Top Banner
50

بقشيش

Jul 02, 2015

Download

Art & Photos

Muhammad Omar

مجموعة قصصية صغيرة للكاتب: محمد عمر، نشرتها دار مدارات للأبحاث والنشر في يونيو 2014
Welcome message from author
This document is posted to help you gain knowledge. Please leave a comment to let me know what you think about it! Share it to your friends and learn new things together.
Transcript
Page 1: بقشيش
Page 2: بقشيش

1

بقشيش مجموعة قصصية صغيرة

Page 3: بقشيش

2

إهداء

.إلى وجدان، الطيبة، الحبيبة والزوجة .ألوان الطيف السبعةإلى لؤي وأمجد،

.عمرو قاسمروح إلى .إلى عبد الرحمن حلمي

.المسافاتإلى الصحبة الحلوة التي لم تباعد بينهم .بعد يقرأوإلى كل من كتب، وكل من قرأ، وكل من لم

Page 4: بقشيش

3

الفهرس

4 تقديم

6 سيدي البطرني 9 هاديء، بائس، هزيل

21 لماذا يخلو بيت غادة من المرايا؟ 26 بقشيش

12 دعوة زفاف 12 القاهرة، المهندسين

14 تراويح 12 قصة قصيرة

22 مشهد 22 للبيع 26 أبحر

23 سحمي 29 بعيدا

42 فاضي 44 أبو طويلة

84 الكاتبعن

Page 5: بقشيش

4

تقديم .عطيةد يسلامحمد :بقلم

!عن الذين يختزلون الحياة فى القص

لكن بكل بساطة أشعر بالسعادة لكونى ...تعودت أن اكتب معه ال عنه

سعادتى تكمن فى ان أفكار هذه المجموعة طازجة ...أقدم هذا العمل ا كاتبهأسلوب .كأنك تسوقتها للتو من منجم تباع فيه فقط الفرائد

يوحى لك أنه يعجن لك حكايات كثيرة سوية و يطهيها على نار هادئة و ال في وجبات كاملة بل كلقيمات تشعرك انه يجب عليك ....يقدمها لك

.ان تقرأ القصص كلها فال تشبع إبدا و تعاود الفعل ذاته مرة بعد آخرى

ة طيبو فوجئت بقصص ..قرأت الكثير من قصص المجموعة قبل النشر قصص أستلهمها الكاتب من سفرياته ...المذاق و فريدة من نوعها

الطوال و غربته المستمرة كأنه فضل ان يسافر و يكتب فيحيا و يعش و .أن يترك فى كلماته ما تتركه اآلثار الكبرى و لكن فى وريقات معدودة

فى هذه المجموعة بالحس اإلنساني بوصفه هو ما "محمد عمر"يهتم ذواتنا ألفعال و ردود أفعال ال يتوقعها البعض إال قلة ممن يحرك

يجيدون وصف اللقطات التى تختصر حيوات عدة فى مشهد واحد معبر هو كان ممن يقتنصون تلك اللحظات فعبر عنها أدق تعبير و ...مؤثر

فكأنه جلبك معه إلى ..نقلها دون اى إخالل من جانبه لزوايا الحكاية ا سويا مشهد يظهر فيه براعته كرسام بارع أو قل هناك كى تشاهدو

.كحاء من الطراز األول

وهو ما يترك إلستجالب شكر أو "بقشيش"أختياره لعنوان المجموعة هنا مارس معنا نفس ...كرما فائضا على خدمة قدمت و تم دفع الثمن

Page 6: بقشيش

5

و ...هو كتب و دفع الثمن من فترة طويلة ..مدلول عنوان مجموعته ...دفع لنا بمجموعته تلك كى تمثل نوع من أنواع تحريك الفكرة الراكد فأنت تقرأ لكثيرون دون ان تشعر بالجمال الكثير الموجود فى هذه

.و بالشعور المختلف الذى ستتركه معك فور االنتهاء منها ..المجموعة

فألترككم دون حديث أكثر و مقدمات تطول فال تفعل سوى أن تشوق أترككم للعمل و قصصه و أقدم إمتنانى مرة أخيرة لكاتب ..و اكثر أكثر

المجموعة القصصية على الوقت البهى الذى أنقضي في سعادة منى و أنا أقرأ تلك المجموعة و فى األخير أترككم مع أمنيات طيبة بقراءة تلك

.المجموعة و ان تقضوا معها وقتا طيب كما فعلت

محمد عطية القاهرةالزيتون

4108يونيو

Page 7: بقشيش

6

سيدي البطرني

ها أبنائها وبناتها روورها وأسلم عليها، كما تحب أن يزتحب أن تراني أزكل أسبوع وأال ينقطع عنها أحد، رغم ذلك، تحب ابنها محمد أكثر من أي ، فقط يتصل بها في الشهر شيء في الدنيا، ابنها محمد ال يزورها أبدا

.بأن يأتي، لكنه ال يأتيمرة أو مرتين ويعدها

"هللا، ايه ريحة البخور الحلوة ديه يا أمي؟ " -

"ديه بركة سيدي البطرني يابني " -

ر تزغ ، ف”مين سيدي البطرني ده؟“أميل بوجهي ناحية خطيبتي وأسألها ، لي بعينها كي ال أسترسل في الكالم، وأنهي هذه الفقرة سريعا

كل أسبوع، ومع زيارتي .فاطمة، حماتية، أم الحاجة سين فقرة الحاجة ح لخطيبتي، يذهب كالنا لها مع حماتي، نجلس خمس دقائق على األكثر

إلى صخرة كبيرة كي أسلم عليها، ثم نتركها وحماتي ونتمشى قليال البحر مظلم .بين مجموعة من البنايات القديمة بحرعلى شاطيء ال

ة تي تمر به، اإلنارة البرتقاليموحش، لكن الشارع بسيارات النقل الكبيرة الالتي تأتي من عمدان نور عمرها من عمر أجدادي، والمحالت والورش

التي يجلس أصحابها أمامها في كراسي بالستيك يتناولون الشيشة أو سيرة الناس والبلد تضيف جو ونس فوق الونس الذي يشعر به كالنا مع

ا ظهرنا للعالم كله، اآلخر في تلك اللحظات الجميلة، التي نترك فيهونحدق في الفراغ، ننظر إلى بعضنا البعض، نبتسم، ثم نعود ونطيل في

.التحديق، والصمت

"مين سيدي البطرني ده؟" -

Page 8: بقشيش

7

ده ولي من أولياء هللا، كان ليه مقام ف بحري، أيام ماكانت تيتة " - "عايشة هناك

"ولي ايه بس، ومقام ايه، انتي بتصدقي ف الحاجات ديه؟" -

، بس أقولك، ماما حكتلي عن إن المقام ده حتة أرض ال " - طبعا .."بين العمارات، أرض واسعة يعني، وعليها باب

.."مش جامع يعني و " -

األرض الواسعة ديه كان في .. أكمل األول ..ل تقاطعني بط " -واحد عايز يهد الباب اللي عليها ده فجاب جرار والناس اتلمت، أم

"ايده اتشلت ..ايه؟

!"ال وهللا" -

اه وهللا، زي ما بقولك كدة، ايده اتشلت، وأهله أصال أغنيا يعني، " - "سفروه برة عشان يتعالج وال أي نتيجة

"ممكن يكون ألي سبب تاني يعني اامم، طيب م" -

.. !يعني السبب مش القي مكان وال وقت غير عند مقام الراجل" - "موعملوه من يومها مقا ..الناس بقى هللت ..المهم

"وايه حكاية البخور ديه؟" -

معرفش، بس تيتة عندها واحة صاحبتها على طول تتصل بيها، " -وتحكيلها انها شافتها ف المنام وهي قاعدة مع سيدي

"البطرني، فهي بتحبه وبتتبارك بيه

"وصاحبتها ديه ايه؟" -

"عادي، واحدة عادية، أبوها كان إمام جامع، بس هي زينا يعني" -

عمرها، في لها مبارك ربنا -هللا شاء ما– ةسين ح الحاجة تمر األيام و ويبدو حفيدتها، من تزوجت وأنا ماتوا، أوالدها من وإثنين مات، زوجها، أحفاد أوالد سترى أنها الطريقة بهذه ها، وهي صحتها أجمد منا جميعا

المؤذن، والذي يقاربها في العمر، هللا يرحمه ،حبي حتى الحاج أحمد ص

Page 9: بقشيش

8

ويحسن إليه، كان كل جمعة يبخر المسجد الذي أصلي فيه قبل أن أذهب ر الروح، وبعد الصالة يبخ إلى خطيبتي من الصباح الباكر ويجعل رائحته ترد

.شقته

شفاط أبيض ماركة في مطبخ الشقة؛ كبير كان مركب شفاطالحاج أحمد البخور وينقله إلى يأخذ الشفاط مع حركته فكان ألماني بإثنين موتور، .ألف رحمة ونور عليه .الشقة المالصقة له

Page 10: بقشيش

9

هاديء، بائس، هزيل

يقف أمام فقاعات المياه التي تتشيطن، تتضخم، تتقافز بجنون لثانية أو م إغالق النار تعود المياه إلى هدوئها، ترتفع إلى .ثانيتين قبل أن يحك مالعق ممتلئة عن آخرها بالسكر الخشن، نصف الكوب، تمتزج معها ثالثة

هتها واسعة، ها دوامة، فو ل شاي، يغرقها لقاع الكوب، يثير حووفتلة اليعتصرها حتى الموت، يلقي بها من أعلى؛ لتستقر فوق كيس أسود، مل القمامة رقبته، معلقة بمسمار تسعة، رأسه مرفوع، موجوع من ح

.ل عن إلقاءها في الصباحكاس التي ت

يمشي بمنتصف الممر الضيق، يمقت جدرانه بشدة، يمقت الضيق بوجه كل شيء بالغرفة .عام، يسرع خطوتين، يقترب من وهج التلفاز المتراقص

فالبرنامج األسبوعي الساخر هو آخر ما تبقى لهم جميعا استعداد، على اإلفالت تحاول الشاي وحرارة طالت، -كعادتها– اإلعالنية الفقرة .من لذة

عددهم، زاد األيام مع كأبناءه، ترحل يدعها لن محال، يده، قبضة من تحكمه، على انتصر وضجرهم ضعفه، على طغت قوتهم .طموحهمر، ك ي تولت إدارة شئون الحكم عليهم، وعليه، ماتت بداء الس الت والزوجة

كل األصوات آلت إلى .ومات معها صوتها العالي، وهمجيتها المشينةصمت بارد، حتى هاتفه النقال أصابه نفس اإلعياء، تحول في زمن الهجر

إلى منبه، منبه لماذا؟، ال يعلم، فال عمل، ال أصدقاء، ال أقارب، الحبل قةش .ياتهابطار نفذت الحائط ساعات .الذي ربطه بالناس انفتل مع األيام

أشباهه من بها مسنين دار من أفضل مرآة بها ليس قديم إيجار ذات األسبوعي والبرنامج انتهت، -أخيرا – اإلعالنية الفقرة .وأرخص الكثير، أسفل قهوة من السماء إلى صعدت األمل خيبة أصوات بدأ، الساخر

Page 11: بقشيش

10

لحقتها شتائم للحكومة والنظام، انقطاع الكهرباء عن المنطقة المنزل، .أمسى طقسا اجتماعيا ال بد منه، اللعنة، حتى اللذة الوحيدة بها كدر

لم يجد أمامه من مهرب، عادة ال تعود الكهرباء قبل ساعتين، يكون

ن توجه إلى الغرفة المقابلة بال قارب، بحر م .عندها البرنامج قد انتهىاللون األسود إبتلع الوجود، أمواجه شديدة الكثافة، جدف بذراع واحدة حتى استقر فوق مرتبة إسفنج غير مضغوطة تعلو سرير نحاس طوله

ذ من .يلامباتحسس فوق الكومودينو، وأمسك بعلبة الفير .أقصر منه، لن طفولته كان ال يأخذ األقراص إال مع كمية كبيرة من المياه، حتما

ل، عامة هو ال يرغب في اس ك جه إلى المطبخ وسط هذا الظالم، ت يتو هو يخشى صراخ ،ود الكهرباء، بعدها، يأخذ الدواءالنوم، سينتظر أن تع

ر .الدكتور أشرف، وتأنيبه المضج

يغلق عينيه، يفتحها، ال اختالف، حتى ضوء القمر، أتعبه المسير، فركن

.ظهره على النافذة، واستراح

عينيه، يفتحها، ال اختالف، حتى الخياالت انمحت، لماذا لم يمت يغلق

حتى اآلن؟، كيف هي حياة التابوت؟ مساحة مهترئة؟، امتداد أقصر منه؟، ال ناس؟، ال نور؟، ال صوت؟، وحده مع كائن أسود، يفرض حضوره على كل

فكر في الملل، مل منه، حاول استحضار .شيء؟ ، لم يحن الوقت بعداستقر أمامه؛ سؤال، ، يئس منه، شيء واحد حاول أال يجالسه، لكنهاليأس

كان أبناءه مع -خاصة –ماذا لو أن كل ما فعله في حياته :واحد، ملح نم النافذة يتأمل اختالف، ال ا،ميفتحه عينيه، يغلق .خطأ؟ في خطئا ؛ اختالفا يجد ا،ميغلقه عينيه، يفتح جديد، يف يسرح ها،ميغلق هزيال كثيرة، تتداخل األفكار، يتسارع تقاطعها، رفقاؤه الذين سافروا منذ أشياء

جنيه التي أعطاها له أستاذ عشرين داية حياتهم إلى السعودية، الب

Page 12: بقشيش

11

شكري مدرس الرياضيات وعليها توقيعه، مشادة بينه وبين ابنه األكبر، ذحلقة من البرنامج الساخر، اللص الذي أمسكوه في شقة أم ميرفت من

.أسبوع، وسط انقطاع الكهرباء، لكنه، لخفته، استطاع اإلفالت منهم

يتأمل النافذة مرة أخرى، زوجته تكاد تلقي بنفسها من ارتفاع، لكن

الكثافة تمنعه من الحركة، وأين هي الحركة؟، ال مباالة، ينتابه فزع من !.المباالته

تهدأ أنفاسه، يغلق عينيه، يفتحهما، ال شيء سوى الحضور األسود،

بالمطبخ، اللص الذي سرق أم ميرفت؟، أم -غير معتادة-تلتقط أذنه حركة ر؟، الصوت يقترب؟، ال، نعم، بثقة، بخفة، يعلو، ثم فأر قادم من المنو

أدخل أنفاسه تحت السرير، كمم قلبه كي يخفض من ضوضاءه، .يخفتت، النور غمر اتسعت حدقة عينه، طغت على المساحة البيضاء، حتى اختف

الشقة، عكس وجود اللص الوهمي فوق رأسه، تشنجت قدماه ، أصوات .الفرحة ارتفعت من القهوة أسفل المنزل، والفقرة اإلعالنية الثانية بدأت

يل سقطت على األرض، تناثرت األقراص بعبثية، تمددت ماابعلبة الفير .ذراعه على الكومودينو، هاديء، بائس، هزيل

Page 13: بقشيش

12

لماذا يخلو بيت غادة من المرايا؟

ل، لم تكن تعرف ذلك، لم تتخي !.كان في انتظارها يوما منيال بستين نيلة .أن تسوء األمور إلى هذه الدرجة ال أحد يتخيل

في طريقها إلى العمل، ال في التاسعة صباحا كما اعتادت منذ أربع

كفائتها في سنين حيث بدأت، سيلزجية لم تخدمها الواسطة، والفضل هذا ي على جذب األنظار، ومديرها الذي اإللتحاق، بل قدرة خاصة

النوع من الموظفين، الذين تآمروا عليه في أقرب فرصة، ودفعوا إلى رفده، وترقيتها مكانه، رغم القاعدة الكونية التي تفترض الكراهية ي الموجهة تجاه أي موظف جديد، لكن تلك الموهبة الفذة لديها ف

السياسة أوصلتها إلى امتالك مكتبه خالل سنة، وأوصلتها كذلك إلى تركن سيارتها .من عصر اليوم حيث بدأت حكايتها الرابعة مساءا

في موقف الشركة ذي الثالث طوابق، وتصعد مرسيدس سي كالسالإلى الدور األخير، حيث الحفلة الكبيرة بانتظارها، لتكريمها كمديرة

في انتظارها إقامة بدبي، بيت خاص، .لمبيعات الشركة بالشرق األوسطثالثة أضعاف المرتب الحالي، امتيازات كبير، وصالحيات أكبر، األخيرة كانت

ايا، ء بيتها بالمري شيء آخر، التفسير الوحيد المتالما يعنيها، أكثر من أ .وحياتها كذلك

"إيه ده يا غادة؟، أنت جاية حفلة تنكرية وال إيه؟" -

قبل -ادة عندما ال تستوعب سؤال ماحركتها المعت-رفعت حاجبها األيسر

انعكاس صورتها على مرآة بجانب الطرقة بين المصعد وغرفة ىرأن تعقتها نوبة هلع شديدة وصراخ عال التردد خلع جميع اإلجتماعات؛ ص

الحضور من أرواحهم، انتهت بالسقوط مغشيا عليها، وقدوم اإلسعاف،

Page 14: بقشيش

13

ونقلها إلى المستشفى، ليكتشف األطباء أن وجهها أصبح وحدة واحدة، نعم، لألسف، ال أنف، ال أذن، ال فم، ال حاجبين، كأن أحدهم أتى

.وترك العينين فقط، فقط بالكامل بممحاة ومسح وجهها

**

انتشر الخبر على اإلنترنت بيد أحد الصحفيين الذين كانوا يقومون بالتغطية رأسا على عقب، في تلك المنطقة، مستشفى السالم الدولي انقلبت

نحاء الممكنة في غضون ساعات قليلة، أما الناس األأتى خبراء من كل على أنه أحد األخبار الصفراء ةفي البداي فتعامل بعضهم مع الخبر

المعتادة، وتعامل البعض على أنه غضب من هللا على هذا الشخص، وتناول البعض مسألة آخر الزمان التي اقتربت بظهور تلك األشياء، حتى

ازاي يبقى المسيخ " :آخرفرد عليه "المسيخ الدجال"أن أحدهم قال أنها على غراره بعض الحوارات لتنفجر "؟يا عم الذكي الدجال واحدة ست

وايه يعني لما يبقى " :الجانبية الخاصة باضطهاد المرأة من قبل الذكور، جيد، لم يشعر الناس في تلك الليلة بالملل، "المسيخ الدجال واحدة ست؟

.وا ويتوجهوا غدا لمطحنة الحياةوجدوا شيئا يتحدثون عنه قبل أن ينام

من المرايا، في الغيبوبة أكملت -اآلن-غادة، المرأة التي يخلو بيتها صراعها مع المسخ الذي رأته في ممر الشركة، فاقت من الغيبوبة وفكرة أن أحدهم دس لها عقار هلوسة ما في طعام اإلفطار كي

كانت كل ما يسيطر على عقلها ويدمر مستقبلها يرفدوها من العمل ، .أن أفاقت ، هكذا همست لنفسها بعد"كل ده مش حقيقي"تماما

عاشت الفكرة ألسبوعين حتى تم نقلها إلى مستشفى العباسية، لثالثة ل ما يحدث لها، انتشر الخبر أكثر شهور من العالج والتأهيل النفسي لتقب

Page 15: بقشيش

14

عالجوا "وتناولت مجموعة من الصفحات األمر من الناحية اإلنسانية، رج لعالجها، ، أشهر الحمالت التي استهدفت خبراء التجميل بالخا"غادة

جاءتها الكثير من العروض لتسافر على نفقة المستضيفين لدراسة الحالة وإيجاد حل لها، خمس سنين من المحاوالت الفاشلة، لم ينسها الناس،

.فريغ شحنات الملل والغضب اليوميكانت مالذا مثاليا لت

"الناس أساسا مش قابالني ..صر أنا مش هارجع م" -

**

طيلة الخمس سنوات على شبكات التواصل اإلجتماعي، خفتت راقبت ذلكموجات التعاطف أمام موجات عدم تقبل ذلك المسخ الذي أتى بيننا ليلعن أرض مصر المباركة، هكذا كان الناس على اإلنترنت، فما بالك بالشارع، سرحت في الكثير من السيناريوهات التي ستواجهها في

، والوظائف التي لن مل الذي لن يقبلهاالشارع الذي سيطاردها، والع، والبيت الذي سيضيق بها حتى يتحول إلى تابوت فتح لها درفة البابت

قررت غادة في النهاية أن تستقر .بحمام ومطبخ وتلفازحجر جرانيت أحمر لها الناس مع مرور الوقت، ومع مساندة هنا، في بريطانيا، حيث تقب

سية دعمها، وتم منحها على إثره الجناإلعالم الذي قاد حملة كبيرة لئف، ظاوتنقلت بين مجموعة من ال .تيحتأ اإلنجليزية، ثم وظائف كثيرة

، بريستولمقاطعة ، وتسكن شقة تسعين مترا في "محاسبة"اآلن هي وذ فترة احتراما لهم لم يحققوه من هكذا أراد البريطانيون أن يحققوا

.كبيرة

، حيث يتقبلها وقت ممكنجد في شوارع لندن أطول تحب غادة التوا

المتاجر مدرجات كرة القدم، في في حدائق الحيوان والمتاحف و الناس

Page 16: بقشيش

15

وال تحب منزلها، شخص واحد كانت تريده أن والمقاهي، والمطاعم ربه طيلة الوقت إال أنه كان ناقما عليها بشدة، لهذا لها، ورغم ق يتقب

.عاقبته اآلن بأن أخفته عن أنظارها

في ذلك لكنها ،نهاية مماثلة كانت ستصل إليها لو لم يحدث ما حدثحازت على على كل ما طمحت منذ البداية، حيث العالم المواز اآلخر

كاس م يكشفه مجرد انعسيكون بيتها مليئا بالمرايا التي تكشف لها ما لشديد مع ءالذي كان سيأخذ حيزا يكبر ببطالناقم ضوء، ذلك الشخص

الوقت، ثم يبتلع كل الحيز الذي تمتلكه مرة واحدة، كان سيشنقها حتما .يناو كما ر

Page 17: بقشيش

16

بقشيش

.. "معيش فكة وهللا" -

لة فوق فان قالها قبل أن يقلب في جيوب الجاكتة الجلد التي يرتديهارمادية متآكلة من ناحية الرقبة ثم في جيوب بنطاله القماش المتسخ من أسفله بالطين، طين الشتاء الذي هب علينا فجأة، وبلل الهدوم

، في عاقل ، أنا الغلطان ألنني صدقت األرصاداالتي تعبت في غسله .يصدق األرصاد؟

".معيش غير الخمسين ديه" :كرر

ى لقى علالسرير، بحثت في جيوب بنطالي الجينز الم وضعت الغداء على

أعرف كنت .الكرسي البالستيك، لم أجد إال ورقتين آخرتين من فئة المائةسرحت في السقف لدقيقة ثم فتحت أدراج الشوفينيرة، .ذلك بالمناسبة

بحثت بجوار التلفاز وفوق الدوالب حيث أضع بعض األدوية والكراكيب، ال في كومة قش وحسب بل أقوم بتجميع أجزاءها الصغيرة، أبحث عن إبرة

نزلت أسفل الدوالب، .جمعت ورقة بخمسة جنيهات وثالث جنيهات فضةومددت ذراعي آلخرها، التقطت المحفظة المركونة طيلة األسبوع الفائت

ت، طوحتها على السرير وخرجت لدواعي الكسل، وجدت بها عشرة جنيها..

أعاد إلي العشرة جنيهات مشيرا إلى ".ر دولأنا كمان معيش غي" -

طب" :الحرق بمنتصفها، فأضفت في استياء من الحجم الكبيرمش عارف ازاي ديليفري ومعاكش فكة ..شوفلي فكة بقى

آخر ".الزبون اللي قبلك أخد الفكة اللي معايا كلها" .. "يعني

Page 18: بقشيش

17

الشهر أو أوله، لست بمستوى رفاهية يسمح أن أعطي خمسة ة جنيهات حد أقصى عشرين جنيه بقشيش يوما ما، بل ثالثو

.كعادتي دائما

تعثرت في بنطالي، وكتبت في المحادثة الكوميدية التي كانت بين م ، ث"رجالة، نازل أجيب حاجة من تحت بسرعة وراجع" :ثالثتنا على فايسبوك

:لحقت بالرجل، وجدته يشعل موتور دراجته النارية أسفل العمارة، قالأركب؟، كانت واحدة من أحالمي أن يكون لدي ".تعالى يا باشا اركب" نعم، ال يئس .حدا من دراجات هارلي ديفيدسون، اللون األسود بالتحديدوا

مع البال بال بال، دعنا نجرب هذا الحلم على حجم صغير هذا اليوم، وكلها نأ يبدو .عشر أو عشرين سنة ألجرب الحلم في حجمه الطبيعي، الكومبو

والهواء والثلج المطر مزيج كان كل، على .أفكاري على يؤثر بدأ الجوع، سيرنا أثناء جسدي في خلية كل تخلل الذي كنت أحالمي في ساحرا

وأزيد من سرعة الدراجة إلى آخرها -ما يفعلون في األفالمك– سأقفحمد، أ .وأزعق بصوت عال، لكنني اكتفيت باالستمتاع باللحظة في سكون

عرفت أن اسمه أحمد، كان يقود ببراعة في الطريق الذي لم يتم سفلتته لم تكن دكانة توجهنا إلى دكانة عم ثائر السوري، .بعد، وأنا متشبث به

اعتدت الحقيقي، وإنما بالكونة غرفة مفتوحة على الشارع، بالمعنى، قال لي أنه ليس كمال شراء األشياء منه لقربه، لم أجده، بل وجدت ابنه

سيناريو كهذا كان ليثير حنقي في البداية، لكن اقتراح أحمد .لديه فكة :قال ..بأن نذهب إلى دكانة أخرى على أول الشارع أبهجني كثيرا

، نعم، "سوق يا أحمد وال يهمك"، "هارجعك تاني يا باشا ماتخفش،" من قليال تحررت .سأستمتع لوقت أطول بتلك اللحظة التي لن تتكرر

مع خف الذي المطر مواجهة في يدي ومددت المرة هذه سكوني هوأعطي القاعدة أكسر أن قررت نفسي، وبين بيني .الشارع ألول طلوعنا

Page 19: بقشيش

18

الو خمسة على ال يحصل لم -النهاية في– لكنه بقشيش، جنيه خمسة !ستة

"اضرب ديك أمه ابن الوسخة ده" -

على -مرة ألول–كان هذا آخر ما سمعته من ظابط اللجنة التي كانت

أن باباله حظنا فيها، مبالغ بدقة والمارة السيارات تفتش الشارع أول– جديدة حياة ليبدأ هنا إلى وجاء جنائي، حكم من متهربا كان أحمد خالل وانطلق الدراجة، فوق من أحمد طوحني .-بعد فيما ذلك عرفتملي جانبي غير ممهد، لم أكد أستوعب ما فعله أحمد، وأستوعب ر طريق

وجع الرمية، حتى جاء اثنين من العساكر، وانكبوا عليا ضربا بأرجلهم، وبكعوب البنادق قبل أن يلجمهم ثالث، رفعني من على األرض بيديه

تها تل ".انت مين يال"وت سيارة مركونة، إلثنين ورماني بعزمه فوق كب امجموعة كبيرة من الضربات على الرأس والبطن والظهر، ال أعلم من أين

أما أحمد، فاألتاري في هذه .تأتي الضربات، لكنها تأتي بعنف وانتشاءي ة التياألثناء كان قد انطلق وراءه يزمجر كواحد من تلك األفالم الوثائق

.، ظابط وعسكريقطيع من الغزالنينطلق وراء عجوز جائع نرى فيها أسدالطلقات المتالحقة والتي أردت أحمد في المنطقة كلها سمعت دوي

:أما أنا، ففقدت الوعي معظم اليوم، ال أذكر سوى جملة .النهاية، قتيال والضرب السباب، مع الكثير من "عايزين تقتلونا يا إرهابيين يا والد الكلب"

على القفا من سائقي السيارات الواقفة في الكمين والمتجمهرين وكيل النيابة، القاضي، ال أحد .مر اليوم، مرت سنتين، في السجن .حولي

اقتنع بقصة الدجاج المشوي، والفكة، وركوبي الدراجة النارية مع وى س رة طويلة، لم يسأل عنيلم يعرف أحد ما مررت به لفت .الديليفريالمحادثة الكوميدية، تكلموا على فايسبوك، لكنهم لم يذكروا صديقي

Page 20: بقشيش

19

قصة الدجاج المشوي والبقشيش، لم يصدقاها، ثم صدقوها، فأخبروا الناس أنه تم اختطافي من بيتي كي أجذب تعاطف أكبر، صفحة أخرى

التي تأخذ وقتها ثم ال يهتم أحد بها، أشياء "الحرية لفالن"من صفحات رغم أنه األول في -الحادث نفسه .ى تأخذ اهتمام أكبر وهكذاأخر

لكنه مر بين زحمة األخبار كشاب نحيل مثلي يعبر إشارة مرور -منطقتناحتى أنا لم أهتم، عندما قالوا لي في إحدى الزيارات بأن .في وسط البلد

أضرب عن الطعام، قلت لهم إني أجبن من ذلك، لم أتعلم شيئا على الشخصي، كنت أتوقع في أحالمي أن حادثا كذلك قد يصنع المستوى

، لكنني في ا ، أعط مني بطال ما لديك من مال لنهاية تعلمت شيئا واحدا ، وال تنزل من بيتكبق .شيشا كامال

Page 21: بقشيش

20

دعوة زفاف؟ - ما لك يا بنت

.ال شيء - ماذا تحملين في يدك؟ - .اكتشفي بنفسك -

.. يرن جرس الهاتف

، متى - ألو، سلمى، حمدا لله على سالمتك، أيوة يا بنتي أسمعك ؟ ..رجعتي؟، فيكي الخير وهللا أتيتي في .أنا؟، الحمد لله وأنت

:أحكي لك، إسمعي، إسمعي ..إيه؟ ..وقتك

الولية الهابلة قطعت كل تلك المسافة، وصعدت إحدى عشر دورا كي "

.ابنها الصايع ابن الصايع .ابنها ثم رحلتلحضور زفاف "دعوة"تعطيني أمين، لم أحكي أمين، إسمه ..كان قد تقدم لخطبتي منذ شهور، اه وهللا

، ما انتي كنت ال لم لم أوافق عليه رغم محاوالت ..مسافرة يا بنتي لك أمي وخاالتي لقبوله، هم يعلمون جيدا أنني حتى لو قبلته لن تستمر

على بعضهم، حكايته وحكاية أمه الحي كله خطبتنا لثالثة شهوروجهة نظرهم يا ستي أن الخطبة ستفك :لماذا؟ ، أنا سأقول لك .يعرفها، النحس، خطوبة مفسوخة خير من وقف الحال هذا، إثنين وثالثين عاما

أنا لست ..وبلد متخلفة .. طبعا تفكير متخلف ..ولم يتقدم لي أحد ون لماذا ال يلتفت ..لن أتحمل هذا الضغط كثيرا لكنني ..متضايقة مثلهم

عندهم مشاكل الدنيا كلها مع ..إلى حياتهم وحياة أخواتي اإلثنين ..لماذا ال يتركوني في حالي ال أعلم ..أزواجهم وأهالي أزواجهم

" ..مهم نرجع ألم أمين ال

Page 22: بقشيش

21

يا سارة -

..ثواني يا أمي، أتكلم مع سلمى - هاصدعك لكن ..معي يا سلمى، فاضية أم أحكي لك في وقت آخر؟ "

أم أمين كانت متزوجة من الحاج أحمد صاحب .. !اعذريني، أنا مفقوعةالمخبز أول الحي، مشكلتها معه أنه كان ال يصلي، حاولت أن تنصحه كثيرا لكن بال فائدة، طلبت الطالق، طلقها، رجعت لبيت أهلها، أخذت

، أشاروا عليها بالشيخ رؤوف، إمام مسجد الرحمن الرحيم، ابنها معهازوجة ثانية، ال يهم، المهم إنه ابن حالل مصفي، ويصلي، سيحمل من عليها هم تربية أمين، أمين بقى يا ستي، طلع ألبيه، كانت تناديه كي

، أربع سنين، وأمين يعمل”هللا أكبر“ :يصلي معها، فيجيب من داخل غرفتهالشارع كله بدأ .ديع أمام أمه، وفي الشارع حشاش وصايعالطفل الو

يتكلم عن صياعة ابن الشيخ رؤوف، والمشايخ ضغطوا عليه، كانوا ثالثة أيام سواد علينا في البيت لما أم أمين باتت عندنا بعدما الشيخ رؤوف

تعارك معها، ورمى عليها يمين طالق ثالثة، األيام دارت ورجعت للحاج ثم دخلت الغرفة، ”هللا أكبر“وم نادت على الولد الذي قال أحمد، في ي

، ”..هللا أكبر، سمع هللا لمن حمده “ :فوجدته نائم على السرير ويقوليومها الحي كله سمع صويتها ولطمها، أيقنت إن ابنها صايع ابن صايع، ليلتها أغمي عليها، وباتت في المستوصف، جميعنا قلنا أنها لن تنجو،

والولد تزداد حالته ..ومرت األيام .فلن يبيت أمين في البيت ولو نجت،، أنا أعرف ذلك دونا عن الجميع ألن زميلتي تعمل بالصيدلية التي سوءا تجاورنا، وزميلها مظبط أمين ترامادول، لكنها تتكتم على ما يفعله

زميلها حتى ال يطرده صاحب الصيدلية، الدكتور عبد هللا، في الحقيقة لها وعدها بالزواج، وهي تمني نفسها بأي أحد حتى تخلص من زمي .. "هلها الذين يكبلون حريتها بغباءأ

Page 23: بقشيش

22

يا سارة -

حاضر يا أمي -طيب سلمى، سأذهب اآلن وأكلمك بعد قليل، أو كلميني عندما -

تستريحي من السفر، دعوة الزفاف؟، اه، ما أمه عاشت، وتعايشت، كنت منهم، إلى أن وجدت وبحثت له في الحي كله عن عروسة،

له عروسة من بحري، سنكوحة مثله، واتخطبا لستة أشهر، استعجلوا الزواج، والفرح يوم الخميس القادم، وأمه تحسب أنها

ة حمدا لله على سالمتك، عام .. !تغيظني بالدعوة، عالم متخلفة .سالم

سارة أسرعت إلى المطبخ، أمام الغرفة، في الطرقة الممتدة، على

أمسكت بها، تأملت النقش األصفر قبل أن تقطعها .األرض، كانت الدعوةإلى نصفين، والنصفين إلى نصفين، حولتهم إلى كومة من القصاقيص

الصغيرة، إثنين وثالثين قصيصة، كومتهم داخل يدها وهي تجز على ..نانها، كادت أن تكسرهم جميعا أس

سارة -

.أيوة يا أمي، أيوة -

Page 24: بقشيش

23

القاهرة، المهندسين

كانت إضاءة عواميد الطريق الصفراء الباهتة في تلك البقعة، منعدة ."مغربي للنظارات"أمام اإلضاءة البيضاء المبهرة التي تتميز بها فروع

المعلقة "الموديلز االجانب"أول ما شد نظري قبل عبور الطريق هو صور الريبان ون النظارات هم يرتد .في ثالث لوحات عريضة أعلى الفرع

المعروضة بالداخل، ويقف كل منهم بزاوية معينة، لهذا تبادر إلى ذهني سؤال عابر، ترى كم يأخذ الواحد منهم من أجل صورة كتلك؟ فضال

الخ من األمور المعروفة لدى العاملين ..عن المالبس، فريق التصوير ذي شد نظري بعيدا المهم، عبرت الطريق، ال أعلم ما ال .بالتسويق مثلي

عن المشهد في االتجاه المقابل للحظة، قبل أن أعود مرة أخرى، أللتقط صورة فتاة، صغيرة، ال يتجاوز عمرها الست سنين، تقف بالقرب من باب

تشرب شيئا ما في كوب .الدخول، لو دخل أو خرج أحدهم الصطدم بهافل كاد يصل إلى أسحافية بالطبع، تلبس بنطاال ي .بالستيك، ربما مياه

الركبة، وقميصا بإمكانك أن تستخرج منه طنا من الغبار بضربة واحدة الصغيرة، الجميلة، الساحرة، تتأمل الشارع، تسرح للحظة، .على الظهر

وظهرها في اتجاه مدخل الفرع، فال أتبين مالمح وجهها الذي أتت ض من آشعة النور األبيض من خلفه كبطل أسطوري هبط على األر

مركبته الفضائية، لكنها غير مبالية بالفرع، وال بالزبائن الذين بالداخل، وال قت ص .ورهم باألعلى، وال بي أنابالعاملين به، وال الموديلز الذين عل

أفاقت من سرحانها، والتحقت بأمها التي سارت لألمام في اتجاه

القاهرة، ، وال أحد، في "حاجة لله" :معاكس للسيارات، تسألهم .ع قدمه من فوق دواسة البنزينالمهندسين، يرف

Page 25: بقشيش

24

تراويح

، ثم جلسنا بالش .رفة نشرب الشاي بالنعناعانتهينا من اإلفطار سريعا هي مناسبة بدءت منذ خمس سنين، ال أستطيع الفرار منها، لقرب

الشرفة صغيرة ، بالكاد تتسع إلى شخصين، .صديقي عزت من قلبيهي تعد طبق .تتسع إلى ثالثة أشخاص، أنا وعزت وزوجتهوجودي، وفي

البامية الذي أحبه ، كما يقول الكتاب، وأنا ال أستطيع مقاومة تلك شاي، مع بعض األعراض الغواية، كما أنني بالكاد أجيد عمل كوب

الجانبية؛ كإحراق البراد، استعمال الملح سهوا بديال عن السكر ، نسيان أنه .بعد سكب الماء المغلي بالكوب يت شاي أصال ليس بالب

، هه ، زمن ، من قال أن الحال "عباد الرحمن"الشرفة تطل على مسجد

قبل زيارتي لتلك الشرفة أول مرة بعشرين سنة ، كنت هنا ، أصلي .يتغير؟ .المصلين للمرة األولى واألخيرةمع أبي التراويح ، وكان أبي يؤم

تعرف يا عزت؟ - عرف إيه؟أ -

ل، ثم سبعة أشخاص منهم أنا كانا صفين على األكثر في العشر األو

وأبي وعم سعد المؤذن بقية الشهر ، وكنت كلما وقفت خلف أبي ، أشار عم سعد إلي ، يدفع جسدي الصغير بكلتا يديه برفق اختلط مع ابتسامة

جب ن الصغار ييقول عم سعد أ .جميلة وتبريقة مخيفة ألتوجه إلى الخلفخرين الكبار كانوا يأتون متأ .أن يتركوا للكبار الفرصة كي يتقدموا الصفوف

.ه، وأخشى أن يؤنبني أبي على ذلكيا عم سعد، لكنني كنت أخشا

Page 26: بقشيش

25

بهدوء ووقار يحمل في أس من ذوي الصوت الجميل، لكنه يقرأبي لي، يجعلني أركز في الصالة لم يكن هذا .كينونته خشوعا بسيطا مميزا

الخشوع هو الذي حمل عم سعد على تقديم أبي إلى اإلمامة، لكنه الحظ مظهره، وانتهز فرصة دخول أبي المرحاض، فأشار إلي، وسألني

."أسنانر دكتو" :، قلت"يا حبيبي؟ هو بابا بيشتغل إيه"لما اقتربت

د الواحما أذكره على وجه التحديد كيف كان الناس يحتفون بي، ويقبل

عد ، ثم يرمق عم س"ربنا يفتح عليك يابني" :منهم بين الركعتين قائال وماذا .أمي كانت تنهرني بشدة لما أفعله .بنظرة غاضبة، وينصرف

فعلت؟، كان أبي يخطيء في القراءة، وكنت قد بدأت وقتها دروس ذا له .، هكذا كان لقبه"ي من األزهرلالدكتور ال"تجويد على يد عزت، ال

دققت في المد، الغنة، عالمات الكسر والرفع والنصب، فال يختلط تفىلكنني كنت أشعر بلذة خفية كلما اح .المعنى ويخرج عن مراد هللا

.بي أحد، ونظر إلي في إعجاب

األمر تحول إلى معركة، كنت أركز ال في الصالة، بل في الخطأ الذي

سيقع فيه أبي، حتى أرفع صوتي بالصواب، فيعيد أبي القراءة، عم سعد كان يشير إلي ألقف بجواره، ويربت على كتفي، بينما تنهرني أمي

، أبوك بيتضايق، كدة هايقولوا هو اللي مالكعيب يا " :بالليل، وتقول، لم أقتنع بكالم أمي، الناس كانوا ال يطيقون "ش الناس من الجامعطف

الصالة الطويلة ، لهذا كانوا يبحثون عن مساجد أو زوايا أخرى تنهي األمر ، سألته ذات ليلة لم أتبادل مع أبي الحديث في هذا .التراويح مبكرا

وال ،، ينظر إلي ويبتسم"هي الناس مش بتيجي التراويح ليه يا بابا" .خطاي الصغيرةيتكلم، ويكمل الطريق إلى المسجد بخطى تراع

األخير ،أن يشير إليه عم سعدعتاد لليلة، انتظر أبي لحياءه المفي تلك ا

Page 27: بقشيش

26

:كنت آخر من قال .. "اتفضل يا حاج توفيق" :، زعقنظر إلى يساره ."!آمين"

انتهت الصالة أسرع من المعتاد، وأقبل المصلون إلى المسجد في قصير القامة، خفيف الشعر،أحول، كان الليالي التي تلتها، الحاج توفيق

يلبس عباءة تغطيه من األكتاف وحتى الكعبين، ولها زخرفة ذهبية ألوانها من البني الفاتح واألصفر تنوعاللون على الحواشي واألطراف، ت

بي واألسود، وكان يلفها ويلفحها على كتفه األيسر فيتدلى جزء التراكان من الممكن أن يلبسها كما منها على الصدر وآخر على الظهر،

القفطان األبيض فتغطي ظهره وصدره ليخرج يديه من الفرجتين، يلبس لكنه كان سيء الذوق، وسيء القراءة، كانت ستعطيه وقارا يليق بإمام،

.لكوسيء الصوت كذ

ركعة يقرأ في اليقرأ الليلة كلها بسورة البلد وقصار السور، القصير كان ثالث آيات وفي التي تليها، يبدأ من آخر آيتين قرأهما في الركعة

ل فوق أنني أصابني الشل فقدت التركيزالسابقة، ثم يكمل بآية، وهكذا، لم أقدر على تصويبه لكثرة ما أصاب اآليات من خطأ حتى في .الرعاش

صل وانت " :كما أن عم سعد قال لي من أولهاأبسط قواعد اللغة، بعد ليلتين، عدنا إلى المنزل، ، "ساكت يا مالك، الناس عايزة تركز مش كدة

وفي الطريق نظرت إلى أبي الذي أسرع في سيره، لم أتبين مالمح اللحاق به بصعوبة، نظرت إلى الخلف، كانت يافطة وجهه، وأنا أحاول

.تصغر شيئا ، فشيئا "اد الرحمنعب"

Page 28: بقشيش

27

قصة قصيرة

طاولة، على هيئة مستطيل، في مواجهة قائم حديدي يفصل :المكانالعجوز، قصيرة إلى الحد تقف على أربع أقدام من الخشب .بين بورصتين

رأسها، يغطيه مشمع بالستيك، .الذي أمرر، بصعوبة، ركبتي من خاللهاسميك، مطبوع عليه عالمة ليبتون، وسطحها أملس، فال يسمح للماوس

تبقى لي منها مساحة ضئيلة .بي أن يتحرك بحريةالوايرلس الخاص لقلم، ال أرسم به سوى دوائر متقاطعة، تعكر صفو ما لدي من ورق

أبيض، وفالشة نت مضربة عن العمل، وهاتف نقال ال يرغب في التواصل .ع الناس، كثيرا م

باقي من الوقت المباح ساعة، وال .الحادية عشر والنصف ظهرا :الزمانأدري، رغم رغبتي الملحة، عن أي الحكايات أكتب، أبحث في صندوق كرتون متوسط الحجم، بين كل تلك اللحظات القصيرة في حياتي، أي

.عداللعنة، فجميعها، عن يدي، ابت .ومضة أستطيع إطالتها

حيرة، طالت، وحالت إلى ضيق، إغتال أنفاسي، ثم استقر بقاع :الحالةهنا، ..بالمناسبة .سكر زائد-فنجان زجاجي امتأل عن آخره بقهوة حليب

بل ،ز، وبساطة ما يشربه الحضورــدون البورصة المقابلة، رغم ضيق الحي الخلفي، ل القهوة، ال الشاي، في الممروبساطة الحضور أنفسهم، أفض

، قبل، هاديء رتشف من الفنجانأ .نايتين عتيقتينبين ب ، وممل جدا جدا ، يسكن، يمتزج أكثر بالسكر الزائد، أحيلها إلى برد، ثم أترك آخر ربع فيهيأن

Page 29: بقشيش

28

قهوة حليب، وأراجع ما كتبت، أمسح الكلمات الزائدة، أعيد -سكر زائدي عالمات هيكلة الجمل، أرقي الفواصل، أمنح النقاط أرفع األوسمة، أنح

االستفهام، أحيل جمل التعجب إلى التقاعد المبكر، وأميل أكثر إلى وفي النهاية، أنظر إلى ما كتبت، أهز .الوصف الذي يأكل لذته، االختصار

.الرفض المتشدد، وأحيله إلى عدمرأسي ب

الدقائق التي تسير بانتظام مرعب، أتأمل ما تبقى من قهوة، :العقدةالقهوجي، شاربه ثقيل، ذقنه خفيفة، محفوفة علي، يتأملها، كذلك،

يبدأ الزبائن في غزو محيط الصمت، .على هيئة موجة صيف منحسرةهناك رجل تقف في مقدمة عينيه نظارة، بال إطار، .واكتشاف الطاوالتاءه، يمأل ما تبقى من رأسه، شعر أبيض كلون قلبه؛ ينم صفاءها عن صف

.. "يتحدث مع زميل له عن رجب المحامي، الذي لم يأت في ميعاده، ..رجب ..أيوة ياعم ..يعني ينفع أستناه ساعة قدام محكمة األسرة ؟

، ينتفض من مكانه، يبحث عن .."معايا الفلوس أنا .. ..رجب المحامي الحمام، "، فيردد، "على فين؟"ت القهوجي من الداخل مخرج، فيباغته صو

على الطاولة المقابلة آخر، يحمل فوق رأسه نظارة شمس، ".الحماميلبس بلوفر أخضر وقميص بني، يقطع حبل أفكاري رسالة نصية، ال يهم، سأركز، نعم، لقد سبق وكتبت الكثير من القصص الرائعة، أريد المزيد من

يز يقل، يتالشى، فضولي، كالعادة، تستثيره أقل األشياء، التركيز، التركإعرف الرسول محمد عليه الصالة والسالم أكثر واستقبل كل يوم صفة "

ب 3214أو قصة عنه لمدة أسبوع ببالش، لالشتراك إبعت رسالة فاضية ل ، على الرسائل، الفضول، الحضور، وعلى "قرش 22 ، اللعنة عليكم جميعا

، ثمة"نية عشر وإثني عشر دقيقةالثا"أنظر إلى الساعة، .رجب المحامياة صغيرة تشرب الفراولة، تغازل قط، بل قطة، تحمل في عنقها، تف

يم أحدهم الظهر بمسجد مجاور، يمر كيس بالستيك بشكل يثير الضحك، يق

Page 30: بقشيش

29

رجل عجوز يحمل المناديل، يسبغ عليهم بدعوات الصحة والمال والذرية نين ات"د يتجاهلونه، يحاسب شابين وفتاتين القهوجي، الصالحة، األوغا

يات"واتنين عناب ..أربعة شاي زردة ..شيشة -، يستقل األربعة سيارة ف

القهوجي، يمسح الممر .هاتش باك رمادية مركونة على الجانب اآلخر .ثم يقيم أحدهم من مسجد آخر ..بعينه بحثا عن راحل

.رجلها، واألخيرة، ترمقها بنظرة غاضبةالفتاة تضرب القطة ب :الحل ، جلس ظابط، يراقب الحضور، الرجل ذو ، وأكثر حذرا وبنظرة أقل غضبا

.، ويرشف الشاي بصوت عال "سناك" :على هاتفه البلوفر األخضر يلعب، بل جاكته األسود على هيئة بدلة شرطة شتوي الظابط لم يعد ظابطا

ال مة عامنتصف، ال أتبينها، الظباط فوق قميص به رسم لونه أحمر في الأنظر إلى المصلين داخل القهوة، .يرتدون اللون األحمر، فقط يشربونه

الحساب "، أنظر إلى الساعة، الثانية عشر والنصف، "تؤمر يا باشا"ستة جنيه يا .." "سكر زائد-واحد قهوة حليب" .. "أخدت إيه؟" .. "لوسمحت

الحساب، جنيه بقشيش، أتوجه إلى أحاسب القهوجي، وفوق ".باشاالمصلين، ال أجد مكانا في الصف، أنتظر الجماعة الثانية، تلمع فكرة قصة

أعود سريعا إلى الطاولة، قصيرة في رأسي كغواية ال مهرب منها،ئم حديدي طاولة، على هيئة مستطيل، في مواجهة قا :المكان" :أكتب

"..يفصل بين بورصتين

Page 31: بقشيش

30

مشهد

"احك لي عن أسوء كوابيسك" -

، وقفت عبة لفهم ما -بين هذه الجموع الكبيرة-حائرا في محاولة ص عا في كل اتجاه، والبراكين اقتربت منا كموجة -يحدث؛ الكل جرى فز

ه، ثم .بسرعة مخيفة -فيضان عمالقة مل أحدهم أشار إلى آخر بيده فح م البعض بخفة، مكونين جسدا اتجه إليهما آخرون؛ وتكتلوا فوق بعضه

ط منه أحدهم أثناء سيره إلى األمام وعبوره إلى -في ثبات-ضخما سق اتجهت إلى أحد المجموعات ألندمج معهم؛ فأسقطني .الجهة األخرى

مل كل مشاهد اإلثم التي شريط من األحداث مر أمامي بسرعة خاطفة ح الثالثة، لكنني لم أنجح في أصررت على ارتكابها، حاولت مرة والثانية، و .االندماج معهم جميعا بسبب وزني الثقيل

شظية من نار طارت في الهواء باتجاهي، حاولت تجنبها وأنا أجري

، ، مبتعدا غير أنها اخترقت سترتي من الخلف، انطلقت ملت يمينا ثم يسارا ع، لكن األلم ترق بل أن يحألقاني على األرض ق -الذي ال يطاق-أسر

عل كابوس !.ظهري بف

Page 32: بقشيش

31

للبيع

" ..؟ متى" -

على كوبري ندرية، ي كنت أسير على كورنيش اإلسكما أذكره أن، !ال أذكر، ظننت أن ل بهموم الدنيامحم ايا مثقلة بشكل،خط، تحديدا ستانلي

ل فاقت كاألمور بإمكاني السيطرة على أمور حياتي، لكن من يستطيع، كثيرة جالت بخاطري وأحالم يقظة تراءت أمامي ورغبة أفكار .إحتمال

، لكن ال يفعل ذلك هنا سوى المهاويس والشباب !قوية في الصراخ .المنتشي وظباط الشرطة

"كنت حاسس بإيه وقتها؟" -

حنين للماضي و ملل من الحاضر ؛ في الحقيقة لم أعد أكترث تقدر تقول ب توقفت عن ال ..حتى المستقبل ..لكليهما تفكير فيه ؛ فهو دائما مخي با لمزيد من اإلحباط . !لتوقعاتي .. !أقرر أحيانا عدم التفكير أصال تجن

. !لكنني ال أنفذ قراراتي في كثير من األحيان شوقا لقليل من اإلحباط !أنا أعرف هذا الشخص .. مهال

"وكيف يبدو؟ ..من هو " -

عندما -واألعطال الصدأ رغم –هكذا بدأت تروس ذاكرتي تتحرك بصعوبة

الجانب على أوقفها التي سيارته من ينزل أحدهم على عيناي وقعت !"ا نادري ...نادر ...درنا" :ناديت .الطريق من اآلخر

Page 33: بقشيش

32

"وكان رد فعله إيه؟" -

ي يفعل فكما كان -كنت أتوقع أن يقفز فرحا ويلوح لي بيده عندما رآني

ارتبكت ..نعم ..ارتبكت .. !؛ لكنني لم أفعل -الماضي وكما كنت أفعل !عندما انتبه إلي

"وهو ؟" -

كذلك هو ، إكتفى بإبتسامة متثاقلة جدا بينما تابعت عيناه السيارات .التي تعبر بيننا حتى يتمكن من الوصول إلي قبل أن يفقد حياته

"اوصفلي شكله" -

وبدلة أنيقة وحذاء كالمرآه ،نموذجية وشنطة أكيد رولكس،، ساعة ذهبية

!

"ايه اللي ضايقك دلوقتي؟ " -

ندام رأيته من قبل ..أحمل عنه خبرة سيئة جدا ..نعم بالظبط ..هذا اله فألدع هذه الهواجس جانبا اآلن وألعانق هذا الصديق القديم ..ال يهم ي بقية اليوم سويا نتحدث عن لعلنا نمض ، إنه نادر على أي حال،بقوة

.، هذا بالظبط ما كنت أحتاجهاأليام والذكريات

"إشمعنى نادر اللي اخترت تشوفه؟" -

Page 34: بقشيش

33

أنا .شبابي أحالم وشريك أسراري وحامل أصدقائي أعزنادر، أقولك من لديه يبدو كما لكنه ،كما تعلم للسردأملك الوقت الكافي ال بالطبع .يكفي ما السرد

"تالحظ معي إختالف مالمحه؟هل " -

، شعره … !مفرطة بطريقة يلمع لكنه ، هي كما مالمحه أن أعتقد .؟ه كالبقية أو كما كانت في الماضيال تلمع عينا لماذا، وجهه ، شفتاه

"بيعمل ايه دلوقتي؟ ..سيبك من عينيه وركز " -

هم أن يعبر الطريق عندما سنحت له الفرصة لوال أنه توقف فجأة ورجع

.ارتباك ثم أخرج هاتفه المحمولتفحص جيوبه في ..خطوتين للخلف

ك ل" - ـ "؟ديه درجةلهاتف مربـ

..م نع ..مالمح وجهه تقول أنه يتلقى اآلن كما هائال من التوبيخ الشديد

، أنت تعلم ذلك هذا ما تعلمته من األيام ..أنا ال أخطيء قراءة المالمح ، وانظرأدع األيام جانبا اآلنأعلم ماذا ستقول، اعذرني، س .بالتأكيد

.الطريق سأعبر .. لي في حياتيقوم بأكبر عمل بطوأس

بينما ..األدرينالين يتخلل كل خلية بجسدي تابعأالسيارات و تابعأنا اآلن أوما أن استقرت قدمي .للمتصل ظل هو منهمكا في اإلستماع بحرص

اليمنى على األسفلت حتى قفزت للخلف عائدا للرصيف تفاديا لسيارة مرت بسرعة خاطفة ضربت أبواقها بصوت عال ونثرت المياه المستقرة

.على األسفلت في كل مكان

Page 35: بقشيش

34

"للحمقى عندما يستقلون سيارات يا " -

إلتفت إلى صديقي الذي لهذا ال أحب عبور الطريق، المهم، .بالظبط

رأيته يغلق جهازه المحمول ويضع شنطته على األرض ثم تابعته وهو وكأنني وقفت ..ينحنى ليعدل من كسرة بنطاله المتدلي على حذائه

سمعت عنها؟ .أمام الكوبرا الملك

" ..أل " -

تعيش في جنو الكوبرا الملك، تلك الكوبرا ذات األمتار الخمسة التي

..ا شرق آسي

"عايز توصل إليه دلوقتي؟" -

الذهول حالة من الصمت وال شيء، المهم أني كنت أحاول وصف

المرعب الممتزج باإلستغراب الفاضح والذي ظهر على مالمحي خاصة .. !عندما عاد مشدود الظهر مرة أخرى ونظر إلي بتلك النظرة الخاوية

عنقه رباطة على وشد .. للحظة سكن بعدها ..يا دكتور أتذكرها جيدا إلى أخرى مرة الدنيا بساطة بكل عاد .. ! وعاد شنطته أخذ ثم بقوة

إطاراته تحت حياتي ينهي كاد الذي األحمق سيارة طراز نفس – سيارته وسط سيارته وذابت … وانطلق بقوة الباب وأغلق عاد .. – قليل منذ

.الزحام

"مش هاترد على تليفونك اللي بيرن؟" -

Page 36: بقشيش

35

..تركت تليفوني عند الممرضة في الخارج كما أمرت يا دكتور و أنا

مش قصدي على تليفونك اللي برة، بتكلم على تليفونك اللي " - .."هنا

حشرجة خفيفة- ..ثواني، يقول أنه دكتور ال أعرف مين، من شركة إيه ااه،

جاء زيارتنا غدا في مقر الشركة بر" :يرد .”أي خدمة؟“ :ثم -في حنجرتي "لوظيفة التي تقدمت لها من شهرينلتستلم ا

"ده اختيارك ..هاترد تقول إيه؟ ..هاا؟ " -

ثم نظرت إلى حذائي الذي ، ت ضحكة صامتة هزت قفصي الصدريانفجر

“ :مصطنع وأقول بأدب ..حتضر من البلل قبل أن أضحك ضحكة عالية ا !”لست للبيع ..آسف يا فندم

عرفت تسيطر على حياتك باختيار أديك ..شوفت سهلة إزاي؟ " -

"نتقابل الجلسة الجاية ..واحد

Page 37: بقشيش

36

أبحر

أبحر "إلى كبرنا على أن أخرج قبل انتهاء العمل بساعتين متجها ، أوال ال أحد يتوجه إلى هذا المكان يوم ، الطريق فاض "الجنوبية تماما

ين ، وثالثا ألن الذ"أبحر الشمالية"الثالثاء، وثانيا يفضل أغلب سكان جدة يدمنون الذهاب إلى هناك يخرجون من بيوتهم ال مكان عملهم منذ

، لكنه حكم القوي، ابني مازن، طلب أحجار من الشاطيء السابعة صباحا .تقدم بها في مسابقة المدرسة الفنيةليرسم عليها وي

مشيت مسيرة ساعة بعيدا عن السيارة، أخشى أن يسرقها أحدهم بالفعل، لكن من المخبول الذي يأتي في هذا الوقت وهذا المكان

مناسب، قبل أن الر احجاألعن -شارد الذهن-أبحث كنت .ليسرق سياتي؟الثابتة في مواجهة تحملني الصخور فوق أكتافها وتعود لوقفتها

ترحل األخيرة، لتترك على خديها جراحا بيضاء تذهب .ضربات الموج الثائر، والتي تليها، عند هذه الصخور ملحمة أهم بكثير جفاء مع الضربة التالية

.أي وهللا .من المالحم التي يتغنى بها الناس

لي األحجار التي جمعتها لن تكفي مازن، لهذا وجدتها حجة مناسبةالحجر تلو اآلخر، لتستقر أيام من الماضي الواحدة تلو ،في البحر هارميأل

أعرف أن البحر، ال يشيخ، وال ينسى، تماما .األخرى في قاع الذكرى، لهذا نلجأ إليه عندما ال تحتمل ذاكرتنا بعضا كالذاكرة، ال تعرف الموت

رة ا لن نأتي ممنها، فلنقيها في البحر، ونقسم بأيمانات المسلمين أننظننت أنني انتهيت، لكنني عندما هممت .أخرى، لكننا ننسى ونأتي

التي ظهر منها رأسها، الصغيرة بالرحيل، وقعت عيناي على تلك الفتاة

Page 38: بقشيش

37

، وشعرها المبتل والمنسدل فوق كتفيها، وهي تجدف بحرص وصعوبة .تشبه مازن كثيرا

تخوف المبرر من أسماك وهي تحاول أن تتمالك أعصابها رغم ال راقبتها

:أعلم يا سيدي أنك ستقولالقرش التي قد تهاجمها في أي لحظة، ، أنت تقدر تقول هذا لفتاة في هذا "أسماء قرش إيه اللي هاتيجي أبحر"

، ولن تقدر على مساعدتها في هذه اللحظة ك دفأها السن؟، ال طبعا نفاسها بين ب بداخلها، وأن ينظم أستسرميدفع البرد الالذي كان

الشهيق والزفير، في نفس الوقت الذي تتشبث فيه بعوامتها الصغيرة، ينظر، كان على الشاطيء، لتنفذ تعليمات والدها في فن السباحة،

قبل أن يلتفت إلى وجودي، كان من النوع الذي أكرهه، ممتليء يترقب،سيد قشطة –من كل الجوانب، يتقدمه كرش سمين وال أجدعها برنيق

، ويغطي وجهه لحية مصفرة بالورس والزعفران، استدركت -ما نسميهك :قبل أن يتهور

كان عايز ..مازن هو اللي جابني هنا ..ربنا يخليهالك ..شبه مازن ابني "، " ..و ..دون فائدة ..بقالي ساعة بلف حوالين رأسي ..أحجار البحر

ندمت على التفوه بكالم اللعنة، جئت أكحلها فعميتها، ثرثرة مرة أخرى؟، ال يعنيه، قبل أن يتركني فجأة ويتوجه إلى سيارته التويوتا الجيب العائلي، في الحقيقة لو كنت مكانه ألتيت بكوريك تمساح وفلقت

انطلق " :رأسي، لهذا جريت على سيارتي، وفي رأسي فكرة واحدة ".بأقصى سرعة تعرف تجيبها بسيارتك

"األحجار ديه يا بابا، أنا بحبك أويهللا ، حلوة أوي " -

"وأنا كمان يا مازن " -

Page 39: بقشيش

38

سحمي

و مؤخرا زوجته عن انفصل الذي "سحمي"كانت شقتي تقع بين شقة أحد من سكان العمارة يعرف ال الذي الغامض الجديد الجار "لوك شاو"

!ماذا يعمل بالظبط ؟ ، من أين أتى ؟ ، وماهي حكايته؟

"سحمي" باب على يطرق "لوك" أخونا مساءا كانفي تمام التاسعة صىأو قد وسلم عليه هللا صلى النبي بأن متعلال عشاء وجبة له ويقدم كاناألخير ".سحمي" على واضحا اإلحراج بدا البداية في . جار سابع على يقوض عمله لضغط نظرا يستمر لم لكنه .. بالمثل ”العزومة“ يرد أن يحاول لعابه زفير أسمع وكنت ، جدا لذيذ العشاء .. األمر "سحمي"إعتاد .الوقت .دقائق بعشرة مساءا التاسعة قبل الباب بجوار الساخن

يحسن ال الذي الضمير منعدم الفتى من يوم ذات "لوك"إشتكى له غسيل سيارته مما يضطره أن ينزل بنفسه ويغسلها ويتأخر على تجهيز العشاء له ، وهو ما يضايقه بشدة ويشعره بتقصيره في القيام بواجب

.تجاههالجيرة

أخيرا جاره يقنع أن "لوك"هكذا تطورت العالقة بينهما وإستطاع ، ليلة كل ”كولومبوس“ سيارة يغسل اآلن ”عربي“ .العمل عن بالتوقف .المدرسة من أوالده له ويحضر السوق من اليومية حاجياته له يشتري موعده وينسى ، للتنزه جاره بأوالد يذهب كان .. األجازة في حتى

:قال هذا كل يفعل لماذا مرة سألته وعندما .أحيانا أوالده مع اإلسبوعيل ومازال جبري :قال صلى هللا عليه وسلماتق هللا يا أستاذ عمرو، النبي "

“يوصيني بالجار حتى ظننت أني سأورثه

Page 40: بقشيش

39

بعيدا خدة " أرخي جسدي على .أطفيء األباجورة، وأدفن رأسي داخل الم

السرير ، أرهف سمعي لصوت الب رد المندفع من مكيف الهواء ؛ وأقف " !ي أمام بوابة الرحالت المغادرة وحد

توقف ، وفوضى من األفكار أصوات تأتي من بعيد ، قطار يجري بال

عالم ينشأ فجأة من .المتضاربة تمأل النفق الممتد على مرمى البصر .أنا هنا صغير ، ضعيف ، ومستسلم العدم ، كل شيء كبير الحجم، و

أفتح عيني وأتأمل الغرفة التي أعرفها أكثر من أي شخص في العالم ، والب يتحول إلى الد !ألكتشف أني في أكثر مناطق الكون غموضا

مني إلى نصفين مقاتل ضخم من مقاتلي العصور القديمة ويتهيأ ليقس بحربة كبيرة حادة ، والكرسي والمنضدة ، وكل ما في الغرفة ، أموات خرجوا من قبورهم ، يتقدمون نحوي بأيديهم التي تمتد والملطخة

قسوة ب بالسواد لتطبق على رقبتي ، والسرير يضمني بذراعيه المفتولينأكاد أختنق ، أكاد ال أسمع إال صدى .ويضغط على ضلوعي بعنف

.األنفاس في بقايا أوردتي التي تنزف في برود

.ال أعلم ماذا يحدث بعد ذلك ، وكيف أنج كل مرة من فيلم الرعب هذا ؟

أبحث عن الحربة .ما أذكره أني أفزع عندما تدق السابعة صباحا كالعادة فال أجد شيئا ، أضرب الكرسي برجلي ، أتلفت حولي ، خلف الدوالب

يرن .كل شيء كما هو ، ال يرى ال يسمع ال يتكلم .وأتأمل السرير قليال .المنبه مرة أخرى، فأصب كامل حنقي عليه

Page 41: بقشيش

40

مضات ..يمر اليوم كأي يوم ، وبين الحين واآلخر تظهر مجموعة من الو عالم متمرد ال يعترف بقوانيننا ، أسطورة صور خيالية ل .سريعا ثم تختفي

ليلية أنا بطلها الوحيد ، أتغلب فيها على كل شيء ، أشعر معها د الذاكرة ألسترجع دقيقة واحدة منها كل صباح ، لكن بال بالنشوة ، وأجه

.سأطفئ األباجورة ..فائدة

“ !ثمة شيء يتحرك “ـ

Page 42: بقشيش

41

فاضي

الليل ، ويغلق صاحب المحل باب الدكان ؛ تبدأ مأساة عندما يأتي منتصف ،!كل ليلة .“ الرمم؟ الحثالة هؤالء بجوار األقدار تضعه أن العدل من هل“ : يتساءل

جهد ولما ء؛الالشي من اإلجابة نفس على األسئلة جميع وتتفق العقل، ي يأتي .العيش ومرارة الوحدة لقرف المالزمة االكتئاب دوامة في يدخل

ء في مشاغل العمل وزحمة ذوب كل شيوي الدكان، يفتح الصباح، .الزبائن

ئنزبا أمام عليه أضفت التي الميزة تلك .فيه ما أهم وشياكته أناقتهلعنجهية، هي نفسها أكبر مصدر إزعاج في وا األبهة من مزيدا الدكانطلع تت التي-، فتلك األيادي التي تتناوله برفق، وتلك العيون !حياته

.د فترة، وتنسي نفسها أنها رأتهتتجاهله بع -جماله وتنبهر بسمته

أخيرا ظهر من يقدر قيمته، ذلك الرجل ذو الجاكتة البنية والنظارة ولم ينحدر من أصول ، م يولد ثريا ، لالسوداء التي تغطي نصف وجهه

، كن لعريقة، مالبسه تخفي ورائها جربوع من الجرابيع الذين صعدوا سريعا .تبدو عليه النعمةعلى األقل

.”نورت المحل يا بيه ، أي خدمة”ـ

”بكم هذا القلم ؟“ :يأتي الرد بعد برهة

:ع ريقه ، ثم يقول في أدب مصطنع يبلع البائ

Page 43: بقشيش

42

”!جدا ، إنه أغلى قلم عندي ذوق حضرتك يا بيه عالي “

.. ”..ه أشيك وأجمل قلم رأيته عندك فعال ؟ ، ليس بطاال ، لكن”ـ

جربة ي تلكن، هل بإمكان ..سأشتريه “ـ :يسرح الرجل فيه للحظة ثم يتابع “خطه أوال ؟

ستغرب البائع طلب كهذا، على األقل هو ليس في مكتبة نور اإلسالم يالتي تبيع األقالم أم نصف جنيه وأوراق الهدايا، لكن ما علينا، يجب أال

يبحث بيديه الملهوفة في المكتب أمامه عن أي .هذه اإلستفتاحةتضيع ..ورقة تصلح للتجربة

،قال البائع متلهفا هكذا "هجربه على الورقة هذ .تفضل يا بيه " - !ليجعل يومي أسوأ يوم في حياتي

فما حدث أن تجاعيد وجه الرجل إنقلبت فوق بعضها البعض ، وعال صوته ي يا رجل ؟ تبيع لي قلم فاضي ما هذا ؟ ، هل تهزأ ب" :قائال في غضب

:رد في استكانة، أي طوق نجاةفارتبك البائع وبحثت حروفه عن ."!؟؟

..بيه وهللا ، لم أجربه عندما اشتريته ، منهم لله الغشاشين لم أقصد يا “ "!منهم لله الغشاشين

:فقاطعه الرجل مشوحا بيده

“ ..أعطني آخر إذن “

عامة .ال يوجد غيره ..لألسف يا بيه " :بلع البائع ريقه بصعوبة عندما قال نظر له ."أنا آسف يا بيه .ليس منه فائدة ، سأرميه وعوضي على هللا

Page 44: بقشيش

43

الرجل نظرة متعالية، ورماني على طاولة المكتب من ارتفاع عال فكاد أن !.أن يرحل ذلك الوغد ينكسر ظهري قبل

تلك المكانالنظرات الشامتة والضحكات المكتومة التي مألت رفوف .الليلة من هؤالء الحمقى ال أستطيع تحملها بعد أن عرفوا أني فاضي

لرخيمة تشير إلي من بعيد ولم تتوقف عن الضحك فالمسطرة الطويلة اوبعض األقالم الرصاص جلست سويا تطلق علي مجموعة .طيلة الليل

حتى الكراسة العجوزة التي مأل .من النكات وتضحك بصوت مجلجليوحي به ألم أقل لكم ، انه أقل مما “ :صدرها التراب كانت تكح ، وتقول

.، ثم تكح ”مظهره الخادع

" !، سأنتحر ال فائدة منكم .. ما هذه اللعنة التي حلت بي ؟ " -

Page 45: بقشيش

44

طويلة بوأ

اليوم المائتان وأربعة وعشرون، بلغت من الطول أربعة وعشرين ألف كيلو ، أي بارتفاع أربعة من جبال الهيمااليا ..مترا

، الوحيدة ابنك لن أغفر لك كونك بعتأبي العزيز، لن أسامحك أبدا

لألمريكان مقابل جرين كارد ومليار دوالر، صحيح أنهم أعطوني الجرين ، ويعملون اآلن على بناء فيال كبيرة جدا من أجلي، ووضعوا كارد أيضا

هذا الرقم، وعلى الرغم من أنهم يعتنون بي اآلن في حسابي ضعفي ، بداية من األساسيات بما– امالحم إلى الذهاب الشرب، األكل، :جيدا

ونهاية بإمكانية مشاهدة أي قناة على كوكب -يطول مع يتناسب، “األرض كما يحلو لي قاموا بتصميم قناتين تعمل من أجلي خصيصا

واحدة تذيع أفضل مباريات كرة القدم على مر التاريخ، واألخرى تبث ما ، وجهاز خاص للتواصل مع ”يعرض في السينمات قبل نزولها لدور العرض

اآلخرين من خالل اإلنترنت؛ حيث أقضي أغلب الوقت على صفحتي على فايسبوك، والتي أصبحت بفعل ما حدث لي من أشهر الصفحات على

اإلطالق، إال أنني أشعر بالملل، الوحدة، الرغبة في ترك هذا كله، ألنني، في نهاية األمر، محشور داخل كبسولة حقيرة ضيقة، ومجموعة من

يقومون بأبحاثهم، يعتقدون أنني التطور الجديد للبشرية، غريبي األطوار .بينما يعتقد بعضهم أنها حالة طبية نادرة، ستنتهي إلى الالشيء

***

اليوم المائة وستة وثمانون، بلغت من الطول ستمائة قدم، األهرامات ..بالنسبة لي كقطع من الليغو

Page 46: بقشيش

45

أبي العزيز، أرجو أن تسامحني على ما حدث، كنت أعتقد أن قراري هذا .هو الحل األنسب، لكنني لم أعرف أنه سينكشف أمري بهذه السرعة

ماو عليه أصبحت ما يستوعب -أنا حتى– أحد ال أبي، يا ذعر حالة في البلد نهيقولو ما تصدق أال لها قل أبي، يا التأثر سريعة أمي عليه، مقبل أنا

أصبحت أنني بحجة يكرهني أن الجميع من تريد السلطة التلفاز، علىتهديدا لألمن القومي، وأنت تعرف أنني ال أستطيع تهديد العيال في

في ماء الدين، صحيح أنني لست منتظمقل لها أال تصدق عل .الشارع، هم !كما أشاعوا المسيخ الدجال، لكن لم أصل لدرجة يعني الصالة

له، فيطلقون إسمه على كل ما هو مهيب، هذه مشكلتهم مشتاقون أكتب لك هذه الكلمات وأنا أرى قطيعا كبير .وليست مشكلتي، فكر فيها

ما تقدم نحوي، حتيوالدبابات والطائرات الهليكوبتر من العربات المصفحة سيضربونني بكل ما يحملون من ذخيرة، وأنا ال أعلم، هل يتضمن طولي

ة تصمد أمام الرصاص والذخيرة الحية كفيلم الرجل األخضر، هذا قوة خارقل من أول رصاصة مسدس عيار تسعة، أود أن أسألهم ماذا أم سأقت

سيفعلون بي بعد التخلص مني، هل حقا سيستطيعون دفن جثة بهذا ، وأنني ، الحجم؟ فقط أود أن أقول في تلك اللحظات أنني أحبكما جدا

، وأن ما حدث لي، ليس سببه العالقة المضطربة مشتاق لرؤيتكما جدا .تحياتي .بيني وبينك

***

..اليوم الرابع والثمانون، بلغت من الطول سبعة أمتار ونصف

أبي العزيز، إذا كنت تقرأ هذه الكلمات، فأنا اآلن أكون قد هربت من أعلم أنك وأمي قد بذلتما مجهودا خرافيا طيلة الشهور الماضية .البيت

في الدوخة وراء الدكاترة والشيوخ والدجالين، لكنني لم أعد أحتمل كالم الناس، ونظرات أمي المشفقة، ورغبتك في شنقي بخرطوم الغسالة،

Page 47: بقشيش

46

لعيال في الشارع ا .اأحلم بالزواج منه يتال فتاةخسرت وظيفتي، اللم أعد أستطع ركوب المواصالت، النوم على ".طويلة بوأ"يطلقون علي

البيت لم يعد يتحمل طولي .سريري، استخدام الحمام بسهولة، األكلاآلخذ في االزدياد بتسارع ال يتوقف، علي الخروج من القاهرة قبل حدوث

أسمع ما يعانيه إخوتي بسببي، وبكاء أمي طيلة الليل، أخشى .الكارثةحث ال تب .وبة، أو يصيبها هبوط حاد في الدورة الدمويةأن تدخل في غيب

عني، قل للجميع أنني اختفيت فجأة، ال تخبر أحد عن ذلك الخطاب، سوف .تحياتي .أراسلك عندما أجد حال لحالتي

***

.. !مترا دفعة واحدة-طولي زاد عشرين سنتي ..اليوم األول

عائلة أبوك معروفة بجينات ياحبيبي طبيعي ما حدث، ] :قالت أمي

:، أبي اكتفى على العشاء بقوله[الطول، كنت عايز تطول ازاي يعني؟لي، بحثت على أشعر أن شيئا ما غريبا يحدث [.إنت طولت إمتى يال؟]

أصدقائي، لكنني لم أجد شيئا يتعلق بمرض أو ضاإلنترنت، سألت بعحدث لي، وبعد تعويذة، الجميع متناقض بشكل ملحوظ، يستغرب ما

.القليل من الوقت يرى أنه شيء طبيعي

***

..اليوم المائتان وإثنان وخمسون

األمر خرج عن سيطرة األمريكان، صرخت كثيرا اليوم، لم أتألم هكذا من

.قبل

Page 48: بقشيش

47

انتهت الزيارات، .الغرفة مظلمة، الجو بارد، وكل شيء هنا كبير جدا تطلع إلي ببله، وبعضهم حملني بلطف، بعضهم جاء بالورود، بعضهم

، [ما شاء هللا، ايه الحالوة ديه]، [جميل شبه أبوه]مع كلمات على نحو ، بين الجميع اثنان، فهمت من سياق الحديث أنهما أبي [هاتسموه ايه؟]

.وأمي

، تمت .لكن الحكايات، ال تتم، أبدا

Page 49: بقشيش

48

عن الكاتب

، ويعمل بمجال 9002تخرج من كلية الصيدلة جامعة اإلسكندرية يونيو

دار ليلى -مطبوعا –نشرته - "مكتوبات في الغربة" :من أعماله .اإلعالنات

، وهو من نوع أدبي معروف ضمن مسابقة النشر لمن يستحق 9022يناير

، 9022نوفمبر -نشر إلكترونيا - "أبيض"و .بالمخاطبات والمراسالت

ار د -إلكترونيا –وهي مجموعة قصصية صغيرة نشرتها "بقشيش" :مؤخرا و

.9022مدارات لألبحاث والنشر يونيو

Page 50: بقشيش

49

والنشر محفوظة لـجميع حقوق الطبع .دار مدارات لألبحاث والنشر

http://madarat-rp.com/

:حقوق تصميم الغالف محفوظة لـ

محمد أحمد عطية