهاهنا بين وقوعه في شرعهم وذلك في مواضع منها: أنه جاء في التوراةأن الله تعالى قال آلدم وحواء عليهما السالم: قد أبحت لكما كل ما دب على وجه

األرضفكانت له نفس حية، وورد فيها أنه قال لنوح عليه السالم: خذ معك من الحيوان

الحاللكذا ومن الحيوان الحرام كذا فحرم على نوح عليه السالم بعض ما أباحه آلدم عليه

السالم. ومنها:أنه أباح نوحا عليه السالم تأخير الختان (٢) إلى وقت الكبر وحرمه على غيره من

األنبياء، وأباح إبراهيم عليه السالم تأخير ختان ولده إسماعيل عليه السالم إلى حالكبره وحرم

على موسى عليه السالم تأخير الختان عن سبعة أيام. ومنها: أنه أباح آدم عليه السالمالجمع بين

األختين وحرمه على موسى عليه السالم.قال: وخبرهم عن موسى عليه السالم بالتأبيد مختلق (٣) ومع تسليمه ال يدل على

المراد قطعا.أقول: إن جماعة اليهود جوزوا وقوع النسخ عقال ومنعوا من نسخ شريعة

موسى عليه السالم وتمسكوا بما روي عن موسى عليه السالم أنه قال: تمسكوا بالسبتأبدا،

والتأبيد يدل على الدوام ودوام الشرع بالسبت ينفي القول بنبوة محمد صلى الله عليهوآله،

والجواب من وجوه: األول: أن هذا الحديث مختلق ونسب إلى ابن الراوندي (٤).--------------------

(١) هكذا نقلت العبارة باتفاق جميع النسخ.(٢) باتفاق النسخ كلها.

(٣) كما في (م، ص، ق، ز) وفي (ت): مختل. وفي (د، ش) مختلف. والشرح يوافق األول.(٤) في جميع النسخ المعتبرة عندنا ابن الروندي، بال الف. ولكن الصحيح مع األلف، ولعل رسم

الخط كان بدونه نحو إسماعيل وإسحق. وابن الراوندي هو أحمد بن يحيى المروزيمعروف مذكور في التراجم والفهارس. ففي تاريخ ابن خلكان: أبو الحسين أحمد بن يحيى

ابن إسحاق الراوندي العالم المشهور له مقام في علم الكالم وكان من الفضالء في عصره ولهمن الكتب المصنفة نحو من مائة وأربعة عشر كتابا - إلى قوله: ونسبته إلى راوند بفتح الراء

Page 513: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

والواو وبينهما ألف وسكون النون وبعدها دال مهملة وهي قرية من قرى قاسان بنواحي أصفهان،وراوند أيضا ناحية ظاهر نيسابور - توفي سنة خمس وأربعين ومائتين (ج ١ ط ١ ص ٢٨).

(٤٨٦)

Page 514: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الثاني: لو سلمنا نقله لكن اليهود انقطع تواترهم ألن بخت نصر استأصلهم وأفناهمحتى لم يبق منهم من يوثق بنقله. الثالث: أن لفظة التأبيد ال تدل على الدوام قطعافإنها قد وردت في التوراة لغير الدوام، كما في العبد أنه يستخدم ست سنين ثم

يعرض عليه العتق في السابعة فإن أبى العتق ثقبت أذنه واستخدم أبدا، وفي موضعآخر يستخدم خمسين سنة. وأمروا في البقرة التي كلفوا بذبحها أن يكون لهم ذلك

سنة أبدا ثم انقطع تعبدهم بها. وفي التوراة قربوا إلي كل يوم خروفين خروفغدوة وخروف عشية بين المغارب قربانا دائما الحقا بكم وانقطع تعبدهم به، وإذاكان التأبيد في هذه الصور ال يدل على الدوام انتفت داللته هنا قطعا، أقصى ما في

الباب أنه يدل ظاهرا لكن ظواهر األلفاظ قد تترك لوجود األدلة المعارضة لها.قال: والسمع دل على عموم نبوته صلى الله عليه وآله.

أقول: ذهب قوم من النصارى إلى أن محمدا صلى الله عليه وآله مبعوث إلى العربخاصة،

والسمع يكذب قولهم هذا قال الله تعالى: (ألنذركم ومن بلغ) وقال تعالى: (وماأرسلناك إال كافة للناس) وسورة الجن (١) تدل على بعثه عليه السالم إليهم، وقال عليه

السالم:(بعثت إلى األسود واألحمر). ال يقال: كيف يصح إرساله إلى من ال يفهم خطابه

وقد قال تعالى: (وما أرسلنا من رسول إال بلسان قومه)؟ ألنا نقول: ال استبعاد--------------------

(١) بل وسور أخرى أيضا والبحث عن ذلك يطلب في المجلد الثالث من كتابنا تكملة منهاجالبراعة في شرح نهج البالغة (ص ٢٨٦ - ٢٩٥). والجن من ذوي العقول ولهم استنباط عقلي

في األمور كما ترى أنهم قالوا: إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به. واآلية فيسورة الجن. والفاء في فآمنا به للنتيجة أي القرآن يهدي إلى الرشد وما يهدي إلى الرشد

يجب أن يؤمن به فآمنا به. على أن وصفهم القرآن بالعجب والهداية إلى الرشد فرع التمييزالعقالني، ولكنهم في القوة العاقلة دون االنسان واالنسان الكامل اإللهي في كل عصر وزمانإما خائفا مغمورا أو ظاهرا مشهورا، فكما هو إمام اإلنس وهو إمام الجن أيضا بل هو قطبعالم اإلمكان مطلقا كبقية الله وتتمة النبوة موالنا المنتظر القائم في هذا العصر المحمدي.

(٤٨٧)

Page 515: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

في ذلك بأن يترجم خطابه لمن ال يفهم لغته مترجم، وليس في اآلية أنه تعالى ماأرسل رسوال إال إلى من يفهم لسانه وإنما أخبر بأنه ما أرسله إال بلسان قومه.

وجوز قاضي القضاة في يأجوج ومأجوج احتمالين: أحدهما: أن ال يكونوامكلفين أصال وإن كانوا مفسدين في األرض كالبهائم المفسدة في األرض.

والثاني: أن يكونوا مكلفين وقد بلغتهم دعوته عليه السالم بأن يقربوا من األمكنة التييسمعون فيها كالم من هو وراء السد. وجوز بعض الناس أن يكون في بعض البقاع

من لم تبلغه دعوته عليه السالم فال يكون مكلفا بشريعته.وعندي أن المراد بذلك إن كان عدم تكليفهم مطلقا سواء بلغتهم بعد ذلك

الدعوة أم ال فهو باطل قطعا لما بينا من عموم نبوته عليه السالم، وإن كان المراد أنهمغير

مكلفين ما داموا غير عالمين فإذا بلغتهم الدعوة صاروا مكلفين بها فهو حق.قال: وهو أفضل من المالئكة (١) وكذا غيره من األنبياء عليهم السالم لوجود المضاد

للقوة العقلية وقهره على االنقياد عليها.أقول: اختلف الناس هنا، فذهب أكثر المسلمين إلى أن األنبياء عليهم السالم أفضلمن المالئكة عليهم السالم. وذهب آخرون منهم وجماعة األوائل إلى أن المالئكة

أفضل،واستدل األولون بوجوه ذكر المصنف رحمه الله منها وجها لالكتفاء به وهو أن األنبياء

قدوجد فيهم القوة الشهوية والغضبية وسائر القوى الجسمانية كالخيالية والوهمية

وغيرهما وأكثر أحكام هذه القوى تضاد حكم القوة العقلية وتمانعها حتى أن أكثرالناس يلتجئ إلى قوة الشهوة والغضب والوهم ويترك مقتضى القوة العقلية،

واألنبياء عليهم السالم يقهرون قوى طبائعهم ويفعلون بحسب مقتضى قواهم العقليةويعرضون عن القوى الشهوانية وغيرها من القوى الجسمانية فتكون عباداتهموأفعالهم أشق من عبادات المالئكة حيث خلوا عن هذه القوى، وإذا كانت

عباداتهم أشق كانوا أفضل لقوله عليه السالم: أفضل األعمال أحمزها. وهاهنا وجوهأخرى من الطرفين ذكرناها في كتاب نهاية المرام.

--------------------(١) الفص العيسوي من فصوص الحكم: (فاالنسان في الرتبة فوق المالئكة..) وقال القيصري

في الشرح: (قال في الفتوحات: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله فسألته أن االنسان أفضل أمالمالئكة..) (ط ١ ص ٣٣٦).

(٤٨٨)

Page 516: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قال:المقصد الخامس

في اإلمامة

(٤٨٩)

Page 517: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

اإلمام لطف فيجب نصبه على الله تعالى تحصيال للغرض.أقول: في هذا المقصد مسائل:

المسألة األولىفي أن نصب اإلمام واجب على الله تعالى.

اختلف الناس هنا فذهب األصم من المعتزلة وجماعة من الخوارج إلى نفيوجوب نصب اإلمام، وذهب الباقون إلى الوجوب لكن اختلفوا، فالجبائيان

وأصحاب الحديث واألشعرية قالوا: إنه واجب سمعا ال عقال. وقال أبو الحسينالبصري والبغداديون واإلمامية: إنه واجب عقال، ثم اختلفوا فقالت اإلمامية: إن

نصبه واجب على الله تعالى. وقال أبو الحسين والبغداديون: إنه واجب علىالعقالء. واستدل المصنف رحمه الله على وجوب نصب اإلمام على الله تعالى بأن

اإلماملطف واللطف واجب، أما الصغرى فمعلومة للعقالء إذ العلم الضروري حاصل بأن

العقالء متى كان لهم رئيس يمنعهم عن التغالب والتهاوش (١) ويصدهم عنالمعاصي ويعدهم على فعل الطاعات ويبعثهم على التناصف والتعادل، كانوا إلى

الصالح أقرب ومن الفساد أبعد، وهذا أمر ضروري ال يشك فيه العاقل، وأماالكبرى فقد تقدم بيانها.

قال: والمفاسد معلومة االنتفاء وانحصار اللطف فيه معلوم للعقالء ووجوده--------------------

(١) بالواو كما في (ق، ص، ش، ز) والتهارش بالراء كما في (م، د) والوجه األول أنسب بل هوالمتعين.

(٤٩٠)

Page 518: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

لطف وتصرفه آخر وعدمه منا (١).أقول: هذه اعتراضات على دليل أصحابنا مع اإلشارة إلى الجواب عنها:

األول: قال المخالف: كون اإلمامة قد اشتملت على وجه اللطف ال يكفي فيوجوبها على الله تعالى بخالف المعرفة التي كفى وجه الوجوب فيه علينا النتفاء

المفاسد في ظننا، أما في حقه تعالى فال يكفي وجه الوجوب ما لم يعلم انتفاءالمفاسد وال يكفي الظن بانتفائها، فلم ال يجوز اشتمال اإلمامة على مفسدة ال

نعلمها فال تكون واجبة على الله تعالى؟ (والجواب) أن المفاسد معلومة االنتفاء عناإلمامة، ألن المفاسد محصورة معلومة يجب علينا اجتنابها أجمع، وإنما يجبعلينا اجتنابها إذا علمناها ألن التكليف بغير المعلوم محال، وتلك الوجوه منتفية

عن اإلمامة فيبقى وجه اللطف خاليا عن المفسدة فيجب عليه تعالى، وألنالمفسدة لو كانت الزمة لإلمامة لم تنفك عنها، والتالي باطل قطعا، ولقوله تعالى:

(إني جاعلك للناس إماما) وإن كانت مفارقة جاز انفكاكها عنها فيجب علىتقدير االنفكاك.

الثاني: قالوا: اإلمامة أنما تجب لو انحصر اللطف فيها، فلم ال يجوز أن يكونهناك لطف آخر يقوم مقام اإلمامة فال تتعين اإلمامة للطفية فال يجب على التعيين؟

(والجواب) أن انحصار اللطف الذي ذكرناه في اإلمامة معلوم للعقالء ولهذايلتجئ العقالء في كل زمان وكل صقع إلى نصب الرؤساء دفعا للمفاسد الناشئة

من االختالف.الثالث: قالوا: اإلمام إنما يكون لطفا إذا كان متصرفا باألمر والنهي، وأنتم ال

--------------------(١) هكذا جاءت العبارة في جميع النسخ إطباقا. قوله: وتصرفه آخر، أي تصرفه لطف آخر.وزيادة لطف في العبارة ليست بمنقولة في نسخة من تلك النسخ المصححة المعتبرة عندنا.

وقوله: وعدمه منا، أي وعدم تصرفه منا وذلك بأن يكون غائبا ولكن عدمه هذا منا. ورسائلنااألربع: اإلمامة بالعربية والثالث األخرى بالفارسية: نهج الوالية، انسان كامل ازديدگاه نهج

البالغة، انسان وقرآن، لعلها تجديك في المقام.

(٤٩١)

Page 519: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

تقولون بذلك فما تعتقدونه لطفا ال تقولون بوجوبه وما تقولون بوجوبه ليس بلطف.(والجواب) أن وجود اإلمام نفسه لطف لوجوه: أحدها: أنه يحفظ الشرائعويحرسها عن الزيادة والنقصان. وثانيها: أن اعتقاد المكلفين لوجود اإلمام

وتجويز إنفاذ حكمه عليهم في كل وقت سبب لردعهم عن الفساد ولقربهم إلىالصالح، وهذا معلوم بالضرورة. وثالثها: أن تصرفه ال شك أنه لطف وال يتم إال

بوجوده فيكون وجوده نفسه لطفا وتصرفه لطفا آخر.والتحقيق أن نقول: لطف اإلمامة يتم بأمور: (منها) ما يجب على الله تعالى

وهو خلق اإلمام وتمكينه بالقدرة والعلم والنص عليه باسمه ونسبه، وهذا قد فعلهالله تعالى. (ومنها) ما يجب على اإلمام وهو تحمله لإلمامة وقبوله لها، وهذا قدفعله اإلمام. (ومنها) ما يجب على الرعية وهو مساعدته والنصرة له وقبول أوامره

وامتثال قوله، وهذا لم تفعله الرعية فكان منع اللطف الكامل منهم ال من الله تعالىوال من اإلمام.المسألة الثانية

في أن اإلمام يجب أن يكون معصوماقال: وامتناع التسلسل يوجب عصمته وألنه حافظ للشرع ولوجوب االنكار

عليه لو أقدم على المعصية فيضاد أمر الطاعة ويفوت الغرض من نصبه والنحطاطدرجته عن أقل العوام.

أقول: ذهبت اإلمامية واإلسماعيلية إلى أن اإلمام يجب أن يكون معصوماوخالف فيه جميع الفرق، والدليل على ذلك وجوه:

األول: أن اإلمام لو لم يكن معصوما لزم التسلسل، والتالي باطل فالمقدممثله، بيان الشرطية أن المقتضي لوجوب نصب اإلمام هو تجويز الخطأ على

الرعية، فلو كان هذا المقتضي ثابتا في حق اإلمام وجب أن يكون له إمام آخرويتسلسل أو ينتهي إلى إمام ال يجوز عليه الخطأ فيكون هو اإلمام األصلي.

(٤٩٢)

Page 520: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الثاني: أن اإلمام حافظ للشرع فيجب أن يكون معصوما، أما المقدمة األولىفألن الحافظ للشرع ليس هو الكتاب لعدم إحاطته (١) بجميع األحكام التفصيلية

وال السنة لذلك أيضا وال إجماع األمة، ألن كل واحد منهم على تقدير عدمالمعصوم فيهم يجوز عليه الخطأ فالمجموع كذلك، وألن إجماعهم ليس لداللة وإال

الشتهرت وال ألمارة إذ يمتنع اتفاق الناس في سائر البقاع على األمارة الواحدة،كما نعلم بالضرورة عدم اتفاقهم على أكل طعام معين في وقت واحد، أو ال لهما (٢)

فيكون باطال، وال القياس لبطالن القول به على ما ظهر في أصول الفقه وعلى تقديرتسليمه فليس بحافظ للشرع باالجماع، وال البراءة األصلية ألنه لو وجب المصيرإليها لما وجب بعثة األنبياء ولالجماع على عدم حفظها للشرع فلم يبق إال اإلمام

فلو جاز الخطأ عليه لم يبق وثوق بما تعبدنا الله تعالى به وما كلفناه، وذلك مناقضللغرض من التكليف وهو االنقياد إلى مراد الله (٣) تعالى.

الثالث: أنه لو وقع منه الخطأ لوجب االنكار عليه وذلك يضاد أمر الطاعة لهبقوله تعالى: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي األمر منكم.

الرابع: لو وقع منه المعصية لزم نقض الغرض من نصب اإلمام، والتالي باطلفالمقدم مثله، بيان الشرطية أن الغرض من إقامته (٤) انقياد األمة له وامتثال أوامره

واتباعه فيما يفعله، فلو وقعت المعصية منه لم يجب شئ من ذلك وهو منافلنصبه.

--------------------(١) بل الحق أنه نور وتبيان لكل شئ كما نطق به لسانه الصدق ونزلنا عليك الكتاب تبيانا

لكل شئ (النحل ٩٠) والصواب فيه ما قاله الوصي عليه السالم في الخطبة ١٢٣ من النهج: وهذاالقرآن إنما هو خط مسطور بين الدفتين ال ينطق بلسان وال بد له من ترجمان وإنما ينطق عنه

الرجال.(٢) باتفاق النسخ كلها، والضمير راجع إلى الداللة واألمارة.

(٣) كما في (م، ق، ش، د) وفي (ص، ز): إلى أمر الله.(٤) هكذا جاءت العبارة في النسخ الثالث األولى أي (م، ص، ق) وهي توافق قوله: ويفوت

الغرض من نصبه فإن نصبه هو إقامته. وفي (ش، د، ز): من إمامته.

(٤٩٣)

Page 521: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الخامس: أنه لو وقع منه المعصية لزم أن يكون أقل درجة من العوام، ألنعقله أشد ومعرفته بالله تعالى وثوابه وعقابه أكثر، فلو وقع منه المعصية كان أقل

حاال من رعيته، وكل ذلك باطل قطعا.قال: وال تنافي العصمة القدرة.

أقول: اختلف القائلون بالعصمة في أن المعصوم هل يتمكن من فعل المعصيةأم ال؟ فذهب قوم منهم إلى عدم تمكنه من ذلك، وذهب آخرون إلى تمكنه منها.أما األولون فمنهم من قال: إن المعصوم مختص في بدنه أو نفسه بخاصية تقتضي

امتناع إقدامه على المعصية، ومنهم من قال: إن العصمة هو القدرة على الطاعةوعدم القدرة على المعصية، وهو قول أبي الحسين البصري. وأما اآلخرون الذين

لم يسلبوا القدرة فمنهم من فسرها بأنه األمر الذي يفعله الله تعالى بالعبد مناأللطاف المقربة إلى الطاعات التي يعلم معها أنه ال يقدم على المعصية بشرط أنال ينتهي ذلك األمر إلى االلجاء، ومنهم من فسرها بأنها ملكة نفسانية ال يصدر

عن صاحبها معها المعاصي. وآخرون قالوا: العصمة لطف يفعله الله تعالى بصاحبهاال يكون له معه داع إلى ترك الطاعة وارتكاب المعصية، وأسباب هذا اللطف أمور

أربعة: أحدها: أن يكون لنفسه أو لبدنه خاصية تقتضي ملكة مانعة من الفجوروهذه الملكة مغايرة للفعل. الثاني: أن يحصل له علم بمثالب المعاصي ومناقب

الطاعات. الثالث: تأكيد هذه العلوم بتتابع الوحي واإللهام من الله تعالى. الرابع:مؤاخذته على ترك األولى بحيث يعلم أنه ال يترك مهمال بل يضيق عليه األمر في

غير الواجب من األمور الحسنة.فإذا اجتمعت هذه األمور كان االنسان معصوما (١) والمصنف رحمه الله اختار

المذهب الثاني وهو أن العصمة ال تنافي القدرة بل المعصوم قادر على فعل--------------------

(١) وفي نسخة (م) وحدها كان اإلمام معصوما، والنسخ األخرى كلها كان االنسان معصوماواالنسان أنسب بأسلوب الكالم من اإلمام.

(٤٩٤)

Page 522: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

المعصية وإال لما استحق المدح على ترك المعصية وال الثواب ولبطل الثوابوالعقاب في حقه فكان خارجا عن التكليف، وذلك باطل باالجماع وبالنقل في

قوله تعالى: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي).المسألة الثالثة

في أن اإلمام يجب أن يكون أفضل من غيرهقال: وقبح تقديم المفضول معلوم وال ترجيح في المساوئ (١).

أقول: اإلمام يجب أن يكون أفضل من رعيته ألنه إما أن يكون مساويا لهمأو أنقص منهم أو أفضل. والثالث هو المطلوب، واألول محال ألنه مع التساوي

يستحيل ترجيحه على غيره باإلمامة، والثاني أيضا محال ألن المفضول يقبح عقالتقديمه على الفاضل، ويدل عليه أيضا قوله تعالى: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن

يتبع أمن ال يهدي إال أن يهدى فما لكم كيف تحكمون) ويدخل تحت هذا الحكمكون اإلمام أفضل في العلم والدين والكرم والشجاعة وجميع الفضائل النفسانية

والبدنية.المسألة الرابعة

في وجوب النص على اإلمامقال: والعصمة تقتضي النص وسيرته عليه السالم.

أقول: ذهبت اإلمامية خاصة إلى أن اإلمام يجب أن يكون منصوصا عليه.وقالت العباسية: إن الطريق إلى تعيين اإلمام النص أو الميراث. وقالت الزيدية:

تعيين اإلمام بالنص أو بالدعوة إلى نفسه. وقال باقي المسلمين: الطريق أنما هو--------------------

(١) كما في (ص، ق، ش، ز، د) وفي (ت): وإال يرجح في التساوي. وفي (م) وال ترجيحالمتساوي، ولكل وجهة هو موليها.

(٤٩٥)

Page 523: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

النص أو اختيار أهل الحل والعقد.والدليل على ما ذهبنا إليه وجهان: األول: أنا قد بينا أنه يجب أن يكون اإلمام

معصوما والعصمة أمر خفي ال يعلمها إال الله تعالى، فيجب أن يكون نصبه من قبلهتعالى ألنه العالم بالشرط دون غيره. الثاني: إن النبي صلى الله عليه وآله كان أشفق على

الناسمن الوالد على ولده حتى أنه عليه السالم أرشدهم إلى أشياء ال نسبة لها إلى الخليفة

بعدهكما أرشدهم في قضاء الحاجة إلى أمور كثيرة مندوبة وغيرها من الوقائع،

وكان عليه السالم إذا سافر عن المدينة يوما أو يومين استخلف فيها من يقوم بأمرالمسلمين، ومن هذه حاله كيف ينسب إليه إهمال أمته وعدم إرشادهم في أجل

األشياء (١) وأسناها وأعظمها قدرا وأكثرها فائدة وأشدهم حاجة إليها، وهوالمتولي ألمورهم بعده فوجب من سيرته عليه السالم نصب إمام بعده والنص عليه

وتعريفهم إياه، وهذا برهان لمي.المسألة الخامسة

في أن اإلمام بعد النبي عليه السالمبال فصل علي بن أبي طالب عليه السالم

قال: وهما مختصان بعلي عليه السالم (٢).--------------------

(١) وفي (م)، إلى أجل األشياء، والنسخ األخرى كلها هي ما اخترناه.(٢) قال ابن أبي الحديد شارح نهج البالغة المتوفى ٦٦٥ في ضمن شرح الخطبة الخامسة

والثمانين من نهج البالغة حيث قال الوصي عليه السالم: (بل كيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم وهمأزمة الحق وأعالم الدين وألسنة الصدق فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن وردوهم ورود الهيم

العطاش) ما هذا نصه (ج ١ ص ٣٤١ من الطبع الحجري):فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن تحته سر عظيم وذلك أنه أمر المكلفين بأن يجروا العترة في

إجاللها وإعظامها واالنقياد لها والطاعة ألوامرها مجرى القرآن.ثم قال:

فإن قلت: فهذا القول منه يشعر بأن العترة معصومة فما قول أصحابكم في ذلك؟قلت: نص أبو محمد بن متويه رحمه الله في كتاب الكفاية على أن عليا معصوم، وأدلة النصوص

قد دلت على عصمته وأن ذلك أمر اختص هو به دون غيره من الصحابة.هذا ما حكاه الشارح المذكور في شرحه على النهج، وأقول: لو تفوه ابن متويه بخالف ذلك

لكان خالفا، أن األمير عليه السالم بتعبير الشيخ الرئيس في رسالته المعراجية: كان بين الخلق مثلالمعقول بين المحسوس، وبتعبير الشيخ األكبر في الباب السادس من فتوحاته المكية: إمام

العالم وسر األنبياء أجمعين (ج ١ ص ١٣٢ ط بوالق).ثم لنا في بيان كالم الوصي صلوات الله عليه في إنزال العترة بأحسن منازل القرآن تقرير

رفيع في عصمتهم في رسالتنا نهج الوالية فارجع إليها (ص ٢٠٥ - ٢٠٨، ١١ رسالة ط ١).

Page 524: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

(٤٩٦)

Page 525: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: العصمة والنص مختصان بعلي عليه السالم، إذ األمة بين قائلين أحدهما لميشترطهما والثاني المشترطون، وقد بينا بطالن قول األولين (١) فانحصر الحق في

قول الفريق الثاني، وكل من اشترطهما قال: إن اإلمام هو علي عليه السالم.قال: والنص الجلي (٢) في قوله سلموا عليه بإمرة المؤمنين وأنت الخليفة من

بعدي وغيرهما.أقول: هذا دليل ثان على أن اإلمام هو علي عليه السالم، وهو النص الجلي من

رسول الله صلى الله عليه وآله في مواضع تواترت بها اإلمامية ونقلها غيرهم (٣) نقالشائعا ذائعا:

(منها) لما نزل (٤) قوله تعالى: وأنذر عشيرتك األقربين أمر رسول الله صلى الله عليهوآله

--------------------(١) كما في (م)، والباقية: بطالن قول األوائل.

(٢) كما في (م ت ش ص) وهو الصحيح. والنسخ األخرى: وللنص الجلي. وكالمه هذا أعنيالنص الجلي ذكر مورد لقوله آنفا: والعصمة تقتضي النص.

(٣) بل أقول: إن الجوامع الروائية ألهل السنة وحدها كافية في إثبات المذهب الحقة اإلمامية.(٤) في مجمع البيان: وقد فعل ذلك النبي صلى الله عليه وآله واشتهرت القصة بذلك عند الخاص والعام،

وفيالخبر المأثور عن البراء بن عازب أنه قال: لما نزلت هذه اآلية جمع رسول الله صلى الله عليه وآله بني

عبد المطلب وهم يومئذ أربعون رجال، الرجل منهم يأكل المسنة ويشرب العس، فأمر عليابرجل شاة فأدمها، ثم قال: ادنوا بسم الله، فدنا القوم عشرة عشرة فأكلوا حتى صدروا، ثم دعا

بقعب من لبن فجرع منه جرعة، ثم قال: هلموا اشربوا بسم الله فشربوا حتى رووا، فبدرهمأبو لهب فقال: هذا ما سحركم به الرجل، فسكت صلى الله عليه وآله يومئذ ولم يتكلم.

ثم دعاهم من الغد على مثل ذلك من الطعام والشراب، ثم أنذرهم رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا بنيعبد المطلب إني أنا النذير إليكم من الله عز وجل والبشير فأسلموا وأطيعوني تهتدوا، ثمقال: من يواخيني ويوازرني ويكون وليي ووصيي بعدي وخليفتي في أهلي ويقضي ديني؟

فسكت القوم، ويقول علي: أنا، فقال في المرة الثالثة: أنت.فقام القوم وهم يقولون ألبي طالب: أطع ابنك فقد أمر عليك. أورده الثعلبي في تفسيره.

وروي عن أبي رافع هذه القصة وأنه جمعهم في الشعب فصنع لهم رجل شاة فأكلوا حتىتضلعوا، وسقاهم عسا فشربوا كلهم حتى رووا.

ثم قال: إن الله أمرني أن أنذر عشيرتك األقربين، وأنتم عشيرتي ورهطي، وإن الله لم يبعثنبيا إال جعل له من أهله أخا ووزيرا ووارثا ووصيا وخليفة في أهله، فأيكم يقوم فيبايعني

على أنه أخي ووارثي ووزيري ووصيي ويكون مني بمنزلة هارون من موسى إال أنه ال نبيبعدي؟ فسكت القوم، فقال: ليقومن قائمكم أو ليكونن في غيركم ثم لتندمن، ثم أعاد الكالم

ثالث مرات، فقام علي فبايعه فأجابه، ثم قال: أدن مني فدنا منه ففتح فاه ومج في فيه منريقه وتفل بين كتفيه وثدييه. فقال أبو لهب: بئس ما حبوت به ابن عمك أن أجابك فمألت فاه

ووجهه بزاقا، فقال النبي صلى الله عليه وآله: مألته حكمة وعلما. هذا ما أردنا نقله من المجمع.

Page 526: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

(٤٩٧)

Page 527: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أبا طالب أن يصنع له طعاما، وجمع بني عبد المطلب فقال لهم: أيكم يوازرنيويعينني فيكون أخي وخليفتي ووصيي من بعدي، فقال علي عليه السالم: أنا أبايعك

وأوازرك، فقال عليه السالم: هذا أخي ووصيي وخليفتي من بعدي ووارثي فاسمعوا لهوأطيعوا، وبقوله صلوات الله عليه: أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي وقاضيديني. (ومنها) لما آخى بين الصحابة ولم يتخلف سوى علي عليه السالم فقال:

يا رسول الله آخيت بين الصحابة دوني، فقال له عليه السالم: ألم ترض أن تكون أخيوخليفتي من بعدي، وآخى بينه وبينه. (ومنها) أن رسول الله صلى الله عليه وآله تقدم

إلى الصحابةبأن يسلموا عليه بإمرة المؤمنين، وقال له: أنت سيد المسلمين وإمام المتقين وقائدالغر المحجلين، وقال فيه: هذا ولي كل مؤمن ومؤمنة، والنصوص في ذلك كثيرة

أكثر من أن تحصى ذكرها المخالف والمؤالف إلى أن بلغ مجموعها التواتر.قال: ولقوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله) اآلية، وإنما اجتمعت

األوصاف في علي عليه السالم.أقول: هذا دليل آخر على إمامة علي عليه السالم وهو قوله تعالى: (إنما وليكم الله

(٤٩٨)

Page 528: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصالة ويؤتون الزكاة وهم راكعونواالستدالل بهذه اآلية يتوقف على مقدمات، إحداها: أن لفظة (إنما) للحصر

ويدل عليه المنقول والمعقول. أما المنقول فإلجماع أهل العربية عليه، وأماالمعقول فألن لفظة (إن) لالثبات و (ما) للنفي قبل التركيب فيكون كذلك بعد

التركيب عمال باالستصحاب ولالجماع على هذه الداللة (١) وال يصح تواردهماعلى معنى واحد وال صرف االثبات إلى غير المذكور والنفي إلى المذكور لالجماعفبقي العكس وهو صرف االثبات إلى المذكور والنفي إلى غيره وهو معنى الحصر.

الثانية: إن الولي يفيد األولى بالتصرف، والدليل عليه نقل أهل اللغة واستعمالهمكقولهم: السلطان ولي من ال ولي له، وكقولهم: ولي الدم وولي الميت، وكقوله عليه

السالم:أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل. الثالثة: إن المراد بذلك بعض

المؤمنين ألنه تعالى وصفهم بوصف مختص ببعضهم، وألنه لوال ذلك لزم اتحادالولي والمتولي (٢).

وإذ قد تمهدت هذه المقدمات فنقول: المراد بهذه اآلية هو علي عليه السالم لالجماعالحاصل على أن من خصص بها بعض المؤمنين قال إنه علي عليه السالم، فصرفها إلى

غيره خرق اإلجماع، وألنه عليه السالم إما كل المراد أو بعضه لالجماع، وقد بينا عدمالعمومية فيكون هو كل المراد، وألن المفسرين اتفقوا على أن المراد بهذه اآلية

علي عليه السالم ألنه لما تصدق بخاتمه حالة ركوعه نزلت هذه اآلية فيه، وال خالففي

ذلك.قال: ولحديث الغدير المتواتر.

أقول: هذا دليل آخر على إمامة علي عليه السالم، وتقريره أن النبي صلى الله عليه وآلهقال في

غدير خم وقد رجع من حجة الوداع: معاشر المسلمين ألست أولى بكم من--------------------

(١) وفي (ق) وحدها: ولالجماع على بقاء الداللة.(٢) كما في (م ق ش د) وفي (ص ز) اتحاد الولي والمولى. وفي المطبوعة: اتحاد الولي والمولى

عليه.

(٤٩٩)

Page 529: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أنفسكم، قالوا: بلى، قال صلى الله عليه وآله: من كنت مواله فعلي مواله اللهم وال منوااله

وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله. وقد نقل المسلمون كافة هذاالحديث نقال متواترا لكنهم اختلفوا في داللته على اإلمامة، ووجه االستدالل به

أن لفظة (مولى) تفيد األولى ألن مقدمة الحديث تدل عليه وألن عرف اللغة يقتضيهوكذا االستعمال لقوله تعالى: (النار هي موالكم) أي أولى بهم، وقول األخطل:

(فأصبحت موالها من الناس كلهم)، وقولهم مولى العبد أي األولى بتدبيره والتصرففيه وألنها مشتركة بين معان غير مرادة هنا إال األولى، وألنه إما كل المراد أو

بعضه وال يجوز خروجه عن اإلرادة ألنه حقيقة فيه ولم يثبت إرادة غيره.قال: ولحديث المنزلة المتواتر.

أقول: هذا دليل آخر على إمامة علي عليه السالم، وتقريره أن النبي صلى الله عليه وآلهقال: (أنت

مني بمنزلة هارون من موسى إال أنه ال نبي بعدي) وتواتر المسلمون بنقل هذاالحديث لكنهم اختلفوا في داللته على اإلمامة، وتقرير االستدالل به أن عليا عليه السالمله جميع منازل هارون من موسى بالنسبة إلى النبي صلى الله علية وآله ألن الوحدة منفية

هنالالستثناء المشروط بالكثرة وغير العموم ليس بمراد لالستثناء المخرج ما لوالهلوجب دخوله كالعدد، واألصل عدم االشتراك والنتفاء القائل بالكثرة من دون

العموم ولعدم فهم المراد من خطاب الحكيم لواله ومن جملة منازله الخالفة بعدهلو عاش لثبوتها له في حياته.

قال: والستخالفه على المدينة (١) فيعم لالجماع.أقول: هذا دليل آخر على إمامته عليه السالم، وتقريره أن النبي صلى الله عليه وآله

استخلفه علىالمدينة وأرجف المنافقون بأمير المؤمنين عليه السالم فخرج إلى النبي وقال: يا رسول

الله--------------------

(١) أقول: والستخالفه على مكة المكرمة ليلة المبيت، وللمواخاة بينهما حيث أخذرسول الله صلى الله عليه وآله بيده وقال: هذا أخي. حينما قرن كل شبه إلى شبهه كما هو مقتضى المواخاة

ويوم المواخاة يوم مشهور. والبحث عن ذلك اليوم المشهود يطلب على االستقصاء فيشرحنا على نهج البالغة.

(٥٠٠)

Page 530: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

إن المنافقين زعموا أنك خلفتني استثقاال وتحرزا مني، فقال عليه السالم: (كذبوا إنماخلفتك لما تركت ورائي فارجع فاخلفني أفال ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة

هارون من موسى إال أنه ال نبي بعدي) وإذا كان خليفته على المدينة في تلكالحال ولم يعزله قبل موته وال بعده استمرت واليته عليها فال يكون غيره خليفةعليها، وإذا انتفت خالفة غيره عليها انتفت خالفته على غيرها لالجماع فثبت

الخالفة له عليه السالم. (ال يقال) قد استخلف النبي صلى الله عليه وآله جماعة علىالمدينة وعلى

غيرها ومع ذلك فليسوا أئمة عندكم، ألنا نقول: إن بعضهم عزله عليه السالم والباقونلم

يقل أحد بإمامتهم.قال: ولقوله عليه السالم: أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي (١) وقاضي ديني

بكسر الدال.أقول: هذا دليل آخر على إمامة علي عليه السالم، وتقريره أن النبي صلى الله عليه وآله

قال: أنتأخي ووصيي وخليفتي من بعدي وقاضي ديني بكسر الدال، وهذا نص صريح

على الوالية والخالفة على ما تقدم.قال: وألنه أفضل وإمامة المفضول قبيحة عقال.

أقول: هذا دليل آخر على إمامة علي عليه السالم، وتقريره أنه أفضل من غيره علىما يأتي فيكون هو اإلمام، ألن تقديم المفضول على الفاضل قبيح عقال وللسمع

على ما تقدم.--------------------

(١) أقول: كان عليه السالم في صدر االسالم معروفا بالوصي، وغير واحد من سنام الصحابة وكبارالتابعين وصفوه في أشعارهم ومقاالتهم بالوصي، وقد جمعنا أشعار جمع منهم مع ذكر

مأخذها في المجلد الثاني من تكملة المنهاج في شرح النهج (ص ١٩ - ٢٩) وفي عدةمواضع أخرى منها، إال - كما جرى الحق على لسان الفخر الرازي في تفسيره الكبير (ج ١

ص ١٦٠ ط استانبول) - أن الدولة لما وصلت إلى بني أمية بالغوا سعيا في إبطال آثارعلي عليه السالم.

(٥٠١)

Page 531: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قال: ولظهور المعجزة على يده كقلع باب خيبر (١) ومخاطبة الثعبان ورفعالصخرة العظيمة عن القليب (٢) ومحاربة الجن ورد الشمس وغير ذلك وادعى

اإلمامة فيكون صادقا.أقول: هذا دليل آخر على إمامة أمير المؤمنين عليه السالم، وتقريره أنه قد ظهر علىيده معجزات كثيرة وادعى اإلمامة له دون غيره فيكون صادقا، أما المقدمة األولى

فلما تواتر عنه أنه فتح باب خيبر وعجز عن إعادته سبعون رجال من أشد الناسقوة وخاطبه الثعبان على منبر الكوفة فسئل عنه فقال: إنه من حكام الجن أشكل

عليه مسألة أجبته عنها.--------------------

(١) والسر العظيم ألهل السر في هذا القلع أن أعضاءه لم تحس بباب خيبر. هذا هو تعاليالنفس الناطقة حيث تتصرف في مادة الكائنات بال إعمال آالت وأدوات جسمانية، وتصير

أعيان األكوان بمنزلة أعضائه وجوارحه يتصرف فيها بإذن الله تعالى. روى عماد الدينالطبري وهو من أعالم القرن السادس الهجري في كتابه القيم بشارة المصطفى لشيعة

المرتضى مسندا، أنه عليه السالم قال: والله ما قلعت باب خيبر وقذفت به أربعين ذراعا لم تحس بهأعضائي بقوة جسدية وال حركة غذائية ولكن أيدت بقوة ملكوتية ونفس بنور ربها مضيئة

(مستضيئة - خ ل) (ص ٢٣٥ ط النجف).وذلك هو السعادة التي بحثوا عنها في الصحف العلمية في بيان ارتقاء النفس الناطقة

االنسانية. قال الفارابي في المدينة الفاضلة (ص ٦٦ ط مصر): وذلك هو السعادة وهي أنتصير نفس االنسان من الكمال في الوجود إلى حيث ال تحتاج في قوامها إلى مادة، وذلك أن

تصير في جملة األشياء البريئة عن األجسام وفي جملة الجواهر المفارقة للمواد.. الخ.ونعم ما أفاد العارف الرومي في أول ثالث المثنوي:

أين چراغ شمس كو روشن بود نزفتيله پنبه وروغن بودسقف گردون كوچنين دائم بود نزطناب واستنى قائم بود

قوت جبرئيل از مطبخ نبود بود از ديدار خالق ودودهمچنين أين قوت ابدال حق هم زحق دان نزطعام واز طبق

جسمشان رآهم زنور اسرشته اند تا ز روح واز ملك بگذشته اند(٢) قد ورد هذا األمر في موضعين من شرحنا على النهج مع بيانه وإشارات إلى لطائف نورية،

األول في أول التكملة (ص ٣٦٢ ط ١) واآلخر في الثاني منها (ص ٢٤ ط ١).

(٥٠٢)

Page 532: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

ولما توجه إلى صفين أصابهم عطش عظيم فأمرهم فحفروا بئرا قريبا من دير،فوجدوا صخرة عظيمة عجزوا عن قلعها فنزل عليه السالم فاقتلعها ودحا بها مسافة

بعيدةفظهر الماء فشربوا، ثم أعادها فنزل صاحب الدير وأسلم فسئل عن ذلك فقال: بنيهذا الدير على قالع هذه الصخرة ومضى من قبلي ولم يدركوه واستشهد معه عليه

السالمفي الشام وحارب الجن وقتل منهم جماعة كثيرة لما أرادوا وقوع الضرر

بالنبي صلى الله عليه وآله حيث سار إلى بني المصطلق وردت له الشمس مرتين، وغيرذلك من

الوقائع المشهورة الدالة على صدق فاعلها. وأما المقدمة الثانية فظاهرة منقولةبالتواتر إذ ال يشك أحد في أنه عليه السالم ادعى اإلمامة بعد رسول الله صلى الله عليه

وآله.قال: ولسبق كفر غيره فال يصلح لإلمامة فتعين هو عليه السالم.

أقول: هذا دليل آخر على إمامة علي عليه السالم وهو أن غيره ممن ادعى لهماإلمامة كالعباس وأبي بكر كانا كافرين قبل ظهور النبي صلى الله عليه وآله، فال

يصلحانلإلمامة لقوله تعالى: (ال ينال عهدي الظالمين) والمراد بالعهد هنا عهد اإلمامة

ألنه جواب دعاء إبراهيم عليه السالم.قال: ولقوله تعالى: (وكونوا مع الصادقين).

أقول: هذا دليل آخر على إمامة علي عليه السالم وهو قوله تعالى: (يا أيها الذينآمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) أمر تعالى بالكون مع الصادقين أي المعلوممنهم الصدق وال يتحقق ذلك إال في حق المعصوم، إذ غيره ال يعلم صدقه وال

معصوم غير علي عليه السالم باالجماع.قال: ولقوله تعالى: (وأولي األمر منكم).

أقول: هذا دليل آخر على إمامة علي عليه السالم وهو قوله تعالى: (يا أيها الذينآمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي األمر منكم) أمر باالتباع والطاعة ألولي

األمر، والمراد منه المعصوم إذ غيره ال أولوية له تقضي وجوب طاعته وال معصومغير علي عليه السالم باالجماع.

(٥٠٣)

Page 533: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

المسألة السادسةفي األدلة الدالة على عدم إمامة غير علي عليه السالم

قال: وألن الجماعة غير علي عليه السالم غير صالح لإلمامة لظلمهم بتقدم كفرهم.أقول: هذه أدلة تدل على أن غير علي عليه السالم ال يصلح لإلمامة: األول: أن أبا بكر

وعمر وعثمان قبل ظهور النبي صلى الله عليه وآله كانوا كفرة فال ينالوا عهد اإلمامةلآلية وقدتقدمت.

قال: وخالف أبو بكر كتاب الله تعالى في منع إرث رسول الله صلى الله عليه وآلهبخبر رواه هو.

أقول: هذا دليل آخر على عدم صالحية أبي بكر لإلمامة، وتقريره أنه خالفكتاب الله تعالى في منع إرث رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يورث فاطمة عليها

السالم واستند إلىخبر رواه هو عن النبي في قوله: (نحن معاشر األنبياء ال نورث ما تركناه صدقة)وعموم الكتاب يدل على خالف ذلك، وأيضا قوله تعالى: (وورث سليمان داود)وقوله في قصة زكريا: (يرثني ويرث من آل يعقوب) ينافي هذا الخبر، وقالت له

فاطمة عليها السالم: أترث أباك وال أرث أبي لقد جئت شيئا فريا. ومع ذلك فهو خبرواحد لم نعرف أحدا من الصحابة وافقه على نقله فكيف يعارض الكتاب المتواتر

وكيف بين رسول الله صلى الله عليه وآله هذا الحكم لغير ورثته وأخفاه عن ورثته، ولوكان هذا

الحديث صحيحا عند أهله لم يمسك أمير المؤمنين عليه السالم سيف رسول الله صلىالله عليه وآله

وبغلته وعمامته (١) ونازع العباس عليا عليه السالم بعد موت فاطمة عليها السالم، ولوكان هذا

--------------------(١) كما في (ص ق ز) والنسخ الثالث سيما األولين منها مصححة بالقراءة واإلجازة. وفي (م

ش د): ونعليه وعمامته. وهذه الثالث عارية عن عالمة التصحيح والقراءة واإلجازة. وقالفي ناسخ التواريخ: چگونه أبو بكر آالت ودابه وبعضى أشياء را.. الخ (ج ٢ ط ١ ص ١٠٠)

والظاهر أن الدابة ترجمة البغلة بل صريح البخاري: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله.. إال بغلتهالبيضاء التي كان يركبها.. الخ (سيرة ابن كثير، ج ٤ ص ٥٦٠ ط مصر).

وفي الكافي والتهذيب بإسنادهما عن حمزة بن حمران قال: قلت ألبي عبد الله عليه السالم: منورث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال فاطمة ورثته متاع البيت والخرثى وكل ما كان له.

وفي الفقيه بإسناده عن الفضيل بن يسار قال: سمعت أبا جعفر عليه السالم يقول: ال والله ما ورثرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العباس وال علي وال ورثه إال فاطمة عليها السالم وما كان أخذ علي عليه

السالم السالح

Page 534: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وغيره إال أنه قضى عنه دينه. ثم قال وأولو األرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله.الخرثى بالضم أثاث البيت وأسقاطه، والخبر األخير رد لما زعمته العامة أن وارثه صلى الله عليه وآله وسلم

كانمع فاطمة عليها السالم عمه العباس بناء على ما يرونه من التعصيب. وعندنا أنه لوال فاطمة عليها السالم لكان

وارثه أمير المؤمنين صلوات الله عليه ألنه كان ابن عمه أخي أبيه ألبيه وأمه دون العباس،ألنه كان أخا أبيه ألبيه دون أمه. هذا ما أفاده الفيض في الوافي (ج ١٣ ص ١١٥).

(٥٠٤)

Page 535: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الحديث معروفا عندهم لم يجز لهم ذلك، وروي أن فاطمة عليها السالم قالت: يا أبابكر

أنت ورثت رسول الله أم ورثه أهله، قال: بل ورثه أهله، فقالت: ما بال سهمرسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن

الله إذا أطعم نبيا طعمة كانتلولي األمر بعده، وذلك يدل على أنه ال أصل لهذا الخبر.

قال: ومنع فاطمة عليها السالم فدكا مع ادعاء النحلة لها وشهد علي عليه السالم (١)وأم أيمن

وصدق األزواج في ادعاء الحجرة لهن ولهذا ردها عمر بن عبد العزيز.أقول: هذا دليل آخر على الطعن في أبي بكر وعدم صالحيته لإلمامة وهو

أنه أظهر التعصب على أمير المؤمنين عليه السالم وعلى فاطمة بنت رسول الله صلى اللهعليه وآله ألنها

ادعت فدكا، وذكرت أن النبي عليه السالم أنحلها إياها فلم يصدقها في قولها مع أنهامعصومة ومع علمه بأنها من أهل الجنة واستشهدت عليا عليه السالم وأم أيمن فقال:

رجل مع رجل أو امرأة مع امرأة (٢) وصدق أزواج النبي عليه السالم في ادعاء أنالحجرة

لهن ولم يجعل الحجرة صدقة، ولما عرف عمر بن عبد العزيز كون فاطمة عليها السالممظلومة رد على أوالدها فدكا، ومع ذلك فإن فاطمة عليها السالم كان ينبغي ألبي بكر

إنحالها فدكا ابتداء لو لم تدعه أو يعطيها إياها بالميراث.--------------------

(١) كما في (ص ق ش د) وفي غيرها بدون لها.(٢) النسخ المطبوعة عارية عنه، وهو مذكور في النسخ التي عندنا كلها متفقة، إال أن في (م،

ص) فقال، بالفاء، والباقية: وقال، بالواو.

(٥٠٥)

Page 536: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قال: وأوصت أن ال يصلي عليها أبو بكر فدفنت ليال.أقول: هذا وجه آخر يدل على الطعن في أبي بكر وهو أن فاطمة عليها السالم لما

حضرتها الوفاة أوصت أن ال يصلي عليها أبو بكر غيظا عليه ومنعا له عن ثوابالصالة عليها فدفنت ليال، ولم يعلم أبو بكر بذلك وأخفي قبرها لئال يصلي على

القبر (١) ولم يعلم بقبرها إلى اآلن.قال: ولقوله: أقيلوني فلست بخيركم وعلي فيكم.

أقول: هذا وجه آخر في الطعن على أبي بكر وهو أنه قال يوم السقيفة:أقيلوني فلست بخيركم وعلي فيكم، وهذا األخبار إن كان (٢) حقا لم يصلح

لإلمامة العترافه بعدم الصالحية مع وجود علي عليه السالم وإن لم يكن حقا فعدمصالحيته لإلمامة حينئذ أظهر.

قال: ولقوله: إن له شيطانا يعتريه.--------------------

(١) وفي (م) حتى ال يصلي عليها. وفي (ص) ولم يعلم قبرها إلى اآلن. والنسخ األخرى موافقةلما نقلناه.

(٢) األخبار بالكسر أي إخبار أبي بكر من نفسه بأنه ليس بخير من علي عليه السالم إن كان حقا أيصدقا ومطابقا للواقع فالعترافه بعدم الصالحية لإلمامة لم يصلح لها، وإن لم يكن حقاوصدقا فعدم صالحيته لإلمامة حينئذ أظهر ألن إخباره لم يكن حقا ومطابقا للواقع فهو

كاذب في إخباره من نفسه والكاذب لعدم عصمته ال يصلح لإلمامة على األمة.هذا هو قول أبي بكر في أوله، ومثله قول عمر في آخره كما رواه البخاري في مقتل عمر بن

الخطاب من جامعه أنه قال لعبد الله: انطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل يقرأ عليك عمرالسالم وال تقل أمير المؤمنين فإني لست اليوم للمؤمنين أميرا البتة.

فأقر عمر بأنه بعد ضربة أبي لؤلؤة إياه ليس بأمير المؤمنين فيكون كغيره من آحاد الناس.فهذا األخبار إن كان كذبا فعدم صالحيته لإلمامة أظهر وأهل السنة يدعون إجماعهم علىتقدمه وفضله وعدله وعلمه وصدقه واجتهاده ووصوله إلى حقائق األحكام واتصاله بروح

النبي صلى الله عليه وسلم.وإن كان صدقا فكيف يصح له تأسيس الشورى وتعيين أمر الخالفة في ستة نفر وحكمه بقتل

جماعة وهو تصرف في أهم أمور المؤمنين وجرأة على خراب الدين.

(٥٠٦)

Page 537: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: هذا دليل آخر (١) على عدم صالحيته لإلمامة وهو ما روي عنه أنه قالمختارا: وليتكم ولست بخيركم فإن استقمت فاتبعوني، وإن اعوججت فقوموني،

فإن لي شيطانا عند غضبي يعتريني، فإذا رأيتموني مغضبا فاجتنبوني لئال أوثر فيأشعاركم وأبشاركم. وهذا يدل على اعتراض الشيطان (٢) له في كثير من األحكام

--------------------(١) سقطت العبارة في النسخ المطبوعة من قبل، عبارة الشرح تقرب من أربعة أسطر الكتاب

وأكملناها من عبارة النسخة األولى. وراجع في بيان تفصيل هذا الدليل (الشافي) لعلمالهدى الشريف المرتضى، أو تلخيصه لشيخ الطائفة محمد الطوسي - قدس سرهما

القدوسي -. (ص ٤١٥ ط ١) فإن العلمين المحقق والعالمة في إمامة التجريد ناظران كثيراإليهما، وإن كانت تلك المطاعن بلغت األسماع ومألت األصقاع.

واعلم أن العالمة أبا الريحان البيروني المتوفى في سنة أربعين وأربعمائة من الهجرة فيالبحث عن الفئ والظل من رسالته الكريمة الموسومة بإفراد المقال في أمر الظالل أفاد فيمعنى ما ورد من الخبر أن السلطان ظل الله في أرضه بقوله (ص ٨ ط حيدرآباد الدكن):

.. وإليه يرجع ما روي عن أبي الدرداء أنه قال: (إن شئتم ألقسمن لكم إن أحب عباد الله إلىالله الذين يرعون الشمس والقمر والنجوم واألظلة لذكر الله) يعني الفئ فإنه بفضل التفكر

في خلق السماوات واألرض واستعماله في التوحيد وفي أوقات العبادة.وأما ما ورد في الخبر أن السلطان ظل الله في أرضه فمعناه متجه على الذي يكون حجة ال

على المتسلط بالغلبة، وكيف يتوجه إليه مع ما ورد (أن ال طاعة للمخلوق في معصية الخالق)وإنما قصر الخبر على من يتقبل فعله تعالى في إبقاء العالم على نظام التعادل وحملهم على

مناهج المصلحة حتى تشابه بفعله ظل الشخص يتحرك بحركته ويسكن بسكونه إال أن يسهوبما في جبلته، كما قال أبو بكر الصديق في قوته الغضبية: (إن لي شيطانا يعتريني فإذا مال بي

فقوموني). فأما من يبعث في األرض قصدا ويخرب البالد عمدا ويخالف فعل الله مضرافتعالى الله عن أن يكون مثله ظله أو حجة على خلقه من عنده، إنتهى.

وقد أفاد وأجاد ويا ليته كان يورد البحث عن المقوم أيضا بأن مقوم من يعتريه الشيطان هليعتريه الشيطان أيضا أم يجب أن يكون معصوما من ذلك االعتراء الخبيث، أي يكون ممن

ليس للشيطان عليه سبيل.(٢) جاءت العبارة منقولة في جميع النسخ: على اعتراض الشيطان. وهي عبارة أخرى عناعتراء الشيطان وفي النسخ المطبوعة هاهنا سقط يقرب من ثالثة أسطر وما اخترناه موافق

لنسختي (م ص) وراجع في ذلك الشافي لعلم الهدى (ص ٤١٥ و ٤١٦ ط ١).

(٥٠٧)

Page 538: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

ومثل هذا ال يصلح لإلمامة.قال: ولقول عمر: كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله (١) شرها فمن عاد إلى مثلها

فاقتلوه.أقول: هذا دليل آخر يدل على الطعن فيه، ألن عمر كان إماما عندهم وقال

في حقه: كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله المسلمين شرها فمن عاد إلى مثلهافاقتلوه، فبين عمر أن بيعته كانت خطأ على غير الصواب وأن مثلها مما يجب فيه

المقاتلة، وهذا من أعظم ما يكون من الذم والتخطئة.قال: وشك عند موته في استحقاقه لإلمامة.

أقول: هذا وجه آخر يدل على عدم إمامة أبي بكر وهو أنه قال لما حضرتهالوفاة: ليتني كنت سألت رسول الله هل لألنصار في هذا األمر حق؟ وقال أيضا:ليتني كنت في ظل بني ساعدة ضربت يدي على يد أحد الرجلين فكان هو األميروكنت الوزير، وهذا كله يدل على تشككه في استحقاقه لإلمامة واضطراب أمره

فيها وأنه كان يرى أن غيره أولى بها منه.قال: وخالف الرسول صلى الله عليه وآله في االستخالف عندهم وفي تولية من عزله

صلى الله عليه وآله.أقول: هذا طعن آخر في أبي بكر وهو أنه خالف الرسول عليه السالم في

االستخالف عندهم، ألنهم زعموا أن النبي صلى الله عليه وآله لم يستخلف أحدافباستخالفه

يكون مخالفا للنبي صلى الله عليه وسلم عندهم، ومخالفة النبي صلى الله عليه وسلمتوجب الطعن. وأيضا

فإنه خالف النبي صلى الله عليه وسلم في استخالف من عزله النبي عليه السالم، ألنهاستخلف عمر بن

الخطاب، وقد كان النبي لم يوله عمال سوى أنه بعثه في خيبر فرجع منهزما، وواله--------------------

(١) وفي (ت) وحدها: فوقى الله. وفي قوله اآلتي: في استحقاقه لإلمامة، وفي (ت) وحدهاأيضا: في استحقاقه اإلمامة. وقوله اآلتي: وخالف الرسول صلى الله عليه وسلم في االستخالف عندهم

باتفاق النسخ السبع كلها. وفي المطبوعة: وخالف الرسول في االختالف عندهم. وفي قولهاآلتي: مع علمهم بقصد البعد، باتفاق النسخ كلها.

(٥٠٨)

Page 539: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أمر الصدقات فشكاه العباس إلى النبي صلى الله عليه وآله فعزله وأنكرت الصحابة علىأبي بكر

ذلك حتى قال له طلحة: وليت علينا فظا غليظا.قال: وفي التخلف عن جيش أسامة مع علمهم بقصد البعد وولى أسامة عليهم

فهو أفضل وعلي عليه السالم لم يول عليه أحدا وهو أفضل من أسامة.أقول: هذا دليل آخر على الطعن في أبي بكر وهو أنه خالف النبي صلى الله عليه وآله

حيثأمره هو وعمر بن الخطاب وعثمان في تنفيذ جيش أسامة (١) ألنه صلى الله عليه وآله

قال فيمرضه حاال بعد حال نفذوا جيش أسامة، وكان الثالثة في جيشه وفي جملة من

يجب عليه النفوذ معه فلم يفعلوا ذلك مع أنهم عرفوا قصد النبي صلى الله عليه وآله،ألن غرضه

بالتنفيذ من المدينة بعد الثالثة عنها بحيث ال يتوثبوا على اإلمامة (٢) بعد موتالنبي صلى الله عليه وآله ولهذا جعل الثالثة في الجيش ولم يجعل عليا عليه السالم معه،

وجعل النبي صلى الله عليه وآلهأسامة أمير الجيش وكان فيه أبو بكر وعمر وعثمان، فهو أفضل منهم وعلي عليه السالم

أفضل من أسامة، ولم يول عليه أحدا فيكون هو عليه السالم أفضل الناس كافة.قال: ولم يتول (٣) عمال في زمانه وأعطاه سورة براءة فنزل جبرئيل فأمره برده

وأخذ السورة منه وأن ال يقرأها إال هو أو أحد من أهل بيته فبعث بها عليا عليه السالم.أقول: هذا طعن آخر على أبي بكر وهو أنه لم يوله النبي صلى الله عليه وآله عمال في

حياته أصال سوى أنه أعطاه سورة براءة وأمره بالحج بالناس فلما مضى بعضالطريق نزل جبرئيل عليه السالم على النبي وأمره برده وأخذ السورة منه وأن ال يقرأها

إال هو عليه السالم أو أحد من أهل بيته فبعث بها عليا عليه السالم وواله الحج بالناس،وهذا يدل

على أن أبا بكر لم يكن أهال ألمارة الحج فكيف يكون أهال لإلمامة بعده وألن من--------------------

(١) باتفاق النسخ كلها.(٢) في (م) بحيث ال يتفشوا على اإلمامة. وفي (د): بحيث ال يتوثقوا على اإلمامة. وهذه

تحريف ال يتوثبوا.(٣) عبارة المتن هي ما في (م، ص) بال اختالف إال أن العبارة في (م) جاءت: فنزل جبرئيل فأمر

برده. وفي (ق ش ت ز د): إال هو أو أحد من أهله.

(٥٠٩)

Page 540: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

ال يؤمن على أداء سورة في حياته عليه السالم كيف يؤمن على اإلمامة بعد النبي صلىالله عليه وآله وسلم.

قال: ولم يكن عارفا باألحكام حتى قطع يسار سارق وأحرق بالنار ولن يعرفالكاللة وال ميراث الجدة واضطرب في أحكامه ولم يحد خالدا وال اقتص منه.

أقول: هذا طعن آخر في أبي بكر وهو أنه لم يكن عارفا باألحكام فال يجوزنصبه لإلمامة، أما المقدمة الثانية فقد مرت، وأما األولى فألنه قطع سارقا من

يساره وهو خالف الشرع وأحرق الفجائة السلمي بالنار وقد نهى النبي صلى الله عليهوسلم عن

ذلك وقال: ال يعذب بالنار إال رب النار. وسئل عن الكاللة فلم يعرف ما يقول فيهاثم قال: أقول فيها برأيي فإن كان صوابا فمن الله وإن كان خطأ فمني ومن

الشيطان، والحكم بالرأي باطل. وسألته جدة عن ميراثها فقال: ال أجد لك شيئا فيكتاب الله وال سنة نبيه ارجعي حتى أسأل (١) فأخبره المغيرة بن شعبة ومحمد بن

مسلمة أن النبي صلى الله عليه وآله أعطاها السدس. واضطرب في كثير من األحكاموكان

يستفتي الصحابة فيها، وذلك يدل على قصور علمه وقلة معرفته. وقتل خالد بنالوليد (٢) مالك بن نويرة وواقع امرأته ليلة قتله وضاجعها فلم يحده على الزنا وال

--------------------(١) في النسخة األولى أعني (م) وكذا في النسخة الرابعة وهي (ق) بإضافة الجاللة، أي ارجعي

حتى أسال الله فأخبره المغيرة بن شعبة.. الخ. فهذه اإلضافة ناصة على أن كاتب النسختينكان من محبيه أضاف الجاللة رفعا لنقص ممدوحه وترفيعا لمقامه ولم يرزق المحب

المسكين فهم عبارة الكتاب بأن المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة أخبراه بذلك، على أينهو والتفوه بذلك.

المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بضم الميم وكسر الغين المعجمة كان موصوفا بالدهاء، مذكورفي رقم ٥٠٦٤ من أسد الغابة في معرفة الصحابة البن األثير (ص ٢٤٧ ج ٥ ط دار الشعب

بالقاهرة).ومحمد بن مسلمة، هو محمد بن مسلمة بن خالد بفتح الميم والالم وسكون ما بينهما أخو

محمود بن مسلمة األنصاري، وهو مذكور في رقم ٤٧٦١ من أسد الغابة (ص ١١٢ ج ٥). وفينسخ كشف المراد قد حرف محمد بن مسلمة تارة بمحمد بن سلمة وأخرى بمحمد بن مسلم.

(٢) في (م ص): وواقع امرأته. وفي غيرهما: وتزوج امرأته. وفي تلخيص الشافي (ص ٤٢٢ط ١) إن خالدا قتل مالك بن نويرة وهو على ظاهر االسالم، وضاجع امرأته من ليلته،

وترك إقامة الحد عليه وزعم أنه سيف من سيوف الله سله الله على أعدائه.

(٥١٠)

Page 541: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قتله بالقصاص، وأشار عليه عمر (١) بقتله وعزله فقال: ال أغمد سيفا شهره الله علىالكفار.

قال: ودفن في بيت (٢) رسول الله صلى الله عليه وآله وقد نهى الله تعالى دخوله فيحياته

بغير إذن وبعث إلى بيت أمير المؤمنين عليه السالم لما امتنع من البيعة فأضرم فيه الناروفيه فاطمة والحسن والحسين وجماعة من بني هاشم ورد عليه الحسنان لما بويع

وندم على كشف بيت فاطمة عليها السالم.أقول: هذه مطاعن أخر في أبي بكر وهو أنه دفن في بيت رسول الله صلى الله عليه

وآله وقدنهى الله تعالى عن الدخول إليه بغير إذن النبي صلى الله عليه وآله حال حياته فكيف بعد

موته،وبعث إلى بيت أمير المؤمنين عليه السالم لما امتنع من البيعة فأضرم فيه النار وفيه فاطمة

والحسن والحسين وجماعة من بني هاشم وأخرجوا عليا عليه السالم كرها وكان معهالزبير في البيت فكسروا سيفه وأخرجوه من الدار (٣) وضربت فاطمة عليها السالم

فألقتجنينا اسمه محسن ولما بويع أبو بكر صعد المنبر فجاءه الحسنان عليهما السالم مع

جماعةمن بني هاشم وغيرهم وأنكروا عليه وقال له الحسن والحسين عليهما السالم: هذا مقام

جدنا لست له أهال، ولما حضرته الوفاة قال: ليتني تركت بيت فاطمة لم أكشفه،وهذا يدل على خطائه في ذلك (٤).

قال: وأمر عمر برجم امرأة حامل وأخرى مجنونة فنهاه علي عليه السالم فقال: لوال--------------------

(١) أي أمره ودله عليه ألن اإلشارة إذا كانت صلتها على تفيد هذا المعنى.واعلم أن مطاعن أبي بكر مذكورة أيضا في شرح ابن أبي الحديد على نهج البالغة فراجع

الجزء السابع عشر من ذلك الشرح (ص ٣٣٦ - ٣٤٩ ج ٢ من الطبع الحجري سنة ١٣٠٤).(٢) المتن والشرح كالهما موافقان لنسختي (م، ص) وهما أصح النسخ، وأوالهما أقدمها.(٣) كما في (م، ص) وفي (ش، ق، د، ز): فكسروا سيفه وأخرجوا من الدار من أخرجوا.

(٤) بل على..

(٥١١)

Page 542: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

علي لهلك عمر.أقول: هذا طعن على عمر يمتنع معه اإلمامة له وهو أن عمر أتي إليه بامرأة قد

زنت وهي حامل فأمر برجمها، فقال له علي عليه السالم: إن كان لك عليها سبيلفليس

لك على حملها سبيل فأمسك، وقال: لوال علي لهلك عمر. وأتي إليه بامرأة مجنونةقد زنت فأمر برجمها، فقال له علي عليه السالم: إن القلم مرفوع عن المجنون حتى

يفيقفأمسك، وقال: لوال علي لهلك عمر. ومن يخفى عليه هذه األمور الظاهرة في

الشريعة كيف يستحق اإلمامة؟!قال: وتشكك في موت النبي صلى الله عليه وسلم حتى تال عليه أبو بكر (١): (إنك

ميت وإنهمميتون فقال: كأني لم أسمع هذه اآلية.

أقول: هذا طعن آخر وهو أن عمر لم يكن حافظا للكتاب العزيز ولم يكنمتدبرا آلياته فال يستحق اإلمامة، وذلك أنه قال عند موت النبي صلى الله عليه وسلم:

والله مامات محمد حتى يقطع أيدي رجال وأرجلهم، فلما نبهه أبو بكر بقوله تعالى: (إنك

ميت وإنهم ميتون) وبقوله (أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم قال: كأنيما سمعت بهذه اآلية وقد أيقنت بوفاته.

قال: وقال: كل أفقه (٢) من عمر حتى المخدرات، لما منع من المغاالة فيالصداق.

أقول: هذا طعن آخر وهو أن عمر قال يوما في خطبته: من غالى في صداقابنته جعلته في بيت المال، فقالت له امرأة: كيف تمنعنا ما أحله الله لنا في كتابه

بقوله: وآتيتم إحداهن قنطارا اآلية، فقال عمر: كل أفقه من عمر حتىالمخدرات في البيوت (٣) ومن يشتبه عليه مثل هذا الحكم الظاهر ال يصلح لإلمامة.

قال: وأعطى أزواج النبي صلى الله عليه وآله واقترض ومنع أهل البيت عليهم السالم منخمسهم.

--------------------(١) وفي (ت): حتى علمه أبو بكر. وفي الشرح: فلما نبهه أبو بكر.

(٢) المتن والشرح متطابقان للنسخ كلها.(٣) باتفاق النسخ كلها.

(٥١٢)

Page 543: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: هذا طعن آخر وهو أن عمر كان يعطي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بيتالمال

حتى كان يعطي عائشة وحفصة عشرة آالف درهم كل سنة وأخذ من بيت المالثمانين ألف درهم فأنكروا عليه ذلك فقال: أخذته على جهة القرض ومنع أهل

البيت عليهم السالم الخمس الذي أوجبه الله تعالى لهم في الكتاب العزيز.قال: وقضى في الجد مائة قضية (١) وفضل في القسمة ومنع المتعتين.

أقول: هذه مطاعن أخر وهو أن عمر غير عارف بأحكام الشريعة (٢) فقضىفي الجد بمائة قضية وروي تسعين قضية، وهذا يدل على قلة معرفته باألحكام

الظاهرة. وأيضا فضل في القسمة والعطاء والواجب التسوية. وقال: (متعتان كانتاعلى عهد رسول الله أنا أنهي عنهما وأعاقب عليهما) مع أن النبي صلى الله عليه وسلم

تأسفعلى فوات المتعة ولو لم تكن أفضل من غيرها من أنواع الحج لما فعل النبي عليه

السالم سالمذلك، وجماعة كانوا قد ولدوا من المتعة في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

وبعد وفاته ولو لمتكن سائغة لم يقع منهم ذلك.

قال: وحكم في الشورى بضد الصواب.أقول: هذا طعن آخر وهو أن عمر خالف رسول الله صلى الله عليه وسلم عندهم حيث

لميفوض األمر إلى اختيار الناس، وخالف أبا بكر حيث لم ينص على إمام بعده ثم

--------------------(١) أي قضى في ميراث الجد بمائة حكم مختلفة فكان يتلون ولم يدر الصواب، والعبارةالمذكورة قد حرفت في النسخ المطبوعة بل وفي غير واحدة من المخطوطة أيضا تحريفافاحشا بهذه العبارة: وقضى في الحد بمائة قضيب، ثم على وزانها حرفت عبارات الشرح

أيضا. ففي تلخيص الشافي: ومما طعنوا عليه أنه كان يتلون في األحكام حتى روي أنهقضى في الجد سبعين قضية وروي مائة قضية (ص ٤٣٨ ط ١). وكذا في شرح ابن أبي

الحديد على النهج في مطاعنه قال: الطعن السابع أنه كان يتلون في األحكام حتى روي أنهقضى في الجد بسبعين قضية وروي مائة قضية، ومطاعنه مذكورة في الجزء الثاني عشر من

ذلك الشرح (ص ٨٠ - ٩٩ ج ٢ من الطبع المذكور آنفا).(٢) كما في النسخ كلها إال نسخة (ص) ففيها: وهو أنه لم يكن عارفا بأحكام الشريعة.

(٥١٣)

Page 544: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

إنه طعن في كل واحد ممن اختاره للشورى وأظهر كراهية أن يتقلد أمر المسلمينميتا كما تقلده حيا، ثم تقلده وجعل اإلمامة في ستة نفر ثم ناقض نفسه فجعلها في

أربعة بعد الستة ثم في ثالثة ثم في واحد فجعل إلى عبد الرحمن بن عوفاالختيار بعد أن وصفه بالضعف، ثم قال: (إن اجتمع علي وعثمان فاألمر كما قااله

وإن صاروا ثالثة ثالثة فالقول للذين فيهم عبد الرحمن) لعلمه بعدم االجتماع منعلي وعثمان وعلمه بأن عبد الرحمن ال يعدل بها عن أخيه عثمان ابن عمه (١) ثم

أمر بضرب أعناقهم إن تأخروا عن البيعة ثالثة أيام، وأمر بقتل من خالف األربعةمنهم أو الذين فيهم عبد الرحمن، وكيف يسوغ له قتل علي عليه السالم وعثمان

وغيرهما--------------------

(١) وفي شرح ابن أبي الحديد على النهج: لعلمه بأن عليا وعثمان ال يجتمعان، وأن عبدالرحمن ال يكاد يعدل باألمر عن ختنه وابن عمه (الجزء الثاني عشر ص ٩٢ ج ٢ ط ١). وفيالشافي: لعلمه بأن عبد الرحمن ال يعدل باألمر عن أخيه وابن عمه (ص ٤٣٩ ط ١). وفي (م):

ال يعدل بها عن زوج أخته عثمان ابن عمه.وفي أول كتاب عثمان من وقائع األقاليم السبعة من ناسخ التواريخ.. أهل شورى از نزد عمر

بيرون شدند هركس طريق سراى خويش گرفت، عباس بن عبد المطلب با علي عليه السالم مىرفت، پس علي باعباس فرمود: سوگند باخداى كه اينكار از ما بيرون شد، عباس گفت: از

كجا گويى؟ فرمود: مگر ندانستى سخن عمر راكه گفت از آنسوى رويد كه عبد الرحمن مىرود؟ عبد الرحمن پسر عم عثمان است وبا أو سمت مصاهرت دارد چه أم كلثوم دختر عقبة

ابن أبي معيط كه بشرط زنى در سراى عبد الرحمن است با عثمان از جانب مادر خواهراست، وأروى دختر كريز مادر عثمان ومادر أم كلثوم است، وبزيادت رسول خداى ميان

عثمان وعبد الرحمن عقد مواخات بست الجرم أو هرگز جانب عثمان را فرونگذاردونگران أو باشد (ج ٢ ط ١ ص ٤٤٤ و ٤٤٥).

وفي أسد الغابة: عثمان بن عفان بن أبي العاص، أمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بنعبد شمس، وأم أروى: البيضاء بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وآله. فما في (م) ال يستقيم

ألن عبد الرحمن كان زوج أخت عثمان من قبل أمه ال بالعكس، وأما كون عثمان ختن عبدالرحمن فألن الختن يطلق على كل من كان من قبل المرأة كما في صحاح الجوهري، فال

بأس بما في نسخة شرح النهج البن أبي الحديد، وأما كونه أخاه فألن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخىبينهما.

(٥١٤)

Page 545: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وهما من أكابر المسلمين.قال: وخرق كتاب فاطمة عليها السالم.

أقول: هذا طعن آخر وهو أن فاطمة عليها السالم لما طالت المنازعة بينها وبين أبيبكر رد أبو بكر عليها فدكا وكتب لها بذلك كتابا، فخرجت والكتاب في يدها فلقيها

عمر فسألها عن شأنها فقصت قصتها، فأخذ منها الكتاب وخرقه فدعت عليهودخل على أبي بكر وعاتبه على ذلك فاتفقا على منعها عن فدك.

قال: وولى عثمان من ظهر فسقه حتى أحدثوا في أمر المسلمين ما أحدثوا.أقول: هذا طعن على عثمان وهو أنه ولى أمور المسلمين من ظهر منه الفسق

والخيانة وقسم الواليات بين أقاربه، وقد كان عمر حذره وقال له: إذا وليت هذااألمر فال تسلط آل أبي معيط على رقاب المسلمين، وصدق عمر فيه في قوله أنه

كلف بأقاربه واستعمل الوليد بن عقبة (١) حتى ظهر منه شرب الخمر وصلى بالناسوهو سكران. واستعمل سعيد بن العاص على الكوفة فظهر منه ما أخرجه به أهل

الكوفة عنها. وولى عبد الله بن أبي سرح مصر حتى تظلم منه أهلها وكاتب ابن أبيسرح أن يستمر على واليته سرا بخالف ما كتب إليه جهرا وأمره بقتل محمد بن

أبي بكر وولى معاوية الشام فأحدث من الفتن ما أحدث.قال: وآثر أهله باألموال.

أقول: هذا طعن آخر على عثمان هو أنه كان يؤثر أهل بيته وأقاربه باألموالالعظيمة من بيت مال المسلمين، فإنه دفع إلى أربعة نفر من قريش أربعمائة ألف

--------------------(١) الوليد بن عقبة بالقاف ابن أبي معيط بالتصغير، وعتبة بالتاء محرفة وتقدم بيان التحريف

في المقدمة عند ذكر نماذج التحريف في رقم ي.ثم إن مطاعن عثمان مذكورة في الجزء الثالث من شرح ابن أبي الحديد على النهج

(ص ١٢٩ - ١٤٢ ج ١ من الطبع المذكور). والمجلد الثاني من تكملة منهاج البراعة قد تصدىلعرض كثير منها مع ذكر مصادرها وإشارات تاريخية ودينية في ذلك.

(٥١٥)

Page 546: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

دينار حيث زوجهم ببناته، ودفع إلى مروان (١) ألف ألف درهم حين فتح أفريقيةومن قبله كان يعطي بقدر االستحقاق وال يتخطى األجانب إلى األقارب.

قال: وحمى لنفسه.أقول: هذا طعن آخر وهو أن عثمان حمى الحمي لنفسه عن المسلمين ومنعهم

عنه، وذلك مناف للشرع ألن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الناس في الماء والكالءوالنار

شرعا سواء.قال: ووقع منه أشياء منكرة في حق الصحابة فضرب ابن مسعود حتى مات

وأحرق مصحفه وضرب عمارا حتى أصابه فتق وضرب أبا ذر ونفاه إلى الربذة.أقول: هذا طعن آخر وهو أن عثمان ارتكب من الصحابة ما ال يجوز وفعل

بهم ما ال يحل، فضرب ابن مسعود حتى مات عند إحراقه المصاحف وأحرقمصحفه وأنكر عليه قراءته، وقد قال صلى الله عليه وآله: من أراد أن يقرأ القرآن غضا

فليقرأبقراءة ابن مسعود (٢)، وكان ابن مسعود يطعن في عثمان ويكفره. وضرب عمار

ابن ياسر حتى صار به فتق وكان يطعن في عثمان وكان يقول: قتلناه كافرا.واستحضر أبا ذر من الشام لهوى معاوية وضربه ونفاه إلى الربذة مع أن

النبي صلى الله عليه وسلم كان مقربا لهؤالء الصحابة وشاكرا لهم.قال: وأسقط القود (٣) عن ابن عمر والحد عن الوليد مع وجوبهما.

أقول: هذا طعن آخر وهو أن عثمان كان يترك الحدود ويعطلها وال يقيمهاألجل هوى نفسه، ومثل هذا ال يصلح لإلمامة فإنه لم يقتل عبد الله بن عمر لما قتلالهرمزان بعد إسالمه، ولما ولي أمير المؤمنين عليه السالم طلبه إلقامة القصاص عليه

--------------------(١) كما في (م) وفي النسخ األخرى: دفع إلى مروان ألف ألف ألجل فتح أفريقية.

(٢) وفي النسخ األخرى غير (ص): فليقرأ بقراءة ابن أم عبد. وفي (ص): فليقرأ بقراءة ابن أمعبد يعني ابن مسعود.

(٣) المتن والشرح موافقان للنسخ كلها إال في (ش ز) ففيهما: ال تبطل حدود الله وأنا حاضر.

(٥١٦)

Page 547: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

فلحق بمعاوية، ولما وجب على الوليد بن عقبة حد الشرب أراد أن يسقطه عنهفحده علي عليه السالم وقال: ال يبطل حد الله وأنا حاضر.

قال: وخذله الصحابة حتى قتل، وقال أمير المؤمنين عليه السالم: الله قتله ولم يدفنإال بعد ثالثة أيام (١) وعابوا غيبته عن بدر وأحد والبيعة.

أقول: هذه مطاعن أخر في عثمان وهو أن الصحابة خذلوه حتى قتل وقد كانيمكنهم الدفع عنه، فلوال علمهم باستحقاقه لذلك وإال لما ساغ لهم التأخر (٢) عن

نصرته. وقال أمير المؤمنين عليه السالم: الله قتله، وتركوه بعد القتل ثالثة أيام ولميدفنوه،

وذلك يدل على شدة غيظهم عليه وأفراطهم في الحنق لما أصابهم من ضررهوظلمه وعابت الصحابة عليه غيبته عن بدر وأحد ولم يشهد بيعة الرضوان.

المسألة السابعةفي أن عليا عليه السالم أفضل من الصحابة

قال: وعلي عليه السالم أفضل لكثرة جهاده وعظم بالئه في وقائع النبي صلى الله عليهوسلم

بأجمعها ولم يبلغ أحد درجته في غزاة بدر وأحد ويوم األحزاب وخيبر وحنينوغيرها.

أقول: اختلف الناس هنا، فقال عمر وعثمان وابن عمر وأبو هريرة منالصحابة: إن أبا بكر أفضل من علي عليه السالم، وبه قال من التابعين الحسن البصري

وعمرو بن عبيد وهو اختيار النظام وأبي عثمان الجاحظ. وقال الزبير وسلمانوالمقداد وجابر بن عبد الله وعمار وأبو ذر وحذيفة من الصحابة: إن عليا عليه السالم

--------------------(١) كما في (ص). والنسخ األخرى كلها: بعد ثالث وعابوا. وفي اإلمامة والسياسة للدينوري:

ثم احتملوه على باب ليال وانطلقوا مسرعين ويسمع من وقع رأسه على اللوح طق طق (ج ١ص ٤٥ ط مصر).

(٢) باتفاق النسخ كلها، أي فلوال علمهم باستحقاقه لذلك من الخذالن والقتل لما خذلوه حتىقتل، وإال لما ساغ لهم التأخر عن نصرته.

(٥١٧)

Page 548: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أفضل، وبه قال في التابعين عطاء ومجاهد وسلمة بن كهيل وهو اختيار البغداديينكافة (١) والشيعة بأجمعهم وأبي عبد الله البصري. وتوقف الجبائيان وقاضي

--------------------(١) كذا في جميع النسخ إال نسخة (م) وكذا في ابتداء شرح ابن أبي الحديد على النهج حيث

قال: وقال البغداديون قاطبة قدماؤهم ومؤخروهم كأبي سهل بشر بن المعمر، وأبي موسىعيسى بن صبيح، وأبي عبد الله جعفر بن مبشر، وأبي جعفر اإلسكافي، وأبي الحسين الخياط،

وأبي القاسم عبد الله بن محمود البلخي وتالمذته: إن عليا عليه السالم أفضل من أبي بكر.. الخ (ص ٣ط ١ ج ١ الحجري).

وقال في انتهاء شرحه عليه عند قوله عليه السالم: يهلك في رجالن محب مطر وباهت مفتر، ما هذالفظه (ص ٤٩١ ج ٢ من الطبع الحجري): والحاصل أنا لم نجعل بينه عليه السالم وبين النبي صلى الله عليه

وسلم إالرتبة النبوة وأعطينا كل ما عدا ذلك من الفضل المشترك بينه وبينه - إلى أن قال - والقول

بالتفضيل قول قديم قد قال به كثير من الصحابة والتابعين، فمن الصحابة عمار والمقداد وأبوذر وسلمان وجابر بن عبد الله وأبي بن كعب وحذيفة وبريدة وأبو أيوب وسهل بن حنيف

وعثمان بن حنيف وأبو الهيثم بن التيهان وخزيمة بن ثابت وأبو الطفيل عامر بن واثلةوالعباس بن عبد المطلب وبنوه وبنو هاشم كافة وبنو المطلب كافة، وكان من بني أمية قوم

يقولون بذلك منهم خالد بن سعيد بن العاص ومنهم عمر بن عبد العزيز - إلى أن قال: -فأما من قال بتفضيله على الناس كافة من التابعين فخلق كثير كأويس القرني وزيد بن

صوحان وصعصعة أخيه وجندب الخير وعبيدة السلماني وغيرهم ممن ال يحصى كثرة ولمتكن لفظة الشيعة تعرف في ذلك العصر إال لمن قال بتفضيله ولم تكن مقالة اإلمامية ومن نحا

نحوها من الطاعنين في إمامة السلف مشهورة حينئذ على هذا النحو من االشتهار فكانالقائلون بالتفضيل هم المسمون الشيعة وجميع ما ورد من اآلثار واألخبار في فضل الشيعة

وأنهم موعودون بالجنة فهؤالء هم المعينون به دون غيرهم. قال: ولذلك قال أصحابناالمعتزلة في كتبهم وتصانيفهم نحن الشيعة حقا فهذا القول هو أقرب إلى السالمة وأشبه

بالحق من القول المقتسمين طرفي االفراط والتفريط إن شاء الله، إنتهى كالم ابن أبي الحديد.وفي نسخة (م) وحدها: وهو اختيار البغداديين من المعتزلة كافة.

أقول: ومن المعتقدين بأن عليا أمير المؤمنين عليه السالم أفضل من أبي بكر وغيره، الشيخ العارفمجدود بن آدم السنائي الغزنوي حيث قال في قصيدته النونية في ذلك (ص ١٠٠ من الطبع

الحجري من ديوانه):كار عاقل نيست در دل مهر دلبر داشتن جان نگين مهر مهرشاخ بي برداشتنتا دل عيسى مريم باشد اندربند تو كي روا باشد دل اندر سم هر خر داشتن

يوسف مصرى نشسته باتو در هر انجمن زشت باشد چشم را در نقش آذر داشتناحمد مرسل نشسته كي روا دارد خرد دل أسير سيرت بوجهل كافر داشتن

بحر پر كشتى است ليكن جمله در گرداب خوف بي سفينة نوح نتوان چشم معبر داشتنگرنجات دين ودل خواهى همى تا چند از أين خويشتن چون دائره بي پا وبى سرداشتن

من سالمت خانه نوح نبي بنمايمت تاتوانى خويشتن را أيمن از شرداشتنشومدينه علم را درجوى پس دروى خرام تا كي آخر خويشتن چون حلقه بردر داشتن

چون همى دانى كه شهر علم را حيدر دراست خوب نبود جز كه حيدرمير ومهتر داشتنكي رواباشد به ناموس وحيل درراه دين ديو را برمسند قاضى أكبر داشتن

من چه گويم توچه دانى مختصر عقلي بود قدرخاك افزون تر از گوگرد احمر داشتن

Page 549: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

از تو خود چون مى پسندد عقل نابيناى تو پارگين را قابل تسنيم وكوثر داشتنمرمرا باورنكو نايد زروى اعتقاد حق زهرا بردن ودين پيمبر داشتن

آن كه اورا برسر حيدر همى خوانى أمير كافرم گرمى تواند كفش قنبر داشتنتا سليمان وارباشد حيدراندر صدر ملك زشت باشد ديورا برتارك أفسر داشتن

خضر فرخ پى دليلي را ميان بسته چوكلك جاهلي باشد ستور لنگ رهبر داشتنچون درخت دين بباغ شرع هم حيدر نشاند باغبانى زشت باشد جز كه حيدر داشتن

از گذشت مصطفى مجتبى جز مرتضى عالم دين را نيارد كس معمر داشتنهشت بستانرا كجا هرگز توانى يافتن جز به حب حيدر وشبير وشبر داشتن

گر همى مؤمن شمارى خويشتن را بايدت مهر زر جعفري بردين جعفر داشتنإلى آخر أبيات القصيدة وهي كثيرة وفي ديوانه مسطورة، وسبب انشائه هذه القصيدة هو أنالسلطان سنجر بعد وفاة أبيه ملكشاه كتب اليه وطلب منه معرفة الدين الحق اإللهي فأنشأها

وأرسلها اليه وقال فيها مخاطبا له:از پس سلطان ملكشه چون نمى دارى روا تاج وتخت پادشاهى جزكه سنجر داشتن

از پس سلطان دين پس چون روادارى همى جزعلى وعترتش محراب ومنبر داشتنوراجع في ذلك المجلس السادس من مجالس المؤمنين للقاضي السعيد نور الله الشهيد

نور الله نفسه ورمسه (ص ٢٩٤ ط الحجري).ثم إن لهذا المتمسك بذيل والية الوصي مذهبا آخر تفرد به وهو أنه ال يقول بذلك التفضيل

أبدا وال يتفوه به قط، وذلك ألن التفضيل شرطه مشاركة الطرفين في صفات الفضيلةوتجانسهما في جميع المقايسات إال أن أحدهما في تلك الصفات أفضل من اآلخر كما ينبئك

عن هذه الدقيقة قوله علت كلمته: تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض (البقرة ٢٥٤)وقوله: ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض (اإلسراء ٢٢) ونحوهما من آيات أخرى،

فحيث إن التشارك والتجانس شرط في المقايسة فال يقاس الخط بالنقطة، وال السطح بالخط،وال الجسم بالسطح، وال النور بالظلمة، وال العلم بالجهل، وال الحق بالباطل، وال المعصوم

بغير المعصوم. ولست أدري أي مشاركة بين الوصي أمير المؤمنين علي عليه السالم وبين الثالثة فيالعصمة التي اختص هو بها دون غيره من الصحابة؟! وأي مجانسة بينه وبينها في الفضائل

القرآنية والحقائق العقلية الملكوتية وقد كان عليه السالم بين الصحابة المعقول بين المحسوس،وعدل النبي إال درجة النبوة، وما سبقه األولون إال بفضل النبوة وال يدركه اآلخرون. وأين

الذرة من المجرة، والحصباء من الشعرى، ونار الحباحب من نور البيضاء حتى يتفوه بذلكالتفضيل؟! أرأيت هل تجوز التفوه بتفضيل رسول الله صلى الله عليه وآله على أبي بكر بأن تقول: كان هو

أفضل من أبي بكر كما تجوز القول بأنه عليه السالم أفضل األنبياء والمرسلين. وإنما منزلة الذي كانعدله إال بفضل النبوة، هي هكذا بال دغدغة وال مراء. فشرط المناسبة في المقايسة يوجب

مقايسته عليه السالم مع سائر األنبياء وقاطبة األوصياء واألولياء الكاملين ال مع آحاد الرعية وغاغةالناس، أال ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وآخى بين الصحابة وقرن كل شخص إلى مماثله في

الشرف والفضيلة وآخاه عليه السالم من دون الصحابة. وأنه صلى الله عليه وسلم قال: من أحب أن ينظر إلىآدم

في علمه، والى نوح في تقواه، والى إبراهيم في حلمه، والى موسى في هيبته، والى عيسى فيعبادته فلينظر إلى علي بن أبي طالب، رواه البيهقي عن النبي صلى الله عليه وآله فالوصي عليه السالم كان

مساويالألنبياء المتقدمين.

Page 550: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

(٥١٨)

Page 551: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

القضاة: قال أبو علي الجبائي: إن صح خبر الطائر فعلي أفضل، ونحن نقول: إنالفضائل إما نفسانية أو بدنية وعلي عليه السالم كان أكمل وأفضل من باقي الصحابة

فيهما،والدليل على ذلك وجوه ذكرها المصنف رحمه الله: األول إن عليا عليه السالم كان

أكثر جهاداوأعظم بالء في غزوات النبي صلى الله عليه وسلم بأجمعها ولم يبلغ أحد درجته في

ذلك: منهافي غزاة بدر وهي أول حرب امتحن بها المؤمنون لقلتهم وكثرة المشركين، فقتل

علي عليه السالم الوليد بن عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة (١) ثم العاص بن سعيد بنالعاص

--------------------(١) ولكن الرواية جاءت في السيرة البن كثير هكذا.. فحمى عند ذلك عتبة بن ربيعة، وأراد أن

يظهر شجاعته، فبرز بين أخيه شيبة وابنه الوليد، فلما توسطوا بين الصفين دعوا إلى البراز- إلى أن قال: - فقال النبي صلى الله عليه وآله: (قم يا عبيدة بن الحارث، وقم يا حمزة، وقم يا علي) - إلى

قوله: - فبارز عبيدة - وكان أسن القوم - عتبة، وبارز حمزة شيبة، وبارز علي الوليد بن عتبة،فأما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله، وأما علي فلم يمهل الوليد أن قتله، واختلف عبيدة

وعتبة بينهما بضربتين، كالهما أثبت صاحبه، وكر حمزة وعلي بأسيافهما على عتبة فدففاعليه، واحتمال صاحبهما فحازاه إلى أصحابهما (ج ٢ ص ٤١٣ ط مصر).

والغرض من النقل أن قاتل شيبة بن ربيعة كان حمزة عليه السالم ال أمير المؤمنين علي عليه السالم فإنه كانقاتل ابن أخيه الوليد بن عتبة.

(٥٢٠)

Page 552: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

ثم حنظلة بن أبي سفيان ثم طعيمة بن عدي ثم نوفل بن خويلد وكان شجاعاوسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يكفيه أمره فقتله علي عليه السالم ولم يزل يقاتل

حتى قتل نصفالمشركين المقتولين (١) والباقي من المسلمين وثالثة آالف من المالئكة مسومين

قتلوا النصف اآلخر ومع ذلك كانت الراية في يد علي عليه السالم.ومنها في غزاة أحد جمع له الرسول صلى الله عليه وآله بين اللواء والراية وكانت رايةالمشركين مع طلحة بن أبي طلحة وكان يسمى كبش الكتيبة فقتله علي عليه السالم

فأخذالراية غيره فقتله عليه السالم ولم يزل يقتل واحدا بعد واحد حتى قتل تسعة نفر فانهزم

المشركون واشتغل المسلمون بالغنائم فحمل خالد بن الوليد بأصحابه (٢) علىالنبي صلى الله عليه وسلم فضربوه بالسيوف والرماح والحجر حتى غشي عليه فانهزم

الناس--------------------

(١) كما في (ص) وحدها وهو الصواب والنسخ األخرى عارية عن الوصف أعني المقتولين.قال اليعقوبي في تاريخه (ص ٣٣ ج ٢٢ ط النجف) في نقل وقعة بدر العظمى: وأقبلت قريش

مستعدة لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدتهم ألف رجل، وقيل: تسعمائة وخمسون، إنتهى.وفي السيرة النبوية البن هشام (ص ٧٠٦ ج ١ ط مصر): جميع من شهد بدرا من المسلمينثالث مائة رجل وأربعة عشر رجال - إلى أن قال (ص ٧١٤): - إن قتلى بدر من المشركين

كانوا سبعين رجال، واألسرى كذلك، وهو قول ابن عباس وسعيد بن المسيب. وفي كتاب اللهتبارك وتعالى: أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها يقوله ألصحاب أحد - وكان من

استشهد منهم سبعين رجال - يقول: قد أصبتم يوم بدر مثلي من استشهد منكم يوم أحد،سبعين قتيال وسبعين أسيرا، وأنشدني أبو زيد األنصاري لكعب بن مالك:

فأقام بالعطن المعطن منهم سبعون، عتبة منهم واألسوديعني قتلى بدر، إنتهى باختصار.

والغرض من النقل أن الصحيح هو ما اخترناه من (ص)، وعبارة النسخ الخالية عن الوصفالمذكور ال توافق الواقع.

(٢) وفي (م ص): وأصحابه.

(٥٢١)

Page 553: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

عنه سوى علي عليه السالم فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم بعد إفاقته وقال لهاكفني هؤالء فهزمهم

عنه وكان أكثر المقتولين منه عليه السالم.ومنها يوم األحزاب وقد بالغ في قتل المشركين وقتل عمرو بن عبد ود وكان

بطل المشركين ودعا إلى البراز مرارا فامتنع عنه المسلمون وعلي عليه السالم يروممبارزته والنبي صلى الله عليه وسلم يمنعه من ذلك لينظر صنع المسلمين، فلما رأى

امتناعهمأذن له وعممه بعمامته ودعا له، قال حذيفة: لما دعا عمرو إلى المبارزة أحجم

المسلمون عنه كافة ما خال عليا عليه السالم فإنه برز إليه فقتله الله على يديه والذينفس

حذيفة بيده لعمله في ذلك اليوم أعظم أجرا من عمل أصحاب محمد صلى الله عليهوسلم إلى

يوم القيامة وكان الفتح في ذلك اليوم على يدي علي عليه السالم، وقال النبي صلى اللهعليه وسلم:

لضربة علي خير من عبادة الثقلين.ومنها في غزاة خيبر واشتهار جهاده فيها غير خفي وفتح الله تعالى على يديه،

فإن النبي صلى الله عليه وسلم حصر حصنهم بضعة عشر يوما وكانت الراية بيد عليعليه السالم

فأصابه رمد فسلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم الراية إلى أبي بكر مع جماعة فرجعوامنهزمين

خائفين فدفعها الغد إلى عمر ففعل مثل ذلك فقال عليه السالم: ألسلمن الراية غدا إلىرجل يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله، كرار غير فرار ال يرجع حتى يفتح

على يده، فلما أصبح قال: إئتوني بعلي، فقيل: به رمد، فتفل في عينه (١) ودفع الرايةإليه فقتل مرحبا فانهزم أصحابه وغلقوا األبواب ففتح علي عليه السالم الباب واقتلعه

وجعله جسرا على الخندق وعبروا وظفروا، فلما انصرفوا أخذه بيمينه ودحاهأذرعا وكان يغلقه عشرون وعجز المسلمون عن نقله حتى نقله سبعون رجال

وقال عليه السالم: (والله ما قلعت باب خيبر بقوة جسمانية ولكن قلعته بقوة ربانية).ومنها في غزاة حنين وقد سار النبي صلى الله عليه وسلم في عشرة آالف فارس من

المسلمين فتعجب أبو بكر من كثرتهم وقال: لن نغلب اليوم من قلة (٢) فانهزموا--------------------

(١) كما في (ش م ز د) وفي (ق ص): في عينيه.(٢) كما في أول باب غزاة حنين من سادس البحار ط ١: إن بعضهم حين رأى المسلمين لن

نغلب اليوم من قلة. وكذا في (م ص ز د) وفي (ش) وحدها: لن نغلب القوم من قلة.

Page 554: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

(٥٢٢)

Page 555: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

بأجمعهم ولم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم سوى تسعة نفر علي عليه السالموالعباس وابنه الفضل

وأبو سفيان بن الحرث ونوفل بن الحرث وربيعة بن الحرث وعبد الله بن الزبيروعتبة ومعتب ابنا أبي لهب، فخرج أبو جرول فقتله علي عليه السالم فانهزم المشركون

وأقبل المسلمون بعد نداء النبي صلى الله عليه وسلم وصافوا العدو فقتل علي عليهالسالم أربعين وانهزم

الباقون وغنمهم المسلمون، وغير ذلك من الوقائع المأثورة والغزوات المشهورةالتي نقلها أرباب السير وكانت الفضيلة في ذلك بأجمعه (١) لعلي عليه السالم وإذا

كان أكثرجهادا كان أفضل من غيره وأكثر ثوابا.

قال: وألنه أعلم (٢) لقوة حدسه ومالزمته للرسول صلى الله عليه وآله ورجعتالصحابة

إليه في أكثر الوقائع بعد غلطهم، وقال النبي صلى الله عليه وآله: أقضاكم علي، واستندالفضالء

في جميع العلوم إليه وأخبر هو عليه السالم بذلك.أقول: هذا هو الوجه الثاني في بيان أن عليا عليه السالم أفضل من غيره، وهو

أنه عليه السالم أعلم من غيره فيكون أفضل، أما المقدمة األولى فيدل عليها وجوه:األول: أنه عليه السالم كان شديد الذكاء في غاية قوة الحدس، ونشأ في حجر

رسول الله صلى الله عليه وسلم مالزما له مستفيدا منه والرسول صلى الله عليه وسلمكان أكمل الناس

وأفضلهم، ومع حصول القبول التام والمؤثر الكامل يكون الفعل أقوى وأتموبالخصوص وقد مارس المعارف اإللهية من صغره، وقد قيل: إن العلم في الصغر

كالنقش في الحجر وهذا برهان لمي.الثاني: أن الصحابة كانت تشتبه األحكام عليهم وربما أفتى بعضهم بالغلط

وكانوا يراجعونه في ذلك، ولم ينقل أنه عليه السالم راجع أحدا منهم في شئ البتة،وذلك يدل على أنه أفضل من الجماعة فإنه نقل عن أبي بكر أن بعض اليهود لقيه

--------------------(١) كما في (م) والنسخ األخرى كلها: وكانت الفضيلة بأجمعها في ذلك.

(٢) المتن مطابق للنسخ كلها إال أن العبارة في (م) جاءت: (وشدة مالزمته للنبي) مكان (شدةمالزمته للرسول).

(٥٢٣)

Page 556: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

فقال له: أين الله تعالى، فقال: على العرش، فقال اليهودي: خلت األرض منه حيثاختص ببعض األمكنة، فانصرف اليهودي مستهزئ باالسالم فلقيه علي عليه السالمفقال له: إن الله أين األين فال أين له.. إلى آخر الحديث، فأسلم على يده، وسئل

عن الكاللة واألب فلم يعرف ما يقول حتى أوضح علي عليه السالم الجواب. وسئلعمر

عن أحكام كثيرة (١) فحكم فيها بضد الصواب فراجعه فيها علي عليه السالم فرجعإلى

قوله، كما نقل عنه من إسقاط حد الشرب عن قدامة لما تلي عليه قوله تعالى: (ليسعلى الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا) فقال علي عليه السالم:الذين آمنوا وعملوا الصالحات ال يستحلون محرما، وأمره برده واستتابته فإن

تاب فاجلده وإال فأقتله، فتاب ولم يدر عمر كم يحده (٢) فأمره عليه السالم بحدهثمانين.

وأمر عمر برجم مجنونة زنت فرده عليه السالم بقوله: رفع القلم عن المجنون حتىيفيق،

فقال: لوال علي لهلك عمر. وولدت امرأة لستة أشهر فأمر عمر برجمها، فقالله عليه السالم: إن أقل الحمل ستة أشهر بقوله تعالى: (وفصاله في عامين) وقوله تعالى:

(وحمله وفصاله ثالثون شهرا و) أمر عمر برجم حامل فقال له علي عليه السالم: إنكان

لك سبيل عليها فليس لك على ما في بطنها سبيل، فامتنع، وغير ذلك من الوقائعالشهيرة (٣).

الثالث: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حقه: أقضاكم علي، والقضاءيستلزم العلم

فيكون أفضل منهم.الرابع: استناد العلماء بأسرهم إليه، فإن النحو مستند إليه وكذا أصول المعارفاإللهية وعلم األصول (٤) فإن أبا الحسن األشعري تلميذ أبي علي الجبائي من

--------------------(١) وفي (م) فقط: عن أشياء كثيرة.

(٢) كما في النسخ كلها، وأما ما في المطبوعة من زيادة (وقال عليه السالم) بعد (واستتابته) فيشبه أنتكون تعليقة أدرجت في الكتاب.

(٣) كما في (م ص) وفي غيرهما: من الوقائع الكثيرة.(٤) وفي (ص) وحدها: وكذا أصول الفقه وعلم أصول المعارف اإللهية.

(٥٢٤)

Page 557: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

المعتزلة وكافة المعتزلة ينتسبون إليه ويدعون أخذ معارفهم منه، وأهل التفسيررجعوا إلى ابن عباس فيه وهو تلميذ علي عليه السالم والفقهاء ينتسبون إليه والخوارج

معبعدهم عنه (١) ينتسبون إلى أكابرهم وهم تالمذة علي عليه السالم.

الخامس: أنه عليه السالم أخبر بذلك في عدة مواضع كقوله: سلوني (٢) عن طرقالسماء فإني أعرف بها من طرق األرض، وقال: والله لو كسرت لي الوسادة

لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الزبور بزبورهم وبين أهل اإلنجيلبإنجيلهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم.

وذلك يدل على كمال معرفته بجميع هذه الشرائع، وبالجملة فلم ينقل عن أحدمن الصحابة وال عن غيرهم ما نقل عنه من أصول العلم.

قال: ولقوله تعالى: (وأنفسنا)أقول: هذا هو الوجه الثالث الدال على أنه عليه السالم أفضل من غيره، وهو قولهتعالى: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم)،

واتفق المفسرون كافة على أن األبناء إشارة إلى الحسن والحسين عليهما السالموالنساء

إشارة إلى فاطمة عليها السالم واألنفس إشارة إلى علي عليه السالم، وال يمكن أنيقال: إن

نفسيهما واحدة فلم يبق المراد من ذلك إال المساوي (٣) وال شك في أنرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الناس فمساويه كذلك أيضا.

قال: ولكثرة سخائه على غيره.أقول: هذا وجه رابع يدل على أن عليا عليه السالم أفضل من غيره وهو أنه كان

أسخى الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أنه جاد بقوته وقوت عيالهوبات طاويا

هو وإياهم ثالثة أيام (٤) حتى أنزل الله تعالى في حقهم (ويطعمون الطعام على--------------------

(١) وفي (م) مع بعد عنهم.(٢) كما في (ش). والنسخ األخرى كلها: اسألوني. وفي (ق) كتبت فوق اسألوني، لفظة بخطه.

(٣) وفي (م) وحدها: إال التساوي.

(٤) كذا في جميع النسخ باالتفاق.

(٥٢٥)

Page 558: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) وتصدق مرة أخرى بجميع ما يملكه وقد كان حينئذيملك أربعة دراهم ال غير فتصدق بدرهم ليال وبدرهم نهارا وبدرهم سرا وبدرهمعالنية فأنزل الله تعالى في حقه (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعالنية)

وكان يعمل باألجرة ويتصدق بها ويشد على بطنه الحجر من شدة الجوع، وشهد لهبذلك أعداؤه فضال عن أوليائه، قال معاوية: لو ملك علي بيتا من تبر وبيتا من تبنألنفد تبره قبل تبنه ولم يخلف شيئا أصال، وقال: يا بيضاء ويا صفراء غري غيري،

وكان يكنس بيوت األموال ويصلي فيها مع أن الدنيا كانت بيده.قال: وكان أزهد الناس بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

أقول: هذا هو الوجه الخامس، وتقريره أن عليا عليه السالم كان أزهد الناس بعدرسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون أفضل من غيره، بيان المقدمة األولى ما نقل

بالتواتر عنهأنه عليه السالم كان سيد األبدال واليه تشد الرحال في معرفة الزهد والتسليك فيه

وترتيب أحوال الرياضيات وذكر مقامات العارفين، وكان أخشن الناس مأكالوملبسا ولم يشبع من طعام قط، قال عبيد الله بن أبي رافع: دخلت عليه يوما فقدم

جرابا مختوما فوجدنا فيه خبز شعير يابسا مرضوضا فأكل منه، فقلتيا أمير المؤمنين: كيف تختمه، فقال: خفت هذين الولدين يلتانه بزيت أو سمن.

وهذا شئ اختص به علي عليه السالم لم يشاركه فيه غيره ولم ينل أحد بعض درجته،وكان نعاله من ليف ويرقع قميصه بجلد تارة وبليف أخرى، وقل أن يأتدم فإن فعل

فبالملح أو بالخل فإن ترقى فبنبات األرض فإن ترقى فبلبن، وكان ال يأكل اللحمإال قليال ويقول: ال تجعلوا بطونكم مقابر الحيوان، وطلق الدنيا ثالثا، والمقدمة

الثانية ظاهرة.قال: وأعبدهم.

أقول: هذا وجه سادس، وتقريره أن عليا عليه السالم كان أعبد الناس بعدرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنه تعلم الناس صالة الليل واستفادوا منه ترتيب

النوافل

(٥٢٦)

Page 559: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

والدعوات، وكانت جبهته كثفنة البعير (١) لطول سجوده، وكان يحافظ على النافلةحتى أنه بسط له بين الصفين نطع ليلة الهرير فصلى عليه السالم النافلة والسهام تقع بين

يديه وإلى جوانبه، وكانوا يستخرجون النصول (٢) من جسده وقت الصالة اللتفاتهبالكلية إلى الله تعالى حتى ال يبقى له التفات إلى غيره.

--------------------(١) في (ص) وحدها: كركبة البعير، والنسخ األخرى كلها: كثفنة البعير.

(٢) قال السيد الجزائري في األنوار النعمانية (ص ٣٠٠ ط الحاج موسى): نور في الحبودرجاته - إلى قوله: - العشق هو االفراط في المحبة، واشتقاقه من العشقة وهي نبت يلتفعلى الشجرة من أصلها إلى فرعها فهو محيط بها كما أن العشق محيط بمجامع القلب. وأما

اشتغال النفس بهذه المرتبة عن قواها الشهوانية وعن النوم فإنما جاء من فرط نار المحبةالكامنة في القلب، الشاغلة له عما عداه حتى أنه في هذه الحالة ربما شغل قلبه وحسه عن

آالم البدن وأوجاعها. وهذه الحالة قد كانت في الحب الحقيقي وذلك أن أمير المؤمنين عليه السالملما كانت النصال تلج في بدنه الشريف من الحروب كان الجراح يخرجها منه إذا اشتغلبالصالة لعدم إحساسه بها ذلك الوقت الشتغال قلبه بعالم القدس وملك الجبروت، إنتهى

باختصار.وقد أجاد العارف الجامي في المقام نظما حيث قال:شير خدا شاه واليت علي صيقلى شرك خفي وجلي

روز أحد چون صف هيجا گرفت تير مخالف به تنش جا گرفتغنچه پيكان بگل أو نهفت صد گل محنت زگل أو شكفت

روى عبادت سوى محراب كرد پشت بدرد سراصحاب كردخنجر الماس چو بنداختند چاك بتن چون گلشن انداختند

غرقه بخون غنچه زنگارگون آمد از آن گلشن احسان برونگل گل خونش بمصلى چكيد گشت چو فارغ زنماز آن بديد

أين همه گل چيست ته پاى من ساخته گلزار مصالى منصورت حالش چونمودند باز گفت كه سوگند به داناى راز

كز ألم تيغ ندارم خبر گرچه زمن نيست خبر دارترطاير من سدرة نشين شد چه باك گر شودم تن چو قفس چاك چاك

جامى از آاليش تن پاك شو در قدم پاك روان خاك شوشايد از آن خاك بگردى رسى گرد شكافى وبمردى رسى

(٥٢٧)

Page 560: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قال: وأحلمهم.أقول: هذا وجه سابع وهو أن عليا عليه السالم كان أحلم الناس بعد رسول الله صلى

الله عليه وسلملم يقابل أحدا بإسائته، فعفى عن مروان بن الحكم يوم الجمل وكان شديد العداوة

له عليه السالم، وعفا عن عبد الله بن الزبير لما استأسره (١) يوم الجمل وكان يشتمهعليه السالم

ظاهرا، وقال عليه السالم: لم يزل الزبير رجال منا أهل البيت حتى شبه عبد الله، وعفاعن

سعيد بن العاص وكان عدوا له عليه السالم، وأكرم عائشة وبعثها إلى المدينة مععشرين

مرأة عقيب حربها له، وصفح عن أهل البصرة مع محاربتهم له، ولما حارب معاويةسبق أصحاب معاوية إلى الشريعة فمنعوه من الماء فلما اشتد العطش بأصحابه

حمل عليهم وفرقهم وملك الشريعة فأراد أصحابه أن يفعلوا بهم كذلك فنهاهم عنذلك، وقال: افسحوا بعض الشريعة (٢) ففي حد السيف ما يغني عن ذلك.

قال: وأشرفهم خلقا.أقول: هذا وجه ثامن، وتقريره أن عليا عليه السالم كان أشرف الناس خلقا وأطلقهم

وجها حتى نسبه عمر إلى الدعابة مع شدة بأسه وهيبته، قال صعصعة بن صوحان:كان فينا كأحدنا لين جانب وشدة تواضع وسهولة قياد، وكنا نهابه مهابة األسير

المربوط للسياف الواقف على رأسه. وقال معاوية لقيس بن سعد: رحم الله أباحسن فلقد كان هشا بشا ذا فكاهة، فقال قيس: أما والله لقد كان مع تلك الفكاهة

والطالقة أهيب من ذي لبدتين قد مسه الطوى، تلك هيبة التقوى ليس كما يهابكطغام الشام فيكون أفضل من غيره حيث جمع بين المتضادات من حسن الخلق

وطالقة الوجه وعظم شجاعته وشدة بأسه وكثرة حروبه.قال: وأقدمهم إيمانا.

أقول: هذا وجه تاسع، وتقريره أن عليا عليه السالم كان أقدم الناس إيمانا، روى--------------------

(١) كما في النسخ كلها إال نسخة (م) ففيها: لما استأمره.(٢) كما في (م) وفي غيرها: افسحوا لهم عن بعض الشريعة.

(٥٢٨)

Page 561: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

سلمان الفارسي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أولكم ورودا على الحوضأولكم

إسالما علي بن أبي طالب عليه السالم (١). وقال أنس: بعث النبي يوم االثنين وأسلمعلي

يوم الثالثاء. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة عليها السالم: زوجتكأقدمهم إسالما وأكثرهم

علما. وقال عليه السالم يوما على المنبر: أنا الصديق األكبر وأنا الفاروق األعظم آمنتقبل أن آمن أبو بكر وأسلمت قبل أن أسلم، وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم

ينكر عليه أحد. وروى عبد الله بن الحسن قال: كان أمير المؤمنين عليه السالم يقول:أنا

أول من صلى وأول من آمن بالله ورسوله ولم يسبقني بالصالة إال نبي الله،وألنه عليه السالم كان في منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد االختصاص به

عظيم االمتثالألوامره لم يخالفه قط، وأبو بكر كان بعيدا عنه مجانبا له فيبعد عرض االسالم عليه

قبل عرضه على علي عليه السالم وبالخصوص وقد نزل قوله تعالى: (وأنذر عشيرتكاألقربين.

(ال يقال) إن إسالمه عليه السالم كان قبل البلوغ فال اعتبار به. (ألنا نقول)المقدمتان ممنوعتان. (أما األول) فألن سن علي عليه السالم كان ستا وستين سنة أو

خمسا وستين والنبي صلى الله عليه وسلم بقي بعد الوحي ثالثا وعشرين سنة وعلي عليهالسالم بقي

بعد النبي نحوا من ثالثين سنة فيكون سن علي عليه السالم وقت نزول الوحي فيما بيناثنتي عشرة سنة وبين ثالث عشرة سنة، والبلوغ في هذا الوقت ممكن فيكون

واقعا لقوله صلى الله عليه وسلم: زوجتك أقدمهم إسالما وأكثرهم علما. (وأما الثانية)فألن

الصبي قد يكون رشيدا (٢) كامل العقل قبل سن البلوغ فيكون مكلفا، ولهذا حكمأبو حنيفة بصحة إسالم الصبي وإذا كان كذلك دل على كمال الصبي، (أما األول)فألن الطباع في الصبيان مجبولة على حب األبوين والميل إليهما، فإعراض الصبي

--------------------(١) هكذا روي باتفاق النسخ كلها.

(٢) قال عز من قائل: (وآتيناه الحكم صبيا) و (كيف نكلم من كان في المهد صبيا) (مريم ١٢، ٢٩).

(٥٢٩)

Page 562: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

عنهما والتوجه إلى الله تعالى يدل على قوة كماله، (وأما ثانيا) فألن طبائع الصبيانمنافية للنظر في األمور العقلية والتكاليف اإللهية ومالئمة للعب واللهو، فإعراض

الصبي عما يالئم طباعه إلى ما ينافره يدل على عظم منزلته في الكمال، فثبت بذلكأن عليا عليه السالم كان أقدمهم إيمانا فيكون أفضل لقوله تعالى: (والسابقون السابقون

أولئك المقربون).قال: وأفصحهم (١).

أقول: هذا دليل عاشر، وتقريره أن عليا عليه السالم كان أبلغ الناس في الفصاحةوأعظمهم منزلة فيها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قال البلغاء كافة: إن

كالمه دونكالم الخالق وفوق كالم المخلوق، ومنه تعلم الناس أصناف البالغة حتى قال

معاوية: ما سن الفصاحة لقريش غيره. وقال ابن نباتة (٢): حفظت من خطبه مائةخطبة. وقال عبد الحميد بن يحيى: حفظت سبعين خطبة من خطبه.

قال: وأسدهم رأيا.أقول: هذا دليل حادي عشر، وتقريره أن عليا عليه السالم كان أسد الناس رأيا بعد

رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجودهم تدبيرا وأعرفهم بمزايا األمور (٣) ومواقعها،وهو الذي

--------------------(١) باتفاق النسخ كلها. وما في المطبوعة: وأفصحهم لسانا، زيادة من النساخ، أو هو تصحيح

قياسي.(٢) في وفيات األعيان البن خلكان: أبو يحيى عبد الرحيم بن نباتة صاحب الخطب

المشهورة، كان إماما في علوم األدب، قال: حفظت من الخطابة كنزا ال يزيده األنفاق إال سعةوكثرة، حفظت مائة فصل من مواعظ علي بن أبي طالب عليه السالم.

وفيه أيضا: أبو غالب عبد الحميد الكاتب البليغ المشهور كان كاتب مروان بن حكم األمويآخر ملوك بني أمية، وبه يضرب المثل في البالغة حتى قيل: فتحت الرسائل بعبد الحميد

وختمت بابن العميد. وكان في الكتابة وفي كل فن من العلم واألدب إماما، قال: حفظتسبعين خطبة من خطب األصلع ففاضت ثم فاضت.أقول: يعني باألصلع أمير المؤمنين عليا عليه السالم.

(٣) وفي (ق) وحدها: وأعرفهم تمييزا باألمور. والنسخ األخرى كلها كما في الكتاب.

(٥٣٠)

Page 563: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أشار على عمر بالتخلف عن حرب الروم والفرس وبعث نوابه، وأشار على عثمانبما فيه صالحه وصالح المسلمين فخالفه حتى قتل فيكون أفضل من غيره.

قال: وأكثرهم حرصا على إقامة حدود الله تعالى.أقول: هذا وجه ثاني عشر، وتقريره أن عليا عليه السالم كان أكثر الناس حرصا علىإقامة حدود الله تعالى، لم يراقب في ذلك أحدا ولم يلتفت إلى قرابة بل كان شديد

السياسة (١) خشنا في ذات الله تعالى، لم يراقب ابن عمه وال أخاه، ونقض دارمصقلة بن هبيرة ودار جرير بن عبد الله البجلي وصلب جماعة وقطع آخرين، ولم

يساوه في ذلك أحد من الصحابة فيكون أفضل من غيره.قال: وأحفظهم للكتاب العزيز.

أقول: هذا وجه ثالث عشر وهو أن عليا عليه السالم كان يحفظ كتاب الله تعالى علىعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن أحد يحفظه وهو أول من جمعه، ونقل

الجمهور أنهتأخر عن البيعة بسبب اشتغاله بجمع القرآن العظيم، وأئمة القراء يسندون قراءاتهم

إليه كأبي عمرو بن أبي العالء وعاصم وغيرهما ألنهم يرجعون إلى أبيعبد الرحمن السلمي وهو تلميذه عليه السالم فيكون أفضل من غيره.

قال: وإلخباره بالغيب.أقول: هذا وجه رابع عشر، وتقريره أن عليا عليه السالم أخبر بالغيب في مواضع

كثيرة، ولم تحصل هذه المرتبة ألحد من الصحابة فيكون أفضل منهم قطعا، وذلككإخباره بقتل ذي الثدية ولما لم يجده أصحابه بين القتلى قال: والله ما كذبت والكذبت، فاعتبرهم عليه السالم حتى وجده وشق قميصه (٢) ووجد على كتفه سلعة

كثديالمرأة عليها شعرات تنحدر (٣) كتفه مع جذبها وترجع مع تركها.

--------------------(١) كما في النسخ كلها إال (م) ففيها: بل كان شديد الشوكة.

(٢) وفي (ص): وفتق قميصه.(٣) هذه العبارة الصحيحة قد حرفت في النسخ المطبوعة وغيرها بوجوه مشوهة. وراجع في

أمر ذي الثدية المجلد الثاني من مروج الذهب للمسعودي (ص ٤١٧ ط مصر).

(٥٣١)

Page 564: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وقال له أصحابه: إن أهل النهروان قد عبروا، فقال عليه السالم: لم يعبروا، فأخبروهمرة ثانية فقال: لم يعبروا، فقال جندب بن عبد الله األزدي في نفسه: إن وجدتالقوم قد عبروا كنت أول من يقاتله فلما وصلنا النهر لم نجدهم عبروا، فقال عليه

السالم:يا أخا األزد أتبين لك األمر، وذلك يدل على اطالعه على ما في ضميره.

وأخبر عليه السالم بقتل نفسه في شهر رمضان وبوالية الحجاج وانتقامه وبقطع يدجويرية بن مسهر ورجله وصلبه على جذع ففعل به ذلك في أيام معاوية، وبصلبميثم التمار على باب عمرو بن حريث عاشر عشرة وأراه النخلة التي يصلب على

جذعها فكان كما قال، وبذبح قنبر فذبحه الحجاج.وقيل له: قد مات خالد بن عرفطة بوادي القرى، فقال: لم يمت وال يموت

حتى يقود جيش ضاللة صاحب رايته حبيب بن جماز، فقام رجل من تحت المنبرفقال: والله إني لك لمحب وأنا حبيب، قال: إياك أن تحملها ولتحملنها فتدخل بها

من هذا الباب، وأومأ إلى باب الفيل فلما بعث ابن زياد عمر بن سعد إلى قتالالحسين عليه السالم جعل على مقدمته خالدا وحبيب صاحب رايته فسار بها حتى دخل

المسجد من باب الفيل. وقال عليه السالم يوما على المنبر: سلوني قبل أن تفقدونيفوالله

ال تسألوني عن فئة تضل (١) مائة وتهدي مائة إال نبأتكم بناعقها وسائقها إلى يومالقيامة، فقام إليه رجل فقال: أخبرني كم في رأسي ولحيتي من طاقة شعر، فقال

أمير المؤمنين عليه السالم: لقد حدثني خليلي بما سألت عنه وأن على كل طاقة شعرفي

رأسك ملكا يلعنك وعلى كل طاقة شعر في لحيتك شيطانا يستفزك وأن في بيتكلسخال يقتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان من أمر الحسين عليه

السالم ما كان تولىقتله، واألحاديث في ذلك أكثر من أن تحصى نقلها المخالف والمؤالف.

قال: واستجابة دعائه.--------------------

(١) كما في النسخ كلها إال نسخة (م) ففيها: عن فتنة تضل.

(٥٣٢)

Page 565: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: هذا وجه خامس عشر، وتقريره أن عليا عليه السالم كان مستجاب الدعوةسريعا دون غيره من الصحابة فيكون أفضل منهم، وتقرير المقدمة األولى ما نقل

بالتواتر عنه عليه السالم في ذلك كما دعا على بسر بن أرطأة فقال: (اللهم إن بسرا باعدينه بالدنيا فاسلبه عقله وال تبق له من دينه ما يستوجب به عليك رحمتك)

فاختلط عقله. واتهم العيزار برفع أخباره إلى معاوية فأنكر فقال له عليه السالم: إنكنت

كاذبا فأعمى الله بصرك فعمي قبل أسبوع. واستشهد جماعة من الصحابة عنحديث الغدير فشهد له اثنا عشر رجال من األنصار وسكت أنس بن مالك فقال له:يا أنس ما يمنعك أن تشهد وقد سمعت ما سمعوا؟ فقال: يا أمير المؤمنين كبرتونسيت، فقال: اللهم إن كان كاذبا فاضربه ببياض الوضح ال تواريه العمامة (١)فصار أبرص. وكتم زيد بن أرقم فذهب بصره وغير ذلك من الوقائع المشهورة.

قال: وظهور المعجزات عنه.أقول: هذا وجه سادس عشر، وتقريره أنه عليه السالم ظهرت عنه معجزات كثيرة

وقد تقدم ذكر بعضها ولم يحصل لغيره من الصحابة ذلك فيكون أفضل منهم.قال: واختصاصه بالقرابة.

أقول: هذا وجه سابع عشر، وتقريره أن عليا عليه السالم كان أقرب الناس نسبا إلىرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيكون أفضل من غيره، وألنه كان هاشميا فيكون

أفضللقوله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله اصطفى من ولد إسماعيل قريشا ومن قريش

هاشما.قال: واألخوة.

أقول: هذا وجه ثامن عشر، وهو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما وآخى بينالصحابة

وقرن كل شخص إلى مماثله في الشرف والفضيلة رأى عليا عليه السالم متكدرا فسألهعن سبب ذلك فقال: إنك آخيت بين الصحابة وجعلتني منفردا، فقال له

--------------------(١) الوضح بفتحتين: البرص، أي فاضربه ببياض البرص ال تواريه العمامة.

(٥٣٣)

Page 566: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما أخرتك إال لنفسي أال ترضى أن تكون أخيووصيي

وخليفتي من بعدي؟ فقال: بلى يا رسول الله، فواخاه من دون الصحابة فيكونأفضل منهم.

قال: ووجوب المحبة.أقول: هذا وجه تاسع عشر، وتقريره أن عليا عليه السالم كان محبته ومودته واجبةدون غيره من الصحابة فيكون أفضل منهم قطعا، وبيان المقدمة األولى أنه كان من

اولي القربى فتكون مودته واجبة لقوله تعالى: (قل ال أسألكم عليه أجرا إالالمودة في القربى).

قال: والنصرة.أقول: هذا وجه عشرون، وتقريره أن عليا عليه السالم اختص بفضيلة النصرة

لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دون غيره من الصحابة فيكون أفضل منهم، بيانالمقدمة األولى

قوله تعالى: (فإن الله هو مواله وجبريل وصالح المؤمنين) وقد اتفق المفسرونعلى أن المراد بصالح المؤمنين هو علي عليه السالم، والمولى هنا هو الناصر ألنه القدر

المشترك بين الله تعالى وجبرئيل وجعله ثالثهم وحصر المولى في الثالثة بلفظة(هو) في قوله تعالى: (فإن الله هو مواله).

قال: ومساواة األنبياء.أقول: هذا وجه حادي وعشرون، وتقريره أن عليا عليه السالم كان مساويا لألنبياء

المتقدمين فيكون أفضل من غيره من الصحابة بالضرورة، ألن المساوي لألفضلأفضل، بيان المقدمة األولى ما رواه البيهقي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:

من أحب أنينظر (١) إلى آدم في علمه وإلى نوح في تقواه وإلى إبراهيم في حلمه وإلى موسى

في هيبته وإلى عيسى في عبادته فلينظر إلى علي بن أبي طالب.--------------------

(١) كما رووا في جوامعهم الروائية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: من أراد أن ينظر إلى ميتيمشي

على وجه األرض فلينظر إلى أبي بكر.

(٥٣٤)

Page 567: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قال: وخبر الطائر والمنزلة والغدير وغيرها.أقول: هذا وجه ثاني وعشرون، وتقريره أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر في

مواضعكثيرة ببيان فضله وزيادة كماله على غيره ونص على إمامته:

(منها) ما ورد في خبر الطائر وهو أنه قال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليكيأكل معي من هذا الطائر، فجاء علي بن أبي طالب عليه السالم فأكل معه، وفي رواية:

اللهم أدخل إلي أحب أهل األرض إليك، رواه أنس وسعد بن أبي وقاص وأبورافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابن عباس، وعول أبو جعفر اإلسكافي

وأبو عبد اللهالبصري على هذا الحديث في أنه عليه السالم أفضل من غيره وادعى أبو عبد الله شهرة

هذا الحديث وظهوره بين الصحابة ولم ينكره أحد منهم فيكون متواترا.(ومنها) خبر المنزلة وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: أنت مني بمنزلة هارون من

موسى إالأنه ال نبي بعدي، وقد كان هارون أفضل أهل زمانه عند أخيه فكذا علي عليه السالم

عند محمد صلى الله عليه وآله وسلم.(ومنها) خبر الغدير وهو قوله صلى الله عليه وآله لما خطب الناس بغدير خم في عوده

منحجة الوداع: معاشر المسلمين ألست أولى منكم بأنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله،فأخذ بيد علي عليه السالم وقال: من كنت مواله فهذا علي مواله اللهم وال من وااله

وعادمن عاداه وانصر من نصره وأخذل من خذله وأدر الحق مع علي كيف ما دار، وقد

بينا أن المراد بالمولى هاهنا األولى بالتصرف، وإذا كان علي عليه السالم أولى من كلأحد بالتصرف في نفسه كان أفضل منهم قطعا. اعترض بعضهم على هذا بجواز أنيكون المراد به الوالء ألنه وقع مشاجرة بين أمير المؤمنين عليه السالم وبين زيد بن

حارثة فقال له علي عليه السالم: أنت موالي، فقال زيد: أنا مولى رسول الله صلى اللهعليه وآله وسلم

ولست بموالك، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: من كنت موالهفعلي مواله.

والجواب من وجوه: األول: ما ذكره أبو عبد الله البصري وهو أنه ال اختصاصلعلي عليه السالم بالوالء دون غيره من أقارب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فال يجوز

حمله على هذاالمعنى. الثاني: ما ذكره أبو عبد الله أيضا وهو أن عمر قال له بعد هذا الحديث: هنيئا

Page 568: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

(٥٣٥)

Page 569: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

لك أصبحت موالي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، وقالت عائشة واألنصار بعد ذلك: ياموالنا فال يجوز حمله على الوالء. الثالث: أن مقدمة الحديث تنفي هذا المعنى

وهو قوله عليه السالم: ألست أولى منكم بأنفسكم.(ومنها) قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذي الثدية: يقتله خير الخلق

والخليفة، وفيرواية أخرى: يقتله خير هذه األمة. وقال لفاطمة عليها السالم: إن الله اطلع على أهل

األرض فاختار منهم أباك فاتخذه نبيا ثم اطلع ثانية فاختار منهم بعلك فأمرني أنأنكحك إياه وأن أتخذه وصيا، وقالت عائشة: كنت عند النبي صلى الله عليه وآله

وسلم فأقبلعلي عليه السالم فقال: هذا سيد العرب، قالت: قلت: بأبي أنت وأمي ألست أنت سيد

العرب، فقال: أنا سيد العالمين وهذا سيد العرب. وعن أنس أن النبي صلى الله عليهوآله وسلم قال

لعلي عليه السالم: أنت أخي ووزيري وخير من أتركه بعدي تقضي ديني وتنجزموعدي.

وسأل رجل عائشة عن مسيرها فقالت: كان قدرا من الله، فسألها عن علي عليه السالمفقالت: لقد سألتني عن أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وزوج

أحب الناس إليهوقال لفاطمة عليها السالم: أما ترضين أني زوجتك خير أمتي؟. وعن سلمان أنه قالرسول الله: خير من أترك بعدي علي بن أبي طالب. وعن عبد الله بن مسعود قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: علي خير البشر فمن أبى فقد كفر. وعن أبيسعيد الخدري

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أفضل أمتي علي بن أبي طالب.قال: والنتفاء سبق كفره.

أقول: هذا وجه ثالث وعشرون، وتقريره أن عليا عليه السالم لم يكفر بالله تعالىأصال بل من حين بلوغه كان مؤمنا موحدا، بخالف باقي الصحابة فإنهم كانوا في

زمن الجاهلية كفرة، وال ريب في فضل من لم يزل موحدا على من سبق كفره علىإيمانه.

قال: ولكثرة االنتفاع به.أقول: هذا وجه رابع وعشرون، وتقريره أن عليا عليه السالم انتفع به المسلمون أكثر

(٥٣٦)

Page 570: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

من نفعهم بغيره فيكون ثوابه أكثر وفضله أعظم، بيان المقدمة األولى ما تقدم منكثرة حروبه وشدة بالئه في االسالم وفتح الله البالد على يديه وقوة شوكة االسالم

به حتى قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم األحزاب: لضربة علي خير منعبادة الثقلين،

وبلغ في الزهد مرتبة لم يلحقها أحد بعده واستفاد الناس منه طرائق الرياضةوالترك للدنيا واالنقطاع إلى الله تعالى، وكذا في السخاوة وحسن الخلق والعبادة

والتهجد، وأما العلم فظاهر استناد كافة العلماء إليه واستفادتهم منه وعاش بعد أبيبكر زمانا طويال يفيد الناس الكماالت النفسانية والبدنية وابتلي بما لم يحصل

لغيره من المشاق.قال: وتميزه بالكماالت النفسانية والبدنية والخارجية.

أقول: هذا وجه خامس وعشرون، وتقريره أن الكماالت إما نفسانية وإمابدنية وإما خارجية، أما الكماالت النفسانية والبدنية فقد بينا بلوغه فيها إلى الغاية

إذ كان العلم والزهد والشجاعة والسخاء وحسن الخلق والعفة فيه أبلغ من غيره بلال يجاريه في واحد منها أحد، وبلغ في القوة البدنية والشدة مبلغا ال يساويه أحد

حتى قيل: إنه عليه السالم كان يقط الهام قط األقالم لم يخط في ضربه قط ولم يحتجإلى

المعاودة، وقلع باب خيبر وقد عجز عن نقلها سبعون رجال من أشد الناس قوة معأنه عليه السالم كان قليل الغذاء جدا بأخشن مأكل وملبس كثير الصوم مداوم العبادة.

وأما الخارجية فمنها: النسب الشريف الذي ال يساويه أحد في القرب منرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإنه كان أقرب الناس إليه، فإن العباس كان عم

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلممن األب خاصة وعلي عليه السالم كان ابن عمه من األب واألم ومع ذلك فإنه كان

هاشميا من األب واألم ألنه علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم وأمهفاطمة بنت أسد بن هاشم.

ومنها: المصاهرة ولم يحصل ألحد ما حصل له منها فإنه زوج سيدة نساءالعالمين، وعثمان وإن شاركه في كونه ختنا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إال

أن فاطمة عليها السالم

(٥٣٧)

Page 571: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أشرف بناته، وكان لها من المنزلة والقرب من قلب الرسول صلى الله عليه وآله وسلممبلغ عظيم

وكان يعظمها حتى أنه كان إذا جاءت إليه نهض لها قائما ولم يفعل ذلك بأحد منالنساء (١)، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: سيدة نساء العالمين في الجنة

أربع وعد منهنفاطمة عليها السالم.

ومنها: األوالد ولم يحصل ألحد من المسلمين مثل أوالده في الشرفوالكمال، فإن الحسن والحسين عليهما السالم إمامان سيدا شباب أهل الجنة، وكان

حبرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهما في الغاية حتى أنه صلى الله عليه وآله وسلم

كان يتطأطأ لهما ليركباه ويبعبعلهما ثم أولد كل واحد منهما عليهما السالم أوالدا بلغوا في الشرف إلى الغاية فالحسن

عليه السالمأولد مثل الحسن المثنى والمثلث وعبد الله بن الحسن المثنى والنفس الزكية

وغيرهم وأولد الحسين عليه السالم مثل زين العابدين والباقر والصادق والكاظم والرضاوالجواد والهادي والعسكري والحجة، وقد نشروا من العلم والفضل والزهدواالنقطاع والترك شيئا عظيما حتى أن الفضالء من المشايخ كانوا يفتخرون

بخدمتهم عليهم السالم فأبو يزيد البسطامي كان يفتخر بأنه يسقي الماء (٢) لدار جعفرالصادق عليه السالم، ومعروف الكرخي أسلم على يدي الرضا عليه السالم وكان بواب

داره إلىأن مات، وكان أكثر الفضالء يفتخرون باالنتساب إليهم في العلم فإن مالكا كان إذاسئل في الدرب عن مسألة لم يجب السائل فقيل له في ذلك فقال: إني أخذت العلممن جعفر بن محمد الصادق عليهما السالم وكنت إذا أتيت إليه ألستفيد منه نهض

ولبسأفخر ثيابه وتطيب وجلس في أعلى منزله وحمد الله تعالى وأفادني شيئا.

واستفادة أبي حنيفة من الصادق عليه السالم ظاهرة غنية عن البرهان، وهذه الفضائل لمتحصل ألحد من الصحابة فيكون علي عليه السالم أفضل منهم.

--------------------(١) يستوي في األحد الواحد والجمع والمؤنث. قال تعالى: (لستن كأحد من النساء) وقال

تعالى: (فما منكم من أحد عنه حاجزين).(٢) كما في (م) والنسخ األخرى: يستقي الماء.

(٥٣٨)

Page 572: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

المسألة الثامنةفي إمامة باقي األئمة االثني عشر عليهم السالم

قال: والنقل المتواتر دل على األحد عشر ولوجوب العصمة وانتفائها عنغيرهم ووجود الكماالت فيهم.

أقول: لما بين أن اإلمام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو علي بن أبي طالبعليه السالم شرع

في إمامة األئمة األحد عشر وهم الحسن بن علي ثم أخوه الحسين ثم علي بنالحسين زين العابدين ثم محمد بن علي الباقر ثم جعفر بن محمد الصادق ثم

موسى بن جعفر الكاظم ثم ولده علي الرضا ثم ولده محمد الجواد ثم ولده عليالهادي ثم ولده الحسن العسكري ثم اإلمام المنتظر.

واستدل على ذلك بوجوه ثالثة: األول: النقل المتواتر من الشيعة خلفا عنسلف فإنه يدل على إمامة كل واحد من هؤالء بالتنصيص، وقد نقل المخالفون ذلك

من طرق متعددة تارة على اإلجمال وأخرى على التفصيل، كما روي عنرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متواترا أنه قال للحسين عليه السالم: هذا ابني إمام

ابن إمام أخو إمامأبو أئمة تسعة تاسعهم قائمهم، وغير ذلك من األخبار. وروي عن مسروق وقال:

بينا نحن عند عبد الله بن مسعود إذ قال له شاب: هل عهد إليكم نبيكم صلى الله عليهوآله وسلم كم

يكون من بعده خليفة، قال: إنك لحديث السن وإن هذا شئ ما سألني أحد عنه نعمعهد إلينا نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون بعده اثنا عشر خليفة عدد نقباء بني

إسرائيل.الوجه الثاني: قد بينا أن اإلمام يجب أن يكون معصوما وغير هؤالء ليسوا

معصومين إجماعا، فتعينت العصمة لهم وإال لزم خلو الزمان عن المعصوم، وقد بينااستحالته.

الوجه الثالث: أن الكماالت النفسانية والبدنية بأجمعها موجودة في كل واحدمنهم، وكل واحد منهم كما هو كامل في نفسه كذا هو مكمل لغيره، وذلك يدل على

(٥٣٩)

Page 573: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

استحقاقه الرياسة العامة ألنه أفضل من كل أحد في زمانه ويقبح عقال تقديمالمفضول على الفاضل فيجب أن يكون كل واحد منهم إماما، وهذا برهان لمي.

المسألة التاسعةفي أحكام المخالفين

قال: ومحاربوا علي عليه السالم كفرة ومخالفوه فسقة.أقول: المحارب لعلي عليه السالم كافر لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: حربك يا

علي حربي، والشك في كفر من حارب النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وأما مخالفوه في اإلمامة فقد

اختلف قولعلمائنا فيهم، فمنهم من حكم بكفرهم ألنهم دفعوا ما علم ثبوته من الدين ضرورة

وهو النص الجلي الدال على إمامته مع تواتره، وذهب آخرون إلى أنهم فسقةوهو األقوى.

ثم اختلف هؤالء على أقوال ثالثة: أحدها: أنهم مخلدون في النار لعدماستحقاقهم الجنة. الثاني: قال بعضهم: إنهم يخرجون من النار إلى الجنة. الثالث: ما

ارتضاه ابن نوبخت وجماعة من علمائنا أنهم يخرجون من النار لعدم الكفرالموجب للخلود وال يدخلون الجنة لعدم األيمان المقتضي الستحقاق الثواب.

(٥٤٠)

Page 574: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قال:المقصد السادس

في المعاد (١) والوعد والوعيد وما يتصل بذلك--------------------

(١) قد ذكرنا فيه أصوال وأمهات وإشارات لطيفة في تعليقاتنا على رسالتهالفارسية الموسومة بتذكرة آغاز وانجام، فراجع وال حاجة إلى نقلها هاهنا.

(٥٤١)

Page 575: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

حكم المثلين واحد والسمع دل على إمكان المماثل (١)أقول: في هذا المقصد مسائل:

المسألة األولىفي إمكان خلق عالم آخر

وأعلم أن إيجاب المعاد يتوقف على هذه المسألة وألجل ذلك صدرها فيأول المقصد، وقد اختلف الناس في ذلك وأطبق المليون عليه وخالف فيه األوائلواحتج المليون بالعقل والسمع، أما العقل فنقول: العالم المماثل لهذا العالم ممكنالوجود ألن هذا العالم ممكن الوجود وحكم المثلين واحد، فلما كان هذا العالمممكنا وجب الحكم على اآلخر باإلمكان، وإلى هذا البرهان أشار بقوله: حكمالمثلين واحد. وأما السمع فقوله تعالى: (أوليس الذي خلق السماوات واألرض

بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخالق العليم).قال: والكرية ووجوب الخالء واختالف المتفقات ممنوعة.

أقول: هذا إشارة إلى ما احتج األوائل به على امتناع خلق عالم آخر،وتقريره من وجهين: األول: أنه لو وجد عالم آخر لكان كرة ألنه الشكل الطبيعي

فإن تالقت الكرتان أو تباينتا لزم الخالء. والجواب ال نسلم وجوب الكرية في--------------------(١) وفي (م ت ز): إمكان التماثل.

(٥٤٢)

Page 576: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

العالم الثاني، سلمنا لكن ال نسلم وجوب الخالء إلمكان ارتسام الثاني في ثخنبعض األفالك أو إحاطة المحيط (١) بالعالمين. الثاني: لو وجد عالم آخر فيه نار

وأرض وغيرهما فإن طلبت أمكنة هذه العناصر لزم قسرها دائما وإال اختلفالمتفقات في الطباع في مقتضاها، (والجواب) لم ال يجوز أن يكون العالم اآلخر

مخالفا لهذا العالم في الحقيقة؟ سلمنا لكن لم ال يجوز أن يكون المكانان طبيعيينلهما؟ فهذا ما خطر لنا في تطبيق كالم المصنف - رحمة الله عليه -.

المسألة الثانيةفي صحة العدم على العالم

قال: واإلمكان يعطي جواز العدم.أقول: اختلف الناس في أن العالم هل يصح عدمه أم ال؟ فذهب المليون

أجمع إلى ذلك إال من شذ ومنع منه القدماء واختلفوا فذهب قوم منهم إلى أناالمتناع ذاتي وجعلوا العالم واجب الوجود، ونحن قد بينا خطأهم وبرهنا على

حدوثه فيكون ممكنا بالضرورة، وذهب آخرون إلى أن االمتناع باعتبار الغيروذلك أن العالم معلول علة واجب الوجود فال يمكن عدمه إال بعدم علته ويستحيل

عدم واجب الوجود، ونحن قد بينا خطأهم في ذلك وبرهنا على أن المؤثر فيالعالم قادر مختار، وذهبت الكرامية والجاحظ إلى استحالة عدم العالم بعد وجودهبعد اعترافهم بالحدوث، ألن األجسام باقية فال تفنى بذاتها وال بالفاعل ألن شأنهاإليجاد ال األعدام، إذ ال فرق في العقل بين نفي الفعل وبين فعل العدم وال ضد

لألجسام ألنه بعد وجوده ليس إعدامه للباقي أولى من عدمه به لوقوع التضاد منالطرفين، وأولوية الحادث بالتعلق بالسبب مشتركة وبكثرته باطلة المتناع

اجتماع المثلين، وباسلتزام الجمع بين النقيضين باطلة النتفائه على تقدير القول--------------------

(١) باتفاق النسخ كلها. وقوله: في مقتضاها، كما في (م) والنسخ األخرى: في مقتضياتها.

(٥٤٣)

Page 577: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

بعدم دخول الحادث في الوجود وال بانتفاء الشرط لعود الكالم عليه وهو خطأ،فإن اإلعدام يستند إلى الفاعل كما يستند الوجود إليه واالمتياز واقع بين نفي الفعل

وفعل العدم، سلمنا لكن لم ال يجوز أن يعدم بوجود الضد ويكون الضد أولىبإعدامه وإن كان سبب األولوية مجهوال؟ سلمنا لكن لم ال يجوز اشتراط الجواهر

بأعراض غير باقية يوجدها الله تعالى حاال فحاال، فإذا لم يجدد العرض انتفتالجواهر؟ ودليل المصنف رحمه الله على مطلوبه من صحة العدم حجة على الجميع

وهوأنا بينا أن العالم ممكن الوجود فيستحيل انقالبه إلى االمتناع أو الوجوب فيجوز

عدمه كما جاز وجوده.المسألة الثالثة

في وقوع العدم وكيفيتهقال: والسمع دل عليه.

أقول: يدل على وقوع العدم السمع وهو قوله تعالى: (هو األول واآلخر)وقوله تعالى: (كل شئ هالم إال وجهه) وقال تعالى: (كل من عليها فإن) وقد

وقع االجماع على الفناء وإنما الخالف في كيفيته على ما يأتي.قال: ويتأول في المكلف (١) بالتفريق كما في قصة إبراهيم عليه السالم.أقول: المحققون على امتناع إعادة المعدوم وسيأتي البرهان على وجوب

المعاد، وهاهنا قد بين أنه تعالى يعدم العالم وذلك ظاهر المناقضة فبين المصنفمراده من اإلعدام، أما في غير المكلفين وهم من ال يجب إعادته فال اعتبار به إذ ال

يجب إعادته فجاز إعدامه بالكلية وال يعاد، وأما المكلف الذي يجب إعادته فقدتأول المصنف رحمه الله معنى إعدامه بتفريق أجزائه وال امتناع في ذلك، فإن المكلف

--------------------(١) في (ت م): ويتناول في المكلف. والنسخ األخرى كلها باالتفاق: ويتأول في المكلف

بالتفريق.

(٥٤٤)

Page 578: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

بعد تفريق أجزائه يصدق عليه أنه هالك بمعنى أنه غير منتفع به، أو يقال: إنههالك بالنظر إلى ذاته، إذ هو ممكن وكل ممكن فإنه بالنظر إلى ذاته ال يجب لهالوجود فال يوجد، إذ ال وجود إال للواجب بذاته أو بغيره فهو هالك بالنظر إلى

ذاته، فإذا فرق أجزاءه كان هو العدم فإذا أراد الله تعالى إعادته جمع تلك األجزاءوألفها كما كانت فذلك هو المعاد، ويدل على هذا التأويل قوله تعالى في سؤال

إبراهيم عليه السالم عن كيفية اإلحياء لألجزاء في اآلخرة، ألنه تعالى ال يحيي الموتىفي دار التكليف وإنما اإلحياء يقع في اآلخرة، فسأل عليه السالم عن كيفية ذلك

اإلحياءوهو يشتمل على السؤال عن جميع المقدمات التي يفعلها الله تعالى حتى يهيئهم

ويعدهم لنفخ الروح، فأمره الله تعالى بأخذ أربعة من الطير وتقطيعها وتفريقأجزائها ومزج بعض األجزاء ببعض ثم يفرقها ويضعها على الجبال ثم يدعوها،

فلما دعاها ميز الله تعالى أجزاء كل طير عن اآلخر وجمع أجزاء كل طير وفرقهاعن أجزاء اآلخر حتى كملت البنية التي كانت عليها أوال ثم أحياها الله تعالى ولم

يعدم تلك األجزاء فكذا في المكلف، هذا ما فهمناه من قوله: كما في قصةإبراهيم عليه السالم، فهذا هو كيفية اإلعدام.

قال: وإثبات (١) الفناء غير معقول ألنه إن قام بذاته لم يكن ضدا وكذا إن قامبالجوهر.

أقول: لما ذكر المذهب الحق في كيفية اإلعدام شرع في إبطال مذهبالمخالفين في ذلك. واعلم أن من جملة من خالف في كيفية اإلعدام جماعة منالمعتزلة ذهبوا إلى أن اإلعدام ليس هو التفريق بل الخروج عن الوجود بأن يخلق

الله تعالى للجواهر (٢) ضدا هو الفناء، وقد اختلفوا فيه على ثالثة أقوال: أحدها:--------------------

(١) في (م) وحدها: وامتياز الفناء. والنسخ األخرى كلها: وإثبات الفناء كذلك في متون شرحالقديم لألصفهاني وشروح أخرى: وإثبات الفناء. وكل واحد منهما صواب يفيد معنى فاردا.

(٢) باتفاق النسخ على هيأة الجمع.

(٥٤٥)

Page 579: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

قال ابن األخشيد: إن الفناء ليس بمتحيز وال قائم بالمتحيز (١) إال أنه يكونحاصال في جهة معينة، فإذا أحدثه الله تعالى فيها عدمت الجواهر بأسرها. الثاني:

قال ابن شبيب: إن الله يحدث في كل جوهر فناءا ثم ذلك الفناء يقتضي عدمالجوهر في الزمان الثاني فيجعله قائما بالمحل. الثالث: قال أبو علي وأبو هاشم

ومن تابعهما: إن الفناء يحدث ال في محل فيفني الجواهر كلها حال حدوثه، ثماختلفوا فذهب أبو هاشم وقاضي القضاة إلى أن الفناء الواحد كاف في عدم كل

الجواهر، وذهب أبو علي وأصحابه إلى أن لكل جوهر فناءا مضادا له ال يكفيذلك الفناء في عدم غيره. فإذا عرفت هذا فنقول: القول بالفناء على كل تقدير

فرضوه باطل (٢) ألن الفناء إن قام بذاته كان جوهرا، إذ معنى الجوهر ذلك فاليكون ضدا للجوهر وإن كان غير قائم بذاته كان عرضا إذ هو معناه فيكون حاالفي الجوهر إما ابتداء أو بواسطة، وعلى كال التقديرين فيستحيل أن يكون منافيا

للجواهر.قال: والنتفاء األولوية (٣).

أقول: يفهم من هذا الكالم أمران: أحدهما: إقامة دليل ثان على امتناع قيامالفناء بالجوهر، وتقريره أن نقول: لو كان الفناء قائما بالجوهر لكان عرضا حاالفيه ولم يكن اقتضاؤه لنفي محله أولى من اقتضاء محله لنفيه بل كان انتفاء هذا

الحال بالمحل أولى، إذ منع الضد دخول الضد اآلخر في الوجود مع إمكان إعدامهله أولى من اعدام المتجدد للضد الباقي وبالخصوص إذا كان محال له. الثاني: إقامةدليل ثان على انتفاء الفناء، وتقريره أن نقول: لو كان الفناء ضدا للجواهر لم يكن

إعدامه للجوهر الباقي أولى من اعدام الجوهر الباقي له بمعنى منعه عن الدخول--------------------

(١) وفي (م) فقط: وال حال في المتحيز: والنسخ األخرى كلها: وال قائم بالمتحيز.(٢) باتفاق النسخ كلها إال (ش) ففيها: كان في ضده، أصال، وفرضوه نسخة بدل في ضده.

(٣) وفي (م) وحدها: وانتفاء األولوية، بدون الجارة، والنسخ األخرى كلها معها كما في الكتاب.

(٥٤٦)

Page 580: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

في الوجود بل هو أولى لما تقدم.قال: والستلزامه انقالب الحقائق أو التسلسل.

أقول: القول بالفناء يستلزم أحد أمرين محالين: أحدهما: انقالب الحقائق،والثاني: التسلسل، وكل مستلزم للمحال فإنه محال قطعا، أما استحالة األمرين

فظاهر، وأما بيان المالزمة فألن الفناء إما أن يكون واجب الوجود بذاته أو ممكنالوجود، والقسمان باطالن. أما األول فألنه قد كان معدوما وإال لم توجد الجواهر

ثم صار موجودا وذلك يعطي إمكانه، وأما الثاني فألنه يصح عليه العدم وإال لميكن ممكنا، فعدمه إن كان لذاته كان ممتنعا بعد أن كان ممكنا، وذلك يستلزم

انقالب الحقائق وإن كان بسبب الفاعل بطل أصل دليلكم، وإن كان بوجود ضدآخر لزم التسلسل، هذا ما خطر لنا في معنى هذا الكالم.

قال: وإثبات بقاء ال في محل يستلزم الترجيح من غير مرجح أو اجتماعالنقيضين.

أقول: ذهب قوم منهم ابن شبيب إلى أن الجوهر باق ببقاء موجود ال في محل،فإذا انتفى ذلك البقاء انتفى ذلك الجوهر، والمصنف رحمه الله أحال هذا المذهب أيضا

باستلزامه المحال، وذكر أن القول بذلك يستلزم أمرين: أحدهما: الترجيح من غيرمرجح، والثاني: اجتماع النقيضين.

والذي يخطر لنا في تفسير ذلك أمران: أحدهما: أن يقال: البقاء إما جوهر أوعرض، والقسمان باطالن فالقول به باطل، أما األول فألنه لو كان جوهرا لم يكنجعله شرطا لجوهر آخر أولى من العكس، فإما أن يكون كل واحد منهما شرطالصاحبه وهو دور، أو ال يكون أحدهما شرطا لآلخر وهو المطلوب. وأما الثانيفألنه لو كان عرضا قائما بذاته لزم اجتماع النقيضين، إذ العرض هو الموجود في

المحل، فلو كان البقاء قائما ال في محل مع كونه عرضا لزم ما ذكرناه.الثاني: أن يقال: البقاء إما واجب لذاته أو ممكن لذاته، والقسمان باطالن، أما

(٥٤٧)

Page 581: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

األول فألن وجوده بعد العدم يستلزم جواز عدمه والوجوب يستلزم عدم جوازهوذلك جمع بين النقيضين، وأما الثاني فألن عدمه في وقت دون آخر ترجيح منغير مرجح الستحالة استناده إلى ذاته وإال لكان ممتنع الوجود مع إمكانه وذلكجمع بين النقيضين، وال إلى الفاعل وال إلى الضد وإال لجاز مثله في الجواهر،

فالقول بذلك هنا مع استحالته في الجواهر ترجيح من غير مرجح، وال إلى انتفاءالشرط وإال لزم أن يكون للبقاء بقاء آخر فليس أحدهما بكونه صفة لآلخر أولى

من العكس وذلك ترجيح من غير مرجح.قال: وإثباته في المحل يستلزم توقف الشئ على نفسه إما ابتداء أو

بواسطة.أقول: ذهب جماعة من األشاعرة والكعبي إلى أن الجواهر تبقى ببقاء قائم

بها، فإذا أراد الله تعالى إعدامها لم يفعل البقاء فانتفت الجواهر، والمصنف رحمه اللهأبطل

ذلك باستلزامه توقف الشئ على نفسه إما ابتداء أو بواسطة. وتقريره أن حصولالبقاء في المحل يتوقف على وجود المحل في الزمان الثاني، لكن حصوله فيالزمان الثاني إما أن يكون هو البقاء أو معلوله، ويستلزم من األول توقف الشئ

على نفسه ابتداء ومن الثاني توقفه على معلوله المتوقف عليه، وذلك يقتضي توقفالشئ على نفسه بواسطة، فهذا ما يمكن حمل كالمه عليه.

المسألة الرابعةفي وجوب المعاد الجسماني

قال: ووجوب إيفاء الوعد والحكمة يقتضي وجوب البعث، والضرورة قاضيةبثبوت الجسماني من دين النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع إمكانه.

أقول: اختلف الناس هنا، فذهب األوائل إلى نفي المعاد الجسماني وأطبقالمليون عليه، واستدل المصنف رحمه الله على وجوب المعاد مطلقا بوجهين: األول:

أن

(٥٤٨)

Page 582: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الله تعالى وعد بالثواب وتوعد بالعقاب مع مشاهدة الموت للمكلفين، فوجبالقول بعودهم ليحصل الوفاء بوعده ووعيده. الثاني: أن الله تعالى قد كلف وفعل

األلم، وذلك يستلزم الثواب والعوض وإال لكان ظالما تعالى الله عن ذلك علواكبيرا، فإنا قد بينا حكمته تعالى وال ريب في أن الثواب والعوض أنما يصالن إلى

المكلف في اآلخرة النتفائهما في الدنيا. واستدل على ثبوت المعاد الجسمانيبأنه معلوم بالضرورة من دين محمد (١) صلى الله عليه وآله وسلم، والقرآن دل عليه

في آيات كثيرةبالنص مع أنه ممكن فيجب المصير إليه، وإنما قلنا بأنه ممكن ألن المراد من

اإلعادة جمع األجزاء المتفرقة وذلك جائز بالضرورة.قال: وال تجب إعادة فواضل المكلف.

أقول: اختلف الناس في المكلف ما هو على مذاهب عرفت منها قول منيعتقد أن المكلف هو النفس المجردة وهو مذهب األوائل والنصارى والتناسخيةوالغزالي والحليمي والراغب من األشاعرة وابن الهيصم (٢) من الكرامية وجماعةمن اإلمامية والصوفية. (ومنها) قول جماعة من المحققين أن المكلف هو أجزاء

أصلية في هذا البدن ال يتطرق إليها الزيادة والنقصان، وإنما تقعان في أجزاءالمضافة إليها.

إذا عرفت هذا فنقول: الواجب في المعاد هو إعادة تلك األجزاء األصلية أوالنفس المجردة مع األجزاء األصلية، أما األجسام المتصلة بتلك األجزاء فال تجب

إعادتها بعينها، وغرض المصنف رحمه الله بهذا الكالم الجواب عن اعتراضاتالفالسفة

على المعاد الجسماني وتقرير قولهم إن انسانا لو أكل آخر أو اغتذى (١) بأجزائهفإن أعيدت أجزاء الغذاء إلى األول عدم الثاني وإن أعيدت إلى الثاني عدم األول.

--------------------(١) في (م) والنسخ األخرى: بأنه أمر معلوم بالضرورة في دين النبي.

(٢) بالصاد المهملة هو محمد بن الهيصم الكرامي. وما في المطبوعة من الثاء المثلثة فمحرف.(٣) كما في (م)، والنسخ األخرى: لو أكل آخر واغتذى.

(٥٤٩)

Page 583: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وأيضا إما أن يعيد الله تعالى جميع األجزاء البدنية الحاصلة من أول العمر إلىآخره أو القدر الحاصل له عند موته، والقسمان باطالن. أما األول فألن البدن دائمافي التحلل واالستخالف، فلو أعيد البدن مع جميع األجزاء منه لزم عظمه في الغاية

وألنه قد يتحلل منه أجزاء تصير أجساما غذائية ثم يأكلها ذلك االنسان بعينهحتى تصير أجزاء من عضو آخر غير العضو الذي كانت أجزاء له أوال، فإذا أعيدت

أجزاء كل عضو إلى عضوه لزم جعل ذلك الجزء جزءا من العضوين وهو محال،وأما الثاني فألنه قد يطيع العبد حال تركبه من أجزاء بعينها ثم تتحلل تلك األجزاءويعصي في أجزاء أخرى فإذا أعيد في تلك األجزاء بعينها وأثابها على الطاعة لزمإيصال الحق إلى غير مستحقه. وتقرير الجواب واحد وهو أن لكل مكلف أجزاءا

أصلية ال يمكن أن تصير جزءا من غيرها بل تكون فواضل من غيره لو اغتذىبها (١) فإذا أعيدت جعلت أجزاء أصلية لما كانت أصلية له أوال، وتلك األجزاء هي

التي تعاد وهي باقية من أول العمر إلى آخره.قال: وعدم انخراق األفالك وحصول الجنة فوقها ودوام الحياة مع االحتراق

وتولد البدن من غير التوالد وتناهي القوى الجسمانية استبعادات.أقول: احتج األوائل على امتناع المعاد الجسماني بوجوه: أحدها: أن السمع

قد دل على انتثار الكواكب وانخراق األفالك وذلك محال. الثاني: أن حصول الجنةفوق األفالك كما ذهب إليه المسلمون يقتضي عدم الكرية. الثالث: أن بقاء الحياة

مع دوام االحتراق في النار محال. الرابع: أن تولد األشخاص وقت اإلعادة منغير توالد األبوين باطل. الخامس: أن القوى الجسمانية متناهية والقول بدوام نعيم

أهل الجنة قول بعدم التناهي.والجواب عن الكل واحد وهو أن هذه استبعادات، أما األفالك فألنها حادثة

--------------------(١) وفي (م) وحدها: ولو أعيد بها. والنسخ األخرى كلها متفقة على ما في الكتاب، وال يفيد

ما في (م) معنى صحيحا.

(٥٥٠)

Page 584: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

على ما تقرر أوال فيمكن انخراقها كما يمكن عدمها، فكذا حصول الجنة فوقاألفالك، ودوام االحتراق مع بقاء الجسم ممكن وألنه تعالى قادر على كل مقدورفيمكن استحالة الجسم إلى أجزاء نارية ثم يعيدها الله تعالى هكذا دائما، والتولدممكن كما في آدم عليه السالم، والقوى الجسمانية قد ال يتناهى أثرها إذا كانت

واسطةفي التأثير.

المسألة الخامسةفي الثواب والعقاب

قال: ويستحق الثواب (١) والمدح بفعل الواجب والمندوب وفعل ضد القبيحواالخالل به بشرط فعل الواجب لوجوبه أو لوجه وجوبه والمندوب كذلك والضد

ألنه ترك القبيح واالخالل به ألنه إخالل ألن المشقة من غير عوض ظلم ولوأمكن االبتداء به كان عبثا.

أقول: المدح قول ينبئ عن ارتفاع حال الغير مع القصد إلى الرفع منه،والثواب هو النفع المستحق المقارن للتعظيم واالجالل، والذم قول ينبئ عن

اتضاع حال الغير مع قصده، والعقاب هو الضرر المستحق المقارن لالستخفافواإلهانة. والمدح والثواب يستحقان بفعل الواجب وفعل المندوب وفعل ضد

القبيح وهو الترك له على ما ذهب من يثبت الترك ضدا (٢) واالخالل بالقبيح. ومنع--------------------

(١) المتن موافق للنسخ كلها.(٢) أي ضدا للفعل. وفي النسخ األخرى على مذهب من يثبت.

إال أن نسخة (م) متفردة بزيادة به بعد االخالل األول، وهو الحق المطابق للشرح بل المتن أيضاوقد جاء في هامش (ش) بعد لفظة (كان) في المتن كلمة التكليف بدون بيان أنه من األصل

أو نسخة. وبالجملة عبارة المتن على ما اخترناه ال ريب في صحتها، بيانها: أنه ذكر استحقاقالثواب والمدح بإزاء األفعال األربعة وهي: فعل الواجب، وفعل المندوب، وفعل ضد القبيح،

وفعل االخالل بالقبيح. ثم قال: إن االستحقاق المذكور بإزاء تلك األفعال مشروط بشرط. وذكرالشرط في قبال تلك األفعال على الترتيب بقوله: بشرط فعل الواجب لوجوبه أو لوجه

وجوبه. والمندوب كذلك أي بشرط فعل المندوب لندبه أو لوجه ندبه. والضد ألنه تركالقبيح أي بشرط فعل ضد القبيح ألنه ترك القبيح. واالخالل به ألنه إخالل به أي بشرط

فعل االخالل بالقبيح ألنه إخالل به. ثم علل االستحقاق بقوله: ألن المشقة من غير عوضظلم. ثم قال: إن االبتداء بذلك العوض أي االستحقاق عبث فيجب أن يكون بإزاء تلك

األفعال أي بإزاء التكليف.

(٥٥١)

Page 585: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أبو علي وجماعة من المعتزلة استحقاق المدح والثواب باالخالل بالقبيح وصاراإلى ذلك ألن المكلف يمتنع خلوه من األخذ والترك الذي هو فعل الضد، والحقما ذكره المصنف رحمه الله فإن العقالء يستحسنون ذم المخل بالواجب وإن لم

يتصوروامنه فعال كما يستحسنون ذمه على فعل القبيح.

واعلم أنه يشترط في استحقاق الفاعل المدح والثواب إيقاع الواجبلوجوبه أو لوجه وجوبه، وكذا المندوب يفعله لندبه أو لوجه ندبه، وكذا في ترك

القبيح يتركه لكونه ترك قبيح أو لوجه ذلك واالخالل بالقبيح لكونه إخالال بالقبيحفإنه لو فعل الواجب أو المندوب ال لما ذكرناه لم يستحق مدحا وال ثوابا عليهما،

وكذا لو ترك القبيح لغرض آخر من لذة أو غيرها لم يستحق المدح والثواب.والدليل على استحقاق الثواب بفعل الطاعة أنها مشقة قد ألزمها الله تعالى

المكلف، فإن لم يكن لغرض كان عبثا وظلما وهو قبيح ال يصدر عن الحكيم، وإنكان لغرض فأما اإلضرار وهو ظلم وأما النفع وهو إما أن يصح االبتداء به أو ال،واألول باطل وإال لزم العبث في التكليف، والثاني هو المطلوب وذلك النفع هوالمستحق بالطاعة المقارن للتعظيم واالجالل فإنه يقبح االبتداء بذلك ألن تعظيم

من ال يستحقه قبيح.قال: وكذا يستحق العقاب والذم بفعل القبيح واالخالل بالواجب الشتماله

على اللطف وللسمع (١).أقول: كما أن الطاعة سبب الستحقاق الثواب فكذا المعصية وهي فعل القبيح

--------------------(١) باتفاق النسخ كلها.

(٥٥٢)

Page 586: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وترك الواجب سبب الستيجاب العقاب (١) لوجهين: أحدهما: عقلي كما ذهب إليهجماعة من العدلية، وتقريره أن العقاب لطف واللطف واجب، أما الصغرى فألن

المكلف إذا عرف أن مع المعصية يستحق العقاب (٢) فإنه يبعد عن فعلها ويقرب إلىفعل ضدها وهو معلوم قطعا، وأما الكبرى فقد تقدمت. الثاني: سمعي وهو الذي

ذهب إليه باقي العدلية، وهو متواتر معلوم من دين النبي صلى الله عليه وآله وسلم.إذا عرفت هذا فنقول: ذهب جماعة إلى أن االخالل بالواجب ال يقتضي

استحقاق ذم وال عقاب، بل المقتضي لذلك هو فعل القبيح أو ضد فعل الواجب وهوتركه، وقد تقدم بيان ذلك.

قال: وال استبعاد في اجتماع االستحقاقين باعتبارين.أقول: هذا جواب عن حجة من منع من كون اإلخالل بالواجب سببا

الستحقاق الذم، وتقريره أنه لو كان ذلك سببا واالخالل بالقبيح سبب للمدحلكان المكلف إذا خال من األمرين مستحقا للذم والمدح. والجواب ال استبعاد في

اجتماع االستحقاقين باعتبارين فيذم على أحدهما ويمدح على اآلخر، كما إذافعل طاعة ببعض أعضائه ومعصية بالبعض اآلخر.قال: وإيجاب المشقة في شكر النعمة قبيح (٣).

أقول: ذهب أبو القاسم البلخي إلى أن هذه التكاليف وجبت شكرا للنعمة فالتستلزم وجوب الثواب وال يستحق بفعلها نفع وإنما الثواب تفضل من الله تعالى،

وذهب جماعة من العدلية إلى خالف هذا القول، واحتج المصنف رحمه الله علىإبطاله

بأنه يقبح عند العقالء أن ينعم االنسان على غيره ثم يكلفه ويوجب عليه شكره--------------------

(١) كما في (م) وفي (ص ش ز د): وهي فعل القبيح أو االخالل بالواجب سبب الستحقاقالعقاب.

(٢) هكذا كانت العبارة في النسخ كلها إال (ص) ففيها (أن بالمعصية) كيف ما كان اسم أن يجب أنيكون هو الشأن.

(٣) باتفاق النسخ كلها.

(٥٥٣)

Page 587: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

ومدحته على تلك النعمة من غير إيصال ثواب إليه ويعدون ذلك نقصا في المنعموينسبون إلى الرياء، وذلك قبيح ال يصدر من الحكيم فوجب القول باستحقاق

الثواب.قال: ولقضاء العقل به مع الجهل.

أقول: هذا دليل ثان على إبطال قول البلخي، وتقريره أن العقالء بأسرهميجزمون بوجوب شكر المنعم، وإذا كان وجوب الشكر معلوما بالعقل مع أن العقل

ال يدرك التكاليف الشرعية وجب القول بكونها ليست شكرا.قال: ويشترط في استحقاق الثواب (١) كون الفعل أو االخالل به شاقا ال رفع

الندم على فعله وال انتفاء النفع العاجل إذا فعل للوجه.أقول: يشترط في استحقاق الثواب كون الفعل المكلف به الواجب أو

المندوب شاقا وكون االخالل بالقبيح شاقا، إذ المقتضي الستحقاق الثواب هوالمشقة فإذا انتفت انتفى المقتضي لالستحقاق، وال يشترط رفع الندم على فعل

الطاعة فإن الطاعة سبب الستحقاق الثواب، وقد وجدت منفكة عنه ألنه في حالالفعل يستحيل أن يكون نادما عليه. نعم نفي الندم شرط في بقاء استحقاق الثواب،وكذا ال يشترط في الثواب عدم النفع العاجل إذا أوقعه المكلف لوجه الوجوب أو

للوجوب أو لوجه الندب أو للندب.المسألة السادسة

في صفات الثواب والعقابقال: ويجب اقتران الثواب بالتعظيم والعقاب باإلهانة للعلم الضروري

--------------------(١) المتن توافقه النسخ كلها والزيادات في المطبوعة تعليقات أدرجت في المتن. قوله: ال رفع

الندم على فعله أي يشترط في استحقاق الثواب ما قلنا ال رفع الندم وال انتفاء النفع العاجلأي ال يشترط ذاك وال ذلك كما في الشرح.

(٥٥٤)

Page 588: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

باستحقاقهما مع فعل موجبهما.أقول: ذهبت المعتزلة إلى أن الثواب نفع عظيم مستحق يقارنه التعظيم،

والعقاب ضرر عظيم مستحق يقارنه اإلهانة، واحتجوا على وجوب اقتران التعظيمبالثواب واقتران اإلهانة بالعقاب بأنا نعلم بالضرورة أن فاعل الفعل الشاق (١)المكلف به فإنه يستحق التعظيم والمدح، وكذلك من فعل القبيح فإنه يستحق

اإلهانة واالستخفاف.قال: ويجب دوامهما الشتماله على اللطفية (٢) ولدوام المدح والذم ولحصول

نقيضيهما لواله.أقول: ذهب المعتزلة إلى أن الثواب والعقاب دائمان، واختلف في العلم

بدوامهما هل هو عقلي أو سمعي؟ فذهبت المعتزلة إلى أنه عقلي، وذهبت المرجئةإلى أنه سمعي.

واحتج المصنف رحمه الله على دوامهما بوجوه: أحدها: أن العلم بدوام الثوابوالعقاب يبعث العبد على فعل الطاعة ويبعده عن المعصية وذلك ضروري، وإذا

كان كذلك كان لطفا واللطف واجب على ما مر. الثاني: أن المدح والذم دائمان، إذال وقت إال ويحسن مدح المطيع وذم العاصي إذا لم يظهر منه ندم على ما فعل،وهما معلوال الطاعة والمعصية فيجب كون الطاعة والمعصية في حكم الدائمتين،

فيجب دوام الثواب والعقاب ألن دوام أحد المعلولين يستلزم دوام المعلول اآلخر،ألن العلة تكون دائمة أو في حكم الدائمة. الثالث: أن الثواب لو كان منقطعا لحصل

لصاحبه األلم بانقطاعه، ولو كان العقاب منقطعا لحصل لصاحبه السرور (٣)بانقطاعه، وذلك ينافي الثواب والعقاب ألنهما خالصان عن الشوائب، هذا ما

--------------------(١) كما في (م)، والنسخ األخرى كلها: إن من فعل الفعل الشاق.

(٢) باتفاق النسخ كلها.(٣) كما في النسخ كلها إال (م) ففيها: لحصل له السرور.

(٥٥٥)

Page 589: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

فهمناه من كالم المصنف رحمه الله. وقوله: لحصول نقيضيهما، يعني نقيضي الثوابوالعقاب، لواله أي لوال الدوام.

قال: ويجب خلوصهما وإال لكان الثواب أنقص حاال من العوض والتفضلعلى تقدير حصوله فيهما وهو أدخل في باب الزجر.

أقول: يجب خلوص الثواب والعقاب عن الشوائب، أما الثواب فألنه لوالذلك لكان العوض والتفضل أكمل منه ألنه يجوز خلوصهما عن الشوائب وحينئذيكون الثواب أنقص درجة وأنه غير جائز، وأما العقاب فألنه أعظم في الزجر (١)

فيكون لطفا.قال: وكل ذي مرتبة في الجنة (٢) ال يطلب األزيد ويبلغ سرورهم بالشكر إلىحد انتفاء المشقة وغناؤهم بالثواب ينفي مشقة ترك القبائح وأهل النار يلجأون

إلى ترك القبيح.أقول: لما ذكر أن الثواب خالص عن الشوائب ورد عليه أن أهل الجنة

يتفاوتون في الدرجات، فاألنقص إذا شاهد من هو أعظم ثوابا حصل له الغمبنقص درجته عنه وبعدم اجتهاده في العبادة وأيضا، فإنه يجب عليهم الشكر لنعمالله تعالى واالخالل بالقبائح وفي ذلك مشقة. والجواب عن األول أن شهوة كل

--------------------(١) باتفاق النسخ كلها. وفي المطبوعة فألنه أدخل في الزجر. وهذا تحريف سنح من ظاهرقول الماتن: (وهو أدخل في باب الزجر). والصواب أعظم، وهو تفسير أدخل. يعني يجب

خلوص الثواب من شوائب األلم أي يجب أن ال يكون مشوبا بألم من مثل الحزن والغموالخوف ونحوها، وكذا يجب خلوص العقاب من شوائب اللذة أي يجب أن ال يكون مشوبا

باللذة.(٢) وذلك ألن الدرجات هنالك ليست إال مراتب األعمال الصالحة والحقائق االيقانية النورية

المكسوبة هاهنا. وعن موالنا إمام الملك والملكوت الصادق عليه السالم: ال تقولن الجنة واحدة إنالله يقول: ومن دونهما جنتان، وال تقولن درجة واحدة إن الله يقول: درجات بعضها فوق

بعض، إنما تفاضل القوم باألعمال، رواه في الصافي في سورة الرحمن في تفسير قولهسبحانه: (ومن دونهما جنتان).

(٥٥٦)

Page 590: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

مكلف مقصورة على ما حصل له وال يغتم بفقد األزيد لعدم اشتهائه له، وعن الثانيأنه يبلغ سرورهم بالشكر على النعمة إلى حد تنتفي المشقة معه. وأما االخالل

بالقبائح فإنه ال مشقة عليهم فيها ألنه تعالى يغنيهم بالثواب ومنافعه عن فعلالقبيح فال تحصل لهم مشقة، أما أهل النار فإنهم يلجأون إلى فعل ما يجب عليهم

وترك القبائح فال تصدر عنهم، وليس ذلك تكليفا ألنه بالغ حد االلجاء ويحصلمن ذلك نوع من العقاب أيضا.

قال: ويجوز توقف الثواب على شرط وإال ألثيب العارف بالله تعالى خاصة.أقول: ذهب جماعة إلى أن الثواب يجوز أن يكون موقوفا على شرط ومنعه

آخرون، واألول هو الحق، والدليل عليه أنه لوال ذلك لكان العارف بالله تعالىوحده مثابا مع عدم نظره في المعجزة وعدم تصديقه بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم،

والتالي باطلإجماعا فكذا المقدم، بيان الشرطية أن المعرفة طاعة مستقلة بنفسها فلو لم يتوقف

الثواب عليها على شرط لوجبت إثابة من لم يصدق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلمحيث لم ينظرفي معجزته.

قال: وهو مشروط بالموافاة (١) لقوله تعالى: (لئن أشركت ليحبطن عملك)--------------------

أي الثواب مشروط بأن عامل الخير يوافي إيمانه الموت أي يدوم إيمانه إلى حال الموتويوافي بالطاعة سليمة إلى الموت. قال في تفسير المجمع عند قوله سبحانه: (وإذ قلنا

للمالئكة اسجدوا آلدم فسجدوا إال إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين) (البقرة ٣٤):وأما قوله تعالى: (وكان من الكافرين) قيل: معناه كان كافرا في األصل، وهذا القول يوافق

مذهبنا في الموافاة.وفي نسخة مخطوطة مصححة من المجمع عندنا مزدانة بتعليقات عتيقة، جاءت عبارة

التعليقة في المقام هكذا: اختلف المعتزلة في اشتراط الموافاة في الثواب والعقاب فقال بهمامشائخ بغداد وأنكره الباقون. والقائلون بالموافاة اختلفوا فمنهم من قال: ال يثبت االستحقاقبهما إال في اآلخرة وهو إذا وافى العبد بالطاعة سليمة إلى دار اآلخرة. ومنهم من قال: يثبتفي حال الموت وهو إذا وافى العبد بها إلى الموت. ومنهم من قال: بل في حال الطاعة أو

المعصية بشرط الموافاة وهو إذا كان معلوم الحكم منه أنه ال محبط الطاعة إلى حالة الموت.احتج المشترطون بأن ثواب األيمان دائم فلو لم يتوقف على الموافاة لكان المرتد إما أن

يستحق العقاب الدائم مع استحقاق دوام الثواب، أو يكون أحدهما زائال باآلخر وهوالمطلوب. واعلم أن استحقاق الثواب يتوقف على االستمرار على اإليمان وعالمة ذلك

الموافاة.

(٥٥٧)

Page 591: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

وقوله تعالى: (ومن يرتدد منكم عن دينه).أقول: اختلف المعتزلة على أربعة أقوال: فقال بعضهم: إن الثواب والعقاب

يستحقان في وقت وجود الطاعة والمعصية وأبطلوا القول بالموافاة. وقال آخرون:إنهما يستحقان في الدار اآلخرة. وقال آخرون: إنهما يستحقان حال االخترام.وقال آخرون: إنهما يستحقان في الحال بشرط الموافاة، فإن كان في علم اللهتعالى أنه يوافي الطاعة سليمة إلى حال الموت أو اآلخرة استحق بها الثواب في

الحال وكذا المعصية وإن كان في علمه تعالى أنه يحبط الطاعة أو يتوب منالمعصية قبل الموافاة لم يستحق الثواب وال العقاب بهما، واستدل المصنف رحمه الله

على القول بالموافاة بقوله تعالى: (لئن أشركت ليحبطن عملك) وبقوله تعالى:(ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم) وتقريره

أن نقول (١): إما أن يكون المراد باالحباط هنا كون العمل باطال في أصله أو أن--------------------

(١) العبارة قد حرفت في النسخ المطبوعة والمخطوطة تحريفا فاحشا، ومختارنا مطابق لما فينسخة (م) وهو الحق محققا. فنقول في بيانه على وزان كالم الشارح العالمة في تقرير هذاالمطلب القويم األصيل: إن الثواب مشروط بالموافاة على ما تقدم منا تفسيرها آنفا، وذلكبالكريمتين اللتين استدل بهما المحقق الطوسي على الموافاة، فإن المراد باالحباط والحبط

فيهما يتصور على وجوه ثالثة:أحدها: أن يكون العمل باطال في أصله.

وثانيها: أن الثواب يسقط بعد ثبوته.وثالثها: أن الكفر أي الشرك واالرتداد أبطله، أي لم يتحقق الموافاة.

والوجه األول باطل بدليلين: األول: أن الله سبحانه علق بطالن العمل بالشرك المتجدد حيثقال: لئن أشركت ليحبطن عملك، وقال: ومن يرتدد منكم.. اآلية. الدليل الثاني: أن قولهسبحانه في اآليتين شرط وجزاء، والشرط والجزاء أنما يقعان في المستقبل، فباألول أيالشرط يبطل الثاني أي الجزاء، يعني إذا سنح الشرك واالرتداد يحبط األعمال فال يكون

العمل باطال في أصله.والوجه الثاني باطل ألنه إحباط كما يأتي في المسألة اآلتية.

فإذا بطل الوجهان األوالن تعين الوجه الثالث وهو صحة القول بالموافاة.فبما بينا دريت أن المراد من قوله: وباألول يبطل الثاني، هو الشرط والجزاء، وقد توهمبعضهم أن المراد بهما هو الوجه األول والثاني. ثم أوجب هذا الوهم السوء تبديل الثاني

بالثالث وإسقاط قوله فتعين الثالث.والصورة المحرفة هكذا: واألوالن باطالن أما األول ألنه علق بطالنه بالشرك وألنه شرطوجزاؤهما أنما يقعان في المستقبل وباألول يبطل الثاني وأما الثالث فلما يأتي من بطالن

التحابط.

(٥٥٨)

Page 592: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الثواب يسقط بعد ثبوته أو أن الكفر أبطله، واألوالن باطالن. أما األول فألنه علقبطالنه بالشرك المتجدد وألنه شرط وجزاء وهما أنما يقعان في المستقبل

وباألول يبطل الثاني، وأما الثاني فلما يأتي من بطالن التحابط فتعين الثالث.المسألة السابعة

في اإلحباط والتكفيرقال: واالحباط باطل (١) الستلزامه الظلم ولقوله تعالى: (فمن يعمل مثقال

--------------------(١) وهو في الحقيقة الكشف عن عدم اليقين في اإليمان، وعدم االخالص في العبادة كالمرائي

فيرى ال ثواب له ألنه عمل لغير وجه الله واقعا كما قال سبحانه: (كالذي ينفق ماله رئاءالناس وال يؤمن بالله واليوم اآلخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا

ال يقدرون على شئ مما كسبوا) (البقرة ٢٦٤). وقال عز من قائل: (أال لله الدينالخالص) (الزمر ٣) والروايات في بطالن عمل المرائي أيضا دالة على ذلك، وليس هاهنا

إحباط بمعناه الحقيقي.قال الطبرسي في المجمع في تفسير قوله تعالى: (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة)

اآلية (البقرة ٣٥): وإنما قلنا ال يجوز مواقعة الكبائر على األنبياء عليهم السالم من حيث أن القبيحيستحق فاعله به الذم والعقاب ألن المعاصي عندنا كلها كبائر وإنما تسمى صغيرة بإضافتهاإلى ما هو أكبر عقابا منها ألن االحباط قد دل الدليل عندنا على بطالنه وإذا بطل ذلك فال

معصية إال ويستحق فاعلها الذم والعقاب وإذا كان الذم والعقاب منفيين عن األنبياء عليهم السالموجب أن ينتفي عنهم سائر الذنوب.. الخ.

وقال فيه عند كالمه سبحانه: قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكمأعمالكم ونحن له مخلصون (البقرة ١٣٩): فصل في ذكر االخالص: روي عن حذيفة بن

اليمان قال: سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن االخالص ما هو؟ قال: سألت جبرئيل عليه السالم عنذلك قال:

سألت رب العزة عن ذلك فقال: هو سر من سري استودعته قلب من أحببته من عبادي.وروي عن ابن إدريس الخوالني عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن لكل حق حقيقة وما بلغ عبد

حقيقةاالخالص حتى ال يحب أن يحمد على شئ من عمل الله.

وقال سعيد بن جبير: االخالص أن يخلص العبد دينه وعمله لله وال يشرك به في دينه واليرائي بعمله أحدا.

وقيل: االخالص أن تستوي أعمال العبد في الظاهر والباطن. وقيل: هو ما استتر من الخالئقواستصفى من العالئق. وقيل: هو أن يكتم حسناته كما يكتم سيئاته.

(٥٥٩)

Page 593: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

ذرة خيرا يره).أقول: اختلف الناس هنا، فقال جماعة من المعتزلة باالحباط والتكفير،

ومعناهما أن المكلف يسقط ثوابه المتقدم بالمعصية المتأخرة أو تكفر ذنوبهالمتقدمة بطاعته المتأخرة ونفاهما المحققون، ثم القائلون بهما اختلفوا فقال

أبو علي: إن المتأخر يسقط المتقدم ويبقى على حاله. وقال أبو هاشم: إنه ينتفياألقل باألكثر وينتفي من األكثر باألقل ما ساواه ويبقى الزائد مستحقا وهذا هو

الموازنة، ويدل على بطالن االحباط أنه يستلزم الظلم ألن من أساء وأطاعوكانت إساءته أكثر يكون بمنزلة من لم يحسن وإن كان إحسانه أكثر يكون بمنزلة

من لم يسئ وإن تساويا يكون مساويا لمن لم يصدر عنه أحدهما وليس كذلكعند العقالء، ولقوله تعالى: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة

شرا يره) وااليفاء بوعده ووعيده واجب.قال: ولعدم األولوية إذا كان اآلخر ضعفا (١) وحصول المتناقضين مع التساوي.

--------------------(١) الضعف بالكسر فالسكون وما في بعض النسخ: (ضعيفا) فمحرف بال حرف. وفي (ت) بعد

قوله ضعفا: وحصولها لمتناقضين والنسخ األخرى كما اخترناه وحصول المتناقضين مجرورمعطوف على عدم األولوية. ونسخة (م) قد نقصت منها عدة صفحات من هذه المسألة إلى

المسألة الخامسة عشرة.الكالم في رد قول أبي هاشم بالموازنة وقد دريت أنه ذهب إلى أنه ينتفي األقل باألكثر،وينتفي من األكثر باألقل ما ساواه ويبقى الزائد مستحقا، فالمحقق أتى بدليلين في إبطال

قوله أحدهما بعدم األولوية على فرض أحد من الثواب والعقاب ضعفا لآلخر كما مثلالشارح العالمة بقوله: إذا فرضنا استحق المكلف خمسة أجزاء من الثواب وعشرة أجزاء من

العقاب. والثاني حصول المتناقضين أي جمعهما على فرض تساوي الثواب والعقاب كمامثل في الشرح بقوله: ولو فرضنا أنه فعل خمسة أجزاء من الثواب وخمسة أجزاء منالعقاب. وتقرير الشارح في بيان الدليلين خال عن التكلف جار على أسلوبه الطبيعي.

واألستاذ العالمة الشعراني عدل من الضعف إلى الضعيف ففسر العبارة بما ليس بمراد وقدتكلف بما استفاد، وأسند بيان الشارح إلى التكلف وعدم السداد.

(٥٦٠)

Page 594: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: هذا دليل على إبطال قول أبي هاشم بالموازنة، وتقريره أنا إذا فرضناأنه استحق المكلف خمسة أجزاء من الثواب وعشرة أجزاء من العقاب، فليس

إسقاط إحدى الخمستين من العقاب بالخمسة من الثواب أولى من األخرى، فإماأن يسقطا معا وهو خالف مذهبه أو ال يسقط شئ منهما وهو المطلوب، ولو

فرضنا أنه فعل خمسة أجزاء من الثواب وخمسة أجزاء من العقاب فإن تقدمإسقاط أحدهما لآلخر لم يسقط الباقي بالمعدوم الستحالة صيرورة المغلوب

والمعدوم غالبا ومؤثرا، وإن تقارنا لزم وجودهما معا ألن وجود كل منهما نفيوجود اآلخر فيلزم وجودهما حال عدمهما، وذلك جمع بين المتناقضين.

المسألة الثامنةفي انقطاع عذاب أصحاب الكبائر

قال: والكافر مخلد (١) وعذاب صاحب الكبيرة منقطع الستحقاقه الثواببإيمانه ولقبحه عند العقالء.

أقول: أجمع المسلمون كافة على أن عذاب الكافر مؤبد ال ينقطع، واختلفوا--------------------

(١) فإنه بإبطال نفسه وجعلها بتراء صار من سنخ الجحيم فال ترد النعيم، كما لو كان في هذهالنشأة مخلدا فأزال مرة بصره بسوء عمله آنا ما، فإنه في هذه النشأة أعمى مخلدا فال يسمع

منه أن يقول إن سوء عملي كان آنا ما فلماذا كنت أعمى بالخلود المؤبد.

(٥٦١)

Page 595: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

في أصحاب الكبائر من المسلمين فالوعيدية على أنه كذلك، وذهبت اإلماميةوطائفة كثيرة من المعتزلة واألشاعرة إلى أن عذابه منقطع، وينبغي أن يعرف هنا

الصغير والكبير من الذنب (١) أما الصغير فيقال على وجوه:(منها): ما يقال باإلضافة إلى الطاعة، فيقال: هذه المعصية صغيرة في مقابلة

الطاعة أو هي أصغر من هذه الطاعة، باعتبار أن عقابها ينقص في كل وقت عنثواب تلك الطاعة في كل وقت، وإنما شرطنا عموم الوقت ألنه متى اختلف الحال

في ذلك بأن يزيد تارة ثواب الطاعة عن عقاب المعصية وتارة ينقص لم نقل إنتلك صغيرة باإلضافة إلى تلك الطاعة على اإلطالق، بل تقيد بالحالة التي يكون

عقابها أقل من ثواب الطاعة وحصول االختالف بما يقترن بالطاعة والمعصية، فإناإلنفاق في سبيل الله مختلف كما قال تعالى: (ال يستوي منكم من أنفق من قبل

الفتح).(ومنها) أن يقال بالنسبة إلى معصية أخرى، فيقال: هذه المعصية أصغر من

تلك، بمعنى أن عقاب هذه ينقص في كل وقت عن عقاب األخرى.(ومنها) أن يقال باإلضافة إلى ثواب فاعلها، بمعنى أن عقابها ينقص في كل

وقت عن ثواب فاعلها في كل وقت، هذا هو الذي يطلقه العلماء عليه، والكبيريقال على وجوه مقابلة لهذه الوجوه.

إذا عرفت هذا فنقول: الحق أن عقاب أصحاب الكبائر منقطع، والدليل عليهوجهان: األول: أنه يستحق الثواب بإيمانه لقوله تعالى: (فمن يعمل مثقال ذرة

خيرا يره) واإليمان أعظم أفعال الخير، فإذا استحق العقاب بالمعصية فإما أن يقدمالثواب على العقاب وهو باطل باالجماع ألن الثواب المستحق باإليمان دائم علىما تقدم أو بالعكس وهو المراد والجمع محال. الثاني: يلزم أن يكون من عبد الله

--------------------(١) قد تقدم آنفا عن المجمع أن المعاصي عندنا كلها كبائر وإنما تسمى صغيرة بإضافتها إلى ما

هو أكبر عقابا منها، فال تنظر إلى الذنب أنه محقر بل انظر إلى من عصيته.

(٥٦٢)

Page 596: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

تعالى مدة عمره بأنواع القربات إليه ثم عصى في آخر عمره معصية واحدة مع بقاءإيمانه مخلدا في النار كمن أشرك بالله تعالى مدة عمره، وذلك محال لقبحه عند

العقالء.قال: والسمعيات متأولة ودوام العقاب مختص بالكافر.

أقول: هذا إشارة إلى الجواب عن حجج الوعيدية واحتجوا بالنقل والعقل.(أما النقل) فاآليات الدالة على خلودهم كقوله تعالى: (ومن يعص الله ورسوله

ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها) وقوله تعالى: (ومن يقتل مؤمنا متعمدافجزاؤه جهنم خالدا فيها) إلى غير ذلك من اآليات. (وأما العقل) فما تقدم من أن

العقاب والثواب يجب دوامهما. (والجواب) عن السمع التأويل إما بمنع العموموالتخصيص بالكفار وإما بتأويل الخلود بالبقاء المتطاول وإن لم يكن دائما، وعن

العقل بأن دوام العقاب أنما هو في حق الكافر أما غيره فال.المسألة التاسعةفي جواز العفو

قال: والعفو واقع ألنه حقه تعالى فجاز إسقاطه وال ضرر عليه في تركه معضرر النازل به فحسن إسقاطه وألنه إحسان.

أقول: ذهب جماعة من معتزلة بغداد إلى أن العفو جائز عقال غير جائز سمعا،وذهب البصريون إلى جوازه سمعا وهو الحق، واستدل عليه المصنف رحمه الله

بوجوه (١)، األول أن العقاب حق لله تعالى فجاز تركه والمقدمتان ظاهرتان.--------------------

(١) بوجوه، كما في (ص). وفي (ق ش ز د): بوجوه ثالثة. وعبارة المتن أيضا جاءت في غير(ت): وألنه إحسان، بالواو، وأما نسخة (ت) ففيها: فحسن إسقاطه ألنه إحسان بدون الواو.ونسخة (م) هاهنا ساقطة وقد كتبت ثانية وكانت هي أقدم النسخ. فالوجوه محمولة على أقل

الجمع، ولكن الشارح القوشجي في شرحه بعد بيان الوجهين قال: الثالث العفو إحسانواالحسان على الله تعالى واجب، وكالمه هذا بيان لقول المحقق الطوسي وألنه إحسان كما

هو ظاهر. وظني أن كالم الشارح العالمة في الوجه الثالث سقط عن قلم النساخ وقد رأيتنظيره في الكتاب، فيجب أن يضاف إليه نحو قول القوشجي بأن يقال: الثالث العفو إحسان

واالحسان على الله تعالى واجب، بيانا لقوله: وألنه إحسان.

(٥٦٣)

Page 597: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

الثاني: أن العقاب ضرر بالمكلف وال ضرر في تركه على مستحقه وكل ما كانكذلك كان تركه حسنا، أما أنه ضرر بالمكلف فضروري وأما عدم الضرر في تركه

فقطعي ألنه تعالى غني بذاته عن كل شئ وأما إن ترك مثل هذا حسن فضروري.قال: وللسمع.

أقول: هذا دليل الوقوع سمعا وهو اآليات الدالة على العفو كقوله تعالى: (إنالله ال يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) فإما أن يكون هذان

الحكمان مع التوبة أو بدونها، واألول باطل ألن الشرك يغفر مع التوبة فتعين الثاني،(وأيضا) المعصية مع التوبة يجب غفرانها وليس المراد في اآلية المعصية التييجب غفرانها، ألن الواجب ال يعلق بالمشيئة فما كان يحسن قوله لمن يشاء

فوجب عود اآلية إلى معصية ال يجب غفرانها كقوله تعالى: وإن ربك لذو مغفرةللناس على ظلمهم و (على) تدل على الحال أو الغرض كما يقال: ضربت زيداعلى عصيانه، أي ألجل عصيانه وهو غير مراد هنا قطعا فتعين األول. (وأيضا)

فالله تعالى قد نطق في كتابه العزيز بأنه عفو غفور، وأجمع المسلمون عليه والمعنى له إال إسقاط العقاب عن العاصي.

المسألة العاشرةفي الشفاعة (١)

قال: واالجماع على الشفاعة فقيل لزيادة المنافع ويبطل بنا في حقه صلى اللهعليه وآله.

--------------------(١) المحقق في الشفاعة أن المؤمن يكسبها في هذه النشأة باتباع سيرة الشفيع فما حرثه في

مزرعة نفسه هاهنا يرى نتيجته في نشأته األخرى التي هي يوم حصاده والنتيجة في طولالعمل بل الجزاء نفس العمل، فافهم.

(٥٦٤)

Page 598: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: اتفقت العلماء على ثبوت الشفاعة للنبي صلى الله عليه وآله، ويدل عليه قولهتعالى: (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) قيل: إنه الشفاعة، واختلفوا فقالت

الوعيدية: إنها عبارة عن طلب زيادة المنافع للمؤمنين المستحقين للثواب،وذهبت التفضلية إلى أن الشفاعة للفساق من هذه األمة في إسقاط عقابهم وهو

الحق، وأبطل المصنف األول بأن الشفاعة لو كانت في زيادة المنافع ال غير لكناشافعين في النبي صلى الله عليه وآله حيث نطلب له من الله تعالى علو الدرجات،

والتالي باطلقطعا ألن الشافع أعلى من المشفوع فيه فالمقدم مثله.

قال: ونفي المطاع ال يسلتزم نفي المجاب وباقي السمعيات متأولةبالكفار (١).

أقول: هذا إشارة إلى جواب من استدل على أن الشفاعة أنما هي في زيادةالمنافع، وقد استدلوا بوجوه: األول: قوله تعالى: (ما للظالمين من حميم وال شفيع

يطاع) نفى الله تعالى قبول الشفاعة عن الظالم والفاسق ظالم. (والجواب) أنهتعالى نفى الشفيع المطاع ونحن نقول به ألنه ليس في اآلخرة شفيع يطاع ألن

المطاع فوق المطيع والله تعالى فوق كل موجود وال أحد فوقه، وال يلزم من نفيالشفيع المطاع نفي الشفيع المجاب، سلمنا لكن لم ال يجوز أن يكون المرادبالظالمين هنا الكفار جمعا بين األدلة؟ الثاني: قوله تعالى: (وما للظالمين من

أنصار) ولو شفع عليه السالم في الفاسق لكان ناصرا له. الثالث: قوله تعالى: (والتنفعها

شفاعة) (يوما ال تجزي نفس عن نفس شيئا) (فما تنفعهم شفاعة الشافعين)والجواب عن هذه اآليات كلها أنها مختصة بالكفار جمعا بين األدلة. الرابع: قوله

تعالى: (وال يشفعون إال لمن ارتضى) نفي شفاعة المالئكة عن غير المرتضى للهتعالى والفاسق غير مرتضى (٢) والجواب ال نسلم أن الفاسق غير مرتضى بل هو

--------------------(١) في الكفار، كما في (ت)، والنسخ األخرى: متأولة بالكفار.

(٢) وفي نسخة (ق) كتبت فوق غير مرتضى هذه اللفظة: بخطه. يعني أن غير مرتضى بخطالشارح العالمة.

(٥٦٥)

Page 599: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

مرتضى لله تعالى في إيمانه.قال: وقيل في إسقاط المضار والحق صدق الشفاعة فيهما وثبوت الثاني

له صلى الله عليه وآله بقوله: ادخرت شفاعتي ألهل الكبائر من أمتي.أقول: هذا هو المذهب الثاني الذي حكيناه أوال وهو أن الشفاعة في إسقاط

المضار، ثم بين المصنف رحمه الله أنها تطلق على المعنيين معا، كما يقال: شفع فالنفي

فالن إذا طلب له زيادة منافع أو إسقاط مضار وذلك متعارف عند العقالء، ثم بينأن الشفاعة بالمعنى الثاني - أعني إسقاط المضار - ثابتة للنبي صلى الله عليه وآله

وسلم: ادخرتشفاعتي ألهل الكبائر من أمتي، وذلك حديث مشهور.

المسألة الحادية عشرةفي وجوب التوبة

قال: والتوبة واجبة (١) لدفعها الضرر ولوجوب الندم على كل قبيح أو إخاللبواجب.

أقول: التوبة هي الندم على المعصية لكونها معصية والعزم على ترك المعاودةفي المستقبل ألن ترك العزم يكشف عن نفي الندم، وهي واجبة باالجماع لكن

اختلفوا فذهب جماعة من المعتزلة إلى أنها تجب من الكبائر المعلوم كونها كبائرأو المظنون فيها ذلك وال يجب من الصغائر المعلوم منها أنها صغائر. وقال

آخرون: إنها ال تجب من ذنوب تاب عنها من قبل. وقال آخرون: إنها تجب منكل صغير وكبير من المعاصي أو االخالل بالواجب سواء تاب عنها قبل أو لم يتب.

وقد استدل المصنف على وجوبها بأمرين: األول: أنها دافعة للضرر الذي هوالعقاب أو الخوف منه ودفع الضرر واجب. الثاني: أنا نعلم قطعا وجوب الندم على

--------------------(١) قد بحثنا عن وجوب التوبة على االستقصاء في ثالثة عشر مبحثا في المجلد األول من

تكملة المنهاج (ص ١٧١ - ٢٠٩ ج ١ ط ١) فراجع.

(٥٦٦)

Page 600: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

فعل القبيح أو االخالل بالواجب. إذا عرفت هذا فنقول: إنها تجب عن كل ذنبألنها تجب من المعصية لكونها معصية ومن االخالل بواجب لكونه كذلك، وهذا

عام في كل ذنب وإخالل بواجب.قال: ويندم على القبيح لقبحه وإال انتفت وخوف النار إن كان الغاية فكذلك

وكذا االخالل.أقول: يجب على التائب أن يندم على القبيح لقبحه وأن يعزم على ترك

المعاودة إليه، إذ لوال ذلك انتفت التوبة كمن يتوب عن المعصية حفظا لسالمة بدنهأو لعرضه بحيث ال ينثلم عند الناس، فإن مثل هذا ال يعد توبة النتفاء الندم فيه.

وأما التائب خوفا من النار فإن كان الخوف من النار هو الغاية في توبته بمعنى أنهلوال خوف النار لم يتب فكذلك أي ال يصح منه التوبة ألنها ليست توبة عن القبيحلقبحه، فجرى مجرى طالب سالمة البدن وإن لم يكن هو الغاية بأن يندم عليه ألنه

قبيح وفيه عقاب النار ولوال القبح لما ندم عليه وإن كان فيه خوف النار صحتتوبته، وكذا االخالل بالواجب إن ندم عليه ألنه إخالل بواجب وعزم على فعلالواجب في المستقبل ألجل كونه إخالال بواجب، فهي توبة صحيحة وإن كانخوفا من النار أو من فوات الجنة، فإن كان هو الغاية لم تصح توبته وإال كانتصحيحة، ولهذا إن المسئ لو اعتذر إلى المظلوم ال ألجل إساءته بل لخوفه من

عقوبة السلطان لم يقبل العقالء عذره.قال: فال تصح من البعض وال يتم القياس على الواجب.

أقول: اختلف شيوخ المعتزلة فذهب أبو هاشم إلى أن التوبة ال تصح من قبيحدون قبيح، وذهب أبو علي إلى جواز ذلك، والمصنف رحمه الله استدل على مذهب

أبيهاشم بأنا قد بينا أنه يجب أن يندم على القبيح لقبحه ولوال ذلك لم تكن مقبولة

على ما تقدم والقبح حاصل في الجميع، فلو تاب من قبيح دون قبيح كشف ذلكعن كونه تائبا عنه ال لقبحه.

(٥٦٧)

Page 601: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

واحتج أبو علي بأنه لو لم تصح التوبة عن قبيح دون قبيح لم يصح االتيانبواجب دون واجب، والتالي باطل فالمقدم مثله، بيان الشرطية أنه كما يجب عليهترك القبيح لقبحه كذا يجب عليه فعل الواجب لوجوبه، فلو لزم من اشتراك القبائح

في القبح عدم صحة التوبة من بعض القبائح دون بعض لزم من اشتراك الواجباتفي الوجوب عدم صحة االتيان بواجب دون آخر. وأما بطالن التالي فباالجماع،إذ ال خالف في صحة صالة من أخل بالصوم. وأجاب أبو هاشم بالفرق بين ترك

القبيح لقبحه وفعل الواجب لوجوبه بالتعميم في األول دون الثاني، فإن من قال: الآكل الرمانة لحموضتها، فإنه ال يقدم على أكل كل حامض التحاد الجهة في المنع،

ولو أكل الرمانة لحموضتها لم يلزم أن يتناول كل رمانة حامضة فافترقا، وإليهأشار المصنف رحمه الله بقوله: وال يتم القياس على الواجب، أي ال يتم قياس ترك

القبيحلقبحه على فعل الواجب لوجوبه.

قال: ولو اعتقد فيه الحسن صحت.أقول: قد تصح التوبة من قبيح دون قبيح إذا اعتقد التائب في بعض القبائح

أنها حسنة وتاب عما يعتقده قبيحا، فإنه يقبل توبته لحصول الشرط فيه وهو ندمهعلى القبيح لقبحه، ولهذا إذا تاب الخارجي عن الزنا فإنه يقبل توبته وإن كان

اعتقاده قبيحا، ألنه ال يعتقده كذلك فيصدق في حقه أنه تاب عن القبيح لقبحه.قال: وكذا المستحقر (١).

أقول: إذا كان هناك فعالن: أحدهما عظيم القبح واآلخر صغيره وهو مستحقربالنسبة إليه حتى ال يكون معتدا به، ويكون وجوده بالنسبة إلى العظيم كعدمه حتى

تاب فاعل القبيح من العظيم فإنه تقبل توبته، مثال ذلك: إن االنسان إذا قتل ولدغيره وكسر له قلما ثم تاب وأظهر الندم على قتل الولد دون كسر القلم فإنه تقبل

--------------------(١) وفي (ت) فقط: وكذا المستخف. وقوله في آخر الشرح: فكذا الندم، كما في (ص) والنسخ

األخرى: وكذا العزم.

(٥٦٨)

Page 602: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

توبته وال يعتد العقالء بكسر القلم وإن كان ال بد من أن يندم على جميع إساءته،وكما أن كسر القلم حال قتل الولد ال يعد إساءة فكذا الندم.

قال: والتحقيق (١) أن ترجيح الداعي إلى الندم عن البعض يبعث عليه وإناشترك الداعي في الندم على القبيح كما في الدواعي إلى الفعل، ولو اشترك

الترجيح اشترك وقوع الندم وبه يتأول كالم أمير المؤمنين وأوالده عليهم السالم وإال لزمالحكم ببقاء الكفر على التائب منه المقيم على صغيرة.

أقول: لما شرع في تقرير كالم أبي هاشم ذكر التحقيق في هذا المقام، وتقريرهأن نقول: الحق أنه تجوز التوبة عن قبيح دون قبيح، ألن األفعال تقع بحسب

الدواعي وتنتفي بحسب الصوارف، فإذا ترجح الداعي وقع الفعل.إذا عرفت هذا فنقول: يجوز أن يرجح فاعل القبائح دواعيه إلى الندم على

بعض القبائح دون بعض، وإن كانت القبائح مشتركة في أن الداعي يدعو إلى الندمعليها، وذلك بأن تقترن ببعض القبائح قرائن زائدة كعظم الذنب أو كثرة الزواجر

عنه أو الشناع عند العقالء عند فعله، وال تقترن هذه القرائن ببعض القبائح فال يندمعليها، وهذا في دواعي الفعل فإن األفعال الكثيرة قد تشترك في الدواعي ثم يؤثرصاحب الدواعي بعض تلك األفعال على بعض بأن يترجح دواعيه إلى ذلك الفعل

بما يقترن به من زيادة الدواعي، فال استبعاد في كون قبح الفعل داعيا إلى الندم، ثمتقترن ببعض القبائح زيادة الدواعي إلى الندم عليه فيترجح ألجلها الداعي إلى

الندم على ذلك البعض، ولو اشتركت القبائح في قوة الدواعي اشتركت في وقوعالندم ولم يصح الندم على البعض دون اآلخر.

وعلى هذا ينبغي أن يحمل كالم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السالم وكالمأوالده كالرضا وغيره عليهم السالم حيث نقل عنهم نفي تصحيح التوبة عن بعض

القبائح--------------------

(١) المتن موافق للنسخ كلها إال نسخة (ص) ففيها: وبهذا يتأول، مكان وبه يتأول. وما فيالمطبوعة حواش إيضاحية أدرجت في المتن.

(٥٦٩)

Page 603: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

دون بعض، ألنه لوال ذلك لزم خرق االجماع، والتالي باطل فالمقدم مثله، بيانالمالزمة أن الكافر إذا تاب عن كفره وأسلم وهو مقيم على الكذب إما أن يحكم

بإسالمه وتقبل توبته عن الكفر أو ال، والثاني خرق االجماع التفاق المسلمينعلى إجراء أحكام المسلمين عليه، واألول هو المطلوب وقد التزم أبو هاشم

استحقاقه عقاب الكفر وعدم قبول توبته وإسالمه لكن يمنع إطالق االسم عليه (١).المسألة الثانية عشرة

في أقسام التوبةقال: والذنب إن كان في حقه تعالى من فعل قبيح كفى فيه الندم والعزم وفي

االخالل بالواجب اختلف حكمه من بقائه وقضائه وعدمهما، وإن كان في حقآدمي استتبع إيصاله إن كان ظلما أو العزم عليه مع التعذر أو االرشاد إن كان

إضالال وليس ذلك أجزاء (٢).أقول: التوبة إما أن تكون من ذنب يتعلق به تعالى خاصة أو يتعلق به حق

--------------------(١) كما في (ص ش) أي يمنع أبو هاشم إطالق اسم الكافر على الكافر الذي تاب عن كفره

وأسلم وهو مقيم على الكذب مثال. وفي (ق) لكن ال يمتنع إطالق اسم االسالم عليه. وفي (زد): لكن يمتنع إطالق اسم االسالم عليه. والصواب هو األول، لفظا ومعنى، والثاني معنى

فقط. وقد سقطت كلمة ال في العبارة في الثالث.(٢) على صيغة الجمع. وفي بعض النسخ: أجرا، وفي بعضها: جزاء. ولكنهما محرفان. وهذا رد

على المعتزلة ألنهم ذهبوا إلى أن رد المظالم شرط في صحة التوبة فقالوا: ال تصح التوبة عنمظلمة دون الخروج عن تلك المظلمة. وذهب أصحابنا اإلمامية ووافقهم األشعرية إلى أن

ذلك واجب برأسه ال مدخل له في الندم على ذنب آخر. قال الشيخ البهائي في كتاباألربعين: إعلم أن االتيان بما يستتبعه الذنوب من قضاء الفوائت وأداء الحقوق والتمكين من

القصاص والحد ونحو ذلك ليس شرطا في صحة التوبة بل هذه واجبات برأسها والتوبةصحيحة بدونها وبها تصير أكمل وأتم، إنتهى. وراجع في ذلك شرح الروضة الحاديةوالثالثين من رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين عليه الصالة والسالم

(ص ٣٢٩ ط ١) وكذلك شرحنا على النهج المذكور آنفا.

(٥٧٠)

Page 604: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

اآلدمي، واألول إما أن تكون عن فعل قبيح كشرب الخمر والزنا أو إخالل بواجبكترك الصالة والزكاة. (فاألول) يكفي في التوبة منه الندم عليه والعزم على ترك

العود إليه، (وأما الثاني) فتختلف أحكامه بحسب القوانين الشرعية فمنه ما ال بد معالتوبة منه من فعله أداءا كالزكاة، ومنه ما يجب معه القضاء كالصالة اليومية، ومنه

ما يسقطان عنه كالعيدين (١) وهذا األخير يكفي فيه الندم والعزم على تركالمعاودة كما في فعل القبيح.

وأما ما يتعلق به حق اآلدمي فيجب فيه الخروج إليهم منه، فإن كان أخذ مالوجب رده على مالكه أو على ورثته إن مات ولو لم يتمكن من ذلك وجب العزم

عليه، وكذا إن كان حد قذف وإن كان قصاصا وجب الخروج إليهم منه بأن يسلمنفسه إلى أولياء المقتول، فإما أن يقتلوه أو يعفوا عنه بالدية أو بدونها، وإن كان في

بعض األعضاء وجب تسليم نفسه ليقتص منه في ذلك العضو إلى المستحق منالمجني عليه أو الورثة، وإن كان إضالال وجب إرشاد من أضله ورجوعه عما

اعتقده (٢) بسببه من الباطل إن أمكن ذلك.واعلم أن هذه التوابع ليست أجزاء من التوبة فإن العقاب يسقط بالتوبة، ثم إن

قام المكلف بالتبعات كان ذلك إتماما للتوبة من جهة المعنى، ألن ترك التبعات اليمنع من سقوط العقاب بالتوبة عما تاب منه بل يسقط العقاب ويكون ترك القيامبالتبعات بمنزلة ذنوب مستأنفة تلزمه التوبة منها، نعم التائب إذا فعل التبعات بعد

إظهار توبته كان ذلك داللة على صدق الندم، وإن لم يقم بها أمكن جعله داللة علىعدم صحة الندم.

قال: ويجب االعتذار إلى المغتاب مع بلوغه.أقول: المغتاب إما أن يكون قد بلغه اغتيابه أو ال، ويلزم على الفاعل للغيبة في

األول االعتذار منه إليه ألنه أوصل إليه ضرر الغم فوجب عليه االعتذار منه--------------------

(١) باتفاق النسخ كلها.

(٢) باتفاق النسخ كلها.

(٥٧١)

Page 605: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

والندم عليه، وفي الثاني ال يلزمه االعتذار وال االستحالل منه ألنه لم يفعل بهألما، وفي كال القسمين يجب الندم لله تعالى لمخالفته النهي والعزم على ترك

المعاودة.قال: وفي إيجاب التفصيل مع الذكر إشكال.

أقول: ذهب قاضي القضاة إلى أن التائب إن كان عالما بذنوبه على التفصيلوجب عليه التوبة عن كل واحد منها مفصال، وإن كان يعلمها على االجمال وجب

عليه التوبة كذلك مجمال، وإن كان يعلم بعضها على التفصيل وبعضها على االجمالوجب عليه التوبة عن المفصل بالتفصيل وعن المجمل باالجمال، واستشكل

المصنف رحمه الله إيجاب التفصيل مع الذكر إلمكان االجزاء بالندم على كل قبيح وقعمنه وإن لم يذكره مفصال.

قال: وفي وجوب التجديد إشكال (١).أقول: إذا تاب المكلف عن معصية ثم ذكرها هل يجب عليه تجديد التوبة؟

قال أبو علي: نعم بناء على أن المكلف القادر بقدرة ال ينفك عن الضدين إما الفعلأو الترك، فعند ذكر المعصية إما أن يكون نادما عليها أو مصرا عليها، والثاني قبيح

فيجب األول. وقال أبو هاشم: ال يجب لجواز خلو القادر بقدرة عنهما.قال: وكذا المعلول مع العلة.

أقول: إذا فعل المكلف العلة قبل وجود المعلول هل يجب عليه الندم علىالمعلول أو على العلة أو عليهما، مثاله الرامي إذا رمى قبل اإلصابة؟ قال الشيوخ:

--------------------(١) أقول: ال كالم في أن التوبة تكون من الذنب فمتى عمل ذنبا وتاب عنه ثم تذكر ذلك الذنب

ال يكون صرف تذكره ذنبا باالتفاق فلم يفعل قبيحا ولم يترك ذنبا حتى يتوب عنه، فما قالأبو علي فهو بمعزل عن التحقيق، على أنا نعلم - كما قاله اآلمدي - بالضرورة أن الصحابة ومن

أسلم بعد كفره كانوا يتذكرون ما كانوا عليه في الجاهلية من الكفر ولم يجب عليهم تجديداالسالم وال أمروا بذلك وكذلك في كل ذنب وقعت التوبة عنه.

(٥٧٢)

Page 606: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

يجب الندم على اإلصابة ألنها هي القبيح وقد صارت في حكم الموجود لوجوبحصوله عند حصول السبب. وقال القاضي: يجب عليه ندمان: أحدهما على الرمي

ألنه قبيح، والثاني على كونه مولدا للقبيح، وال يجوز أن يندم على المعلول ألنالندم على القبيح أنما هو لقبحه، وقبل وجوده ال قبح.

قال: ووجوب سقوط العقاب بها.أقول: المصنف رحمه الله استشكل وجوب سقوط العقاب بها. (واعلم) أن الناس

اتفقوا على سقوط العقاب بالتوبة، واختلفوا فقالت المعتزلة: إنه يجب سقوط العقاببها. وقالت المرجئة: إن الله تعالى يتفضل عليه بإسقاط العقاب ال على جهة الوجوب.

احتجت المعتزلة بوجهين: األول: أنه لو لم يجب إسقاط العقاب لم يحسنتكليف العاصي، والتالي باطل إجماعا فالمقدم مثله، بيان الشرطية أن التكليف

إنما يحسن للتعريض للنفع وبوجود (١) العقاب قطعا ال يحصل الثواب وبغير التوبةال يسقط العقاب فال يبقى للعاصي طريق إلى إسقاط العقاب عنه، ويستحيل

اجتماع الثواب والعقاب فيكون التكليف قبيحا. الثاني: أن من أساء إلى غيرهواعتذر إليه بأنواع االعتذارات وعرف منه االقالع عن تلك اإلساءة بالكلية فإن

العقالء يذمون المظلوم إذا ذمه بعد ذلك.(والجواب عن األول) ال نسلم انحصار سقوط العقاب في التوبة لجواز

سقوطه بالعفو أو بزيادة الثواب، سلمنا لكن نمنع عدم اجتماع االستحقاقين ألنعقاب الفاسق عندنا منقطع، (وعن الثاني) بالمنع من قبح الذم، سلمنا لكن نمنعالمساواة بين الشاهد والغائب، وأما المرجئة فقد احتجوا بأنه لو وجب سقوط

العقاب لكان إما لوجوب قبولها أو لكثرة ثوابها، والقسمان باطالن. أما األول فألنمن أساء إلى غيره بأنواع اإلساءات وأعظمها كقتل األوالد ونهب األموال ثماعتذر إليه فإنه ال يجب قبول عذره، وأما الثاني فلما بينا من إبطال التحابط.

--------------------(١) اتفاق النسخ كلها على الوجود بالدال.

(٥٧٣)

Page 607: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

المسألة الثالثة عشرةفي باقي المباحث المتعلقة بالتوبة

قال: والعقاب يسقط بها ال بكثرة ثوابها ألنها قد تقع محبطة ولواله ال يبقىالفرق بين التقدم والتأخر وال اختصاص وال تقبل في اآلخرة النتفاء الشرط.أقول: اختلف الناس هنا، فقال قوم: إن التوبة تسقط العقاب بذاتها ال على

معنى أنها لذاتها تؤثر في إسقاط العقاب، بل على معنى أنها إذا وقعت علىشروطها والصفة التي بها تؤثر في إسقاط العقاب أسقطت العقاب من غير اعتبار

أمر زائد. وقال آخرون: إنها تسقط العقاب لكثرة ثوابها، واستدل المصنف رحمه اللهعلى

األول بوجوه: األول: إن التوبة قد تقع محبطة بغير ثواب كتوبة الخارجي من الزنافإنه يسقط بها عقابه من الزنا وال ثواب لها. الثاني: أنه لو أسقطت العقاب بكثرة

ثوابها لم يبق فرق بين تقدم التوبة على المعصية وتأخرها عنها كغيرها منالطاعات التي تسقط العقاب بكثرة ثوابها، ولو صح ذلك لكان التائب عن

المعاصي إذا كفر أو فسق أسقط عنه العقاب. الثالث: لو أسقطت العقاب لعظم ثوابهالما اختص بها بعض الذنوب عن بعض فلم يكن إسقاطها لما هي توبة عنه بأولى

من غيره، ألن الثواب ال اختصاص له ببعض العقاب دون بعض.ثم إن المصنف رحمه الله أجاب عن حجة المخالف، وتقريرها أن التوبة لو أسقطت

العقاب لذاتها ألسقطته في حال المعاينة في الدار اآلخرة. (والجواب) أنها أنماتؤثر في االسقاط إذا وقعت على وجهها وهي أن تقع ندما على القبيح لقبحه وفي

اآلخرة يقع االلجاء فال يكون الندم للقبح.المسألة الرابعة عشرة

في عذاب القبر والميزان والصراطقال: وعذاب القبر واقع (١) إلمكانه وتواتر السمع بوقوعه.

--------------------(١) راجع في بيانه شرح الحديث التاسع والثالثين من كتاب األربعين للعالمة البهائي، وفي

بيانه على االستقصاء كتبنا دروس اتحاد العاقل بمعقوله، وشرحنا على فصوصالحكم الموسوم بنصوص الحكم على فصوص الحكم، وتعليقاتنا على رسالة آغاز وانجام

للمحقق الطوسي.

(٥٧٤)

Page 608: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: نقل عن ضرار أنه أنكر عذاب القبر واالجماع على خالفه، وقداستدل المصنف رحمه الله بإمكانه عقال فإنه ال استبعاد في أن يعجل الله تعالى العقاب

فيدار التكليف على وجه ال يمتنع مع التكليف كما في قطع يد السارق كما قال

تعالى: (فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا) وقال في قطاع الطريق: (ذلك لهمخزي في الدنيا) وقال تعالى: (ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من

عنده) وحكى تعالى في كتابه إهالك الفرق الذين كفروا به، وإذا كان ممكنا واللهتعالى قادر على كل ممكن، وقد أخبر الله تعالى بوقوعه في قوله: (كيف تكفرونبالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون) فذكر الرجوع

بعد إحيائين، وإنما يكون بإحياء ثالث وقال تعالى: (قالوا ربنا أمتنا اثنتينوأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا) فذكر موتتين إحداهما في الدنيا واألخرى فيالقبر، وذكر إحيائين أحدهما في الدنيا واآلخر في القبر ولم يذكر الثالث ألنهمعلوم وقع فيه الكالم وغير الحي ال يتكلم، وقيل: إنما أخبروا عن اإلحيائين

اللذين عرفوا الله تعالى فيهما ضرورة فأحدهما في القبر واآلخر في اآلخرة، ولهذاعقب بقوله: (فاعترفنا بذنوبنا) وقال تعالى في حق آل فرعون: (النار يعرضون

عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة) وهذا نص في الباب.قال: وسائر السمعيات من الميزان والصراط والحساب وتطاير الكتب (١)

ممكنة دل السمع على ثبوتها فيجب التصديق بها.أقول: أحوال القيامة من الميزان والصراط والحساب وتطاير الكتب أمور

ممكنة، وقد أخبر الله تعالى بوقوعها فيجب التصديق بها، لكن اختلفوا في كيفيةالميزان، فقال شيوخ المعتزلة: إنه يوضع ميزان حقيقي له كفتان يوزن به ما يتبين

--------------------(١) وفي (ص ت) والصراط وتطائر الكتب، بدون لفظة الحساب.

(٥٧٥)

Page 609: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

من حال المكلفين في ذلك الوقت ألهل الموقف، إما بأن يوضع كتاب الطاعاتفي كفة الخير ويوضع كتاب المعاصي في كفة الشر، ويجعل رجحان أحدهما دليال

على إحدى الحالتين، أو بنحو من ذلك لورود الميزان سمعا واألصل في الكالمالحقيقة مع إمكانها. وقال عباد وجماعة من البصريين وآخرون من البغداديين:

المراد بالموازين العدل دون الحقيقة، وأما الصراط فقد قيل إن في اآلخرةطريقين: إحداهما إلى الجنة (١) يهدي الله تعالى أهل الجنة إليها، واألخرى إلىالنار يهدي الله تعالى أهل النار إليها، كما قال تعالى في أهل الجنة: (سيهديهم

ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم) وقال في أهل النار: (فاهدوهم إلىصراط الجحيم) وقيل: إن هناك طريقا واحدا على جهنم يكلف الجميع المرور

عليه، ويكون أدق من الشعر وأحد من السيف، فأهل الجنة يمرون عليه ال يلحقهمخوف وال غم والكفار يمرون عليه عقوبة لهم وزيادة في خوفهم، فإذا بلغ كل

واحد إلى مستقره من النار سقط من ذلك الصراط.قال: والسمع دل على أن الجنة والنار مخلوقتان اآلن والمعارضات متأولة.

أقول: اختلف الناس في أن الجنة والنار هل هما مخلوقتان اآلن أم ال؟فذهب جماعة إلى األول وهو قول أبي علي، وذهب أبو هاشم والقاضي إلى أنهما

غير مخلوقتين. احتج األولون بقوله تعالى: (أعدت للمتقين)، (أعدتللكافرين)، (يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة)، (عندها جنة المأوى) وجنة

المأوى هي دار الثواب فدل على أنها مخلوقة اآلن في السماء.احتج أبو هاشم بقوله تعالى: (كل شئ هالك إال وجهه) فلو كانت الجنة

مخلوقة اآلن لوجب هالكها، والتالي باطل لقوله تعالى: (أكلها دائم) والجوابدوام األكل إشارة إلى دوام المأكول بالنوع بمعنى دوام خلق مثله (٢) وأكل الجنة

--------------------(١) ألن الطريق يذكر ويؤنث.

(٢) كما في النسخ كلها إال نسخة (ش) ففيها: خلف مثله، بالفاء.

(٥٧٦)

Page 610: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

يفنى باألكل إال أنه تعالى يخلق مثله، والهالك هو الخروج عن االنتفاع وال ريبأن مع فناء المكلفين يخرج الجنة عن حد االنتفاع فتبقى هالكة بهذا المعنى.

المسألة الخامسة عشرةفي األسماء واألحكام (١)

قال: واإليمان التصديق بالقلب واللسان وال يكفي األول لقوله تعالى:(واستيقنتها أنفسهم) ونحوه وال الثاني لقوله: (قل لم تؤمنوا).

أقول: اختلف الناس في اإليمان على وجوه كثيرة ليس هذا موضع ذكرها،والذي اختاره المصنف رحمه الله أنه عبارة عن التصديق بالقلب واللسان معا وال يكفي

أحدهما فيه، أما التصديق القلبي فإنه غير كاف لقوله تعالى: (وجحدوا بهاواستيقنتها أنفسهم) وقوله تعالى: (فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به) فأثبت لهمالمعرفة والكفر، وأما التصديق اللساني فإنه غير كاف أيضا لقوله تعالى: (قالتاألعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) وال شك في أن أولئك األعراب

صدقوا بألسنتهم.قال: والكفر عدم األيمان إما مع الضد أو بدونه والفسق الخروج عن طاعة

الله تعالى مع األيمان والنفاق إظهار األيمان وإخفاء الكفر.أقول: الكفر في اللغة هو التغطية، وفي العرف الشرعي هو عدم األيمان، إما مع

الضد بأن يعتقد فساد ما هو شرط في األيمان أو بدون الضد كالشاك الخالي مناالعتقاد الصحيح والباطل. والفسق لغة الخروج مطلقا وفي الشرع عبارة عن

الخروج عن طاعة الله تعالى فيما دون الكفر، والنفاق في اللغة هو إظهار خالفالباطن وفي الشرع إظهار األيمان وإبطان الكفر.

قال: والفاسق مؤمن لوجود حده فيه.--------------------

(١) باتفاق النسخ كلها إال نسخة (ز) ففيها: في اإليمان واألحكام. فبدل األسماء باإليمان، أيفي أسماء المؤمن والمسلم والكافر والفاسق والمنافق وأحكامها.

(٥٧٧)

Page 611: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

أقول: اختلف الناس هاهنا، فقالت المعتزلة: إن الفاسق ال مؤمن وال كافر، وأثبتوامنزلة بين المنزلتين. وقال الحسن البصري: إنه منافق. وقالت الزيدية: إنه كافر

نعمة. وقالت الخوارج: إنه كافر. والحق ما ذهب إليه المصنف وهو مذهب اإلماميةوالمرجئة وأصحاب الحديث وجماعة األشعرية، والدليل عليه أن حد المؤمن وهو

المصدق بقلبه ولسانه في جميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم موجود فيهفيكون مؤمنا.

المسألة السادسة عشرةفي األمر بالمعروف والنهي عن المنكر

قال: واألمر بالمعروف الواجب واجب وكذا النهي عن المنكر، والمندوب (١)مندوب سمعا وإال لزم خالف الواقع أو االخالل بحكمته تعالى.

أقول: األمر بالمعروف هو القول الدال على الحمل على الطاعة (٢) أو نفسالحمل على الطاعة أو إرادة وقوعها من المأمور، والنهي عن المنكر هو المنع من

فعل المعاصي أو القول المقتضي لذلك أو كراهة وقوعها، وإنما قلنا ذلك لالجماععلى أنهما يجبان باليد واللسان والقلب، واألخير يجب مطلقا بخالف األولين

فإنهما مشروطان بما يأتي.وهل يجبان سمعا أو عقال؟ اختلف الناس في ذلك، فذهب قوم إلى أنهما

يجبان سمعا للقرآن والسنة واالجماع، وآخرون ذهبوا إلى وجوبهما عقال،واستدل المصنف على إبطال الثاني بأنهما لو وجبا عقال لزم أحد األمرين وهو إماخالف الواقع أو االخالل بحكمة الله تعالى، والتالي بقسميه باطل فالمقدم مثله،

بيان الشرطية (٣) أنهما لو وجبا عقال لوجبا على الله تعالى، فإن كل واجب عقلييجب على كل من حصل في حقه وجه الوجوب، ولو وجبا عليه تعالى لكان إما

--------------------(١) مجرور معطوف على الواجب صفة للمعروف أي األمر بالمعروف المندوب، وفي (ص ز

ش د ق): وبالمندوب.(٢) وفي (م) وحدها بدون (على الحمل).

(٣) كما في (ص م) وفي غيرهما: بيان المالزمة.

(٥٧٨)

Page 612: (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﺪﻳﺮﺠﺗ ﺡﺮﺷ ﻲﻓ …hz.turathalanbiaa.com/public/3971.pdf · (ﻲﻠﻣﻵﺍ ﻖﻴﻘﺤﺗ) ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ

فاعال لهما فكان يلزم وقوع المعروف قطعا ألنه تعالى يحمل المكلفين عليهوانتفاء المنكر قطعا ألنه تعالى يمنع المكلفين منه، وإما غير فاعل لهما فيكون

مخال بالواجب وذلك محال لما ثبت من حكمته تعالى.قال: وشروطهما علم فاعلهما بالوجه وتجويز التأثير وانتفاء المفسدة.

أقول: شروط األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثالثة: األول: أن يعرفاألمر والناهي وجه الفعل، فيعرف أن المعروف معروف وأن المنكر منكر وإال ألمر

بالمنكر ونهى عن المعروف. الثاني: تجويز التأثير، فلو عرف أن أمره ونهيه اليؤثران لم يجبا. الثالث: انتفاء المفسدة فلو عرف أو غلب على ظنه حصول مفسدةله أو لبعض إخوانه في أمره ونهيه سقط وجوبهما دفعا للضرر. فهذا ما حصل لنا من

شرح هذا الكتاب ونحن نسأل الله تعالى أن يجعله ذخرا لنا يوم المعاد (١) وأن يوفقناللرشاد بمنه وكرمه، والحمد لله وحده

--------------------(١) وفي (ص) وحدها: ذخرا ليوم المعاد، نحو قول الخواجة في صدر الكتاب.قال الطبرسي في مجمع البيان في تفسير اآلية (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير

ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) (آل عمران ١٠٤): في هذهاآلية داللة على وجوب األمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعظم موقعهما ومحلهما من

الدين ألنه تعالى علق الفالح بهما، وأكثر المتكلمين على أنهما من فروض الكفايات.ومنهم من قال: إنهما من فروض األعيان واختاره الشيخ أبو جعفر رحمه الله. والصحيح أن ذلك أنما

يجب بالسمع وليس في العقل ما يدل على وجوبه إال إذا كان على سبيل دفع الضرر.وقال

أبو علي الجبائي: يجب عقال والسمع يؤكده.. الخ.أقول: فليتدبر في ذلك في قوله عز من قائل: بسم الله الرحمن الرحيم والعصر إن االنسان

لفي خسر إال الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر جعلنا اللهوإياكم من العاملين به إنه ولي التوفيق.

وإلى هنا ختمت تعليقاتنا على تجريد االعتقاد وشرحه كشف المراد بعون الفياض علىاإلطالق، وقد فرغنا من تسويدها صبيحة األحد ثامن شهر الله المبارك من سنة ١٤٠٦ ه قالموافق ٢٨ / ٢ / ١٣٦٥ ه ش في دار العلم قم، دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها

سالم وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين. وأنا العبد حسن حسن زاده اآلملي.

(٥٧٩)