This document is posted to help you gain knowledge. Please leave a comment to let me know what you think about it! Share it to your friends and learn new things together.
Transcript
الجمهــــــــــــورية الجزائرية الّديـــــــــــــــــــــمقراطية الّشعبيةالجمهــــــــــــورية الجزائرية الّديـــــــــــــــــــــمقراطية الّشعبيةالجمهــــــــــــورية الجزائرية الّديـــــــــــــــــــــمقراطية الّشعبيةالجمهــــــــــــورية الجزائرية الّديـــــــــــــــــــــمقراطية الّشعبية
وزارة الّتعليم العالي و البحث العلميوزارة الّتعليم العالي و البحث العلميوزارة الّتعليم العالي و البحث العلميوزارة الّتعليم العالي و البحث العلمي
جامعة محمد لمين دباغينجامعة محمد لمين دباغينجامعة محمد لمين دباغينجامعة محمد لمين دباغين
- - - - 2222- - - - سطيف سطيف سطيف سطيف
كلية اآلداب و الّلغاتكلية اآلداب و الّلغاتكلية اآلداب و الّلغاتكلية اآلداب و الّلغات
قسم الّلغة و األدب العربيقسم الّلغة و األدب العربيقسم الّلغة و األدب العربيقسم الّلغة و األدب العربي
::::عنوان المطبـــــــــــــــــــــــــــــــــوعة عنوان المطبـــــــــــــــــــــــــــــــــوعة عنوان المطبـــــــــــــــــــــــــــــــــوعة عنوان المطبـــــــــــــــــــــــــــــــــوعة
محاضرات في الّنقد األدبي الحديث للّسنة الثـّانية سداسي أول محاضرات في الّنقد األدبي الحديث للّسنة الثـّانية سداسي أول محاضرات في الّنقد األدبي الحديث للّسنة الثـّانية سداسي أول محاضرات في الّنقد األدبي الحديث للّسنة الثـّانية سداسي أول ) ) ) ) لسانس ل م دلسانس ل م دلسانس ل م دلسانس ل م د((((
لذلك حاولت صفحات هذه املطبوعة أن تفصل يف أربعة عشر حماضرة من خالهلا يتم الفصل يف مسألة
جة االنبهار بآخر صيحات املناهج احلداثية و ما بعد احلقبة الزمنية احلديثة، اليت رغم التهميش الذي طاهلا نتي
احلداثية، تعد فرتة زمنية أساسية رمست معامل النقد بكل شروطه اليت اتصف ا فيما بعد، كيف ال و العامل
احلديث وضع األسس العلمية و الفلسفية لالجتاه النقدي من خدمة باقي العلوم مع املناهج السياقية إىل الرتكيز
اته و لذاته مع املناهج النسقية، و بعدها لتصورات أخرى تتمركز حول القراءة و التلقي أو املتلقي، و خترج على ذ
النص من متركزه حول ذاته، لتخصيب دالالته و الدعوة إىل استمراريته، فكانت حماضرات هذه املطبوعة مقسمة
ورة املكتملة و املنغلقة على ذاا مع النقد وفق ترتيب استدعى فيه زوال كل منهج ظهور اآلخر، إىل غاية الص
:النسقي، فحاولت احملاضرة األوىل اإلجابة عن األسئلة التالية
ما هي األسباب و املعطيات اليت أدت إىل ظهور نقد غريب حديث باالنطالق من واقع جديد أقل ما يقال عنه -
اب التعارف و االنفتاح، و كذا االتصال بني أنه العصر األكثر طرحا حلقيقة الوعي و الصدمة يف آن، و أسب
العاملني العريب و الغريب، يف ظروف اصطلح على تسميتها بالنهضة مبا هي صورة تعكس عودة إىل احلياة بعد
.سبات طويل دام قرون طويلة
حلديث يف فما هي تلك اإلرهاصات اليت أحاطت بظهور النقد األديب احلديث؟ و ما هو واقع النقد العريب ا-
.ظل هذه الظروف؟ و هل من تربيرات لواقعه؟
أما احملاضرة الثانية، فمتعلقة باملرجعيات اليت أسست لنقد عريب حديث، تراوحت ظروفه بني الفلسفية و العلمية -
.و كذا ضرورة التبويب بوساطة املصطلح
ختالف صورته؟ و ماذا يقصد بالتيار فما هي املرجعيات اليت أحاطت بالنقد األديب احلديث و اليت أدت إىل ا-
العلمي و كذا الفلسفي الذي ارتبط به التفكري النهضوي؟ و مباذا ترتبط قضية املصطلح كما ظهرت يف العصر
.احلديث؟
أما احملاضرة الثالثة، فتناقش قضية اتباع الغرب يف طريقة التأسيس لنهضتهم و تفرد العامل العريب إذ ينطلق من -
ساسه عدم التفريط يف مقومات اهلوية العربية اليت حتفظ هلم متيزهم عن باقي األمم، و يف الوقت وعي سليم، أ
نفسه االنفتاح على طرق التفكري املختلفة لألخذ عنها، و باالنطالق من هذه الظروف جمتمعة،
ميلك من العيوب ما ماذا يقصد بالنقد اإلحيائي؟ و ما هي أهم املبادئ اليت قال ا و ما هي خصائصه؟ و هل-
يدعو إىل ضرورة استبداله و تعديله؟ فال شيء يربأ من الشوائب، خاصة إذا تعلق األمر ببداية استشرافية ظروفها
.قاسية و أوضاعها قاهرة
أما احملاضرة الرابعة، فرتكز على التجديد يف الشعر و النقد بوصفه مرحلة تالية يف تصور اإلنسان العريب احلديث، -
بعدما أثبتت النماذج الشعرية املقلدة عدم جدواها يف عصر صار يفرض جديدا ال ميكن العيش فيه بعقلية حمافظة
.خمتلفة عن أحداثها، فكانت كل الظروف مهيأة للتغيري و التجديد و االختالف عن التقاليد السائدة
ي أهم الشخصيات اليت ارتبط ا فأين ميكن العثور على مواطن التجديد يف الشعر و النقد معا؟ و ما ه-
فكانت اهلدف الذي ينشده هؤالء هو مواكبة اجلديد يف القول و الفعل لكي ال يهمشهم الواقع، و يف املقابل
عدم االنفصال متاما عن اهلوية العربية اليت تدين هلم حبق الوفاء، و هلذا كان النفصاهلم عن سبل التفكري يف
.صاهلم عن اآلخر األجنيب الذي خيتلف عنهم متاما من حيث األصل و اهلويةواقعهم وعي حبقيقة انف
فما -أما احملاضرة اخلامسة، فموضوعها مجاعة الديوان مبا هي أوىل النماذج العربية اليت أرادت مسايرة العصر، -
و ما هي املبادئ ؟و ماذا عن حقيقة نشأا و ظهورها و كذا مصادر معرفتها؟ - الديوان - هي طبيعة هذه اجلماعة
اليت نادت ا؟ و كان هلم مؤلفات تأسيسية خاصة كانت اجلانب امللموس و الشاهد على طريقتهم يف التفكري،
.علما أن احملاوالت اإلبداعية متوت و تنسى إذا مل تدون و ترسخ، فتبقي ما يدل عليها و يرمسها لألجيال األخرى
اعة أخرى شاركت يف ترديد صيحات التجديد يف العامل العريب عن و كانت احملاضرة السادسة، حديثا عن مج -
الواقع الذي يعيشونه سعيا منهم للوصول إىل حل أو مفر خيلصهم من الواقع، و ضمن هذا التصور ارتبطت مجاعة
إنسانية أبولو بدورها بعديد القضايا النقدية اليت انطلقت من واقع الشعر الذي صار بدوره جتربة شعرية وجدانية و
يف الوقت نفسه، و صار الشكل وسيلة ال غاية يف ذاته، و منه،
ما طبيعة هذه اجلماعة؟ و ما هو تاريخ نشأا؟ و أين مواطن التجديد يف شعرها و نقدها؟ و هل كانت حبق -
تتهم؟ وهل منفذا لتيار التجديد يف العامل العريب بعد تفكك مجاعة الديوان و استحالة املواصلة بعد تفككهم و تش
؟ كلها أسئلة - أبولو- هلا ما مييزها دون غريها من حركات التجديد؟ و ملاذا اختارت لنفسها هذا االسم بالذات
. ستحاول احملاضرة اإلجابة عنها يف هذا اجلزء املخصص حلركات التجديد
العامل الغريب، متيز و احملاضرة السابعة، ركزت على الرافد املهجري، و حبكم مسايرم ألحدث ما يوجد يف -
إنتاجهم و تقدم مراحل متطاولة يف التجديد، فعد أعضاء اجلماعة أساتذة بالنسبة للعامل العريب، و من هذا
.املنطلق
ما املقصود بأدب املهجر؟ و ما طبيعة مجاعة الرابطة القلمية؟ و مىت كانت نشأا؟ و ما هي أهم املبادئ -
؟ و هل حقا سعوا من خالل - )نيويورك( أمريكا الشمالية -هم يف أرض املهجرواخلصائص اليت متيزوا ا دون غري
.إنتاجهم خلدمة اللغة العريب؟
و كانت احملاضرة الثامنة، وصفا لسبب االنفصال من جهة عن تاريخ النقد العريب، سوى بعض صور إحياء -
نهم، و مسايرة آخر ما وصلت إليه البحوث البالغة و النحو، و يكون االنبهار بالعامل الغريب هو مربر األخذ ع
عندهم لتفوقهم احلضاري الذي صار واقعا مفروضا سرعان ما أدركه حىت دعاة احملافظة و اإلصالح، الذين صاروا
.بدورهم من دعاة االلتحاق بركب احلضارة العلمية يف الغرب
عند الغرب؟ و ما هي أهم املبادئ اليت يقوم فماذا يقصد باملنهج أوال؟ مث بالنقد التارخيي؟ و كيف نشأ و تطور -
عليها؟ و ماذا عن تلقيه من طرف العامل العريب؟ كل هذه األسئلة جتيب عن مرحلة أولية بدئية انتقالية للنقد
الذي صار األدب من خالله عينة ميكن إدخاهلا حقل العلوم التجريبية و تطبيق خطوات البحث العلمي عليها من
ب من دائرة الذوقية و الذاتية، اليت قضت على األدب يف ضمن حكم ذايت نابع عن ناقد متذوق أجل إخراج األد
.و خمتزل ألهم مواطن األدب و أسبابه
و ناقشت احملاضرة التاسعة، ظهور ما يسمى بالنقد الواقعي الذي كان صورة متطورة للمناهج االجتماعية إذ -
.ترجع األدب إىل الواقع اخلارجي
ما هو تعريف املنهج االجتماعي؟ و ما هو تاريخ نشأته؟ و ما هي النظريات -ت عن مجلة هذه األسئلةو أجاب
اليت ساعدت على إرساء دعائمه؟ و ما هي اهودات اليت أوجدته منهجا قائما بذاته يف العصر احلديث؟ و ما ذا
طت به؟ و هل كان له األثر على النقد العريب عن تأثر العامل العريب به؟ و ما هي أهم األمساء النقدية اليت ارتب
.احلديث عند زعمائه؟
و أحاطت احملاضرة العاشرة، مبنهج النقد النفسي، و االنطالق عندهم كان من أساس الإرادي تكون فيه -
الذات مقابلة للهو، مع اختالف تفسري اهلو، فصار لألدب عالقة وثيقة بعلم النفس، و ظهر ما يسمى مبنهج
د النفسي الذي يعيد أسباب القول عند املبدع إىل هذه العوامل اخلفية اليت حتدث عنها فرويد ألنه جانب النق
الشعوري يتم يف حاالت خاصة لإلنسان، و هذا تفسري ارتباط اإلبداع عند اإلنسان بفرتات معينة دون غريها،
الكتابة تصرف تلك املكبوتات و يستعيد ذلك أن اإلنسان يكون حتت تأثري دوافع كثرية خمتلفة و مبجرد متام
اإلنسان توازنه النفسي، و يتحول الضغط النفسي الذي مر به اإلنسان إىل مصادر إلبداع الشعراء و الكتاب،
وإن كانت البحوث اليت أقامها يونغ بدورها حتاول تفسري هذا العمل األديب، إال أن النقد النفسي ارتبط أكثر
.م النفس احلديثبفرويد، زعيم مدرسة عل
ما هي حدود منهج النقد النفسي؟ و ما هي أهم روافده يف العامل الغريب ؟ و كيف مت -و انطالقا مما سبق
. استقباله من طرف العامل العريب؟ و مبن ارتبط أكثر سواء أيف العامل العريب أو الغريب؟
و هنا يكون البون واسعا بني النقد االجتماعي و النقد و ميزت احملاضرة احلادية عشرة النقد الواقعي،
الواقعي، هذا األخري الذي يكون عمل املبدع فيه و الناقد متميزين، إذ يتعاىل التصور عندهم عن الواقع ليقارب به
ل هذا الواقع، باإلضافة إىل البعد اجلمايل الذي يتشكل عند كليهما حالة التدوين و حالة النقد و املقاربة، و ك
تأثرا بالفلسفة املاركسية احلديثة املتعلقة بعلم اجلمال، اليت ال ترى ضرورة يف النقل احلريف للواقع و الساذج كما ترى
.الواقعية املادية، و ضرورة التصوير اجلمايل به لرفعه من بساطته و تغريه
) االشرتاكية ( رت الواقعية اجلديدة فماهي حدود النقد الواقعي؟ و ما هي روافده و مرجعياته؟ و كيف أث- ،
عليه؟ و يف العامل العريب من هم رواده و مبن ارتبط؟ كلها أسئلة حتاول أن توضح النقد الواقعي و انفصاله عن
النقد االجتماعي و عن تأثري الرافد الفلسفي على النقد يف هذه الفرتة، و عن العودة اليت تأكدت لعلم اجلمال مع
ثة و استعادة اإلبداع ألهم ميزة متيزه عن غريه، خالفا ملا صورته التيارات التارخيية و النفسية و كذا التيارات احلدي
تركيزها على املصادر احلسية، حيث يكون املبدع يف كل حاالته ناقال حرفيا أو منفعال سلبيا أو ...االجتماعية
ي اجلمايل الذي يتقامسه هذه املرة كل من مريضا عصابيا، دون احلديث عن أهم صفة متيز اإلبداع و هو الوع
. املبدع و الناقد
و أجابت احملاضرة الثانية عشرة عن أسئلة، يتعلق األول فيها مباهية النقد اجلديد وحدوده اليت ارتبط ا،
تعامل النقد يف وثانيها، ما هي املرجعيات اليت أدت إىل ظهور هذا النقد املختلف و اجلديد؟ و أخريا، كيف كان
هذه الفرتة بغض النظر عن كل املربرات اليت ارتبطت به سابقا، و هي أيضا تعمل على التذكري باجلانب الشكلي
اجلمايل الذي لطاملا افتقده النص األديب، كونه املادة اليت صنع منها و اغرتابه بني اجلوانب التارخيية
لى ميشه و القضاء على وجوده و مركزيته مبا هو شكل فين و النفسية، اليت عملت كل مرة ع...واالجتماعية
مجايل، يستدعي ناقدا يتحسس فيها هذا اجلانب الذي مييزه عن غريه من النصوص اليت أعدت ألهداف خمتلفة،
.شكلية و مجالية/فصار من الضروري هو االنتقال من فرتة سياقية خارجية إىل أخرى نسقية داخلية
حملاضرة الثالثة عشر، جمموعة من القضايا املشرتكة، و من هذا املنطلق أحاطت بالنص و حددت ا
اإلبداعي جمموعة من األسئلة اليت تعتقد أا أبواب النص و مداخله يتعلق األمر فيها بقضية الصدق الفين، الذي
مستجد طارئ على الشعر جتاوز أعاد احلياة للنص اإلبداعي من خالل جمانية الصنعة فيه، و قضية اخليال مبا هي
فيه املبدع األبعاد احلسية و الواقعية و املادية إىل أخرى ال ترتبط بعامل الواقع، و كذا قضية اجلنس األديب و صار
من الضروري هو الفصل يف األجناس األدبية و فرز شعرها من نثرها، و كذلك قضية الشكل و املضمون وااللتزام،
و قضايا أخرى مستحدثة ظلت يف ... ل النص و كذا الصورة الفنية، و اإلبداع الفين و تفسري األدب و تأوي
الدراسات النقدية املعاصرة حماور أساسية ملناقشة النقد، و هي قضية نقد النقد و احلداثة و ما بعد احلداثة، البنيوية
دون وعيه يف األعمال األدبية، و هذه و ما بعدها و أخريا كانت قضية التناص طريقا مجاليا يسلكه املبدع بوعيه و
.قضايا النقد املعاصر فيما بعد
و من هذا املنطلق ميكن طرح جمموعة من األسئلة، تتعلق حبدود اإلبداع و اخللق يف العامل العريب انطالقا من
ح العصر احلديث كما و كذلك مسايرا لرو .. جمموعة أفكار مت االقتناع ا ملالمستها األبعاد العلمية و الفلسفية
ينبغي أن ينظر إليها، و استثمار األفكار اليت جاء ا أشهر أعالم العصر احلديث يف جمال النقد أمثال كولريدج
.و غريهم كثري ممن أعلنوا عن طرق جديدة يف الكتابة حتقق األهداف املنتظرة... س إليوت ، و وردززورث. وت
مدى التقارب بني القضايا النقدية يف العصر احلديث بني اجلانب النظري - ةو أخريا ناقشت احملاضرة الرابعة عشر
.و التطبيقي؟ فهل كان إميام ذه املستجدات و األفكار داعي العتمادها يف كتابام اإلبداعية؟
جر، أدب امله: صابر عبد الدائم: و لإلجابة عن كل هذه األسئلة اعتمد البحث على جمموعة مراجع أمهها
األدب املقارن أصوله و تطوره و مناهجه، طه :منهج الواقعية يف اإلبداع األديب، الطاهر أمحد مكي:وصالح فضل
عباس حممود العقاد و ابراهيم عبد القادر جتديد ذكرى أيب العالء، :يف الشعر اجلاهلي، طه حسني: حسني
: اإلحيائي و جتديد الشعر، عز الدين إمساعيلالنقد : الديوان يف النقد و األدب، عبد احلكيم راضي:املازين
.و غريها كثري، و أخريا من اهللا التوفيق) ... عرض و تفسري و مقارنة( األسس اجلمالية يف النقد العريب
ساعة و نصف :المدة
)لسانس ل م د (طلبة السنة الثانية : الفئة المستهدفة
:تمهيد
يكاد يتمحور القول يف النقد العريب احلديث حول فرتة كانت النواة األوىل اليت أعلنت عن دخول مرحلة
جديدة مسيت بالعصر احلديث، هذه النواة هي النهضة، مبا حتمله هذه الكلمة من داللة على انقالب جذري
ظروف كانت السبب املباشر يف هذا االنقالب، شهده العامل الغريب و بعده العامل العريب، استجاب كل منهما إىل
انتقل التفكري فيها من التمركز حول معطيات إىل التأكيد على ضرورة االنفصال عنها قصد حتقيق ضة يوجزها
االعتقاد بنجاعة الوعي و اليقظة مبا مها بوابتان لدخول عامل جديد خمتلف، أدت إليه جمموعة من الظروف إذ
.الأكدت ضرورة االنفص
- العامل الغريب - و جيدر البدء باحلديث هنا عن أهم منعطف فكري انتهت إليه سلسلة التفكري البشري
الديين، إىل العودة و االلتفاف حول اإلنسان بوصفه دنيا قائمة / األسطوري/ فمن التمركز حول العامل املاورائي
فيزيقية على العامل إىل استيقاظ هذا اإلنسان و إدراكه ملا بذاا، و من االعتقاد بسيطرة القوى اخلارقة و امليتا
حوله، وسيلته يف ذلك العقل و سبيله العلمية و املوضوعية، و هي أهم ركائز العقل، و مل يتم هذا إال بعد القضاء
على أهم مؤسسة دينية مركزية كانت تلقي الشروط و تكبل اإلنسان، إذ تلزمه جمموعة من القوانني الصارمة
والظاملة يف آن، هذه املؤسسة هي الكنيسة مبا حتمله من هالة تقديسية يرعاها رجال الدين فتعود عليهم بالربح عن
...طريق سلب الناس حقوقهم، و أرواحهم أحيانا
المحاضرة األولى-1
-1-مدخل إلى النقد العربي الحديث
فكان الستيقاظ هذا العقل الغريب أثر كبري يف توجيه مسار العامل بأكمله، إذ مل يبق صدى التغيري حكرا على
عامل الغريب بل تعدى و طال العامل العريب، و كان السبب يف تلك الفرتة الصدمة اليت أحاطت به أثناء احلمالت ال
بغية حتقيق احلضارة اليت ضاقت .. االستعمارية اليت شنها العامل الغريب من أجل البحث عن املوارد و األراضي
تدفقة بعد سبات طويل جترع فيه العامل الغريب ويالت أرضهم الحتوائها و احتواء أفكارهم اليت تفجرت ينابيع م
اجلهل و اجلهالة و كذا اخلوف و الرهبة من مؤسسة تدعي امتالك احلقيقة، و يف الوقت نفسه من عامل صامت
يعمه الفراغ و الغموض و تفسريات أسطورية ظلت األسئلة تراود اإلنسان حول أمكانية صدقها و قدرا على
.العامل الفسيح احتواء حدود هذا
و مل يكن العامل العريب مبعزل عن كل ما حيدث خاصة بعد اتصاله بالعامل الغريب، اتصال أجرب عليه بعد أن
فقد أقوى ركيزة كانت تشعره بفوقيته و ريادته، هذه القوة هي الدولة العثمانية، فبعد اقتسام ممتلكات الرجل
ال بني العرب و الغرب واقع فرض نفسه، و أكد عليه اختالل موازين صار االتص - الدولة العثمانية -املريض
القوى، فمن النقيض إل النقيض صار العامل الغريب سيدا بعد ما كان مسودا، و صار العامل العريب مسودا بعد ما
مبا هو كان سيدا، تلك هي أهم مفارقة لفتت انتباه اإلنسان العريب إىل ثغرات التفكري عنده، و إىل الوعي
.حصيلة جمموعة من الصدمات اليت تلقاها، كان فيها الطرف األكثر ميشا و احملور األكثر اهتماما يف آن
فأما التهميش فيعكسه عدم مشاركته يف صناعة هذه النهضة، رغم ما قيل بشأن حماولة العرب القدماء
ا آخر ما وصلت إليه البحوث الفلسفية و العلمية املسلمني يف األندلس برسم معامل تلك النهضة و اليت أوجزه
املختلفة، و أما مركزيته فتكمن يف حتول أنظار العامل الغريب إليه، نظرة ملؤها الطمع يف أراضيه قصد استغالهلا،
، و جتاوزت األطماع .. استغالال كان سببه التنوع الطبيعي الذي كانت تتميز به، و اتساع مساحاا و ثرائها
إذ حولت أراضيهم الواسعة إىل ساحة للحروب و النزاعات اليت كانت شعار احلربني العامليتني األوىل عندهم
.والثانية، فصارت املفارقة شاسعة بني احلضارتني
كلها إرهاصات لطرق يف التفكري خمتلفة تتمحور حول ضرورة التغيري من أجل إعادة االعتبار هلذا الوجود
مهاله رغم أنه املركز الذي ينبغي احرتام حقوقه، هذا االحرتام ال يشمل مجيع البشر و لكن تكون البشري الذي مت إ
فيه الذات أحق بالتقدير يف مقابل اآلخر الذي ميكن أن يستغل من أجل الذات، و هذا مغزى القول بالذاتية
–يف مقابل الذات املستغلة - الغرب - واملركزية، فاحلركات االستعمارية مثلت أكرب صور االستغالل لفائدة اآلخر
الذي - العرب- من أجل السعي إىل استكمال شروط النهضة و إمكاناا بنهب ثروات هذا الضعيف - العرب
.صار ملكا مستباحا لعدم وجود قوة حتميه أو ترد عنه الظلم
مضادا هلذه النوايا، إذ جتلت و يف مقابل هذا كله كانت احلركات التحررية يف العامل العريب تيارا معاكسا و
و هي تظهر يف صورة الضعيف مهضوم احلقوق و املستغل، و إن كانت -العرب –فيها صور الدفاع عن الذات
املعطيات عكسية إال أا تعكس يف كل حاالا هذا التقديس للذات و املركز، و انطالقا من مجلة هذه املعطيات
سباب و املعطيات اليت أدت إىل ظهور نقد غريب حديث باالنطالق من ميكن طرح إشكالية أساسية تتعلق باأل
واقع جديد أقل ما يقال عنه أنه العصر األكثر طرحا حلقيقة الوعي و الصدمة يف آن و أسباب التعارف واالنفتاح،
تعكس و كذا االتصال بني العاملني العريب و الغريب، يف ظروف اصطلح على تسميتها بالنهضة، مبا هي صورة
.عودة إىل احلياة بعد سبات طويل دام قرون طويلة
فما هي اإلرهاصات اليت أحاطت بظهور النقد األديب احلديث؟ و ما هو واقع النقد العريب احلديث يف ظل -
.هذه الظروف؟ و هل من تربيرات لواقعه؟
تجابة هلا أن ينحو منحى جديدا يف كان للظروف اليت أحاطت بالعامل الغريب أثر كبري، استطاع اإلنسان اس
مجيع ااالت دون استثناء، خاصة ما تعلق األمر فيها باستعادة وجود بشري كان ضائعا و مهمشا و حتت وصاية
سلطات خمتلفة، كانت كلها جتمع على استعباده، و الرتكيز هنا سيكون على جمال من بني مجلة ااالت اليت
ة، سيكون احلديث حول النقد بوصفه صورة تعكس طريقة التفكري اإلنساين وسط أحاطت باإلنسان يف تلك الفرت
.هذا اجلديد الذي حيمله العصر مبستجداته
:في مفهوم النقد-1
استعمال مصطلحالنقد قدمي قدم املعىن العام الذي حييل إليه املفهوم، و تعدد ااالت اليت ارتبط ا، فليس النقد
النقد " نه موضوع يتسع باتساع ااالت اليت تعىن ا وظيفته، و ففي املعىن اللغويموضوع األدب فحسب و لك
متييز الدراهم و غريها كالتنقاد و االنتقاد و التنقد، و نقدها ينقدها نقدا، و انتقدها و تنقدها، و نقده إياها : لغة
فالنا إذا ناقشته يف األمر، و نقد نقدا، أعطاها فانتقدها، قبضها، و نقد الشيء إذا نقده بإصبعه، و ناقدت
الرجل الشيء بنظره، و نقد إليه اختلس النظر حنوه، و نالحظ شدة تقارب معىن النقد األصلي و النقد
.فكالمها يراد به التمييز و الفصل 1"اازي
هو كذلك ال يتعلق و استعمال النقد يف جمال األدب قدمي قدم الكتب النقدية العربية اليت ارتبطت بامسه، و
و النقد يف األدب عبارة قدمية ذكرها " بالنثر أو الشعر فقط، و لكن يطال كل منهما بالتمييز و الدراسة
) هـ337ت (و كانت معروفة قبل عصره بقرنني من الزمان، فابن قدامة ألف نقد الشعر) هـ538ت ( الزخمشري
العمدة يف ( كما أن ابن رشيق أمسى كتابه ) هـ371ت ( ديو ورد لفظ النقد و النقاد يف كتاب املوازنة لآلم
.2..."و غريذلك) هـ463ت ( صناعة الشعرو نقده
و يعود ظهور النقد إىل فرتة زمنية أقدم من ظهور املعاجم، و كان األمر يف املعىن و اللغوي و االصطالحي
و نالحظ أن نقد الشعر و نقد النثر و نقد األدب اصطالحات عرفت يف كتب األدب و النقد قبل " متشاان
فنقد األدب تناوله و دراسته، و النظر فيه، ظهور املعاجم، و أن املعنيني اللغوي و االصطالحي ال خيتلفان،
ومناقشته، و مسات القبح اليت اتضع ا، و نقد األدب، إبراز ما فيه من عيوب و ما فيه من حماسن، و نقد
" األدب إشارة بإجادة ايد و ثلب للمقصر املسيء فالنقد هو العدل باملشاهدة و الفحص ال باألهواء و امليولمع اختالف طرق الوصول إىل .. نقد ارتباطه بالتمييز بني اجليد و الرديء بني احلسن و السيء، فاألصل يف ال3
...هذه األحكام بني الذاتية و النظر و املشاهدة، و بني الدراسة و التحليل
:النقد األدبي-2
ديب جديد على مصطلح النقد األ" و حول مصطلح النقد األديب تتضح املفارقة يف القول بانتماء هذا املصطلح
الساحة العربية، مل تعرفه لغتنا إال يف العصر احلديث بعد االتصال بالغرب، هو ترمجة حرفية للمصطلح الغريب
littéraire criticisme الذي يعين جمموعة األساليب املتبعة مع احتالفها باختالف النقاد لفحص اآلثار
.764، ص 1999، سنة 2ط، -بريوت لبنان -الكتب العلمية ااملعجم املفصل يف األدب، دار: حممد التوجني -1 .764ااملعجم املفصل يف األدب، ص : حممد التوجني -2 .املرجع نفسه و الصفحة نفسها -3
الغامض، و تفسري النص األديب و اإلدالء حبكم عليه، يف األدبية و املؤلفني القدامى و احملدثني بقصد كشف
.4"ضوء مبادئ أو مناهج حبث خيتص ا ناقد من النقاد
و عن تاريخ ظهور النقد األديب، تكاد جتمع البحوث على اقرتاا بالقرن السادس عشر يف إيطاليا، و السابع
يبدو أن املدة الزمنية اليت بدأنا نعرف " ود املصطلح للقرن العشرينعشر يف فرنسا و أملانيا، أما يف العامل العريب، فيع
فيها املصطلح اجلديد تعود إىل مطلع القرن العشرين، و ال شك أن هناك فروقا جوهرية بني املصطلح القدمي
أكثر واملصطلح احلديث تعود إىل طبيعة كل منهما، فالنقد احلديث أوسع دائرة، و أكثر مشوال لعناصر األدب، و
ارتكازا على الثقافات املتعددة، و املعارف املتنوعة، فهو نقد اجتاهات و فلسفات، ينتهي آخر األمر إىل مدارس
نقدية، و يفرض البحث يف فلسفة األدب، و أهدافه و مصادره و وظائفه يف احلياة و يف خصائصه اجلمالية
يعىن بالبيت و البيتني، و ال : و يف معظم أحواله، نقد جزئيات ومبادئه الفنية و أصالته املتميزة، بينما النقد القدمي،
يعىن بالقصيدة كاملة، يغفل التعليل و التحليل ملا يصدر من أحكام، و غالبا ما تكون أحكامه متأثرة باملواقف
.5" الدينية أو املذهبية أو القبلية
احلديث الختالف الصورة اليت ظهر كل و منه صار واضحا هو القول بانفصال النقد القدمي عن النقد
منهما، باالنطالق من مجلة الظروف و األسباب اليت أدت إىل الصورة األوىل و الصورة الثانية، إذ ال تكتفي
باحلكم و لكن تربط القصيدة بقائلها، و تلجأ إىل ما وصل إليه العصر احلديث من انتهاج السبل العلمية
املنقولة الداللة من )نقد(و لعل التوافق العجيب بني اللفظ العريب " ائد دراسة كليةواملوضوعية يف دراسة هذه القص
مييز أو ( املشتق من فعل يوناين قدمي مبعىن ) criticism(متييز الدراهم إىل متييز األساليب، و اللفظ اإلجنليزي
عريب املعاصر، فضال عن أن كثريا جعل من اليسري نقل املفاهيم األوروبية حول مصطلح النقد إىل الفكر ال) حيدد
من األمناط األدبية احلديثة اقتفت آثار اآلداب األوروبية، و إذا كانت املفاهيم الغربية للنقد تلتقي عند كون النقد
األديب يعتمد على فحص املؤلفات و املؤلفني القدماء أو املعاصرين، لتوضيحهم و شرحهم و تقديرهم، فهذا
ات خمتلفة عند النقاد العرب املعاصرين مهما اختلفت اجتاهام النقدية، حبيث ميكن القول املفهوم موجود بعبار
بأن هناك شبه اتفاق على أن النقد هو فن متييز األساليب، كما أن التصورات احلديثة ملفهوم النقد و مهمة الناقد
، 2006، سنة 1ط، -بريوت لبنان –دار االنتشار العريب -املصطلح النشأة التجديد -البالغة و النقد: حممد كرمي الكواز-4 .57ص
سواها من عناصر متكاملة لتكون من الشعر فنا ذات داللة حيمل رمزا و إحياء، و صوتا و نطقا، تتساوى كلها يف
.43"طريقة األداء اجلميل األمجل
ويذكر صاحب كتاب النقد اإلحيائي مقولة توجز ما سبق ذكره عن قواعد األخذ عن شعر القدماء،
الشعر قول موزون مقفى يدل على معىن و لكنه ساقه سياقة مغايرة تتضمن العاطفة من جهة، و تشري إىل " يقول
ذوات قوايف، ألفاظه قليلة الكمية، املوهبة أو الطبع اخلاص من جهة أخرى، و الشعر ألفاظ موزونة متساوية،
تنطبق على معان كثرية الكيفية، و أهواء معنوية عشقتها النفس فأودعتها يف أهداب احلس و وجوده عن خاصية
يف طبع طوع، خيتص به بعض النوع، و جيده على قدر اهلوى النفس الغالب و اتقاد الفكر األديب و ذكاء احلس
.44"الثاقب
: في العالم العربي النقد اإلحيائي-3
تكون العودة إىل املعجم العريب القدمي هو هدف أساسي من أهداف زعماء اإلحياء قصد العودة إىل أجماد
أي أن النهوض ما يكون بإحيائهما و العودة ما إىل ما كانا عليه، " العربية، و فصاحتها و سالمة قواعدها
ادة األمر إىل ما كان عليه يف سابق عهده، و إذا كنا قد مسعنا نغمة تأب على وهنا جتئ كلمة إحياء عنده مبعىن إع
احلكم السابق بإجياب املزية أو سلبها، فقد كان ذلك يف ميدان املقاربة و النقد النظري، أما يف جمال اإلبداع فإن
ينحوا احملدثون طريقني اثنني - اءاإلحي - ، و يف نفس االجتاه45" القدمي هو املثل األعلى اجلدير باحملاكاة و التقليد
.يف سبيل احملاكاة
فأما األول فريتبط بضرورة االنقياد التام للرتاث العريب مجلة و تفصيال، بينما يرى الرأي اآلخر ضرورة
األخذ ولكن مبا يتالءم و العصر الذي يعيش فيه، و يذكر صاحب كتاب النقد اإلحيائي انتماء حسني املرصفي
و يرى أن السبيل إىل التفوق هو احرتام الصواب " االجتاه و خاصة يف كتابه الوسيلة األدبية إىل علوم العربية هلذا
، 46"أيا كان مصدره، و عدم احتقار الرأي املخالف، و التحرر من كل التصورات السابقة و األفكار الشائعة
.75، ص 1985: ، سنة1: األنواع األدبية مذاهب و مدارس، مؤسسة عز الدين للطباعة و النشر ، ط:شفيق البقاعي -43، 1993: ، سنة1: حلب، ط -جامعة القاهرة -النقد اإلحيائي و جتديد الشعر،دار الشايب للنشر: عبد احلكيم راضي -44
.46ص .54املرجع نفسه، ص -45 .72املرجع نفسه، ص -46
اء، و لعل القول ذا املعطى هو إشارة إىل وضرورة مسايرة العصر هي أهم شرط قال به زعماء البعث و اإلحي
البصر بقدرات كل فرد يف اتمع ليوضع يف املوضع الذي يليق به، " ضرورة الوعي و باب أول من أبواب اإلبداع
و املوضع الذي يليق به هو املوضع الذي يصلح له، و وضع املرء يف املوضع الذي يصلح له حتقيق ملصلحة الفرد
زاوية الفرد ستتاح له الفرصة لتحقيق ذاته حني يكون قادرا على اإلبداع و حتقيق أقصى عطاء فيما واجلماعة، فمن
على أقصى طاقته على ... كل فرد... ستحصل من الفرد... و على مستوى اجلماعة.. هو مهيأ له حبكم قدراته
.47"العطاء و النتيجة بعد ذلك مغرية، و هي سعادة الفرد و رقي اتمع
و هي نظرة تعيد إىل " ومن هذا املنطلق نادى املرصفي بضرورة إحياء روح اللغة و ليس شكلها أو قالبها فقط
الصورة البيانية قيمتها و دورها احلقيق بعد أن حتولت يف نظر املتأخرين، و يف أشعارهم، إىل حلى فارغة وطالء
الشعر ليس صنعة، و " تقليد مفرغ من روحه ، و منه جرى ضرورة اكتساب املوهبة و ليس جمرد48"خارجي زائف
ال ميكن أن يتعلم من القواعد، قواعد البيانيني و العروضيني، و إمنا هو قبل كل شيء موهبة و طبع، مث إن هذه
املوهبة تنمو بكثرة حفظ الشعر، و كذلك باملران و املمارسة، و حيمل نص ابن خلدون يف صناعة الشعر الذي
يلته أسس هذا املنهج، إذ يذكر أن أول شرط لعمل الشعر و إحكام صناعته احلفظ من نقله املرصفي يف وس
و من كان خاليا من احملفوظ فنظمه قاصر رديء، و ال يعطيه الرونق -أي من جنس شعر العرب - جنسه
تالء من مث بعد االم...واحلالوة إال كثرة احملفوظ، فمن قل حفظه أو عدم مل يكن له شعر، و إمنا هو نظم ساقط
يقبل على النظم و باإلكثار منه تستحكم ملكه و ترسخ، فكما أن قواعد النحو ال تغين .. احلفظ و شحذ القرحية
يف اكتساب ملكة اللغة، فإن قواعد العروض و البالغة ال تغين يف تكوين ملكة األدب أو الشعر إذا ال بد مع
.49"لآلثار املمتازة املوهبة و العلم بالقواعد من كثرة املطالعة و احلفظ
ومنه ميكن الفصل يف مرحلة اإلحياء بني مرحلتني، مرحلة تدعو إىل االنقياد التام للقدامى يف الشكل
واملضمون، حيث صارت قصائد اإلحيائيني قطعا هاربة من العصور القدمية، و الثانية هي مرحلة إحياء حييط ا
ورة مميزة باكتساا أهم صفة و هي املوهبة و الطبع، و كذا الوعي حول هذا األخذ، الذي تكون فيه الص
االنطالق من العصر، فحملت مرحلة اإلحياء التجديد بداخلها، و هي املرحلة اليت يتم تطويرها فيما بعد مع
.زعماء التجديد
.78املرجع نفسه،ص ، -47
.106النقد اإلحيائي و جتديد الشعر، ص : عبد احلكيم راضي -48 .126املرجع نفسه، ص -49
ية خطوة أوىل حنو ورغم أن هناك من يرى يف املرصفي من دعاة اإلحياء الواعي، و يرى يف كتابه الوسيلة األدب
هذا الوعي، إال أن هناك يف املقابل من يرى فيه مقلد شبيه بتلميذه البارودي الذي قاد مرحلة البعث و اإلحياء،
يتفق معه أيضا يف أن قول الشعر يتطلب حفظ الكثري من " النطالقهم من فكرة احلفظ و ضرورته يف اإلبداع فـ
مث يعقب ذلك نسيان احملفوظ لتمحي .... ملكة ينسج على منواهلا الشعر اجلزل القدمي حىت ينشأ يف النفس
رسومه احلرفية الظاهرة حىت إذا نسيت و قد تكيفت النفس ا، انتقش األسلوب فيها كأنه منوال يأخذ بالنسج
افة ، و ذلك هو تصور اإلبداع يف نظر البارودي ال يكاد خيرج عن احتواء الثق50" عليه بأمثاهلا من كلمات أخرى
.العربية القدمية
وجممل القول، يتعلق األمر يف النقد اإلحيائي بانتماء هذا التيار إىل املذهب الكالسيكي و التصور الذي
أقامت مبادئها على أساسه يف مطلع عصر النهضة، و تشابه القول حول هذه املرحلة يف العامل العريب و الغريب
ايتها بنيت على أساس الرتاث اليوناين عند الغرب و اجلاهلي و العباسي يف على حد سواء، ذلك أن النهضة يف بد
العامل العريب، و يف العامل العريب كان الرتكيز يف حماكاة القدماء على العودة إىل الشكل القدمي و هيكل القصيدة
عجم العريب القدمي من أجل العربية القدمية و من وزن و حبر و قافية، و أهم نقطة ركز عليها هؤالء العودة إىل امل
إعادة إحياء اللغة الفصيحة يف صورا التقليدية، و السبب يف ذلك وصول اللغة العربية مع عصر االحنطاط إىل
.أدىن دركاا ملختلف الظروف اليت أحاطت بالعامل العريب آنذاك
املطابقة يف الشكل و املضمون للرتاث وحول تيار اإلحياء عرف اجتاهني اثنني كان األول فيهما الدعوة إىل
العريب القدمي، و كان هذا التيار حمافظا حد التعصب و يف املقابل كان االجتاه اآلخر أكثر انفتاحا إذ اشرتط يف
املبدع املوهبة و الطبع و تلك هي مربرات اإلبداع الفين يف نظره، و لعل أهم من نادي ذا االجتاه حسني املرصفي
.لوسيلة األدبية إىل العلوم العربيةيف كتابه ا
:نصوص و تطبيقات
اعلم أن األدب معرفة األحوال اليت يكون اإلنسان املتخلق ا حمبوبا " يقول حسني املرصفي يف تعريفه لألدب
عند أويل األلباب، الذين هم أمناء اهللا على أهل أرضه، من القول يف موضعه املناسب له، فإن لكل قول موضعا
فإن لكل مقام : ل جرول الشاعر املشهور باحلطيئةخيصه، حبيث يكون وضع غريه فيه خروجا عن األدب، كما قا
م الرؤية اجلديدة للنقد و الشعر عند عبد الرمحن شكري، رسالة ماجستري، جامعة أ:دخيل اهللا حامد أبو طويلة اخلديدي -50 .28-27دون سنة، ص ص -فرع األدب –القرى كلية اللغة العربية
مقاال، و من الصمت و هو السكوت املقصود من وضعه، فإن للصمت موضعا، يكون القول فيه خالف األدب،
.51"رحم اهللا امرءا قال خريا فغنم أو سكت فسلم( يرشد إىل ذلك قوله صلى اهللا عليه و سلم
.عند املرصفي؟ باالنطالق من النص ناقش مصطلح األدب - *
و القول العام يف الشعر أنه و إن كان صناعة من الصناعات، جيود بدقة معناه، و مالحة " و يقول أيضا
لفظه، و إحكام بنائه، كما سيأيت بيانه، و يردأ خبالف ذلك، لكنه متغري األمر و احلال بتغيري العوائد تغيريا
إذ كان مبنزلة الفاكهة اليت ال تطيب إال بعد الغذاء، و أول مغري له عظيما، إذ مل يكن من حوائج الناس األصلية،
و الشعراء يتبعهم الغاوون، أمل تر أم يف كل واد يهيمون و أم يقولون ما ال ( اإلسالم ، و قول اهللا عز و جل
سبما تقتضيه وساوس معناه أن الشعراء كانوا مرتسلني مع األهواء، ال مينعهم مانع و ال يردعهم رادع، ح) يفعلون
الشهوات، و هلم قوة على حتسني القبيح، تقبيح احلسن، و سفهاء الناس هلم تبع، فكان يتولد من ذلك ما يتولد
من الفنت و الفساد بني الناس، و قد استثىن سبحانه الشعراء الذين عقلوا الدين، فوقفوا عند حدوده، و اجتنبوا
معمورة بذكر حماسن ما أرشد اهللا إليه، فهم ال يضعون األشياء إال يف الفحشاء و املنكر، حيث كانت أوقام
.52"مواضعها
.باالنطالق من النص ناقش مصطلح الشعر عند املرصفي؟ - *
-عبد العزيز الدسوقي، اهليئة املصرية العامة للكتاب: الوسيلة األدبية إىل العلوم العربية، حققه و قدم له: حسني املرصفي-51 .37، ص 1982، 1:ج -القاهرة
.43عبد العزيز الدسوقي، ص : حققه و قدم لهالوسيلة األدبية إىل العلوم العربية، : حسني املرصفي-52
ساعة و نصف :المدة
)لسانس ل و د ( طلبة السنة الثانية: الفئة المستهدفة
: تمهيد
استيقظ العامل العريب يف عصر النهضة على أصداء واقع جديد يعيشه الغرب بعد خروجه من مرحلة القرون
الوسطى، و بعد سعيه الستعادة أجماده الضائعة اليت عايشها يف عصوره القبلية، و االلتفات إىل هذه املرحلة هو
ا هذا، و القول يف احملاضرة السابقة حول فرتة إعادة أهم إجناز تدين إليه البشرية بالتقدير و االمتنان إىل يومن
البعث و اإلحياء هو إشارة لبداية جديدة و إن كان حمور االهتمام فيها عودة إىل املاضي البعيد، فالعودة للرتاث
ق بالفرز و التنقيب فكرة حتمل يف ذاا إرادة التغيري و بداية التفكري و البحث عن وضع جديد، هذا الوضع ينطل
من ركيزة املاضي و أجماده و هي نفسها الفكرة اليت آمن ا العامل الغريب يف بداية ضته، و كان لألخذ عنه
.سبيالن الرتمجة و اهلجرة
فكانت الرتمجة وسيلة حوار و حتاور بني احلضارات كلها، فتحت على إثرها أبواب الثقافات تأخذ كل منها
و اإلحياء يف العامل العريب تأثرا مببادئ الكالسيكية و االتباعية يف العامل الغريب، عن األخرى، فكان اجتاه البعث
وإرادة التقليد نابعة أصال من االنبهار الذي حدث للعامل العريب يف ظل الصدمة اليت تلقاها بعد سقوط الدولة
امل العريب إىل أسفل دركات التحقيق العثمانية و اختالل موازين القوى، و صارت اخلالفة العثمانية ومها تردى بالع
و اإلجناز بعد االنفصال عن كل ما تعلق باخلالفة األندلسية و سيطرة الساللة الرتكية وراء غطاء الدولة العلية اليت
.تريد رفع راية اإلسالم و ما أحاط ا من هاالت التقديس
المحاضرة الرابعة-4
إرهاصات التجديد في النقد العربي الحديث
يف كتاب الوسيلة األدبية للمرصفي صورة عن والبدء باحلديث عن التجديد هو عودة للتقليد، و ما قيل
إرادة املسايرة خرجت من رحم الرتاث القدمي، فيحمل االنتقاء و التصويب يف حد ذاته عن الرتاث إرادة العودة عن
ألن املدرسة يف حد ذاا مل دف إىل التجديد و لكن هدفها -و لكن ليس مطلقا - بعض النماذج الرتاثية
انطالقا من الرتاث، و نفس النظرة إذا مت قلبها أفقيا تصبح وعيا بضرورة التجديد بالرتكيز على البعث و اإلحياء،
.النص اإلبداعي يف ذاته
ويصبح أصل النظر إىل الرتاث العريب نظرة إىل مصدرها، و األمر يتعلق هذه املرة بالعامل الغريب و األخذ عن
ثابتة أقيم على أساسها صرح العلم التجرييب و الفلسفة العقلية، و منه األصل يف األفكار النهضوية مبا هي أسس
إىل التبويب للحصول على علم جديد مستقل، فيكون االحتذاء بالنماذج التقليدية إصرار على عدم مسايرة
ية اليت العصر مبا هو مرحلة انفصالية جديدة يكون الوعي فيها هدفا و ليس ضرورة العودة إىل سابق العهد باملركز
.ميليها التمركز حول الذات و صد اآلخر و رفضه
ميلي على - أحد أهم املقوالت اليت مت إحياؤها يف العصر احلديث - وهلذا األخذ مببادئ املنطق الصوري
اإلنسان احلديث حتري كل املوضوعية و البعد عن الذاتية، يف الفصل بني اخلطأ و الصواب، فكانت النماذج
العصر احلديث دليال كافيا على االنفصام و التشرذم و املفارقة اليت تتشكل بني هذه النصوص و العصر املقلدة يف
الذي هم فيه، و هي أوىل اخلطوات اليت قاد الرتكيز عليها إىل الوعي بضرورة اخلروج من دائرة التقليد األعمى الذي
الشعراء فيه إىل احملافظة على اللغة العربية يف صارت مناذجه فارغة و قوالبه جامدة، ففي الوقت الذي يسعى
مناذجها التقليدية، هو حكم يف الوقت نفسه على مجود هذه اللغة و انفصاهلا عن العصر احلديث، و انتمائها إىل
املعجم العريب القدمي غري قابلة للتجديد و االستمرار، و بعبارة أخرى قتلها يف صورها التقليدية، و ال يكون حل
روج من هذه الصور إال مبحاولة التجديد الذي يكون أساسه مسايرة العصر أو االلتفات للحضارة الغربية من اخل
.أجل البحث عن اجلديد
فكانت إرهاصات التجديد هلذا النقد، انطالقا من عيوب الصورة اليت انتهى إليها اجتاه اإلحياء و البعث يف
و التجديد من رحم إرادة البعث و اإلحياء، و ظهر من النقاد و الشعراء يف العامل العريب، فخرجت إرادة التغيري
العصر احلديث من يؤمن ذه الفكرة و ينادي ا، و صار زعماء حركة اإلحياء زعماء حركة التجديد، نذكر على
ناقد اجلزائري رمضان سبيل املثال أمحد شوقي الذي بدأ إحيائيا و انتهى جمددا و مغريا، و نذكر أيضا الشاعر و ال
الذي انطلق من واقع األدب اجلزائري و الواقع يف ظل الظروف االستعمارية و رأى من التخلف احملافظة ...محود
على النماذج القدمية و ضرورة االلتفات للعامل الغريب و األخذ عن هذا القوي الذي صار واقعا هو االعرتاف
.بريادته و تفوقه
ضان محود كان ينتمي للتيار اإلصالحي يف اجلزائر بداية األمر، إذ كان االحتذاء عنده مع العلم أن رم
بالنماذج القدمية هو منتهى أهدافه و غاياته، و انطالقا مما سبق كان التجديد يف الشعر و النقد مرحلة تالية يف
اها يف عصر صار يفرض جديدا ال تصور اإلنسان العريب احلديث، بعدما أثبتت النماذج الشعرية املقلدة عدم جدو
ميكن العيش فيه بعقلية حمافظة خمتلفة عن أحداثها، فكانت كل الظروف مهيأة للتغيري و التجديد و االختالف
.عن التقاليد السائدة
فأين ميكن العثور على مواطن التجديد يف الشعر و النقد معا؟ و ما هي أهم الشخصيات اليت ارتبط ا -
.امل العريب و ما هي مدونام؟التجديد يف الع
:إرهاصات التجديد عند العرب-1
إن أوىل إرهاصات التجديد يف النقد العريب احلديث هي تلك النظرة املختلفة اليت انتقلت من النسج على
منوال العباسيني إىل ضرورة االطالع على ثقافة الغرب و اآلخر الذي أصبح يتفوق و جبدارة على العامل العريب،
نفتاح و االتصال بثقافة اآلخر و يف املقابل االنفصال فكانت املقاالت يف تلك الفرتة تنشر الوعي بضرورة هذا اال
و املتتبع للكتابات النقدية جيد أن إرهاصات االنفتاح على آداب األمم األوروبية بدأت " عن الطابع الرجعي
تتسلل و تأخذ طريقها يف الربع األخري من القرن التاسع عشر عرب مقاالت متناثرة يف الصحف و االت بأقالم،
.53" ب صروف و قسطاكي احلمصي، و جنيب حداد، و إبراهيم اليازجي و غريهميعقو
فصار النقاد الغرب منتهى الرتكيز عند العرب انبهارا م من جهة و قصد األخذ عنهم من جهة أخرى،
ري صورة النقد، فيكون الفرق بني اإلحياء و التجديد نظرة األوىل باجتاه املاضي و الثانية باجتاه الغرب من أجل تغي
إذ صار عند زعماء اإلحياء صورا جامدة و مطابقة للقدمي مفرغة من روحها غري معربة عن أصحاا و ال عصرها،
بدأ 1887ففي املقتطف ديسمرب سنة " ألن األمر متعلق باحلفظ مث النسج الذي ينم عن احتواء تام هلذا املاضي
صيص حيز كبري لقضاياه و مشكالته، و العناية بنقد الكتب اليت يعقوب صروف يدعو إىل االهتمام بالنقد، و خت
و أشار إىل منابعه الثقافية فذكر أن من أشهر النقاد عند االجنليز ديردون و بوب و كولريدج و هازلت ... تصدر
.33، ص الرؤية اجلديدة للنقد و الشعر عند عبد الرمحن شكري:دخيل اهللا حامد أبو طويلة اخلديدي -53
انت، و عند الفرنسيني فولتري و سانت بيف و تني و عند األملان لسنج و جوته و شليغل وك.. و براون و ماكويل
.54"و لعل هذه األمساء اليت رددها صروف هي اليت شغلت و تشغل النقد احلديث
فكانت ضرورة االحتكاك واضحة من خالل االلتفات إليهم أوال مث بداية البحث عن مواطن ميكن من
16ن كتب قسطاكي احلمصي يف جملة البيا" خالهلا حماورة هذه الثقافة رغم اختالفها و اختالف لغتها فـ
وازن فيه بني كتاب العربية و الكتاب الغربيني من حيث تقبلهم ) الصدق( موضوعا بعنوان 1898أغسطس
و تساءل ماذا يفعل كتابنا لو أصام من النقد ما أصاب كتاب األفرنج من سهام، و ضرب هلم مثال ما ... للنقد
و الكاتب إمييل زوال، فلو كان بول فرلني و غريه أخذه جولوميرت الكاتب الشهري من النقد على الشاعر بول فرلني
.55" كبعض املتغطرسني عندنا لشغلوا جول المري من النقد باملماحكة و اهلذر
فكتب جنيب شاهني يف مقال " فالصحافة و املقاالت كانت وسيطا بني العامل الغريب و العريب يف جمال النقد
قال فيه يظهر أوال الشعراء 1902عدد يناير سنة ) لة املقتطف( صريون بعنوان الشعراء احملافظون و الشعراء امل
آخر ما يفكر يف خلع القدمي اخللق و التزيي باجلديد ذي الطالوة، فمن كان زمرة الشعراء و املتشاعرين الذين
دمي و اقتباس اجلديد ينظمون الشعر أو يدعون النظم، ال تكاد ترى واحدا يف املائة حياول جماراة العصر، و نبذ الق
و تقليد الشعراء العصريني من األمم األخرى، و السبب يف ذلك اقتصار شعرائنا على درس الشعر العريب، و عدم
االحتفال بدرس الشعر األجنيب، إما ألم جيهلون اللغات األجنبية و حيسبون أن آهلة الشعر ال توحي إال إليهم
ة و سفها مث يلفت جنيب احلداد، نظر الشعراء إىل طريقة الشاعر االجنليزي وأن ما ينظمه الشعراء األجانب نفاي
.56"والرتسكوت عندما يريد الوصف
فبدت آراء التجديد واضحة عند النقاد العرب، و قد حملوا يف حاالت كثرية أن السبب يف اإلعراض عن النقد
عقد االنتماء من جهة أخرى، و القول بالرتمجة الغريب ينم عن اجلهل أوال و عن عدم القدرة على التخلص من
سبيال يف األخذ عن اآلخر ليس صورة أولية، ألن األمر يتعلق باهلجرة إىل العامل الغريب و االتقاء و التعارف بني
النقاد فيما بينهم و بناء صداقات شخصية، فيمكن أن تعد اهلجرة بعد الرتمجة ثاين صور إرهاصات التجديد يف
لعل أهم من يتجه له النظر النقدي، عند حماولة رصد بواكري التجديد يف " عريب احلديث، فنذكر من هؤالء النقد ال
.34الرؤية اجلديدة للنقد و الشعر عند عبد الرمحن شكري ، ص :دخيل اهللا حامد أبو طويلة اخلديدي-54 .34املرجع نفسه، ص -55 .36املرجع نفسه، ص -56
شعرنا العريب خليل مطران الذي هاجر إىل فرنسا و اتصل باألدب الغريب مباشرة عن طريق اللغة الفرنسية، مث عاد
.57" مع أدباء ذلك الزمن إىل مصر حيث اتصل فيها باحلياة الفكرية، و عقد صداقات محيمة
:رواد التجديد في العالم العربي-2
فكان خليل مطران زعيما للتجديد يف العامل العريب و كانت كتابات اددين ترجع له الفضل دائما يف
إرساء معامل التجديد يف العامل العريب، و هناك من جعل صاحب البداية الفعلية للتجديد و صاحب الفضل على
ملدارس التجديدية اليت جاءت فيما بعد، و يف مقابل هذا، هناك من النقاد من أنكر عنه الريادة خاصة أولئك ا
الذين يعودون للنقد اإلجنليزي و ليس الفرنسي، و هناك من ينكر عنه لقب الريادة يف التجديد من خالل
لكن مطران رد على الرأي األخري بقوله إنه استحضار القصائد اليت كتبها، و اليت ال ختلو بدورها من التقليد، و
و هكذا يضع مطران النقط على احلروف فيما " كان يتعمد اجلمع بني التقليد و التجديد حفاظا على انتمائه
.58" يتعلق مبذهبه يف الشعر، من جماراة للقدمي و حماوالت حذرة للتجديد
يكون العود للعامل األورويب سبيال على أساسه يتم ويف كل حاالت القول بشأن الزعامة حلركة التجديد،
فالنزعة إىل التجديد كانت يف أول األمر نزعة رجعية كما ترى، و اتفق أن أنصارها " التأريخ لدخول هذه املرحلة
قرؤوا الشعر األورويب فرأوا أن مبادئ رجعيتهم هي مبادئ األدب األورويب الصحيح السليم، و أن األدب األورويب
ينهم على حتقيق تلك الرجعية، و أنه إذا تقدم م األدب األورويب فيكون تقدما كما كان يتقدم أدب اجلاهلية يع
" و صدر اإلسالم لو أنه مل تعرتضه عوارض اجلمود و القيود املصطنعة اليت تغلبت على األدب العريب بعد ذلك59.
الواقع الذي يعيشه العامل العريب صنع املفارقة بني صورة ومل يكن التوجه للعامل األورويب من فراغ، ذلك أن
الواقع كما هو و بني القصائد اليت يكتبها الشعراء تقليدا للقدماء، رغم أن األصل يف كتابة الشعر كما يعرفه
يق القدماء هو تعبريه عن الواقع و انطالقا منه، فكان ال بد من املالءمة و املواءمة بني هذه األطراف قصد حتق
التوازن، خاصة بعد أن صار جديد الشعراء ظاهرا، فكان ال بد للنقد من ضرورة االنتقال و التجديد، فصار ما
أوال ما شهده اإلنتاج األديب العريب يف العقود األخرية من تطور نوعي يف " يربر هذه احلاجة و يدعو إليها أمران
.39الرؤية اجلديدة للنقد و الشعر عند عبد الرمحن شكري ، ص :دخيل اهللا حامد أبو طويلة اخلديدي-57 .45املرجع نفسه، ص -58 .169النقد اإلحيائي و جتديد الشعر، ص : عبد احلكيم راضي-59
غ التمسك مبناهج عتيقة ملا قد يؤول إليع تباعد الشقة بني أشكال إبداعه و تنويع يف أساليب آدائه، بات معه سائ
مادة أدبية متطورة و أجهزة نقدية أظهرت التجربة حمدوديتها، و قصورها عن استنطاق هذه املادة من بقاء األثر
ي يف األديب اجلديد ساكتا عن مكنونه مستغلقا، ال يفهم و ال يبوح خبصوبة اإلبداع فيه، ثانيا أن النهج التقليد
النقد استنفد طاقته يف البحث و قدم أقصى ما يف وسعه تقدميه، و اتضح عجزه عن جتاوز األحكام الذوقية
االنطباعية و معاجلة األدب مبا فيه القدمي خارج املفاهيم اجلارية، مفاهيم الصدق و احلق و األمانة يف تصوير الواقع
.60"االجتماعية العامةو نقله، سواء أتعلق ذلك بذات املبدع أم باحلياة
فضرورة املواءمة جاءت يف األصل من التأثر بالفكر الفلسفي الغريب الذي صار ينبذ العودة إىل الوراء، ويف
املقابل حييي كل نظرة معاصرة أو حديثة، و القول هنا يشمل ما قام به طه حسني بوصفه مجع يف اآلن نفسه بني
و قد جاء حديث األربعاء، بعد " مبدأ اهلوية و بني ضرورة األخذ عن العامل الغريب التسلح بالعلوم العربية، و هي
ذلك لكي ينبئ عن وظيفة هامة للناقد األديب عند طه حسني متأثرا بالشك الديكاريت تتجلى يف وجوب مترد
و التاريخ و مناهج البحث الناقد على التبعية و امليل يف التذوق و املقارنة من خالل إتقانه لعلوم اللغة و البيان
يعتمد على احلس الدقيق املرهف و الذوق املهذب املسمى جمليا شخصية الناقد فيما يقدم من دراسة و فيما
.61"يصور من مواطن اجلمال يف اآلثار األدبية
ن تعلق األمر فتكون الدراسة النقدية يف رأي طه حسني عمال خمتلفا عن الوظيفة التقليدية للناقد القدمي، و إ
فإذا حاول طه حسني ناقدا " بالقصائد القدمية ، و فيما يلي موجز لطريقة الدراسة النقدية عند طه حسني نذكر
نراه ميتح من كل مصادر املعرفة يف سبيل تأكيد املباشر –تناول نص شعري قدمي كمعلقة لبيد على سبيل املثال
ت الذاتية اخلالصة كما تتجلى الطبيعة األساسية هلذا النقد يف وجوب للناقد إزاء العمل املنقود، و دعم االنطباعا
نقدا - رائدا –اهتزاز الناقد إزاء جزئيات اللغة خالل السياق العمل الشعري، و هذا هو ما جيعل نقد طه حسني
صنعة البالغة انطباعيا تأثريا يعود إىل ما سبق أن ذكرناه من استخالص لوظيفة الناقد يف القدمي من معرفة أصول
من خالل تعمق األلفاظ و استخراج ما يف أحشائها من معىن مدخر باإلضافة إىل وظيفة هامة بينها طه حسني
، 1998: ، سنة1: ط –سوسة -حممد علي احلامي النقد العريب احلديث مدارس النقد الغربية، دار:حممد الناصر العجيمي -60 .15ص
جامعة -دار املعارف) دراسة يف تطور مفهوم التذوق البالغي( وظيفة الناقد األديب بني القدمي و احلديث: سامي منري عامر -61 .60، ص 1984 - االسكندرية
ملعظم نقادنا املعاصرين أال و هي الطابع اجلديل الذي يغلب عليه الرسوخ إميانه حبرية الكاتب يف إبداء رأيه النقدي
.62"يف عرف الناس يف مسلمات عصره و قلبه لألوضاع املألوفة
ولعل التجديد الذي مت على مستوى النقد كان استجابة مباشرة للتغيري الذي طرأ على القصيدة احلديثة أوهلا
من ناحية املضمون و ثانيا من ناحية الشكل و كلها ظروف أدت إىل اختالف النقد و تغري سبل دراسته
و سبق احملاولة األوىل " و اليت غري ذات بال مقارنة بالعصر احلديث وانفصاله يف الوقت نفسه عن املعايري القدمية،
أمر طبيعي ألا حماولة التجديد يف املعاين و يف املضمون و املوضوعات، أما الثانية فكانت يف الزون و املوسيقى،
ن ال بد أن يفرض أي الشكل أو القالب، و كانت نتيجة طبيعية إجيابية للمحاولة األوىل فإن املضمون اجلديد كا
.63" قالبا أو شكال جديدا
وال خيرج احلديث عن التجديد يف الشعر عن وسيط الرتمجة سبيال يف سبيل رسم معامل هذا الشعر اجلديد
و حركة الرتمجة األدبية كانت مواكبة حلركة الرتمجة العلمية، و يكفي أن نذكر أن " الذي يبتعد عن الصورة القدمية،
قد ترجم نزرا يسريا من الشعر الفرنسي، و لكن انتشار مدارس اللغات ) ختليص اإلبريز( نفسه يف كتابهالطهطاوي
مدارس اإلرساليات التبشريية و اجلاليات األجنبية أمدت حركة الرتمجة بطائفة كبرية من العارفني بالفرنسية
ينهلوا من منابع جديدة خمتلفة، موضوعات واالجنليزية خاصة ليرتمجوا أو ليعاونوا األدباء و الشعراء على أن
لشعرهم، و ال ننسى فرض االستعمار االجنليزي لغته على املدارس آخر القرن املاضي و أوائل هذا القرن مما انتعش
ترمجة مسرحيات شكسبري مثال ملساعدة التالميذ على مقررات، األدب االجنليزي يف برامج دراستهم، و كانت
البازغ جنمه تتطلب بدورها حظا آخر من الرتمجة و التعريب و االقتباس لتسد حاجة املسارح حاجة املسرح العريب
الناشئة كل هذا فتح النوافذ على الشعر الفرنسي و االجنليزي و بسطت أمام شعرائنا موائد جديدة يغرتفون منها
.64"وع لألداء اجلديدموضوعام و جيادلون مع قوالب الشعر املوروث حىت تستقيم هلم خصائصه و تتط
كان " وعلى هذا تنسب بدايات التجديد يف الشعر العريب احلديث إىل عبد الرمحن شكري، و عنه قيل
شكري أبرز هذا الثالوث و أكثر من فصل يف االختالف بني شعر الديوان و شعر من سبقوه، لقد وقف العقاد
و شقائي مسلــــــــــــــــــــــــــــم بشقاها*****************فهنائي موكل برضاها
تنطوي األرض أم خير مســــــــــــــــاها***************إن قليب يف عشقها ال يبايل
و قضى أن يرد روحي صداهـــــا************قد قضى اهللا أن تكون كصوت
ــــــــــــــــــــــيب نار وراها و صدود احلبــ*************مل أنل حبييب إال صدودا
كل ذنيب يف كون قليب اصطفاها*************هجرتين من غري ذنب و لكن
يف يد الوجد حمرقا بلظـــــــــــــــــــــــــــــــــــاها*************قيدتين و خلفتين أسريا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرداهامن وداعي تعلقي بـ**************فارقتين بال وداع و خافت
عذبت مهجيت بشحط نواهـــــــــــــــــــا**************تركتين و مل تراعي هياجي
.باالنطالق من هذه األبيات، حدد مكامن التجديد يف شعر رمضان محود - *
ساعة و نصف :المدة
)لسانس ل م د (طلبة السنة الثانية : الفئة المستهدفة
:تمهيد
غريت شعارات التجديد كثريا يف التصورات اليت آمن ا العامل العريب يف عصر النهضة حول ضرورة استعادة
زمنية ماضية، و أفكار األجماد الضائعة، ذلك أن األمر يتعلق بأفكار مل يعد جيدي األخذ ا الرتباطها بفرتة
التجديد هذه يف البداية مل تكن سوى شعارات تكتب مقاالت و تتوىل الصحافة مهمة نشرها و إيصاهلا للقارئ
سواء أكان شاعرا أو ناقدا و مجلة األفكار اليت مت الرتويج هلا يف األصل كانت ملثقفني أخذوا عن اآلخر األجنيب،
...نتقال للعامل الغريب، اجنلرتا أو فرنساإما بطريق الرتمجة أو اهلجرة و اال
فكانت األفكار التجديدية خالصة قراءات معمقة ألعمال النقاد و الفالسفة الغربيني، و أخريا انتهت كل
.. هذه احملاوالت املتفرقة إىل إقامة جتمعات أو بعبارة أخرى مدارس قصد حماولة التوحيد بني اآلراء و املبادئ
ذه األهداف قاد إىل القيام بإنشاء مجاعة الديوان أو مدرسة الديوان و هي ثالثية التكوين، تقاسم والقول
تأسيسها كل من العقاد و املازين و شكري، و قد مجع هؤالء اتفاقهم حول نفس اآلراء التجديدية اليت يكون
ينفصل عن العلوم العربية اليت تكون مصدرها العامل الغريب، و لكن يف الوقت نفسه على الشاعر أو الناقد أن ال
.أوىل أولويات اهلوية العربية
ويف مقابل القول ذا، كانت آراؤهم كلها صورا جديدة خمتلفة عن التصور التقليدي للقصيدة العربية من
جهة، و بعدها لآلراء و القضايا النقدية من جهة أخرى، فكانت أسباب القوة يف القصيدة العربية كما أحياها
اسبة لعصر خيتلف بكل معطياته عن العصر القدمي، زعماؤها سببا يف الثغرة اليت حالت دون احلصول على صورة من
فليس األمر متعلقا باملعجم العريب القدمي يف مقابل استخدام لغة تعرب عن موجودات العصر احلديث، و لكن األمر
المحاضرة الخامسة -5
جماعة الديوان
متعلق مبنظومة فكرية تفرض بدورها واقعا خمتلفا و كل قالب خمتلفا عن هذه الظروف هو صورة هلذا العجز
.يرة الواقعوالنقص يف مسا
فكان التمرد على هذه الصور التقليدية هو منتهى التفكري عند هؤالء اددين، متردا يقدم يف املقابل اجلديد
والبديل، هذا البديل يعد مؤِسسا و مؤَسسا، فارتبطت مجاعة الديوان بالتيار الرومانسي االجنليزي الذي حياول
عته املدرسة الكالسيكية إذ انتهت مبادئها معاملا للرجعية اخلروج عن األقانيم القدمية، و هو التيار الذي شج
والتخلف، و انطالقا من النظرة الرومانسية تؤمن مجاعة الديوان بالتيار الوجداين الذايت الذي يرى املوهبة و الصدق
وروث يف آداء الشعر أهم من القالب، الذي يكون مفرغا من روح عصره ألنه يقوم على احملافظة، حمافظة على م
.يتعلق األمر فيه بالشكل و املضمون و هو ما أثار حفيظة اددين، فرأوا يف ذلك تأكيدا على ختلف األداء
واألمر ال يتعلق بالنقد و الشعر فقط بل طال الفكر العريب كله يف عصر صارت فيه احلضارة الغربية متميزة
نماذج املصنوعة و تظهر هذه الصناعة من خالل تكييفها دون أدىن شك، فصار من الضروري االبتعاد عن هذه ال
هلذا الواقع، فكانت شعارات املدارس التجديدية أقرب للواقع و الفكر معا، ورافقت هذه املدارس ظهور الرومانسية
ل يف العامل الغريب كنظرية ال تتعلق باألدب فقط بل هي نظرة فلسفية تقدس الذات و الوجدان و اخليال، هذا اخليا
الذي ال يكتفي بتحرير الذات من التقليد و لكن حيررها من ذاا و منطيتها و من واقعها إىل عامل آخر ال حتده
.حدود الواقع و ال تتحكم فيه أشكال الصور أو مناذج
فتشكلت للقصيدة مالمح جديدة مل يعرفها املبدع العريب من قبل، دليله يف ذلك الفكر مبا هو إمكانات
ماالت متعددة ال تقبل مفهوم احملافظة و تأىب التقليد كما أا تسبح يف حبر من اخليال ال حدود له، فكان ال واحت
بد أمام هذه التغريات أن تتشكل مالمح جديدة لنقد يالئم هذا اجلديد، و هي املبادئ اليت تزعمتها املدارس
، بل هناك جمموعة من املدارس اليت أخذت على واجلماعات يف العصر احلديث، و ال يتعلق األمر جبماعة فحسب
.عاتقها مهمة التأسيس كما يفعل أصحاب التيار اجلديد يف العامل الغريب
وسيخصص احلديث هنا القول حول مجاعة الديوان مبا هي أوىل املدارس اليت تشكلت معاملها يف العصر
ج من التخلف و مواكبة العصر بكل معطياته، دليلهم احلديث و استجابة لظروف العصر احلديث، إذ حياول اخلرو
يف ذلك الفكر اجلديد الذي وصل إليهم عن طريق وسائل خمتلفة، أمهها اهلجرة و االطالع على ثقافة اآلخر يف
موطنها األصلي دون تزييف، و حماولة الرسم على مثال دون اخلروج عن اهلوية اخلاصة، من أجل جتنب الوقوع يف
.عمى الذي ميحو اهلوية و يطمسهاالتقليد األ
فكانت اهلدف الذي ينشده هؤالء هو مواكبة اجلديد يف القول و الفعل لكي ال يهمشهم الواقع، و يف
املقابل عدم االنفصال متاما عن اهلوية العربية اليت تدين هلم حبق الوفاء، و هلذا كان النفصاهلم عن سبل التفكري يف
انفصاهلم عن اآلخر األجنيب الذي خيتلف عنهم متاما من حيث األصل و اهلوية،و لعل ما مييز واقعهم وعيا حبقيقة
الرعيل األول من النقاد يف العصر احلديث، يف مقدمة هؤالء العقاد و غريه من النقاد الذين تشبعوا من الثقافة
.العربية و كذا الغربية
حقيقة نشأا و ظهورها و كذا مصادر معرفتها؟ و ما هي ؟و ماذا عن- الديوان - فما هي طبيعة هذه اجلماعة-
املبادئ اليت نادت ا؟ و كان هلم مؤلفات تأسيسية خاصة كانت اجلانب امللموس و الشاهد على طريقتهم يف
التفكري، علما أن احملاوالت اإلبداعية متوت و تنسى إذا مل تدون و ترسخ، فتبقي ما يدل عليها و يرمسها لألجيال
.خرىاأل
:جماعة الديوان و تاريخ نشأتها-1
يف النقد العريب احلديث لتحيل إىل نفس التسمية و تفسري األمر ... كثريا ما ترد املدرسة و املذهب و االجتاه
متعلق بطريقة تفكري الناقد و األديب احلديث، إذ كانت هذه الدالالت متساوية ال فرق بينها من حيث الوضع،
مل يفرق نقاد العصر " ضحه املعجم املفصل يف األدب عند حتديده لداللة املذاهب األدبية، يذكرو هذا ما يو
احلديث العريب بني املذهب و املدرسة و االجتاه، و رأو أا نزعات و تيارات تعاجل مظاهر الشكل و مضامني
ضي، و منها ما يقيس موضوعاته على املعىن، فمنها ما مييل إىل التجديد، و منها ما يرفضه و يتمسك بأهداب املا
.70" القضايا املعاصرة، و بعض هذه املذاهب مادي، و بعضها فين، و ثالث نفسي
ويف مقابل هذه املصطلحات عرف مصطلح اجلماعة يف كثري من املوضع ليخصص داللة حمددة، و القول
ي يطلق على االجتاه األديب الذي التزم به مجاعة الديوان مصطلح لفظ" يشمل مجاعة الديوان، الذي قيل بشأا
كل من األدباء، عباس حممود العقاد، عبد الرمحن شكري، عبد القادر املازين، و ذلك نسبة إىل كتاب الديوان
إذ أن الديوان يعترب ذا األثر الفعال يف التفات الناس إىل ذلك املذهب 1921الذي أصدره العقاد و املازين سنة
نشره بعد ذلك ملا ثار حوله من ضجة كان من أهم دوافعها إجالل الناس لشوقي فإذا بالديوان اجلديد، و يف
.777املعجم املفصل يف األدب، ص :حممد التوجني -70
حيطه معلنا ذلك يف غري مباالة و اكرتاث، و معتزما أيضا حتطيم أمثال شوقي ممن اعتربوهم أصناما طالت عبادة
.71..."الناس هلم
ه كتاب يف األدب و النقد، إال أن اآلراء املوجودة وعلى الرغم من عدم مشاركة عبد الرمحن شكري يف تأليف
يف الكتاب مشرتكة بينهم حبكم الثقافة اليت اشرتكوا يف تلقيها، و األمر كذلك يتعلق بالكالم الذي يكرره العقاد
حول فضل عبد الرمحن شكري يف وضع الكثري من اآلراء و األفكار التجديدية اليت أرست دعائم الديوان، ويتعلق
مر عنده مبقدمات دواوينه الشعرية، و حىت األبيات الشعرية اليت كان يصوغها موافقة لآلراء اليت وردت يف األ
الديوان، و قد عرفت مجاعة الديوان ذا االسم دون املدرسة ألسباب تتعلق خبصوصية استخدام مصطلح
يقتضي ) مجاعة( ، ذلك أن لفظ مدرسة مثال: مصطلح اجلماعة أوىل يف االستعمال من مصطلح آخر ك" اجلماعة
االجتماع و ال يقتضي التجانس أو التماثل أو التوحد، و هذا ما ينطلق من وجهة نظري على مجاعة الديوان، إذ
أا جمتمعة ضمن إطار عام و هو املدرسة الرومانسية أو االجتاه الوجداين، و رغم التقارب يف املرجعية و األهداف
اجلماعة النقدية و نتاجام األدبية يلحظ جوانب اختالف واضحة بينهم، تعود يف أكثرها إال أن املتعمق يف آراء
.72" إىل طبيعتهم لشخصية، و قدرم على استيعاب الثقافة اليت تشبعوا ا
من حيث الثقافة إىل االجنليزية، و قد وصلت إليهم -العقاد، شكري و املازين - وينتمي هذا الثالثي
ت األخرى العاملية عن طريق اللغة االجنليزية اليت كانت وسيطا بينهم و بني ما قاله النقاد و الشعراء يف العامل الثقافا
الغريب، و لعل أحق من ميكنه احلديث عن كتاب الديوان هم أصحابه أنفسهم، إذ بينوا حمتوى و هدف هذا
ية يف العصر احلديث، و قصد حتقيق هذا املبتغى الكتاب الذي أمجل و أوجز خالصة آراء أصحابه النقدية و األدب
هو كتاب يتم يف عشرة أجزاء، موضوعه األدب عامة، و وجهته اإلبانة " كانت مقدمة الكتاب وسيطا، فقيل عنه
عن املذهب اجلديد يف الشعر و النقد و الكتابة و قد مسع الناس كثريا عن املذهب اجلديد يف بضع السنوات
آثاره و يأت األذهان الفتية املتهذبة لفهمه و التسليم بالعيوب اليت تؤخذ على شعراء اجليل األخرية و رأو بعض
-2011 –ورقلة -املصطلح النقدي عند مجاعة الديوان، رسالة ماجستري، جامعة قاصدي مرباح:حممد الصديق معوش-71 .15، ص 2012
.17-16املرجع نفسه، ص ص -72
املاضي و كتابه و من سبقهم من املقلدين، فنحن ذا الكتاب يف أجزائه العشرة و مبا يليه من الكتب نتمم عمال
.73"مبدوءا و نرجو أن نكون فيه موفقني إىل اإلفادة مسددين إىل الغاية
و أقرب ما منيز به " كذلك قاموا بتمييز مذهبهم يف القول عن مذهب البقية، فقالوا يف نفس املوطن عنه
مذهبنا أنه مذهب إنساين مصري عريب، إنساين ألنه من ناحية يرتجم عن طبع اإلنسان خالصا من تقليد الصناعة
عامة، و مظهر الوجدان املشرتك بني النفوس قاطبة، املشوهة، و ألنه من ناحية أخرى مثرة لقاح القرائح اإلنسانية
و مصري ألن دعاته مصريون تؤثر فيهم احلياة املصرية، و عريب ألن لغته العربية، فهو ذه املثابة أمت ضة أدبية
ظهرت يف لغة العرب منذ وجدت، إن مل يكن أدبنا املوروث يف أعم تظاهرة إال عربيا حبتا يدير بصره إىل عصر
.، إىل جانب كثري من املقاالت اليت صدرت قبل الكتاب74"اهلية اجل
:مواطن التجديد عند جماعة الديوان-2
ورد يف كتاب الديوان عديد القضايا املتعلقة مبواطن التجديد عندهم، فطرحت هذه القضايا نقلة نوعية فيها
ة جديدة مسيت بالتجديدية و فيها انفصل النقد احلديث من مرحلة اإلحياء، مبا هي مرحلة تقليد إىل مرحل
اختلفت كل املفاهيم املتعلقة بالشعر و النقد، انطالقا من تغري طريقة التفكري اليت كانت نتيجة منطقية لوضع
فكري فلسفي معني أماله التواصل مع احلضارة الغربية و األخذ عنها، و أوىل هذه القضايا متعلقة مبفهوم الشعر
.عند مجاعة الديوان
:مفهوم الشعر -*
والقول حول مفهوم الشعر انفصل عن ما قيل عنه قدميا، و يف الوقت نفسه مل يضبط بتعريف حمدد، ولكن
بأنه " تعددت املفاهيم اليت حتدثوا عنها بتعدد جوانبه، و من بني املفاهيم اليت ارتبطت بالشعر عند هذه اجلماعة
عبري يرتبط بالعامل الداخلي للشاعر، هذا هو جوهر مفهوم الشعر عند تعبريه و إصرارهم الشديد على أن الشعر ت
، و قد 75".أعضاء مجاعة الديوان و يتضح ذلك من كتابام النقدية الكثرية املتفرقة بل و إنتاجهم الشعري كذلك
، ص 1921 -القاهرة–ديوان يف النقد و األدب، دار الشعب للطباعة ال:عباس حممود العقاد و ابراهيم عبد القادر املازين -733-4. .4، ص الديوان يف النقد و األدب، :عباس حممود العقاد و ابراهيم عبد القادر املازين -74، ص 1973جامعة عني مشس سنة، -التجديد يف الشعر و النقد عند مجاعة الديوان، أطروحة دكتوراه: سعاد حممد جعفر -75
134.
اب اليت محل تعريف الشعر عندهم من هذه الناحية بيتا شعريا ينسب إىل عبد الرمحن شكري، و هو من بني األسب
أال يا " جعلت عبد الرمحن شكري رائدا يف مجاعة الديوان رغم عدم مشاركته يف إنتاج الكتاب، و البيت يقول
.76"طائر الفردوس إن الشعر وجدان
ومن هذا املنطلق هدمت أول قاعدة تبناها زعماء حركة اإلحياء و هي التقليد و ضبط الشعر بالقوالب
ال يربحها، و انتقل الرتكيز عندهم من الوزن و القافية و الشكل إىل حمور أكثر أمهية، ويتمثل والنماذج القدمية، إذ
يف الوجدان أو عامل الشاعر الداخلي، حيث تتجلى املوهبة و الشعرية مبعزل عن كل تصوير يرجع قول الشعر إىل
واطف هو دعوى قول الشعر تلك القدرة على احلفظ و بعدها النسج على مثال، فيكون صدق املشاعر و الع
وليس االعتماد على احملاكاة و التقليد، و مرجعهم يف ذلك التيار الرومانسي الذي يركز على الذات و الشعور
والوجدان، فانتقلوا من إميام بضرورة العقل إىل أمهية الذات و الوجدان، و األمهية تكمن عند مجاعة يف إيصال
.هي يف نفس الشاعر و هي شروط الصدق و الفنية يف تصورهمالفكرة و العاطفة للمتلقي كما
فالشعر يف نظرمها تعبري " والصدق هنا ينقل جتربة الشعر من كوا جتربة شخصية فردية إىل كوا جتربة عامة
من مباشر عن نفس الشاعر، و الشاعر باعتباره إنسانا يعيش يف اتمع و يشعر بقومه و يتجاوب مع ما يف وطنه
أحداث،فإنه إذا عرب تعبريا صادقا عن نفسه فهو إمنا يعرب بطريقة غري مباشرة عن جنسه و عن جمتمعه و عن بيئته
، و لكن شكري يزيد على قول هذا ما يراه مالئما للشعر، إذ يربطه باخليال، فليس الوجدان 77"و عن عصره
عند عبد الرمحن شكري ال شخصيته فهي ال ترتبط فالقصيدة" واحمليط لدى الشاعر إال ذلك العامل غري احملدود
حبياة قائلها و ال حبياة شيء حمدد خارجها ارتباطا مباشرا، و إمنا هي خلق خيايل مستقل بذاته، الشاعر فيها
يستفيد من الواقع، و يأخذ منه و لكنه يتطور به و يضيف إليه من نفسه و ما يقتضيه الفن، و يعدل فيه و يبتعد
.78"عليه الضوء الساطع فيكشف عن حقيقته و ال ينقله كما هو بأية حال من األحوال عنه ليلقي
فيكون اخليال هو املسافة اليت يزيد فيها شكري عن مفهوم الشعر عند اجلماعة، و يكون التنفيس و كشف
قدية املتعلقة بالشعر وهي احلقيقة هو اهلدف املنتظر من الشعر، و قد أصر العقاد و املازين على بعض املقاييس الن
و آية الصدق عندمها أن تكون مناذج الشعر ترتجم لكل خاجلة من خواجل النفس " ما تعلق مبقياس الصدق
.املرجع نفسه، و الصفحة نفسها-76 .137، ص التجديد يف الشعر و النقد عند مجاعة الديوان: سعاد حممد جعفر -77 .139، ص املرجع نفسه -78
الشاعرة، و أثر من آثار تلك احلياة الباطنة و الظاهرة، و الشاعر إذا بلغ التوافق بني خالئقه و بشعره هذا املبلغ
.79" آية الشاعرية أو امللكة الفنية فتلك آية التعبري الصادق أو تلك
و األمر ) شعر الشخصية( وهي دعوة إىل ترك الصنعة و القول بالطبع، و إىل جانب الصدق نذكر قضية
هنا يتعلق بوجدان الشاعر و مكامن الذاتية يف قول الشعر، إذ يتحرى الشاعر التعبري عن املشاعر الداخلية اخلاصة
. به
.هذا عن الشعر أما الشاعر فقد وضعوا له جمموعة من احلدود
:مفهوم الشاعر -*
و إىل جانب هذه الصفات املميزة " وعنه اجتمع زعماء مجاعة الديوان على توفر الشاعر على جمموعة صفات هي
اعر يف نظر أعضاء الشاعر عن بين البشر و اليت تتمثل يف التفوق يف اإلحساس و التفكري، فإن الفنان أو الش
مجاعة الديوان حيتاج إىل املوهبة األصلية اليت هي هبة السماء باإلضافة إىل تنمية هذه املوهبة بالدراسة و االطالع
و التمرين املستمر و قد أدرك شكري هذه احلقيقة فأخذ يشرح لقرائه ضرورة نقل املوهبة الشعرية باالطالع املستمر
افة اللغات و ذلك ألن االستعداد الفطري ال يكفي وحده، بل ال بد أن يعضده و حىت نتهيأ لقول الشعر يف ك
.80"يقويه استعدادا آخر يكمن يف االطالع املستمر
فتتحول قراءة الشعر عند شكري من االطالع على الثقافة اجلاهلية عند زعماء اإلحياء إىل االطالع على
تصور عام يشمل العقل البشري عامة، و يشرتط أن يتوفر الشاعر الشعر يف كل الثقافات و اللغات للوصول إىل
على شرط املوهبة و الطبع، كما أن مجاعة الديوان تتفق كلها مع الرومانسيني و الربناسيني حول رأيهم يف غاية
عر هي خلق فغاية الش" الشعر اليت جيب أن تبتعد عن الغاية االجتماعية و الغاية األخالقية و كذا الغاية الدينية
اجلمال ألن اجلمال هو جمال الفن الوحيد، و هو غاية يف ذاته الائي، و ليس خادما للحس ألنه حيتوي احلقيقة
اإلهلية و اإلنسانية فهو القيمة املشرتكة اليت تلتقي عندها طرق التفكري، و معىن هذا أن للشعر رسالة إنسانية يف
.81" فس و مشاعرها الصادقة، و يف السمو بالنفس عن طريق املتعةهداية الصفوة إىل التعرف على مواطن الن
.153املرجع نفسه، ص -79 .170، ص ، ص التجديد يف الشعر و النقد عند مجاعة الديوان: سعاد حممد جعفر -80 .177املرجع نفسه، ص -81
وحترير الشعر من هذه الغايات هو متحور حول التجربة الشعرية لدى الشاعر و انفصاهلا عن أي ارتباط بأي
عري جمال كان، و تشمل اجلزئيات كما تتعلق بالكليات دون أي قيد أو شرط، هذا و قد حتدثوا على اإلبداع الش
اإلبداع الشعري عند شكري يصدر عن انفعال ملتهب جتلى يف ثنائية أساليب الشعر يف ذهن الشاعر " و رأو أنه
و تتضارب العواطف يف قلبه و لكنه تضارب ال يزعج نبضه طيور األنغام الشعرية اليت تغرد يف ذهنه، مث تتدفق
يف غري هذه احلالة فالشعر الذي يصنعه يأيت فاتر األساليب الشعرية كالسيل من غري تعمد لبعضها دون بعض أما
العاطفة، قليل الطالوة و التأثري، و إدمان االطالع أساس الشعر، ألنه هو الذي يهييء الطبع، أما انتقاد
األساليب عند النظم، فدليل على أن الشاعر غري متهئء الطبع ناضجه ليس يف إصابة نغمة و ال يف قلبه
.82"عاطفة
فالشعر هو " ول أصول الشعر يرى شكري أن الشعر خيضع لعناصر ثالثة العواطف و اخليال و الذوقوح
كلمات العواطف و اخليال و الذوق السليم، فأصوله ثالثة مرتاوحة فمن كان ضئيل اخليال، أتى شعره ضئيل
بانة عن حركات تلك الشأن و من كان ضعيف العواطف أتى شعره ميتا ال حياة له، فإن حياة الشعر يف اإل
العواطف، و قوته مستخرجة من قوا، و جالله من جالهلا، و من كان ينقصه الذوق أتى شعره كاجلنني ناقص
اخللقة، غري أن بعض الناس حيسب أن سالمة الذوق يف رصف الكلمات كأمنا الشعر عندهجلبة و قمقمة بال
عر سائرا إال أذا كان غري الشاعر مقدرة على التأليف بني طائل معىن، أو كأمنا هو طنني الذباب، و ال يكون الش
.83" اللفظ و املعىن
كما أضافوا إىل هذه األصول الثالثة اإليقاع الشعري و الوحدة الفنية، كما أكدوا على قيمة العاطفة يف
، 84" جد شعر من دوافالشعر مهما اختلفت أبوابه و تباينت أغراضه حيتوي دائما على العاطفة و ال يو " الشعر
إذا ذهبنا نبحث عن فهم مجاعة الديوان للخيال، جند أم ينظرون إليه " كما أكدوا على قيمة اخليال، فورد بشأنه
على أنه وسيلة من وسائل التعبري، و أنه ليس غاية يف ذاته، كما أم يفهمونه على أنه البعد عن املبالغات
يف الوصف و حتري الصحة و الصدق الشعوري قدر اإلمكان، و هذا واألكاذيب و مهامجة االجتاه احلسي
.184، ، ص التجديد يف الشعر و النقد عند مجاعة الديوان: سعاد حممد جعفر -82 .188املرجع نفسه، ص -83 .189املرجع نفسه، ص -84
يتماشى مع مفهوم الشعر عندهم الذي ينص على أن الشعر تعبري عن الوجدان هدفه إظهار احلقيقة، و إثارة
.85"الشعور و إحداث املتعة
فالشعر يف نظر " ويف مقابل تأكيدهم على أمهية هذه الشروط تنزل اللغة يف تصورهم عن صدارة قول الشعر
العقاد و املازين ملكة إنسانية و ليس ملكة لسانية، هو اخلواطر و األحاسيس و العواطف، أو هو حقائق احلياة،
عن هذه األشياء فاالهتمام ا ال يأيت إال من أجل االهتمام أوال مث اللغة ثانيا، ألن اللغة يف نظرهم آداة للتعبري
كما طالب أعضاء مجاعة " ، و حول املعاين86"بالتعبري عن األحاسيس و احلقائق، فهي وسيلة و ليست غاية
الديوان بالوضوح يف التعبري عن املعىن و استنكروا تعمد الغموض أو االام أو التكلف و التصنع، طالبوا أيضا
ق املعىن و صدقه، فالفنان يف نظرهم ال يطالب بأن يكون سهال لكل إنسان و ال يقيد باملعاين و اخلواجل اليت بعم
يتساوى يف التفطن إليها مجيع الناس، ألن السهولة ليست أساس البالغة و حمورها إال على فرض واحد و هو أن
.87"يؤدي ا الشاعر املعاين اليت يؤديها غريه مبشقة و اعتساف
الذوق االهتمام التقييم النقد
التفسير بالمضمون العلمي
بدل الشكل التحليل الفلسفي
.202املرجع نفسه ، ص -85 241، ص التجديد يف الشعر و النقد عند مجاعة الديوان: سعاد حممد جعفر -86 .250املرجع نفسه، ص -87
التجديد في النقد عند الديوان- *
التجديد التلميح جدة وحدة الشعر
الموضوعات البنية الموضوعي في اإليقاع دون التصريح
القصصي و الموسيقى
التجديد في الشعر-*
وجممل القول، تعد مجاعة الديوان أوىل اجلماعات اليت ظهرت يف العصر احلديث، اهتمت بالشعر والنقد،
فرأت ضرورة إعادة النظر يف قوانني حركة البعث و اإلحياء و هذا مبسايرة العصر تأثرا باملنظومة الفكرية اليت صارت
تأثر روادها باحلركة الفكرية يف أوروبا أجنلرتا بالضبط، فتشبعوا بالثقافتني العربية و حتكم العامل بعد عصر النهضة،
الغربية، و قرروا جمموعة من القواعد التجديدية يف االني الشعر و النقد، و أنشؤوا كتابا نقديا ال يزال إىل اليوم
شعر و النقد، ميكن إجياز جمموعة من املبادئ مرجعا مهما يف جمال النقد العريب احلدبق، هو كتاب الديوان يف ال
اليت نادوا ا يف سبيل حتقيق التجديد، ففي جمال النقد قالوا بضرورة الذوق و الطبع و االبتعاد عن التكلف و
التصنع، اعتماد التقييم و التوجيه بعد التفسري و التحليل، و كذا االهتمام باملضمون و يأيت الشكل يف املرتبة
و كذلك اعتماد آخر ما وصل إليه التفكري العلمي و الفلسفي يف العامل العريب، و يف جمال الشعر جرى الثانية
احلديث حول جدة املوضوعات و كذلك وحدة البنية و ظهور الشعر املوضوعي القصصي و كذا التجديد يف
...اإليقاع و املوسيقى و كذا الرتكيز على التلميح دون التصريح
:تطبيقاتنصوص و
و على نفسها جنت براقش، فنحن نكتب هذه الفصول لنظهر لشوقي و من " يقول إبراهيم عبد القادر املازين
على شاكلته عجز حيام و وهن أسلحتهم و نضطرهم إىل العدول عن أساليبهم املستهجنة يأسا من صالحها
ال متوه على الناس أقدارهم إال ريثما تنكشف يف هذه األيام، إذ يعلمون أا ال تعصم من النقد الصحيح و
أسرارهم، و نقول لشوقي يف أن سنة اهللا مل جتر بأن يقوض الغابر املستقبل، و لكنها قد جتري بأن يقوض احلاضر
الغابر و املستقبل احلاضر، فإن كان يكربه أن يتنفس الناس اهلواء كما يتنفسه و ال يشتفي إال بأن يصغر الدهر
ة صاحلة فال شفى اهللا نفسه من غيظها و ال أبرد عليها وغرة قيظها، و إنه ليلذ لنا أن نكون حنن حربه من كل بقي
.88"و بالءه و أن نستطيع اإلدالة للحق من الباطل يف غرض من األغراض فإا لذة نادرة يف هذا العامل
داعية يف العصر احلديث و أهم انطالقا من النص وضح وجهة نظر أعضاء مدرسة الديوان يف الكتابة اإلب - *
الشروط اليت ترتبط ا؟
و لقد كان مما قيل يف املدينة احلديثة أن أقالم أدبائها إحدى احلواجز اليت " ويقول عباس حممود العقاد
فرد تصوا أن ترتد إىل العصور املظلمة و أا عصمة هلا من أن تستبد بعقوهلا عادة أو تسيطر على ميوهلا مصلحة
أو طائفة و أا سالح من أسلحتها املاضية ختشاه كل قوة و حيسب حسابه كل طاغية فأي عصمة ملصر يف
أقالم هؤالء املخططني و النظامني و هم ذه احلال من اخلور و املداجاة؟؟ إال أن العصا يف يد األكار ألنفع
.89"ولةملدينة مصر و أصون لسمعتها من كل قلم تشرعه تلك النفوس املهز
.من نص العقاد حدد الرافد الذي يراه مناسبا لالقتداء ؟ - *
.11الديوان يف األدب و النقد، ص : يم عبد القادر املازينعباس حممود العقاد و ابراه-88 .122الديوان يف األدب و النقد، ص : عباس حممود العقاد و ابراهيم عبد القادر املازين -89
ساعة و نصف :المدة
)لسانس ل م د (طلبة السنة الثانية : الفئة المستهدفة
:تمهيد
كان جلماعة الديوان الفضل الكبري يف إرساء دعائم النهضة، سواء تعلق األمر بالشعر أو بالنقد، و ذلك من
خالل ما قدموه من قضايا نقدية دف من خالهلا إلعادة رسم صورة جديدة هليكل القصيدة و كذا مضموا،
اإلجناز، إال أنه من الصعب إثبات زعامة وإن اختلف أعضاء اجلماعة مبا قدموه من سعي حثيث يف سبيل هذا
أحدهم يف مقابل اآلخر، و ألن نوازع النفس البشرية هي اليت تربوا فوق كل اجتماع مل تلبث هذه اجلماعة حىت
تفرقت، و صار من الصعب هو مواصلة االجناز يف ظل هذه املشاحنات اليت انتهت إىل عودة كل واحد منهم إىل
.عقاد يكتب وحده أفكارا ضمن املقاالتحيزه املعتاد و بقي ال
واية مرحلة الديوان مل تكن يف الواقع سوى بداية جديدة عرفت هذه املرة باسم آخر خمتلف هو مجاعة
أبولو، فباالنطالق من التسمية تتسع خميلة اإلدراك لدى السامع لتصل إىل أبعد فرتة زمنية وصلنا منها تيار النهضة
بوصفها -األساطري - ألمر يتعلق هنا باحلضارة اليونانية و أقدم النصوص اليت عرفت يف تلك الفرتةو التجديد، و ا
فيض من الدالالت الرمزية اليت أرشدت إليها سذاجة التفكري البدائي، مبا هو وجود يسعى إىل تثبيت ركائزه يف
هلة، هذا التصور امليتافيزيقي الذي حيمل عامل غريب خمتلف ال ميلك حوله أي تفسري، فتعلق األمر يف البداية باآل
يف ذاته الداللة على كل ما هو خارق و مفارق،و ذلك هو عزاء اإلنسان و هو وحيد يصارع قوى الطبيعة اليت
.تشعره باخلوف بسبب جهله ألسباا
المحاضرة السادسة-6
جماعة أبولو
ف، املهم أا تشغل ويكون أبولو إله من بني عديد اآلهلة اليت ارتبطت كل منها بوظيفة ما أو متعدد الوظائ
الفراغ الذي يفصل بني اإلنسان و الطبيعة من جهة، و بينه و بني القدر من جهة أخرى، فالقول بتسمية كهذه
ملدرسة ظهرت يف العصر احلديث يف العامل العريب حيمل يف ذاته جمموعة من الدالالت اليت يكون يف مقدمتها
، و حماولة من أعضائها الحتواء املاضي و احلاضر الغريب يف سبيل رسم االنفتاح و التأثر املفرط بالثقافة الغربية
.معامل التجديد
فكانت مدرسة أبولو ثاين املدارس بعد انتهاء مجاعة الديوان و تفككها، و ارتباط أبولو باسم اجلماعة دون
متعلق يف اجلماعة باالختالف بني املدرسة تفسريه يتشابه مع التفسري الذي ارتبط جبماعة الديوان، ذلك أن األمر
أعضائها، و هذا ما شهدته مدرسة الديوان و كذلك أبولو كما سيأيت ذكره فيما بعد، أما املدرسة فاألمر يتعلق
فيها بتوحيد هذه املبادئ و عدم االختالف حوهلا، فتلك االختالفات اليت ظلت رفيقة هذه اجلماعات من بدايتها
.ذي جعلها تسمى مجاعة بدل مدرسةحىت زواهلا هو السبب ال
ومدرسة أبولو حنت بدورها منحى التجديد و بقيت على عهدها مبا نادت به مجاعة الديوان، و ألن
االختالف سنة كونية، فكان هو ما مييز هذه اجلماعات بعضها عن بعض يف ظل تيار قادم من الغرب عنيف
مل العريب على جتنبه ألنه الوجود الذي تزداد حالته سوءا و يعم الوهن جيرف كل ما جيده أمامه، تيار ال طاقة للعا
جسده كله، بسبب املآسي و الصدمات اليت كانت مثرة ختلف جنته بانتساا للدولة العثمانية زمنا طويال، كان
ه و تصحيح األخطاء الرتكيز فيها منصبا متاما على إثبات قيادة هذه الدولة العلية، يف مقابل قام الغريب بتطوير نفس
اليت آمن ا يف عصوره الوسطى، فتميز بقدر استشعاره للنقص و ضرورة التغيري بدءا باملنظومة الفكرية وبعدها كل
.ااالت
فلم يكن االستعمار الغريب بالنسبة للعامل العريب سوى صدمة أيقظته من سبات عميق كان يعيش فيه
ال يف اآلن نفسه، فهذه اجلماعات اليت تقام يف املشرق العريب و خاصة يف مصر ال استعمارا صامتا و هادئا، و قات
جتد من مفر سوى اهلرب إىل حضارة الغرب، و القول هنا يتعلق بالفئة املثقفة اليت استطاعت أن تتقن اللغة
حضارم يأيت منبهرا م االجنليزية، أو متنح هلا فرصة اهلجرة و االطالع على واقع العامل الغريب، و كل مهاجر إىل
.مبا حققوه، و جيذم إليها قدرم على مقاربة األبعاد العلمية و الفلسفية لكل اجتاه
فكانت هذه اجلماعات تنتمي للتيار الرومانسي يف معظمها، ألن الكالسيكية يف تصورهم حمافظة، واحملافظة
لعريب هو السبيل الوحيد للخروج من واقعهم الذي صار مزريا عقبة حتول دون تطورهم، فكان التجديد يف العامل ا
و يتدهور األمر بالنسبة إليه كل حني، فجاءت هذه اجلماعات موغلة يف تبنيها للمبادئ الرومانسية، هذه املبادئ
اليت كان سر اجنذام إليها سحر التحرر الذي حيملونه شعارا لتفكريهم و شعرهم، و حىت حيام، فكانت
ارهم صدى لكل جديد حيمله الغرب، فارتبطت مجاعة أبولو بالرومانسية املتشائمة على غري عادة حركات أفك
التجديد يف العامل العريب، و األمر يتعلق بتدهور الواقع العريب من سيء إىل أسوأ، فكانت هذه الظروف هي
و كلها أصداء للرومانسية املتشائمة دعوى اإلميان ذا االجتاه الذي يقود األمل فيه إىل الفقد و احلرمان،
.باالنطالق من هذا الواقع
فلم تكن خترج صيحات التجديد يف العامل العريب عن الواقع الذي يعيشونه سعيا منهم للوصول إىل حل أو
قت من مفر خيلصهم من الواقع، و ضمن هذا التصور ارتبطت مجاعة أبولو بدورها بعديد القضايا النقدية اليت انطل
واقع الشعر الذي صار بدوره جتربة شعرية وجدانية و إنسانية يف الوقت نفسه، و صار الشكل وسيلة ال غاية يف
ذاته، و منه،
ما طبيعة هذه اجلماعة؟ و ما هو تاريخ نشأا؟ و أين مواطن التجديد يف شعرها و نقدها؟ و هل كانت حبق -
تفكك مجاعة الديوان و استحالة املواصلة بعد تفككهم و تشتتهم؟ وهل منفذا لتيار التجديد يف العامل العريب بعد
؟ كلها أسئلة - أبولو- هلا ما مييزها دون غريها من حركات التجديد؟ و ملاذا اختارت لنفسها هذا االسم بالذات
. ستحاول احملاضرة اإلجابة عنها يف هذا اجلزء املخصص حلركات التجديد
:هاجماعة أبولو و تاريخ نشأت-1
مجاعة أبولو مجاعة أدبية دعا إليها الشاعر " أوردت املعاجم األدبية ضبطا لطبيعة اجلماعة من خالل إيراد
، و أسند رئاستها إىل الشاعر أمحد شوقي، مث تقلدها خليل مطران، وجعل 1932أمحد أبو زاكي، و أسسها عام
، و بني يف عددها األول فكرة اجلمعية، 1925 نفسه كاتب سرها، و أصدر جملة بامسها ظلت تنشر حىت عام
وغايتها، و أسباب اختيار هذا االسم هلا، فأما االسم فقد استعري من امليثولوجيا اإلغريقية اليت تزعم أن أبولو رب
و لكن أبولو رب " الشعر و املوسيقى، و كأن هذه اجلماعة أرادت امسا عامليا هلا و لفنها، و يقول شوقي ضيف
ر، ال يفرق يف ربوبيته بني شعر و شعر، و ال بني مذهب فين و مذهب، و لعل هذا أول ما يالحظ كل الشع
على تلك اجلماعة، فلم يكن هلا هدف شعري و ال مذهب أديب معني، بل هي مجاعة كل شعر مصري، و من
مساعيل، صاحل أبرز أعضائها، علي حممود طه، إبراهيم ناجي، عبد اللطيف النجار، اهلمشري، حممود حسن إ
.90"و ملا مل يكن هلم مذهب معني و ال منهج واضح مل يكتب هلا البقاء...جودة، حممد عبد الغين حسن
أوبولو، " ويورد نفس املعجم توضيحا بشأن التسمية و اآلهلة اليت مت اختيارها لتكون بوابة و واجهة اجلماعة
عند اليونان، كما أنه يشفي من األمراض و جييد العزف على رب النور و املوسيقا و الشفاء و النبوءة و الشعر
آالت الطرب، و يعد أمجل آهلة اإلغريق، و هلذا ميثل حامال قيثارة، و الكتابة األبولونية تتسم بالرصانة و اجلدية
أية لغة واالتزان نسبة إليه، و هو اسم جلماعة من الشعراء أسسها أمحد زكي أبوشادي مبصر، ترى الشعر شعرا يف
بأحاسيسه و خياالته و حقائقه، تقدر الشعر املتجرد و املرسل و احلر و الرمزي كثريا، و ال تبخس القدمي قدره،
و خصصتها للشعر احلديث و نقده، و السمو بالشعراء و مناصرم 1932عام ) أبولو( أصدر جملة حتمل امسها
.91"هضني حلركتهاو توجيههم، و مل يقدر هلا العيش طويال لكثرة املنا
أبوللو هو إله النور واملوسيقى apollonienأبوللو" وعن أصل التصور اليوناين هلذا اإلله يذكر معجم آخر
و الشفاء و النبوءة و الشعر عند اليونان و الرومان، و صفة أبوللوين تستخدم لتصف كتابة تتسم بالرصانة ورباطة
، و النحلة املنتمية إىل أبوللو تفهم عادة على أا يف تضاد مع حنلة ديونيسوس اجلأش و االتزان و االنضباط الذايت
، كما يعزى إىل مدرسة أبوللو إحداثها 92"اليت متثل ما هو جامح مشوس مفتقد لالنضباط و االتزان يف احلياة
اليت كوا الشاعر مدرسة أبوللو" اجلديد و التغيري و النهضة يف الوطن العريب يف العصر احلديث، و عنها قيل
، و أحدثت آثارا كبرية يف النهضة األدبية املعاصرة، و 1932، عام )1955- 1892( الكبري الدكتور أبو شادي
قد دعا أبوشادي إىل األصالة و الفطرة الشعرية و العاطفة الصادقة و إىل الوحدة التعبريية و التناول الفين السليم
وحدة القصيدة و امتاز شعره جبدة املعاين، و بانسجام املوسيقى و التحرر للفكرة و املعىن و املوضوع، و دعم
البياين، و باخليال الغريب، و بالتأمل الصويف، و التعمق الفكري و النفسي أو الفلسفي، و جبوانب شعره اإلنساين،
و األجنبية يف لغتها، و بعدها مرحلة التأليف اليت وافقت ظهور الرتمجات األدبية، و من بني صور التقليد عند
و بعده ديوان النحلة يف الغرب 1895غرب، مليخائيل رستم الشويري سنةديوان الغريب يف ال" هؤالء نذكر
و ديوان 1905ديوان نسمات الغصون لسليمان داود سالمة سنة 1901للدكتور لويس صابوجني سنة
نفحات األرض لرزق حداد و قد أصدره بعد الديوان السابق، و هذه الدواوين و غريها من بواكري الشعر املهجري
التقليدي الذي ال خيرج عن التجارب القدمية مثل مدح السلطان و الرثاء و املعارضة لقصائد األقدمني، يف طوره
إال أن ذلك مل مينع أن تكون هناك بذور جديدة أمثرت بعد ذلك و ظهرت جلية يف نتاج كبار أدباء املهجر أمثال
.112"لوفجربان و أيب ماضي و نعيمة و القروي و شفيق املعلوف و فوزي املع
وانقسم أدب املهجر إىل جتمعني اثنني، أوهلما الرابطة القلمية و الثانية العصبة األندلسية، و هنا موضع
و كان نصيب العرب ثقافة وأدبا " للحديث عن الرابطة القلمية يف مشال أمريكا، فاحتسب للعرب ما قام به هؤالء
ن الثامن عشر، و شغلت التاسع عشر كله، و امتدت إىل القرن من هذه اهلجرات عظيما، و بدأت يف آخر القر
العشرين،حني تدفقوا يف أعداد كبرية على أمريكا، مشاهلا و جنوا و وسطها، و كان بينهم مجهرة ال بأس ا من
امل الشعر، املثقفني، و يف مهاجرهم نشروا االت األدبية، و أقاموا النوادي و أفادوا مما رأوه و قرؤوه، فجددوا ع
والنثر و النقد و رققوا أنغام القصيدة و أضافوا إىل حمتواها جديدا من الفلسفة الرؤى، و إىل أشكاهلا جديدا من
الصيغ و التصوير، مما جعل اجتاههم متميزا يف نطاق األدب العريب، و عرفوا باسم شعراء املهجر، و ترك ذلك
.113"منهم، أو اتصل م، أو عن طريق كتبهم و جمالم صداها واضحا يف الوطن العريب على يد من عاد
فأشارت كتب األدب املقارن عن أمهية أدب املهجر يف ترسيخ معامل التجديد يف الوطن العريب و أمهيتها يف
دب نقل اآلداب من أمة إىل أخرى بوساطة الرتمجة و تأكيد مبدأ التأثري و التأثر، بني األدب العريب املستقبل، واأل
.الغريب يف العصر احلديث
:تعريف الجماعة أهم روادها-2
هي أحد أطراف أدب املهجر الذي اختذ من موطن االغرتاب قطبا إلحداث التجديد يف األدب العريب، يف
الشعر و النثر معا، و يذكر صاحب املعجم املفصل يف األدب ضبطا دقيقا بالسنوات لكل ما يتعلق ذه اجلماعة
يف املهجر ) الرابطة القلمية( ولدت فكرة 1920نيسان 20الرابطة القلمية يف " ظهرت يف أمريكا الشماليةاليت
.15أدب املهجر، ص : صابر عبد الدائم -112 .57، ص 1987، 1:ط -القاهرة -األدب املقارن أصوله و تطوره و مناهجه، دار املعارف:كيالطاهر أمحد م-113
برئاسة جربان خليل جربان، و يعاونه ميخائيل نعيمة يف إدارا مستشارا ) الواليات املتحدة األمريكية( الشمايل
مال و هم إيليا أبو ماضي، نسيب عريضة، عبد ووليم كاتسفليس خازنا، و معهم سبعة أعضاء حيملون اسم الع
املسيح حداد، وديع باحوط، إلياس عطا اهللا، و مل يكن هؤالء خرية أدباء املهجر الشمايل، و لكنهم كانوا
لينثروا فيها أزهارهم، ) السائح( متقاربني يف امليول األدبية و الذوق الفين، و فتح عبد املسيح حداد هلم جريدته
ح، تصدر عددا ممتازا يف صدر كل عام، عاشت الرابطة إحدى عشر سنة، مث تبعثر أعضاؤها عام وكانت السائ
، فقد هجم املوت على جربان، مث رشيد أيوب مث إلياس عطا اهللا و نسيب عريضة، مث ندرة حداد، 1931
.114"فاآلخرين، و عاد نعيمة إىل قريته بلبنان، و توقفت السائح
م بنحوهم للمنحى الفلسفي يف كتابام، فكانت كتابام إىل جانب اجتاههم وقد متيزوا عن غريه
الرومانسي الوجداين، مصبوغة بالصبغة الفلسفية اليت كانت حتيل إىل ثقافتهم و كثرة قراءام و مواكبتهم للجديد
أيب ماضي، و نسيب و قد ملعت يف املهجر الشمايل أمساء جربان، و نعيمة، و " الذي يطرأ يف العامل العريب،
عريضة، و رشيد أيوب، و عبد املسيح حداد، و ندرة حداد، و الرحياين، و مسعود مساحة، و نعمة احلاج،
وأغلبهم من أعضاء الرابطة القلمية، و ضرب الشماليون يف أكثر الفنون األدبية، و شقوا طرقا و فنون جديدة،
فكانت أقاصيصهم و روايام من أجود ما عرفه األدب العريب وكان نثرهم شعرا رائعا ساحرا، و كتبوا يف القصة،
يف فن القصة، و ج أغلبهم يف آدام النهج الفلسفي، فقد متيز أدب جربان و نعيمة و أيب ماضي و الرحياين
، و قد حددوا جمموعة من القضايا اليت ميزم عن غريهم و من خالهلا أقاموا115"ونسيب عريضة بالنزعة الفلسفية
.املبادئ و األسس
:مواطن التجديد عند الرابطة القلمية-3
قبل البحث يف جديد الرابطة وجب وصف مؤلفام انطالقا من مبدأ االختالف، و حتديد مواطن اجلدة
و عن الرابطة القلمية صدرت األعمال األدبية " عندهم، و يتعلق األمر بقضية التأمل يف ما وراء اإلنسان و الوجود
ليت توضح إىل حد بعيد مدى إغراق املهجريني يف التأمل يف كل جماالت الوجود و ما وراءه و النفس اإلنسانية ا
والطبيعة و ما وراءها، و قيم احلياة من خري و شر وحب و بغض، و كان للشماليني يف هذه النزعة الباع الطويل،
الذي عبد به الطريق أمام األدباء اآلخرين و يف و يف مقدمتهم ميخائيل نعيمة بشعره و نثره و منهجه النقدي
.468األدب املقارن أصوله و تطوره و مناهجه ، ص :الطاهر أمحد مكي -114 .72املعجم املفصل يف األدب، ص :حممد التوجني-115
إذن فاألدب الذي هو أدب، ليس إال رسوال بني نفس الكاتب و نفس سواه و األديب ( كتابه الغربال يقول
.116"الذي يستحق أن يدعى أديبا هو من يزود رسوله من قلبه و لبه
األدب نفسه، و لذلك سعوا إىل إبعاد الصور عن فيكون شكل اللغة من هذا املنطلق يف الدرجة الثانية بعد
التكليف و التعقيد، باإلضافة إىل سهولتها و قدرا على إيصال املوضوع دون حواجز و عقبات، هذا هدفها،
وأبرز من ميثل الرابطة القلمية، ميخائيل نعيمة، و آرائه النقدية حول األدب، و هذا األفكار مت ختليدها يف كتاب
و كتاب الغربال مل يؤلفه " يد الطبعات اليت تؤكد صالبته يف مواجهة اجلديد، و هو كتاب الغربالصدرت له عد
األستاذ ميخائيل نعيمة دفعة واحدة وفقا للمنهج املرسوم، و إمنا هو جمموعة من املقاالت النقدية اليت نشرها
فهي مقدمة ) رواية التمثيلية العربيةال( املؤلف يف الصحف أو كتبها كمقدمات لبعض مؤلفاته مثل مقاالته عن
و ليس يف هذا ما ينقص من قيمة الكتاب و أمهيته يف شيء، فإن عددا كبريا ) اآلباء و البنون( ملسرحيته املسماة
من روائع إنتاجها األديب املعاصر ليس إال جمموعة من املقاالت اليت نشرها رواد أدبنا و نقدنا املعاصر يف الصحف
.117"و االت
وإصدار كتاب الغربال قد رافق فرتة الشباب عند ميخائيل نعيمة، و رغم ذلك أكد الكتاب يف كثري من
أن يؤكد أن ميخائيل نعيمة كانت قد توافرت لديه عندئذ من الثقافة و اخلربة باحلياة ما مكنه من أن " مواضعه
و هذا ما نشهده عندما نطالع ... وة احلق بل فتوهيستقر يف فلسفة ائية يف وظيفة األدب و يف منهج النقد مع ق
يف غرباله تلك احلمالت القوية العنيفة على أنصار األدب التقليدي و من يسميهم ضفادع األدب الذين كانوا وال
يزالون أحيانا يواصلون النقيق كلما عثروا بتجديد يف اللغة و وسائل تعبريها حبيث تستطيع أن تؤكد أنه إذا كان
ئيل نعيمة قد دعا بعد الغربال إىل النقد األديب فإننا ال نظن أنه قد أتى جبديد، فضال عن تأكدنا من أن روح ميخا
.118"التسامح ال بد أن تكون قد ضعفت من عنف و متسكه مبا يعتربه احلق و اخلري و اجلمال
دي، و رغم تقارب التاريخ الذي هذا، و قد اجتمعت الرابطة القلمية مع الديوان يف عدائها لالجتاه التقلي
و هناك مسألة تارخيية هامة جيب أن نفصل فيها " ظهر فيه الكتابان إال أن هذا ال يؤدي إىل تأثر أحدمها باآلخر
، و ظهر 1921يف وقتني بالغي التقارب، إذ زهر الديوان يف سنة ) الديوان و الغربال( أوال، و هي ظهور كتايب
.18أدب املهجر، ص :صابر عبد الدائم-116 .20،ص 1997 -مصر -عاصرون، ضة مصر للطباعة و النشر و التوزيعالنقد و النقاد امل:حممد مندور-117 .21املرجع نفسه، ص -118
يرميان إىل هدف واحد هو اهلجوم العنيف على مدرسة األدب التقليدي أي مدرسة ، و الكتابان1923الغربال
البعث، و الدعوة إىل أدب التجديد، قد يوحي بتأثري أحدمها على اآلخر، و لكن االستقراء التارخيي السليم يؤكد
.119"أن هذا التأثر املتبادل مل حيدث
نتبني أن منهج نعيمة النقدي هو املنهج التأثري الذايت، فهو وعن منهجه النقدي و من مقاله عن الغربالة،
إن لكل ناقد غرباله، و لكل موازينه و مقاييسه، و هذه املوازين و املقاييس ليست مسجلة ال يف السماء وال "يقول
طوره يف األرض، و ال قوة تدعمها و تظهرها قيمة صادقة سوى قوة الناقد نفسه، و قوة الناقد هي ما يبطن به س
من اإلخالص يف النية و احملبة ملهنته و الغرية على موضوعه و دقة الذوق و رقة الشعور و تيقظ الفكر، و ما أوتيه
، و هذه املقاييس هي ملك لكل ناقد 120" بعد ذلك من مقدرة البيان إليصال ما يقوله إىل عقل القارئ و قلبه
" ييس عن غريه ناقد فاشل و عاجز عن أداء وظيفته، فيجبعلى حد يتحكم فيها، و يعد الناقد الذي يأخذ املقا
أن يتميز بقوة التمييز الفطرية، تلك القوة اليت توجد لنفسها قواعد و ال توجدها القواعد، و اليت تبتدع لنفسها
فع مقاييس و موازين و ال تبتدعها املقاييس و األوزان، فالناقد الذي ينقد حسب القواعد اليت وضعها سواه ال ين
.121"نفسه و ال منقوده و ال األدب بشيء
كذلك يكون املنهج النقدي بالنسبة لنعيمة ليس وسيلة تفسري و تقييم فحسب، و لكن وظيفته اإلبداع
والوصول إىل ما مل يصل إليه حىت صاحب األدب نفسه، و باإلضافة إىل هذا يدعو إىل جمموعة من املقاييس اليت
الدعوة إىل شعر وجداين ذايت، احلاجة إىل اإلفصاح " قد و النقاد املعاصرون و هيفصل فيها صاحب كتاب الن
عن املشاعر النفسية، احلاجة إىل نور احلقيقة لالهتداء يف هذه احلياة، احلاجة إىل اجلميل يف كل شيء و احلاجة
نقيق ( حيث أخذ يهاجم يف مقاله " ، و حول اللغة حتدث نعيمة و هاجم املتزمتني بقواعدها122"إىل املوسيقى
األدباء و النقاد املتزمتني يف اللغة و قواعدها و علومها، و يرى يف تزمتهم هذا ما يشبه نقيق الضفادع، ) الضفادع
و ال تزال تستخدمها اإلنسانية كوسيلة و عنده أن اللغة ما هي إال جمرد رموز كغريها من الرموز اليت تستخدمها
لإلفصاح عما خيتلج يف النفس من فكر أو إحساس و حسبها أن تستطيع أداء هذه الوظيفة، بل من اخلري تبسيط
تلك الرموز إىل أقصى حد مستطاع، ألا كلها ازدادت تبسيطا ازدادت قدرة على حتقيق وظيفتها يف نقل الفكر
حد يف أمر واحد، وهذا من الشائع عن الناقدين أم قلما اتفق اثنان منهم يوما على رأي وا" ويقول كذلك
القول قريب من احلقيقة، إذا ملن يقصد به التهكم، ألن لكل ناقد غرباله، لكل موازينه و مقاييسه، و هذه املوازين
و املقاييس ليست مسجلة ال يف السماء و ال على األرض، و ال قوة تدعمها و تظهرها قيمة صادقة سوى قوة
طن به سطوره من اإلخالص يف النية، و احملبة ملهنته، و الغرية على موضوعه، الناقد نفسه، و قوة الناقد هي ما يب
و دقة الذوق، و رقة الشعور، و تيقظ الفكر، و ما أوتيه بعد ذلك من مقدرة البيان لتنفيذ ما يقوله، إىل عقل
و يعملون مبشيئته، القارئ و قلبه، فالناقد الذي توافرت له مثل هذه الصفات ال يعدم أناسا ينضوون حتت لوائه،
فيستحبون ما حيب، و يستقبحون ما يقبح، فيصبح، و هو وراء منضذته، سلطانا تأمتر بأمره، و تتمذهب مبذهبه،
.125"و تتحلى حباله، و تتذوق بذوقه ألوف من الناس
.ما هي حقيقة املقاييس النقدية اليت يتحدث عنها ميخائيل نعيمة - *
.16الغربال ، ص : ميخائيل نعيمة -125
ساعة و نصف :المدة
)لسانس ل م د (طلبة السنة الثانية : الفئة المستهدفة
:تمهيد
يعد العصر احلديث فتحا جديدا، على إثره مت الطعن يف كثري من املعتقدات اليت كانت سائدة، و أمهها تلك
املتعلقة خبرافة التفكري و سذاجته و متركزه حول امليتافيزيقا،و املعروف أن من أحىي احلضارات بعد املوات هو بعث
املهم المتناعهم عن التفكري باالعتماد على النحو أفكار فالسفة اليونان الذين كانوا يف عصرهم شواذ ع
األسطوري و املاورائي، و حنو منحى السبل األكثر قابلية للتصديق العتمادها على عامل احلس، و األمر بالنسبة
الواقع متعلق أكثر بأرسطو، ألن سبل البحث عند أفالطون تركز على العامل املثايل، و رغم ذلك / لعامل احلس
التفكري لكليهما و حجتهم يف ذلك البحث بوساطة العقل املنظم، و هو أحد أهم احملاور اليت حتدث تنسب سبل
.عنها أستاذهم سقراط
والعودة ملثل هذه املدونات و إعادة قراءا أحدث االنقالب و التغيري الكثري يف مجيع ااالت، و يف كل
لم التجرييب هو أكرب ما حققته هذه املدونات من إجناز بقي يعود اجتاه أدركته سبل التفكري البشري، و كان الع
John و جون لوك Galileoو غاليلوFrancis Baconبالفضل على البشرية كلها، فرانسيس بيكون
locke و دفيد هيومDavid Hume هؤالء كانوا بوابة العصر اجلديد مبا دحضوه من أفكار أسطورية ، /
أخرى مبا أحدثوه من جديد، إذ صار لكل ما يف العامل تفسري و تعليل و تقديري دينية من جهة، و من جهة
زماين و مكاين، بدل التفكري األسطوري الذي خيضع كل ما يف الوجود إىل تفسري ميتافيزيقي يتعلق األمر فيه
ي قدرته على مبجموعة من القوى اخلارقة، يكون اإلنسان فيها عبدا هلذه القوى، و ضعيف أمامها بطريقة تلغ
.التفكري
الثامنةالمحاضرة -8
النقد التاريخي
، )logos(ويف مقابل هذا جاءت حبوث العصر احلديث من أجل أن تثبت سيادة اإلنسان و مركزية عقله
وهو تطور لفكرة العقل املنظم كما وردت من قبل، و كل هذه املستجدات عملت على إحداث التغيري، تغيري
أساس احلكم على جودة أو رداءة العمل األديب، و هو طال فكرة الذوق و تذوق األعمال األدبية الذي كان
الشعار الذي كان سائدا أيضا يف العامل العريب و بدايات النقد العريب القدمي، و تأثرا بالفلسفة التجريبية مث وضع
حد ملعيارية التذوق و االلتفات إىل ضرورة وضع القوانني و القواعد تشبها يف ذلك بالعلم التجرييب، و ضرورة
.وضع هذه القوانني هو ما أرشد العامل إىل طريق املنهج سبيال يف الدراسة
فصار من الضروري التخلص من التقييم العفوي و استدعاء األدب إىل حقل العلوم التجريبية، وسيطهم يف
موعة من ذلك املنهج مبا هو سبيل مشرتك بني كل ااالت على اختالفها، و قد توىل كما يف كل اجتاه جم
املفكرين على عاتقهم مهمة البحث عن قواعد و سبل للدراسة العلمية هلذا النص األديب الذي أغرقت الذوقية يف
اختزاله، و اختزال عناصره، و احلكم عليه دون مراعاته، بل بالعودة لذاتية الناقد اليت حترمه حقه، و القول ببدايات
ملنهج النقد التارخيي سبيال و طريقا للدراسة، هذه الدراسة تعيد استثمار التفسري العلمي لألعمال األدبية هو طرق
كما أرساها البحث عند أرسطو و أفالطون و كما طورته البحوث العلمية فيما .. وسائل االستقراء و االستدالل
.بعد
خارجية، ال ميكن تفسري تؤمن هذه الدراسة بالعالقات اخلارجية لألعمال األدبية، و أا نتاج حميط و بيئة
هذه األعمال إال بالعودة هلذه الظروف جمتمعة، و ينتمي منهج النقد التارخيي من حيث تصنيف املناهج إىل
املناهج السياقية اليت ترجع األدب إىل سياق خارجي حمدد، و استنباط السبل العلمية يف الدراسة هو دعوى
زة و البعيدة عن النص األديب يف ذاته، و تنتقل الدراسة من النظرة اخلروج عن السبل الذوقية القاصرة و العاج
الكلية اليت تستدعي الذوق إىل النظرة اجلزئية اليت تتوىل مهمة تتبع الظاهرة عن طريق االستقراء و االستدالل الذي
.تكون وسيلته العلمية
ليس إال مرحلة أولية تلتها مراحل والقول ذه الظروف جمتمعة حول سبل الدراسة يف العصر احلديث،
عديدة طورت يف العلم انطالقا من صورته األولية كما وردت عند أرسطو يف الفلسفة التجريبية سعيا منها للوصول
إىل اليقني عن طريق تفسري النتائج املتوصل إليها، و منهج النقد التارخيي ظهر يف العامل الغريب و انتقل إىل العامل
ريق الرتمجة و أبواب التواصل اليت فتحت بعد احلركات االستعمارية و البعثات، و صار النهج على العريب عن ط
طريق الغرب منتهى التفكري عند العرب، خاصة بعد زوال سبب اإلبقاء على النقد الذوقي عند العرب، و األمر
لغة العربية عن أصلها الفصيح متعلق أوال بفقد الصفات اليت كانت متيز الناقد عن غريه و اختالف صورة ال
والسليم، و صار اجلمع بني شاعر و ناقد باملواصفات القدمية معادلة صعبة التحقيق لزوال أسباا، و زوال أسباب
.ارجتال الشعر مع إمكانية تدوينه
فصار االختالف هو سبب االنفصال من جهة عن تاريخ النقد العريب، سوى بعض صور إحياء البالغة
والنحو، و يكون االنبهار بالعامل الغريب هو مربر األخذ عنهم، و مسايرة آخر ما وصلت إليه البحوث عندهم
افظة و اإلصالح، الذين صاروا بدورهم لتفوقهم احلضاري الذي صار واقعا مفروضا سرعان ما أدركه حىت دعاة احمل
.من دعاة االلتحاق بركب احلضارة العلمية يف الغرب، و انطالقا مما سبق
ماذا يقصد باملنهج أوال؟ مث بالنقد التارخيي؟ و كيف نشأ و تطور عند الغرب؟ و ما هي أهم املبادئ اليت يقوم -
األسئلة جتيب عن مرحلة أولية بدئية انتقالية للنقد عليها؟ و ماذا عن تلقيه من طرف العامل العريب؟ كل هذه
الذي صار األدب من خالله عينة ميكن إدخاهلا حقل العلوم التجريبية و تطبيق خطوات البحث العلمي عليها من
أجل إخراج األدب من دائرة الذوقية و الذاتية، اليت قضت على األدب يف ضمن حكم ذايت نابع عن ناقد متذوق
.ألهم مواطن األدب و أسبابهو خمتزل
:في مفهوم المنهج-1
لغة، الطريق، و يف علم الرتبية، السبيل اليت يسلكها : املنهج" يضبط املعجم حدود املنهج من خالل القول بـ
مية املريب لبلوغ األهداف الرتبوية عن طريق التدريس و ضروب النشاط عامة، مبا يالئم البيئة و الثقافة، اخلطة العل
اليت يصفها الباحث، أو تضعها املؤسسة، لدارس موضوع أو قضية، و يتطلب نقاط منظمة و منسقة، تكون
و يقصد به دراسة خمتلف الظواهر synchroniqueاملنهج التزامين: النسق الذي ينتهج، و ينقسم إىل قسمني
و يقصد به diachronique: ي، و املنهج التطور descriptifيف مدة زمنية حمددة، و يطلق عليه الوصفي
.126"البحث يف الظواهر حبسب التطور الزمين املتعاقب، و لذا يقرن به مصطلح آخر هو التارخيي
فاألصل يف املنهج اعتماده على القواعد و القوانني املنظمة و املتناسقة اليت يعتمدها الباحث من أجل
و له السبيل اآلين و اآلخر التطوري الذي يعمل على تقصي حتقيق شروط العلمية يف الوصول إىل النتيجة،
method(e)،méthodeمنهج " الظاهرة زمنيا، و يذكر صاحب معجم الفلسفة حول املنهج ما يلي
.831املعجم املفصل يف األدب، ص :حممد التوجني-126
(f)بوجه عام، وسيلة حمددة توصل إىل غاية معينة، و املنهج العلميméthode scientifique خطة
: غية الوصول إىل كشف حقيقة أو الربهنة عليها، و املنهج التارخييمنظمة لعدة عمليات ذهنية أو حسية ب
méthode historique(f)،historical method (e) و هو منهج يعتمد على النصوص و الوثائق
اليت هي مادة التاريخ األوىل، و دعامة احلكم القوية فيتأكد من صحتها، و يفهمها على وجهها، و ال حيملها
، 127" و لذا يستعيد املاضي، و يكون أجزاءه البالية و يعرض منه صورة تطابق الواقع ما أمكن أكثر من طاقتها
فينتمي املنهج التارخيي إىل صميم الدراسة العلمية يف كل ااالت، بوصفها تركيزا على املراحل الزمنية املختلفة و
.عدم الرتكيز على احلاضر فقط
: la critique historique" نه يف جمال النقد، يقابل املنهج التارخييهذا عن املنهج بصفة عامة، و ع
التاريخ له معنيان، عام و خاص، املنهج العام ينظر يف البحوث اليت تنظر إىل الفرد يف عالقاته بالتطور البشري،
تماعي و السياسي ويف احلقل األديب يقتضي دراسة األديب أو احلركات األدبية العامة تبعا للتطور الفين و االج
والديين و استعمل هذا املنهج يف أملانيا و إيطاليا و فرنسا حبذر و قلما درست أسسه الفلسفية، و التأريخ باملعىن
اخلاص يأخذ من التأريخ أضيق دالالته أي ارتباط احلدث بزمن، و من مث تقسيم األدب إىل عصور و صفات كل
و ذلك لتتم الغاية و تتحقق السمة .. ن يعرض بصيغة الفاعل و املنفعلاألدب بصيغة املنفعل و إن كان الواجب أ
النقدية للباحث و الداللة على جترده و انعتاقه من موروث مل يعرف التاريخ إال حباكميه و مل يعرف األدب إال
.128"بالتبعية للحاكمني شأن كل احلاالت األخرى
ي إىل العصر احلديث بعد استثمار آخر ما وصلت إليه فالنقد التارخيي ذا الوصف منهج حديث ينتم
و التأرخيية النقدية ذا املعىن اخلاص الذي جيعل منها متجها حديثة النشأة، ألننا نعلم أن النقد " الفلسفة التجريبية
ه وهو قائما على قواعد أرسطو يف معياريت - كذلك–و ظل قرونا طويلة ) تقومييا، تقديريا( ظل قرونا طويلة حكميا
يف النص نفسه و يف العوامل املؤثرة يف النص و يف صلة النص بظروفه و زمانه، و إذا -على أي حال–ال ينظر
- ورد شيء عن عصر أو أديب فإنه يرد عرضا متقطعا و يعود االهتمام بتارخيية األدب هذه إىل القرن الثامن عشر
.195،ص 1983معجم الفلسفة، اهليئة العامة لشؤون املطابع األمريية ، :جممع اللغة العربية-127، 1:ط -بريوت لبنان -ؤسسة اجلامعية للدراسات و النشر و التوزيعالنقد األديب يف آثار أعالمه، امل:حسني احلاج حسن-128
.63-62، ص ص 1996
ر مبسبباا بعيدا عن التجرد أو العزل، و قد جرى و ما صحبه من فكر و فلسفة و ربط الظواه - عصر التنوير
.129" ذلك يف كل مكان يف أوروبا، و أمر فرنسا مشهور و ألملانيا مكان خاص من التارخيية
ويف الفرق بني التاريخ و النقد التارخيي تكمن أمهية الناقد، إذ هو يستطيع الفصل بني االني و إلزام نفسه
و املنهج التارخيي يف النقد، شأن أي منهج حساس، إذا فقد فيه " حدود النقد التارخيي لكي ال يستدرجه التاريخ
ر مؤرخا أو مجاعة و حكمه العصر مبقياسه و حكمه و صار صاحبه توازنه زلت به قدمه و اختل ميزانه و صا
-منذ البداية –النص األديب لديه مادة للتاريخ و مل يصر للتاريخ مادة للنقد، و يقتضي هذا أن حيدد الناقد
عالقته بالتاريخ، و هو ناقد له املؤهالت الالزمة، صميم عمله النص األديب مبا فيه من حياة العواطف و األخيلة،
و هو يستعني بتاريخ العصر و نظمه السائدة على استجالء النص األديب، و إدراك ما خبأة الزمن وراء حروفه،
من وقائع و أحداث و مواقع و أعالم، و حتديد ما كان أللفاظه ومصطلحاته - أو أشار إليه –والعلم مبا تضمن
.130" من دالالت خاصة
س غاية، وسيلة من خالل اعتماد أحداثه لتفسري النص األديب لكن دون فالتاريخ يف نظر الناقد وسيلة و لي
ميش أهم ما يشري إليه النص من عواطف و مشاعر و خياال كذلك من خالله يتشكل العمل األديب بوصفه
نصا خمتلفا عن نص الواقع مبا هو أحداث جمردة، فالناقد عليه أوال أن يدرك أن األحداث وسيلة تفسريية فحسب
.ليس هدفا يف ذاته، لكي تبقى اهلوة واسعة بني النقد التارخيي و التاريخ مبا هو عامل قائم بذاته و
:تاريخ النقد التاريخي-2
لعل من أشهر النقاد الذين ظهر لديهم التوجه العلمي التجرييب يف منهج دراستهم لألدب هو أرنست
-1849(و برونتيري)1893-1828(تنيو )1869-1804(و كذلك سانت بيف)1892-1823(دنيان
و لقد مضى هؤالء النقاد ينكرون التذوق األديب و الشخصي و كا ما يتصل بالذوق و أحكامه يف جمال )1906
دراسة األدب، و أخذوا يضعون قوانني ثابتة لألدب ثبات قوانني العلوم الطبيعية، قوانني تطبق على كل األدباء
، فسانت بيف إىل جانب حميط العمل اإلبداعي يغوص يف روح 131ل العناصركما تطبق قوانني الطبيعة على ك
.398، ص 1979، 1:ط -بريوت -مقدمة يف النقد األديب، املؤسسة العربية للدراسات و النشر:علي جواد الطاهر-129 .398مقدمة يف النقد األديب، ص :علي جواد الطاهر -130-، ص 86، قراءة حتليلية ملرجعيات منهج النقد التارخيي، جملة نزوى العدد )سلطنة عمانكانب من ( ينظر حمسن الكندي -1311-2.
املؤلف من أجل استجالء الدالالت، سبيله يف ذلك املنهج العلمي، عن طريق دراسة األدب دراسة تفصيلية يف
.عالقته ببيئته و ثقافتهم و أمزجتهم و تربيام
و هو كذلك مثل سانت بيف يؤمن باملنهج التجرييب، و هذا ،)اجلنس البيئة و الزمن( أما تني فجاء بثالثيته
:تفصيلها
اجلنس و هو جمموعة االستعدادات الفطرية اليت متيز جمموعة من الناس احندروا من أصل واحد، و حول البيئة
العادات ويقصد ا الوسط اجلغرايف و املكاين الذي أنشأ فيه أفراد األمة نشوءا بعدهم ميارسون حياة مشرتكة يف
واألخالق، و خبصوص الزمان و العصر يتعلق األمر باألحداث األساسية و االجتماعية اليت تكون طابعا عاما
، تارخييا تطور النقد التارخيي مثله مثل باقي املناهج إذ ساهم يف ذلك ثلة من النقاد، 132يرتك أثره على األدب
من النقاد الذين اتبعوا هذا " لصحافة و اجلامعة واضحاواألمر متعلق بداية األمر بسانت بيف، كما كان دور ا
املنهج الناقد الفرنسي املعروف بسانت بيف، كتب عن القرن السادس عشر و السابع عشر، و مل يدع العصر
يتحكم فيه و ينسيه مواهبه و جوانب األصالة، و الذي ساهم يف تطور النقد األديب خالل ذلك القرن، الصحافة
.133"ل على النقد األديب التارخيي، و اجلامعات أيضا شرعت تم بالدراسات التارخييةكان هلا الفض
" والنص األديب ال يرتبط بالتطور أو التخلف، و لكن يتعلق األمر فيه بالبحث عن مواطن لتفسري األدب
الناقد يتابع نقده يف ضوء و كل عصر له حلقات هلا صلة مبا قبلها و ما بعدها و ... وكما نعلم أن التاريخ عصور
التاريخ هلذه العصور، و يقتضي النقد أن يربط بينها و يربط تطور الظاهرة األدبية من عصر إىل عصر سلبا أو
و ما متيز به عصر من عصر، و ما كان هلذه الروابط من عالقة بنظائرها يف التقسيم الزمين على األساس ... إجيابا
زم باخلضوع إىل التقسيم السياسي، فقد تضعف الدولة أو األمة سياسيا السياسي، و هو بال شك غري مل
، رغم أن العالقة 134"واقتصاديا و إداريا و يبقى األدب قويا و قد تضعف الدولة أو األمة و يبدو األدب ضعيفا
و صحيح أن " بني األدب و الواقع دياليكتيكية، الواقع يؤثر يف األدب، و األدب بدوره يعود ليؤثر فيه، و هكذا
الناقد يرصد مدى ما عرب عنه كل أدب عن عصره، و ما أثر كل عصر يف أدبه، و لكنه غري ملزم بالنتاج الضعيف
يدافع عنه بعوامل الزمن أو مينحه القوة منحا شخصيا بالنسبة إىل الظروف احمليطة، و الواجب عليه أن يبقى
.2، ص ، قراءة حتليلية ملرجعيات منهج النقد التارخيي)كانب من سلطنة عمان( ينظر حمسن الكندي -132 .63النقد األديب يف آثار أعالمه، ص :حسني احلاج حسن-133
.64املرجع نفسه ، ص -134
لظهور يف زمنه و مل يدرك معاصروه و أبعاده و معانيه، الضعيف على ضعفه و ينتشل القوي الذي مل جيد فرصة ا
.135"و يرعى رعاية خاصة النصوص العميقة اليت استوعب ا أصحاا عصرهم و ضمنوها عناصر البقاء بعده
وقيمة الواقع عند الناقد تكمن يف االستعانة باحلقائق لكي ال حييد عن جادة الصواب و هو يدرس النص
الناقد يدرس التاريخ و يدرس األدب على أساس من العصور، " ربطا وثيقا بني النص و العصر األديب، فريبط
والقرون، و يقابل بينها و يرى احلدود اليت يتصل فيها األدب بالعصر و احلدود، و مهه األول النص األصيل
ره أنه استغىن بالعصر على يكتشف أسراره و ال جيد ذه الطريقة من يهامجه، ألنه بقي ناقدا، و كل ما يف أم
الفهم و التفهم و حفظته معرفته من الشطوح و البعد عن احلقائق، إن التاريخ لدى الناقد وسيلة للنقد، و نقده
، و على الناقد أيضا أن ينفصل عن عصره، و يتحدث باسم العصر 136"بال ريب تأرخيي يف حدود هذه الدائرة
مال األدبية تابعا حلالة العصر الذي هو فيه، فتختلف الوسائل عند الذي كتب فيه األدب و يبقى تقييم األع
.الناقد باختالف العصر، و عليه أن يتسلح بوسائل العصر الذي يعيش فيه
و اشتهرت " كما كان لسانت بيف حضور يف كتابة السرية النقدية، و األمر كذلك متعلق فيها بالتاريخ
و يف منتصف القرن املاضي بدأ سانت بيف بنشر أحاديث biographieهج أوروبا بالسرية النقدية على من
االثنني موجزها إن دراسة النقد احلق بنظره يتكون من دراسة كل مؤلف حسب أحوال طبيعته لكي يقيم له وصفا
، و الدراسة التارخيية 137" فيما بعد و يف موضعه الصحيح من سلم الفن–حيويا حافال حىت ميكن أن ينزل
نهجها هذا تؤمن أنه ال ميكن احلديث عن شيء دون االطالع على ظروفه و أسبابه و تلك قيمة الدراسة مب
التاريخ " التارخيية، والرتكيز على األثر سببه انعدام الدليل على الزمن بغيابه و يصبح التاريخ فرتات زمنية متطاولة فـ
السلف و أفعاهلم، و القليل جدا من هذه األفعال و يصنع من وثائق، و الوثائق هي اآلثار اليت خلفتها أفكار
األفكار هو الذي يرتك آثارا حمسوسة، إن وجدت فنادرا ما تبقى، ألن عارضا بسيط قد يكفي لزواهلا، و كل فكرة
أو فعل ال خيلف أثرا، مباشرا أو غري مباشر، أو طمست معامله هو أمر ضاع على التاريخ، كأن مل يكن البتة، و
.64املرجع نفسه، -135 .64النقد األديب يف آثار أعالمه، ص :حسني احلاج حسن -136 .65املرجع نفسه، ص -137
الوثائق صار تاريخ عصور متطاولة من ماضي اإلنسانية جمهوال أبدا، إذ ال بديل عن الوثائق، حيث ال بفقدان
.138"وثائق فال تاريخ
:النقد التاريخي عند العرب-3
وإىل جانب سانت بيف نبغ يف النقد التارخيي تني و قد تأثر به طه حسني كثريا، و هو ما أدى إىل ارتباط
ذكرى أيب ( و من يطلع على مذهب تني كما حدده طه حسني يف " بطه حسني يف العامل العريب النقد التارخيي
دون أن يذكر صاحبه، و ما قاله عن ذلك فيما بعد يف األدب اجلاهلي، و مل يبق لديه شك يف تأثر طه ) العالء
اجلنس و البيئة و الزمان ترغمه حسني بتني فعلى غرار تني الذي يرى أن الكاتب أو الشاعر ما هو إال أثر ملؤثرات
على أن يصدر ما كتب أو نظم من آثار، خيربنا طه حسني بأنه لن يدرس حياة أيب العالء وحدها ، و إمنا يريد أن
يدرس أيضا، حياة النفس اإلسالمية يف عصره، ذلك أنه يعتقد أن حكيم املعرة و ما له من آثار ما هو إال حمصلة
.139"اله و ارتوى من معارفه و آدابه و عارك طوائفه و رجاالتهلعصر كابد أحداثه و أحو
و هذه العلل منها ما هو " وعاد للعلل اليت أثرت يف املعري ليحددها انطالقا من منهجه يف الدراسة و هي
مادي و ما هو معنوي، و من العلل املادية البيئة الطبيعية، كاعتدال اجلو و صفائه، و خصب األرض و مجال
و من العلل املعنوية مثال ظلم احلكومة و جورها، و جهل .. الرىب، و رقة املاء و عذوبته، و نقاء الشمس و ائها
األمة و مجودها، و شدة اآلداب املوروثة و خشونتها و هذه العلل تشرتك يف تكوين الرجل و تنشئ نفسه، بل
ملتتبع لكتابات طه حسني إتباعه التيار العلمي ، و يالحظ ا140"وتلهمه أيضا، و ما يعن له من خواطر و آراء
و لقد أعلم أن ) " جتديد ذكرى أيب العالء املعري( وأعراضه عن السبل التقليدية يف النقد، يقول يف مقدمة كتابه
ناسا قرأوا هذا الكتاب فدفعوا أو اندفعوا إىل نقده بعلم أو بغري علم، خملصني و غري خملصني، و لقد كنت أود لو
ت فيما كتبوا شيئا يستحق أن يسطر أو يناقش، و لكين آسف األسف كله ألين مل أجد فيما كتبوه إال شتما وجد
و سبا، و إال طرقا يف الفهم معوجة، و مناهج يف التفكري عتيقة، فمن الواجب علي لنفسي و للقراء أال أضيع
لص ال يدعوه إىل نقده إال حب العلم و الرغبة الوقت يف العناية بذلك و مناقشته، و مازلت أنتظر نقد الناقد املخ
، 4:ط -الكويت–عبد الرمحن بدوي، وكالة مطبوعات : النقد التارخيي، ترمجة: الجنلواوسينوبوس و بول ماس و امانويل كانت-138 .5،ص 1981
يف بداية العصر احلديث وجممل القول، يرتبط النقد التارخيي بسبل الفلسفة العلمية التجريبية اليت ظهرت
كصورة استثمرت سبل أرسطو يف االستقراء و االستدالل، و احلديث عن هذا النوع من النقد هو استحضار
.ملفهوم املنهج بوصفه ذا داللة مزدوجة تتعلق األوىل باملنهج الوصفي و الثاين باملنهج التارخيي
ي يف جمال النقد لكل من سانت بيف و تني و برونتيري تنسب البدايات األوىل الستخدام املنهج التارخي
Brundtaar .. و قد حاول كل واحد منهم إحداث اجلديد بإدخال العلم التجرييب يف جمال النقد رغبة منهم
بتفسري األدب باالعتماد على الظروف اخلارجية اليت يتدرج القول فيها باختالف العصور، و كان العامل العريب
استقبال هذا اجلديد تأثرا ذه الشخصيات الرائدة، من بينهم نذكر طه حسني يف كتابه جتديد ذكرى كالعادة يف
أيب العالء املعري و يف األدب اجلاهلي، صار األدب فيها رؤيا شاملة حتكي عن حياة و أخالق و طبائع و أمزجة
.جداينشعوب بأكملها دون ميش أهم ما مييز العمل اإلبداعي و هو اجلانب الو
:نصوص و تطبيقات
حنن بني اثنني، إما أن نقبل يف األدب و تارخيه ما قاله القدماء، ال نتناول ذلك من " ... يقول طه حسني
أخطأ األصمعي أو أصاب، : النقد إال ذا املقدار اليسري الذي ال خيلو منه كل حبث و الذي يتيح لنا أن نقول
هتدى الكسائي أو ضل الطريق، و إما أن نضع علم املتقدمني كله موضع حبث، ووفق أبو عبيدة أو مل يوفق، و ا
لقد أنسيت، فلست أريد أن أقول البحث و إمنا أريد أن أقول الشك، أريد أال نقبل شيئا مما قال القدماء يف
ق بني هاذين األدب و تارخيه إال بعد حبث و تثبت إن مل ينتهيا إىل اليقني فقد ينتهيان إىل الرجحان، و الفر
املذهبني يف البحث عظيم، فهو الفرق بني اإلميان الذي يبعث على االطمئنان و الرضا، و الشك الذي يبعث
على القلق و االضطراب و ينتهي يف كثري من األحيان إىل اإلنكار و اجلحود، املذهب األول يدع كل شيء حيث
يف مجاله و تفصيله إال مسا رفيقا، أما املذهب الثاين فيقلب تركه القدماء ال يناله بتغيري و ال تبديل و ال ميسه
.145"العلم القدمي رأسا على عقب، و أخشى إن مل ميح أكثره أن ميحو منه شيئا كثريا
.عن أي منهج يتحدث طه حسني يف هذا النص - *
و أول شيء أفجؤك به يف هذا احلديث هو أين شككت يف قيمة الشعر اجلاهلي و أحلحت " ويقول أيضا
يف الشك، أو قل أحل علي الشك، فأخذت أحبث أفكر و أقرأ و أتدبر، حىت انتهى يب هذا كله إىل شيء إال يكن
.3، ص 1926شعر اجلاهلي، دار الندوة، يف ال: طه حسني-145
اهليا ليست من اجلاهلية يف شيء، و إمنا يقينا فهو قريب من اليقني، ذلك أن الكثرة املطلقة مما نسميه شعرا ج
هي منتحلة خمتلفة بعد ظهور اإلسالم، فهي إسالمية متثل حياة املسلمني و ميوهلم و أهواءهم أكثر مما متثل حياة
اجلاهليني، و أكاد ال أشك يف أن ما بقي من الشعر اجلاهلي الصحيح قليل جدا ال ميثل شيئا و ال يدل على أي
ي االعتماد عليه يف استخراج الصورة األدبية الصحيحة هلذا الشعر اجلاهلي، و أنا أقدر النتائج شيء، و ال ينبغ
اخلطرة هلذه النتيجة و لكين مع ذلك ال أتردد يف إثباا و إذاعتها، و ال أضعف عن أن أعلن إليك و إىل غريك
م أو عنرتة ليس من هؤالء الناس يف شيء، من القراء، أن ما تقرؤه على أنه شعر امرئ القيس أو طرفة أو ابن كلثو
و إمنا هو انتحال الرواة أو اختالق األعراب أو صنعة النحاة أو تكلف القصاص أو اخرتاع املفسرين و احملدثني
.146"واملتكلمني
.ناقش االجتاه الذي سلكه طه حسني يف قراءة النصوص اجلاهلية - *
.6املرجع نفسه، -146
ساعة و نصف :المدة
)لسانس ل م د (طلبة السنة الثانية : الفئة المستهدفة
:تمهيد
جرى احلديث دائما عن ريادة احلضارة اليونانية و عودة كل املعارف إىل جذور التفكري عند أفالطون
وأرسطو، و قد ردد ذلك النقاد يف عصر النهضة و قالوا بسيطرة التفكري األرسطي على الساحة النقدية ردحا من
ة األوىل املتعلقة مباهية األدب، و رغم أن بدايات الزمن، و األمر يتعلق هذه املرة باالجتاه االجتماعي و املقول
التفكري عند اإلنسان متحورت حول الفلسفة و مناقشة إشكالية الوجود، و كذا السعي وراء إعطاء مفهوم و تصور
للعامل املثايل و الواقعي، بقيت وسيطا قائما مشل كل املوجودات و الظواهر مبا يف ذلك األدب بوصفه ظاهرة
.ستدعي البحث عنهاإبداعية ت
فالقول حول احملاكاة يف احلضارة اليونانية عند أفالطون تعلق يف بداية األمر بتلك الصورة الباهتة و املشوهة
اليت يظهر من خالهلا العامل املثايل يف الواقع، و األمر خيص كل ما فيه من موجودات و السعي هنا دائم لتأكيد
املثايل، و يف مقابل القول بالنقص و التغري الذي ينسب للعامل الواقعي مبا هو عامل الثبات و الكمال على العامل
مشوه، و هذه الفكرة مت تطويرها يف ما بعد ليقارب األمر مسألة الفن و هو حمور الواقع الذي ينتمي إليه األدب،
احملاكاة عند أرسطو، و على فدارت األفكار األولية حول تطوير األدب للواقع أو احمليط و هذا ما فصلت فيه
اختالف و تفرد فكرة احملاكاة عند أرسطو مبا تزعمه، إال أن األمر متعلق باالنطالق من هذا الواقع سعيا لرسم
.مالمح هذا الفن أو األدب، و يكون الفاعل هذا الفنان أو املبدع
المحاضرة التاسعة-9
النقد االجتمـــــــــــــــــــــــــاعي
ما يقال أول كتاب يقرؤه اإلنسان فيأخذ فمنذ البدايات األوىل ارتبطت مادة األدب بالواقع، ألن الطبيعة ك
عنه العلم و اخلربة و التجربة، و ظل الوجود باختالف عصوره ملهم اإلنسان و مرجعه يف اإلبداع و التميز، فأفق
التفكري عند اإلنسان حتده حدود العامل حوله و يضيق هذا التصور إذا غابت عنه الطبيعة مبا تطرحه من جديد،
صور عند أرسطو هو االنطالق من فكرة النقص أو التغري الذي هو مسة الواقع و خاصيته، فهذا واالنتقال يف الت
التعدد و االختالف الذي يطرحه الوجود، و هذه احلدود الدقيقة اليت تفصل بني األشياء فتؤدي إىل اختالفها هي
الواقع و حياوره لريسم له صورة من منهل اإلبداع عند اإلنسان، و يف حماولته للتعبري عن هذا الواقع هو حياكي
وجهة نظره هو، فيكتب عن هذا الواقع و حياول أن يرمم النقص املوجود يف هذا الواقع بوساطة اللغة، فتكون
.الصورة املبدعة أكثر اكتماال من الواقع ذاته
قع بدوره يؤثر يف األدب وليس مطلقا هو تعلق الفن بالواقع عن طريق إمتام النقص املوجود فيه، و لكن الوا
إذ مينحه رؤى و تصورات بغية اإلبداع، فيكون األصل يف العالقة اليت جتمع بني األدب و الواقع جدلية، هو يتأثر
بالواقع و يعود الواقع ليؤثر فيه، و تلك هي العالقة األزلية اليت جعلت األدباء و النقاد يفسرون األعمال األدبية
ي يكون سبب الكتابة، فرغم أن املنهج االجتماعي حديث النشأة إال أن القول مببادئه انطالقا من واقعها الذ
األدب بالواقع قبل أن توضع مبادئه الواضحة يف العصر احلديث و عده منهجا نقديا / قدمية قدم ارتباط الفن
نهج االجتماعي و املنهج سياقيا، يكون تفسري األدب فيه انطالقا من عوامل خارجية، و هنا يطرح التقارب بني امل
التارخيي، ذلك أن األمر يف كليهما يتعلق بالبيئة احمليطة باألدب، و منه القول بالتيار العلمي الذي ينتمي إليه
.كالمها
فالتفسري و التقييم وفق املنهج االجتماعي يستعري بدوره آليات العلم التجرييب من استدالل و استقراء يف
األديب، و لكن ما يفصل املنهج األول عن الثاين هو سبيل تتبع الظاهرة، فاملنهج التارخيي هو سبيل دراسة العمل
األخذ بالسبيل التطوري أو التعاقيب يف تفسري األدب انطالقا من ربطه مبحيطه و واقعه، فيكون املنهج التعاقيب
الدراسة الوصفية اآلنية اليت يكون الواقع وسيلته يف الدراسة، بينما األمر بالنسبة للمنهج االجتماعي فمتعلق ب
احلايل و اآلين فيها السبيل األجنع يف الدراسة، و سلطة التصور الفين لألدب دلت عليه املناهج النقدية، إذ ال تربح
إال و تعود لالعتقاد ذه العالقة و استحالة الفصل بني األدب و الواقع و هذا ما صورته نظريات عديدة قبلية
ة من نظرية احملاكاة عند أفالطون و أرسطو و بعدها نظرية االنعكاس و االعتقاد عند املاركسية و اجلدلية وبعدي
و هيبوليت Madame de Style املادية، وصوال إىل ظهور املنهج االجتماعي و جمهودات مدام دي ستايل
و أخريا تعلق األمر بالنظرية البنيوية اليت ما لبثت أن وجدت خمرجا George Lukatsتني و جورج لوكاتش
لألدب يوجزه االعتقاد بوجود مرجع داخلي يتكئ عليه النص األديب، و ظهور ما يسمى بالنقد الواقعي الذي كان
.صورة متطورة للمناهج االجتماعية إذ ترجع األدب إىل الواقع اخلارجي
عريف املنهج االجتماعي؟ و ما هو تاريخ نشأته؟ و ما هي النظريات اليت ساعدت ما هو ت - وانطالقا مما سبق
على إرساء دعائمه؟ و ما هي اهودات اليت أوجدته منهجا قائما بذاته يف العصر احلديث؟ و ما ذا عن تأثر
لنقد العريب احلديث عند العامل العريب به؟ و ما هي أهم األمساء النقدية اليت ارتبطت به؟ و هل كان له األثر على ا
.زعمائه؟
كلها أسئلة حتاول أن تضبط حدود املنهج االجتماعي و جل التصورات اليت ظهرت حوله، بدءا بالصور
األوىل و انتهاء بالصورة املكتملة يف العصر احلديث كاستجابة ملتطلبات املنهج العلمي التجرييب، دون الرتكيز على
ذلك التيار الذي يؤمن باالنتماء املطلق لألدب إىل هذا العامل الواقعي الذي يلهمه و يتوقف انتماء هذا النقد إىل
.تفسري األدب على استدعائه
:في مفهوم المصطلح-1
يرى رواد النقد االجتماعي أن عالقة النقد األديب باملنهج االجتماعي وثيقة، إذ تؤدي كل اجتاهاته هدفا
إن النقد األديب حسب زميا " Pierre Zima ع يف آن، و هذت ما يراه بيري زميايكشف عن األدب و اتم
ليس إال دراسة سيميوطيقية أو أسلوبية مبنظور اجتماعي، و تنطلق دراسته بصفة أساسية من حتليل اخلطاب
، حتمل خصائص االجتماعي أو اللهجات اجلماعية يف النص، باعتبارها بىن اجتماعية باملاهية/ اللغوي أو اللغوي
اللحظة التارخيية اليت تنتمي إليها، فمن حتليل األسلوب أو اللغة داخل النص يصل إىل الدراسة الرتكيبية الداللية
املتكاملة القادرة على كشف النص و اتمع يف نفس الوقت، و دون انفصال، و هو ذا يواصل جبهد ملحوظ
روايات، إجناز ميخائيل باختني و غريه من منظري االجتاه اهلام الذي ومفيد، خاصة يف الدراسات التطبيقية على ال
يبحث عن العالقة االجتماعية داخل البىن النصية، باعتبار أن العالقة بني اتمع و النص، ليست عالقة انفصال
.147" أو تأثري و تأثر و إمنا هي عالقة كمون بصفة أساسية
أمينة رشيد، سيد البحراوي، دار : عايدة لطفي، مراجعة: ،ترمجة)حنو علم اجتماع للنص األديب( النقد االجتماعي:بيري زميا-147 .9، ص 1991، 1:ط -القاهرة -الفكر للدراسات و النشر و التوزيع
الجتماعي عند زميا وثيقة، جتعل يف األصل عالقة أولية بني األدب و اتمع، وعالقة النقد األديب باملنهج ا
إن النقد االجتماعي للنصوص " و يفصل بيري زميا بني مصطلحني كثريا ما يكون هناك تقارب يف استعماهلما
sociocritique و علم اجتماع النص مها مرتادفان، و أن كلمةsociocritique ،النقد االجتماعي
sociologie du texte) علم اجتماع األدب( حت أكثر تداوال من غريها ألا أقصر من مصطلحأصب
لشارل مورون، فإن املدخل املقرتح هنا psychocritiqueعلى الرغم من أنه يذكرنا بالنقد النفسي للنصوص
.148"ال يقرتب من مدخل مورون إال يف االعتناء عموما بوضع البنيات النصية يف االعتبار
ورغم التقارب يف استعمال املصطلحني يف حقل النقد إال أن النقد االجتماعي للنصوص أقرب إىل حقل
هذه اجلهود لفهم " النقد، ألنه ال يهدف إىل العلمية بقدر ما يستعملها وسيلة قصد تقييم العمل األديب، يقول
ان إىل التقييم، و هذا ال يرفع بالضرورة وشرح النص دخل موقف اجتماعي و لغوي خاص تؤدي يف أغلب األحي
مسألة معرفة إذا كان اإلنتاج األديب جيدا أو سيئا، إنه يسعى باألحرى إىل إظهار األوجه اإليديولوجية للنص
النقد االجتماعي للنصوص، sociocritiqueومتييزها عن مساواا النقدية داخل هذا السياق، فإن التعريف
الذي هو أكثر حيادية و ال يتبقى sociologie du texteة من علم اجتماع النص يبدو أيضا أكثر مالءم
.149"غري استخراج وجهة النظر اليت بدءا منها يتم نقد النص و اتمع
وجممل اآلراء تذهب املذهب االجتماعي و ترى يف األدب صورة تمع حيده الزمان و املكان و اإلبداع
يبدأ النقد االجتماعي ملبدأ يقول إن عالئق الفن باتمع ذات أمهية حيوية، و أن " يربحهخيلق داخل هذا احليز ال
تقصي هذه العالئق قد ينظم استجابة املرء اجلمالية إىل عمل من أعمال الفن و يعمقها، إن الفن ال يتخلق يف
يستجيب تمع هو منه يف فراغ و إنه ليس من عمل شخص حقا، بل من عمل خالق حمدد يف الزمان و املكان،
القمة، ألنه جزؤه الناطق، فالناقد االجتماعي، إذن، يعين بفهم الوسط االجتماعي و مدى استجابة الفنان له
.150"وطريقته
، ص أمينة رشيد، سيد البحراوي، : عايدة لطفي، مراجعة: ،ترمجة)حنو علم اجتماع للنص األديب (النقد االجتماعي:بيري زميا -148 .12-11ص
.13، ص املرجع نفسه -149عناد غزالن إمساعيل و جعفر : ترمجة و تقدمي و تعليق)مقاالت معاصرة يف النقد( مخسة مداخل للنقد األديب:ويلربس سكوت-150
.135، ص 1984للنشر، صادق اخلليلي، دار الرشيد
غري أن الفرنسي تاين هو الذي أوصله إىل كماله مبقولة " ويرد تعريف آخر لألدب يقرب النقد االجتماعي
، و القول بالعالقة بني األدب و اتمع عام ال 151"لة الفرتة، و العنصر و الوسطالشهرية بأن األدب حصي
إن النزوع إىل ربط الفن بالقيم " يقتصر على عامل دون آخر و لكن الفكرة متداولة بني مجيع األمم على اختالفها
و جاك لندن و هاملني االجتماعية أمر طبيعي، و لعله جوهري يف احلركة الواقعية، و يف أمريكا عين هويلز،
كارالند، و فرانك نوريس بالعالقة بني األدب و اتمع، عندما استعاض الناقد بالنظرية االجتماعية أو السياسية
و جد أن لديه نظرة متكاملة عن مقادير عظيمة من األدب، و هكذا جاء مؤلف جون ) جمتمع( عن مصطلح
لى وجهة النظر االشرتاكية، فيما جاءت قوة تيارات رئيسية يف ، معتمدا ع1908) روح األدب األمريكي( ماكي
، و كذلك جاء ضعفها، يلتزم املؤلف الليربالية اجلفرسونية، و ال شك 1927الفكر األمريكي بقلم بارينكتون يف
ات ك و ييل، كانوا يفكرون ضمنيا يف الـأقل، يف تأثري .أن الناقدين األوائل يف عصرنا، أمثال راندولف بورن، ت
، هذا حول النقد االجتماعي، أما عن تاريخ ظهوره، و مجلة النظريات اليت أرهصت لظهور 152"اتمع يف الفنانني
النظرية يف العصر احلديث، فالعود فيها بادئ األمر إىل الفرتة اليونانية و النظريات األوىل اليت حيكت حول
.األدب
:تاريخ النقد االجتماعي و إرهاصاته-2
عود البدايات األوىل لالعتقاد بالعالقة الوثيقة بني األدب و الواقع إىل نظرية احملاكاة عند أفالطون وأرسطو، ت
على اختالف كل منهم يف تقديره لوظيفة الفنان أو األديب، غري أن األصل يف الفكر الذي انطلق منه كل منهما
الشعر نوع من احملاكاة، و هو يستخدم املصطلح ذاته، يرى أرسطو بأن " هو االعتقاد بتصوير األدب هلذا الواقع
الذي يستخدمه أفالطون لكنه مينحه مفهوما جديدا متباينا عن مفهوم أفالطون الذي كان يرى أن الشعر حماكاة
للمحاكاة و بالتايل فهو صورة مزيفة و مشوهة عن عامل املثل أو احلقيقة اخلالصة، و إذا كان أفالطون قد عمم
حملاكاة على كل شيء يف الواقع أو يف العامل الطبيعي، فإن أرسطو قد قصر مفهوم احملاكاة على الفنون، مفهوم ا
.153"كما رفض أرسطو رأي أستاذه القائل بأن احملاكاة نقل حريف ملظاهر الطبيعة
.135املرجع نفسه، ص -151 .136، ص )مقاالت معاصرة يف النقد( مخسة مداخل للنقد األديب:ويلربس سكوت -152، 1:،ط -بريوت لبنان –يف نظرية األدب، دار املنتخب العريب للدراسات و النشر و التوزيع :شكري عزيز املاضي-153
.32،ص 1993
أن األديب حني حياكي فإنه ال ينقل فقط بل يتصرف يف هذا " ويف هذه النقطة خيتلف عنه أرسطو، فريى
املنقول، بل ذهب أرسطو أبعد من ذلك حني قال بأن الشاعر ال حياكي ما هو كائن و لكنه حياكي ما ميكن أن
تقاد بتصوير األدب للواقع مطلقا إىل ، كما يعود االع154"يكون أو ما ينبغي أن يكون بالضرورة أو االحتمال
أستندت نظرية االنعكاس يف تفسري األدب نشأة و ماهية و وظيفة إىل الفلسفة الواقعية املادية، " نظرية االنعكاس
هذه الفلسفة اليت ترى بأن الوجود االجتماعي أسبق يف الظهور من وجود الوعي، و قد استطاعت نظرية
يدة متاما عن نشأة األدب و طبيعته و وظيفته، و لعلها أكثر النظريات حيوية و االنعكاس أن تقدم مفاهيم جد
.155"قدرة على االستمرار بفضل منهجها الذي يتمم باحلركة
وركز أعضاء هذه النظرية على ضرورة اشتقاق املعايري النقدية هلذا األدب من واقع املرحلة االجتماعية والثقافية
إن أعالم نظرية " ، و كله يدخل ضمن تأكيدهم على العالقة بني األدب و اتمعالذي انتج فيها األدب
االنعكاس يشددون على الداللة االجتماعية لألعمال األدبية و الفنية و على الصلة بني األدب و اتمع، غري أن
بني أعالم هذه النظرية مدى العالقة بني األدب و اتمع و شكل هذه العالقة قد ظل و مازال مثار نقاش واسع
و خصومها، و بني أعالمها فيما بينهم على حنو ما نرى يف كتابات بليخانوف و لوكاتش و أرنست فيشر
، و يف االجتاه اآلخر تكون املادية و اجلدلية يف التيار املاركسي كذلك أحد النظريات اليت قالت 156" وغريهم
يف هذه النظرية بالقول بتأثر األدب بالواقع و عودته للتأثري يف هذا بالعالقة بني األدب و الواقع، و األمر متعلق
.الواقع، وفق عالقة جدلية
الطبيعة مل توجد قبل البشر فحسب، بل قبل الكائنات احلية مجيعا أيضا " وترى النظرية املادية اجلدلية أن
" ي أن يوجد قبل الطبيعة، إنه معطى ثانوبالتايل بصورة مستقلة عن الوعي، الطبيعة معطى أول، و ماكان للوعالنقد اجلديل يسعى من ناحية إىل الكشف عن العالقة اجلدلية " ، و قد ارتبط االجتاه الواقعي بالنقد املاركسي157
بني األدب و الواقع الطبيعي، و من ناحية أخرى إىل حماولة كشف األبنية و آليات هذه العالقة، املضمونية
باالنطالق من النصني و باالعتماد على معطيات احملاضرة كيف ميكن الفصل بني النقد االجتماعي و النقد - *
.الواقعي
، 1996التوزيع ، ، ضة مصر للطباع و النشر و)منهج البحث يف األدب و اللغة( النقد املنهجي عند العرب: حممد مندور-199 .392ص
.393املرجع نفسه، ص -200
ساعة و نصف :المدة
)م د لسانس ل (طلبة السنة الثانية : الفئة المستهدفة
:تمهيد
كان ظهور النقد اجلديد إعالن عن ميش كل وجود سياقي متعلق بالنص اإلبداعي و األديب، و هذا األمر
حنى بالنقد منحى خمتلفا يف كل التيارات اليت ظهرت يف العصر احلديث، فصار النص منظورا إليه شكال منفصال
لو تعلق األمر باألخالق و العقيدة، فمع ظهور هذا النوع من عن كل غائية أو نفعية، مهما كان هذا اال، حىت
النقد بدت اإلرهاصات األوىل اليت تعلي من قيمة النص اإلبداعي يف مقابل باقي ااالت، تارخيية ، اجتماعية،
حتة هلذا و الباحث عن تاريخ هلذا النقد ال يعدم اجلذور القبلية، إذ يكون النقد اجلمايل عند أرسطو فا...نفسية
التصور يف مقابل ما اعتقده أفالطون سابقا و قوله بالنقد األخالقي وضرورة ارتباط الفن بالقيمة األخالقية والنفعية
.و هو سبب طرده للشعراء من مجهوريته
العقدية و كل ماله /ومع دخول العامل الغريب مرحلة القرون الوسطى صار األدب خلدمة األغراض الدينية
ة بالكنيسة و باستيقاظ العامل على إثر عصر النهضة مل يركز على الشكل يف بداية األمر بقدر ما كان الرتكيز عالق
على اإلعالء من شأن هذا األدب الذي ينبغي أن يؤدي يف نظرهم وظيفة ما، هذه الوظيفة هي اليت ترفع من
يا منهم العتماده وسيلة قصد إحياء هذا الرتاث شأنه و تقدره، فتعلق األدب يف بداية األمر باملنهج اإلحيائي سع
العريق الذي سيصبح ركيزة الفكر النهضوي احلديث، و بعدها صار االجتاه العلمي و الفلسفي هو ما يسري
اجتاهات األدب، فانتمى إىل هذه العلوم باختالف اجتاهاا، فصار مع علم التاريخ وثيقة تارخيية و مع علم
ة لواقع ينبغي دراسته، و مع علم النفس آثار نفسية يرتكها املبدع جتنبا للكبت، و منه االجتماع صورة مطابق
المحاضرة الثانية عشر-
النقد الجديد
لتجنب الوقوع يف األمراض النفسية، مع العلم أن النقد يف كل حاالته مل يفقد قيمته التقييمية، و هو ما فصل بني
ة استقر على ضرورة الرتكيز على شكل هذه املناهج يف جماالا و يف جمال النقد و األدب، و لكن األمر يف النهاي
.هذا األدب بغض النظر عن عامله اخلارجي الذي كان جيرب على االرتباط به
وفكرة الرتكيز على األدب منفصال عما سواه فكرة بدأت أول األمر مع النقد اجلديد يف أمريكا، و لكن
العلمية و اللغوية، فظهر يف روسيا ما يسمى الفكرة تطورت و مت فيها استثمار آخر ما وصلت إليه البحوث
بالشكالنية الروسية ألن لكل اجتاه مربراته اليت أدت إىل ظهوره، و مع النقد اجلديد انفصل الناقد عن إغراقه يف
حتري املناهج املختلفة قصد تفسري هذا األدب، و صار ليس من قبيل التخصص أن خيدم األدب جماال آخر غري
ما لفت االنتباه إىل القيمة اجلمالية اليت ينتظرها الناقد من املبدع قصد حتقيق الفنية و املتعة جماله هو، و هو
.بالرتكيز على النص
والقول ذه األهداف اليت صار ينشدها األدب هي استدعاء لكل املناهج اليت جاءت فيما بعد و اليت
ه و أسبابه، و هذه األسباب اليت أدى اإلغراق فيها إىل تركز على النص األديب و شكله، دون البحث يف حميط
اعتماد كل اجتاه منفصال عن اآلخر سبب التهميش الذي طاهلا كلها معا، يف سبيل اإلعالء من شأن هذا النص
األديب، و التمركز حول الشكل يف العملية النقدية أجرب الناقد يف املقابل أن يتخلى عن كل عواطف شخصية
ديب أو األدب، و كذلك الردود الفعلية اليت قد تؤثر على هذا األدب الذي مل يعد يف خدمة أي جمال متعلقة باأل
و ال ينتمي إىل أي اجتاه، فارتبط النقد اجلديد بتحرير األدب من الغائية و النفعية اليت لطاملا عدت شرطا يف
.وجوده، و صار الرتكيز فقط على اجلمالية و الشكل
فال جيوز اجلمع بني مصطلحي النقد احلديث و النقد اجلديد و املطابقة بينهما حبكم التشابه يف ترمجة
املصطلح، ذلك أن األمر يف النقد احلديث يشمل كل االجتاهات اليت سبق احلديث عنها و اليت ارتبطت بالعصر
دب خمتلف ال يتعلق األمر فيه بالسياقات احلديث، بينما األمر بالنسبة للنقد اجلديد فيتعلق بفتح باب لأل
اخلارجية، و لكن الرتكيز سيكون على النسق الداخلي للنص يف العالقات اليت تربط بني ألفاظ و مجل هذا النص
األديب فيما بينها، مبعزل عن عاملها و أسباا و مؤلفها، و التخلص من كل سلطة و غاية و تلك هي مربرات
.دوالنقد اجلديد كما يب
وانطالقا مما سبق ميكن طرح األسئلة التالية، يتعلق األول فيها مباهية النقد اجلديد وحدوده اليت ارتبط ا،
وثانيها، ما هي املرجعيات اليت أدت إىل ظهور هذا النقد املختلف و اجلديد؟ و أخريا، كيف كان تعامل النقد يف
ارتبطت به سابقا، و هي أيضا تعمل على التذكري باجلانب الشكلي هذه الفرتة بغض النظر عن كل املربرات اليت
اجلمايل الذي لطاملا افتقده النص األديب، كونه املادة اليت صنع منها و اغرتابه بني اجلوانب التارخيية
و النفسية، اليت عملت كل مرة على ميشه و القضاء على وجوده و مركزيته مبا هو شكل فين ...واالجتماعية
ايل، يستدعي ناقدا يتحسس فيها هذا اجلانب الذي مييزه عن غريه من النصوص اليت أعدت ألهداف خمتلفة، مج
.شكلية و مجالية/فصار من الضروري هو االنتقال من فرتة سياقية خارجية إىل أخرى نسقية داخلية
:في حدود مصطلح النقد الجديد-1
جلديد باألهداف اليت نادت إليها الشكالنية الروسية، إذ دعا كل شبيهة تلك األهداف اليت طرحها النقد ا
منهما إىل ضرورة فصل النص عن واقعه اخلارجي على اختالفه، ألنه بنية مغلقة ال حتيل إال إىل ذاا، ذاا هذه
بني التوجهات إن العالقة القائمة " اليت حتقق اجلمالية انطالقا من الشكل الذي يكون بنية تربطها عالقات داخلية
اجلمالية و األبعاد الفلسفية قارة و قائمة بالقوة، حىت و إن تبدى لنا غري ذلك مع بعض التوجهات الشكالنية أو
تلك اليت تدعو صراحة إللغاء كل ما هو خارج النص أو سابق عليه سواء كانت قيما ذاتية أو اجتماعية أو
ها و تشابكها و تعقدها، و النقد اجلديد األجنلوسكسوين ال يشذ أخالقية متصلة بسريورة احلياة البشرية يف تنوع
عن هذه القاعدة، فامتداداته النظرية تتجاذا نزعتان مها، االجنذاب للفلسفة املثالية من جهة و النزعة احمللية
.201"احملافظة من جهة أخرى
ارة النقد اجلديد على حركة نقدية ظهرت يف تدل عب" هذا عن عالقتها باملناهج النقدية املعاصرة، أما عنها فـ
، بعد صدور كتاب الشاعر و الناقد 1941أمريكا خالل النصف األول من القرن العشرين، و ذلك سنة
األمريكي جوكرو رانسوم بعنوان النقد اجلديد، و منذ ذلك التاريخ شاعت هذه التسمية و ارتبطت بنزعة النقد
تبس أحيانا بنظريا الفرنسية حيث شاع خالل الستينات من القرن املاضي، إال األديب، على أن هذه التسمية تل
أن املصطلح كان وضع يف بدايات القرن التاسع عشر على يد جون سبنجاردن يف كتابه النقد اجلديد سنة
ل بعض ، إال أنه مل يلق رواجا كبريا أنذاك، و لقد بدا واضحا يف كتاب رانسوم الذي وقف فيه عند أعما1911
األدباء املعاصرين له من االجنليز و األمريكان و يف مقدمتهم ريتشارد امبسون، يت سي إليوت، و فيه دعا النقاد
و أثره يف النقد الروائي العريب من -دراسة مقارنة للنقد اجلديد يف فرنسا -النقد اجلديد و النقد الروائي العريب: عمر عيالن-201 .3، ص 2006-2005يف األدب احلديث، -أطروحة دكتوراه دولة –قسنطينة –خالل بعض مناذجه، جامعة منتوري
لالهتمام مبوضوع نقدهم و الرتكيز على معىن النص للعمل األديب بدال من االجتاه إىل تفسريه على ضوء الظروف
.202"د أثرت يف إنتاجهاخلارجية اليت أحاطت به أو العوامل اليت تكون ق
والقول ذه الظروف يشري إىل تبين التيار النسقي و إخراج النص من التيار السياقي الذي كان خيضع له،
و بناء على " كون نقده عود هلذه الظروف اخلارجية ظنا من الناقد أا سبب إخراجه يف الصورة اليت هو عليها
لألعمال األدبية، فهو ينظر للنص كجسد مغلق منقطع عن العوامل ذلك فإن النقد اجلديد هو رؤية جديدة
و كنسيج من العالقات الداخلية املتشابكة اليت ينبغي على الناقد ...) سرية، حياة مؤلفه، نفسيته، بيئته( اخلارجية
إىل علم األلسنية أن يكتشفها و يربر وجود القوانني اليت تتحكم بإنتاج النصوص األدبية، فإنه قد جلأ هلذه الغاية
ليستمد من قواعدها و قوانينها كل ما يساعده على القيام بتشريح لغوي و يفحص عمل الكتابة، و هذه الرؤية
اجلديدة تدعو إىل ضرورة وجود ناقد معين مبوضوع نقده، دون االهتمام باملؤثرات اخلارجية و إىل ضرورة عزل النص
.203" عما يؤثر فيه
لتمركز حول النص األديب صار األدب غاية و وسيلة يف آن، مبعزل عن عامله اخلارجي، وباالنطالق من ا
وصار ممكن هو احلديث عن هدف آخر ينشده الناقد أثناء نقده للعمل األديب، بدل الغائية و النفعية اليت كانت
إن " يفة النقد اجلديدةهذا اهلدف حيدد من خالل وظ... تصور األدب وسيلة لغاية اجتماعية، نفسية و تارخيية
النقد هو عبارة عن فكرة لكنه أيضا متعة، إنه نوع أديب قلما نقرؤة، و لكن من منا ال يقرأ الشعر، إن حب
األدب هو تقدير لقيمة فرح االكتشاف، أخريا ها هي احلقيقة تنكشف و تتضح فرح اكتشاف ذلك اجلزء اهول
.204"إليه إال عرب النقدو امللعون أحيانا اكتشاف ال ميكن الوصول
صار القول بضرورة النقد اجلديد هو شاغل النقاد و األدباء، و ذلك لوصول كل املناهج السابقة إىل مأزقها،
ألا تركز على جانب يف حني مل باقي اجلوانب، فكل منهج يأيت يعلن عن عدم جدوى الذي قبله و يصبح
النقد استنفذ طاقته يف البحث و قدم أقصى ما يف وسعه تقدميه، و اتضح إن النهج التقليدي يف" تقليديا و باليا
عجزه عن جتاوز األحكام الذوقية و االنطباعية و معاجلة األدب مبا فيه القدمي خارج املفاهيم اجلارية، مفاهيم
–ورقلة –جامعة قاصدي مرباح -فصول من كتاب ما هو األدب منوذج -النقد اجلديد عند رشاد رشدي:سهام مشري-202 .4، ص 2015-2014ماسرت يف النقد األديب و مصطلحاته،
.5-4املرجع نفسه ، ص ص -203 .18، ص 1993 - دمشق –ات وزارة الثقافة قاسم املقداد، منشور : النقد األديب يف القرن العشرين،ترمجة:جان ايف تادييه-204
، 205"الجتماعية عامةالصدق و احلق و األمانة يف تصوير الواقع و نقله، سواء أتعلق ذلك بذات املبدع أم باحلياة ا
فصارت االجتاهات التارخيية و النفسية و االجتماعية مناهج تقليدية، ينبغي جماوزا إلغراقها يف العوامل اخلارجية،
.مبا فيها نفسية املؤلف و ميش األدب مبا هو املدونة و العينة، اليت جيري العمل عليها يف النقد
:التاريخ و المرجعيات-2
تعدد القول بالروافد اليت أخذ عنها النقد اجلديد، خاصة الفلسفية منها، و انتمائها، فالفلسفة األوروبية
" سجلت حضورها يف التأثري على االجتاه اجلديد، و كذلك ينسب لألمريكان حيازم لألسبقية يف هذا التيار
ديد يف أمريكا ينهل من منابع الفلسفة املثالية عند ففيما يتعلق باجلانب األول فإن هناك من يرى بأن النقد اجل
اليت تناولت مفهوم اجلمال الفين من منظور عالقته باملتعة ) 1831-1770( و هيجل)1804- 1724(كانط
اجلمالية و أثرها يف النفس اإلنسانية، و هذه األفكار سامهت بشكل كبري يف ظهور توجهات فنية تركز بصورة
نية أكثر من أي شيء آخر مثل مدرسة الفن للفن أو املدرسة الرمزية، أما االجنذاب أو النزعة كبرية على املتعة الف
الثانية للنقد اجلديد فهي ارتباطه مبا يعرف مبدرسة اجلنوب و هي مجاعة من النقاد كانت مرتبطة بربنامج سياسي
كانت تنادي مببدأ املساواة يف توزيع األراضي وثقايف يشمل األقلية اجلنوبية يف الواليات املتحدة األمريكية، و اليت
و تعمل على حماربة النزعات االجتماعية و النفسية التجديدية، كما اتسمت مواقف اجلماعة باحملافظة و اإلقليمية
.206"يف الطرح حىت يف املنظور اجلمايل، فقد نادى أحد أقطاا و هو آالن تيت مببدأ اجلمالية األقلية
حات املباشرة اليت أدت إىل ظهور النقد اجلديد يف أمريكا فهي أطروحات ريتشاردز يف التفاعل أما األطرو
لريتشاردز والذي )قد األديبمبادئ الن( بظهور كتاب 1924وإليوت، لكن ميكن القول أنه ظهر بصورة دقيقة عام
كان مبثابة أطروحة أثارت إشكاليات وجدال قويا لدى النقاد و الدارسني و خباصة يف بريطانيا يف النصف الثاين
، تركز 207" أوغدن.ك.من القرن العشرين، هذا باإلضافة إىل كتاب معىن املعىن الذي ألفه باالشرتاك مع تشارلز
قوالت النصية و ضرورة الرتكيز على اخلصائص و املميزات املكونة للحقيقة األدبية، أطروحة ريتشاردز على تبين امل
بالرتكيز على اللغة اليت تكتب ا هذه األعمال األدبية، هذه اللغة اليت حتقق وظيفني أوهلا الوظيفة االنفعالية
.15النقد العريب احلديث و مدارس النقد الغربية، ص : حممد الناصر العجيمي-205 .4-3، ص ص -دراسة مقارنة للنقد اجلديد يف فرنسا -النقد اجلديد و النقد الروائي العريب: عمر عيالن -206 .4املرجع نفسه، ص -207
ا عن الواقع و يؤدي وظيفة يف ذاته، وثانيها الوظيفة املرجعية، املتعلقة بالرموز اليت تكتب ا، فينفصل النص كلي
فالشعر يف أصل تكوينه ال عالقة له بالواقع ألنه ال يتطابق معه و ال يصوره و لكنه يهدف إىل وظيفة إثارة
املشاعر و العواطف، و يف هذه النقطة ختتلف مدرسة النقد اجلديد عن الشكالنية الروسية، إذ مش القيمة
إن نظرة ريتشاردز هذه على ما حتمله يف طياا من دعوة شكلية " ة الشعرية فحسباالنفعالية و تركز على اللغ
فهي ختتلف عن املدرسة الشكالنية اليت مل البعد اإلنساين االنفعايل من النص، و اليت تبناها النقاد اجلدد يف
ردز على الرغم من دعوته أمريكا فيما بعد، رغم عدم اطالعهم على أدبيات املدرسة الشكالنية الروسية، فريتشا
إىل االهتمام و التمحيص يف جزئيات النص األديب، ألن تفاعل عناصر النص جمتمعة هي اليت تعطيه معىن
ووظيفة، فهو باملقابل يدعو ملبدأ حتديد انفعالية اللغة الشعرية يف مستوى املؤلف و القارئ أي البحث عن القيمة
.208" األدبية املتولدة عن التواصل مع النص
وباإلضافة إىل أطروحات ريتشاردز تضاف مدرسة اجلنوب من خالل مقوالا حول النص الشعري والبالغة
أ سينجارن .أطلق ج" حمافظتها)مدرسة النقد اجلديد( اجلديدة لتؤسس للنقد اجلديد، و ينسب إىل هذه املدرسة
و كلينيث tate allenو آالن تيت t s eliotس إليوت .ت(مصطلح النقد اجلديد على أعمال النقاد
و غريهم ممن خالفوا ... و ليفرransom john croweو جون كروانسوم brooks kleanthبروكس
النقد النفسي و االجتماعي، و هذا النقد الذي ظهر يف الواليات املتحدة األمريكية و أوروبا بعد احلرب العاملية
النفسية و االجتماعية و اجلمالية و الذوقية، و أصحابه يرون يف النقد األوىل يناقض املناهج النقدية الكالسيكية
الكالسيكي قصورا كونه يتناول قضايا مرضية بعيدة عن العمل األديب أو يعاجل قضايا و ظواهر اجتماعية و تارخيية
.209" بدل اهتمامه حبقائق و خبايا النص األديب
رسة اجلنوب هي املرجعيات اليت أدت إىل استقامة النقد اجلديد فكانت أطروحات ريتشاردز و كذا تأثري مد
كيانا مستقال معلنا عن اية املرحلة السياقية و الدخول يف مرحلة حق هلا أن تطلق عليها اسم اجلديدة الرتباطها
و إمهال عامله بأهم املبادئ اليت أسست لتيار النقد املعاصر فيما بعد، مبا دعت إليه من التمركز حول النص األديب
.اخلارجي و كذا مؤلفه
:النقد الجديد عند العرب -3
.5-4، ص -دراسة مقارنة للنقد اجلديد يف فرنسا -النقد اجلديد و النقد الروائي العريب: عمر عيالن -208 .7املرجع نفسه، ص -209
إن أول من يطالعنا يف العامل العريب حول النقد اجلديد رشاد رشدي الذي انطلق يف كتابه، ما األدب؟ للقول
ة العربية، باملقوالت اليت تؤسس هلذا النقد و تبين التيار الغريب، و ذلك دون االنفصال متاما عن مقومات اهلوي
واملقصود تلك العلوم اليت أولت للجانب الشكلي و اجلمايل األمهية و القيمة، يتحدث ريتشاردز
Richardsو ظل هذا املفهوم للبالغة سائدا إىل " عن قيمة البالغة و كيف أعيد إليها احلياة مع النقد اجلديد
فتغري مفهوم البالغة و عها مفاهيم األدب و النقد أن قامت مدرسة النقد اجلديد يف أعقاب احلرب العاملية األوىل
، حني قال بأن الفن ليس تعبريا عن 1919نفسها، و يستشهد رشاد رشدي مبا كتبه ت س إليوت يف فرنسا
إحساس صادق مهما بلغ األحساس أو التعبري عن شخصيته تعبريا متعمدا مباشرا بل هو تعبري عن هذه
.210"...الشخصية بطريقة غري مباشرة
ذلك أن " T.S Eliot س إليوت.كما يعيد استثمار البالغة مبنظور جديد عن طريق اإلحالة إىل قول ت
العمل الفين يتأتى من خالل إبداع موضوعي متميز ميكن أن يتذوقه البشر بصرف النظر عن الزمان و املكان و يف
صدق اإلحساس أو يف صدق التعبري أو مجال هذا يقول رشاد رشدي، فالبالغة وفقا للنقد اجلديد ليست يف
األسلوب أو إفصاحه عن شخصية الكاتب بل كما يقول إليوت، يف أن خيلق الكاتب معادال موضوعيا
لإلحساس الذي يرغب يف التعبري عنه، حىت إذا ما اكتمل خلق هذا الشيء، أو هذا املعادل املوضوعي، استطاع
، كما يرى رشاد رشدي أن الربط بني األدب و الواقع 211"ف إىل إثارتهأن يثري يف القارئ اإلحساس الذي يهد
و إذا كانت " ليس ضرورة و ال حتمية جيب االحتكام إليها، كما أن الرتكيز على األدب يقتضي فصله عن صاحبه
تم أيضا هذه املوضوعية البالغية حتتم فصل األدب عن احلياة حىت يقوم بوظيفته خري قيام من أجلها أيضا فإا حت
إن العمل الفين ال ميكن أن يكون تعبريا عن : فصل العمل األديب عن شخصية الفنان يقول رشاد رشدي يف ذلك
.212" شخصية الفنان الصحيح إنين أنظر بعيين الكاتب، و لكين ال أنظر إليه بل إىل ما يشري إليه
فإذا كان العمل األديب يصور " قعوحول عالقة الشكل باملضمون حتدث عن ضرورة فصل األدب عن الوا
احلياة فإنه يف الوقت نفسه ليس صورة لنا، فالعمل األديب ال ميكن أن يكون إال صورة لنفسه فقط، مبعىن أنه ال
ميكن أن يزودنا بشيء خارج عن نطاقه ألن قيمة العمل األديب ليست فيما ميدنا به من معلومات أو خربات
ذي حيدثه يف نفوسنا كما هو كامال حمددا كما أبدعه الفنان، و يؤكد رشاد رشدي مطلقة بل يف األثر املعني ال
.25-24، ص -فصول من كتاب ما هو األدب منوذج -النقد اجلديد عند رشاد رشدي:سهام مشري -210 .26-25املرجع نفسه ص ص -211 .36املرجع نفسه، ص -212
على أن احلياة هي األصل الذي نشأ عنه العمل األديب، و ذلك مبا فيها من مشاعر و خربات خمتلفة تشكل املادة
عملية اإلبداع و التشكيل اخلام اليت يصوغ منها الفنان عمله األديب، و بالتايل تبقى عناصر احلياة كما كانت بعد
.213"الفين
كما يستحضر مقولة موضوعية األدب و يؤكد على أمهيتها و يف مقابلها انفصال األدب عن حياة صاحبه،
و يستند رشاد رشدي يف رأيه لفكرة أن األدب تعبري عن شخصية الكاتب أو بيئته ما تزال عالقة " وعن واقعه
يف أوائل هذا القرن فأثبت أن اإلحساس واخللق ) بندييت كروتشي( ف اإليطايل بأذهان الناس و يستشهد بالفيلسو
، فعدت الذاتية قيدا يكبل اإلبداع و ال ميكنه 214" األديب حيتم أن ينقل هذا اإلحساس من الذاتية إىل املوضوعية
الكاتب أو عمق أفكاره فمهما كانت األصالة اآلراء اليت ينادي ا" حتقيق هذا اإلبداع إال عند حتري املوضوعية
أو جدة إحساسه، فهو بدون القدرة الفنية ال يستطيع إال أن يسري يف حيز ضيق هو حيز ذاتيته، و هو يف ذلك
احليز الضيق ال يستطيع اخللق، كل ما يستطيع أن يفعل هو أن يعرب عن ذاته، و الكاتب الذي ال ميلك من القدرة
يته جيد نفسه منساق إىل التعبري عن هذه الذات حىت عندما ال يرغب يف التعبري الفنية القدر الكايف حلمايته من ذات
.215"عنها، و عند ذلك جيد العمل الفين الذي حياول بناءه ينهار و يتفكك و يفقد كيانه
وإىل جانب رشاد رشدي يف العامل العريب تلقى النقاد النقد اجلديد و كتبوا و نشروا تأثرا به العديد من
األعمال من بني هذه الشخصيات نذكر إحسان عباس و عز الدين امساعيل و شكري عياد و جربا ابراهيم جربا
....و غريهم كثري
وجممل القول، خيتلف النقد اجلديد عن النقد احلديث انطالقا من توجه كل واحد منهم، و إن كان ميكن
ة الزمنية، إال أن النقد اجلديد حنى منحى خمتلفا بالنقد يف تلك إدراج النقد اجلديد ضمن النقد احلديث حبكم الفرت
الفرتة إذ ابتعد عن السياقات اخلارجية احمليطة بالنص األديب و متركز حول النص األديب و يركز على الشكل
الشكالنية و يتشابه االعتقاد عند النقد اجلديد والبحوث اليت وصلت إليها ... واجلمالية اليت جتعله إبداعا أدبيا
الروسية اليت عزلت النص عن عوامله اخلارجية و مؤلفه لرتكز على الداخل، و يذكر ظهور النقد اجلديد يف أمريكا
و قد جتلت مرجعياته يف أطروحات ريتشاردز و مدرسة اجلنوب، و هي إرهاصات انتهت إىل قيام هذه املدرسة
.38ه، ص املرجع نفس-213 .45، ص -فصول من كتاب ما هو األدب منوذج -النقد اجلديد عند رشاد رشدي:سهام مشري -214 .47املرجع نفسه، ص -215
مببادئ النقد اجلديد إىل العامل العريب و تأثر به النقاد العرب و قد انتقل االعتقاد ... كيانا مستقال قائما بذاته
إذ حاولوا ... نذكر منهم رشاد رشدي و إحسان عباس و عز الذين إمساعيل و جربا إبراهيم جربا و شكري عياد
ة اليت االنطالق من أفكارهم و استثمار البالغة العربية و حماولة إجياد مقابالت هلا يف البالغة اجلديدة الغربي
...لت بصورا عن الصورة القدميةانفص
:نصوص و تطبيقات
أن املفهوم القدمي للبالغة " يف كتاب ما هو األدب؟ يقول رشاد رشدي يف فصل بعنوان بالغة العمل األديب
و الذي ساد عصورا و تغلغل يف مدارس أدبية كثرية حددها بأا جمرد تعبري صادق عن إحساس صادق مارسه
األديب ككل، و اعترب النقاد األسلوب األديب، و لذلك ظلت البالغة مرنة باألسلوب و ليست بشكل العمل
البليغ هو األسلوب الذي يعرب تعبريا صادقا عن شخصية الكاتب أي أنه مل يكن فرق بني بالغة اخلطيب يف عمله
و بني بالغة اخلطيب يف خطبته أو بالغة الصحفي يف مقالته، طاملا أن منهم من يعرب عن فكره و موقفه
قا، و بالتايل فليس هناك فرق بني العمل الفين و بني كل من اخلطبة أو املقالة وشخصيته و إحساسه تعبريا صاد
.216" فقيمة كل منها تنتهي بإدراك معناها أو مضموا
الفن ليس تعبريا عن إحساس صادق مهما بلغ اإلحساس أو التعبري عن شخصيته تعبريا متعمدا مباشرا، بل "
مباشرة، و ذلك عندما يركز جهده يف خلق شيء حمدد كما يشبه ذلك هو تعبري عن هذه الشخصية بطريقة غري
متاما عمل النجار يف صنعه للكرسي و املهندس يف صنعه لآللة، فالكرسي و اآللة ليسا تعبريا عن شخصية
.217"صانعيهما
.ما هي حدود النقد اجلديد، و أين يكمن التميز فيه عن غريه - *
ألة اليت طرحت منذ القدمي بني أنصار إن البحث يف قضية الشكل و املضمون قدمي قدم النقد، ذلك أا املس
اللفظ و أنصار املعىن أو املضمون، مع االختالف يف تناول القضيتني بني القدمي و احلديث، ذلك أن األمر متعلق
يف احلديث بدخول اجلمالية عامل النص األديب و قضية الشكل و املضمون يف العصر احلديث أكثر تعقيدا منه يف
يتعلق جبزء ال ميكن فصله عن جزئه الثاين، ذلك أن الشكل يعكس املضمون، و املضمون هو القدمي، ألن األمر
و هلذا فإن عالقة اللفظ و املعىن عند كولريدج هي عالقة حية، فال نستطيع " املادة اخلام اليت يتكون منها الشكل
ذا الفهم جعل الشكل و املضمون أن ننقل لفظة أو نغريها إال إذا تغري املعىن، و كذلك فإن كولريدج يف ضوء ه
جزءا ال يتجزأ من التجربة الشعورية و بل إنه جعل الوزن و املوسيقى الشعرية عنصرا ملتحما بسائر العناصر
األخرى املكونة للقصيدة لقد جعل الوزن مثرة من مثار اخليال، و جعل مصدر الوزن هي العاطفة أو االنفعال الذي
ن الشعري يتحقق من التوازن بني العاطفة و اإلرادة، يقول كولريدج رمبا أن الوزن نتيجة تسيطر عليه اإلرادة، فالوز
فعل إرادي ال مزج اللذة باالنفعال فإنه جيب أن تكون آثار هذه اإلرادة واضحة يف سائر اللغة املنظومة حسب
.222"تدخل اإلرادة، إن الوزن الشعري وحده، ال ميكن أن يقيم قيمة فنية يف ذاته
يتعلق بالكل الذي ال ميكن فصله و هي العالقة اليت تربط بني الشكل Kolrdj فاألمر عند كولريدج
واملضمون، فصارت قدمية تلك الصراعات اليت دارت بني النقاد يف قضية الشكل و املصمون، و أن الصورة الكلية
يظل شيء من شكل القصيدة و ال بنيتها ال" تتحدد من خالل الصورة اليت ينتهي اجلمع بينهما شكل و مضمون
العروضية و ال عالقتها اإليقاعية، و ال أسلوا اخلاص ا عندما تفصل عما حتتويه من معىن، فاللغة ليست لغة،
بل أصوات، إال إذا عربت عن معىن، كذلك يعترب احملتوى بدون شكل استخالصا لشيء ليس له وجود ملموس،
ة خمتلفة ألصبح شيئا خمتلفا، و ال بد من أن تدرك القصيدة ككل حىت تتم عملية اإلدراك، ألننا لو عربنا عنه بلغ
ألنه ال وجود ألي منهما بدون اآلخر، و استخالص الواحد من اآلخر ... وال تناقض بني الشكل و احملتوى،
.223" قتال لالثنني
انتقاهلا من عصر إىل آخر، و كذلك وفكرة عدم القدرة على الفصل بني الشكل و املضمون قدمية و مت
لكن هذا اإلدراك " حتدث العرب يف نظرية النظم مع اجلرجاين، و مرت إىل النقاد العرب احملدثني عرب العامل الغريب
لعدم إمكان الفصل بني الشكل و احملتوى و لتبادل العالقة بني االثنني قدمي قدم أرسطو و قد عاد النقد
.18،ص 1991، 1:ط -أربد األردن –قضايا النقد احلديث، دار األمل للنشر و التوزيع : حممد صايل محدان-222 -الكويت –، الس الوطين للثقافة و الفنون و اآلداب 110حممد عصفور، عامل املعرفة : نقدية، ترمجةمفاهيم : رينيه ويليك-223
.46،ص 1987
ىل تأكيده، و احندر هذا التأكيد بطرق ملتوية عرب كولريدج أو الرمزيني الفرنسيني أو دي الرومانسي األملاين إ
سانكتس، إىل نقد القرن العشرين إىل كروتشه، و الشكليني الروس، و النقد اجلديد يف أمريكا و إىل تاريخ البنية
.224"األملاين
:اإلبداع الفني-3
احلديث متعلقة بتلك العالقة اليت جتمع بني املبدع و أدبه، بعيدا عن فكرة وثالث القضايا اليت تناوهلا النقد
إن العربة يف " الذاتية و املوضوعية، و تركيزا على اجلانب الفين و اإلبداعي و اخللقي الذي يصري إليه العمل األديب
كرة و إمنا العربة ملا صار إليه النقد األديب ليست املوضوع باعتباره شيئا خارجيا، و ال بالفكرة باعتبارها جمرد ف
املوضوع أو الفكرة بعد أن سيطر عليها الشاعر أو األديب و بعد أن انصهرت يف ذاته و بعد أن حتول إىل فن، إن
، فاإلبداع 225"كل موضوع و كل فكرة ليسا إال جمرد مادة من املواد اخلام اليت تتحول عند تناوهلا إىل شيء جديد
فاملوقف الذي يقفه أديب هذا العصر من األحداث السياسية أو االجتماعية هو " احلديثواخللق هو أساس النقد
موقف الفنان أوال و قبل كب شيء، موقف الفنان الذي يرى وراء كل حدث و كل قضية سياسية أو اجتماعية
نسانية تكتسب اخللود داللة إنسانية ما حبيث تتحول احلادثة أو القضية املرتبطة بزمن ما أو جمتمع ما إىل قضية إ
.226" والالزمنية عن طريق تأمل الفنان و رؤيته اخلاصة
فيتعاىل العمل األديب عن االرتباط بزمان و مكان يتعلق بأحداث متغرية و عارضة، ليصبح هذا الوجود
ن املوسيقى األبدي و األزيل، وسيلته يف ذلك اللغة مبا هي مادته اخلام الذي يشكل منها هذا املضمون، و تكو
.هي أدوات هذه اللغة اليت تريد حتقيق اإلبداع الفين
:الخيال-4
أحد أهم القضايا الكربى يف النقد األديب احلديث، و رغم احلديث عن هذا املصطلح يف الثقافات العربية
د الفيلسوف األملاين كانط إذ والغربية القدمية، إال أم مل يعريوه اهتماما كبريا و مل يتم اإلعالء من شأنه إال على ي
أن اخليال أجل قوى اإلنسان و أنه ال غىن ألية قوة أخرى من قوى اإلنسان عن اخليال، و تبع كانت يف " يرى
.46حممد عصفور، ص : مفاهيم نقدية، ترمجة: رينيه ويليك -224 -بريوت لبنان -قضايا النقد األديب بني القدمي و احلديث، دار النهضة العربية للطباعة و النشر: حممد زكي العشماوي-225
.30، ص 1979 .31املرجع نفسه، ص -226
، و من هذا املنطلق ميكن القول إن قضية اخليال كانت 227"هذا الفهم الرومانسيون و أصحاب املذاهب األدبية
يون يف العصر احلديث ملا ها من قدرة على جتسيد املبادئ اليت نادوا ا، فارتبط أهم احملاور اليت تناوهلا الرومانس
أن اخليال هو تلك القدرة " فريىWordsworth اخليال بشخصيتني ووردزوورث و كولريدج، فأما ووردزوورث
ري جمموعا متألفا العناصر املتباعدة يف أصلها و املختلفة كل االختالف كي تص - معا –الكيماوية اليت ا متتزج
منسجما، و هو يرى أن اخليال ال يدرك إال عن طريق الشعور، فإذا كان األمر كذلك، فإن قوى العقل ال تستطيع
أن تضعف أو تنقص من اخليال شيئا، و على هذا األساس يكون اخليال ذا مكانة تفوق قوى العقل األخرى على
.228"تتألف على تصوير احلقيقة شرط أن تكون الصور اليت ينتجها منسقة متأزرة،
فأما اخليال األويل فهو اخليال الذي عن " أما األمر بالنسبة لكولريدج فمتعلق باخليال األويل و اخليال الثانوي
طريقه يستطيع األديب أن يلم جبميع أجزاء الصورة الشعرية و تفاصيلها الدقيقة، و لكي توضح األمر نسوق مثاال
هو ... أمامي وردة فإن اخليال األويل جيمع أجزاء الصورة كلها من أوراق و ساق و رائحة على ذلك، لو كان
فهو " ، أما اخليال الثانوي229" و يقابل هذا عن كانت ما أمساه باخليال اإلنتاجي - إن صح التعبري -إدراك علمي
ختيار اجلزئيات اليت يريدها فهو أشد خطرا من اخليال األويل، ألن األديب أو الشاعر يف هذه املرحلة يلجأ إىل ا
يشرتك مع اخليال األويل يف هذه الناحية من حيث أنه يصطحب الوعي اإلرادي، و لكنه خيتلف عنه من حيث
الدرجة و طريقة العمل، ألنه يلجأ إىل اختيار جزئيات من الصورة و يقوم بتحليلها و التأليف بينها و يصهرها يف
.230"جديدا، إنه يذيب و يالشي كي خيلق من جديد بوتقة نفسه ليخلق منها شيئا
كما ارتبط اخليال بالرمزيني و الربناسيني و السرياليني، و قد ارتبط اخليال مبفهوم احلقيقة متاما عند
إا حقيقة ذات طابع ذايت تعمل على إجياد عوامل من صنع اخليال، و لكنها غري منفصلة عن الكون " الرومانسيني
بل إا تعطيه أعلى حق له، عن طريق إلقاء الضوء على احلقيقة الكامنة من وراء كل مظهر له، يف حماولة املنظور،
تتسم باألصرار الكامل من أجل االهتداء إىل ما هو باق و أساسي، فالشاعر على وعي تام بالقدرة الرائعة للخيال
ين إنكار حقيقة راسخة ليست مما يسهل االهتداء يف كشف احلقيقة لإلنسان و إنكار هذه القوة اخلالقة إمنا يع
إليها يف التجربة املعتادة أو حىت يف الدراسات املتخصصة، فهذه احلقيقة اليت يتوصل إليها تتميز بدقتها و عمقها،
إا تعطينا استبصارا عميقا باحلياة، رغم أن تلك احلقيقة قد حتتلف عن احلقيقة العلمية أو احلقيقة الفلسفية،
اخليال ذو صلة وثيقة بالواقع و احلقيقة، و إال فما ذا يكون الشعر؟ و ماذا تكون فائدته، إذا مل يكن يكشف ف
.231" عن حقائق؟ إنه لن يكون عندئذ ذا صلة باحلياة، و يكون تقدير الشعر و تذوقه أمرا عقيما ال قيمة له
:الجنس األدبي-5
إن قضية التجنيس قدمية إذ مت تناوهلا عند اليونان، و القضايا الكربى املتعلقة بالشعر و امللحمة و الدراما، ويف
العصر احلديث مت إحياء هذا اجلانب من اإلبداع و لكن بالرتكيز على جانب آخر من خالله ميكن الفصل بني
و مقتضياته، فأوىل األجناس اليت تعرض هلا العصر احلديث األجناس، فيضبط اجلنس األديب من خالل قالبه الفين
بني الذاتية و املوضوعية، فأما الذاتية، فمتعلقة بالشعر الغنائي، و املوضوعية تلك اليت توجزها املسرحية و القصة
فائص خصائص اجلنس اخلطايب أنه خارجي يف عالقته بنفس اخلطيب" وتعرض اخلطابة يف انفصاهلا جنسا خمتلفا
و أنه نفعي مباشر، فأما السمة األوىل فمظهرها حرص اخلطيب على التوجه إىل مجهوره، و جتاوزه نطاق ذاته
حتما، إال يف حدود ما يستغله من احلديث عن صفات شخصية بقصد التأثري يف اجلمهور بقدر ما استقر يف
نه يبدأ و قد احناز إىل رأي أو ذهن مجهوره عنها، و هو مع ذلك غري موضوعي يف وسائله، إذ من الواضح أ
جانب، سواء كشف عنه منذ البدء أم مهد للكشف عنه بتهيئة مشاعر مجهوره أوال، فال تستلزم اخلطابة من
حيث هي، أن تكون ذاتية تكشف عن اجلانب النفعي للخطيب، و مع ذلك ال يصدق عليها أا موضوعية
.232"حمايدة جتاه ما تعرض له من مسائل
هذه الصفات اليت ترتبط باخلطابة جتعلها مبنأى عن التجنيس األديب، ألا ال حتقق قيمة معينة، ميكن وكل
من خالل تبويبها و ادعاء انتمائها إىل جانب معني، و تطهري األدب سواء أكان شعرا أم قصة و مسرحية من
الشعر الغنائي ذايت من حيث الطابع اخلطايب مل يتم إال يف العصر احلديث، و حول تصنيف األجناس يعد
و لذلك كانت نظرة الشاعر إىل مجهوره ثانوية بالقياس إىل إخالصه يف تصوير أطواء نفسه، و إن مل " مصدره
تنقطع صلته به عن طريق الرتاسل يف املشاعر، و لكن الصلة بني الشاعر و اجلمهور كانت أقوى يف العهد
ا شعراء الديوان و املهاجرين إىل أمريكا، مث تولدت الرمزية فنفدت يف مفهوم الرومانتيكي األورويب، و يقابله يف أدبن
أطروحة دكتوراه يف النقد و البالغة، اململكة مفهوم اخليال و وظيفته يف النقد القدمي و البالغة،:فاطمة سعيد أمحد محدان-231 .6، ص 1989 -جامعة أم القرى -العربية السعودية