Top Banner
اﻟﻤﻌﻬﺪ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻟﻠﻔﻜﺮ اﻹﺳﻼﻣﻲ
450

غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

Mar 13, 2023

Download

Documents

Khang Minh
Welcome message from author
This document is posted to help you gain knowledge. Please leave a comment to let me know what you think about it! Share it to your friends and learn new things together.
Transcript
Page 1: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

المعهد العالمي للفكر اإلسالمي

تربوي وأستاذ جامعي أردين، حصل عىل دكتوراه يف الرتبية العلمية وفلسفة العلوم اجلامعة يف الرتبوي النفس علم يف وماجستري األمريكية، ميشجان والية جامعة يف األردنية، ودبلوم عايل يف تدريس العلوم يف جامعة ردينغ الربيطانية، وبكالوريوس يف الكيمياء واجليولوجيا يف جامعة دمشق. عمل يف التعليم املدريس واجلامعي مدة ثالثني غ للعمل الفكري منذ عام 1996م. يعمل حاليا باحثا يف المعهد العالمي عاما، ثم تفر

للفكر اإلسالمي. وهو عضو جممع اللغة العربية األردين.

صدر له يف السنوات األخرية مجموعة من الكتب، منها: منهجية التكامل المعريف، والبناء الفكري، وأربعة التربوية. وتجلياتها المقاصدية القيم ومنظومة اإلسالمي، الرتبوي والفكر الرتاث موضوع يف مجلدات

[email protected] :البريد اإللكرتوين

هذا الكتاببة تتجىل بوضوح يف األبعاد السياسية يعاين الواقع العريب واإلسالمي من أزمة مركواالقتصادية واالجتامعية، لكن من اخلطأ أن نتجاهل البعد الفكري والثقايف الكامن يف هذه األزمة، وهو البعد الذي يتمثل يف رؤيتنا ألنفسنا وللعالم من حولنا. وقد أصبح األمر الواقع؛ لذلك الفكرية احلالة تفرس التي املفاهيم واحدا من العالم رؤية مفهوم به، املبارشة الصلة ذات واملصطلحات واملفاهيم املفهوم ذلك دراسة يستدعي الذي

.ياته يف األبعاد واملجاالت األخر وفهم جتل

ويتفق معظم الباحثني يف موضوع رؤية العالم عىل أن التصورات واملعتقدات التي تستقر يف صور اإلدراك ويته ه عن وتعرب املجتمع أفراد بني أفقيا ومتتد مشرتكة، تصورات تصبح تلقائية بطريقة البرشي والسلوك ث من جيل إىل جيل عموديا، لتعرب عن استمرار اهلوية واالنتامء يف املجتمع عرب الزمن. ومع ر وانتامئه، وقد تولكنه أصبح موضوعا مطروقا يف اإلعالم الفلسفة والدين والعلم، ميادين بدأ يف أن استخدام هذا املصطلح

ز أمهية دراسته يف السياق املعارص. والسياسة والتعليم واألدب والفن، وغري ذلك، مما يعز

وقد اجتهد املؤلف يف تأصيل مفهوم رؤية العالم بمرجعية قرآنية، ويف تناول الطرق التي حيرض فيها هذا املفهوم، وما يتصل به من ممارسات يف الفكر البرشي املعارص، وميادين العلوم املختلفة، وبرامج التعليم.

9 781565 648302

ISBN 978-1-56564-830-2

Page 2: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought
Page 3: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

المعهد العالمي للفكر اإلسالمي

Page 4: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

المعهد العالمي للفكر اإلسالمي

Page 5: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought
Page 6: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought
Page 7: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought
Page 8: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

7

قائمة املحتوياتاملقدمة ........................................................................ 9

الفصل األول رؤية العالم: اللفظ واملفهوم واملصطلح

المبحث األول: رؤية العالم: األلفاط ومعانيها ...................................... 23المبحث الثاين: رؤية العالم: املفهوم واملصطلح ...................................... 45المبحث الثالث: عنارص رؤية العالم اإلسالمية ...................................... 66

الفصل الثاين رؤية العالم يف الكتابات املعارصة: األمهية واحلضور والتعددية

المبحث األول: أمهية البحث يف رؤية العالم ......................................... 82المبحث الثاين: حضور رؤية العالم يف الكتابات املعارصة ............................ 97المبحث الثالث: التعدد والتنوع يف رؤى العالم ..................................... 118

الفصل الثالث اإلسالميون ورؤية العالم املعارص

المبحث األول: خصوصية العالم املعارص ......................................... 141المبحث الثاين: من هم اإلسالميون؟............................................... 148المبحث الثالث: الكتابات املعارصة عن اإلسالميني ................................ 158المبحث الرابع: رؤية العالم عند اإلسالميني ....................................... 174

الفصل الرابعالعلوم االجتامعية يف رؤى العالم املتقابلة

المبحث األول: العلوم االجتامعية بني العلوم األخرى .............................. 200 المبحث الثاين: عالقة العلوم االجتامعية برؤية العالم .......................... 221المبحث الثالث: العلوم االجتامعية يف رؤية العالم اإلسالمية ........................ 245

Page 9: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

8

الفصل اخلامس رؤية العالم عند عبد الرمحن بن خلدون

املبحث األول: جدل الدراسات اخللدونية حول رؤية ابن خلدون ................... 271املبحث الثاين: رؤية ابن خلدون للوجود واملعرفة ................................... 288املبحث الثالث: رؤية ابن خلدون للمجتمع ومكوناته ............................... 307

الفصل السادس رؤية العولمة للعالم ومنهجية التعامل معها

املبحث األول: العوملة احلديثة ومراحل تطورها..................................... 325املبحث الثاين: العوملة التعليمية .................................................... 341

الفصل السابع تعليم رؤية العالم

المبحث األول: رؤية العالم هدفا للتعليم .......................................... 361المبحث الثاين: رؤية العالم والتعليم الديني ........................................ 371المبحث الثالث: رؤية العالم وتعليم العلوم ........................................ 385

الخاتمة ...................................................................... 411المراجع ..................................................................... 417الكشاف ..................................................................... 439

Page 10: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

9

املقدمة وظواهره، وأحداثه أشيائه يف للوجود، كل ر تصو لبناء اإلنسان سعي يتوقف لم م يف ر الذي يتحك وموقع اإلنسان ووظيفته فيه. كام لم تسكن حركة البحث عن هذا التصوفيها اإلنسان يفهم التي الطرق م كذلك يف البرشي، ويتحك املجتمع صياغة نظام احلياة يف أن جانبا العالم. ونحن نرى يتعامل هبا مع هذا التي فيه، والطرق الذي يعيش العالم هذا الذي اإلهلي الوحي استيعاب إىل ينرصف يزال- -وال كان احلركة وهذه السعي هذا من القيام له من البرش، وتوجيه سعيهم إىل ما خلقهم اهلل ينزل إىل األنبياء والرسل هلداية كان بحق االستخالف والعمران يف األرض. لكن جانبا من هذا السعي كان يأخذ شيئا من هداية هذا كان وربما للوجود. كل ر تصو بناء يف البرش اجتهادات من أخرى وأشياء الوحي، السعي يخبط -معتمدا عىل اجلهد البرشي- بعيدا عن أية مصادر من هداية الوحي. ونحن

نجد هذه األنواع الثالثة من السعي عىل مدار التاريخ ويف الواقع املعارص.

ملفهوم حديث مصطلح وهو العالم« «رؤية نسميه ما هو للوجود الكل التصور هذا الذي يتضمنه انتشار استعامل املصطلح واملفهوم فيه بسبب الكتابة قديم، نشأت احلاجة إىل والكالمية الفلسفية الدراسات يف حمصورا استعامله كان أن فبعد املجاالت. من كثري يف يف احلال هو كام املعرفية، املجاالت معظم يف متكررة بصورة يرد أصبح واالنثروبولوجية املصطلح والرواية. وأصبح النقد اللغوية، ال سيام والدراسات االجتامع النفس وعلم علم العلوم بني تتم التي واملناظرات اجلدل يف تحليل« «وحدة صورة يف يستعمالن واملفهوم الدينية والفلسفية والعلمية. لكن ما أعطى للمصطلح شيوعا أوسع هو استعامله يف اخلطاب

السيايس واإلعالمي.

وحيثما نحاول تعريف رؤية العالم، سنجد أن اجلامعة أو املجتمع هو إطار التعريف، وحتى حني نتحدث عن رؤية العالم عند الفرد فإنها ستكون رؤيته لنفسه وللمحيط الذي يعيش فيه. وهذا املحيط أو العالم هو دوائر متعددة، فإذا كان الفرد هو مركز الدائرة فأقرب

Page 11: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

10

ثم والسياسية، الفكرية مجاعته أو املهنية، مجاعته ثم والكبرية، الصغرية أرسته هو له حميط جمتمعه الوطني أو القومي أو الديني، وحميطه البرشي يف سياقاته التارخيية واجلغرافية. وهذه املجتمع يف تسود التي واالفرتاضات والتصورات األفكار من جمموعة دائام هي الرؤية يف الفاعلة القوى وعن وحياته، نفسه عن اإلنسان يطرحها التي األسئلة عن وتجيب أداة العالم هذه يستخدم رؤية اإلنسان إن ثم الطبيعة. والطبيعة وما وراء املجتمع واحلياة إلدراك الواقع، بصورة غري واعية يف الغالب، يستبطنها تدرجييا، وتصبح جزءا من وجدانه وسليقته وإدراكه املبارش، عن طريق ثقافته ومراحل حياته، وما يتشكل منه عالمه من أشياء

ورموز وعالمات وصور وأحالم ومنتجات وعالقات.

وإنما البرشي، الالوعي يف ساكنا نظريا إدراكيا نموذجا تبقى ال األداة هذه لكن تقترص هذه بطريقة واعية ألغراض حمددة. وال تستخدم متعددة تفصيلية نامذج تتفرع عنه األغراض عىل تصور الواقع وفهمه واستيعاب رشوطه ومتطلباته، بل تمتد إىل اتخاذ موقف منه عىل املستوى النفيس والفكري والعمل، وربما بناء خطة لتفكيكه وإعادة تركيبه وتغيريه. الذي يسعى اإلنسان إلدراكه واتخاذ موقف منه والنظر يف تغيريه، من حميطه الواقع ويبدأ

القريب، لكنه يمتد ضمن دوائر تزداد اتساعا لتشمل العالم كله.

والعمل، والفكري النفيس البرشي النشاط يف العالم رؤية مفهوم يتداخل وهكذا ويصبح جزءا من اللغة التي تصف احلالة الثقافية واحلضارية للمجتمع، ومن رؤية املجتمع لنفسه ولعالقاته باملجتمعات األخرى. ويتسع وعي الفكر البرشي -وهو يتدبر العالم الذي يعيش فيه اإلنسان، والذي هو جزء منه -إىل شؤون الناس يف هذا العالم، فالبرش فيهم عالم املختلفة واللغات بألواهنا وأشكاهلا، وعالم األلسن البرشية األجناس واألقوام والشعوب كل عديدة، جماالت يف وعالقاته شؤونه يدير البرش، جمتمعات من جمتمع وكل املتعددة. جمال منها عالم قائم بذاته؛ إذ نجد عالم السياسة، وعالم االقتصاد، وعالم التعليم، وعالم

الفن... إلخ.

عىل الكتاب- فصول يف سيأيت –كام العالم رؤية موضوع يف الباحثني معظم ويتفق أن التصورات واملعتقدات واملبادئ التي تستقر يف صور اإلدراك والسلوك البرشي بطريقة

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 12: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

11

وانتامئه، هويته عىل وتعب جمتمع أفراد بني أفقيا وتمتد مشرتكة، تصورات تصبح تلقائية، الزمن. عب املجتمع يف واالنتامء اهلوية استمرار عن لتعب جيل إىل جيل من ث تور وقد وبقطع النظر عن مصطلح «رؤية العالم« من الناحية اللغوية، فإن الوعي باملفهوم خرج عن اهتاممات املتخصصني يف الفلسفة أو الدين أو العلم، وأصبح موضوعا مطروقا يف اإلعالم رؤى أو العالم، رؤية دراسة جيعل ما وهذا اجلامهريية، واخلطابات والتعليم والسياسة

العالم، أمرا مهام يف السياق املعارص.

«رؤية العالم« يتصل بقضايا التصور الكل للخالق والكون واحلياة وعليه فإن مفهوم الكون؛ متى النهائية )أو األولية( حول حياة اإلنسان يف هذا واإلنسان، وإجابات األسئلة وملاذا وإىل أين؟ وما ينبثق عن ذلك أو يرتبط به من مدركات ذهنية وممارسات عملية... إلخ. ومن بني الدالالت املهمة ملفهوم رؤية العالم تلك الداللة التي تتعلق برؤية اإلنسان الفرد

لنفسه وللناس من حوله، ورؤية اجلامعة أو األمة لنفسها وموقعها بني اجلامعات واألمم.

وتتشابه رؤى العالم بصورة عامة يف أن مكوناهتا هي إجابات عن األسئلة النهائية التي تتصل بالتصور الكل للخالق والكون واحلياة واإلنسان، وأسئلة من نوع: من، ومتى، وملاذا، ن رؤية للعالم عندما تتصف بقدر من التامسك وعدم وإىل أين؟ ولكن هذه اإلجابات تكوالشخصية احلياة وجوه بكل خيتص فبعضها به، تشتغل الذي املدى يف وختتلف التناقض، ه والتوج واألخالق االعتقاد بمسائل وتهتم واالقتصادية...، والثقافية واالجتامعية

الروحي، بينام يركز بعضها اآلخر عىل واحد أو أكثر من هذه املجاالت.

ها: أن أي رؤية منها تستقر زمنا رؤى العالم بفئاتها املختلفة تتميز بعدد من املزايا أمهمن فرتة يف فرد لدى يستقر فام يتبناها، الذي املجتمع ألفراد مشرتكة ثقافة لتشكيل كافيا حياته أو طيلة حياته ال يكفي لتسمية رؤيته رؤية للعالم، ولو كان األمر كذلك لكان عدد رؤى العالم يقرتب من عدد الناس يف هذا العالم. وهذه امليزة هي التي جتعل رؤية العالم بالتدريج هبا فيترش حياته، من األوىل السنني يف املجتمع ثقافة من إليه تترسب الفرد لدى بطريقة غري واعية يف الغالب. لكن ذلك ال يعني أن الفرد يعجز بعد ذلك عن تأصيل رؤية

املقدمة

Page 13: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

12

رؤية يتبنى أن أو واعية، بصورة الرؤية هذه صياغة وإعادة جمتمعه، يتبناها التي العالم خمتلفة للعالم عند تعرضه لثقافة جديدة، ذات مصدر خارجي، أريض أو علوي، أو عندما أن إىل القومية أو الدينية أو الشخصية وطموحاته العملية وخباته الفكرية قدراته تصل ل مع الوقت إىل ثقافة جديدة تتبناها فئة أو يقود حركة إصالحية أو ينشئ تيارا فكريا، يتحو

جمتمع، وتصبح من ثم رؤية جديدة للعالم.

يقع ضمن العالم د يف رؤى التعد أن اهلل- –إن شاء الكتاب لنا يف هذا يتبني وسوف تصنيفات خمتلفة، وسيكون البعد الديني أساسا يف أي معيار للتصنيف، ذلك أن من خصائص تتصف بشمول تصورها لعالمين متاميزين للحقيقة والوجود؛ عالم الدينية أن العالم رؤية أخرى. إىل دينية رؤية من تختلف دة حمد أمهية منهام لكل وتعطي الشهادة، وعالم الغيب وتقوم رؤيتها عىل وجود كتاب مقدس سواء كان الكتاب وحيا إهليا، أو إنتاجا برشيا. وهي رؤية تتصف بقدر من الثبات، فيام تمتلكه من مبادئ وقيم ونظم اعتقاد، أكثر مما يمكن أن

نجده يف الرؤى األخرى العلمية أو الفلسفية مثال.

وتتبدى أمهية دراسة مفهوم رؤية العالم يف سياق السعي للنهوض احلضاري اإلسالمي يف وحضوره والعقيدة، اإليامن قضايا يف ره جتذ منها املجاالت، من بعدد املبارشة لصلته الواحد املجتمع فئات بني واملختلف املشرتك فهم ويف املعرفية، واألنظمة العلوم جماالت واملجتمعات املختلفة. ونحن نرى أن مفهوم رؤية العالم كان متجذرا يف فهم علماء املسلمني التوحيدية املرجعية الفهم اجلمع بني عنارص العلمية، وكان من تجليات هذا وممارساتهم اإلسالمية، والتعامل الواعي مع اخلبة البرشية املتاحة للعالم املسلم يف زمانه ومكانه، بقطع من عىل مقترصا التكامل اجلمع هذا يكن ولم اخلبة. هلذه الفكرية املرجعيات عن النظر عرف من علامء املسلمني بالفلسفة من أمثال الكندي وابن سينا وابن رشد، وأمثاهلم، بل كان الفقه واحلديث والتصوف متبعة لدى غريهم ممن عرفتهم مدارس التكامل املعريف منهجية

والكالم والتاريخ من أمثال الغزايل وابن تيمية وابن خلدون وغريهم.

ثم إن جمتمعات املسلمني تعاين من مجلة من األزمات، منها ما يتصل بالعالقات القائمة

بني جمتمعات املسلمني من جهة، وعالقات املسلمني بالعال من جهة أخرى. ومن السهل أن

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 14: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

13

ة أزمة ذات وجهني يف طبيعتها؛ وجه سيايس، وآخر اقتصادي، وذات وجهني نلمس أن ثماملسلمني، أنظمة احلكم يف بالد والتبعية يف الفساد واالستبداد يف مظاهرها ومتثالهتا، وجه اخلطأ لكن واملسلمني. لإلسالم املعادي الغريب اهلجوم قوى يف واالستكبار اهليمنة ووجه يتمثل الذي البعد ذلك أزمتنا، يف والثقايف الفكري البعد نتجاهل أو نجهل أن هو األكب من واحدا العالم« «رؤية مفهوم أصبح وقد حولنا. من للعالم ورؤيتنا ألنفسنا رؤيتنا يف هذا دراسة يستدعي ا مم واإلسالمي، العريب الواقع يف الفكرية احلالة تفرس التي املفاهيم املفهوم وفهم جتلياته يف هذا الواقع، يف ميادينه السياسية واالقتصادية واالجتامعية وغريها.

يرى التي األهداف من جمموعة تحقيق يف ليسهم الكتاب هذا جاء ذلك أجل من املؤلف رضورهتا، وهي ليست بالرضورة قائمة جامعة مانعة ملا يمكن أن يكون من معاجلات

ملوضوع رؤية العالم، وإنما هي ما اختار املؤلف أن يعاجلها عىل وجه التحديد:

1- تأصيل مفهوم رؤية العالم باالعتامد عىل املرجعية اإلسالمية.

2- تقديم رؤية حلضور مفهوم رؤية العالم واستعامله يف املجاالت املعرفية والعلمية املختلفة يف املجتمعات العربية واإلسالمية والدولية.

3- تحليل املنطلقات الفكرية ملا يظهر من أوجه اخلالف القائم بني اجلامعات واملجتمعات واملدارس الفكرية يف الساحة اإلسالمية والعالمية.

4- فهم األبنية الفكرية الكامنة يف احلقول والتخصصات املعرفية املختلفة، ال سيام يف العلوم االجتامعية؛ مثاال عىل واحد من احلقول املعرفية، وعند عبد الرمحن بن خلدون؛ مثاال

عن واحد من العلامء املسلمني.

5- مالحظة البعد الفكري يف أوجه التنافس والرصاع والتدافع بني القوى الفاعلة يف العالم اليوم، والكشف عام يدور منها يف ساحة العقول والقلوب.

التعليم هلذا املمكنة والطرق األساليب إىل بالنظر العالم« «رؤية تعليم أمهية تأكيد -6بصورة مبارشة أو غري مبارشة.

املقدمة

Page 15: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

14

والعلم الفكر يف وممارسات حضور العالم: «رؤية الكتاب هذا عنوان اخرتنا وقد ة الدال العالم« من بني عدد من املصطلحات «رؤية والتعليم« انطالقا من تفضيلنا ملصطلح املختلفة، وجتلياهتا يف الدوائر احلضارية املفهوم واملامرسات يف املفهوم، وتتبعا حلضور عىل الرتبية. بميدان اخلاص االهتامم من يشء مع املعرفية، العلمية واملجاالت العاملي الفكر رين أن د منذ البداية أننا نجتهد أن نقارب املوضوع من مرجعية إسالمية رصحية، مقد ونؤكلتأيت مقارباهتم يقاربون املوضوع من املرجعية نفسها، الذين للباحثني، هذا االجتهاد متاح

ع. د والتنو ضمن مدى من التعد

ويتضمن الكتاب سبعة فصول. حرصنا فيها عىل تغطية عدد من املجاالت التي يتداخل فيها مفهوم «رؤية العالم«.

وبدأنا احلديث يف الفصل األول عن حضور لفظي «الرؤية« و«العالم« يف لغة املعاجم ملفهوم املبارشة الداللة بينا ثم اإلسالمي، والرتاث النبوي، واحلديث الكريم، القرآن ويف

ه «رؤية العالم اإلسالمية«. رؤية العالم واملصطلحات الدالة عليه، وختمنا الفصل بام نعد

وحتدثنا يف الفصل الثاين عن حضور املصطلح واملفهوم يف الكتابات التي تعتمد املرجعية اإلسالمية، أو تعتمد مرجعيات أخرى، واألمهية التي يحملها هذا احلضور، والطريقة التي املرجعيات ع تنو العال، ال سيام مع ع يف رؤية والتنو د التعد إىل ظاهرة فيها، وأرشنا يحضر

الدينية والفلسفية والعلمية.

د يف الطريقة التي تعب فيها فئات خمتلفة عام ونظرا ملا شهدناه يف العقود األخرية من تعدالثالث عن اإلسالميني الفصل التفصيل يف تراه من مرجعية إسالمية، فقد حتدثنا بيشء من هم من وحتديد املعارص، العالم خصوصيات عىل الرتكيز مع املعارص، العالم ورؤية اإلسالميني فئات عند العالم رؤية املعارصة، وعالقة الكتابات تتناوهلم الذين اإلسالميون بالتعليم الديني اإلسالمي واالنتظام يف حركات إسالمية، مع النظر يف موقع هذه الرؤية يف

إطارها السيايس املعارص.

ثم تناولنا يف الفصل الرابع رؤية العالم والعلوم االجتامعية، ملا تحمله العلوم االجتامعية يف احلياة املعارصة من أمهية، وخلطورة عدم الوعي برؤية العالم الكامنة أو الرصحية يف هذه

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 16: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

15

العلوم. واخرتنا أن نعطي مثاال عىل حضور رؤية العالم يف واحد من العلوم االجتامعية وهو علم اإلنسان )األنثروبولوجيا(.

يأيت أن اخرتنا فقد فيها، العالم رؤية دراسة مثاال عىل االجتامعية العلوم اخرتنا وكام العلوم هذه عرفتهم الذي املسلمني علامء أبرز من واحد عن اخلامس الفصل يف احلديث فبينا مصدر رؤية بـ«علم االجتامع«، اليوم ملا يسمى س املؤس يعد الذي ابن خلدون، وهو العالم وتمثالتها عند ابن خلدون، ال سيام يف رؤيته لعالم الغيب، وعال الشهادة، ولإلنسان واملجتمع، وللتاريخ والسياسة. وكان اختيارنا البن خلدون نظرا ألنه أكثر علامء املسلمني املدارس ضوء يف للعالم رؤيته وفق الفكري تصنيفه حول ساريا اجلدل يزال ال الذين

الفكرية املعارصة.

واالقتصادية السياسية الظواهر من بعدد يتصف أصبح املعارص العالم ألن ونظرا للعالم رؤية العولمة صارت حتى العولمة، مصطلح يجمعها التي والثقافية واإلعالمية معها. التعامل ومنهجية للعالم العولمة لرؤية السادس الفصل صنا خص فقد املعارص، ن هذا احلديث شيئا عن العولمة الثقافية يف العالم املعارص وبعض األدوات واخرتنا أن نضمالتي تستعمل يف تعميم العولمة ورؤيتها للعالم، ال سيام برامج التعليم املحلية التي تسري يف

اتجاه العولمة، ومؤسسات التعليم الدويل.

وإذا كان الوعي برؤية العالم يف الثقافة املعارصة قد أخذ يتسع، ويصبح موضوع رؤية بصورة وتطويره الوعي، هذا بناء إمكانية عن والتساؤل والدراسة، للبحث جماال العالم مبجمة، فقد جاء الفصل السابع واألخري من الكتاب حديثا عن تعليم رؤية العالم، والصورة التي يظهر فيها هذا التعليم عىل وجه اخلصوص يف جمالني من جماالت التعليم، ومها التعليم الديني وتعليم العلوم الطبيعية، وعرضنا لبعض األمثلة عن واقع هذه التعليم يف الغرب ويف

العالم العريب.

وحاولنا أن تكون هذه الفصول مبنية بقدر من الرتتيب املنطقي والتدرج يف االنتقال من القارئ باحلاجة إىل هذا االنتقال، وليصل يف هناية يليه عندما يشعر فصل إىل الفصل الذي

املقدمة

Page 17: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

16

املطاف إىل قدر من التشبع يف تغطية جوانب املوضوع. ومع ذلك فقد جاء كل فصل حمددا يف موضوعه وبدايته وهنايته، إىل احلد الذي يمكن للقارئ الذي لديه قدر من األلفة باملوضوع،

أن يختار البدء بأي فصل من فصول الكتاب.

األجنبية املراجع من كثريا الكتاب تضمني يف السبب عن القارئ يتساءل وربام واإلشارة إىل كثري من إسهامات الباحثني الغربيني، وال مانع من أن يفرس القارئ ذلك بام قد يتمتع به املؤلف من اجلمع بني الثقافتني اإلسالمية والغربية، لكن السبب األساس يف ذلك هو طبيعة املوضوع، فقد زاد االهتامم باملفهوم واملصطلح يف الفكر الغريب يف العقود األخرية، هات األكاديمية التوج التفكري واملامرسة وال سيام يف حتى أصبح مدخال لكثري من جماالت مع العريب، العالم إىل االهتامم هذا ينتقل وأصبح واألدبية، والفنية واإلعالمية والسياسية التي الكتابات يف األفكار من كثريا نجد نا فإن ولذلك الغربية، األدبيات يف مرجعياته بقاء

تناولت موضوع رؤية العالم باللغة العربية صدى لتلك الكتابات األجنبية.

العربية واألجنبية، ولم يظهر كثري الكتابات للباحث االطالع عىل كثري من أتيح وقد منها يف فصول هذه الكتاب، ومن حق القراء من العلامء والباحثني ذوي االهتامم والبحث يف موضوع رؤية العالم، واملصطلحات ذات الصلة هبذا املوضوع، االستدراك عىل الكتاب، والتساؤل عن سبب عدم اإلشارة إىل ذلك املرجع أو ذلك املؤلف، ويكون التساؤل أحيانا التي العامة الفكرية التوجهات ضمن عنها املسكوت املادة وقعت إذا سيام ال قوية بنبة يعب عنها كتابنا هذا. ويكفي يف هذا الصدد أن أشري إىل أن هذا هو اجتهاد املؤلف يف اختيار اجتهاد وأن واحد، موقف عىل االجتهادات تلتقي أن ويصعب يضمنه، ال وما يضمنه ما يف تحقق -إذا الكامل واالستقراء االستقصاء وأن قصور، من يخلو ال الواحد املجتهد عىل تقترص موسوعية، غري كتابة يف سيام ال الكتابة، يف بالرضورة يتحقق ال قد القراءة-

إعداد كتاب متوسط احلجم بأهداف حمددة.

ه إليه. واجلواب عىل ويبقى السؤال عن اجلمهور الذي يمكن هلذا الكتاب أن يتوجاملفيد من يعد فلم واإلسالمية. العربية جمتمعاتنا يف املثقفة النخبة هو تردد دون ذلك

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 18: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

17

التعليمية املراحل أو الكتاب، قراءة من تفيد أن يمكن التي املجتمع طبقات سائر رسد املتتابعة يف التعليم العام والتعليم اجلامعي؛ أمال يف توسيع دائرة التسويق، فسوق الكتاب املثقفة ة حال. وال نود إضافة املزيد عن تعريفنا للنخبة أي يف جمتمعاتنا سوق حمدودة عىل التي الفكرية بالقضايا هيتم ممن كثريا المثقفة النخبة هذه من نجد ال فقد املجتمع، يف ن يهتم بالقضايا الفكرية تحتاج إىل جهد يف الفهم واالستيعاب، وقد ال نجد منها كثريا مميف بأن والتفاؤل والثقة األمل بعني ننظر نا فإن ذلك ومع رصحية. إسالمية مرجعية من جمتمعاتنا من النخبة املثقفة أعدادا متزايدة من شباب األمة الذين يتطلعون إىل بناء فكري النبوي، ويستصحب واهلدي اإلهلي للوحي فهم أصويل-مقاصدي إىل يستند إسالمي، يف قدما ويتجاوزها املعارصة، البرشية التجربة ويستوعب اإلسالمي، الرتاث تجربة املستهدف اجلمهور هم حتديدا وهؤالء املنشود. اإلسالمي احلضاري للنهوض السعي

بهذا الكتاب.

العلم أهل من عدد فيها شارك واملناقشة املراجعة من قدر إىل الكتاب خضع وقد ن له صلة بموضوع الكتاب، من بينهم ثامنية من العلامء هم: والفضل مم

ر واألديب، أستاذ التاريخ يف جامعة بغداد. 1- الدكتور عامد الدين خليل املؤرخ واملفكمركز ورئيسة القاهرة جامعة يف الدولية العالقات أستاذة مصطفى نادية الدكتورة -2

احلضارة للدراسات السياسية بالقاهرة.3- الدكتور محود عليامت أستاذ علم االجتامع يف معهد الدوحة للدراسات العليا.

4- الدكتور عليان اجلالودي أستاذ التاريخ الوسيط يف جامعة آل البيت يف األردن.5- الدكتور حممد بدي املرابطي مدير معهد األبحاث والدراسات العليا يف بروكسيل.

6- الدكتور عاطف فضل أستاذ النحو يف جامعة إربد األهلية.7- الدكتور رائد عكاشة املستشار األكاديمي للمعهد العاملي للفكر اإلسالمي يف األردن.

العاملي املعهد يف وباحث النبوية، السنة يف متخصص عمر عطا اهلل عبد الدكتور -8للفكر اإلسالمي.

املقدمة

Page 19: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

18

للمراجعة الكتاب خمطوطة من نسخة العلامء هؤالء من واحد لكل أرسلت وقد قدمها التي واالستدراكات امللحوظات من املؤلف واستفاد التطوير. هبدف والتحكيم، هؤالء العلامء أيما استفادة. نسأل اهلل سبحانه أن جيزي كال منهم خري اجلزاء، ويثيب كل من

أسهم بجهد يف الوصول بالكتاب إىل ما وصل إليه حسن الثواب.

واحلمد هلل رب العالمين.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 20: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

الفصل األول

رؤية العالم: اللفظ واملفهوم واملصطلحمقدمة

المبحث األول: رؤية العالم: األلفاط ومعانيها

أوال: العالم والرؤية يف معاجم اللغة

ثانيا: العالم والرؤية يف القرآن الكريم

ثالثا العالم والرؤية يف احلديث الرشيف

رابعا: العالم يف الرتاث العريب

المبحث الثاين: رؤية العالم: املفهوم واملصطلح

أوال: من املفهوم إىل املصطلحثانيا: مصطلح رؤية العالم واملصطلحات ذات الصلة به

المبحث الثالث: عنارص رؤية العالم اإلسالمية

خاتمة

Page 21: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought
Page 22: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

21

الفصل األول

رؤية العالماللفظ والمفهوم والمصطلح

مقدمةالواضحة العربية اللغة كلامت من العالم« «رؤية عبارة منهام تتكون اللتان الكلمتان املنطوق أو اخلط املكتوب، اللفظ اللغوي، سواء يف الداللة، وكثريا ما تردان يف االستعامل يف الكلمة معنى إن حتى خمتلفة؛ سياقات يف استعامهلا من الرغم عىل بالوضوح وتتصفان باألصل الصلة فقدان عدم مع اآلخر، السياق يف معناها عن تماما يختلف معني سياق اللغوي. وينظر الباحثون إىل هذه الظاهرة بصفتها إحدى مظاهر العبقرية يف اللغة العربية. لكن املعنى املركب من العبارة املكونة من هاتني الكلمتني ينفتح عىل آفاق واسعة من الفكر من اإلنسان يستبطنه ما إىل اللغة خصوصية داللته يف املعنى هذا يتجاوز بحيث البرشي،

وعي وإدراك، وربام يشعر صاحب هذا الوعي بصعوبة التعبري عنه.

وقد حرصنا أن نبدأ هذا الكتاب بفصل يبحث يف األساس اللغوي لآلفاق التي تتسع أن وحرصنا الالحقة. الفصول يف نتناوهلا سوف التي املعاين، فيها وتتعمق الدالالت هلا أصبح بصفته الكريم، القرآن بلسان األكب االهتامم مع اللغوي األساس يف القول نبسط بعد نزول الوحي به مرجعية اللغة العربية ومعجمها األساس. ومع ذلك فلم هنمل ما ورد يف احلديث النبوي، وال يف معاجم اللغة، وال الرتاث العريب. وبطبيعة احلال فإن االستقصاء الرتاث اللغة ومصنفات النبوي ومعاجم الكريم، واحلديث القرآن املحيط لكل ما ورد يف باالستقراء فاكتفينا الكتاب، وموضوع الفصل موضوع حاجة من قدرناه ما يتجاوز أمر

اجلزئي وبالتمثيل الذي نأمل أن يكون مشبعا للحاجة.

الكلمتني حضور لتتبع منهام األول خصصنا مباحث، ثالثة الفصل هذا يتضمن املكونتني ملصطلح رؤية العالم يف معاجم اللغة، والقرآن الكريم، واحلديث النبوي، والرتاث

Page 23: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

22

العريب. وقد حاولنا رصد السياقات التي ورد فيها كل من هاتني الكلمتني، لنستقرئ سائر

املعاين التي يمكن هلذه السياقات أن تشري إليها.

العبارة أصبحت وكيف العالم، رؤية عبارة معنى فيه تناولنا فقد الثاين املبحث أما

مفهوما عىل داللة معينة يف االستعامل اللغوي، يمكن أن تدل عليها عبارات أخرى، وكيف

ل هذا املفهوم إىل مصطلح ليدل داللة مبارشة عىل معنى حمدد. ثم أرشنا إىل املصطلحات حتو

األخرى ذات الصلة املبارشة وغري املبارشة بمصطلح رؤية العالم.

بحسم الالحقة الفصول سائر نستبق أن دون الفصل هذا ينتهي ال أن حرصنا وقد

د «رؤية العالم اإلسالمية« فاجتهدنا يف املبحث الثالث أن نحد ما نعتقده يف داللة مصطلح

دها. عها وتعد العنارص املكونة هلذه الرؤية قبل أن نخوض يف رؤى العالم وتنو

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 24: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

23

املبحث األول

رؤية العالم: األلفاط ومعانيهاقبل العالم رؤية بمصطلح تتصل التي األلفاط وجود نتتبع أن املفيد من يكون قد الدخول يف املفهوم الذي يشري إليه هذا املصطلح. فكيف يحضر فيها معنى رؤية العالم يف القرآن العرب، ويف لغة والعالم( يف )الرؤية، املصطلح، نان تكو اللتني اللغويتني املفردتني

الكريم، والسنة النبوية، والرتاث العريب اإلسالمي.

أوال: العالم والرؤية يف معاجم اللغة

نجد التي «عالم«، كلمة عن باحلديث نبدأ و«العالم«. «رؤية« كلمتان: العالم رؤية أصلها يف اللغة، كام يف لسان العرب وغريه من معاجم اللغة مشرتكا بني عدد من املعاين نذكر يعلم«؛ أي حصل له العلم، وما يكون من ذلك من ألفاظ العلم هلام: «علم منها معنيني، أومة والعليم، وثانيهام: «علمه يعلمه ويعلمه علما؛ والتعلم والتعليم، والعالم والعلماء والعالأي وسمه، )فوضع له وسام أو عالمة أو أثرا(، «قال الزجاج: معنى العالمين كل ما خلق اهلل، كام قال: ﴿مع جغ مغ جف﴾ ]األنعام: 164[ وهو مجع عالم، قال: وال واحد لعالم من لفظه، ألن عالما مجع أشياء خمتلفة، فإن جعل عالم لواحد منها صار مجعا ألشياء متفقة.« ومعلم كل يشء: مظنته، وفالن معلم للخري كذلك، وكله راجع إىل الوسم والعلم. واملعلم: األثر كله«، اخللق والعالم اخللق، أصناف والعالمون المعالم. مجعه الطريق، عىل به يستدل علم، الطريق: أعالم واحدها يستدل هبا عىل املنازل الطريق من يبني عىل جواد ملا «ويقال املرضوبة ومعالمه احلرم أعالم مثل واحلدود، الطرق عىل وعلما عالمة جعل ما واملعلم عليه«، «والعلم الراية التي جتتمع إليها اجلند«، «واملعلم األثر، والعلم املنار«، «والعالمون:

أصناف اخللق. والعالم: اخللق كله.«)1(

ابن منظور، أبو الفضل مجال الدين حممد بن مكرم )تويف711ه(. لسان العرب، بريوت: دار صادر، ط6، 1417هـ )1()1997م(، ج 12، ص420-419.

رؤية العالم: اللفظ والمفهوم والمصطلح الفصل األول

Page 25: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

24

ل حص أي علم ومعنى منظور ابن إليه يشري الذي املعنى هذا بني اجلرجاين ويربط

«كل ما سوى اهلل من املوجودات؛ ألنه يعلم به اهلل، من حيث أسامؤه علما، فيقول: العالم وصفاته.«)1(

ؤية ،... وقال ابن سيده: الر ؤية بالعني أما الرؤية فقد جاء يف لسان العرب، «رأى: الر

ر يف احلديث )أرأيتك وأرأيتكم النظر بالعني والقلب... ويقال: رأى يف الفقه رأيا. وقد تكر

وين... اين وأخب ين وأخب وأرأيتكام(، وهي كلمة تقوهلا العرب عند االستخبار، بمعنى أخب

، أي: حيث يقع البرص عليه... ويف احلديث: أن ويقال: رأيته بعيني رؤية ورأيته رأي العني

فنا النظر إليه، هل نراه أو ال. الل؛... أي: تكل ي قال: تراءينا اهل أبا البخرت

إعالم، فيه سؤال وتأويله ، ختب أل تر؛ أل بعضهم: قال منامك... يف رأيته ما ؤيا: والر

كلمة وهي كذا، إىل تر وألم فالن، إىل تر ألم احلديث: يف ر تكر وقد تهم، قص أعلن وتأويله

نن من زن املخاطب، كقوله تعاىل: ﴿رن تنبيه ء، وعند ب من اليش تقوهلا العرب عند التعج

رأى إذا القوم تراءى يقال: ؤية. الر من تفاعل ائي: والرت ]البقرة: 243[... ى﴾ ين ىن

بعضهم رأى اجلمعان: وتراءى رأيته... حتى ظهر أي: ء اليش يل وتراءى بعضا. بعضهم

له رأي«. أي: معروف، ومجعه آراء... يف حديث األزرق بن قيس: «وفينا رجل بعضا... والر

ا قول اهلل عز أي: االعتقاد، اسم ال مصدر، واجلمع آراء... أم أي. والر يقال: فالن من أهل الر

: ٱىت يت ]النساء: 142[ وقوله: زت مت نت ىت يت ]املاعون: 7-6[... وجل

: وجل عز اهلل قول هذا ومن الة، الص تركوا يروهم ل وإذا وا، صل الناس هم أبرص إذا معناه:

بالنية.«)2( يفعل وال يفعل ه أن الناس يري ه كأن املرائي، وهو ]األنفال: 47[ ىي﴾ مي ﴿خي وعند اجلرجاين يف التعريفات: الرؤية: املشاهدة بالبرص حيث كان؛ أي يف الدنيا واآلخرة.«)3(

اجلرجاين، عل بن حممد السيد، )تويف 816ه(. معجم التعريفات، تحقيق ودراسة حممد صديق املنشاوي، القاهرة: )1(دار الفضيل، 2004م، ص122.

ابن منظور، لسان العرب، مرجع سابق، ج 14، ص304-291. )2(

اجلرجاين، معجم التعريفات، مرجع سابق، ص94. )3(

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 26: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

25

والذي يعنينا هنا هو أن الرؤية ال تقترص عىل الوظيفة التي تؤدهيا العني، حيث تنظر إىل األشياء فتبرصها، وإنام تعني باإلضافة إىل ذلك الرؤية بالقلب أو بالبصرية، وتكوين الرأي، وهو االعتقاد، وتعني اإلخبار واإلعالم، والرؤيا يف املنام، وغري ذلك. ولذلك فإن من املهم تعميق معنى الرؤية عن طريق معرفة ما يتصل بهذا املعنى من دالالت لفظي البرص والنظر.

يعود ربام والرؤيا، الرؤية من كل معنى بني قديمة صلة ة ثم أن النقاد بعض ويرى أصل هذه الصلة إىل الثقافة اليونانية القديمة، حيث كان أفالطون يرى أن الشاعر املبدع إنام ى قدرته الشعرية من اآلهلة، فينطق بلساهنا. وتتبدى هذه الصلة كذلك يف الشعر العريب يتلقئي من اجلن الذي يف اجلاهلية، حني حتدثوا عن وادي عبقر الذي سكنه شياطني الشعر، والريوحي للشاعر من اإلبداع الشعري ما ال يمكن لغري ذلك الشاعر أن يصل إليه من الرتاكيب اللغوية ومعانيها الفكرية. وربام كانت هذه األساطري أساسا لوصف مرشكي قريش ما كان

ينزل عىل حممد صىل اهلل عليه وسلم من القرآن بألفاظه ومعانيه، بأنه من قبيل الشعر.)1(

ومن هنا كان القرآن الكريم حاسام يف التمييز بني الرؤية التي تتيحها قدرات اإلنسان لو كان هلا نومه، حتى النائم يف يراه ما تقترص عىل التي والرؤيا والعقلية، وخباته احلسية دالالت يف العالم احليس. ومع ذلك فإننا ال نزال نجد من يصف اإلبداع الشعري بالسحر

أو النبوة، كام يقول عل حممود طه:

نبي وقلــب ســاحر بعصا هبط األرض كالشعاع السني يف تجاليد هيــكل برشي)2( لمحة من أشعة الروح حلت

ما فوق الرؤية والرؤيا تكررت يف قدرة اإلنسان عىل استرشاف الصلة بني لكن هذه احلس والمادة، إىل التأمل العميق والتبرص يف األمور، حتى تنكشف له حجب احلس املادي لغريه، وقد ينكشف ما ال العوالم بقلبه من هذه الغيب، فريى للصويف عوالم من وتتجىل

يعب عنها بلسانه بلغة ال يفهم حقيقتها إال من ذاقها.

احلديث، األديب والنقد النفس علم ضوء يف العرب النقاد رؤى الشعر: يف الفني اإلبداع مفهوم جهاد. املجايل، )1(عامن– األردن: دروب للنرش والتوزيع، ط1، 2016م، ص 40-28.

طه، عل حممود. ديوان عيل حممود طه، القاهرة: هنداوي، 2012م، مطلع قصيدة ميالد شاعر، ص17. )2(

رؤية العالم: اللفظ والمفهوم والمصطلح الفصل األول

Page 27: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

26

دالالت يف وتتاميز الدالالت، من عدد يف والبرص والنظر الرؤية ألفاظ وتشرتك نظرا ومنظرا ومنظرة، ونظر «النظر: حس العني، نظره ينظره أخرى، ونحن نجد يف اللغة: القلب... ونظر العني نظر من وكذا، كذا إىل نظرت وتقول: نظر... مصدر واملنظر: إليه. لم إليه نظرت قلت: وإذا واحد... بمعنى وانتظرته فالنا نظرت يقال: االنتظار. والنظر: بالقلب ... را فيه وتدبرا بالعني، وإذا قلت: نظرت يف األمر احتمل أن يكون تفك يكن إال واملناظرة: أن تناظر أخاك يف أمر إذا نظرمتا فيه معا كيف تأتيانه. واملنظر واملنظرة: ما نظرت اللمحة ره وتقيسه منك. والنظرة: الفكر يف اليشء تقد إليه فأعجبك أو ساءك،... والنظر:

بالعجلة... والنظرة: الرمحة. وقوله تعاىل: ﴿جم حم خم مم جن﴾ ]آل عمران: 77[ أي باألبصار فهو لألجسام، وما كان ال يرمحهم... والنظر يقع عىل األجسام واملعاين، فام كان

بالبصائر كان للمعاين... والنظرة بكرس الظاء: التأخري يف األمر. ويف التنزيل العزيز: ﴿جع

مع مغجغ﴾ ]البقرة: 280[... والنظائر: مجع نظرية، وهي املثل والشبه يف األشكال، واألخالق

واألفعال واألقوال... واملنظور: الذي يرجى خريه...)1(

النظر: املثل. وضوحه. لعدم للتفكري هذا نظر: جمال يف يقال: الوسيط: املعجم ويف ة )يف الفلسفة(: ة قضية تثبت ببهان. والنظري ونظر بني الناس: حكم وفصل بينهم... النظري

هبا بعض الوقائع العلمية أو الفنية.)2( طائفة من اآلراء تفرس

نظر ه: وتبرص ه وأبرص وبصارة، وبصارة برصا به برص اللغة: يف نجد فإننا البرص أما إذا أخب بالذي وقعت عينه عليه، مبرصا، وأبرصه ه. قال سيبويه: برص صار يبرص إليه هل ه ه قبل صاحبه. وبارص يبرص أيهما ه: نظر معه إىل يشء ت اليشء: رأيته. وبارص ... وأبرصعقيدة نظره وخاطره. والبصرية: القلب: القلب. وبرص نفاذ يف : ه؛... والبرص أبرص أيضا: القلب. قال الليث: البصرية اسم ملا اعتقد يف القلب من الدين وتحقيق األمر؛ وقيل: البصرية الفطنة، تقول العرب: أعمى اهلل بصائره، أي فطنه؛ وإنه لبصري باألشياء، أي عالم هبا؛ عنه

ابن منظور. لسان العرب، مرجع سابق، ج5، ص 219-215. )1(

جممع اللغة العربية. املعجم الوسيط، القاهرة: دار الرشوق الدولية، ط4، 2004م، ص 932-931. )2(

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 28: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

27

ة؛ يقال: أما لك بصرية أيضا. ويقال للفراسة الصادقة: فراسة ذات بصرية. والبصرية: العب

ة تعتب هبا؛ وأنشد: يف هذا؟ أي عب

لني من القرون، لنا بصائر اهبني األو يف الذ

ت باليشء: علمته؛ قال عز وجل: ﴿خب مب هب جت : العلم. وبرص : والبرص أي عبف. والتبصري: التعريف واإليضاح.)1( ل والتعر : التأم حت خت﴾ ]طه: 96[. والتبرص

ويف املعجم الوسيط: البرص: العني، والبرص: قوة اإلبصار، والبرص قوة اإلدراك واجلمع

أبصار، ... والبصرية: قوة اإلدراك والفطنة، والعلم واخلبة... وفعل ذلك عن بصرية: عن عقيدة ورأي، ومجعها بصائر.)2(

ثانيا: العالم والرؤية يف القرآن الكريم

ال يغيب لفظ العالم عن لسان اإلنسان املسلم وهو يقرأ الفاحتة يف كل ركعة من صالته،

العالمين. أو العوالم إذن هو مفرد فالعالم ىم﴾. مم خم البسملة: ﴿حم بعد

ومع أن لفظ العالم يشري إىل اجتامع األشياء والكائنات واألمور، ويدل عىل الكثري منها،)3(

فإن اهلل سبحانه رب هذه العالمين مجيعا.

ابن منظور، لسان العرب، مرجع سابق، ج4، ص67-64. )1(

جممع اللغة العربية، املعجم الوسيط، مرجع سابق، ص59. )2(

جاء يف تفسري الطبي عند تفسريه ﴿مم ىم﴾ من سورة الفاحتة: «والعاملون مجع عالم، والعالم مجع ال )3(تي هي موضوعات عىل مجاع ال واحد له من هط واجليش ونحو ذلك من األسامء ال واحد له من لفظه، كاألنام والرلفظه. والعالم اسم ألصناف األمم، وكل صنف منها عالم، وأهل كل قرن من كل صنف منها عالم ذلك القرن، ن عالم، وكذلك سائر أجناس اخللق، مان. واجل نس عالم، وكل أهل زمان منهم عالم ذلك الز مان، فاإل وذلك الزكل جنس منها عالم زمانه. ولذلك مجع فقيل: «عالمون«، وواحده مجع لكون عالم كل زمان من ذلك عالم ذلك

مان. انظر: الز

الطبي، أبو جعفر حممد بن جرير )تويف310ه(. تفسري الطربي: جامع البيان عن تأويل القرآن، حتقيق بشار عواد معروف وعصام فارس احلرستاين، بريوت: مؤسسة الرسالة، ط1، )1415ه /1994م(، ج1، ص62- 63.

رؤية العالم: اللفظ والمفهوم والمصطلح الفصل األول

Page 29: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

28

وأصل لفظ العاملني هو مادة )ع ل م( يف القرآن الكريم التي وردت مئات املرات، وكان أكثرها من مشتقات علم يعلم؛ أي: حصل له العلم، فكان منها العلم، والتعليم، والعالمون، والعلامء، ووردت بصيغة الفعل واالسم، واملفرد واملثنى واجلمع، ومنها ما كان من أسامء اهلل عز وجل وصفاته، فهو سبحانه عالم الغيب، وعالم الغيوب، والعليم، ومنها ما كان يف حث بمعان كان ما ومنها والعلامء. العلم شأن من واإلعالء والتعليم والتعلم العلم عىل الناس

حمددة، مثل: النبوة، والبهان أو احلجة، والتمييز، والرؤية، واإلذن، وغري ذلك.

علم لفظ وأصلها اجلمع، بصيغة الالم بفتح العالمين لفظ املشتقات هذه من وورد يعلم ويعلم كام أرشنا يف الداللة اللغوية. واملالحظ أن لفظ «عالم« باملفرد ل يرد يف القرآن ىم﴾ يف ﴿مم عبارة منها مرة، 62 يف باجلمع «العالمين« لفظ ورد وإنام الكريم،

ات يف عبارة ﴿حم خم مم ىم﴾. القرآن الكريم 41 مرة، منها 6 مر

وتتضح آفاق العاملني يف العقل البرشي، وهو يقرأ آيات سورة الشعراء التي تروي فرعون سؤال عن السالم عليه موسى إجابة يف وتتوسع وفرعون، موسى بني احلوار فرعون إىل يذهبا أن وهارون موسى سبحانه اهلل أمر فعندما ىم﴾. ﴿مم عن بالرسالة وأهنام مرسالن إليه من رب العالمين: ﴿جغ مغ جف حف خف مف حق﴾ السخرية بصيغة فرعون سؤال منه وكان وفرعون، موسى بني حوار دار ]16 ]الشعراء:

زب رب يلام ىل مئ زئ رئ ى ٱ

واالستعالء: ﴿مب نب ىب يب رت زت مت نت ىت يت رث زث مث نث ىث يث ىف

يف ىق يق اك لك مك ىك يك مل ىل يلام مم رن زن من نن

ىن ين ى ري زي مي ني ىي﴾ ]الشعراء: 23 – 29[. وهكذا يتصاغر شأن

حياول الذين الناس رب ليس سبحانه فهو عنه، يسأل الذي العالمين« «رب أمام فرعون ه عليهم، ولكنه سبحانه رب السموات واألرض وما بينهام، ورب أجيال البرش فرعون أن يتألاحلارضين والسابقني، ورب ما بني املرشق واملغرب من عوالم األشياء والكائنات والظواهر.

حرصه املفرسين بعض حاول مما بكثري أوسع ىم﴾ ﴿مم أن نرى ونحن واجلن اإلنس وحدها: األربعة العاقلة العوالم يف أو وحدمها، واجلن اإلنس عالمي يف واملالئكة والشياطني. فالعالمون تشمل العوالم املادية الطبيعية؛ من جمرات ونجوم، وأرض

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 30: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

29

وسامء، وأهنار وبحار، ونبات وحيوان، وسائر ما يف هذا الكون من األشياء احلية وغري احلية. ونساء، ورجال وجمتمعات، ومجاعات وقبائل، شعوب من االجتامعية؛ العوالم وتشمل ولغات وثقافات، وعالقات سلم وحرب، وسائر ما يقع من بني اإلنسان. وتشمل العوالم يخالط ما وسائر وخوف، ورجاء وكره، وحب وانفعاالت، مشاعر من فيها بام النفسية؛

عقل اإلنسان وقلبه.

خاصا املعنى ليكون احلاالت من عدد يف الكريم القرآن يف العالمين لفظ ورد وقد بمجموع الناس يف العالم. فقد اصطفى اهلل عز وجل بعض أفراد البرش عىل سائر البرش، ﴿ىف يف ىق يق اك لك مك ىك يك مل ىل﴾ ]آل عمران: 33[، واصطفى مريم

عىل نساء العاملني ﴿زي مي ني ىي يي جئ حئ خئ مئ هئ جب حب﴾ ]آل عمران: 42[.

أما لفظ الرؤية فإنه يرتبط يف القرآن الكريم بثالثة ألفاظ، هي: رأى، ونظر، وبرص، يف الكريم القرآن يف ومشتقاته رأى لفظ جاء وقد الثالث. الكلامت هذه وترصيفات ترى، رأوا، )326 آية( يف 72 سورة.)1( يف صيغة الفعل واالسم واملصدر رأى، رأيت، تتحدث القرآنية واآليات أروين... يروا، يرون، رؤياك، ؤيا، الر أرأيت، تر، أل لنريك،

عن الرؤية يف عدد كبري من املجاالت، منها:

حق﴾ مف خف حف جف ﴿مغ األنفس: ويف اآلفاق يف اهلل آيات رؤية ]فصلت: 53[. والرؤية يف الدنيا ﴿جئ حئ خئ مئ هئ جب حب خب مب هب جت

حت خت مت هتمث حج مج ﴾ ]السجدة: 27[. ورؤية أهوال يوم القيامة: ﴿حن

خن من ىن ين جه مه﴾ ]احلج: 2[. والرؤية يف اآلخرة: ﴿خل مل ىل

يل جم حم خم مم ىم يم﴾ ]احلديد: 12[. والرؤية بمعنى اإلعالم واإلخبار:

﴿يف ىق يق اك لك مك ىك﴾ ]الفيل: 1[.

من إحصاء املؤلف ملا ورد يف املعجم املفهرس أللفاظ القرآن الكريم انظر: )1(

- عبد الباقي، حممد فؤاد. املعجم املفهرس أللفاظ القرآن الكريم، القاهرة: مطبعة دار الكتب املرصية، 1364ه، ص285-280.

رؤية العالم: اللفظ والمفهوم والمصطلح الفصل األول

Page 31: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

30

ومن الرؤية يف القرآن الكريم ما يكون بمعنى املشاهدة بالبارصة ﴿ىق يق

مئ رئزئ ٱ

بالبصرية، ﴿ الرؤية ]آل عمران: 13[، ومنها لك﴾ اك

نئ ىئيئ رب زب مبنب ﴾ ]األنعام: 104[.

ىم مم خم ﴿حم ،]105 ]التوبة: حص﴾ مس ﴿خس وجل، عز اهلل إىل منسوبة والرؤية

ى ر ذ ٱ

يم﴾ ]العلق: 14[، ومنسوبة إىل األنبياء، فعن نبي اهلل إبراهيم عليه السالم: ﴿

﴾ ]األنعام: 76[، وعىل لسان نبي اهلل سليامن عليه السالم: ﴿حس خس مس حص خص﴾ ى ر ذ ٱ]النمل: 20[ وعن نبينا حممد صىل اهلل عليه وسلم: ﴿خك لك مك جل حل خل مل هل ﴾

]األنعام: 68[، ومنسوبة إىل الناس ﴿حس خس مس حص خص مص﴾ ]الروم: 24[، ومنسوبة

إىل الشيطان ﴿إين أرى ما ال ترون﴾ ]األنفال: 48[.

مل خل حل جل ﴿مك املنام: يف رؤيا فثمة اليقظه، يف حسيا إدراكا الرؤية كانت وإذا

هل جم حم خم مم جن حن خن من هنجه مه ه جي حي خيمي هي مئ هئ مب هب

مت هت خل مل ىل يل جم حم خم مم ىم يم جن حنخن من ىن ين

جغ مع جع مظ حط مض خض حض ]الصافات:102- 105[. ﴿جض مه﴾ جه

مغ جف حف خف مف حقمق جك حك خك لك مك جل حل خل مل هل

افات خل مل ىليل جم حم خم مم ىم يم﴾ ]يوسف: 43-44[ ففي آيات سورة الص

تعب عن معنى آيات سورة يوسف املنام ثالث مرات، وجاءت الرؤيا يف إىل اإلشارة جاءت

الرؤيا باألحالم التي ال معنى حمددا هلا عند من ال يحسنون تعبري الرؤيا.

الكريم عن رؤيا القرآن لكن ما ورد من رؤيا األنبياء كانت كلها حقا. ومن ذلك ما ورد يف

إبراهيم عليه السالم وهو يذبح ابنه، ﴿حم خم مم ىم يم جن حن﴾ ]الصافات: 105-104[

وما ورد عن رؤيا يوسف عليه السالم وسجود الشمس والقمر والكواكب األحد عرش له:

﴿مك ىك يك مل ىل يل ام مم رن زن مننن﴾ ]يوسف: 100[، وكذلك ما ورد من

رؤيا حممد صىل اهلل عليه وسلم يف دخول البيت احلرام: ﴿هب جت حت خت مت هتمث

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 32: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

31

حج مج جح﴾ ]الفتح: 27[ أما رؤيا امللك ﴿خض مض حط مظ جع مع جغ

أن ذلك حمض أضغاث املأل ]يوسف: 43[ وظن ﴾ حقمق مف خف حف جف مغ

التمكني الذي أهلم نبي اهلل يوسف تعبريها، فكان ذلك من دواعي أحكام، فإن اهلل سبحان تحقق له يف االرض، ومن ثم إدارته لألزمة االقتصادية.

وبني ألفاظ الرؤية وألفاظ البرص صلة وثيقة، رغم عدم التطابق يف املعنى أو الرتادف. فقد جاءت مشتقات لفظ «برص« يف القرآن الكريم يف )148 آية( يف 62 سورة،)1( منها ما جن﴾ يم ﴿ىم األذن، وظيفة السمع أن كام العني، وظيفة بوصفه بالبرص يتصل جه﴾ ين ىن من ]مريم: 42[، ﴿خن زب﴾ رب يئ ىئ نئ مئ ]السجدة: 12[، ﴿زئ

جت هب ﴿مب ،]198 ]األعراف: ﴾ ﴿ ،]17 ]البقرة:

مج حج مث ﴿هت ،]27 ]السجدة: ﴾ مج حج هتمث مت خت حت

خص حص مس ]امللك: 3[، ﴿خس زب﴾ رب يئ ىئ نئ جحمحمح﴾ ]األنعام: 50[، ﴿مئ

مص جض﴾ ]يوسف: 93[، ﴿هت مث هث مس هس﴾ ]النور: 43[، ﴿حق مق جك

حك خك لك مك جل حل خل﴾ ]احلج: 46[... إلخ.

ر، ومن لكن من دالالت البرص كذلك ما خيتص بعمل القلب والعقل من تدبر وتفكالذكاء والفطنة والعلم واخلبة. ة البصرية والبصائر. فالبصرية هي قوة اإلدراك وحد ذلك يقال: برص باليشء علم به، وبرص األمر: عرفه، وبرصته باليشء: أوضحته له. قال اهلل تعاىل: علم عىل أي ]108 ]يوسف: يثىف﴾ ىث نث مث زث يترث ىت نت مت زت ﴿رت

ة، واليقني، ق، واحلج ومعرفة فيها برهان رشعي وعقل. ومن معاين البصرية: املعرفة، والتحقوالبهان؛ فإن من دعا الناس بجهل فقد خالف أمر اهلل تعاىل بالدعوة إليه عىل بصرية وعلم.

أما لفظ «نظر« وترصيفاته يف القرآن الكريم فقد جاء يف )129 آية( يف 48 سورة،)2( ر والتدبر يف آيات اهلل يف بالتفك العقل بمعان ودالالت متنوعة، جيمعها الدعوة إىل إعامل

عبد الباقي. املعجم املفهرس أللفاظ القرآن الكريم، مرجع سابق، ص123-121. )1(

املرجع السابق، ص707-705. )2(

رؤية العالم: اللفظ والمفهوم والمصطلح الفصل األول

Page 33: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

32

ليكون البحث واالستقصاء واالكتشاف إىل ة، والدعوة املتلو آياته اآلفاق واألنفس، ويف

الدالالت وتتضمن اخللق. يف وحكمته املدبر اخلالق إىل اإلنسان به يهتدي سبيال ذلك

كذلك معنى اإلمهال والتأخري ملزيد من التبرص باألمور والتدبر يف العواقب. ولفظ النظر

العلم إىل النافذة بالبصرية أو واملشاهدة، واملعاينة بالبرص مطلقا الرؤية يعني القرآن يف

واملعرفة واحلكمة فيام وراء املعاينة واملشاهدة.

ومن املالحظ أن هذه األلفاظ الثالثة جاءت بترصيفات كثرية، بصيغ األفعال واألسامء،

واملفرد واجلمع ومنسوبة إىل اهلل سبحانه وإىل األنبياء، وإىل الناس. وال شك يف أن التدبر يف

الفهم واإلدراك. األلفاظ يكشف عن صور مهمة من فيها هذه التي وردت اآليات معاين

ال حمددا أمرا يعني القرآنية اآلية يف مكانه يف األلفاظ هذه من لفظ وجود أن املؤكد ومن

نا نرى بعض االشرتاك يف معاين األلفاظ الثالثة، فإننا يؤديه لفظ آخر يف ذلك املكان. ومع أن

الواحد من هذه األلفاظ اللفظ اللفظي. ونحن نجد التنويع أو الرتادف، ال نرى ذلك من

الثالثة يف اآلية، وهذا كثري، ونجد لفظني، ﴿مت هت مث حج مججح مح جخ مخ جس

حس خس مس حص خص مص جض حضخض﴾ ]األعراف: 143[ ونجد الثالثة ألفاظ معا يف

د اختالف ﴾ ]األعراف: 198[ مما يؤك اآلية الواحدة، ﴿

الدالالت التي يؤدهيا كل لفظ منها.

العني رغم تتعطل وظيفة نظر بال رؤية: حني البرشية وجود املعروف يف اخلبة ومن

عني ه تتوج عندما مؤقت خللل أو البرصي، العصب يف دائم خللل الظاهرة، سالمتها

انفعال شديد يرافقه بأمر مهم، الذهن النشغاله فيها يغيب اليشء وهو يف حالة إىل الناظر

العصبية عن عملها املراكز فتتعطل املخدرات، تأثري ناجتة عن احلالة أو تكون من اخلوف،

بصورة مؤقته، ويعود الذهن إىل احلضور عند ارتفاع أي من احلالتني. وكذلك فإن ثمة رؤية

إليه يتوجه ما يوجد أي خلل، وال دون تماما اإلبصار سليمة تكون حاسة نظر، حني بال

البرصي عن نقل صورة اليشء يتعطل العصب أو النظر، العني عن النظر، أو حني تتعطل

الرؤية، ألن اإلنسان يستحرض مشهدا من خمزون إليه العني، ومع ذلك تحدث الذي تنظر

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 34: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

33

ل فيها نتيجة عمليات إبصار سابقة، أو تشكل من املعلومات السمعية الذاكرة البرشية، تشكالتي تلقاها اإلنسان عن ذلك املشهد.

فيه، الذي وردت بالسياق يتحدد الكريم القرآن اللفظة يف أن معنى نالحظ مما سبق وقد خاصا. قرآنيا معنى ألفاظه من لفظ لكل تجعل التي الكريم للقرآن الكلية وبالبنية لغات من لغة كل أن ترى احلديثة اللسانية الدراسات أن إىل اإلشارة املناسب من يكون دة للعالم خمتلفة عن الرؤية ن املتحدثني هبا من رؤية حمد البرش تنطوي عىل رؤية للعالم متكالثامن القرنني خالل الغربية الثقافة يف تطورت وقد أخرى. لغة تعطيها أن يمكن التي النسبية اللغة، منها فرضية الفلسفية حول الدراسات عرش والتاسع عرش بعض األفكار يف اللسانية Linguistic Relativity Hypothesis التي تقول إن كل لغة من لغات البرش حتتوي عىل رؤية خاصة هبا للعالم، تجعل املتحدثني هبذه اللغة يرون العالم بطريقة خمتلفة عن رؤية لت لسانيا.)1( املتحدثني بلغة أخرى. ومن ثم فإن كل يشء يف الوجود هو حمض حقيقة تشك

لغوي منهج عىل Toshihiko Izutsu إيزوتسو تشيهيكو الياباين الباحث اعتمد وقد تؤدي وما فيه، املفتاحية الكلامت بعض واختبار داللية، دراسة الكريم للقرآن دراسته يف إليه من فئات املعاين اخلاصة ذات الصلة باحلقيقة غري اللغوية التي تعب بطريقة خاصة عن رؤية للعالم وللحقيقة، وتوصل إىل أن كلامت اللغة العربية يف القرآن الكريم تمتلك نظاما الثقايف والتارخيي عام الذايت، يختلف يف سياقه باالتساق والتكامل واالكتفاء لغويا يتصف كان عليه النظام اللغوي السائد قبل نزول القرآن الكريم. وقد استخدم إيزوتسو منهج علم الداللة بوصفه: «دراسة تحليلية للمصطلحات املفتاحية اخلاصة بلغة ما، تتطلع للوصول يف اللغة تلك الذين يستخدمون بالناس للعالم« اخلاصة لـ«الرؤية إدراك مفهومني إىل النهاية كأداة ليس للكالم والتفكري فحسب، بل األهم، كأداة ملفهمة العالم الذي حييط هبم وتفسريه.

يمكن ملن أراد املزيد عن النسبية اللغوية وعالقتها برؤية العالم مراجعة كتاب آنا ويرزبيكا: )1( Wierzbicka, Anna. Semantics, Culture, and Cognition: Universal Human Concepts in

Culture-Specific Configurations 1st Edition, New York and London: Oxford University Press, 1992.

رؤية العالم: اللفظ والمفهوم والمصطلح الفصل األول

Page 35: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

34

إن علم الداللة هبذا الفهم نوع من «علم الرؤية للعالم« Weltanschauungslehre أو

دراسة لطبيعة رؤية العالم وبنيتها ألمة ما، يف هذه املرحلة املهمة أو تلك من تارخيها. وهذه

لنفسها، األمة أنتجتها التي الثقافية للمفاهيم املنهجي التحليل بوسائل تستهدي الدراسة

وتبلورت يف املفاهيم املفتاحية للغتها.«)1(

ثالثا: العالم والرؤية يف الحديث الرشيف

ىم﴾ ﴿مم عبارة إىل النص فيها حييل كثرية أحاديث يف العالمين لفظ ورد

املخلوقات، سائر أي إليها؛ أرشنا التي العامة بالدالالت الكريم القرآن يف جاءت كام

البرشي خاصة من بني هذه املخلوقات. ومن ذلك مثال: ما جاء يف وبداللة عموم اجلنس

النبي أن أنس: عن قتادة عن شعبة حدثنا قال: عمر بن حفص حدثنا البخاري: صحيح

صىل اهلل عليه وسلم وأبا بكر وعمر ريض اهلل عنهام كانوا يفتتحون الصالة بـ ﴿حم خم

البخاري كذلك قوله صىل اهلل عليه وسلم أليب سعيد بن املعىل: ىم﴾.)2( ويف مم «ألعلمنك أعظم سورة يف القرآن ... هي ﴿حم خم مم ىم﴾، السبع املثاين«)3(

بني مسلم البخاري عام جرى رواه ما منها كثرية أحاديث البرش خاصة وبداللة عموم

وهيودي حني قال املسلم: «والذي اصطفى حممدا صىل اهلل عليه وسلم عىل العالمين يف قسم

يقسم به، فقال اليهودي: والذي اصطفى موسى عىل العالمين.«)4( وقد ورد لفظ ﴿ىم﴾

يف هنايتها: يف يرد التي اإلبراهيمية الصالة املسلمني وسلم عليه اهلل صىل الرسول تعليم يف

إيزوتسو، توشيهيكو. اهلل واإلنسان يف القرآن: علم داللة الرؤية القرآنية للعالم، ترمجة هالل حممد اجلهاد، بريوت: )1(املنظمة العربية للرتمجة، ط1، 2007م، ص 32.

البخاري، أبو عبداهلل حممد بن إسامعيل البخاري )تويف256ه(. صحيح البخاري، دمشق - بريوت: دار ابن كثري، )2(ط1، 1423ه/2002م، كتاب األذان، باب ما يقول بعد التكبري، حديث رقم )743(، ص183.

حس﴾ جس مخ جخ مح ﴿جح باب األنفال، سورة تفسري التفسري، كتاب السابق، املرجع )3(]األنفال: 24[ حديث رقم )4647(، ص 1145.

واليهود املسلم بني واخلصومة واملالزمة شخاص اإل يف يذكر ما باب اخلصومات، كتاب السابق، املرجع )4((، حديث رقم )2411( ص581. )واليهودي

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 36: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

35

عىل اهلل صىل مثلام وآله ملحمد الصالة سبحانه اهلل نسأل نا إن أي جميد.«)1( محيد إنك العالمين إبراهيم وآله يف العالمين، وذلك أن اهلل سبحانه قد اصطفى آل إبراهيم عىل العالمين، كام جاء يف

قوله سبحانه: ﴿ىف يف ىق يق اك لك مك ىك يك مل ىل﴾ ]آل عمران: 33[.

يرويه الذي األثر اإلسالم« من السالم «إفشاء باب يف البخاري صحيح يف وجاء نصاف يامن: اإل ر: ثالث من مجعهن فقد مجع اإل البخاري يف أول الباب، عن عامر: «وقال عامفتح كام جاء يف رشح والعالم قتار.«)2( اإل من نفاق واإل للعالم، الم الس وبذل نفسك، من الباري)3( يعني مجيع الناس. ونجد تفسري ذلك يف حديث آخر للبخاري حيث يكون معنى العالم يف األثر املشار إليه هو: «عىل من عرفت ومن لم تعرف«. فعن عبد اهلل بن عمرو أن وتقرأ الطعام، تطعم قال: ؟ خري سالم اإل أي وسلم: عليه اهلل صىل اهلل رسول سأل رجال

الم عىل من عرفت ومن لم تعرف.«)4( الس

ووردت ألفاظ أخرى ذات صلة باألصل اللغوي للفظ العالم، مثل «عالمة، ومعالم«. ففي حديث عبد اهلل بن عباس عن سبب تقدير عمر بن اخلطاب لعبد اهلل بن عباس وإدخاله مثله، أبناء تدخل هذا الفتى معنا ولنا ل عليه مع أشياخ بدر مع حداثة سنه، فقال بعضهم: )أريته( رئيته وما قال: معهم، ودعاين يوم ذات فدعاهم قال: علمتم، قد ممن ه إن فقال:

مئ زئ رئ ٱ مئ نئ

هيم مني، فقال ما تقولون يف ﴿ دعاين يومئذ إال لري

ورة، فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد اهلل ىئ يئ رب زب مب نب﴾ حتى ختم الس

نا وفتح علينا، وقال بعضهم: ال ندري، أو ل يقل بعضهم شيئا، فقال يل: ونستغفره إذا نرص

الكرمي، صهيب أبو به اعتنى مسلم، صحيح )تويف261ه(. النيسابوري احلجاج بن مسلم احلسني أبو مسلم، )1(بعد اهلل عليه وسلم النبي صىل الصالة عىل باب الصالة، كتاب الدولية، ط1، 1998م، األفكار بيت الرياض:

التشهد، حديث رقم )405(، ص174.

البخاري. صحيح البخاري، مرجع سابق، كتاب اإليامن، باب إفشاء السالم من اإلسالم، معلقا قبل احلديث رقم )2()28(، ص17.

ابن حجر، أبو الفضل شهاب الدين أمحد بن عل بن حجر العسقالين، )تويف852ه(. فتح الباري برشح صحيح )3(البخاري، بريوت: دار إحياء الرتاث العريب، ط4، 1988م، ج1، ص69.

البخاري. صحيح البخاري، مرجع سابق، كتاب اإليامن، باب إفشاء السالم من اإلسالم، حديث رقم )28(، ص17. )4(

رؤية العالم: اللفظ والمفهوم والمصطلح الفصل األول

Page 37: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

36

يا ابن عباس أكذاك تقول؟ قلت: ال، قال: فام تقول؟ قلت: هو أجل رسول اهلل صىل اهلل عليه ة، فذاك عالمة أجلك، ﴿يب ﴾ فتح مك مئ زئ رئ ٱ

وسلم، أعلمه اهلل له ﴿

رت زت نتمت ىت يت رث﴾ قال عمر: ما أعلم منها إال ما تعلم.«)1(

صحيح يف متعددة روايات دينهم، أمر الناس يعلم جاء الذي جبيل حديث ويف يل، مسلم، ويف صحيح البخاري، وغريمها، وعند ابن ماجه رواية جاء يف آخرها: «ذاك جب

مكم معالم دينكم.«)2( أتاكم يعل

لفظ تتضمن التي األحاديث من الكثري نجد فإننا النبوي احلديث يف الرؤية أما الرؤية ذلك يف بام الكريم، القرآن يف وجدناها كام كذلك، والبرص النظر ومثلها الرؤية، ونجده بفكره، اإلنسان يراه الرأي بمعنى اللفظ ونجد البصرية. والقدرة البارصة، بالعني الدنيا والرؤية يف اآلخرة، ورؤية املنام، والرؤية يف احلياة اليقظة والرؤيا يف الرؤية يف يعني

املخلوقات، ورؤية اخلالق، وإظهار العمل لرياه الناس من باب الرياء.

«صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن ومن ذلك ما جاء يف قوله صىل اهلل عليه وسلم: غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثالثني.«)3( ... واملقصود هنا رؤية اهلالل بالعني بدء رمضان

لبدء الصوم، وهالل شوال لنهايته.

ومن ذلك أن عبد اهلل بن عمر ريض اهلل عنهام قال حني خرج إىل مكة معتمرا يف الفتنة: إن صددت عن البيت صنعنا كام صنعنا مع رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم، فأهل بعمرة من أجل أن النبي صىل اهلل عليه وسلم كان أهل بعمرة عام احلديبية، ثم إن عبد اهلل بن عمر نظر يف أمره، فقال: ما أمرمها إال واحد، فالتفت إىل أصحابه فقال: ما أمرمها إال واحد، أشهدكم أين

املرجع السابق، كتاب املغازي، باب، حديث رقم )4294(، ص1050. )1(

األفكار بيت الرياض: ماجه، ابن سنن )تويف273ه(. القزويني ماجه بن يزيد بن حممد عبداهلل أبو ماجه، ابن )2(الدولية، 1999م، كتاب املقدمة، باب يف اإليامن، حديث رقم )63(، ص24.

البخاري. صحيح البخاري، مرجع سابق، كتاب الصوم، باب قول النبي صىل اهلل عليه وسلم: «إذا رأيتم اهلالل )3(فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا«. حديث رقم )1909(، ص461.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 38: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

37

قد أوجبت احلج مع العمرة، ثم طاف هلام طوافا واحدا، ورأى أن ذلك جمزيا عنه، وأهدى.«)1( ر فيه، ورأى أن ذلك جمزيا، فوصل يف األمر إىل رأي. و«نظر يف األمر« هنا؛ أي: فك

النبي يف منامه: ففي احلديث: وجاء لفظا )الرؤية والنظر( يف حديث عن الرؤيا يراها «رأيتني دخلت اجلنة، فإذا أنا بالرميصاء، امرأة أيب طلحة، وسمعت خشفة فقلت: من هذا؟ فقال: هذا بالل، ورأيت قرصا بفنائه جارية فقلت: ملن هذا؟ فقالوا: لعمر، فأردت أن أدخله أعليك أغار؟!.« ورأيتني يا رسول اهلل إليه، فذكرت غريتك. فقال عمر: بأيب وأمي فأنظر

هنا تعني: الرؤية يف املنام، ورأيت رأي العني، فأنظر: أرى بالعني ملعرفة ما يف القرص.«)2(

وسلم عليه اهلل صىل النبي مع كان عندما عنه اهلل ريض بكر أيب عن احلديث ويف قدميه حتت نظر أحدهم أن لو الغار: يف وأنا وسلم عليه اهلل صىل للنبي «قلت الغار: يف نا، فقال: ما ظنك يا أبا بكر باثنني اهلل ثالثهام.«)3( فقد جاء يف هذه الرواية لفظ النظر ألبرصوالبرص. وجاء يف رواية أخرى لفظ البرص والرؤية، ونص الرواية الثانية: «كنت مع النبي صىل اهلل عليه وسلم يف الغار فرفعت رأيس، فإذا أنا بأقدام القوم، فقلت: يا نبي اهلل لو أن

بعضهم طأطأ برصه رآنا.«)4(

رابعا: رؤية العالم يف الرتاث العريب

ونكتفي يف البحث عن رؤية العالم يف الرتاث اإلسالمي بلفظ العالم، ألن الرؤية التي تهمنا فيام نحن فيه من سياق البحث هي رؤية العال، ونختار أن نشري إىل بعض األمثلة التي الرؤية لفظ التفصيل عىل نتحدث بيشء من لن نا أن يعني الرؤية حتديدا. وهذا تتصل هبذه

املرجع السابق، كتاب املحرص، باب من قال: ليس عىل املحرص بدل، حديث رقم )1813(، ص437. )1(

املرجع السابق، كتاب بدء اخللق، باب ما جاء يف صفة اجلنة وأهنا خملوقة، حديث رقم )3242(، ص801، )2(

املرجع السابق، كتاب فضائل أصحاب النبي صىل اهلل عليه وسلم، باب مناقب املهاجرين وفضلهم، حديث رقم )3()3653(، ص898.

املدينة، حديث رقم إىل النبي صىل اهلل عليه وسلم وأصحابه باب هجرة السابق، كتاب مناقب األنصار، املرجع )4()3922(، ص963.

رؤية العالم: اللفظ والمفهوم والمصطلح الفصل األول

Page 39: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

38

يف الرتاث، ألن ما ورد فيه يف الغالب إنام جاء باملعاين التي وردت يف القرآن الكريم والسنة النبوية، وهو ما أرشنا إليه آنفا.

وقد استخدم مصطلح العالم يف الرتاث العريب اإلسالمي بدالالت متنوعة، فنجد يف هذا الرتاث تمييزا بني عالم الغيب وعالم الشهادة، وعالم املحسوسات وعالم املعقوالت، العلوي والعالم السفل، الفساد، والعالم وعالم اإلنس وعالم اجلن، وعالم الكون وعالم وهو األصغر والعالم كله، الكون وهو األكب العالم وبني اخللق، وعالم األمر وعالم العالم يعني كل ما خلق اهلل سبحانه من النفس. وبصورة عامة فإن عالم اإلنسان أو عالم املوجودات، واإلنسان جزء منها. ولكن كل جنس من املوجودات هو عالم، واهلل سبحانه

هو خالق هذه العوالم كلها، فهو رب العالمين، وهو خالقها ومالكها ومدبر أمورها.

ح اجلاحظ سبب تسمية اإلنسان بالعالم الصغري بقوله: «أو ما علمت أن اإلنسان ويوضالصغري سليل العالم وه إنما سم أجله... بينهما من وما السموات واألرض خلقت الذي وه العالم الصغري العالم الكبري، ملا وجدوا فيه من جميع أشكال ما يف العالم الكبري ... وسمألنهم وجدوه يصور كل يشء بيده، ويحكي كل صوت بفمه... فجعلوه العالم الصغري؛ إذ

كان فيه جميع أجزائه وأخالطه وطبائعه...«)1(

وخصص إخوان الصفا رسالة كاملة لتفسري قول الحكماء: «إن اإلنسان عالم صغري« عيوهنم، بأبصار الجسماني العالم هذا إىل نظروا ملا األولني، الحكماء أن «اعلم فقالوا: وتصفحوا بعقوهلم، أحواله يف ذلك عند روا وتفك بحواسهم، أمورهم ظواهر وشاهدوا جميع من جزءا يجدوا فلم برويتهم، جزئياته فنون واعتبوا ببصائرهم، كلياته أشخاص أجزائه أتم بنية وال أكمل صورة، وال بجملته أشد تشبيها من اإلنسان... فلما تبينت هلم هذه وه من أجل ذلك عالما صغريا.« ثم يتحدثون عن تفاصيل كثرية األمور عن صور اإلنسان، سموالظواهر األشياء واألحوال يقابل ذلك من وما اإلنسان يف جسده وترصفاته وأخالقه، عن علم ما كان معروفا هلم من السامء واألرض... كل ذلك يف حدود واألحداث والتغريات يف

كتاب احليوان، حتقيق عبد السالم هارون، القاهرة: اجلاحظ، أبو عثامن عمرو بن بحر بن حمبوب )تويف255ه(. )1(مطبعة مصطفى البايب احللبي، ط2، 1965م، ج1، ص215-212.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 40: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

39

عن العالم الطبيعي واحليوي، وعن عالم اإلنسان، فيقيمون بينهام من الصالت والعالقات يف التكوين والوظائف، بحيث يختل كل منهام إذا حصل خلل يف بعض أجزائه.)1(

وأفالكها والسامء ومساحاهتا، األرض هو األندليس الظاهري حزم ابن عند والعالم «قراءة أقليدس كتاب يقرأ يف علم احلساب أن املتعلم ينصح وكواكبها وبروجها، ولذلك م له،... فهذا علم رفيع جدا يقف به املرء عىل حقيقة تناهي جرم العالم وعىل آثار صنعة متفهالباري يف العالم ، فال يبقى له إال مشاهدة الصانع فقط؛ وأما الصنعة واإلدارة والرتكيب، فقد شاهد كل ذلك بوقوفه عىل ما ذكرناه.«)2( ثم إن العالم عند ابن حزم كذلك هو جمموع الناس الذين ال يعيشون يف هذا العالم دون معاونة وتبادل للمصالح بينهم، فينقل عن أحد شيوخه قوله: «إن من العجب أن يبقى )إنسان( يف هذا العالم دون معاونة لنوعه عىل مصلحة... أفام يستحي أن يكون عياال عىل كل العالم، ال يعني هو أيضا بيشء من املصلحة؟« ولقد صدق، ولعمري إن يف كالمه من احلكم ملا يستثري اهلمم الساكنة إىل ما هيئت له. وأي كالم يف نوع

هذا أحسن من كالمه يف تعاون الناس.«)3(

ويطلق العالم بالمعنى اخلاص عىل مجلة موجودات من جنس واحد، كقول الغزايل: «يقال عالم لكل مجلة موجودات متجانسة، كقوهلم: عالم الطبيعة، وعالم النفس، وعالم خاليا خلق الفطرة أصل يف اإلنسان جوهر أن «أعلم أيضا: الغزايل ويقول العقل.«)4( ساذجا ال خب معه من عوالم اهلل تعاىل، والعوالم كثرية ال حيصيها إال اهلل تعاىل، كام قال: ه من العوالم بواسطة اإلدراك، وكل إدراك ﴿حج مج جح مح جخ مخجس﴾ ]املدثر: 31[، وإنام خب

من اإلدراكات خلق ليطلع اإلنسان به عىل عالم من املوجودات، ونعني بالعوالم أجناس

إخوان الصفا )ق4ه(. رسائل إخوان الصفاء وخالن الوفاء بريوت: دار صادر، ط3، 2011م، الرسالة الثانية عرشة )1(من اجلسميات الطبيعيات، وهي الرسالة السادسة والعرشون من رسائل إخوان الصفا، ج2، ص479-456.

ابن حزم، أبو حممد عل بن سعيد )تويف456ه(. رسائل ابن حزم األندليس، حتقيق إحسان عباس، بريوت: املؤسسة )2(العربية للدراسات والنرش، أربعة أجزاء، 1987م، ج4، ص69.

املرجع السابق، ص84. )3(دار بريوت: الدين، أمحد شمس املنطق، رشحه العلم يف معيار )تويف505ه(. حممد بن حممد حامد أبو الغزايل، )4(

الكتب العلمية، 2013م، ص293.

رؤية العالم: اللفظ والمفهوم والمصطلح الفصل األول

Page 41: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

40

املوجودات.« ثم ذكر الغزايل طرق اإلدراك املختلفة، من حواس اللمس والبرص والسمع الواجبات واجلائزات ليدرك العقل ثم املحسوسات، اإلنسان هبا عالم ليدرك والذوق، واملستحيالت، وهيب اهلل لألنبياء طريقة أخرى يف إدراك بعض عوالم الغيب، وما سيكون

يف املستقبل.)1(

املتعلم «تعليم كتابه أورد يف مطلع فقد املخلوقات، الزرنوجي هو مجيع والعالم عند طريق التعلم« قوله: «احلمد هلل الذي فضل بني آدم بالعلم والعمل عىل مجيع العالم.«)2(

ويقول الفخر الرازي يف تفسري قوله تعاىل: ﴿مغ جف حف خف مف حق﴾ «املراد بآيات اآلفاق اآليات الفلكية والكوكبية، وآيات الليل والنهار، وآيات ]فصلت: 53[:

األضواء والظلامت، وآيات عالم العنارص األربعة، وآيات املواليد الثالثة. وقد أكثر اهلل منها يف األجنة ن تكو كيفية من املأخوذة الدالئل منها املراد حق﴾ وقوله: ﴿مف القرآن. يف

ظلامت األرحام، وحدوث األعضاء العجيبة والرتكيبات الغريبة، كام قال تعاىل: ﴿زي ميني ىي يي﴾ ]الذاريات: 21[ يعني نرهيم من هذه الدالئل مرة بعد مرة، إىل أن تزول الشبهات

عن قلوهبم... العجائب التي أودعها اهلل يف هذه األشياء مما ال هناية هلا، فهو تعاىل يطلعهم عىل تلك العجائب زمانا فزمانا.«)3(

«فاإلنسان فقال: صغري« عالم «اإلنسان مصطلح عريب ابن الدين حميي واستخدم عالم صغري، والعالم إنسان كبري،... فكان اإلنسان آخر مولد يف العالم أوجده اهلل جامعا ... قال العالم فيه، فأعطاه قوة كل صورة موجودة يف العالم كله، وجعله خليفة حلقائق

عالم اإلنسان أن ليعلموا ]53 ]فصلت: حق﴾ مف خف حف جف ﴿مغ تعاىل:

الغزايل، أبو حامد حممد بن حممد الغزايل، )تويف505ه(، املنقذ من الضالل، واملوصل إىل ذي العزة واجلالل، حتقيق )1(مجيل صليبا وكامل عياد، ط7، بريوت: دار األندلس، 1967م، ص110- 113.

ط1، للكتب، السودانية الدار اخلرطوم: التعلم، طريق املتعلم تعليم )تويف593ه(، الدين برهان الزرنوجي، )2(2004م، ص5.

الرازي، أبو بكر فخر الدين حممد بن عمر )تويف 606ه(، تفسري الفخر الرازي املشتهر بالتفسري الكبري، أو مفاتيح )3(الغيب، بريوت: دار الفكر، ط1، 1981م، ج 27، ص 140.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 42: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

41

ل ما يكشف لصاحب اخللوة آيات وجيز من العالم ، حيوي عىل اآليات التي يف العالم، فأوخف﴾، ثم بعد حف جف العالم قبله، كام قال: ﴿مغ آيات نفسه، ألن العالم قبل

هذا يريه اآليات التي أبرصها يف العالم يف نفسه.«)1(

ويميز ابن خلدون بني ثالثة عوالم: عالم احلس الذي يشرتك فيه اإلنسان مع احليوان، وعالم الفكر الذي خص اهلل به البرش، وهو عالم فوق عالم احلس، وعالم األرواح واملالئكة، ألنه البرش؛ عالم مدركنا يف العوالم هذه «وأقعد البرشي... الفكر عالم فوق عالم وهو احليوانات، مع احلس عالم يف ويشرتك والروحانية، اجلسامنية مداركنا يف مشهود وجداين جمردة ذوات وهي ذواته، جنس من ذواهتم الذين املالئكة مع واألرواح العقل عالم ويف عن اجلسامنية واملادة، وعقل رصف يتحد فيه العقل والعاقل واملعقول، وكأنه ذات حقيقتها

اإلدراك والعقل«.)2(

اإلسالمبويل مصطفى بن حقي إسامعيل وهو البيان، روح تفسري صاحب أعاد وقد تلك عىل «سيطلعهم تعاىل: اهلل إن قال: ثم آنفا، الرازي الفخر قاله ما اخللويت، احلنفي اآليات زمانا فزمانا، ويزيدهم وقوفا عىل حقائقها يوما فيوما. قالوا اآلفاق هو العالم الكبري،

واألنفس هو العالم الصغري.« ثم استشهد ببيت من الشعر.

وتزعم أنك جرم صغري وفيك انطوى العالم األكب

ثم يستطرد يف بيان أوجه الشبه بني مكونات اآلفاق ومكونات اإلنسان.)3(

كان فإذا الناس طبقات، من واملتعلمون الناس، الشوكاين هو جمموع عند والعالم تكون أن عىل الطالب أهيا «فاحرص : العالم فرد فهو األوىل الطبقة من العلامء طالب

ابن عريب، حمي الدين حممد بن عل )تويف638ه(. الفتوحات املكية، حتقيق: عبد العزيز سلطان املنصوب، القاهرة: )1(املجلس األعىل للثقافة، ط1، 2013م، ج5، ص116.

مقدمة ابن خلدون، حتقيق عل عبد الواحد وايف، طبعة جديدة ابن خلدون، عبد الرمحن بن حممد )تويف808ه(. )2(ومنقحة، القاهرة: هنضة مرص للطباعة والنرش والتوزيع، ط4، 2004م، ج3، ص1015.

جملد8، د.ت، الفكر، دار بريوت: البيان، روح تفسري )تويف1127هـ(. مصطفى بن حقي إسامعيل البوسوي، )3(ص350- 352.

رؤية العالم: اللفظ والمفهوم والمصطلح الفصل األول

Page 43: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

42

التي هي الغائية العلة إىل التصورية البداية ترقيت من إذا فإنك األوىل، الطبقة أهل من فرد العالم ، وواحد الدهر، وقريع الناس، وفخر العرص، أول الفكر وآخر العمل كنت

ورئيس القرن.« )1(

اللغة يف هبام يتصل وما والرؤية العالم لفظي دالالت بيان يف االستطراد هذا بعد أن يمكننا اإلسالمي، والرتاث النبوية والسنة الكريم القرآن يف استعامهلام وحضورمها ص القول باالعتامد عىل حضور اللفظني يف االستعامل القرآين احلكيم. فرؤية العالم يف نلخالسياقات القرآنية املتنوعة تتوسع يف فتح آفاق الفكر البرشي إىل كل ما يمكن أن يتبادر إىل ذهن اإلنسان، فيقتحم الفكر هبذه الرؤية عوالم معلومة وعوالم جمهولة، عالم اإلنس وعالم ، وعالم الب الصحراء، وعالم اجلبال، وعالم عالم األرض، السموات، وعال عالم اجلن، البحر، عالم احليوان، وعالم النبات... إلخ، وكل عالم منها هو يف حقيقته عوالم، وكل هذا من عالم احلياة الدنيا، ولدى اإلنسان قليل من العلم يف هذه العوالم، ويبقى أكثرها جمهول. لكن العقل البرشي وهو يهتدي بالقرآن يتفتح أيضا عىل عالم الغيب، وهو عوالم: عالم املأل

األعىل، عالم اجلن، عالم املالئكة، وعالم اآلخرة... إلخ.

الوظيفة عىل القرآين املصطلح يف تقترص ال دالالهتا أن وجدنا فقد الرؤية كلمة ا أمتراها، بل تتجاوز ذلك إىل اإلدراك التي العني، حني ترسم صورة األشياء التي تقوم هبا العقل لألشياء واألفكار والظواهر سواء كانت يف املايض أو احلارض أو املستقبل، وسواء رأهتا عني املدرك أم ل ترها. فمن اإلشارات إىل املايض قوله تعاىل: ﴿يف ىق يق اك لك مك ىك﴾ ]الفيل:1[ ال تعني أن الرسول صىل اهلل عليه وسلم قد رأى بعينيه حادثة

ي عام الفيل، ألن الغزاة جعلوا يف أبرهة األرشم حني غزا الكعبة يف عام احلادثة الذي سمالنبي مقدمة جيشهم فيال ضخام ليعينهم عىل هدم مبنى الكعبة، وهو العام الذي ولد فيه

صىل اهلل عليه وسلم. ومثل ذلك كثري يف القرآن الكريم، ومنه قوله تعاىل: ﴿خل مل ىل يل

حييى اهلل عبد ودراسة حتقيق األرب، ومنتهى الطلب أدب )تويف1250ه(. حممد بن عل بن حممد الشوكاين، )1(الرسحيي، بريوت: دار ابن حزم، وصنعاء: مكتبة اإلرشاد، 1998م، ص183.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 44: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

43

جم حم خم مم ىم يم جن حن خن من ىن ين جه...﴾ ]البقرة: 246[

إلخ. مثل هذه اآليات تشري إىل الرؤية «بمعنى العلم« الذي خيب به اهلل سبحانه عىل حقائق

تارخيية حصلت يف املايض.

ومن اإلشارات إىل احلارض قوله تعاىل: ﴿جخ مخ جس حس خس مس حص خص مص

ر وتدبر جض حضخض مض حط مظ جع﴾ ]احلج: 63[ هي دعوة للرؤية؛ رؤية تفك

الصورة وراء فيام التفكري تتطلب لكنها الناس، أعني أمام احلارض يف تقع أحداث يف

األشياء يف اهلل أودعها التي والقوانني والسنن اإلهلية، القدرة حقائق إلدراك الظاهرة،

التي املنظمة باملشاهدة والعالقات القوانني والظواهر. وهي دعوة الكتشاف واألحداث

بة املقر الرؤية أجهزة واستخدام العملية والتجربة املنظم بالفكر إجراءاهتا توسيع يمكن

استخدام أو )تليسكوب(، املجردة العني تكشفه بام ال البعيد، تفاصيل التي تكشف عن

املجردة العني تكشفه ال مما جدا الصغري تفاصيل عن تكشف التي ة املكب الرؤية أجهزة

التفكري يف الناتج من العقل الرؤية بمعنى اإلدراك )ميكروسكوب(. وبذلك تتسع دائرة

املشاهدات القائمة أو االفرتاضية، ليحقق هذا اإلدراك مقاصد الرؤية، سواء كانت يف أدلة

النظر إىل توظيف املشاهد يف تدبري شؤون التدبر واالعتبار، أو لفت اخللق والتوحيد، أو

احلياة. ﴿رت زت مت نت ىت يت رث زث مث نث ىث يث ىف يف ىق يقاك لك مك ىك

يك مل﴾ ]الشعراء: 8-7[.

ثم إن حضور «رؤية العالم« يف ميدان األلفاظ واملعاين، كام نجده يف املصدر اللغوي،

والرتاث النبوية والسنة الكريم القرآن يف ودالالهتا األلفاظ استعامل يف يتجىل وكام

اإلنسان يمتلكها ومدركات، تصورات جمموعة هي الرؤية هذه أن إىل يشري اإلسالمي

نتيجة خبته احلسية وتأمالته العقلية، يف املحيط املادي واالجتامعي الذي يعيش فيه، وما

قد يكون وراء هذا املحيط من وجود ال تدركه حواسه. فرؤية اإلنسان للعالم تعني وعيه

بوجود هذا العالم، وإحساسه املادي وتصوره العقل لوجوده فيه، ووجوده معه، ومن ثم

رؤية العالم: اللفظ والمفهوم والمصطلح الفصل األول

Page 45: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

44

يف املهم املوضوع يشكل ما هي واإلدراك الوعي هذا عىل املبنية بالعالم اإلنسان فعالقة

رؤية العالم.

وبعبارة أخرى فإن األمر املهم يف رؤية العالم خيتص باإلنسان الذي يرى وينظر ويبرص،

فيدرك هذا العالم بصورة معينة. صحيح أن العالم قائم هناك بأمر اهلل، باستقالل عن وعي اإلنسان، لكن ذلك ال معنى له عند اإلنسان إال بوعيه بوجود هذا العالم وعالقته به.)1(

جاء يف كتاب تربية املقهورين للمفكر البازيل باولو فريري فكرة طريفة تتعلق بالطريقة التي يدرك فيها البسطاء )1(األنثروبولوجي املفهوم حول اجلنوبية بأمريكا تشيل يف النقاش حلقات إحدى ففي فيه، يعيشون الذي العالم لوجود موجود العالم هذا أن أعرف «اآلن يقول: أن الفالحني بأحد األمر انتهى حتى النقاش تدرج للثقافة، اإلنسان«. عندها حاول مدير اجللسة أن خيتب هذه املقولة فأجابه بسؤال: «لو مات مجيع الناس املوجودين يف هذا العالم ، أفال يبقى هذا العالم موجودا بام فيه من أشجار وطيور وحيوانات وبحار ونجوم؟ فرد عليه الفالح دون

تردد: ال ، ألنك لن جتد يف تلك احلالة من يقول لك هذا هو العالم ! انظر: Freire, Paulo. Pedagogy Of The Oppressed, Translated by Myra Bergman Ramos With

an Introduction by Donaldo Macedo. New York and London: The Continuum Interna-tional Publishing Group Inc., 2000, p. 80-85.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 46: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

45

المبحث الثاني

رؤية العالم: المفهوم والمصطلحاللغوي، االستعامل يف و«العالم«، «الرؤية« كلمتي حضور السابق املبحث يف تتبعنا النبوي الرشيف، الكريم، واحلديث القرآن اللغة، ويف لغة كام نجد هذا احلضور يف قواميس واجلامدة، احلية بكائناته الطبيعي الوجود يعني العالم أن لنا وتبني اإلسالمي. والرتاث وظواهره املعروفة واملجهولة، بام يف ذلك الوجود البرشي، بأنواعه وأعراقه وثقافاته ومنجزاته، وأن الرؤية ختتص بوعي اإلنسان بوجود العالم ووظيفته فيه، وإدراكه لعالقته به. لكننا يف هذا املبحث نتعامل مع عبارة «رؤية العالم« بكلمتيها، وبام تعنيه هذه العبارة من فهم خاص، بعد

أن أصبحت العبارة مصطلحا له داللته واستعامالته يف الثقافة والعلوم واحلياة العامة.

أوال: من المفهوم إلى المصطلحاملوقع عىل كبري حد إىل يعتمد بأذنيه ويسمعه بعينيه اإلنسان يراه ما أن املعروف من د أي نوع من الناس هو. ته التي حتد الذي يرى منه األشياء أو يسمعها، كام يعتمد عىل هويبسائر خيتص فيام امللحوظة، وسلوكاته املعلنة اإلنسان معتقدات أن أيضا املعروف ومن يف واعية غري أو واعية بطريقة متجذرة األمر حقيقة يف هي واالجتامعية، الثقافية الظواهر

بعض املفاهيم واملبادئ األكثر عمقا يف حياته أو األقرب تعبريا عنها.

التعبري عنها بوساطة مصطلحات ومفردات يتم العامة املفاهيم واملبادئ ومع أن هذه عن منفصال الكاملة داللته تتحدد وال وحده، يقوم ال املفردات هذه من كال فإن لغوية، غريه، فدالالت هذه املصطلحات واملفردات اللغوية متداخلة جدا، وتشتق معانيها من نظام واسع من العالقات املتشابكة، الشديدة التعقيد. إنه النظام الفكري الكل «اجلشتالتي« الذي

تتحدد ضمنه املعاين الكامنة والدالالت احلقيقية هلذه املصطلحات.)1(

بعض اقرتح العالم رؤية مفهوم منها ن يتكو أن يمكن التي العنارص إىل النظر وعند حتديد يف تلزم التي اإلساسية العنارص من جمموعة املفهوم هذه تضمني رضورة الباحثني

إيزوتسو. اهلل واإلنسان يف القرآن، مرجع سابق، ص 32. )1(

رؤية العالم: اللفظ والمفهوم والمصطلح الفصل األول

Page 47: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

46

اإلنسان تفكري حمددات األخالقية، القيم الوجودية، االسئلة وهي: العالم، رؤية مفهوم وسلوكه، وتقويم معنى للحياة.)1(

هنا اإلنسان لنفسه عن نفسه وعن العالم فرؤية العالم ختتص بالصورة الكلية التي يكووالبيئة يتخذها، التي النظر وزاوية الرؤية، منه حياول الذي املوقع حدود يف حوله، من وهذه املرجعية. وأطره الثقافية ناته بمكو الفكري والنظام واالجتامعية، والنفسية الطبيعية فه وتعر اخلارج، من إليه اآلخرون ينظر عندما اإلنسان، تعرف التي هي الكلية الصورة الكونية، الرؤية أو الكلية، بالرؤية يعرف ما وهي حوله، من ولألشياء لنفسه هو برؤيته النموذج أو الشامل، التفسري أو العامة، الفلسفة أو الكل، التصور أو الكلية، الفكرة أو

التفسريي، أو األيديولوجيا... أو ما أصبح يعرف عىل نطاق واسع: رؤية العالم .

خيتلفون ولكنهم والعقلية، والنفسية املادية اخلصائص من كثري يف يتشاهبون والناس أيضا يف هذه اخلصائص وغريها، فام املهم فيام خيتلف الناس فيه أو يتشاهبون؟

جدا، كثرية أشياء يف خيتلفون الناس أن نجد اخلصائص هذه تفاصيل إىل النظر عند حلظة ويف االختالف، حتديد يف املهم العنرص معينة حلظة يف يكون أن يشء ألي ويمكن أخرى ينحرس هذا العنرص ليفسح جماال لعنرص آخر يعب عن االختالف بصورة أكثر أمهية. بني االختالف جوهر حتديد يف واألهم املهم بيان عىل قادرة غري التفاصيل تبدو وهكذا الناس. من هنا تأيت أمهية البحث عن معيار آخر يقرتب من رؤية الصورة الكلية ومالحظة تلك من داللة أدق ووصفا تعبريا، أكثر حتديدا للفرد يعطي الذي الكبري اإلطار مالمح

التفصيلية. العنارص

وإنام هي ليست عالقة سطحية خطية، الكلية والرؤية التفاصيل العالقة بني رؤية إن وإدراك املناسب. موقعها يف التفاصيل تضع الكلية فالرؤية معقدة، جدلية تفاعلية عالقة

(1) Kooij, Jacomijn; De Ruyter, Doret & Miedem, Siebren. Worldview: the Meaning of the Concept and the Impact on Religious Education, Religious Education (Journal of the Religious Education Association), Volume 108, 2013, Issue 2, Pp. 210-228.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 48: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

47

الزمان من موقعها يف ومتييزها التقاطها عىل يقترص ال هبا اخلاصة حدودها يف التفاصيل وردود أفعال من هبا يرتبط وما ودالالهتا برموزها ربطها إىل ذلك يتجاوز وإنام واملكان، أفعال، وهذا يعني االرتقاء هبا إىل مستوى من التجريد الداليل الذي يتطلب بالرضورة إعامل

العقل والتأمل العميق، مما ينتج عنه تعديل يف الرؤية الكلية وتوسيع يف جماالهتا.

والعلوم والفلسفة، الدين، يف املعرفة: حقول خمتلف يف العالم رؤية مفهوم وحيرض واهلندسة... الطب مثل التطبيقية والعلوم والفنون، واآلداب، والطبيعية، االجتامعية األفكار تعب عن جمموعة الكل والتصور والعقيدة اإليامن مثل الدينية فاملصطلحات إلخ. واملفاهيم واملعتقدات التي جتيب عن األسئلة الوجودية الكبى التي حياول مصطلح «رؤية العالم« التعرض هلا. وهي نفسها األسئلة التي انشغلت هبا الفلسفة منذ بداية عهد اإلنسان بمباحث الفلسفة. وهي املحتوى األسايس لفلسفة أي علم من العلوم احلديثة الذي يؤثر يف تشكيل نظريات هذه العلوم ومناهج البحث فيها. ومجيع األفالم السينامئية، من أكثرها إثارة املشاهد، بخيال تأخذ ا أهن رغم )تراجيدية(، للحزن إثارة أكثرها إىل )كوميدية( للضحك م قيام ورؤى حمددة للعالم؛ إذ ال يوجد فيلم واحد يعرض قصة حمايدة، ال تكون ا تقد إال أهن

مطبوعة باملعتقدات والقيم الثقافية للمؤلف واملمثل واملخرج.)1(

أمهية بيان يف Toshihiko Izutsu إيزوتسو توشيهيكو الياباين الفيلسوف ويتوسع . ويرضب اإلطار املفاهيمي يف حتديد معاين األلفاظ عندما تكون جزءا من نظام معريف كلو«الكفر«، و«اإليامن«، «اهلل«، اجلاللة لفظ مثل القرآن ألفاظ من األمثلة من عددا معينة معان من الكلامت هلذه كان ما ويبني وغريها، و«التقوى«، و«الكتاب« و«امللك«، القرآنية. املنظومة ثم كيف أصبحت حتمل معاين جديدة يف قبل اإلسالم، العرب لغة يف يكفي ال «اإليتمولوجي«)2( وتارخيها وأصلها للكلمة الشكلية للبنية الداليل فالتحليل

(1) Godawa, Brian. Hollywood Worldviews: Watching Films With Wisdom and Discernment, Downers,Ill: InterVasity Press, 2002, p.16.

«إيتمولوجي« Etymology تعني األصل، فالتحليل اإليتمولوجي ملعنى كلمة أو مصطلح، يعني تتبع الكلمة يف )2(اللغة األصلية التي جاءت منها، ثم حتديد دالالهتا املعارصة يف ضوء ذلك املعنى األصل.

رؤية العالم: اللفظ والمفهوم والمصطلح الفصل األول

Page 49: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

48

الستكامل هذا التحليل دون أن يصل التحليل الداليل عند «إيزوتسو« إىل ما يسميه «علم الثقافة«، و«علم الرؤية الداللية للعالم« اخلاصة بثقافة ما، و«علم داللة القرآن«، وأخريا

«علم داللة الرؤية القرآنية للعالم«.)1(

وقد نظر الباحثون إىل مفهوم رؤية العالم من زوايا خمتلفة، وكل زاوية منها تكشف عن مستويات املفهوم بطريقة حمددة، فإذا كانت رؤية العالم تكمن أساسا يف تصورات اإلنسان ومدركاته ومعتقداته عن نفسه وعن العالم، فإن باإلمكان التمييز بني املستوى الذايت اخلاص باإلنسان نفسه، واملستوى املوضوعي اخلاص بالعالم الذي حياول اإلنسان إدراكه. وإذا كانت التمييز بني ثالثة فيمكن العمل، باإلنسان يف عقله ومشاعره وسلوكه العالم تختص رؤية ،Behavioral ومستوى سلوكي عمل ،Propositional مستويات؛ مستوى نظري افرتايضومستوى عاطفي انفعايل Heart-Orientation.)2( وقد اعتمدت الباحثة كاثرين سولتز هذه رت أداة لقياس مدى حضور هذه املستويات املستويات الثالثة يف أطروحتها للدكتوراه وطولدى طلبة املدارس عن طريق مجع البيانات الكمية.)3( كام اعتمدت الباحثة كاثي لني موراليز هذه حضور عن البحث يف سولتز، كاثرين طورهتا التي واألداة الثالثة، املستويات هذه

املستويات لطلبة اجلامعة.)4(

يف كتاب سبويل Sproul يقول املؤلف: «إن الطلبة حني يدرسون التاريخ يدركون أن أي جمتمع ال يستطيع البقاء، وأي حضارة ال تستطيع الفعل دون نظام موحد من الفكر« ثم يذكر أن ثقافتنا املعارصة عرفت أنظمة فكرية كثرية، كل منها هو نوع من الفلسفة املختلفة

إيزوتسو، اهلل واإلنسان يف القرآن، مرجع سابق، ص 51. )1((2) Sire, james W. Naming the Elephant: Worldview as a Concept, Gowner’s Give.Il: Inter-

Varsity, 2004, Pp. 140-157.

(3) Schultz, K. (2013). Developing an instrument for assessing student biblical worldview in Christian K-12 education. (Doctoral dissertation). Available from ProQuest Dissertations and Theses Database. (UMI No. 3534997).

(4) Morales, Kathy Lynn. An Instrument Validation far a Three-Dimensional Worldview Sur-vey Among Undergraduate Christian University Students Using Principal Components Analysis, Ed.D Dissertation, Liberty University Lynchburg, Viginia, USA, June 2013.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 50: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

49

السلوكية، الطبيعية، النسوية، القومية، مثل (ism) بالحقة كلها وتنتهي األخرى، عن يعني ذلك فإن كلمة أي بعد (ism) الالحقة هذه نضع «وحيثام يقول: ثم إلخ، التعددية، الالحقة «إن يقول: ثم للعالم.« أو رؤية لرؤية االشياء، أو طريقة نظام فكري، نا بصدد أنوصناعة اجلديدة، التواصل وسائل يف تتجىل اليوم األمريكية الثقافة عن تعب التي (ism)

الفلسفات. التي تنطوي حتتها مجيع فهي املظلة ،Secularism العلامنية األفالم، والروايات ،Humanism وهذه العلامنية هي القاسم املشرتك الرضوري الذي يربط الفلسفات اإلنسانيةوالتعددية ،Naturalism والطبيعية ،Relativism والنسبية ،Pragmatism والبامجاتية

Pluralism، والوجودية Existentialism، وغريها من النظم الفكرية.)1(

مصطلحات عىل االستعامل يف وفضلناه حتديدا العالم« «رؤية مصطلح اعتمدنا وقد إىل النظرة أو الكونية، الرؤية أو اإلسالمي، التصور أو اإلسالمية، الفلسفة مثل أخرى، الوجود، أو املنظور، أو غري ذلك، ألن كل مصطلح من هذه املصطلحات ينحرص يف جانب حمدد من جوانب العالم كام هو يف املصطلح القرآين.)2( ثم إن لفظ «الرؤية« ولفظ «العالم« يف لغة القرآن الكريم أوسع من غريمها من األلفاظ التي تستعمل أحيانا يف التعبري عن املفهوم الذي نتحدث عنه. ويكون مصطلح «رؤية العالم« بام تتسع له دالالت االستعامل القرآين يف تقديرنا معبا عن املفهوم الذي نرى أن القرآن الكريم يريدنا أن نكون عىل وعي كامل به، خ يف إدراكنا، فضال عن كونه تعبريا عن داللة هذا املصطلح يف االستعامل املعارص، وأن يرتس

وترمجة عام يقابله يف اللغات األخرى.

قديم؛ ومفهوم حديث، مصطلح هو العربية، اللغة يف العالم« «رؤية تعبري إن واألدب، والسياسة واإلعالم والدين الفلسفة لغة يف متداوال أصبح حديث مصطلح العربية اللغة إىل جاء احلديث املصطلح بأن الظن ونغلب املعرفة. جماالت من وغريها اللغات من وغريها والفرنسية واألملانية اإلنجليزية اللغات يف يقابله ملا مبارشة ترمجة

(1) Sproul, R.C. Lifeviews: Understanding the Ideas That Shape Society Today, Grand Rapids, MI.: F.H. Revell, 1998, Pp. 29-32.

ويبقى لكل مصطلح من هذه املصطلحات قيمته يف السياق الذي يرد فيه، وقد ال يغني مصطلح عن آخر. )2(

رؤية العالم: اللفظ والمفهوم والمصطلح الفصل األول

Page 51: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

50

لألفكار، ترمجة هو األيام العربية يف هذه باللغة وينرش يكتب مما األكب فاجلزء احلديثة، املفهوم اخلاص هبذا لكن اللغات األخرى. أدبيات التي ختتزهنا للمصطلحات، وأحيانا داللة إليها تشري التي العنارص جممل ألن البرشي. الفكر قدم قديم. مفهوم املصطلح والتصور والفلسفة والعقيدة اإليامن مصطلحات يف مبارشة بصورة وردت املفهوم

والرؤية الكونية، والرؤية الكلية... إلخ.

اخلطاب لغة يف وأمهية حجام يتزايد موقعا حيتل العالم« «رؤية مصطلح أخذ وقد ر أساسا يف لغة الفلسفة والدين، ولكنه انتقل إىل املعارص. واملعروف أن هذا املصطلح تطو

ميادين األدب والنقد، وشاع يف لغة السياسة والعالقات الدولية والصحافة واإلعالم.

ويستطيع املرء هذه األيام أن يكشف عن مدى شيوع استعامل مصطلح معني يف اللغة عن البحث فعند )اإلنرتنت(. العالمية العنكبوتية الشبكة يف عنه البحث من املعارصة، مصطلح «رؤية العالم« بالعربية بكلمتيه املقرونتني معا، عن طريق أحد املحركات يف الشبكة )جوجل:google مثال( فإننا نجده يف مواقع عديدة، يكشف اجلدول اآليت عن تطور حضور

املصطلح بالعربية واإلنجليزية مع الزمن:

املصطلحعدد املواقع التي ظهر فيها يوم

2020/08/30معدد املواقع التي ظهر فيها

صيف 2006م)1(1000 116 ألفرؤية العالم

20 164رؤية العالم اإلسالميةWorldview15 مليون 19.4 مليون

Islamic worldview 24 ألف248 ألف

أخرى مصطلحات االستعامل يف تنافسه بالعربية العالم« «رؤية مصطلح يزال وال الكل، املنظور العامة، والفلسفة العام، والتصور الكلية« و«الرؤية الكونية«، «الرؤية مثل

والنموذج املعريف، واإلطار املرجعي، وغريها.

2006م، صيف املعرفة إسالمية جملة من )45( العدد يف التحرير كلمة يف الفصل هذا فقرات بعض نرشت )1(وظهرت هذه اإلحصائيات يومها كام يكشفها العمود الثالث يف اجلدول.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 52: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

51

ا ال تكشف بالرضورة عن حاالت تكرار ويلزم هنا التعامل بحذر مع هذه األرقام ألهناالستعامل، وإنام تكشف عن تكرار ما يصل إىل اإلنرتنت وينرش فيها، فاملادة التي تنرش عىل

هذه الشبكة بالعربية ال تزال قليلة باملقارنة بام ينرش باللغات األخرى.

«رؤية العالم« يف الغالب يف السياق احلضاري العام عندما نصف ويستخدم مصطلح جمتمعا معينا بأنه يمتلك نظرة فلسفية حضارية معينة إىل العالم، أو عند معاجلة عنارص الفكر

الديني الذي جييب بدوره عن األسئلة الوجودية التي هتتم برؤية العالم واإلجابة عنها.

يرد كذلك يف جمال إذ الفلسفة والدين؛ ميادين يقترص عىل املصطلح ال استعامل لكن العلم الطبيعي. ومن ذلك عىل سبيل املثال استعامل سمري أبو زيد للمصطلح يف إطار قضية العلم والتأسيس العلمي للمجتمعات العربية، حيث يرى «أن النظرة العلمية هي جزء من فكر يف األسايس اجلزء يكن ل إن أسايس، جزء هي وبالتايل للمجتمع، احلضارية النظرة االتساق عالقة إطار «يف يأيت: العلمي التأسيس لقضية طرحه أن يقرر إنه ثم النهضة«. الصحيحة بينه )أي التأسيس العلمي( وبني كل من الفكر الديني والفلسفي العريب املعارص، أو الديني التجديد قضية مثال، من، بديال العربية املجتمعات يف العلمي التأسيس فليس

قضية حتقيق االستقالل الفلسفي يف هذه املجتمعات.«)1(

للمصطلح حرفية ترمجة يكون أن يصلح العالم« «رؤية مصطلح أن نالحظ ونحن «رؤية« و«العالم« يشرتكان يف بالعربية أن لفظي املصطلح Worldview؛ ذلك اإلنجليزي فلسفيا وعمليا يف معنى االثنتني بكلمتيه للمصطلح بدالالت عميقة، جتعل املفهوم شحن آن واحد. هذا مع العلم بأن املفهوم باإلنجليزية يأيت من كلمتني تقابلهام يف العربية كلمتان، يأيت هبام باإلنجليزية يرد ما لكن معظم بمعنى رؤية، Viewالعال، و بمعنى World ومها: علما عىل مصطلح جديد، وهذا Worldview فقد أصبحت كلمة معا يف كلمة واحدة،)2( ،Sunrise ،Doorknob اللغة اإلنجليزية، مثل: اجلمع بني كلمتني يف كلمة واحدة كثري يف

Bookstore ،Fireman، وغريها.

أبو زيد، سمري. العلم والنظرة العربية إىل العالم ، بريوت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2009م، ص 12-11. )1(نقول «معظم« ألننا ال نزال نجد العبارة باللغة اإلنجليزية أحيانا يف صورة كلمتني منفصلتني world view، أو يف )2(

.world-view صورة كلمتني يفصل بينهام رشطة

رؤية العالم: اللفظ والمفهوم والمصطلح الفصل األول

Page 53: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

52

املصطلح أصل عن احلديث اإللكرتونية طبعتها يف الفلسفة« «موسوعة لت فص وقد يف استخداماهتا وتتبعت ،Weltanschauung األملانية للكلمة ترمجة بوصفه Worldview

احلقول الفلسفية والدينية والعلمية.)1(

رها الداليل، وال شك يف أن من املفيد، واملهم كذلك، معرفة جذور املصطلحات وتطوالثقايف التفاعل الفكرية( وبخاصة يف فرتات الفوىض )أو الفكري بالوضوح وعالقة ذلك بني األمم والشعوب، مثلام حيصل يف عرصنا هذا من عولمة لألفكار واملامرسات، واقرتاض يتهدد الذي املصري من الضعيفة األمم فيها ختشى فرتات وهي واملصطلحات. للمفاهيم خشية معني، مصطلح استخدام يتجنب وهو الكاتب لكن وثقافة. ولغة تارخيا تها: هويارتباط داللته بخلفيات معينة، ربام ال ينفعه اختياره ملصطلح آخر بديل؛ ألنه لن يسلم من

اخللفيات الثقافية اخلاصة به وما قد يكون فيها من حتيزات.

إىل أخرى، ثقافة املصطلحات من البرشية عرفت هجرة الثقافات فإن ة حال أي وعىل املصطلح توطني يف تبذل جهودا فإن املصطلح هياجر وحني آخر. إىل معريف ميدان ومن ومفهوم األوىل. بجذوره بالرضورة تتقيد ال حمددة دالالت اجلديد موطنه يف حيمل لكي رؤية العالم واحد من هذه املفاهيم التي عرفت اهلجرة، فموطنه األصل هو الفلسفة، لكنه انتقل إىل عدد واسع من املجاالت املعرفية وبخاصة يف العلوم الطبيعية والعلوم االجتامعية، وتوطن فيها، وأصبح املصطلح شائعا يف كثري من الكتابات التي تتعلق باألسئلة الكبى يف

الدين والفلسفة والعلوم.)2(

مبكر وقت منذ غريهم من أكثر اهتموا األملان املفكرين أن إىل الدراسات وتشري

النصف منذ وبخاصة واألفكار، املفاهيم وتاريخ واملصطلحات األلفاظ تاريخ بدراسة

(1) https://www.encyclopedia.com/philosophy-and-religion/philosophy/philosophy-terms-and-concepts/worldview-philosophy (Retrieved 7 July 2020).

(2) Naugle, David K. WorldView: The History of A Concept, Grand Rapids, MI: William Ee-rdmans, 2002, p.187. see also:

- Chung, Paul Seungoh. God and the Crossroads of Worldview, Notre Dame, IN: Univer-sity of Notre Dame Press, 2016, p.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 54: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

53

املراجع David Naugle سبعة من التاسع عرش. وقد رصد ديفيد نوجل القرن الثاين من املهمة التي صدرت منذ مطلع القرن العرشين باألملانية حول ترشيح مصطلح رؤية العالم يف االهتامم من القليل إال ينل ل املوضوع هذا أن كيف الحظ كام استعامله.)1( وتطور

الكتابات باللغة اإلنجليزية.)2(

كام تشري هذه الدراسات إىل أن أصل هذا املصطلح -كام يتم استخدامه يف األدبيات املصطلح استخدم حيث )1724-1804م(، كانط« «إيامنويل إىل يعود املعارصة- باألملانية Weltanschuung. ولدى مراجعة أعامل «كانط« املرتمجة إىل اإلنجليزية نجد أنه استعمل املصطلح مرة واحدة يف كتابه «نقد احلكم: Critique of Judgment« ويف سياق حمدد يتعلق بقوة العقل البرشي عىل اإلدراك احليس. ولدى مراجعة ترمجة هدا الكتاب إىل األملانية باللفظة االحتفاظ مع Worldview لفظة استخدمت أهنا لوحظ اإلنجليزية،)3( وبصورة واسع نطاق عىل املصطلح استخدام لكن هلا.)4( املقابلة اإلنجليزية جانب إىل دلثاي،)5( وذلك يف األملاين وفيلهلم الفيلسوف إىل ينسب املعارصة، الدالالت إىل تشري الفلسفية األدبيات يف معروفا يكن ل دلثاي أن النظر يلفت ومما ومقاالته. كتبه عناوين املكتوبة باإلنجليزية بالدرجة التي عرف هبا كثري من الفالسفة وعلامء النفس وغريهم من

الغربيني. املفكرين

(1) Naugle, WorldView: The History of A Concept, Pp. 59-62.

(2) Ibid., Pp.65-66.

(3) Kant, Immanuel. Critique of Judgment, Translated and Introduction by Werner S. Pluhar. Indianapolis: Hachett, 1987, p. 111-112.

ويلجأ بعض املؤلفني العرب إىل استخدام املصطلح بالعربية »رؤية العال« وإىل جانبها اللفظتان املقابلتان اإلنجليزية )4(واألملانية.

فيلهلم دلثايWelhelm Dilthy )1833-1911( فيلسوف أملاين يعد أهم فيلسوف أورويب يف النصف الثاين من )5(القرن التاسع عرش، عرف بنظرياته يف العلوم اإلنسانية وإسهاماته يف عدد من املشكالت املنهجية يف دراسة التاريخ والتقدم اإلبداعي الذي حققه يف جمال اهلريمنوطيقا، إضافة إىل ريادته يف املعاجلة املنظمة ملفهوم رؤية العالم ، حتى قيل إنه جعل من رؤية العالم علام. وكانت هذه املعاجلة حماولة لصياغة نظرية معرفة موضوعية للعلوم اإلنسانية

واالجتامعية شبيهة بام فعله «كانط« يف العلوم الطبيعية.

رؤية العالم: اللفظ والمفهوم والمصطلح الفصل األول

Page 55: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

54

ومن جهة أخرى فإن مصطلح رؤية العالم قد استخدم عىل نطاق واسع يف دراسات فلسفة العلوم. وكان املصطلح يرتبط ارتباطا مبارشا بفهم اإلنسان لبنية الكون املادي وعالقة التي نالحظها. الصورة فيه، وسبب سلوك ظواهره عىل ببعضها، وموقع اإلنسان مكوناته ر أدبيات تاريخ العلوم وفلسفة العلوم يف مراجعها الغربية كيف ويف هذا املجال تصف تطوتطورت رؤية العالم من رؤية أرسطية، تنسب إىل الفيلسوف اليوناين أرسطو )384 ق.م - 322 ق.م( وتقول بمركزية األرض يف الكون؛ إىل رؤية نيوتونية، تنسب إىل العالم الفيزيائي النظام يف للشمس األرض بتبعية وتقول )1642-1727م(، نيوتن إسحق البيطاين الشميس ودوراهنا حوهلا وحول نفسها؛ إىل رؤية ترتبط بالنظرية النسبية التي طورها ألبت العلمية املفاهيم من كثريا قلبت التي النظرية وهي 1905-1916م( الفرتة )يف اينشتاين حول الكون بعد إعادة تعريف مفهوم الفضاء والزمن؛ ثم إىل رؤية ترتبط بنظرية الكم التي «ماكسويل بالنك" )1858-1947م( و«اوروين العلامء من أشهرهم طورها جمموعة من

رشودنجر" )1887-1961م(، وكشفت عن مشكالت القياس العلمي.

ومع أن كل رؤية من هذه الرؤى تتضمن تفسريات للحقائق املتعلقة بالكون الطبيعي رؤية كل فإن معتقداته، وطبيعة الكون يف اإلنسان موقع حول تفسريات عنها وينبثق (macro) ممثال باألجرام الساموية جديدة من هذه الرؤى كانت تنتقل من اإلطار األكب يف الكون، إىل اإلطار األصغر (micro)، ممثال باجلسيامت الدقيقة التي يتكون منها الكون، مثل اإللكرتون والفوتون، وكانت تبتعد يف حمتوى مقوالهتا عن مشكالت الطبيعة املادية وتقرتب من القضايا الفلسفية لإلنسان.)1( ول تأت أي رؤية من هذه الرؤى جزافا، فإن كال منها كان يعتمد عىل «حقائق إمبيقية« واضحة تكفي لتقديم إجابات «معقولة« عن دليال تقدم العلمية االكتشافات كانت ة مر كل اإلنسان. ويف يطرحها كان التي األسئلة عىل أن ما كان يعتقد أنه من قبيل «احلقائق« ما هو إال معتقدات خاطئة، وأن العال ليس

كام كان يعتقد.

(1) Dewitt, Richard. Worldviews: An Introduction to the History and Philosophy of Science, Cornwall, UK: Blackwell Publishing, 2nd. Ed., 2010, Pp. 272-286.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 56: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

55

ومع ذلك فإن التغري الذي يطرأ عىل رؤية العالم يف كل مرة يتفاوت من انقالب كامل

بعض تعديل يف إىل الكوبرنيكي« «االنقالب التفاصيل كام حصل يف الكلية ويف الرؤية يف

األساسية، مالحمها ببعض حتتفظ التي الكلية الرؤية ضمن مواقعها يف وتغيري التفاصيل

النظرية بعد املطلق املطلق واملكان الزمن اقتضاه نقض مفهوم الذي التعديل كام حصل يف

النسبية... ومع ذلك فإن أثر االكتشافات التي تغري أو تعدل يف رؤية العالم، يتجاوز التغيري

املكان؛ نفسه وموقعه يف اإلنسان حول تغيري يف معتقدات إىل أو حقائق حمددة، مفاهيم يف

فاألثر األكب هلذه التغيريات هو يف الكشف عن القدر الذي يمكن لإلنسان أن يكون فيه عىل

التفكري باستمرار يف بدت له فيام بعد واضحة متاما، ومن ثم رضورة إعادة خطأ يف مسائل هنا عن العالم من حولنا.)1( درجة الثقة بالصورة التي نكو

معتقداتنا من كثريا أن العلامء من القادمة األجيال تكتشف أن املستغرب من وليس

األرسطية، الرؤية متثله كانت الذي اخلطأ يوازي الذي اخلطأ من هي العالم حول احلالية

تدرس سلوك التي األجهزة املستوى األصغر عن طريق األشياء عىل النظر يف سلوك وأن

الفوتونات واإللكرتونات سوف حيدث تغيريا يف رؤيتنا عن العالم ال يقل عن التغيري الذي أحدثه النظر إىل األجرام الساموية الكبرية عب تلسكوب غاليليو.)2(

الدينية اإلنسان معتقدات من كثريا يتداخل العالم رؤية من الطبيعي البعد وهذا

واألخالقية، فام سجله التاريخ املكتوب عن األساطري اإلغريقية وسكان وادي النيل وما بني

النهرين، كان يغلب الرؤية الوثنية التي تعتقد بتعدد اآلهلة والرصاع والتنافس بينها من جهة،

واملعرفة.)3( والعلم القوة مصادر وبخاصة النفوذ، جماالت عىل أخرى جهة من واإلنسان

(1) Ibid., p. 341- 348.

(2) Ibid., p. 304.

يمكن أن نتذكر يف هذا السياق أسطورة بروميثيوس وقصة رسقة النار من اآلهلة وتسليمها لإلنسان. انظر مثال: )3(- Ziolkowski ,Theodore .The Sin of Knowledge, Princeton, NJ: Princeton University Press,

2000, Pp. 25-42.

رؤية العالم: اللفظ والمفهوم والمصطلح الفصل األول

Page 57: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

56

ارتباط ويف والكواكب،)1( النجوم ببعض اآلهلة أسامء ارتباط يف التداخل هذا ويتمثل

الظواهر الكونية والفعاليات البرشية بمزاج اآلهلة وما بينها من تنافس ورصاع. ولذلك كان

يبدو معقوال أن املوطن األريض لإلنسان هو مركز الكون، تدور حوله بقية أشياء الكون.

ومصادرها العال رؤية لتطور الغربية األدبيات يف السائد الفهم خالصة بإجياز هذه

اخلاصة بالعلوم الطبيعية، ولكن هذا العرض الوصفي يقفز عن كثري من املعطيات التارخيية

والظروف والدينية، العلمية، للمؤثرات خمتلفا وتقويام تفسرييا حتليال تعطي ربام التي

العلامء واملفكرين النفسية )الذاتية( لبعض األفراد من االجتامعية )املوضوعية(، والظروف

الذين تركوا بصامت واضحة عىل مراحل تطور الرؤية السابقة.

فقد أوروبا، يف الدينية الرؤية عىل أثر من الطبيعية العلوم لتطور الفهم هذا خيل ول

ارتبطت الرؤية الدينية يف الغرب املسيحي يف مطلع عهدها بالرؤية األرسطية والرتاث الوثني

اليوناين والروماين، من حيث تصورها للكون، فتلوثت معاين التوحيد الذي جاء به األنبياء،

املخلوق وغريه من املتعايل من جهة واإلنسان الواحد اخلالق أذهاهنم طبيعة واختلطت يف

رشكاء الدينية( الرؤى بعض )يف األنبياء بعض أصبح حتى أخرى، جهة من املخلوقات

للبرش والنسبية املحدودة التصورات واكتسبت والربانية، اإلهلية صفاته بعض يف للخالق

الغرب الرسمية يف الدينية املؤسسة وانحازت الدينية، القداسة الكون ومكوناته صفة عن

التصورات تلك تنقض التي العلمية االكتشافات توالت أن وما النسبية. التصورات هلذه

حتى اهنارت قداسة الدين نفسه، فلم يكن االنقالب عىل الرؤية األرسطية مثال حمض تغري

يخ Mars إله احلرب هرة Venus إله احلب واجلامل، وكوكب املر أسامء بعض الكواكب عند الرومان: كوكب الز )1(النجوم، أما اآلهلة. ملك أو اآلهلة كبري Jupiter املشرتي وكوكب الزراعة، إله Saturn زحل وكوكب والدم، عرى مثال Sirius كان له قداسة خاصة عند فكثري من الشعوب القديمة كانت تعبد بعض النجوم أو تعظمها، فالشاملرصيني القدماء، والفتحة املوجودة يف أعىل اهلرم األكب هي املنظار الذي تطل منه امللكة وهي يف غرفتها إىل ذلك عرى، ومنهم خزاعة والذي سن عبادته رجل النجم ألنه قرينها يف السامء. وبعض العرب قبل اإلسالم عبدوا الشمن سادة خزاعة يكنى أبا كبشة. ويف قوله تعاىل: ﴿حي خي مي ىي﴾ ]النجم: 49[ إشارة إىل أن اهلل وحده هو من يستحق العبادة، فهو رب الشعرى ورب كل يشء، لكن ختصيصه بالذكر هو من أجل أن بعض العرب عبدوه.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 58: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

57

التي الدينية الرؤية من القداسة خصائص انتقال أيضا ذلك صاحب وإنام الكون، فهم يف

ا كانت خاطئة إىل الرؤية العلمية اجلديدة، وتدرجييا حل العلم الطبيعي حمل الدين، ثبت أهن

يف البحث موضوعات من موضوع أي عىل وما مطلقا، العلم هو الطبيعي العلم وأصبح

قضايا الغيب )أو ما وراء الطبيعة( أو النفس أو املجتمع إال أن خيضع ملعايري العلم الطبيعي

ومناهجه احلسية التجريبية.

ومع هذا املوقع الذي اكتسبته العلوم الطبيعية ليس غريبا أن جيري التساؤل عن طبيعة

ربام بدائية مرحلة ا أهن أو العلوم، ضمن تصنف أن فعال تستحق وهل االجتامعية، العلوم

تتعمق مفاهيمها ونظرياهتا بمزيد من البحث حتى تنال رشف تصنيفها يف العلوم!

ثانيا: مصطلح رؤية العالم والمصطلحات ذات الصلة به

تسود التي واملصطلحات املفاهيم ببعض وثيقا اتصاال العالم رؤية مفهوم يتصل

وراء ما املثال: سبيل عىل املصطلحات هذه ومن املختلفة، باللغات املعارصة الكتابات

القيايس، والنموذج واحلداثة، والعولمة، واأليديولوجيا، الثقافة، )امليتافيزيقا( الطبيعة

والنظرة العامة، واملنظور الكل، وغريها.

وقد وجدنا أن حممد نقيب العطاس جيعل العنوان الفرعي لكتابه «مقدمة يف ميتافيزيقا

مقدمة يبدأ ثم اإلسالمية«. العالم رؤية يف اإلساسية للعنارص «عرض بعبارة: اإلسالم«

كتابه برفض استخدام عبارة «نظرة اإلسالم إىل الكون« تعبريا عن «رؤية العالم اإلسالمية«؛

اخلبة حتت يقع الذي املخلوقات عالم من جزء عن تعبري «الكون« لفظ أن يرى ألنه

رؤية أما الغريب. العلمي بالفكر التأثر نتيجة يكون إنام الفهم هذه ومثل لإلنسان. احلسية

لآلخرة، إعداد الدنيا أن اعتبار عىل واألخرى، الدنيا عىل تشتمل فهي اإلسالمية العالم

إن إذ Reality؛ الواقع هي ليست Truth واحلقيقة للدنيا، إمهال أي ذلك يعني أن دون

أحداث تعب وربام احلقيقة، من واحدا جماال إال ليست عنه تعب التي واألحداث الواقع

«احلق« الصحيح بينام احلقيقة هي دائام ما يعب عن «باطل« غري صحيح، الواقع أحيانا عن

رؤية العالم: اللفظ والمفهوم والمصطلح الفصل األول

Page 59: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

58

من األمور. ولذلك يقرتح أن تكون رؤية العال اإلسالمية هي «رؤية اإلسالم للوجود«.)1( «رؤية العالم« للحضور املكثف ملصطلح العالم وقد أرشنا من قبل إىل أننا نفضل مصطلح

وسعة دالالته يف القرآن الكريم.

رؤى فهم ويسهم وثيقة، عالقة املجتمع هبا يتصف التي والثقافة العالم رؤية وبني التي تظهر بني جمتمعات خمتلفة يف ثقافاهتا التي تؤدهيا يف فهم املشكالت العالم والوظائف ويف رؤاها للعالم، ويف فهم الطرق التي تتعامل هبا هذه املجتمعات. لذلك سيكون من املهم حيث من الثقايف التداخل بفلسفة ختتص التي والطرق واألهداف املعرفية احلدود دراسة عالقتها برؤى العالم. ومن ثم تطوير مدخل مناسب لدراسة هذه الرؤى يقوم عىل احلوار

)2(.Crosscultural عب-الثقايف

التاريخ يف العلماء استخدمها التي الرتاثية املصطلحات أن احلميد عبد حمسن ويرى مثل واإلنسان، واحلياة الكون عن وأحكامه اإلسالم كليات عن للتعبري اإلسالمي الفكري الرصاع واقع «من تنطلق كانت والتوحيد، الكالم، وعلم العقيدة، مصطلحات: يف عرصهم، وحددوا مواقف اإلسالم من خالل الكتاب والسنة، واجتهاداهتم يف فهم تلك القضايا التي كانت مثار النقاش يومئذ مع الفالسفة والهوتيي أهل امللل والنحل األخرى.« الفكري الرصاع طبيعة مع تتناسب التي املصطلحات استخدام رضورة يرى ثم ومن «التصور أو اإلسالمي« «الفكر مصطلح استخدام يرفض الذي الوقت ويف املعارص، هو بديال ويقرتح وموقفه، اإلسالم كليات عن للتعبري «واأليديولوجيا« أو اإلسالمي«

ه هو عدم اخللط بني الوحي وفكر البرش. )3( «املذهبية اإلسالمية«. ومه

(1) Al-Attas, Syed Muhammad Naquib. Prolegonema: to the Metaphysics of Islam, Kuala Lum-pur: International Institute of Islamic Thought and Civilization (ISTAC), 2001, Pp. 1-2.

(2) Evanoff, Richard. Worldviews and Intercultural Philosophy, Dialogue and Universalism, 26 (4), 2016, Pp. 119-132.

مجادى ،6 رقم األمة، كتاب سلسلة قطر، الدوحة: احلضاري، والتغيري اإلسالمية املذهبية حمسن. احلميد، عبد )3(اآلخرة، 1404هـ، مارس )آذار( 1984، ص 20-19.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 60: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

59

جيتهد التي اخلاصة الطريقة هو املصطلحات هذه من مصطلح أي أن نرى ونحن صاحب املصطلح يف التعبري عن فكره وفهمه، ولكل منها فائدته يف السياق الذي يستخدم يشمل وإنام البرشي، اللغوي النص يف املصطلح موقع عىل يقترص ال هنا والسياق فيه. كذلك سياق الزمان واملكان واحلال. أما اإلسالم الذي هو الدين الذي جاء به مجيع األنبياء، اهلدي أو الكريم القرآن هبا نطق التي وألفاظه الوحي فنصوص للناس، اهلل وارتضاه من ألي وليس هلا. فهمهم عن التعبري يف املجتهدون جيتهد الذي املصدر تبقى النبوي، ألفاظ لتطوير مفتوحا الباب وسيبقى الثبات. أو والعصمة القداسة من االجتهادات هذه الداللة، أن تتحدد داللة املصطلح وحدود هذه ومصطلحات جديدة، واملهم يف ذلك كله وأن يتم التمييز بني الدين الذي نزل به الوحي من جهة، والفكر البرشي الذي جيتهد الناس

يف التعبري عن فهمهم هلذا الوحي.

األدبية الدراسات العال يف عدد من ليعني رؤية األيديولوجيا استخدم مصطلح وقد «علم دراسة األفكار«، اللغوي Ideology هي يف أساسها أيديولوجي والنقدية.)1( وكلمة الكلمة لكن معها.)2( تتطابق وقد العالم رؤية من تقرتب اللغة قواميس يف وسنجدها بعملية مر بأنه معينا شخصا لتصف واسع نطاق عىل خاطئا استخداما تستخدم أصبحت Jonah جولبريغ جونا ويعزو معينة. فكرة تبنى أو معينا موقفا اختذ عندما للدماغ غسيل بعد سيام وال معارضيه، هاجم الذي نابليون إىل اخلطأ االستعامل هذا أصل Goldberg

يتشبث التي الدينية والفلسفية الداخل واخلارج، واعتب كل األفكار الفشل يف أن حارصه خصومه إلسكات سالحا اللفظ هذا واستعمل أيديولوجيا، حمض املعارضون هؤالء هبا السلبي االستعامل هذا ذلك بعد ماركس كارل تناول ثم املتهاوي. نظامه عىل للمحافظة الطبقي واالمتيازات بالوضع يرتبط الذي الزائف« «الوعي لأليديولوجيا وبنى عليه فكرة

جملة الزكي-نموذجا، مقامه إل يعود الظاهر الويل رواية اجلزائرية/ الرواية يف األيديولوجي نبيل. بوالسليو، )1(البحوث والدراسات اإلنسانية، العدد )8(، 2014، ص 84-210. انظر كذلك:

(2) Goldberg, Jonah. The Tyranny of Clichés: How Liberals Cheat in the War of Ideas, New York: Sentinel; Reprint edition 2013, p. 31.

رؤية العالم: اللفظ والمفهوم والمصطلح الفصل األول

Page 61: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

60

اليسء االستعامل هذا جولبريغ ويرفض للدماغ.)1( غسل عمليات من ينتابه وما الطبقية، ا ببساطة هي رؤية العالم، ولكل إنسان رؤية للعالم أي جمموعة لأليديولوجيا ويرص عىل أهن

مبادئ وتعميامت يظن أهنا صحيحة وذات قيمة.)2(

)Globe )عالم- املشرتك اللغوي االشتقاق من العالم برؤية العوملة صلة وتبدأ وجودها، ينكر ومن املعارص الزمني السياق يف العوملة وجود يرى عمن النظر وبغض حالة باحلسبان أخذنا فإذا العالم، مستوى عىل املعارص الواقع لوصف حماولة العوملة فإن العالقات الدولية وطبيعتها املعارصة، ومرجعيات املؤسسات الدولية، وخاصية االعتامدية يف االقتصاد، وحالة وسائل االتصال والتواصل، وسهولة حركة األفراد واألموال واألفكار والثقافات، فإن العولمة هبذه االعتبارات هي رؤية للعالم تصف ما طرأ عىل هذا العالم من العادي. وقد القيم يف حياة اإلنسان تغريات غري مسبوقة يف حجمها وتأثريها عىل منظومة

اعتب سيف الدين عبد الفتاح العولمة رؤية للعالم موازية لإلسالم.)3(

وصفا احلداثة، بعد وما احلداثة قبل ما حالة من هبا يرتبط وما احلداثة مفهوم ويعد د بالقرن السابع عرش الذي عرف حلالة العالم يف فرتة زمنية معينة يف التاريخ األورويب تتحدالتنوير، حيث طرأت يف هذه احلقبة الثامن عرش الذي عرف بعرص بعرص النهضة، والقرن الزمنية تغريات مهمة يف احلياة االجتامعية والثقافية واملادية، شملت ما كان سائدا قبل ذلك من األعراف واالجتاهات واملامرسات، كانت تعب عن حالة ما قبل احلداثة، وهي حقبة كان حتدد كانت التي الثقافية للبيئة األسايس املكون وهو والواقع. احلقيقة مصدر الدين فيها للناس رؤيتهم ألنفسهم وللعال وموقعهم فيه. أما احلداثة نفسها فتشري املوسوعة البيطانية الفردية، بالنزعة يتصل ما منها والتوجهات «التغريات من بمجموعة ارتبطت ا أهن إىل

(1) Ibid., Pp. 41-46.

(2) Goldberg, Jonah. In Defense of Ideology, National Review, Oct. 22, 2018. See the link:

- https://www.nationalreview.com/corner/conservatism-in-defense-of-ideology/ (Retrieved 5 Oct. 2020).

عبد الفتاح، سيف الدين. العوملة واإلسالم رؤيتان للعامل، حترير: د.منى أبو الفضل، د. نادية حممود مصطفى، ط1، )3(دمشق: دار الفكر، 2009م.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 62: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

61

الرسيع والتحرض والبريوقراطية، الدينية، العالم رؤية من والتخفف العمل، والتفسري عرص ورافق والتواصل. املايل التبادل ورسعة القومية، الدول ونشوء »Urbanization»

احلداثة يف أوروبا الغربية فرتة الغزو االستعامري والتوسع يف أنحاء العالم.)1(

وقد عاجلت كثري من الكتابات التغريات اجلذرية الذي حدثت يف عرص التنوير، وأعطت Modernity، ووصفت موجة احلداثة التي جاءت مع ملجمل هذه التغريات مصطلح احلداثة ا رؤية «حديثة« للعالم. قلبت كثريا من رؤى العال «القديمة« التي كانت سائدة ذلك العرص بأهنالعالقة وكانت للعالم، خمتلفتني رؤيتني والتنوير الرومانسية مثلت «لقد املوجة. هذه قبل هته املأساوية واجلدلية بينهام واحدة من جتليات الفكر الفلسفي احلديث.«)2( و«النقد الذي وجالرومانسية للحداثة كان نقدا حلضارة رأساملية حديثة جلبت معها قيام ومثال مشتقة من املايض؛

أي مايض احلداثة أو ما قبل الرأساملية، وجاءت الرومانسية نبضا مضادا للرأساملية.«)3(

الدين موقع حرص حيث والواقع، احلقيقة مصدر احلداثة عرص يف العلم كان وإذا واألخالق يف عالم الفرد اإلنساين، فإن عرص ما بعد احلداثة احلايل، ال يوجد فيه مصدر حمدد النزعة تطوير احلداثة بعد ما رؤية استطاعت فقد الفرد، يتجاوز والواقع للحقيقة وحيد الفردانية والنسبية بصورة متطرفة يف مجيع جماالت املعرفة بام يف ذلك رؤيتها للعلم الطبيعي. منها العوامل، من جمموعة خالل من فردي بشكل يتم تشكيلهام فإن والواقع احلقيقة أما حياة وصف يف وتشرتك والدين، والثقافة واجلنس االجتامعية والطبقة الشخيص التاريخ الثقافة املحلية واملؤسسات االجتامعية، دون أن يكون اإلنسان وإعطائها معنى مرتسخا يف هلا معنى موضوعي. وبذلك فإن ما بعد احلداثة ، بوصفها رؤية للعالم، ترفض السامح ألي مصدر وحيد مهام كان لتحدد احلقيقة والواقع. وبدال من ذلك فإن رؤية العالم يف «ما بعد

احلداثة« ترتكز عىل قبول االختالف وتكريس التعددية.)4(

(1) https://www.britannica.com/topic/modernity (Retrieved 7 July 2020).

(2) Lowy, Michael and Sayre Robert, Romanticism Against the Tide of Modernity, translated from French by Catherine Porter, London: Duke University Press 2001, p. 14.

(3) Ibid., Pp. 19-20.

(4) Duignan, Brian. Encyclopedia Britannica, last updated sept 20, 2019. See:

- https://www.britannica.com/topic/postmodernism-philosophy (Retrieved 7 July 2020).

رؤية العالم: اللفظ والمفهوم والمصطلح الفصل األول

Page 63: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

62

ومن املصطلحات التي ارتبطت كثريا وال تزال ترتبط بمصطلح رؤية العالم منذ الثلث ره توماس األخري من القرن العرشين مصطلح النموذج القيايس Paradigm. وهو مصطلح طوكون يف كتابه الذي طبع للمرة األوىل عام 1962م بعنوان بنية الثورات العلمية.)1( وقد أصبح واملفهوم، املعتقد، مثل: املعاين ليدل عىل عدد من املختلفة، العلوم يستعمل يف املصطلح هذا الدالالت يف مورجان بحث وقد العالم. ورؤية واالجتاه، واملامرسة، والتقليد، والنظرية، ملصطلح البحث، مناهج جمال يف سيام ال القيايس، للنموذج الباحثون يعطيها التي املتعددة القياسية النامذج «تعالج التي هي االستعامالت هذه أوسع أن له وتبني القيايس، النموذج ا جمموعة عىل أهنا رؤى للعالم«، وأن رؤى العالم هذه هي طرق مشرتكة يف فهم احلقيقة، وأهناالفرتاضات التي تقود البحث. ومع ذلك فإن هذا االستعامل يعني كل يشء تقريبا إىل الدرجة

التي ال تعود املساواة بني النموذج القيايس ورؤية العالم أمرا مفيدا يف توجيه البحث.)2(

لكن هذه املالحظة ل متنع الباحثني من استمرار النظر إىل النموذج القيايس بوصفه رؤية الرتبوي البحث «ويف رصاحة: ذلك عىل املثال سبيل عىل الباحثني أحد نص وقد للعال. احلالة: هذه يف وتعني الباحث، يمتلكها التي العالم« «رؤية عىل ليدل املصطلح يستعمل التفسري أو املعنى تولد التي املعتقدات أو جمموعة الفكرية، املدرسة أو التفكري أو التصور

اخلاص بالبيانات البحثية.«)3(

أو للفرد Paradigm القيايس النموذج يعد املستدامة والتنمية االقتصاد بحوث ويف Ideologies جمموعة من األفراد «رؤية للعالم«؛ أي: جمموعة من القيم واملعتقدات واألفكار

(1) Kuhn, Thomas. The Structure of Scientific Revolutions. Chicago: University of Chicago Press, Edition 4, 2012 (The 50th Anniversary Edition).

(2) Morgan, D.L. (2007) ‘Paradigms lost and pragmatism regained: methodological impli-cations of combining qualitative and quantitative methods’, Journal of Mixed Methods Research, Vol. 1, No. 1, Pp. 48-76.

(3) Kivunga, Charles and Kuyini Hamed Bawa. Understanding and Applying Research Para-digms in Educational Contexts, International Journal of Higher Education Vol. 6, No. 5; 2017, Pp. 26-41.

file:///D:/Users/hp/Downloads/12169-43505-1-PB.pdf (Retrieved 7 July 2020).

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 64: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

63

املواقف واخليارات التعامل مع أو غري واعية، وتستخدم يف بطريقة واعية هبا يتم ترش التي املتاحة أمام الفرد أو اجلامعة.)1(

باستعامله ،Paradigm القيايس النموذج مصطلح من املسريي عبدالوهاب ويقرتب جمموعة من املصطلحات التي تعد أدوات منهجية معرفية يستخدمها املفكر يف حتليل الظواهر والوقائع واألفكار، هبدف متكينه من رؤية كلية للموضوعات املتفرقة، فرتبط الكل واجلزئي، هلا. الشمويل واإلدراك الدراسة موضوع بالظاهرة اإلحاطة تتحقق حتى واخلاص، والعام هذه ومن العالم. رؤية مصطلح مع كبري حد إىل تتداخل األدوات هذه داللة أن وواضح من «جمموعة عنده: وهو التفسريي«، «النموذج املسريي يستخدمها التي املصطلحات الصفات التي حتولت إىل صورة متامسكة، ترسخت يف أذهاننا ووعينا بحيث ال نرى الواقع اإلنساين، العقل يبنيها معرفية« «خريطة وهو للواقع.« متكاملة رؤية فهي خالهلا، من إال بينها والربط واحلقائق والتفاصيل العالقات من هائل كم جتريد طريق عن إليها ويتوصل لبناء نمط عام يأخذ شكل خريطة إدراكية كلية. وهو «نموذج إدراكي« يستخدمه اإلنسان يف إدراك الواقع، ولكنه يتم «يف أغلب األحيان بصورة غري واعية يستنبطها املرء تدرجييا وتصبح ل منه جزءا من وجدانه وسليقته وإدراكه املبارش، من خالل ثقافته وتفاصيل حياته، وما يتشك

عالمه من أشياء ورموز وعالمات وصور وأحالم ومنتجات حضارية متعددة.«)2(

من الباحث يصوغها واعية إبداعية حتليلية« «نامذج اإلدراكية النامذج مع ويتزاوج وإعادة الواقع بتفكيك يقوم ثم للظواهر، ومالحظته املختلفة، للنصوص قراءاته خالل النص مفهوما ومستوعبا بشكل أعمق. وتعمل أو الواقع تركيبه من خالهلا، بحيث يصبح التي الظواهر واملعطيات التفسريي من خالل النموذج التحليلية عىل توسيع نطاق النامذج

(1) Vanner, Robin and Bichet, Martha. The Role of Paradigm Analysis in the Development of Policies for a Resource Efficient Economy, Sustainability, published by Multidisciplinary Digital Publishing Institute, vol. 8 issue 645, 2016, p. 2. See link:

file:///D:/Users/hp/Downloads/sustainability-08-00645%20(3).pdf (Retrieved 7 July 2020).

املسريي، عبد الوهاب. رحلتي الفكرية يف البذور واجلذور والثمر: سرية غري ذاتية وغري موضوعية، القاهرة: اهليئة )2(العامة لقصور الثقافة، 2000م، ص 279-274.

رؤية العالم: اللفظ والمفهوم والمصطلح الفصل األول

Page 65: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

64

يلزم النموذج وتكشف قصوره، وربام املعطيات تتحدى النموذج أن يفرسها. فهذه حياول

التفسريي النموذج بني العالقة فإن وهكذا التفسريية، قدرته تزداد حتى النموذج تعديل

والواقع عالقة حلزونية معقدة.)1(

مصطلح العالم« «رؤية نسميه عام للتعبري استخدمت التي املصطلحات أقرب ومن

املنظور. ليس بمعنى حمدد كام هو احلال عندما يكون املقصود هو الرؤية أو النظر من زاوية

املصطلح هذه تطور وقد الكلية. الرؤية أو الكل املنظور وإنام باخلصوص، تتصف حمددة

بصورة من التدرج من: «منظور آخر«، و«منظور بديل«، و«منظور حضاري«، إىل: «منظور

املرصية األكاديمية الساحة يف العرشين، القرن سبعينينات أواسط منذ إسالمي« حضاري

املصطلح شيوع ارتبط وقد والسياسية. والرتبوية، االقتصادية، العلوم يف سيام ال حتديدا،

رافقها كثري من التي الربوية، االقتصادية غري املؤسسات نشأة االقتصادية مع الكتابات يف

مراكز األبحاث املتخصصة باالقتصاد اإلسالمي. لكن شيوعه يف املجال الرتبوي اقترص عىل

عدد حمدود من الشخصيات الرتبوية.)2(

التفصيل يف فإنه يستحق السياسية، العلوم املنظور احلضاري يف أما استعامل مصطلح

استخدام يف والنضج بالتطور السياق هذا يف ننوه أن يكفي متخصصة. بحوث أو بحث

السياسية العلوم أساتذة من متتابعة أجيال ثالثة عب مميزا حضورا أثبت الذي املصطلح

والعالقات الدولية يف جامعة القاهرة، بدءا من حامد ربيع، ثم منى أبو الفضل التي يعزى

املرجع السابق، الصفحات نفسها. )1(

انظر مثال: )2(

املعهد الرتبية: رؤية حتليلية ومنظور إسالمي. هريندن: فلسفة الستار. - عل، سعيد إسامعيل، وفرج، هاين عبد العاملي للفكر اإلسالمي، والقاهرة: دار الفكر العريب، 2009م.

أهداف املنهج ىف منظور جديد، جملة العلوم الرتبوية، جملد)2(، العدد )1(، 1398ه/ - عبد احلليم، أمحد املهدي. 1978م.

الرياض: املدريس من منظور جديد، املنهج إبراهيم حممد، والكثريي، راشد حممد، وعثامن، اخلتم. الشافعي، -مكتبة العبيكان، 1996م.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 66: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

65

املتواصل حول املصطلح،)2( يف سياق اجلدل أو "صك" املصطلح، «تدشني«)1( إليها فضل األطر املرجعية يف العلوم السياسية يف الساحة الدولية، ثم نادية مصطفى وسيف الدين عبد

الفتاح)3( وعدد من زمالئهام، وربام نستطيع أن نتحدث عن جيل رابع من تالميذمها.

مصطفى، نادية حممود. بناء املنظور احلضاري يف العلوم االجتامعية واإلنسانية، يف: نادية مصطفى، وسيف الدين )1(عبد الفتاح وماجدة إبراهيم )حمررون( سلسلة قراءة يف الفكر احلضاري ألعالم األمة )2(، التحول املعريف والتغيري احلضاري: قراءة يف منظومة فكر منى أبو الفضل، القاهرة: مركز احلضارة للدراسات السياسية، ودار البشري للثقافة

والعلوم، 2011م، ص 73-37.

مصطفى، نادية )إعداد وحترير(. ببليوغرافيا يف املنظور احلضاري اإلسالمي وقضاياه: خبة مركز احلضارة للدراسات )2(السياسية، يف: جتديد العلوم االجتامعية: بناء منظور معريف وحضاري: الفكرة واخلربة، حترير نادية مصطفى، القاهرة:

مركز احلضارة للدراسات السياسية، ودار البشري للثقافة والعلوم، 2016م، ج2، ص 521- 551.

مرجع سابق، االجتامعية، العلوم يف: جتديد واملقومات واإلشكاليات، املفهوم احلضاري: املنظور أماين. صالح، )3(ج2، ص 215- 238.

رؤية العالم: اللفظ والمفهوم والمصطلح الفصل األول

Page 67: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

66

المبحث الثالث

عناصر رؤية العالم اإلسالمية تدخل املوضوعات التي انطوت حتت مصطلح «رؤية العالم« يف داللتها املعارصة، يف املعروفة يف اإلسالم، الستة أركان اإليامن الكتابات اإلسالمية يف جمملها حتت عنوان دائرة أو األصول الفرق واملذاهب اإلسالمية؛ الكالم يف املعروفة لدى علماء العقيدة أبواب أو اخلمسة يف الصياغة املعتزلية التي متيزت بإضافة أصل العدل؛ أو أصول االعتقاد عند الشيعة

اإلثني عرشية التي تميزت بإضافة أصل اإلمامة.

لكن رؤية العالم أو الرؤية الكونية يف التفكري اإلسالمي ليست جمرد قضية نظرية ترتبط العالم ثالثة مستويات مرتابطة ومتكاملة: رؤية عن تعب وإنما «الثيولوجيا،« الكالم بعلم الصور ا جمموعة من فكأهن والنفسية، الطبيعية واالجتامعية للعوالم أوال: هي تصور ذهني الفهم بقصد والتأمل، التفكر إىل وتدعوه انتباهه فتلفت اإلنسان، يراها واملتحركة، الثابتة العالم أو حالة نفسية عند اإلنسان تستدعي ثانيا: هي موقف من العالم واإلدراك. ورؤية إقامة عالقة هبذا العالم، عالقة متكني وتسخري، وسالم وانسجام، وإجالل وتهيب، ورغبة يسعي التي األهداف من جمموعة أي العالم؛ لتغيري خطة هي ثالثا: العالم ورؤية ورهبة. أكثر اإلنسان وليصبح وتوازنا، انسجاما أكثر العالم جعل إىل حتقيقها خالل من اإلنسان تمكنا من توظيف أشياء العالم وأحداثه وعالقاته وتسخريها لبناء حياة أفضل لإلنسان يف

هذا العالم، بوصف هذه احلياة مزرعة يف دنياه حيصد ثمارها يف دنياه وأخراه.

ة يف االصطالح،« فإن بعض ورغم املقولة املعروفة يف استخدام املصطلحات: «ال مشاحالتطور نتيجة التي جاءت المعاني يفضلون استخدام مصطلح جديد لمعنى من الناس ال اللغة مفردات إىل أضاف قد التطور هذا أن مع البرشية، والمعارف العلوم يف املتواصل ة كثريا من املصطلحات التي استقرت دالالتها عند أهل االختصاص يف فئات العلوم. وحجومالبسات جذورا حيمل ربما بعضها أن جديدة؛ مصطلحات استخدام عىل يتحفظ من

قطب سيد فالمرحوم الكاتب. يريده الذي املفهوم عن وتبعدها املصطلح، داللة ش تشو

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 68: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

67

كان مشغوال منذ مطلع اخلمسينات بالربط بني الفهم الذي تتطلبه عقيدة اإلسالم وما يبنى عليها من سلوك، من جهة، والفكرة الكلية عن الكون واحلياة واإلنسان، من جهة أخرى. التصور «خصائص كتاب أخرج أن إىل متخصص، ببحث املوضوع هذا بإفراد يعد وكان عن يعب الغرض، هلذا محدد مصطلح استخدام أمهية فيه وناقش ومقوماته،« اإلسالمي «الفكرة الكلية عن اهلل والكون واحلياة واإلنسان«، فلم يكتف باستخدام مصطلح العقيدة املوضوع عنارص نوقشت الذي اإلسالمية الفلسفة بمصطلح يقبل ولم الكلية، الفكرة أو

ر.«)1( تحته، فاختار مصطلح: «التصو

رؤية بوصفها اإلسالمية، العالم رؤية عرض الكتابات من العديد حاولت وقد واملذاهب الفرق عليها تختلف ال التي لإلسالم، األصلية بالنصوص تتصل واحدة التعدد ة كتابات أخرى حاولت الرتكيز عىل ظاهرة واملدارس الفكرية اإلسالمية، لكن ثميف الرؤية اإلسالمية للعالم. وقد أرشنا إىل أعمال كل من توشيهيكو إيزوتسو، وحممد نقيب مالحظته يمكن ما إىل نشري أن يمكننا بينما الكتابات. من األوىل الفئة ضمن العطاس، والشيعة، السنة مثل املسلمني، فئات خمتلفة من عند العالم رؤية تفاصيل اختالف يف من يف اإلسالمية واألقليات اإلسالمية، األغلبية ذات البالد ومسلمي والصوفية، والسلفية الواقع يف هي كما العالم رؤية يف االختالف ندرك أن نستطيع إننا ثم األخرى. البلدان

القائم، وكما هي يف الطموح املنشود.)2(

من مجموعة مقابل يف دينية رؤية هي اإلسالمية العالم رؤية فإن حال أية وعىل الرؤى العلمانية التي ال تؤمن بمقوالت الدين من حيث المبدأ. وهي رؤية دينية توحيدية قرآنية رؤية وهي الرشك. من بنماذج فيها التوحيد اختلط أخرى دينية رؤى مقابل يف

قطب، سيد. خصائص التصور اإلسالمي ومقوماته، القاهرة: دار الرشوق، 1997، ص13-9. )1(

من الكتابات التي حتدثت عن تعدد رؤى العالم اإلسالمية كتاب ألفه السيد األسود، وأظهر فيه فكرة التعدد يف )2(العالم التعدد يف رؤية الصلة بني الكتاب الكتاب، ثم يف فصوله، كما عالج املسلمني يف عنوان العالم عند رؤية

والتعدد يف اهلوية واالنتماء، انظر التفاصيل يف الكتاب:- El-Aswad, El-sayed. Muslim Worldviews and Everyday lives, Lanham, New York: Altamira,

Division of Rowman and Littlefield Pub. Inc.2012 .

رؤية العالم: اللفظ والمفهوم والمصطلح الفصل األول

Page 69: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

68

بعض به قالت الذي اجلدل بعض تحسم الكريم القرآن يف رصحية نصوص إىل تستند عىل اإلنساين النوع تخاطب حضارية رؤية وهي اإلسالم. تاريخ يف ظهرت التي الفرق واملعرفة، العلم يف والتجديد التطور عىل وتحفزه واألحوال، والزمان المكان اختالف

وتنمية طاقاته وإمكانياته.

ضمن الفكرية والمدارس والفرق المذاهب يف واالختالف ع التنو من الرغم وعىل بقيت التي اإلسالم مبادئ هي اإلسالمية العالم رؤية مكونات فإن اإلسالمية،)1( الدائرة األشعري احلسن أبو ذلك بني كما والمدارس. المذاهب هذه جميع بني مشرتكا عنرصا حني قال: «اختلف الناس بعد نبيهم صىل اهلل عليه وسلم يف أشياء كثرية، ضلل فيها بعضهم اإلسالم أن إال متشتتني، وأحزابا متباينني فرقا فصاروا بعض، من بعضهم وبرئ بعضا

يجمعهم ويشتمل عليهم.«)2(

وكما هو احلال يف عنارص أو مكونات أية رؤية للعالم، فإن رؤية العالم اإلسالمية هي الرؤية مها تقد كام الوجودية، األسئلة إجابات عن تمثل التي الكبى القضايا من جمموعة الدينية التوحيدية اإلسالمية، التي تشرتك معها بعض الرؤى الدينية التوحيدية األخرى يف بعض عنارصها عىل األقل، وبدرجات خمتلفة من تفاصيل اإلجابة عن كل سؤال منها. ويف

ذلك تفاصيل قد تخرج بنا عن السياق الذي نحن فيه.

فمكونات رؤية العالم يف املجتمعات العربية اإلسالمية هي مكونات العقيدة اإلسالمية يف اإلنسان ووظيفة النبوة، وصحة اهلل بوجود االعتقاد بشأن العقيدة هذه به جاءت وما يقوم عىل سنن والبرشي الطبيعي الوجود وأن البرشي، العقل والعمران، وحدود العبادة

ر سنة من سنن اهلل يف هذا الوجود. كونية وضعها اهلل فيه، وأن التغري والتطو

يلفت االنتباه أن أبا احلسن األشعري جعل معظم فقرات كتابه بعنوان «اختلفوا يف«، و«االختالف يف«، و«اختالفهم )1(يف« لكن األشعري يؤكد أن كل هذه االختالفات ل تخرج أصحاهبا عن كوهنم ضمن دائرة الرؤية اإلسالمية العامة.

انظر يف ذلك: مقاالت اإلسالميني واختالف املصلني، تحقيق حممد - األشعري، أبو احلسن عل بن إسامعيل )تويف 330ه(، -353 ص املوضوعات، فهرس ج1، 1990م، العرصية، املكتبة صيدا-بريوت: احلميد، عبد الدين حميي

366، وج2، فهرس املوضوعات، ص 295-281. املرجع السابق، ج1، ص 34. )2(

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 70: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

69

للكون اإلسالمي التصور عن كتاباته من كثري يف خليل الدين عماد ويتحدث واحلياة واإلنسان، ويسميه أحيانا الرؤية اإلسالمية، أو الرؤية الكونية اإلسالمية، واهليكل يف اعتقادية« تصورية «نقلة كان اإلسالم أن مثال يقرر فهو اإلسالمية. للرؤية احلضاري المقام األول، ذلك أن العقيدة اإلسالمية «بنيت ... عىل حشد من القيم التصورية ... تلتئم الفطرة معطيات مع باهرا تطابقا يمثل اعتقاديا... نسقا تشكل لكي وتتكامل وتتداخل العقل املحض وتطلعاته الوقت نفسه تطابقا مذهال مع معطيات البرشية ... )و( يمثل يف وآفاقه.«)1( ثم يتحدث عام يسميه اهليكل احلضاري للرؤية اإلسالمية التي تتكون من رؤية العالم الطبيعي الذي أخبنا اهلل عن خلقه بصورة قابلة الستقبال اإلنسان فيه، وتمكينه منه وتسخريه له، ثم الرؤية اإلسالمية لإلنسان والوجود البرشي الذي خلقه اهلل مكرما مؤهال للقيام بمهمة اخلالفة والعبادة، ثم الدين يف جممله، وهو المنهاج الشامل للحياة الدنيا التي يتحرك فيها اإلنسان عىل أرضية العالم المسخر له، يف صورة من االختبار واالبتالء تتحقق كلية رؤية من تنطلق مرسومة خطة وفق ى... مسم «أجل إىل وذلك واإلبداع، بالعمل

شاملة ونظام مبمج.«)2(

نات عىل الوجه اآليت: ويمكن إيجاز رؤية العالم يف التفكري اإلسالمي يف عدد من املكو

د يف العالم ومدبر أموره، وهو واحد متفر 1- اإليمان بوجود اهلل سبحانه، فهو خالق هذا خملوقاته. من يشء يف د يتجس وال يتحد ال ووجوده، ذاته يف متعال وأفعاله، صفاته

)اخلالق(

فنا منها عالمين 2- وهو عز وجل رب العالمين؛ أي رب العوالم املخلوقة الكثرية، التي عراهلل، فنا عر ما إال عنه نعرف ال مطلق، غيب إما وهو الغيب عالم أولهما متمايزين باملشاهدة يعرفه ثم ويجهله، اآلن اإلنسان معرفة عن يغيب ما وهو نسبي، وغيب

املادي الطبيعي العالم ومنه الشهادة، عالم وثانيهما والتجريب، البحث ومناهج

خليل، عامد الدين. أصول تشكيل العقل املسلم، دمشق وبريوت: دار ابن كثري، ط2، 2017م، ص 23-18. )1(

املرجع السابق، ص 81-71. )2(

رؤية العالم: اللفظ والمفهوم والمصطلح الفصل األول

Page 71: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

70

والعالم وحركات؛ ومظاهر ونبات، وحيوان وبحر، وبر وسامء، أرض من واحليوي

البرشي، يف بالفرد الذي يختص النفيس والعال االجتامعي، بشعوبه وقبائله وثقافاته.

عقله وقلبه وروحه، وحاالته النفسية والوجدانية. )المخلوقات(

3- ومن العوالم عالم احلياة وعالم الموت، فعالم احلياة الدنيا يعمرها اإلنسان منذ خلقه

البرش، أجيال فيها وتتواىل يموت، ثم من حياة له ر قد ما فرد برشي فيعيش كل اهلل،

مرحلة إنسان كل حياة كانت وكما تبيد، ثم حضارات وتسود وتنهار، دول وتنشأ

الساعة، وتقوم مجيعا، الناس حياة تنتهي ثم أخرى، مرحلة كذلك موته فإن حمددة،

فتبدأ للناس مرحلة جديدة، يعودون فيها مجيعا منذ بدأ خلق اإلنسان إىل يوم القيامة،

ويحاسب كل منهم عىل سعيه يف الدنيا، فال يكون للناس يف اآلخرة إال نتائج سعيهم.

)الموت واحلياة(

4- وحياة اإلنسان يف الدنيا ابتالء واختبار، ليتحقق اهلدف من حياته يف محل أمانة اخلالفة

منه يقع وقد باخلري، حياته ليعمر مرسومة، وأحكام معلومة مبادئ وفق األرض، يف

الرش؛ وليقيم جمتمعه عىل العدل، وقد يقع منه الظلم؛ وليكون يف هذه األرض صاحلا

ومصلحا، وقد يظهر فيها الفساد؛ ويكون فيها يف حالة سعي وتدافع، ويكون الناس يف

هذه الدنيا عىل درجات من سعيهم وعملهم، فيصيبهم من ذلك ما يصيبهم من سعادة

أو شقاء. )منظومة القيم: اخلري والرش(

هلم، ارتضاه منهج عىل الدنيا يف حياتهم لتستقيم البرش هداية يتوىل سبحانه واهلل -5

إليهم ويوحي وأنبياء، رسال إليهم ويبعث مصلحتهم، ويستهدف فطرهتم مع يتالءم

)الوحي ل هلم عنارص املنهج اإلهلي حلياة البرش. عن طريق مالئكته بالكتب التي تفص

واملالئكة واألنبياء(

فقد خلقها اهلل يف حلظة معينة عىل صورة معينة، وفق مراحل بداية، كلها العوالم 6- هلذه

التي –بالصورة العوالم الدنيا. وهلذه أرادها، إىل أجل مسمى، وهي هذه احلياة معينة

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 72: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

71

نعرفها- هناية تتبدل عندها هذه العوالم، ويبدأ عالم احلياة اآلخرة. وهو عالم حياسب

فيه الناس عىل أعامهلم وسعيهم يف احلياة الدنيا، وينتهي هبم املطاف يف النعيم أو اجلحيم،

وقفا ألعامهلم يف الدنيا. )الدنيا واآلخرة(

7- تمكن اإلنسان بام زوده خالقه من الوعي واإلدراك والقدرة عىل اكتساب املعرفة والعلم،

ن من أن ينظم كل علم منها من بناء العلوم واملعارف وتصنيفها يف حقول خمتلفة، ومتك

فيام العملية تطبيقاته علم ولكل والنظريات. والقوانني واملفاهيم احلقائق من بناء يف

يكون فيه مصلحة ومنفعة، وفيام يكون فيه رضر ومفسدة. وتظهر نتائج ذلك يف الدنيا،

ويبقى اإلنسان مسؤوال عن هذه النتائج يف اآلخرة. )العلم واملعرفة(

رؤية العالم هذه التي يسميها عبد احلميد أبو سليامن: الرؤية الكونية احلضارية القرآنية اإلنسانية الفطرة عن تعب حضارية، خريية إعامرية، أخالقية غائية «توحيدية رؤية: هي عنارص جعل إىل تهدف تسخريية، سننية علمية رؤية –وبالرضورة- بذلك وهي السوية، الفطرة اإلنسانية السوية يف بؤرة الوعي اإلنساين، لتهدي مسرية احلياة اإلنسانية وترشدها، كي حيقق اإلنسان ذاته السوية يف أبعادها الفردية واجلامعية، ويستجيب يف وسطية واعتدال لحاجاتها ومتعها عىل أفق الوجود اإلنساين، بكل أبعاده الروحية واإلبداعية العمرانية«.)1(

وهذه الرؤية هي التي أنشأت الشخصية املتميزة للفرد املسلم، واألمة اإلسالمية، وهي

التي «تفرس إنجازات العهد النبوي وصدر عهد اخلالفة الراشدة ... وشموخ رجاله، وعزم

صفوفهم، وروعة أدائهم وإنجازاهتم التي تدفقت هبا دماء نقية جديدة يف رشايني حياة العالم

«ذلك اجليل وأولئك الرجال، وحضارته اإلنسانية«، وما كان ذلك ليتحقق لو ل يكن عند

رؤية كلية كونية حضارية حية فعالة، أمدتهم باإليجابية والدافعية والقوة الفكرية والوجدانية

وأنامط والثقافة العقيدة تغيريات جذرية يف إىل األداء« وأدى ذلك نتهم من روعة مك التي

أبو سليامن، عبد احلميد. الرؤية الكونية احلضارية القرآنية: املنطلق األساس لإلصالح اإلنساين، هريندن: المعهد (1)العالمي للفكر اإلسالمي، والقاهرة: دار السالم، 2009م، ص 54.

رؤية العالم: اللفظ والمفهوم والمصطلح الفصل األول

Page 73: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

72

احلضارة، بام يف ذلك اللغة، يف منطقة شاسعة من العالم. لكن تلك الرؤية قد تشوهت مع

مرور الزمن بتأثري عدد من العوامل، «وفقدت تأثريها وفاعليتها ودافعيتها يف أمة اإلسالم،

والدافعية، والفاعلية اإليجابية تفتقد مضطهدة سلبية ضعيفة الوارثة أمتها أصبحت حتى

ولتصبح أمة مستضعفة استهالكية، ينهشها اجلهل والفاقة والتخلف، وال تستطيع أن تذود عن حياضها، ومهمشة ليس هلا دور حضاري تؤديه.« )1(

الذي ه والتشو اخللل ألسباب واحلديث القديم يف الباحثني تفسريات تفاوتت وقد

أصاب رؤية العالم اإلسالمية، وأدى إىل احلالة التي وصلت إليها األمة. وإذا كان حضور

اخلري سبل يف السلوك عىل االستقامة اإلنسان يف تفرتض عنارصها ووضوح العالم رؤية

األمراء من املجتمع، يف الناس من املختلفة الفئات من وجدنا فإننا والصالح، والعدل

والصالح، التقوى يف نماذج كانوا من التاريخ- فرتات امتداد -عىل وغريهم، والعلماء

وآخرين خلطوا عملوا صاحلا وآخر سيئا، لكن منهم من أخلد إىل األرض واتبع هواه وخان

دينه وأمته.

أهل التاريخ اإلسالمي، من أمثلة متعددة يف مراحل خمتلفة من ابن كثري وثق وقد

الدنيا، والطمع يف إىل الضعف واجلبن والركون ن أصاهبم العلم مم السلطان ومن أهل

ونهب الدماء وسفك الظلم صور من كان ما ذلك من وكان واجلاه، املال من متاعها

ها ألما ما كان من حالة اخلالفة العباسية وال األموال، وانهيار املجتمع واألمة. لعل أشد

سيام بعد خالفة املأمون حيث كان اخللفاء يديرون شؤون األمة عن طريق الوزراء واجلند.

أطامعهم، وقد وصلوا من تتحقق هلم إىل حيث يتغري الوزراء واجلند وكان والء هؤالء

قوة التمكني والتأثري أنهم أصبحوا يعزلون ويولون من يريدون من اخللفاء، وتكرر قتلهم

بخلع اإلفتاء يف يرتددون ال من والقضاة العلماء من ووجد أعينهم. وسمل للخلفاء

اخلليفة إذا طلب إليه ذلك، ووجد منهم من ضعفت أمانته وفتن بالسلطة والمال، ووجد

املرجع السابق، ص 28-27. )1(

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 74: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

73

منهم من توىل القضاء بالرشوة، ووجد منهم من وضع نفسه يف خدمة أعداء األمة.)1(

وقد تكلم ابن تيمية عىل االنحرافات التي كانت يف املجتمع اإلسالمي يف زمانه، فمن ذلك كثرة البدع والرشكيات واالعتقادات الباطلة يف األحياء واألموات، وانتشار فلسفات اجلدل واإلحلاد، والطرق الصوفية الضالة، وانتشار املذاهب الباطنية التي أخذت تثبط عن اجلهاد وتساعد التتار. هذا فضال عن كثري من املظاهر االجتامعية مثل التشبه بغري املسلمني،

يف أخالقهم وعاداتهم وأعيادهم، والرطانة بلغاهتم.)2(

ه يف رؤيتها بعدد ومن الباحثني املعارصين من يفرس حالة اخللل يف واقع األمة والتشوفتحها، التي واملعارك الكالم، علم يف اإلسالمي املوروث أثر من بعضها األسباب من الرتاث وتأثري وشعوذة، وخرافة باطنية، غنوصية من فيه كان بما التصوف موروث ومن احلديثة واملعارصة، وكالمها الغربية الفلسفة استعرناه من الذي الفلسفي اليوناين والرتاث خصوصيات من ا ألهن ووجداهنا، األمة عقل يف والنمو «لإلنبات صاحلة غري بذورا كان املوروث« «التخلف من ذلك كل العام.« اإلنساين املشرتك من وليست االعتقادية، الغري ه رؤية العالم اإلسالمية وفقداهنا فاعليتها وحيويتها، أو «الوافد الغريب« كان له أثر يف تشو

وعجزها عن مواصلة النمو والتطور يف ميادين الفكر والعلم واحلضارة.)3(

نكتفي برضب مثل واحد عىل كثري مما وثقه احلافظ ابن كثري يف كتابه «البداية والنهاية« عن العلماء والقضاة الذين )1(القايض املناصب، ومن هؤالء التتار من أجل هذه املال والطاعة هلوالكو زعيم املناصب، وقد بذلوا تهافتوا عىل كمال الدين التفلييس والقايض صدر الدين بن سني الدولة، والقايض حميي الدين بن الزكي. انظر التفاصيل املؤملة

هلذه االنحرافات التي أفاض ابن كثري يف وصفها يف:

البداية والنهاية، ط7، بريوت: مكتبة الفداء إسامعيل بن عمر الدمشقي )تويف 774ه(. أبو - ابن كثري، احلافظ املعارف، )1408ه/ 1988م(، ج13، ص 222-221.

ابن تيمية، أمحد بن عبد احلليم )تويف 728ه(. اقتضاء الرصاط املستقيم ملخالفة أصحاب اجلحيم، حتقيق نارص بن )2(عبد الكريم العقل، الرياض: دار إشبيليا للنرش والتوزيع، ط2، 1419ه/ 1998م، انظر مثال قوله: «وإن قوما من هذه األمة، ممن ينسب إىل علم ودين، قد أخذوا من هذه الصفات بنصيب، يرى ذلك من له بصرية« وذلك بعد أن

ذكر عددا من اآليات القرآنية التي تذكر صفات اليهود، ج1، ص 291.

المعهد واشنطن: معارصة، إسالمية فلسفة نحو ندوة: أبحاث يف معارصة، إسالمية فلسفة نحو حممد. عمارة، )3(العالمي للفكر اإلسالمي، 1989م، ص 517-505.

رؤية العالم: اللفظ والمفهوم والمصطلح الفصل األول

Page 75: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

74

تفرتضها التي املسلمني إن وحدة بالقول: نستدرك أن املناسب من نجد فإننا وهكذا ومذهبية، اعتقادية تفاصيل يف االختالف من تمنع ل إليها، املشار العالم رؤية عنارص األصلية، النصوص فهم يف االختالف كان سواء سياسية، ومصالح دنيوية، ومكاسب املثال الواقع، أو من إضافات مرجعيات فكرية أخرى. ومن ذلك عىل سبيل وتنزيلها عىل ما كان من فتنة خلق القرآن يف املجتمع اإلسالمي أيام املأمون واملعتصم والواثق، وانتهت مع جميء املتوكل. وقد كان ذلك مما أحدثه اجلدل الكالمي الذي أثاره املعتزلة حول بعض األخرى، األديان أهل الدين وردا عىل شبهات دفاعا عن رأهيم كان يف ما ومنها املسائل، وبعضها من الوافد من الفلسفة اليونانية، فقد: «استقوا منها يف تأييد نزعاتهم، فأقوال كثرية من أقوال النظام وأيب اهلذيل واجلاحظ وغريهم، بعضها نقل بحت من أقوال فالسفة اليونان، وبعضها يستقي من نبعه ويغرتف من معينه بيشء من التحوير والتعديل... )فهؤالء( عرفوا خصومهم مع حوارهم ومن علومهم من تجري وجعلوها هبا واتصلوا اليونانية الفلسفة

جمرى األصل الذي يجب أن ال يعدل عنه.«)1(

ويرى أبو سليامن أن من العوامل التي أقعدت العقل املسلم عن الفاعلية، التفاوت بني «رؤية األصحاب« و«رؤية األعراب«، واالنفصام النكد بني العلماء واألمراء، واالستبداد يف احلكم،)2( واالنشغال ببعض القضايا الكالمية وبجدل العقل والنقل،)3( كل ذلك عطل كثريا من عنارص احليوية والدافعية يف األمة، وأسهم يف انحراف البوصلة الفكرية لألمة، ويف اخللل يف املامرسات العملية التي تقتضيها الرؤية التوحيدية القرآنية، فكان لذلك أثره الكبري

فيام أصاب األمة من فرقة وتخلف وضعف.

ه يف عنارصها، وسوف نرى يف الفصول الالحقة بعض مظاهر الغبش يف الرؤية، والتشودراسات يف والدراسة للبحث موضوع هي اخللل هذا أسباب لكن إعامهلا. يف والقصور

عبد احلميد، حممد حميي الدين. مقدمة املحقق يف: مقاالت اإلسالميني واختالف املصلني، مرجع سابق، ج1، ص 23. )1(

أبو سليامن. الرؤية الكونية احلضارية القرآنية، مرجع سابق، ص 54-47. )2(

املرجع السابق، ص 47-36. )3(

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 76: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

75

املهم يف ذلك هو كيف لكن املنشورة، الكتابات بغيته يف بعض الباحث عنها مستقلة، جيد تتجاوز أمتنا أسباب اخللل الذي تعاين منه اليوم، من أجل تصحيح رؤيتها، وجتديد بنائها،

والتمكني حلضورها الفاعل يف العال املعارص.

رؤية العالم: اللفظ والمفهوم والمصطلح الفصل األول

Page 77: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

76

خاتمةتناول هذا الفصل العنارص اللغوية املكونة ملصطلح رؤية العالم. وفضلنا استعامل هذا ووضوح ورودها لكثرة القرآنية، لأللفاظ توظيفا يكون ما أقرب ألنه تحديدا املصطلح املصطلح يعنيه لما مقابال يكون أن إىل أقرب وهو املقصود، املعنى آفاق عىل داللتها ونظر برص «الرؤية« لفظ ففي عنارص. من املصطلح عليه يشتمل وملا األخرى، باللغات البرشية عىل الطاقة بقدر من ر والتدبر ما ييش ر والتفك التذك وعلم، ويتضمن من عمليات «العالم« ففيه معاين الغيب املستور، والوجود املنظور، اإلحاطة. ومثل ذلك يقال عن لفظ وفيه من معاين الوجود الطبيعي املادي، واالجتامعي البرشي، والروحي النفيس، والكائنات املطاف يف داللة نهاية واملستهدف يف اإلدراك. تستدعي ذلك عوالم فكل احلية واجلامدة، «رؤية العالم« هو هذا اإلنسان الذي يدرك وجوده يف ذاته وفيام حييط به، يدركه عىل املستوى

الفكري والواقعي.

املتعددة األغراض وقد اجتهدنا يف تحليل موضوع املصطلح يف حضوره واستعامالته ن يف جمموعها صورة كلية والسياقات أن نحدد هذا املوضوع يف عدد من العنارص التي تكوتتصف بالشمول واإلحاطة، وهذه العنارص هي بإيجاز: معتقداتنا عن: اخلالق، واملخلوقات، والغيب والوحي والنبوة، واإلنسان موته وحياته، واملعرفة البرشية، واخلري والرش، والدنيا واآلخرة. فالوجود اإلنساين كان وال يزال منشغال باألسئلة الوجودية الكبى املتصلة هبذه العنارص، مع أن اهلل سبحانه قد تفضل عىل اإلنسان فأوحى إليه بإجاباهتا، فمن قبل بوحي ذلك، قبول يف تردد ومن له. خلق ما إلنجاز وتفرغ واستقر، اطمأن هبا، عليه ومنته اهلل اهلل وصفها التي احلالة يف والبقاء التفكري يف والقلق البحث، يف التيه نفسه عىل كتب فقد

سبحانه: ﴿مئ نئ ىئ يئ رب زب مب نب ىب﴾ ]ق: 5[.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 78: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

الفصل الثاين

رؤية العالم يف الكتابات املعارصة األمهية واحلضور والتعددية

مقدمةالمبحث األول: أمهية البحث يف رؤية العالم

أوال: أمهية الوعي بالفطرة البرشية

ثانيا: أمهية الوعي بالواقع االجتامعي والعالمي

ثالثا: أمهية رؤية العالم بوصفها وحدة تحليل يف األعامل البحثية

المبحث الثاين: حضور رؤية العالم يف الكتابات املعارصة

أوال: حضور رؤية العالم يف كتابات من مرجعية غري إسالمية

ثانيا: حضور رؤية العالم يف كتابات من مرجعية إسالمية

المبحث الثالث: التعدد والتنوع يف رؤى العالم

أوال: ظاهرة التعدد يف رؤى العالم

ثانيا: موقع الدين والفلسفة والعلم يف تعدد رؤى العالم

خاتمة

Page 79: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought
Page 80: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

79

الفصل الثاين

رؤية العالم يف الكتابات املعارصة

األمهية واحلضور والتعددية

مقدمة«ما نفكر العالم ال خيتص بموضوع البداية أن مفهوم رؤية لعل مما يفيد الوعي به منذ ل ما قد يرد إىل ذهن القارئ أو السامع فيه«، بقدر ما خيتص بمسألة «كيف نفكر«. ذلك أن أوالتعبريات تكمن خلف التي الفلسفية االفرتاضات أنه جمموعة العالم« «رؤية مفهوم حول الثقافية، التي تبدو عىل السطح يف املجتمع، ومن أجل ذلك قد ينرصف الذهن عن املوضوع، بوصفه ليس من املسائل احلياتية اليومية التي تقتيض االهتامم واملعاجلة. وربام يعب هذا الفهم عن صورة من صور األزمة يف رؤية العالم. فبقدر ما تكون رؤية العالم لدى الفرد –اليوم- د فهمه وموقفه من قضايا العالم املعارص، مثل قضايا العوملة، دة بقدر ما يتحد واضحة وحمدوالرصاع )أو احلوار( بني احلضارات، والنظام العالمي، واإلرهاب، ونهاية التاريخ، وغريها.

ويستعمل يفهم لكنه البرشي، التفكري مادة من أسايس جزء العالم رؤية مفهوم إن بطرائق خمتلفة. فالتفكري برؤية العالم، سواء استخدمنا املصطلح أو استخدمنا ألفاظا أخرى ة الناس، تعطي للمفهوم قيمة للمفهوم نفسه، يجعل بعض النخب الفكرية، فضال عن عامحقيقية يف احلياة، ليس بوصفه عنرصا يف التصورات الذهنية واإليامن الديني وحسب، وإنام إىل تلجأ أخرى فكرية نخبا نجد نفسه الوقت ويف كذلك. السلوك يف العملية تجلياته يف

املفهوم بوصفه تمرينا عقليا يعطي نوعا من التعايل والشعور بالثقة الزائفة.

والكشف عن أمهية رؤية العالم ال يكون سهال يف مجيع األحوال، وربام تتطلب املسألة «أزمة يف رؤية يسمى أن املعارص، فهذه احلالة ولدت ما يمكن العالم الوعي بحالة توجيه طرأ الذي الكبري فالتغري الشعوب. سائر لدى واالنتامء اهلوية أزمة مع تتداخل العالم« والتداخل األفكار، يف والتفاعل والسفر، االتصال يف واليرس الرسعة بسبب العالم عىل

Page 81: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

80

واالستهالك... اإلنتاج أسواق بني املتبادلة االعتامدية مستويات يف والتزايد املصالح، يف كل ذلك أعاد النظر يف أسئلة اهلوية وتعريف االنتامء يف معظم املجتمعات. فالغرب لم يعد والوجود الزرق، العيون ذوي البيض قارة تعد لم وأوروبا الرشق، وكذلك واحدا غربا تتجىل أصبحت االمباطورية والنزعة وإفريقيا، آسيا يف امللونني عالمة يعد لم اإلسالمي

بصور لم يعرفها تاريخ اإلنسان من قبل.

ا تملك إن وجود أزمة عامة يف رؤية العالم، ال ينفي وجود بعض الفئات التي تزعم أهنالفئات عىل اتجاهين متناقضني تماما يف رؤيتهام رؤية للعالم تصلح للجميع، وتتوزع هذه للعالم، االتجاه األول: تعب عنه فئات تضع نفسها يف مركز العالم؛ املركز الذي يتحكم يف فإذا احلقيقة، وحدها تملك فهي املركز، حول األطراف هذه حركة ويف األطراف وجود قالت شيئا فاحلقيقة ما قالت، وما عىل اآلخرين يف اهلوامش واألطراف إال القبول واالنصياع والتعلم. ولذلك فهي ترى نفسها الفئة املختارة التي تتحمل مسؤولية بسط قيمها «العالمية« وتقاليدها «احلضارية«، ومن ثم حسم املعركة بني حمور اخلري الذي تمثله وحمور الرش الذي يمكن أن يقف يف وجهها. ونظن أن من السهل عىل القارئ الكريم أن يتذكر أمثلة من هذا االتجاه من بعض الدول أو بعض رؤسائها، ولكنه سوف جيد كذلك أن بعض «اإلسالميني«

لون أن يصنفوا أنفسهم ضمن هذه الفئة. يفض

العالم، إىل االنقسامية الرؤية ترفض متواضعة جهود عنه فتعب الثاين: االتجاه ا أمج للقيم اإلنسانية واألخالقيات العالمية، وتعتمد التنمية الثقافية، واملنظور احلضاري، وتروواعد بمستقبل وتبرش اإلنسانية، احلضارة تطوير يف البناء ع والتنو التعددية قيمة وتدرك يحقق كرامة اإلنسان. وتختلط يف هذا االتجاه جهود بعض العاملني يف اليونسكو، مع بعض أننا يف شك وال احلداثة. بعد ما فالسفة وبعض احلضارات، وحوار األديان حوار دعاة سنجد بعض اجلامعات العلمية واملدارس الفكرية يف الدائرة اإلسالمية ضمن هذا االتجاه.

هل للعالم؟ رؤية من االتجاهين هذين بني نفسه الكريم القارئ يرى أين ترى يختار أحدمها، أو يرى نفسه يف اتجاه ثالث يختلف عن أي منهام؟

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 82: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

81

يتضمن هذا الفصل ثالثة مباحث، تبدأ بمبحث عن أمهية البحث يف رؤية العالم، لبيان العالقة بني جذورها الكامنة وتجلياتها الظاهرة، وللكشف عن وجودها يف الفطرة البرشية، عىل املستوى الفردي واالجتامعي، وارتباطها بام يكون يف داخل املجتمع الواحد من عنارص

التوحيد أو التفريق، وفيام بني املجتمعات من عوامل التنافس والرصاع.

ويتناول المبحث الثاين حضور رؤية العالم يف الكتابات املعارصة، فيستعرض تجليات هذا احلضور يف ميادين املعرفة املختلفة مثل اإلعالم والسياسة والعلوم الطبيعية واالجتامعية وعلم النفس، كام تظهر يف كتابات ال تنطلق من مرجعية إسالمية، ثم يعرج عىل هذا احلضور رؤية حضور عن باحلديث الفصل ويختم اإلسالمية. املرجعية اعتامد تحاول كتابات يف

العالم يف صورة وحدة تحليل يف بعض أنواع البحوث العلمية.

أما المبحث الثالث يف هذا الفصل فيتناول ظاهرة التعدد والتنوع يف رؤية العالم، سواء الدين من كل يحتله الذي املوقع يف أو عامة، بصورة األديان يف واالختالف التعدد مع

والفلسفة والعلم يف ظاهرة التعدد.

رؤية العالم يف الكتابات املعارصة: األمهية واحلضور والتعددية الفصل الثاني

Page 83: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

82

المبحث األول

أهمية البحث في رؤية العالم

أوال: أمهية الوعي بالفطرة البرشية

الطرائق تأثري درجة أدركنا إذا العالم« «رؤية مفهوم أمهية تقدير يف نبالغ لن سوف املعرفة حلقول فهمنا يف فيه، وموقعنا فيه، نعيش الذي العالم فيها ندرك التي األساسية واالقتصاد االجتامع علوم يف أو الفلسفة، أو الدين، علوم يف ذلك كان سواء البرشية. ميادين يف أو التقانية، وتطبيقاهتا الطبيعية العلوم يف أو واملعلوماتية، واإلدارة واإلعالم العينني عىل توضع التي بالنظارة العالم رؤية تشبيه ويمكن وغريها. واآلداب الفنون لتوضيح الرؤية البرصية، فإذا استعملت املقاييس اخلاصة بالنظارة بصورة خاطئة فإن الناظر بل نراه، ما هو املهم يكون لن وعندها مالحمه، تتضح ال غبشا إال يرى ال قد خالهلا من األداة التي نرى من خالهلا. كام يمكن تشبيه رؤية العالم بخريطة الطريق التي توضع لتنفيذ خطة موضوعة إلنجاز مهمة معينة، بحيث تتضمن اخلطة تحديد األهداف وسبل تحقيقها،

وتقدير العوامل التي قد تعيق هذا التحقيق، والتعامل الرشيد معها.

ويزداد تقديرنا هلذه األمهية عندما ندرك أن موضوع رؤية العالم يرتبط بالرغبة العميقة الوجودية والغائية، البحث عن إجابات األسئلة وباحلاجة األصيلة من فطرة اإلنسان، يف التي يطرحها وجود اإلنسان وحياته وعالقته بالكون الذي يعيش فيه؛ من أين جاء وإىل أين يصري؟ لكن أمر هذه األسئلة ال يبقى جمرد إحساس فطري، بل يتحول إىل جهود عقالنية عىل ويقوم بمعتقدات، وفقها ويلتزم ونظريات، تصورات اإلنسان عليها يبني منظمة أساسها بأعامل وممارسات، وعىل ذلك تنشأ األحزاب والدول، وتشن احلروب، ثم تنشأ نشأهتا أن تدعي أو العدل، وإقامة السالم ونرش النزاعات حلل للسعي الدولية املنظامت

كانت هلذه األغراض!

واقع يف التأثري وعميقة التعقيد شديدة لضغوط تتعرض الفطرية احلاجة هذه لكن هذه منها تعاين التي الكثرية املشكالت من الرغم فعىل املعارصة. اإلسالمية املجتمعات

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 84: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

83

والتقاين، وهي العلمي التخلف السيايس واالقتصادي، ويف جماالت املجال املجتمعات يف

جمال يف ينتظرها الذي املصري هو املجتمعات هذه يتهدد ما فإن بالتأكيد، مهمة مشكالت

احلداثة، بعد لما العدمية والتوجهات االستهالكية، املادية فاحلياة وللعالم، لنفسها رؤيتها

والدينية، االجتامعية القيم منظومة وتفكيك والتقانية، الطبيعية للعلوم األولوية وإعطاء

بني تنترش التي واليأس اإلحباط ومشاعر ومشاريعها، التنمية برامج يف املتالحق والفشل

األجيال اجلديدة، وغري ذلك من التوجهات التي تتحرك جمتمعاتنا نحوها بطريقة متسارعة،

بني والتكامل التوازن ضبط إمكانية يهدد أصبح ذلك كل ومعلنة، رصحية تكن لم وإن

والطاقات املوارد وتوظيف والتقدم، التجديد ومتطلبات والثقافية، الدينية املرجعيات

أصبحت وإنام شكلية، ثقافية ممارسات حمض التوجهات هذه تعد ولم راشدة، بصورة

أقرب إىل املعتقدات التي توجه احلياة االجتامعية بمجملها... أصبحت رؤى جديدة للعالم

ترسم صورة سوداوية للمستقبل الذي ينتظر هذه املجتمعات.

وللخبة حولنا، من ولألشياء ألنفسنا، فهمنا ل تشك للعالم رؤيتنا وضوح درجة إن

نرى وربام الرؤية، علينا ت غم إذا السليم الفهم عن نعجز وربام حياتنا. يف نكتسبها التي

معنى واحدا لليشء يف الوقت الذي يكون له معنيان صحيحان يتكامالن معا يف التعبري عن

حقيقته، كمن ال يرى إال النصف الفارغ من الكأس، واحلقيقة أن النصف اآلخر منه مملوء.

وتطبيقات هذا املثل كثرية يف احلياة اخلاصة واحلياة العامة. فالذي يرى أن عىل احلكومة أن

تختلف سياسية رؤية يحمل خدمات، من يلزمهم ما هلم م وتقد للناس عمل فرص توفر

يرى والذي احلكومة. دور يتقلص ما بقدر أفضل حالة يف يكون املجتمع أن يرى عمن

رضورة املزيد من الرضائب لدعم خزينة الدولة، يحمل رؤية اقتصادية تختلف عمن يرى

أن املزيد من الرضائب، يرسع يف إفالس الدولة وانهيارها.

إن كل صور السلوك اإلنساين يمكن يف النهاية إرجاعها إىل رؤية العالم. وهي نتيجة

النشاط ويف واالجتامعية الفردية احلياة يف العالم رؤية أمهية عن للكشف ذاهتا بحد كافية

العلمي. وحسب هذه النتيجة نستطيع أن نؤكد الدور املركزي لرؤية العالم يف أعاملنا، دون

رؤية العالم يف الكتابات املعارصة: األمهية واحلضور والتعددية الفصل الثاني

Page 85: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

84

لكن واالجتامعي. املادي واملحيط الفرد نفسية مثل األخرى، العوامل أمهية من نقلل أن رؤية العالم من الناحية املعرفية أكثر أمهية بكثري من أي عنارص أخرى ذات عالقة بالسلوك املعرفة. الكتساب عمله فيه اإلنساين العقل يمارس الذي الوحيد اإلطار ألنها اإلنساين،

ولذلك فإن رؤية العالم هي األساس ألي نظرية معرفية وأي جهد الكتساهبا أو توظيفها.

املعرفة، عىل للحصول ومحاسا طاقة يولد وتماسكها الكونية الرؤية وضوح إن مع منسجمة ومكتشفاهتم العلامء بحث نتائج وستكون واالكتشاف، لإلبداع عالية ومهة يوفر هلم والطلبة يف جمتمعاتنا ال العلامء لدى الكونية الرؤية تشوه فإن معتقداهتم. ولذلك وخور الوقت وضياع األعذار انتحال هو البديل وأصبح العالية، واهلمة احلامس ذلك

العزيمة، ويف أحسن األحول تكرار معارف اآلخرين، دون استيعاهبا أو توظيفها.

اخلفية اإلنسان معتقدات بني العالقة بفهم اإلنسان عند العالم رؤية مفهوم ويتضح الشجرة من يظهر فام والظاهرة. اخلفية الشجرة مكونات يف بالنظر الظاهر، وسلوكه ونبحث يف فائدته هو ظل أوراقها، ومجال أزهارها، ومذاق ثامرها، لكن ما يخفى منها هو جذورها. ولكن األوراق واألزهار والثامر إنام تتصل باجلذور عن طريق ساق رئييس وعدد

عنه. املنبثقة التفرعات من األربعة العنارص هذه ويقابل عنارص أربعة الشجرة يف العالم. رؤية أمهية تحدد االفرتاضات تقابل فاجلذور عن اإلنسان هنا يكو التي عنده كامنة وهي احلقيقة، بدون وعي يف الغالب، وهذه إجابات هي االفرتاضات اخلالق الوجودية عن األسئلة

والكون واحلياة واملصري...

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 86: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

85

يكوهنا التي املعتقدات من جمموعة عنها وينبثق العالم. رؤية يف األساس هي وهذه الوعي ال احلياة، وموقفه من اخلري والرش، لكن هذا اإلنسان بصورة واعية عن وظيفته يف عندما أكثر ظهورا املعتقدات وتكون هذه والتأصيل، والتقعيد بالتنظيم بالرضورة يتصف التي ال يرتدد اإلنسان يف إظهارها والتعبري الرصيح عنها. املبادئ والقيم تتمثل يف جمموعة الفروع من عنه يتفرع وما للشجرة، الرئييس اجلذع أو الساق تقابل والقيم املبادئ وهذه التي تحمل ما فوقها من مكونات الشجرة، وتقابل هذه الفروع يف الشجرة جمموعة املبادئ املوجهة حلياة اإلنسان من قيم تحدد مسؤوليته تجاه الناس وتجاه األشياء. وأخريا فإن أكثر وأوضح ما نراه من الشجرة أوراقها وأزهارها وثامرها، التي تقابل سلوك اإلنسان الفردي واالقتصادية السياسية واألنظمة االجتامعية الثقافة وتشكل اليومية، احلياة يف واجلامعي

والرتبوية وغريها.

هكذا تظهر لنا أمهية رؤية العالم اخلفية يف تفسري السلوك املرئي والترصفات الظاهرة من حياة اإلنسان واملجتمع اإلنساين.

للتعبري عن حقيقة بعض الشجرة ومكوناهتا من جذور وأغصان وثامر مثال يستعمل الظواهر عندما يلزم التمييز بني األعراض الظاهرة واألسباب الكامنة. فبعد الوصف الدقيق لألعراض كام وكيفا، فال مناص من البحث العميق عن اجلذور واألسباب. فاملنافق يسلك سلوك األتقياء يف الظاهر، وخيفي يف نفسه نوايا ال تظهر للناس، ولكن اهلل يعلمها. واملريض د ما يلزم تظهر عليه أعراض املرض، والطبيب يجتهد يف البحث عن األسباب الكامنة، ليحدمن عالج. واالكتئاب مشكلة نفسية، هلا أعراض ظاهرة، وأسباب كامنة. وتظهر يف املجتمع عادات وتقاليد وأشكال من السلوك الثقايف، والباحث األنثروبولوجي يحاول الغوص يف

األعامق ليكشف عن املعتقدات والرؤى الكونية الكامنة وراء الثقافة.

األسئلة عن إجابات األساس يف هي للعالم رؤيتنا أن يف نختلف ال قد أننا ومع الوجودية عن حقيقة هذا العالم وأصله ومصريه، وموقعنا فيه، وأنها أسئلة فلسفية أو دينية، عالقة له ما كل عىل مبارشا تأثريا يؤثر اإلجابات هذه حمتوى أن ندرك أن املهم من لكن

باحلياة الشخصية لكل منا، وبعالقاتنا االجتامعية والثقافية.

رؤية العالم يف الكتابات املعارصة: األمهية واحلضور والتعددية الفصل الثاني

Page 87: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

86

يشء كل به نفهم الذي العام باإلطار تزويدنا هو األساس يف العالم رؤية وظيفة إن أو معينا فهام ن نكو أن فكلام حاولنا د، كل موح فهمنا ضمن أيضا، ونجعل أنفسنا ونفهم للعالم. العقل نستخدم رؤيتنا نا بالرضورة وبطبيعة عمل فإن لتفسري يشء ما، نصوغ نظرية ولذلك فإن وظيفة رؤية العالم هي وظيفة معرفية. ودور املفكر املسلم املعارص ال يقترص عىل رضورة استخدام رؤية العالم «وحدة حتليل« لألفكار واملواقف واألشخاص واملؤسسات، الرؤية يجعل أن عليه بل األخرى، الرؤى عن للعالم رؤيتنا تختلف وكيف أين ليعرف اإلسالمية للعالم معروفة ألصحاب الرؤى األخرى، أمال يف تكوين الرؤية الصحيحة من

مصادرها، بدال من التأثر بمصادر ربام تقصد تشوهيها.

ثانيا: أهمية الوعي بالواقع االجتماعي والعالمي

أمهية أكثر تبدو ا فإهن الفرد وتفسري سلوكه أمرا مهام يف وصف العالم إذا كانت رؤية فئاته، بكل املجتمع ويف املجتمع فئات من فئة كل أفراد بني األفقي انتشارها دراسة عند جيل إىل جيل من عموديا تنتقل العالم رؤية ولكن العالم. جمتمعات من عدد عب وربام ر والقوة، آخر يف املجتمع الواحد عب امتداد الثقافة بني األجيال، وتتصف بالعمق والتجذفتقصف األخرى، الرؤى تخلخلها عواصف ومتكاملة ال متامسكة منظومة إىل واالستناد

بعض مكوناهتا أو تقلع شجرهتا من جذورها!

واالقتصادية السياسية املجاالت يف املختلفة املجتمعات تشهدها التي التطورات إن والعسكرية، والتغريات التي ترافق ذلك يف العالقات بني الدول، يكاد صخبها يغطي عىل ما الباردة عىل ففي حقبة احلرب والثقافية. الفكرية اجلوانب تغريات وتبدالت يف يحصل من سبيل املثال، كان التنافس والرصاع عىل أساس نفوذ سيايس، واستعالء أيديولوجي، ومصالح اقتصادية، وحول قضايا الوالء واهلوية، وبعد انتهائها ل يتوقف الرصاع، بل أخذ يشتد ويأخذ بعدا ثقافيا وحضاريا أوسع يف مداه وأعمق يف جذوره، وأكثر يف جماالته، فالشعوب أصبحت تحاول اإلجابة عن األسئلة التي تواجهها، وبالذات األسئلة األكثر عمقا، وأصبحت تجيب األشياء إىل باإلشارة أي تستعملها سابقا؛ الشعوب كانت هذه التي التقليدية بالطريقة عنها

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 88: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

87

ولغتهم أجدادهم هي الناس ألكثر معنى األكثر واألشياء غريها. من معنى أكثر هي التي البلدان يف حصل وما الدين. وبخاصة التقليدية، ومؤسساهتم وعاداهتم وقيمهم وتارخيهم

التي تحكمها األحزاب الشيوعية يف آسيا وأوروبا الرشقية أمثلة عىل ذلك.

والفكري الثقايف البعد فإن بعدها ما أو الباردة احلرب مرحلة إىل نظرنا وسواء )أيديولوجي( كان وال يزال حارضا يف التعبري عام يعد من خصوصيات الدول أو الشعوب، تحت عناوين خمتلفة ربام يكون أمهها عنوان املبادئ األخالقية والقيم، التي ال تريد الدول والتصادم االختالف نجد ولذلك املصالح. رصاع صخب يف تختفي أن هلا والشعوب أو املتقابلة« «املنظورات يسمى بام أحيانا عنه يعب القيمي أو الفكري أو الثقايف البعد يف شدة، أكثر يكون أن يمكن االختالف لكن املنظورات«)1( جدل أو املتنافسة« «املنظورات )2(»Clash of Worldviews = وربام عنفا، فيعب عنه بعناوين مثل: «الصدام يف رؤى العالم = فكرية «معارك أو )3(»Collision of Consciousness الوعي= طرق بني «صدام أو هذه من القلب يف يقع التنافس أو الصدام هذا أن يف شك وال )4(.»Battles of Ideas

أحيانا الصدام هذا ويتجاوز والعالمي، واإلقليمي املحل املستوى عىل الثقافية احلروب

يف: املعرفية"، النامذج واختالف الكبى املنظورات جدال بني الدولية العالقات علم "مسار نادية. مصطفى، )1(احلضارة مركز القاهرة: مصطفى، نادية تحرير: مقارنة، ومداخل منظورات متغري: عالم يف الدولية العالقات

للدراسة السياسية، ص 27-262، انظر عىل وجه التحديد ص 70-57.(2) Hewitt, Doug. A Clash of Worldviews: Experiences from Teaching Aboriginal Students,

Theory into Practice, vol 39, 2000, Pp. 111-117. See also:

- Worldview »مقالة بعنوان صدام رؤى العالم يف قلب املشكلة الثقافية، عىل موقع بعنوان: «ذكاء رؤية العالمIntelligence، ويمكن قراءة املقالة عىل الرابط:

- https://worldviewintelligence.com/clash-of-worldviews-at-the-heart-of-cultural-conflict/ (Retrieved 7 July 2020).

(3) Vakili-Zad, Cyrus. Collision of consciousness: Modernization and Development in Iran, Middle Eastern Studies, Vol. 32, no.3, July 1996, Pp. 139-160.

أخذ مصطلح «حرب األفكار« دالالت خمتلفة، فقد تكرر يف لغة السياسيني األمريكيني ضمن محالت احلرب عىل )4(اإلرهاب، وظهر يف عام 2005م يف بريطانيا عنوانا ملهرجان سنوي للتفكري والتعبري احلر يف جو من احلرية الفكرية والتفتح العقل عىل أفكار واتجاهات جديدة، يشارك فيه علامء ومفكرون وسياسيون ونشطاء احلراكات االجتامعية

من خمتلف التوجهات.

رؤية العالم يف الكتابات املعارصة: األمهية واحلضور والتعددية الفصل الثاني

Page 89: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

88

التنافس يف فهم يتزايد امليل لتكون طرق اللغوية واإلعالمية ليصبح أكثر دموية، كام صفته

أو العالم« «رؤية مفهوم يف البحث أمهية يوضح الذي األمر عنفا، أكثر اإلنساين الوجود

«الرؤية الكونية.«

وقد يكون من املناسب أن نشري إىل أن هذه الصور من االختالف والصدام ليست من

النشأة التاريخ البرشي منذ عهود منتجات عصورنا احلديثة، بل كانت عامال حمددا مللحمة

ة مستوى عميقا من األوىل. فهو صدام حول األفكار، ولألفكار نتائجها. ومع ذلك فإن ثم

إدراك احلقيقة يجب النظر إليه عند حماولة فهم االختالف الفكري «أيديولوجي« بني فئات

األديان يف األقل )عىل الديني الوعي ففي األرض. هذه عىل يعيشون كانوا الذين الناس

اخلفية الروحية املعركة يف مهام موقعا العالم رؤى بني الصدام يحتل والوثنية( التوحيدية

بني احلق والباطل، بني طاعة اهلل وطاعة الشيطان، وهي معركة تدور رحاها يف عقول الناس

أكثر ما هو ثمة البرشي. وليس الوجود بدء منذ ثم يف حياهتم ومصريهم، وقلوهبم، ومن

أمهية من الطريقة التي يفهم فيها اإلنسان خالقه ونفسه والكون الذي يعيش فيه وموقعه فيه.

التي األفكار لعالم املعارصة املعركة يف واإلسالمية العربية جمتمعاتنا موقع هو فأين

وعىل أزماهتا، إدارة يف خطتها وما املعركة؟! هذه يف عدهتا وما هنار؟! ليل عليها تفرض

األخص األزمة التي تتمثل يف إعادة بناء رؤيتها للعالم؟!

وربام يتضح األمر لدينا اليوم، حني ندرك أن ما نسمعه أو نراه يف حياتنا ربام يكون له

ل فهمنا لألمور وسلوكنا تجاهها،)1( فمشاهدة قناة معان ودالالت خمتلفة تماما، وربام يشك

تلفزيونية معينة عىل سبيل املثال وهي تنرش خبا عن حدث معني يشكل صورة معينة عن

هذا إذا كان ما ينرش من أخبار أو صور يتصف باملصداقية أساسا، فكثريا ما تنرش بعض القنوات أو الصحف أخبارا (1)أو صورا ال تمثل حقيقة ما يقال عنها، فتنرش صورة ألطفال يف حالة النوم يف أحد الشوارع عىل أهنا صورة لقتىل، أو مقطعا لفيديو المرأة تحمل طفلتها عىل أن الطفلة قتلت نتيجة قصف مدفعي، ويفاجئ املشاهد بأن الطفلة تتحرك وتفتح عينيها، وتضطر القناة أن تحذف اخلب بعد االفتضاح. واألمثلة عىل ذلك كثرية يف اإلعالم املعارص، ال سيام

فيام خيتص بإبراز صورة الزعامء السياسيني.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 90: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

89

تلفزيونية قناة يف ينرش عندما نفسه اخلب مشاهدة عن كبري حد إىل تختلف احلدث، ذلك أخرى، وعندما نلتزم بمشاهدة واحدة من هاتني القناتني دون غريها، فإننا نعطي هلا موقع سائق العربة عندما يضع عىل جانبي رأس احلصان الذي يجرها حاجزين ملنعه من التأثر بام

قد يراه من جانبيه.

اللغة؛ إذ العالم عىل األداء احلضاري لألفراد واملجتمعات، حتى يف وتظهر آثار رؤية اللغة ألن االجتامعية؛ العلوم وبخاصة العلوم، فيها تكتب التي اللغة العالم رؤية تتخلل تتحيز بطبيعتها لألنامط احلضارية ألهلها، فاملفردات واملصطلحات والرتاكيب اللغوية كلها

تمثيالت للقيم واالتجاهات التي تسود واقع األمة التي تتحدث هبا.

التي كانت الوجودية تتوقف عىل كوهنا إجابات عن األسئلة العالم ال إن أمهية رؤية وال تزال تقض مضاجع اإلنسان عىل مدى التاريخ، وإنام تتصل اتصاال مبارشا بانعكاسات السياسية القضايا مع وتفاعله األحدث، من ومواقفه اإلنسان سلوك عىل الرؤية هذه واالقتصادية واالجتامعية وغريها. لكن االنعكاسات املشار إليها ال تتمثل يف اتجاه واحد، فتمل عىل اإلنسان مواقفه من األحداث والقضايا، بل إن هذه األحداث والقضايا والظروف واملحددات التي تنشأ فيها، تعيد تشكيل بعض التفاصيل يف رؤية العالم لتجعلها أكثر واقعية وانسجاما مع تلك الظروف واملحددات. وربام كان لألحداث والظروف التي مرت بالعالم منذ منتصف القرن العرشين وال تزال متر به حتى اآلن، آثار مهمة يف اختبار بعض مكونات املكونات، العملية هلذه والتجليات املثال، العالم عند احلركات اإلسالمية عىل سبيل رؤية االتجاهات بعض من الرتحيب بعض لقي الذي املراجعات«، «فقه ي سم ما إىل أدى مما هو ساخرا تعبريا عليه أطلقت أخرى، إسالمية اتجاهات من الرفض وبعض اإلسالمية،

«فقه الرتاجعات«.

وفقه املراجعات باب واسع عرفته الثقافة اإلسالمية املعارصة منذ مطلع السبعينيات من القرن العرشين، متثل يف قيام بعض األفراد أو اجلامعات بمراجعة ما كانوا عليه من فهم يف تنزيل رؤيتهم الدينية عىل الوقائع واألحداث املعارصة، تحت تأثري ما نتج عن ذلك الفهم من نتائج سلبية أو إيجابية عىل الفرد نفسه أو اجلامعة أو املجتمع. ومن أبرز األمثلة عىل هذه

رؤية العالم يف الكتابات املعارصة: األمهية واحلضور والتعددية الفصل الثاني

Page 91: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

90

املراجعات موقف بعض األفراد أو اجلامعات من املجتمعات املعارصة ومن نظم احلكم فيها، وما يتطلبه ذلك من ممارسة أساليب العنف، أو املهادنة، أو االنعزال، أو املشاركة. وبعض الواقع وتشخيص مشكالته وتحديد األولوية يف ممارسة ناتج عن تحليل املراجعات هذا املؤسسة، أو اجلامعة أو الفرد يراها التي األولوية واختيار املمكن، أو الالزم اإلصالح أو االجتامعي أو السيايس النشاط أولوية إىل اجلديد الفهم يقود أن مثل فيها، للتخصص الفكري أو غري ذلك. لكن بعض هذه املراجعات ناتج عن إعادة فهم النصوص بطريقة ال تخل بمقاصد هذه النصوص واألغراض التي جاءت من أجلها، وربام تكون نتيجة اكتشاف

أبعاد جديدة أو تطبيقات جديدة لتفعيل هذه املقاصد يف الواقع املعارص.

لكن بعض املراجعات تكون يف الصياغات العلمية املتخصصة يف قضايا الفكر والعقيدة والسياسة واالقتصاد وغريها، مما قد يعد تأصيال للمعرفة املعارصة عىل أساس رؤية إسالمية «مراجعات الجتهادات املجتهدين أو العلوم اإلسالمية املتخصصة، للعالم، أو تجديدا يف وأفكار املفكرين يف فهمهم للدين وتطبيقاهتم فيه، وليس بحال مراجعات ملا نزل به الوحي

يف ذاته، فذلك مستعل عن مراجعات اإلنسان، وهو مستقر عىل مدى الزمان.«)1(

ول تمر ظاهرة املراجعات دون أن تجد من وصفها بالرتاجعات، التي تعني تراجع من قام هبا عن مبادئ أساسية، إما تحت اإلكراه، أو طلبا للسالمة من األذى، بدال من الثبات عىل

ل ما يقتضيه الثبات من ابتالء.)2( املبدأ وتحم

النجار، عبد املجيد. مراجعات يف الفكر اإلسالمي، تونس: دار الغرب اإلسالمي، ط1، 2008م، ص 6. )1(- وثمة كتابات كثرية منشورة يف صورة كتب ومقاالت ومرشوعات بحثية وعناوين ملؤمترات يف فقه املراجعات، نكتفي باإلشارة إىل وجودها ملن يريد املزيد من البيان حول موضوع فقه املراجعات وصلته بام يسمى الثوابت

العقدية أو املبدئية أو رؤية العالم.انظر أمثلة أخرى عام كتب عن فقه الرتاجعات: )2(

- هيئة التحرير، النقد الذايت يف فقه املراجعات، جملة إسالمية املعرفة: جملة الفكر اإلسالمي املعارص، جملد )24(، عدد )94(، جملد )24( عدد )94( خريف 1439ه )2018(، ص 14-5.

والتوزيع، للنرش الكلمة دار القاهرة: اإلسالمي، السيايس الفكر يف مراجعات الثورة: فقه أمحد. الريسوين، -2013م.

- الرشيد، عبد اهلل بن نارص. هشيم الرتاجعات، منشور يف صورة كتاب إلكرتوين عىل الرابط:- http://www.ilmway.com/site/maqdis/MS_15270.html (Retrieved 5 Oct. 2020).

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 92: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

91

لديه أن يظن اإلنسان أن من الشخيص املستوى عىل العالم برؤية الوعي أمهية وتأيت معتقدات راسخة ال تزعزعها املعتقدات األخرى، ومع ذلك فإنه ربام يتأثر بالتيارات الثقافية تتناقض مع رؤيته هو، دون تيارات ربام تحمل رؤى للعالم التي يموج هبا املجتمع، وهي أن يكون عىل وعي هبذا التأثر. فرؤية العالم التي يحملها الفرد، يف مثل هذه احلالة، ليست وأن حياته تعلمها جيدا، أنه اإلنسان يظن التي واملعتقدات الفكري النظام بالرضورة هي

تسري وفقها، مثله يف ذلك مثل أكثر الناس يف جمتمعه.

تختفي بنا، ولكنها تحيط التي الثقافية املؤثرات املؤثرات يف حياتنا هي أقوى إن من «رؤية تسمى وربام خفية، مؤثرات فهي نراها، ال بصورة االجتامعية الثقافة يف عميقا عن نعتمدها للعالم رؤية وليست نعيشها، رؤية ،»Lived Worldview = املعيشة للعالم أحيانا املعيشة العالم رؤى إىل وينظر املتنافسة. الرؤى من ملجموعة عقالين تقويم طريق أعدادا كبرية من املفكرين، ولكن هلا يتحدث عنها بعض للحياة، فلسفات شعبية بوصفها الممارسين. ولذلك يطلق بعض الباحثني عىل رؤى العالم التي تؤثر يف اإلنسان دون وعي كامل منه «رؤى العالم اخلفية« Hidden Worldviews. وقد ميز مؤلف كتاب «رؤى العالم التي قد تترسب بعض عنارصها إىل اإلنسان بطريقة خفية، اخلفية« ثامنية من نظم االعتقاد الطبيعية، والنظرية القومية، األخالقية والنسبية االستهالكية، والنزعة الفردية، وهي:

والعرص اجلديد، وقبلية ما بعد احلداثة، واخلالص عن طريق العالج.)1(

وبقدر ما يكون ملفهوم رؤية العالم من أمهية يف التفكري الديني، فإن بعض احلاالت التي يستعمل فيها املفهوم ترصف حتى املؤمنني عن االهتامم به. ففي معاجلة دينية مسيحية مبارشة بمفهومني آخرين مها احلكمة والشهادة. يف املفهوم «بريتراند« هذا العالم ربط ملفهوم رؤية تقسيم ثالثي ربام يكشف عن اجلوانب العملية للعقيدة املسيحية. وهو ال يرى هذه املفاهيم الثالثة قائمة بصورة مستقلة مغلقة تجاه بعضها بعضا، وال حتى يف صورة مراحل تطور، ولكنه Worldview»يرى «أن كل مفهوم يتدفق بشكل طبيعي إىل اآلخر، وعندها تأخذ «رؤية العالم

(1) Wilkens, Steve and Sanford, Mark. Hidden Worldviews: Eight Cultural Stories That Shape Our Lives, Downer Grove, Ill.: InterVarsity Press, 2010. See titles of the book chapters.

رؤية العالم يف الكتابات املعارصة: األمهية واحلضور والتعددية الفصل الثاني

Page 93: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

92

مفهومها من حيث عالقتها باحلكمة Wisdon، والشهادة Witness، ألن احلكمة هي الثمرة

الطبيعية لرؤية العالم، والشهادة هي ذروة رؤية العالم واحلكمة. فالشهادة، تأخذ قوهتا من

العالم.« وهي يف املسيحية الصلة الفردية للمؤمن باملسيح عليه السالم، احلكمة ومن رؤية

والسيئة اجليدة أفعالنا وردود وأفعالنا تعبرينا «جمموع بريتراند(: )ماك املؤلف عند وهي

هذه عن تعبري كلها فحياتنا فيه. نعيش الذي العالم إىل رسالة تمثل التي الكلية بصورهتا

الشهادة.«)1( وتشكل هذه املفاهيم الثالثة وحدة مكتملة، إىل احلد الذي ال يمكن لنا امتالك

واحد منها دون اآلخرين. ولذلك «فعندما تجد تأكيدا عىل رؤية العالم ال تقود إىل النضج

واإلسهام الثقايف فإن شيئا ما يكون خطأ.«)2(

ومع كل هذه األمهية ملفهوم رؤية العالم، فقد اختلط املفهوم واملصطلح الذي يدل عليه

«عندما ربط باحلروب الثقافية يف العالم املعارص، لذا فال عجب بنوع من االستعامل اليسء

باحلديث عن رؤية مبالني تلك احلروب أصبحوا غري أملهم من الذين خاب الناس أن يف

العالم.« فلهذا «االختطاف« لرؤية العالم خلدمة «جداول أعامل« Agendas معينة هو جزء

من السبب الذي جيعل الشباب غري مبالني باملوضوع.)3(

ثالثا: أهمية رؤية العالم بوصفها وحدة تحليل في األعمال البحثية

أو أو األشخاص األشياء التي تصف املعلومات البحث عادة كثريا من مادة تحتوي

عالقة له معني هدف خدمة سياق يف تأيت املعلومات هذه ولكن كيفيا، أو كميا األفكار،

بسلوك اهلدف يختص فقد حوله، البحث يدور حمدد بموضوع مبارشة غري أو مبارشة

نبحث عنه إلخ. وما ... فكرة أو وضوح قيمة، أو بحضور تجانس جمموعة، أو شخص،

يف البحث هو الذي يوجه جهود الباحث يف اختياره لتصميم البحث ونوع البيانات، وطرق

(1) Bertrand, J. Mak Re-Thinking worldview, Wheaton, Ill. Crossway books, 2007, p.182.

(2) Ibid., p. 187.

(3) Ibid., p. 14.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 94: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

93

مجعها وتحليلها. وهذا الذي نبحث عنه يسمى وحدة التحليل.)1( وعندما يكون اهلدف هو

البحث عن حضور رؤية العالم يف حمتوى مكتوب، أو كالم منطوق، أو سلوك مشهود، فإن رؤية العالم تعد وحدة تحليل أو أداة إجرائية.)2(

عنارص من الدراسة أفراد بني يكون بام البحوث يف التحليل« «وحدة فكرة وتتصل

بني من فرد كل أن نعلم فإننا البرش، من الدراسة أفراد يكون وعندما خمتلفة. أو متشاهبة

البرش خيتلف عن اآلخر يف عدد كبري من األشياء؛ إذ تختلف األشكال واأللوان، وتختلف

ذلك ومع واألمزجة، الطبائع وتختلف واألهواء، املطامح وتختلف واملشاعر، األفكار

بينهم بعض أوجه البرش املختلفني يف الكثري، فتنعقد ة أمور تجمع جمموعات من هؤالء ثم

داخل نسبيا ينشئ سالما ما واحلب، الود من املتشاهبة املجموعة أفراد بني وتنشأ التشابه،

حول وتتمحور املجتمع أفراد بني والتعاون والود احلب خصائص تتحيز ثم جمتمع. كل

يف لتنشئ املجتمعي، الداخل نحو اخلصائص هذه وتنسحب تتقلص حني يف معينة، بؤرة

للمجتمعات األخرى. وتتعاظم أسباب االختالف املقابل حقدا وحسدا وكراهية وعداوة

واخلالف فتنشأ احلروب والرصاعات املسلحة.

ملزيد من االطالع عىل مفهوم وحدة التحليل وموقعها يف تصميم البحث يمكن الرجوع إىل املراجع املتخصصة يف )1(مناهج البحث، ومنها عىل سبيل املثال:

- طعيمة، رشدي. حتليل املحتوى يف العلوم اإلنسانية: مفهومه وأسسه واستخداماته، القاهرة: دار الفكر العريب )سلسلة املراجع يف الرتبية وعلم النفس، الكتاب التاسع عرش(، 2008م، 339-271.

- Durdella, Nathan. Qualitative Dissertation Methodology: A Guide for Research Design and Methods, London: Sage Pub. Ltd. 2019, 280-281.

- Coe, Robert, Waring, Michael; Hedges, Larry and Arthur James. Research Methods and Methodologies in Education, 2nd.Ed London: SAGE Publications Ltd, 2017, Pp. 26-30.

- Babbie, Earl. The Practice of Social Research, Belmont, CA: Wadsworth Publishing; 13th ed., 2012, 97-105.

تبني جملة الفلسفي، الفكر تاريخ لقراءة إجرائية أداة بوصفه العالم إىل الرؤية مفهوم الطيب. بوعزة، )2(ربيع ،)8( العدد ،)2( جملد السياسات، ودراسات لألبحاث العريب املركز والثقافية، الفكرية للدراسات

2014م، ص 34-23.

رؤية العالم يف الكتابات املعارصة: األمهية واحلضور والتعددية الفصل الثاني

Page 95: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

94

من هنا تأيت أمهية فهم األمور التي يتشابه فيها الناس، واألمور التي يختلفون فيها؛ أو

بمعنى آخر فهم األسباب التي تجعلنا متشاهبني واألسباب التي تجعلنا خمتلفني.

إن تحليل رؤى العالم يخدم يف تحقيق هذا الفهم عندما نستحرض بالرضورة الصورة

الكلية، ونجعلها يف بؤرة االهتامم والتفكري. هذا النوع من التحليل ييضء قلب املسألة فنرى

ونفهم املشكالت التي تعاين منها جمتمعاتنا، واحللول املمكنة هلذه املشكالت. ويمكن لرؤية

العالم أن تكون أداة للتحليل يف عدد من املستويات، منها: تحليل الذات، وتحليل اآلخرين،

والتحليل الثقايف، والتحليل األكاديمي.

جدا صعب األفراد، بعض عند سهل وهو ومفيد، مهم أمر –مثال- الذات فتحليل

تعتقد التي األشياء عن وسؤاهلا الذات مع حوارا التحليل هذا ويتطلب آخرين، عند

احلقيقية برؤيتنا وعالقتها احلياة يف ممارساتنا خلف الكامنة واملعاين احلقيقة، تمثل ا أهن

للعالم، وتحديد األسباب الكامنة خلف التغريات التي تطرأ عىل حياتنا يف املجال الفكري

لآلخرين، تحليل وحدة بوصفها العالم رؤية استخدام يتطلب املقابل ويف واالنفعايل.

يسلكها التي الطريقة عىل سلوكه وأسباب اآلخر، الفرد هبا يفكر التي الطريقة يف التأمل

يف احلياة، واألطر العامة التي تحدد أفكاره ومعتقداته. ويف احلالتني فإن تحليل رؤية العالم

لدى كل من الذات واآلخر تتعلق بالبعد الفردي الشخيص. وتظهر أمهية التمييز بني هذين

مادة اجلامعي األستاذ فيها يعرض التي الطرق إىل النظر عند التحديد وجه عىل املستويني

أنه العلوم االجتامعية، فقد الحظ عالم االجتامع انتونيو تشياريل يف بداية عمله يف اجلامعة

ال يزيد عىل كونه «مريدا« ألساتذته الذين علموه: «كنت أؤدي وظيفتي يف إطار علامين ليس

ليشء إال ألنه قد جرى تكويني وتدريبي يف هذا اإلطار، فهذا يف النهاية هو تماما ما تعلمته من أساتذيت، وهم املثل الذي يحتذى، لقد كنت مريدا...«)1(

(1) Chiareli, Antonio A. »Christian Worldview and the Social Sciences,» in: Shaping a Christian Worldview: The Foundation of Christian Higher Education, eds. David S. Dockery and Greg-ory Thornburry. Nashville, TN: Broadman & Holman Publishers, 2002, p. 241.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 96: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

95

أما التحليل الثقايف فإنه يتعلق باخلصائص العامة التي تميز عددا كبريا من األفراد يف حديثه يف سري جيمس استدرك وقد واملكان. الزمان عب العام الديني أو القومي بعدهم النظرة اىل األمر حقيقة يف نرجع أننا مبينا ثقايف)1( تحليل وحدة بوصفها العالم رؤية عن التي الشاملة بالنظرة مقارنة العالم، لرؤية الفرد هذا يمتلكها التي الضيقة الشخصية يمتلكها اآلخرون تجاه الرؤى العالمية الثامنية )التي حللها يف كتابه(، من حيث خصوصياهتا الزمانية واملكانية، وأيضا من حيث كوهنا رؤية عامة واسعة، اختصت هبا جمموعة من الناس دون غريها. ثم أراد الكاتب أن يبني املقصد األسايس الذي بنى عليه كتابه اآلخر: «الكون لثقافة الدقيق الوصف فيها تناول عالمية، رؤى لثامنية بسط عن عبارة لنا« وهو املجاور والفلسفية، الثقافية املدارس أو املختلفة األديان أهل مثل الناس، من الكبرية املجموعات مسيحي، منظور من اهلل بوجود اإليامن مذهب من بداية الثقايف، للتحليل وحدة بوصفها ثم مذهب اإليامن باهلل مع عدم االعرتاف برساالت الوحي، واملذهب الطبيعي، والعدمية، والوجودية، واحللول واالتحاد، والعرص اجلديد، وعرص ما بعد احلداثة. يرى الكاتب أيضا أن كل هذه الرؤى كتبت من وجهة نظر فردية، وحتى األسلوب الذي وصف به رؤية العالم وتمنى أيضا. فردي عمل هو يتبناه، الذي املسيحي املنظور خالل من ذاهتا حد يف هي الكاتب أن يكون هذا الوصف مكتمال؛ ألنه ال يوجد يف احلقيقة ما يسمى بالعمل الكامل.

ا تعيننا عىل تفسري أما رؤية العالم بوصفها وحدة تحليل يف املجاالت األكاديمية، فإهنتوجهات نتيجة املعرفية، املجاالت ببعض املتعلقة العامة واملبادئ النظريات بني التنافس املتخصصني والعلامء الذين يصوغون هذه النظريات واملبادئ. ولو رصفنا النظر عن اجلذور لنركز بنيت عليها التي الفلسفية واأليديولوجية النظريات واألطر لكثري من هذه التارخيية النفس، املستوى اجلامعي، مثل األدب وعلم العلمية يف اهتاممنا عىل واقع تدريس احلقول وعلم االجتامع، فإننا سوف نجد أن األستاذ اجلامعي يف الممارسة العملية يكون أمام عدد من اخليارات التي يتخذ منها موقفه عن وعي وسبق تخطيط. فمثال قد يختار كتابا أو عددا

(1) Sire, Naming the Elephant: Worldview As A Concept, p. 153.

رؤية العالم يف الكتابات املعارصة: األمهية واحلضور والتعددية الفصل الثاني

Page 97: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

96

طالبه يعرض أن ويود األستاذ، ذلك يتبناها للعالم حمددة رؤية عن تعب التي الكتب من هلا، وقد ال يرصح األستاذ بذلك بطريقة مبارشة، ولكن بعض الطلبة يكتشفون ذلك، ليس من اختيارات الكتب واملؤلفني وحسب، بل ومن طبيعة العرض واملناقشات التي يقوم هبا

وحرارة الدفاع عن مواقف املؤلفني وتوجهاهتم.)1(

وبعض األساتذة يسلكون منهجا خمتلفا؛ إذ يختارون كتبا تتبنى وجهات نظر خمتلفة، وتعب عن رؤى خمتلفة للعالم، )1(ويكون هدف األستاذ حينها -أو أحد أهدافه عىل األقل- تدريب الطلبة عىل تمييز رؤى العالم املختلفة واملبادئ

التي تفرتضها كل منها.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 98: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

97

المبحث الثاين

حضور رؤية العالم يف الكتابات املعارصة

أوال: حضور رؤية العالم يف كتابات من مرجعية غري إسالمية

شعرنا بنوع من الصعوبة يف تصنيف الكتابات املنشورة حول مفهوم ومصطلح «رؤية

رؤى من تنطلق اإلنجليزية باللغة املوضوع يف كتابات نجد اللغة معيار فحسب العالم«.

ووجدنا الحقا. لنا سيظهر كام إسالمية، مرجعية من كتابات ذلك يف بام خمتلفة، فكرية

كتابات باللغة العربية ال تنطلق من مرجعية إسالمية واضحة. ومع أننا اعتمدنا تصنيف هذه

الكتابات يف صنفني وفق حضور املرجعية اإلسالمية أو غياهبا، اتساقا مع اهلدف املعلن هلذا

ها الكتاب، فإنه يمكن االستدراك عىل معيار املرجعية؛ ذلك أن بعض الكتابات ال يكون مه

االنطالق من مرجعية حمددة، ويكون احلكم عىل وجود مرجعية معينة موضع جدل. وسوف

مرجعيات أو إسالمية، غري دينية مرجعيات تنطلق التي الكتابات من نامذج بعرض نبدأ علمية تستبعد أثر الدين يف بناء رؤية العالم.)1(

ا تتصل أساسا «فلسفية«، وأهن ومن املالحظ أن أسئلة رؤية العالم هي أسئلة وجودية الكتابات يف حارضة األسئلة هذه نجد فإننا ذلك ومع والعلم، والدين الفلسفة من بكل املعارصة يف خمتلف ميادين املعرفة. وقد يكون هذا احلضور يف عناوين هذه الكتابات، فضال عن تفاصيل العالقة التي تتضمنها هذه الكتابات. ونظرا ألن كل دين يحاول أن يجيب عن هذه األسئلة، فقد أصبح كل دين بمثابة رؤية للعالم.)2( وإذا كانت العلوم الطبيعية تحاول

هذا يف فيه نحن الذي السياق عن خيرج الكامل واالستقراء فاالستيعاب الكتابات، من نامذج نعرض نقول: )1(الكتابات وتحليلها، املفيد ختصيص دراسة مستقلة ملراجعة أكب قدر من هذه الكتاب. ومع ذلك فقد يكون من

وبيان اتجاهاتها ومرجعياهتا. (2) Ridenour, Fritz. So What’s the Difference: A look at 20 Worldviews, Faiths and Religions

and How they Compare to Christianity. Bloomington MN.: Bethany House Publishers; (Updated and Expanded edition), 2014, Pp. 7-9.

رؤية العالم يف الكتابات املعارصة: األمهية واحلضور والتعددية الفصل الثاني

Page 99: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

98

م رؤية بديلة، فجميع هذه العلوم ا يف حقيقة األمر تقد أن تستبعد أثر الدين يف فهم العالم فإهنتعب عن رؤى حمددة للعالم.)1(

عالم ففي واإلعالم،)2( االتصال دراسات يف العالم رؤية مفهوم حيرض ما وكثريا األفالم والسينام رؤى كامنة للعالم تقدم بطريقة غري مبارشة، وتؤثر يف املشاهدين بطريقة أكثر األحيان.)3( ونظرا ألمهية هذا احلضور يف جماالت اإلعالم والصحافة غري واعية يف صفة أصبح الذي احلقيقة« بعد ما «عالم يف أخرى جهة من العايل والتعليم جهة، من 14-12 يف علميا مؤمترا الكندية تورنتو جامعة خصصت فقد املعارص، العالم تتلبس يظهر كام والتواصل االتصال وسائل يف العالم رؤى صلة يف للبحث 2019م، حزيران وقادة والطلبة األكاديميني من مئات املؤمتر حرض وقد العايل، التعليم يف املوضوع هذا «رؤى التعليم واملتخصصني يف األعالم والصحافة من أنحاء العالم. وكان عنوان املؤمتر العالم: الديموقراطية يف خطر، أفكار حول التعليم العايل ووسائل االتصال والتواصل يف

عالم ما بعد احلقيقة.)4(

والتمثيل املرسح يف اخلباء من عدد مع مقابالت سلسلة الباحثني أحد أجرى وقد السياسية واالجتامعية، وكان من والثقافة واملسائل بالواقع االجتامعي حول عالقة املرسح الواضح أن من الطبيعي أن يتعامل املرسح مع رؤية املشاهدين للعالم، ويسعى إىل تغيريها

(1) Irzik, Gurol and Nola, Robert. Worldviews and their Relation to Science, Science and Education (2009) 18: 729-745.

(2) Dodd, Carley H. Worldview in Intercultural Communication: Intercultural Communica-tion Core:Theories, Issues, and Concepts, John Wiley & Sons, Inc., 2017

(3) Godawa, Brian. Hollywood Worldviews: Watching Films With Wisdom and Discernment, Downers, Ill: InterVasity Press, 2002.

(4) The 2019 Worldviews on Media and Higher Education Conference: Democracy at risk? Reflecting on the future of higher education and media in a »post-truth» world. See details at the link:- https://ocufa.on.ca/conferences/2019-worldviews-conference-democracy-at-risk-reflecting on-

the-future-of-higher-education-and-media-in-a-post-truth-world/ (Retrieved 5 Oct. 2020).

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 100: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

99

بصورة ما، فاملمثلون ال يقدمون عروضهم للتسلية، وربام يؤدي املرسح إىل تغيريات جذرية يف رؤية اإلنسان للعالم، وتفتح عقله عىل مرجعيات ثقافية جديدة تماما.)1(

«كارينا مورو« الباحثة ويف بحث منشور يف املجلة البازيلية للدراسات املعارصة. تؤكد أن الفريق الذي يصمم املحتوى الفكري والرتتيبات اإلدارية والفنية يف املرسح والسينام، إنما تبعا الفريق يقيمها عالقة وهي املرسحية، والتعبريات املجتمعي الواقع بني «وسيطا يكون لرؤيته للعالم ومصاحله اخلاصة«، ونظرا ألن املرسح يف الغرب اليوم ينطلق –كام ترى الباحثة- تجاه أخالقي موقف بتشكيل التزاما يتضمن الواقعي «املوقف : فإن الواقعية، الفلسفة من

العالم ومشكالته اليومية، وهو عالم تم تفسريه وفقا ملصالح وأهداف وقيم البجوازية.«)2(

وال خالف عىل أن األدباء والفالسفة الغربيني الذين انشغلوا بكتابة مرسحيات أخذت حظا كبريا من االهتامم يف الثقافة الغربية، قد عب كل منهم عن رؤيته للعالم كام يعتقدها.

يف كامو وألبريت سارتر بول جون بني الفلسفية ستانفورد موسوعة قارنت وقد رؤيتهم للعالم، من حيث إن العالم وجود «عبثي« Absud، «غري عقالين« Irrational. لكن ا يصيبنا باإلحباط، العبثية عند سارتر هي خاصية وجودية أساسية للوجود يف حد ذاته، ممولكنه ال يقيد فهمنا. أما العبثية عند كامو فهي سمة أساسية لعالقتنا مع العالم. وعليه فإن سارتر وكامو متشاهبان، تشابه العبث عند سارتر باليأس الكامل عن كامو. لكن كامو يبني رؤية عالمية كاملة عىل افرتاضه املركزي بأن العبث هو عالقة ال يمكن تجاوزها بني البرش

وعالمهم، فهو عالم غري عقالين ، مما يعني أنه ال يمكن فهمه من خالل العقل.)3(

(1) Shah Vikas. Theatre, Performance and Society, Thought Economics: Journal of Intellec-tual Capital. 8th May 2016, see the link:- https://thoughteconomics.com/theatre-performance-and-society/ (Retrieved 7 July 2020).

(2) Mauro, Karina. The Realistic Method as a Mechanism of Attenuation of the Actor’s Pres-ence in Theatre and Cinema, Revista Brasileira de Estudos da Presenca (Brasilian Journal of Contemporary Studies), Vol.7, no. 3, 2017. Electronic version of the Journal, link:

- https://www.scielo.br/scielo.php?pid=S2237-26602017000300523&script=sci_arttext&tlng=en (Retrieved 7 July 2020)

(3) Stanford Encyclopedia of Philosophy, Albert Camus, Substantive revision, April 10, 2017, (Retrieved July 19, 2020). See the link:

- https://stanford.io/30rIee9 (Retrieved 7 July 2020).

رؤية العالم يف الكتابات املعارصة: األمهية واحلضور والتعددية الفصل الثاني

Page 101: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

100

األدباء من لعدد الغربية املرسحية الروايات من عددا خليل الدين عامد ويحلل م رؤية للعالم والفالسفة التي ظهرت يف القرن العرشين، وينتهي إىل أن هذه املرسحيات تقد

أساسها فوىض تعم الكون والعالم.)1(

الدول بني فالعالقات اخلارجية، والسياسة الدولية العالقات يف املفهوم وحيرض املصالح هذه وراء لكن آنية، مصالح عن تعب إنما ورصاعا، نزاعا أو تعاونا كانت سواء يف هناية املطاف مذاهب فلسفية ورؤى للعالم.)2( وتحضر رؤى العالم املتقابلة بقوة يف علوم االقتصاد واالقتصاد السيايس.)3( وليس من املتوقع أن يكون علم النفس قد تطور أو يمكن أن يتطور دون التعامل مع األسئلة الفلسفية لرؤية العالم بطريقة ال تتيرس إجاباهتا باملشاهدة اجتامعي مفهوم العالم هو رؤية فمفهوم االجتامع أما يف علم العملية.)4( والتجربة احلسية بامتياز.)5( وهكذا يف سائر املجاالت املعرفية األخرى. وتحضر رؤية العالم حاليا يف عدد من Systems Science، فمناهج هذا العلم تشتق النظم العلوم احلديثة، كام هو احلال يف علم من أخذها لرؤى العالم باحلسبان، ألن رؤى العالم تحدد السياق املناسب للصياغة املناسبة

للمشكالت، واالختيار املناسب للحلول.)6(

العلمية النظر وجهات يف االختالفات تفرس الكتابات من كثريا أن نالحظ ونحن فيه، املختلف املوضوع يتوفر من حقائق عن بام ليس والسياسية واألخالقية واالقتصادية،

الغريب املرسح يف العامل فوىض كتاب: يف املعارص، الغريب املرسح يف الكونية الرؤية مشكلة الدين. عامد خليل، )1(املعارص، بريوت: دار ابن كثري، ط1، 2007، ص 101-79.

(2) Mowle, Thomas S. Worldviews in Foreign Policy: Realism, Liberalism, and External Con-flict, New York: JohnWiley and sons, 2003.

(3) Miller, Raymond C. International Political Economy: Contrasting World Views, New York: Routledge, 2008.

(4) Slife, Brent; O’Grady, Kari and Kosits, Russell. The Hidden Worldviews of Psychology’s Theory, Research and Practice, New York and London: Routledge, Taylor and Francis, 2017.

(5) Kalberg, S. (2004). The Past and Present Influence of World Views: Max Weber on a Ne-glected Sociological Concept. Journal of Classical Sociology, 4(2), 139–163.

(6) Rousseau, David and Billingham, Julie. A systematic Framework for Exploring Worldviews and its generalization as a Multi-Purpose Inquiry framework. Systems, 6, 27, 2018, see link: file:///D:/Users/hp/Downloads/systems-06-00027%20(1).pdf (Retrieved 7 July 2020).

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 102: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

101

فهم تحدد التي العامة العالم رؤية إىل أي املوضوع؛ إىل النظر طريقة أساس عىل وإنما التغري حول نختلف «ملاذا كتاب: مؤلف ذلك الحظ وقد للموضوع. املختلفة األطراف لظاهرة فهمنا يف تؤثر التي املختلفة املداخل الكتاب فصول عناوين فحملت املناخي« القيم، ومنظومة العلمية، واملعرفة االجتامعي، املعنى مداخل: ذلك يف بام املناخي، التغري حارضة ومصطلحا مفهوما العالم رؤية وكانت واملخاطر. واملخاوف، االعتقاد، ومبادئ العالم رؤية مفهوم أثر أمجل وقد الكتاب. فصول ملوضوعات الباحث مناقشات سائر يف املناخ تغري حول «نختلف قال: حني الكتاب مقدمة يف املناخي التغري حول االختالف يف ألن لنا معتقدات خمتلفة عن أنفسنا، وعن العالم الذي نعيش فيه ونحدد موقعنا فيه، وهذه

املعتقدات هلا أثر بالغ عن مواقفنا وسلوكاتنا وسياساتنا.«)1(

بأنها التي تتصف املعارصة، ذا صلة وثيقة بحياتنا العالم أصبح أن مفهوم رؤية يبدو والقضايا التحديات من جمموعة نواجه حيث احلداثة، بعد ما عرص من متأخرة مرحلة املصاحبة هلا. وقد الحظت إحدى الباحثات هذه الصلة الوثيقة، وأجرت دراسة مستفيضة «مفهوم رؤية للجدل حول ظاهرة التغري املناخي باستخدام مدخل رؤية العالم. ورأت أن التغري مثل معارصة قضايا حول اجلدل جمال يف بالتزايد ظهوره وأخذ وقته، جاء العالم املناخي وقضية استدامة الكوكب الذي نعيش عليه، يف ضوء تحديات العرص واحللول التي تحتاجها. وواحدة من األسباب الرئيسية لكتابة هذه األطروحة أن فهم رؤية العالم له دور

أسايس يف معاجلة االستدامة الكوكبية املعقدة واملتشاكبة واملتعددة األوجه.«)2(

وحترض رؤية العالم، مفهوما ومصطلحا يف جماالت التعليم املدريس واجلامعي، وتكون الوعي تمكين يف التدريس أساليب بعض وأثر وجودها، درجة لتقويم موضوعا أحيانا هبا، ومن ذلك عىل سبيل املثال: نجد أطروحة دكتوراه حاولت تقويم تدريس رؤية العالم

(1) Hulme, Mike. Why we Disagree about Climate Change: Understanding controversy, Inaction and Opportunity, Cambridge and New York: Cambridge University Press. 2009, p. xxxvi.

(2) Witt, Annick Hedlund-de. Worldviews and the Transformation to Sustainable Societies: An Exploration of the Cultural and Psychological Dimensions of our Global Environmen-tal Challenges, Ph.D. Dissertation, Universiteit Amsterdam. Netherlands, 2013, p. 2.

رؤية العالم يف الكتابات املعارصة: األمهية واحلضور والتعددية الفصل الثاني

Page 103: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

102

لألساتذة املتعمقة باملقابالت )الكيفي( النوعي البحث طريق عن اجلامعة لطلبة املسيحية اخلباء الذين كانوا يحاولون استخدام أصول التدريس الفعال يف تدريس رؤية العالم.)1(

فه حمرر ومن الكتب التي نالت حظا كبريا من االنتشار يف موضوع رؤية العالم كتاب ألإحدى دور النرش األمريكية الدكتور جيمس سري James W. Sire بعنوان «الكون املجاور التنقيح مع مرتني طبعه أعاد ثم 1976م، عام ونرشة العالم«،)2( لرؤى أسايس دليل لنا: أكثر من الثالث الطبعات منه يف هذه والزيادة مرة عام 1988م ومرة عام 1997م، وبيع الغرب: يف العالم رؤية من السائدة املختلفة الصور عن فيه وتحدث نسخة، مليون ربع املسيحية، الطبيعية، وحدة الوجود الرشقية، فلسفة العرص اجلديد، العدمية، ما بعد احلداثة. ويف الطبعة الرابعة التي صدرت عام 2004م تحدث يف مقدمة الكتاب عن التحديثات التي أدخلها عىل الكتاب، وأشار إىل أمر كان جيب أن يضيفه إىل هذه الطبعة لكنه ل يفعل؛ ألنه ل الرؤية اإلسالمية املناسبة، وهو احلديث عن بالطريقة املهمة القيام هبذه بمقدوره أن يشعر للعالم، حيث أصبح املؤلف يرى أن من الرضوري عرض هذا الرؤية بعد أحداث 11 أيلول

2001م يف أمريكا، ألنها أصبحت متس مسا وثيقا حياة الناس حول العالم.

احلاجة أخرى مرة فيها املؤلف أكد 2009م، عام صدرت التي اخلامسة الطبعة ويف العالم رؤى )وربام اإلسالمية العالم رؤية «أن سيام ال اإلسالمية العالم رؤية عرض إىل عندما ... اليومية اجلرائد يف تظهر كام العالم، حول الناس حياة اليوم تطرق اإلسالمية( مؤهال لست شخصيا فإنني احلظ ولسوء وتفسريها. امللتهبة األحداث فهم الكتاب يحاول من طلبت ولذلك عالمنا. اإلسالم يفهم كيف لندرك أمريكا، يف هذه حلاجتنا لالستجابة الكتب من عدد ومؤلف تايلر جامعة يف والدين الفلسفة أستاذ كوردوان واينفريد الدكتور

(1) Lindemann, Bob. Pedagogy For Christian Worldview Formation: A Grounded Theory Study of Bible College Teaching Methods, Ed.D dissertation, George Fox University, Or-egon USA, April 2016.

(2) Sire, James, W. The Universe Next Door: A Basic Worldview Cataloque, Downers, Il:

InterVasity Press, 2004.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 104: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

103

ال سيام كتاب «أشكال اإليامن املجاورة لنا«)1(، لكتابة فصل عن رؤية العالم اإلسالمية«)2( يف الطبعة اخلامسة من الكتاب. وقد خلص مؤلف هذا الفصل رؤية العالم اإلسالمية كام يراها يف ثالث نقاط هي: تأكيد وحدانية اهلل وجتاوزه وهيمنته، وال يشء حيدث يف العالم خارج اإلرادة

اإلهلية، واملسلمون املخلصون يسعون إىل اتباع األوامر اإلهلية حتى يف أبسط أمور احلياة.)3(

ونوعيات اجلهات تعدد إىل طبعا- –والرسور االستغراب من بيشء املؤلف يشري إحدى وأصبح لغة، عرشة مخس إىل ترجم إنه حتى بالكتاب، اهتموا الذين القراء والدين والتاريخ واألدب الفلسفة يف متعددة تعليمية مساقات يف األساسية القراءات

وعلم اجتامع العلم.

بعض يف السياسية والسخرية للجدل موضوعا العالم رؤية مصطلح أصبح وقد طريق عن بعضا بعضهم السياسيني انتقاد من السطح عىل يطفو ما ذلك ومن األحيان، األتالنتيك صحيفة نرشت فمثال يحملونها. التي العالم رؤية يف اختالفهم عن التعبري األمريكية يوم 25 أبريل 2018م خبا عن اخلطاب الذي ألقاه الرئيس الفرنيس «ماكرون« يعب عنها التي للسياسات تماما مناقضة فيه عن سياسة األمريكي، تحدث الكونغرس يف ماكرون موقف اإلعالم التقط وقد باالسم. يذكره أن دون ترامب، األمريكي الرئيس

واعتبه نقدا الذعا لما يحمله الرئيس األمريكي ترامب من رؤية للعالم.)4(

ويف السياق نفسه تحدثت صحيفة نيويورك تايمز يف 30 مايو 2019م، عن اخلطاب الذي ألقته املستشارة األملانية «مريكل« يف جامعة هارفاد، اعتبت الصحيفة أن خطاهبا كان توبيخا لرؤية العالم التي يحملها الرئيس األمريكي ترمب دون أن تذكر اسمه.)5( وتحدثت

(1) Corduan, Winfried. Neighboring Faiths: A Christian Introduction to World Religions, 2nd Ed., Downers Grove, Ill.: InterVarsity Press (Academic); 2nd edition, 2012.

(2) Sire, The Universe Next Door: A Basic Worldview Catalog, p. 11.

(3) Ibid., chapter 10, Pp. 244-272.

(4) https://www.theatlantic.com/international/archive/2018/04/emmanuel-macron-trump/558941/ (Retrieved 7 July 2020).

(5) https://www.nytimes.com/201930/05//world/europe/merkel-harvard-speech.html (Retrieved 7 July 2020).

رؤية العالم يف الكتابات املعارصة: األمهية واحلضور والتعددية الفصل الثاني

Page 105: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

104

العالم اخلاصة بتاريخ 7 أغسطس عام 2017م، عن صناعة رؤية صحيفة فاينانشال تايمز بالرئيس األمريكي ترامب.)1( ونرشت صحيفة أخبار اخلليج التي تصدر باللغة اإلنجليزية عن «رؤية العالم« التي يحملها الرئيس الفرنيس ماكرون، وترى الصحيفة أن ماكرون يحمل

هذه الرؤية ليحقق من النجاح يف سياساته ما فشل يف تحقيقه الرئيسان اللذان سبقاه.)2(

ويحضر موضوع رؤية العالم يف الدراسات النفسية والرتبوية، ذلك أن رؤية العالم هي جانب من الوعي. وتشري نظريات التنمية النفسية واالجتامعية والفيزيولوجية العصبية للتنمية

إىل أننا -مع تقدمنا وتفاعلنا مع العالم، نتعلم تصنيف وتمييز وتعميم ما نرى ونشعر به.

املناهج يف العالم برؤية الوعي تطور أمهية بإبراز الدراسات بعض تعاملت وقد طريق عن يتطور أن يمكنه اجلمعي للوعي األعمق الفهم أن افرتاض عىل التعليمية، التحوالت التي تطرأ عىل رؤية العالم يف أثناء التعليم. واستندت النتائج حول هذا املوضوع من عدد ضمن العالم، إىل النظرة تحول حول والكمية الكيفية الدراسات حصيلة إىل كل ليشمل يرتقى أن للوعي يمكن الفرد عند العالم رؤية يف التحول «ومع املستويات. فزيادة االجتامعي. السلوك وأشكال اخلبات تعزيز إىل لينتهي املستويات، هذه من واحد للعالم. الفرد يف رؤيته التحوالت عند املزيد من بدوره أن يحفز الوعي االجتامعي يمكن النتائج سيكون من املمكن صياغة املناهج التعليمية التي تسهم يف تطوير واعتامدا عىل هذه رؤية العالم من جهة، وتنمية الوعي االجتامعي من جهة أخرى عند الطلبة يف العالم الذي

يعيشون فيه، سواء يف جمتمعهم املحل أو يف املجتمع العالمي كله.«)3(

الكتابات بعض يف العالم رؤية مصطلح حضور عىل أمثلة سبق فيام عرضنا وقد الصادرة باللغة اإلنجليزية مما ال نظن أن أيا منها كان يستبطن مرجعية إسالمية. ويف السياق

(1) https://www.ft.com/content/3148a4c67-c5111-e79108--edda0bcbc928 (Retrieved 7 July 2020).

(2) https://gulfnews.com/opinion/op-eds/the-macron-worldview-1.2025102 (Retrieved 7 July 2020).

(3) Marilyn Mandala Schlitz, Cassandra Vieten & Elizabeth M. Miller. Worldview Transfor-mation and the Development of Social Consciousness, Journal of Consciousness Studies, 17, No. 7–8, 2010, Pp. 18–36.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 106: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

105

باللغة كتابات يف العالم رؤية مصطلح حضور عىل أخرى أمثلة يأيت فيام نعرض نفسه العربية. وربام يكون أكثر ما يف الكتابات العربية عن رؤية العالم خيتص بقضايا األدب والنقد وأجناس الكتابة األخرى. ففي النقد األديب نجد جابر عصفور يتحدث عن رؤى العالم يف النظر ويحاول الشعر. العربية يف احلداثة تجليات يصنفها ضمن التي الشعرية اإلبداعات العقلية، وفلسفاهتا، ومدارسها الغربية، النقدية املدارس يف العربية احلداثة هذه جذور يف

واملثالية، والرومانسية، واإلنسانية، والبنيوية، والتفكيكية، وغريها.)1(

ويف جمال النقد التطبيقي ينرش أمحد يحيى عل يف كتابه: «املثقف العريب ورؤية العالم: تقرأ التي الكيفية عىل تتساءل التي املقاالت من جمموعة التطبيقي«)2( النقد يف مقاالت هذه من تتولد التي والداللة بعالمها، عالقتها إطار يف تجربتها العربية الشخصية فيها بظرف التحامها يف الشخصية هذه مالمح عىل ودال كاشف أثر بمثابة وتصبح القراءة

زماين ومكاين حمدد.

ر ويف جمال الرواية نجد كتابا بعنوان «تكوين الرواية العربية: اللغة ورؤية العالم« يقراملادة «اللغة هي : أن للعالم.)3( ذلك يظهر رؤيته أن فيها الرواية يحاول أن كاتب فه مؤلمضمرة تبقى واملعاين واألحاسيس فالصور األقل، عىل املكتوب لألدب بالنسبة األولية ما أي حضورها؛ يعطيها ما هي يجسدها، وما يعلنها ما هي واللغة النفس، رهينة أو رؤيتها هي الرواية للعالم... رؤيته إظهار يف الكاتب وسيلة اللغة لآلخرين. يوصلها الكلية للعالم... فاجلمل املرتاكمة أو املفردة، دون رؤية كلية تنظم سلكها وتعطيها سياقا، ال تنتج رواية؛ إذ ال تنتج معنى، أو رؤية كلية.«)4( بل يتوسع يف تعميم مفهوم رؤية العالم

عصفور، جابر. رؤى العالم: عن تأسيس احلداثة العربية يف الشعر، الدار البيضاء- املغرب: املركز الثقايف العريب، ط1، )1(2008م. انظر مقدمة الكتاب )املفتتح( ص 5-18، وخامتة الكتاب )مالحظات حول احلداثة(، ص 397-383.

والتوزيع، للنرش األكاديميون عامن: التطبيقي، النقد يف مقاالت العالم: ورؤية العريب املثقف حييى. أمحد عل، )2(والرمال للنرش والتوزيع، 2018م.

اخلطيب، حممد كامل. تكوين الرواية العربية: اللغة ورؤية العالم، دمشق: وزارة الثقافة السورية، 1990م. )3(

املرجع السابق، ص 28. )4(

رؤية العالم يف الكتابات املعارصة: األمهية واحلضور والتعددية الفصل الثاني

Page 107: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

106

ليقول لنا: «إن العمل األديب، رواية كان أم أي جنس آخر، هو رؤية للعالم.)1( ومهام كان

اهلدف من اللغة املستخدمة يف الرواية، فإن مؤلف الكتاب يرى يف هناية التحليل: أن اللغة

اهتامم هو باللغة فاالهتامم وهلذا وفيه، منه املوقف أو العالم، رؤية وتنتج تولد التي هي

بالعالم؛ أي الوجود. وحتديد املوقف من اللغة وفيها؛ أي عب صوغها، هو تحديد املوقف

ل إىل لغة، كتابة، ومن هنا تكون مجالية من الوجود كنص مقروء-مكتوب، فالوجود يتحو

شكل يصبح اللغة وشكل وداللته، العالم جلاملية ومشاهبتني معادلتني وداللتها اللغة

العالم، والعالم لغة تقرأ وتكتب، وأخريا أليست اللغة هي الفكر؟!«)2(

ويتناول سعد البازعي مصطلح رؤية العالم وعالقتها باأليديولوجيا يف العمل الروائي

باتجاه يجنح أن الروائي للعمل بد ال اللذان الطرفان مها واأليديولوجيا «الرؤية فيقول:

أحدمها«، ذلك أن الرواية أحد أجناس «الكتابة الرسدية التي تسعى إىل استيعاب قدر واسع

تعقيد من عادة ذلك يستتبع وما وأحداثه، شخوصه وتعدد بمتغرياته اإلنساين الشأن من

الرؤية إىل إما أقرب فتكون االتجاهين، ذينك من أي باتجاه تنحاز بأن ة حري وتشابك،

التي القصيدة الرؤيوية، من ناحية، أو إىل األدجلة، من ناحية أخرى، وذلك عىل عكس أو

والرواية، بالرضورة. تأدجلها ذلك يعن ل وإن للعالم، الفردية الرؤية إىل بطبيعتها تنحاز

األحداث أو الظواهر إىل العالم، إىل النظر يف التعدد منه يتوقع جنس املرسحية، هي كام

ض بسهولة إىل االنحياز احلاد نحو أحادية النظر، ومن ثم إىل تخير أو األشياء، ولكنه معراألشياء وتأويل الواقع عىل النحو الذي يظهر ما يرى الكاتب أنه احلق.«)3(

وبذلك نجد أن رؤية العالم من مرجعية غري إسالمية حارضة يف كتابات كثرية تتوزع

ونختم اللغات. بمختلف وتصدر واملهنية، املعرفية واملجاالت التخصصات سائر عىل

املرجع السابق، ص 38 )1(

املرجع السابق، ص 176. )2(

البازعي، سعد. الرواية بني الرؤية واأليديولوجيا، جريدة الرشق األوسط، األربعاء - 3 مجادى اآلخرة 1438ه )3(1/ مارس 2017م.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 108: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

107

ما هو الكتابات هذه من ذكرناه ما أن األوىل: بمالحظتني: الكتابات هذه من اخرتناه ما

الكتابات معظم بأن القول يف نرتدد ال ولكننا رصحيا، مصطلحا العالم رؤية فيها كانت

الدال املصطلح تستخدم أن دون للعالم، حمددة رؤى من تنطلق املعرفية امليادين سائر يف

يعني ال الكتابات هذه يف اإلسالمية املرجعية لغياب حتديدنا أن الثانية: واملالحظة عليها.

أهنا مناقضة –بالرضورة- لكل عنارص رؤية العالم اإلسالمية، فقد تلتقي رؤية العالم فيها،

بصورهتا الرصحية أو الضمنية، مع واحد أو أكثر من عنارص رؤية العالم اإلسالمية.

ثانيا: حضور رؤية العالم يف كتابات من مرجعية إسالمية

فقد لإلسالم، كونية كلية رؤية بلورة إىل احلاجة عن الفاروقي إسامعيل يتحدث عجزت احلركات اإلصالحية -يف رأيه- «عن بناء رؤية كونية لإلسالم بصورة تبز ارتباطه العالم هذه املعارص.«)1( ورؤية اإلنساين النشاط أطياف البرش، وبكل بكل حلظة من حياة مفهوم عىل أساسا يقوم الذي اإلسالم، يف االعتقاد نظام عن تعبري هي الفاروقي عند وللزمان، وللمكان، وللعالم، وللواقع، للحقيقة، عامة رؤية هو «فالتوحيد التوحيد، واخلط الكالم فنون مارسوا الذين املسلمون والفنانون وملصريها.«)2( اإلنسانية، ولتاريخ التوحيد؛ ذلك: بينهم عقيدة الصوتية كانت تجمع املعامرية واهلندسة والزخرفة واهلندسة مهام الكلية اإلسالمية، الرؤية املنطلقني من الفنانني لكل املشرتك القاسم التوحيد هو «أن

اختلفت أعراقهم وديارهم.«)3(

إىل تشري التي النهائية ومرجعيتها بموثوقيتها «تتميز العطاس، عند العالم ورؤية ا تعرض رؤية للحق واحلقيقة التي تتضمن الوجود واحلياة بتصور كل تأصلت املطلق، إهنوالوحي، اهلل، وخملوقات اهلل، )وجود العنارص فهذه هنائية. بصورة األساسية عنارصها

الفاروقي، إسامعيل راجي. التوحيد: ومضامينه يف الفكر واحلياة، ترمجة السيد حممد السيد عمر، هريندن، فريجينيا: )1(املعهد العاملي للفكر اإلسالمي، 2016م، ص 59-58.

املرجع السابق، ص 78. )2(

املرجع السابق، ص 400. )3(

رؤية العالم يف الكتابات املعارصة: األمهية واحلضور والتعددية الفصل الثاني

Page 109: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

108

مبادئ هي والسعادة( والفضائل، والقيم، واحلرية، والدين، واملعرفة، البرشي، والروح متامسك توحيدي نظام يف والقيم باحلياة اخلاصة واملعايري املعاين أنظمة تضع تكاملية، متمركزا املبادئ هذه توضحها التي للحقيقة األساس املبدأ ويكون العالم. رؤية ل يشكاإلسالمية العالم رؤية فإن ولذلك الكريم. القرآن اهلل يف أوحى هبا كام اهلل، معرفة حول

«احلداثة وما أن: فيؤكد مثاال عىل ذلك للعالم.« ويرضب التي تصلح رؤية الوحيدة هي

بعد احلداثة ال تملك أي منهام تصورا متامسكا يصلح أن يعب عن رؤية للعالم... فالعنارص

ما عنارص أما رؤية، لتكوين متامسكة بصورة ببعضها ترتبط ال احلداثة منها تتكون التي

بعد احلداثة فهي تبطل عمل هذه العنارص... فرؤية عالم حقيقية ال توجد إذا لم يقبل نظام

بني أو والواقع احلقيقة بني الفصل جرى إذا أو الرؤية، هذه يعكس الذي الكل الوجود احلقيقة والقيم.«)1(

يدعى ما أو الكونية، القرآنية العقدية األمة «رؤية : أن سليامن أبو احلميد عبد ويرى

وجودهم، وملعنى لذواهتم، وجنسا وأمة فردا اإلنسان فهم تحدد التي هي العالم« «رؤية

وللغاية من هذا الوجود، وعالقاته بالذات وباآلخر، وبالعالم، وبالكون، يف كل أبعاد هذا

القوة يمثل الذي واملنبع والرتبة اجلذور الرؤية هي فإن هذه الوجود، ومآل هذا الوجود،

الدافعة العقدية التي تحدد طبيعة القوة الوجدانية املحركة لإلنسان وللمجتمع، والتي تحدد

اإلنسانية املسرية قدرة هذه احلياة ومدى وفاعليتهم، وترسم وجهة مسريهتم يف توجهاهتم

وفاعليتها اإلعامرية احلضارية يف الوجود والتاريخ.«)2(

ويؤكد مرتىض املطهري «أن أي أسلوب وأية فلسفة يف احلياة ال بد أن يكونا مبنيني –

أبينا- عىل لون خاص من االعتقاد والنظر والتقييم للوجود، وعىل لون معني من أم شئنا

التفسري والتحليل. ويوجد لكل مبدأ انطباع حمدد وطراز للتفكري معني يف الكون والوجود،

(1) Al-Attas, Prolegonema: to the Metaphysics of Islam, Pp. 4-5.

أبو سليامن. الرؤية الكونية احلضارية القرآنية: مرجع سابق، ص 25. )2(

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 110: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

109

وتلك األساس هذا عىل عادة ويصطلح املبدأ. لذلك فكرية وخلفية أساسا هذا ويعتب اخللفية باسم«الرؤية الكونية...« والرؤية الكونية عنده ليست مأخوذة من النظر الذي هو فهي املعنى وهبذا الكون، معرفة هو الكونية الرؤية معنى «وإنام املادي، اإلحساس جزء املواضيع ومن اإلنسان، خمتصات من واملعرفة املعرفة... بمشكلة وثيقا ارتباطا ترتبط فئات علمية الكونية يف ثالث الرؤى أنواع ثم يصنف والتفكري.« العقل بقوة تتعلق التي

وفلسفية ودينية.«)1(

ويجعل سيد حسني نرص مفهوم رؤية العالم يف الفكر اإلسالمي احلديث إطارا لفهم العلم احلديث ونقد األسس الفكرية التي قام عليها، حيث «يمكن إلحياء الرؤية اإلسالمية آخذة وهي عميقة، لتغريات اليوم تتعرض التي الرائجة الغربية الرؤية مكان تحتل أن بد ال منها واألخذ احلديثة املعرفة مع التعامل أن ويرى النواحي.« بعض من الزوال يف «من ذلك: يف ويقول لإلسالم، األصلية الكونية الرؤية اكتشاف إعادة ضوء يف يكون أن الرؤية ثانية،... ال بد من استالل تلك العامة الرؤية اإلسالمية يتم اكتشاف الرضوري أن الكونية من احلقيقة الكامنة يف القرآن الكريم واحلديث الرشيف، حيث يتم رشح اجلوانب الرتاثيني املفرسين قبل من وتدوينها اإلسالمية والعلوم للتصوف والفكرية التعليمية أن الفكري... يمكن الرتاث الفلك اإلسالمي. وعب هذا الفلسفية وكذلك علم واجلهود نكتشف ثانية الرؤية الكونية األصلية لإلسالم يف اإلطار الذي يتصل بمعرفة الطبيعة وسائر بأي جمموعة من األخذ املسلمني حقا فقط سيكون يف وسع ذلك املعرفة. وعب مستويات

املعارف األجنبية التي تدعي التطابق مع أبعاد احلقيقة بأرسها.«)2(

السياسية الفلسفة الرشيد: واحلكم «اإلسالم األخري كتابه يف خان مقتدر ويميز لإلحسان« بني ثالث فئات من املعنيني بإعادة بناء املجتمعات اإلسالمية: العلامء التقليديون،

املطهري، مرتىض. الرؤية الكونية التوحيدية، ترمجة حممد عبد املنعم اخلاقاين، طهران: معاونية العالقات الدولية يف )1(منظمة اإلعالم اإلسالمي، 1989م، ص 11-8.

نرص، سيد حسني. الرؤية الكونية التوحيدية والعلم احلديث، جملة قضايا إسالمية معارصة، العدد )18(، 2002م، )2(ص 206-186.

رؤية العالم يف الكتابات املعارصة: األمهية واحلضور والتعددية الفصل الثاني

Page 111: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

110

الفئات هذه من فئة كل أن ويرى احلداثيون، واإلسالميون السيايس، اإلسالم ومجاعات الفئات هذه إىل وإضافة األخريان.«)1( الفئتان تقدمه عام خمتلفة للعالم رؤية تقدم الثالثة الثالث فئة رابعة يف املجتمعات اإلسالمية هي فئة العلامنيني الذي يرون أن الدين كان هو العقبة يف تطور املجتمعات اإلسالمية، وأنه كان السبب يف غياب الديمقراطية، والتحديث، وحقوق اإلنسان واملرأة واألقليات غري اإلسالمية... إلخ، ويقرر أن هذه الفئة تحمل رؤية أي قيام إمكانية يتصور ال الذي احلد إىل السابقة الثالث الفئات عن تماما خمتلفة للعالم تعاون بني أي منها وفئة العلامنيني.)2( ويقدم املؤلف فكرته األساسية عن مفهوم «اإلحسان« الفلسفة يسميه فيام أساسية وعنارص العالم، لرؤية حمددة مبادئ جمموعة يتضمن الذي السياسية للحكم الرشيد.)3( ويرى أن هذه الفكرة هي أفضل طريقة لعرض اإلسالم ورؤية

اإلسالم للعالم.)4(

ويستخدم بعض الباحثني مفهوم رؤية العالم إطارا مرجعيا لقراءة الرتاث اإلسالمي الرتاث، ومن ذلك حماولة نرص تراث شخصية معينة من شخصيات هذا أو بصورة عامة «عالقة الرؤية إىل العالم بالتكامل املعريف: مدونة الغزايل أنموذجا«، الدين بن رساي فهم ويشري إىل معاجلة الغزايل ملسألة الوحدة البنائية يف املعرفة، حني يؤكد الغزايل عىل أن اآليات تتعلق التي واآليات الفلك، علم بمعونة إال تفهم ال النجوم عن تتحدث التي القرآنية املعريف والتكامل الرؤية مظاهر عىل الكاتب ويمثل الطب. بعلم إال تفهم ال بالصحة الفعل وتكامل والعمل، العلم وتكامل العلوم، تصنيف الغزايل عن كتبه بام الغزايل، عند

الرتبوي والسيايس.)5(

(1) Khan, M. Mugtedar. Islam and Good Governance: A political Philosophy of Ihsam. New York: Palgrave Macmillan, 2019, p. 50.

(2) Ibid., p. 54.

(3) Ibid., p. 125.

(4) Ibid., p. 247.

بن رساي، نرص الدين. عالقة الرؤية إىل العالم بالتكامل املعريف: مدونة الغزايل أنموذجا، دورية نامء لعلوم الوحي )5(والدراسات اإلنسانية، العدد )1(، خريف 2016م، ص 281-234.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 112: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

111

ويف هذا السياق يأيت بحث بوعزة يف استخدام مفهوم رؤية العالم بوصفه أداة إجرائية لقراءة تاريخ الفكر الفلسفي.)1(

إىل العربية املجتمعات لتحول والعملية النظرية الرشوط عن الكشف أجل ومن

العلمي« هلذه «التأسيس ملا سامه نظرية بنية إنشاء إىل زيد أبو جمتمعات علمية، سعى سمري

إنسانية «جمتمعات هي العربية املجتمعات أن من املحاولة هذه يف انطلق وقد املجتمعات.

س فيها يف أرض هلا طبيعتها اخلاصة التي تحدد ما الذي يمكن، وما الذي ال يمكن، أن يتأس

الواقع، والذي يحدد موقف املجتمع عىل العموم من مثل هذه األسئلة هو ما نسميه «نظرهتا

إىل العالم«، فام يتفق )أو يتسق( مع نظرهتا إىل العالم يمكن من حيث املبدأ أن يتحول إىل واقع

العالم« العربية إىل العموم«، و«النظرة «العالم عىل إىل النظرة جمتمعي... لذلك كان مفهوم

بني بالعالقة يختص موضوعنا وألن املوضوع. يف مركزية مفاهيم بمثابة اخلصوص عىل

املجتمعات العربية والعلم، كان إنشاء «النظرة املعرفية العربية إىل العالم« باعتباره تخصيصا

ملفهومنا األسايس، رضوريا.«)2(

املعارصة العلم فلسفة بني الربط حول تيبس، يوسف عمل يأيت نفسه السياق ويف

والتصورات العلمية للعالم، فيقول: «إن نظرنا يف التصور العلمي للعالم )هو( سبيل للتأكد

من طبيعة املعرفة اإلنسانية وطبيعة العالقة مع الذات والعالم.« وموضوع التصور العلمي

للعالم عند املؤلف هو «قضية من قضايا فلسفة العلم يف التساؤل عن طبيعة وأسس املعرفة

عالقة وعن العلمي املنهج طبيعة وعن واإلنسان، للكون مميزا منظورا باعتبارها العلمية

العلم بالتقنية وعالقة هذين باإلنسان وبقيمة العلم.« وعليه يلخص املؤلف موضوع كتابه عن فلسفة العلم بأن هذه الفلسفة يف األساس هي مناقشة «أسس تصورات العلم للعالم«.)3(

بوعزة، "مفهوم الرؤية إىل العالم بوصفه أداة إجرائية لقراءة تاريخ الفكر الفلسفي"، مرجع سابق، ص 35-23. )1(

أبو زيد، العلم والنظرة العربية إىل العالم، مرجع سابق 2009م، ص 371. )2(

التصورات العلمية للعالم: قضايا واجتاهات يف فلسفة العلم املعارصة. اجلزائر: ابن النديم للنرش تيبس، يوسف. )3(والتوزيع، وبريوت: دار الروافد الثقافية، 2014م، ص 13-12.

رؤية العالم يف الكتابات املعارصة: األمهية واحلضور والتعددية الفصل الثاني

Page 113: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

112

بقضايا املتخصصة املؤسسات بعض اهتامما خاصا من العالم رؤية نال موضوع وقد

للعلامء املحمدية الرابطة املثال: منها عىل سبيل نذكر الفكر اإلسالمي والعلوم اإلسالمية،

مسارات العالم: ورؤية الكريم «القرآن بعنوان: علمية ندوة نظمت حيث املغرب، يف

الندوة فيها ثامنية عرش بحثا ونرشت يف كتاب خاص تضمن أعامل م قد التفكري والتدبري«،

الذي واشنطن، يف اإلسالمي للفكر العاملي املعهد املؤسسات هذه ومن املذكورة..)1(

«إسالمية املعرفة: جملة الفكر اإلسالمي املعارص« يف خصص عددا خاصا من جملته العربية

يصدرها التي تفكر جملة خصصت وباملثل اإلسالمي.)2( املنظور يف العالم رؤية موضوع معهد إسالم املعرفة يف جامعة اجلزيرة يف السودان عددا خاصا ملوضوع رؤية العالم.)3(

العالقات مرشوع دعمها اإلسالمي للفكر العاملي املعهد توىل التي النشاطات ومن

الدولية الذي بدأ مع جمموعة من أساتذة كلية االقتصاد والعلوم السياسية يف جامعة القاهرة،

مركز احتضنه أن بعد املرشوع دعم املعهد واصل ثم الكلية، يف العليا الدراسات وطلبة

إعامل رؤية يستهدف املرشوع أن القاهرة، وكان واضحا السياسية يف للدراسات احلضارة

العالم اإلسالمية يف دراسة الرتاث اإلسالمي اخلاص بالنظرية السياسية والعالقات الدولية

من جهة، ثم يف إعامل هذه الرؤية يف فهم القضايا السياسية والدولية املعارصة. وقد جاءت

أبو ومنى ربيع، حامد من كل انتهجه الذي الفكري اخلط ضمن املرشوع هذا خمرجات

الفضل، ونادية مصطفى، وسيف الدين عبد الفتاح يف دراسة الفكر السيايس وتدريسه برؤية

إسالمية اصطلح عىل تسميتها باملنظور احلضاري.

التحاقها الفضل يف وقت مبكر عند أبو املنظور احلضاري عند منى وقد تطور مفهوم

مدخل صورة يف الثامنينات مطلع يف القاهرة بجامعة السياسية العلوم قسم يف بالتدريس

التي الندوة أعامل والتدبري، التفكري مسارات العالم: ورؤية الكريم القرآن )املغرب(. للعلامء املحمدية الرابطة )1(نظمتها الرابطة يف يونيو 2014م، الرباط: الرابطة املحمدية للعلامء، ط2، أبريل 2019م.

جملة إسالمية املعرفة، العدد )45( صيف 1427هـ/ 2006م. )2(

جملة تفكر، العدد)1(، جملد )11(، 1432ه )2011م(. )3(

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 114: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

113

منهاجي لتدريس النظم العربية، وفيه حماولة لتوظيف منهجية «إسالمية املعرفة« يف النموذج املعريف العام. وقد نرش القسم األول من هذه املادة يف جملة إسالمية املعرفة.)1(

لكن مفهوم املنظور وصلته برؤية العالم عند منى أبو الفضل كان يتصل بعملية النظر التنظري اإلسالمي،)2( للتعامل مع مصادر ببناء منهجية فاهتاممها النظريات. والتنظري وبناء من ومثلها التحليلية، والنامذج القيايس، النسق أو املرجعية األطر «أن تالحظ جعلها الرتكيبات الكلية التي يمكن استخدامها عند مراحل خمتلفة من العمل الفكري اإلنشائي... املنهاجية من املرجعي اإلطار فإن للمنهاجية... والعصب اللحمة عداد يف تدخل إنما موضعه موضع اخلريطة األساسية للمالمح العامة للموقع حمل الرىض والنظر واحلركة.«)3( ثم إن املقومات املنهجية التي تقرتحها إزاء التعامل مع مصادر التنظري اإلسالمية يف جماالت التخصص املعارصة «تقتيض تبني النظرة الكلية يف تناول الظواهر، ويف اعتامد أساليب الدمج والتوليف بني األجزاء يف إطار الكليات، والبحث يف العالقات االرتباطية الرأسية واألفقية املنظور بمفهوم الوعي رضورة متكررة بصورة تؤكد التحليل هذا ويف السياق.« هذا يف وهو أخرى، منظورات أية عن مستقلة بصورة الكريم، القرآن به يزودنا الذي اإلسالمي منظور يضع لنا منظومة قيمية كلية ومنظومة معرفية تربط النظرة الكلية للظواهر يف موضوع للدارسة، مع النظرة الكلية التي حتكم التعامل مع املكونات واملستويات املختلفة للظاهرة.)4(

وال تكتفي منى أبو الفضل بام أورده علامء األمة من عمليات االستدالل واالستقراء، التي كانت تستهدف التأصيل لألحكام الرشعية، كام فعل الشاطبي مثال، بل تدعو إىل تحديد

أبو الفضل، منى. املنظور احلضاري يف دراسة النظم السياسية العربية: التعريف بامهية املنطقة العربية، جملة إسالمية )1(املعرفة، السنة الثالثة، العدد التاسع، صفر- ربيع األول 1418ه/ يوليو 1997م، ص 35-9.

املنهجية اإلسالمية والعلوم السلوكية أبو الفضل، منى. نحو منهاجية للتعامل مع مصادر التنظري اإلسالمي، يف: )2(والرتبوية، «بحوث ومناقشات املؤمتر العالمي الرابع للفكر اإلسالمي الذي عقد بالتعاون بني املعهد العاملي للفكر اإلسالمي يف واشنطن وجامعة اخلرطوم، 15-20 مجادى األوىل 1407هـ/ 15-20 يناير 1987م، حترير الطيب

زين العابدين، جملد )1( )املعرفة واملنهجية(، ص 232-179.

املرجع السابق، ص 182. )3(

املرجع السابق، ص 206. )4(

رؤية العالم يف الكتابات املعارصة: األمهية واحلضور والتعددية الفصل الثاني

Page 115: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

114

أدوات يعتمد الذي املنهاجية رصح وبناء اإلسالمية« الكونية الرؤية أو التصور «مالمح وشموله القرآين اخلطاب وجوه من املستمدة الكلية الروية هذه فاعتامد إضافية، تحليلية وتكون موضوع، أي يف النظر متطلبات تلبي منهاجية إمكانات لنا يقدم وغائيته واتساقه

حجر زاوية يف حركة الفعل احلضاري.)1(

وقد أدركت منى أبو الفضل التحدي الذي يواجه النشاط العلمي اإلسالمي والعقل الدوائر يف السائد املنظور عن بديل منظور وجود إمكانية «تصور يف يتمثل الذي املسلم، العلمية الغربية، ثم يف تطوير هذا املنظور عىل مستويات متتالية من الصقل والنضج لتنويع صيغته وربطه بسياقات متعددة.« وأوضحت كيف أن هذا التصور والتطوير ال بد أن يحدث له «بنية هذا احلقل من العنارص يف سياق التفاعل الديناميكي مع علم السياسة مثال، بام تشكاملعرفية، واللغة، واملعايري، والطرائق، السائدة يف اخلطاب السيايس احلايل. وبنية كل علم هي بنية منظمة تعب عن خطاب سائد يف أدبيات العلم يطلق عليه مصطلح «النموذج القيايس" ينظم ضمنيا وإدراكيا معياريا نظاما يحدد الذي هو القيايس النموذج وهذا .Paradigm

تفكرينا يف العلم ويوفر له قواعده، وإطار العمل فيه، ومعايريه وحدوده.«)2(

Paradigm القيايس النموذج استخدام مصطلح الكبري يف التفاوت من الرغم وعىل بوصفه رؤية للعالم، ونظرية كبى، وجمموعة معتقدات، ونظاما للقيم، ومنظورا كونيا... إلخ، فإن منى أبو الفضل تجمع بني عدد من املصطلحات التي يتضمنها مصطلح النموذج إىل باإلضافة العالم، ورؤى واملنظورات، والنظريات، «املفاهيم، أن ذلك القيايس، يف تساهم أنها لدرجة القيايس النموذج يف عنارص كلها فيها، الكامنة والقيم املعتقدات تحديد عنارص احلقل املعريف وأمثلته، وبراجمه البحثية. وعليه فإن النامذج القياسية هي بنيات التصور بأشكال ضمنية تحدد تصورنا للواقع االجتامعي بمستويات خمتلفة، وتصوغ هذا القيايس النموذج أنها تعد أبو الفضل خمتلفة.«)3( وواضح يف هذا النص من نصوص منى

املرجع السابق، ص 213-209. )1((2) Abu Al Fadl. Mona. Paradigms in Political Science Revisited. American Journal of Is-

lamic Social Sciences, (AJISS), Vol. 6, No. 1, 1989, p. 121.

(3) Abu Al Fadl. Mona. Paradigms in Political Science Revisited. op. cit., p. 121.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 116: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

115

العالم واملنظور، والنظرية، عنارص الذي تكون فيه رؤية Pardigm هو املصطلح األشمل

يف املصطلح هذا اكتسبها الذي اجلاذبية بتأثري ذلك كان وربام النموذج، ذلك يتضمنها األدبيات الغربية، بعد صدور كتاب توماس كون بعنوان: «بنية الثورات العلمية« يف مطلع الستينيات من القرن العرشين ثم انتشار استعامله يف الكتابات العربية منذ السبعينيات.)1(

ثم حمل مسؤولية التواصل يف تأصيل املنظور احلضاري وتشغيله وتفعليه كل من نادية العليا. الدراسات يف تالميذمها من قليال ليس وعدد الفتاح، عبد الدين وسيف مصطفى والبناء احلضاري للمنظور التأسيس جهود وثقت من أشهر تحديدا مصطفى نادية وتعد عليه. فهي ترى أن «منى أبو الفضل يف اقرتاهبا من مصادر الرتاث السيايس اإلسالمي، كانت ضلعا يف ثالثة سامهت يف تطوير دراسة هذا الرتاث منهاجية ووظيفة، والضلعان اآلخران ل حو فقد الفتاح، عبد الدين سيف الدكتور والتلميذ ربيع، حامد الدكتور األستاذ مها خطابات من الرتاث موضوع حول املتجدد اجلدل فورة -خالل بالرتاث االهتامم الثالثة ارتباطات ذات منظمة، علمية منهاجية حالة إىل انفعالية حالة من واملعارصة– األصالة مبارشة بواقع األمة ومستقبلها من ناحية، وبحالة مراجعة العلم من منظورات حضارية من

ناحية أخرى.«)2(

ويف جمال توثيق خبهتا يف بناء منظور حضاري إسالمي مقارن يف علم العالقات الدولية أصدرت جملدين من األعامل التي نرشهتا أو قدمتها يف مناسبات خمتلفة.)3( ومن خالل هذا املنظور درست املؤلفة التطور التارخيي اخلاص بالعالقات الدولية للشعوب اإلسالمية عب مراحل التاريخ اإلسالمي، مع الرتكيز عىل وضع مرص يف العرص اململوكي والعرص العثامين،

مصطلح paradigm ل ينل مقابال عربيا متفقا عليه عىل نطاق واسع، فاستعملت مصطلحات: النموذج، والنموذج )1(القيايس، والنموذج املعريف، والنموذج اإلرشادي، واإلطار املرجعي، والصيغة املعرفية، ورؤية العالم... وبعض «براديقامت« مع إثبات حرف القاف، مع أن لفظه «براديقم« واجلمع بون املصطلح فيكتبونه بالعربية الكتاب يعر

باإلنجليزيه األمريكية هو «برادايم« دون لفظ حرف القاف.

والتغيري املعريف التحول يف: واإلنسانية، االجتامعية العلوم يف احلضاري املنظور بناء حممود. نادية مصطفى، )2(احلضاري: قراءة يف منظومة فكر منى أبو الفضل،مرجع سابق، 2011م، ص 37-73. )ص 47(.

البرشي، طارق تقديم مقارن، حضاري منظور اإلسالمي: التاريخ يف الدولية العالقات حممود. نادية مصطفى، )3(جزءان. القاهرة: مركز احلضارة للدراسات السياسية ودار البشري للثقافة والعلوم، 1436ه )2015م(.

رؤية العالم يف الكتابات املعارصة: األمهية واحلضور والتعددية الفصل الثاني

Page 117: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

116

صور من وعدد الرشقية، وأوروبا آسيا يف املسلمني ألوضاع مقارنة منهجية تطبيقات مع العالقات يف احلرب والسلم عب خبة التاريخ وتحديات احلارض. كام حررت جمموعة كبرية املرشوع تخصص مرشوعني؛ يف وجاءت إنجازها، عىل أرشفت التي العلمية األعامل من معريف منظور بناء طريق عن االجتامعية العلوم بتجديد الصلة ذات األعامل يف األول يف علمية مجاعة وبناء قرن، ربع بعد املعرفة إسالمية مرشوع تقويم وتضمن وحضاري، االجتامعية، العلوم يف احلضاري واملنظور واملفهوم حضاري، منظور من السياسية العلوم

وببليوغرافيا املنظور احلضاري اإلسالمي وقضاياه.)1(

عىل احلاصلون الباحثون أعدها علمية دراسة عرشين تحرير فهو الثاين املرشوع أما العالقات املاجستري والدكتوراه تحت إرشافها، إىل جانب دراستها املفصلة عن مسار علم املنظور وتوظيف تشغيل جمال يف الدراسات هذه وجاءت منظوراته. وتطور الدولية السياسية بالعلوم اخلاصة واملوضوعات القضايا من كثري دراسة يف اإلسالمي احلضاري

والعالقات الدولية. ونرشت هذه األعامل يف ثالثة جملدات كبرية.)2(

ول تنس نادية مصطفى أن توثق إسهامات عدد من الباحثني واملفكرين الذين تناولوا املنظور احلضاري وإعامله يف دراساهتم، ومن هؤالء طارق البرشي، وعبد الوهاب املسريي،

وأمحد داود أغلو، وغريهم.)3(

وال ننسى أن ننوه بأن سيف الدين عبد الفتاح كان مرافقا لنادية مصطفى يف كثري من املشاريع البحثية والتوجهات الفكرية، وتضمنت أطروحته للدكتوراه عام 1987م، حديثا

مصطفى، نادية حممود. يف تجديد العلوم االجتامعية، مرجع سابق، 1437هـ )2016م(. )1(

موسوعة العالقات الدولية يف عالم متغري: منظورات ومداخل مقارنة، القاهرة: مصطفى، نادية حممود. )تحرير( )2(مركز احلضارة للدراسات السياسية ودار البشري للثقافة والعلوم، ثالثة أجزاء، 2016م.

من اجلدير بالذكر أن معظم النشاطات املنظمة التي نفذت يف إطار املنظور احلضاري وجدت حاضنة أكاديمية يف )3(القاهرة،. اعتبارا من عام 1986م، ثم تأطر هذا العمل يف تأسيس مركز احلضارة السياسية بجامعة العلوم قسم للدراسات السياسية عام 1997م بالتعاون مع مركز الدراسات املعرفية بالقاهرة وبدعم متواصل من املعهد العاملي

للفكر اإلسالمي.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 118: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

117

مستفيضا عن املنظور احلضاري، يف النظرية السياسية ومنهجية التجديد السيايس.)1(

ومن اجلدير بالذكر أن معظم دراسات مالك بن نبي كانت تستخدم املدخل احلضاري سلسلة ضمن كتبه عناوين جاءت لذلك ومشكالهتا، اإلسالمية األمة واقع دراسة يف خالل من نبي بن مالك عند الفكرية الرؤية احلسن« «بن درس وقد احلضارة. مشكالت «البحث يف موقع املسألة احلضارية يف فكره، فوجد أنه يعالج مسألة واحدة تدور حول مشكلة احلضارة، باعتبار أن احلضارة هي اإلطار الذي ينظم كل هذه األجزاء التي نسميها يف مكان ما مشكلة سياسية، ويف مكان آخر مشكلة اقتصادية، ويف مكان ثالث مشكلة أخالقية.«)2( وهذا ما سامه بن احلسن «املنظور احلضاري عند مالك بن نبي« يف دراسته للدورة احلضارية

يف الغرب، والتخلف احلضاري يف العال اإلسالمي.

ونختم حديثنا عن مصطلح املنظور احلضاري باإلشارة إىل أننا نجد املصطلح مستعمال علم تدريس يف التجديد منها: نذكر البحثية، املجاالت من عدد يف احلديثة الكتابات يف ورصاع السياسية، والتعددية التارخيي، والتدوين واجلامل، الفنون مع والتعامل العقيدة، وفلسفات الريايض، والرتويح والتخلف، التقدم وقضايا الدولية، واملنظامت احلضارات،

اإلعالم، ودراسة اآلثار، واسرتاتيجيات الرتمجة، وغري ذلك.)3(

)1( عبد الفتاح، سيف الدين. يف النظرية السياسية من منظور إسالمي: منهجية التجديد السيايس وخربة الواقع العريب انظر 1998م، ،25 رقم اجلامعية الرسائل سلسلة اإلسالمي، للفكر العاملي املعهد فريجينيا: هرندن، املعارص،

الفصل الرابع من الكتاب بعنوان: منهجية التجديد السيايس: املنظور احلضاري، ص 346-271.

)2( بن احلسن، بدران بن مسعود. الظاهرة الغربية يف الوعي احلضاري: أنموذج مالك بن نبي. الدوحة، قطر: وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية، سلسلة كتاب األمة، العدد )73(، رمضان 1420هـ )ديسمب 1999م(، ص 45.

لسنا يف هذا املقام بصدد اإلحاطة بتاريخ استعامل مصطلح املنظور احلضاري وسياقات هذا االستعامل، وإن كان )3(هذا املوضوع يستحق بحثا مستقال ضمن جهود تاريخ األفكار. ومن املؤكد أن جهود التأسيس للجامعة العلمية يف العلوم السياسية والعالقات الدولية بجامعة القاهرة، ومركز احلضارة للدارسات السياسية واملعهد العاملي للفكر اإلسالمي- وتمثلت يف عدد كبري من األطروحات اجلامعية، واملحارضات والندوات، والدورات التدريبية، وما

صدر من كتب وبحوث وحوليات- تمثل حلقة مهمة يف البحث املقرتح.

رؤية العالم يف الكتابات املعارصة: األمهية واحلضور والتعددية الفصل الثاني

Page 119: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

118

المبحث الثالث

ع في رؤى العالم د والتنو التعد

د يف رؤى العالم أوال: ظاهرة التعد

املعارصة. الثقافة خصائص أحد هو العالم حول الكلية ؤى الر يف د تعد وجود إن فإن ثقافة واحدة، لتعميم االنتشار آخذة يف العرص هي ظاهرة العولمة يف هذا كانت وإذا االختالف والتعدد يف رؤية العالم هو خاصية مميزة هلذا العرص أيضا، وربام تخدم العولمة يف جعل هذه الرؤى املتعددة معروفة ومتاحة ألعداد متزايدة من الناس. ويستخدم مفهوم رؤية العالم يف هذه األيام لتوضيح ظاهرة التنافس الثقايف بني رؤى فلسفية ودينية وعلمية متعددة.

وهي من ثم رؤية «ما بعد حداثية« تتصف بالتعدد املعريف والتناشز الفكري واألخالقي.

احتالل يف تتنافس أو تتصارع للعالم خمتلفة رؤى وجود إىل سبق فيام أرشنا وقد عقول الناس وقلوهبم، وتتحكم يف الطرق التي يتعاملون هبا يف املستويات املختلفة سواء املحلية بني فئات املجتمع الواحد أو عىل املستويات اإلقليمية والدولية فيام بني املجتمعات. التي تهدر فيها كرامة الفئات أو املجتمعات إىل احلروب الطاحنة، وقد تصل العالقة بني احلق، عىل أنهم أصحاهبا يرى معينة لرؤية التعصب نتيجة دمه، يسفك أو اإلنسان أنها عىل تفهم الطرفني بني املعركة فإن ثم ومن الباطل، عىل األخرى الرؤية وأصحاب

معركة بني احلق والباطل!

واملعيار األساس يف مالحظة التنوع والتعدد يف رؤي العالم هو االختالف يف اإلجابات التي تقدمها الرؤى املختلفة عن عدد من األسئلة التي تسمى األسئلة الوجودية، أو النهائية، وأصله حقيقته حيث من العالم يف املادي بالوجود تختص التي الكلية،... أو الغائية، أو باحلياة املتصلة التفاصيل من ذلك وغري ووظيفته، وحياته البرشي والوجود ومصريه، الفكر عىل تغب لم أسئلة وهي ذلك. وغري واجلهل، والعلم والرش، واخلري واملوت، ا أسئلة فطرية، كان اإلنسان يجتهد يف اإلجابة عنها بام يتيرس البرشي عىل مدار تارخيه، ألهنمن تستفيد قد فلسفية"، «عقلية- داخلية بجهود أو «غيبي-إهلي«، خارجي مصدر من له

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 120: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

119

دالالهتا يف ومنظمة متسقة اإلجابات هذه تكون وحيثام تماما. تنفيه أو اخلارجي املصدر ن يف جمموعها رؤية حمددة للعالم خاصة ا تكو وموضوعاهتا وشاملة ملجموعة األسئلة، فإهن

بمن يعتقدها ويؤمن هبا.

ويختلف املفكرون يف عدد هذه األسئلة وطريقة صياغتها، والسؤال األول الذي ربام خالق العالم هلذا هل اخللق؛ سؤال هو ذلك بعد العالم رؤى تصنيف يف األساس يكون أو ال؟ فإن كانت اإلجابة باإلجياب تتحدد جمموعة من األسئلة األخرى «التفصيلية« حول العالم املوجود يف هذا املخلوق واإلنسان بالعالم وأفعاله، وعالقته اخلالق وصفاته وجود تتحدد جمموعة أخرى من بالنفي، ووظيفته ومصريه. وإن كانت اإلجابة عن سؤال اخللق م عن هذه األسئلة يف احلالتني تحدد التعدد والتنوع والتشابه األسئلة. واإلجابات التي تقد

أو االختالف يف رؤى العالم.

وعند النظر يف التنوع والتعدد يف رؤى العالم بني األفراد واجلامعات واملجتمعات، فإن فبعض بينها، مشرتكات وجود يصعب الذي احلد إىل تماما متاميزة تكون قد الرؤى هذه الرؤى املادية تتطرف يف مكوناهتا لتكون عىل تناقض تام مع مكونات رؤى أخرى، كام هو لالكتشاف القابلة الطبيعية، القوانني من عدد إىل تخضع مادة العالم ترى رؤية يف احلال عن طريق البحث العلمي، وليس وراء هذه املادة وقوانينها أي يشء آخر، فاإلنسان وسائر هلا مادية الت تشك هي واحلياة، واإلنسان الكون يف الظواهر وسائر أيضا، مادة األحياء قوانيها. حتى الظواهر الثقافية واالجتامعية وما يتخللها من مشاعر، هي حاالت للامدة تتغري وفق املؤثرات املادية الطبيعية، وال ترى هذه الرؤية حاجة إىل افرتاض وجود خالق للكون، ما الناس وفق يتفق عليها املوت، حتى األخالق والقيم هي ممارسات بعد أو حياة أخرى

يجدون يف ممارستها من مصالح مادية حمسوسة.

بدأ خلق الكون، وخلق اإلنسان الرؤية رؤية دينية، تؤمن بوجود خالق، وتقابل هذه يف عاجلة مصلحة لإلنسان تحقق التي واملبادئ القيم من جمموعة وفق الكون هذا ليعمر نتيجة فيه اإلنسان يجد أخرى لتبدأ حياة الدنيا احلياة وتنتهي الناس ويموت مجيع حياته،

سعيه يف الدنيا، إن خريا فخري، وإن رشا فرش.

رؤية العالم يف الكتابات املعارصة: األمهية واحلضور والتعددية الفصل الثاني

Page 121: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

120

وقد تكون بعض رؤى العالم متداخلة إىل حد كبري، حني تشرتك رؤيتان أو أكثر يف عدد من املكونات وتختلف يف مكون واحد أو أكثر.

وعند مراجعة الكتابات التي تتحدث عن رؤى العالم نجد أكثرها يتصل باألديان، عىل اعتبار أن أي دين سواء أكان سامويا أم أرضيا، يتميز عن غريه باإلجابات التي يقدمها عن األسئلة الغائية. وكثري مما كتب عن فلسفة الدين يتحدث عن هذه الصلة.)1( ومن ثم فإن أي البرشي )األنثروبولوجيا( يجعلون رؤية وبعض علامء اجلنس للعالم. دين هو رؤية حمددة العالم والدين شيئا واحدا. لكن هناك مئات األديان املعروفة يف العالم، فهل يعني ذلك أن هناك مئات من رؤى العالم؟ لإلجابة عن هذا السؤال يستخدم الباحثون مفهوم رؤية العالم الغائية، للكشف عن تقدمها األديان عن االسئلة التي «وحدة تحليل« لإلجابات بوصفها ة عددا حمدودا من رؤى العالم، حتى إن أحد املكونات األساسية يف كل منها فيتبني هلم أن ثمالباحثني جعل هذه الرؤى وما يقابلها من أديان ثالث رؤى فقط، عندما يكون معيار التاميز واالختالف هو وجود خالق للعالم. وهذه الرؤى الثالث هي الروحانية التي تجعل الطبيعة قائمة بذاهتا وهي الروح الفاعل أو اإلله، والعلامنية التي تجعل اإلنسان مركز الكون وهو

نفسه اإلله، واملسيحية التي تؤمن بوجود إله خالق ومدبر للكون.)2(

ألن القوة، نفس هلا أحيانا تكون العال رؤية فإن الناس، حياة يف الدين أثر قوة ومع ثقافتهم من يتعلموهنا التي العالم برؤية املوضوعية الدين مبادئ يخلطون ما كثريا الناس الناس عن من فئات تمايزت اآلن، البرشية، وحتى تاريخ مبكر يف ومنذ وقت املحلية.)3( بعضها عىل أساس االنتامء الديني، ومن ثم تجذرت رؤية العالم عند هذه الفئات يف املرجعية

(1) Pojman, Louis and Rea, Michael. Philosophy of Religion: An Anthology, Stamford, CT, USA: Cengage Learning, 2014. See also an important recent book:

- Peterson, Michael; VanArragon, Raymond (Editors) Contemporary Debates in Philoso-phy of Religion. Hoboken, NJ: Wiley-Blackwell: 2019.

(2) Darrow, Miller. Discipling Nations: The Power of Truth to Transform Cultures, YWAM Publishing, 2018, Pp. 148-149.

(3) Van Dijk, Ludger and Withagen Rob. The Horizontal Worldview: A Wittgensteinian Attitude Towards Scientific Psychology, Theory and Psychology, Vol 24, Issue 1, 2014, Pp. 3–18.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 122: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

121

الدينية ذات الطبيعة النهائية واملطلقة. لكن ذلك ال يعني بالرضورة أن رؤية العالم عند أتباع

الدين الواحد بقيت ضامنا لوحدهتم وحائال دون اشتعال اخلالفات املدمرة بينهم، فالتاريخ

البرشي شهد حروبا كثرية وطاحنة قامت بني أبناء الدين الواحد، فكيف نفهم ذلك؟

مدركات يف التأثري من واحد مستوى عىل تعمل ال الدينية الرؤية بأن القول يمكن مفاهيم إىل باالستناد تحديدها يتم هلا الناس ورؤية الكلية فالقضايا سلوكهم، ويف الناس الرؤية تطبيق هذه الكالمي. ولكن أو )الثيولوجي( املستوى الكالم، وهو العقيدة، وعلم من الناحية العملية والسلوكية، يتم باالستناد إىل االنتامء إىل اجلامعة الدينية وااللتزام الفكري التي تتشكل فيها أما الصورة بنظامها ومرجعياهتا، وهو املستوى )األيديولوجي( املذهبي. هذه الرؤية الدينية فتتلون باالستناد إىل اخلبة الذاتية لألفراد أو اجلامعات واملؤثرات الفاعلة من خمتلفة مستويات ثالثة فهذه )اإلمبيقي(. الواقعي املستوى وهو والزمان، املكان يف اجلامعات سلوك تفسري يف تفيد ثم ومن العالم، برؤية الدين عالقة بيان يف تفيد التحليل بتأثري أو انتامئها جلامعة مذهبية حمددة، أو العام، الديني إيامهنا واملجتمعات عىل أساس من أو العالم« رؤية «تحليل إجراء عىل املعارصة الدين فلسفة دراسات وتقوم معينة. خبة

الرؤية الدينية للعالم، بطريقة عب ثقافية وعب تخصصية.

ثانيا: موقع الدين والفلسفة والعلم يف تعدد رؤى العالم

من الطرق املعروفة يف تصنيف رؤى العالم طريقة تميز بني رؤى فلسفية وأخرى دينية ل مصدر عرفه اإلنسان يف بنائه لرؤيته للعالم، وثالثة علمية. والدين يف الفهم اإلسالمي أو«آدم« بأن يؤمنون –التوحيدية« الساموية «األديان يسمى بام املؤمنون ومعهم فاملسلمون علم من إليه اهلل أوحى ما وفق الدنيا حياته يف ه يتوج وكان البرش، ل أو هو السالم عليه للتذكري واألنبياء الرسل إرسال يف البرشية عىل اهلل فضل وتواصل وتوجيهات، وأحكام كلام نيس الناس هداية الوحي، وانحرفوا عنها. وهذه الرؤية الدينية يف أصلها هذا هي رؤية واحدة، ألن الترشيعات التي اختلفت من رسالة إىل أخرى ل تكن تغري من مكونات رؤية العالم الدينية وما تتضمنه من إجابات عن األسئلة الوجودية يف صورهتا النموذجية لإليامن

رؤية العالم يف الكتابات املعارصة: األمهية واحلضور والتعددية الفصل الثاني

Page 123: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

122

الديني. ومع ذلك فقد تطورت بعض املعتقدات الدينية التي تختلف بدرجات متفاوتة عام الرئيسية السائدة يف إليها، كام هو احلال يف األديان هو معروف عن األديان الساموية املشار

اهلند والصني واليابان، مثل البوذية، واهلندوكية، والطاوية، والشنتو، وغريها.

بمعتقدات دينية رؤى فيها اختلطت برشية اجتهادات هي الفلسفية والرؤى وبخبات الطبيعة«، واء «ما عالم عن بالغموض تتصف أفكار إىل تستند «ميتافيزيقية« واالجتامعية.)1( الطبيعية والظواهر واألحداث باألشياء تختص عملية ومشاهدات علمية بعض هذه االجتهادات يؤمن بوجود خالق من نوع ما، وبعضها يعتمد العقل يف البحث عن تصورات عن الوجود الواقعي أو املثايل، أو الوجود أو العدم، أو الطبيعة أو ما وراء الطبيعة، «الفلسفة هي أو غريها من التصورات. لكن الرؤى الفلسفية بصورة عامة تجتمع يف كون فلسفية أسئلة الفهم- هذا -يف تعد العالم رؤى مها تقد التي األسئلة ألن للعالم«، رؤية بامتياز، اعتدنا أن نبحث عن إجاباهتا عن طريق الدين، فيكون لدينا رؤى دينية للعالم، أو اإلجابات تآزر من يمنع ما ثمة وليس للعالم، علمية رؤى لدينا فيكون العلم طريق عن

الدينية والعلمية، كل منها يف جماله الذي يعمل فيه.

Big Bang، هو نظرية علمية، تجيب عن سؤال فلسفي حول أصل الكبري فاالنفجار الكون املادي، بينام يجيب الدين عن سؤال أصل هذا الكون بنظرية اخللق اإلهلي. ويف احلالتني ة تفاصيل للنظرية األوىل يعتقد هبا بعض الناس، وتفاصيل للنظرية الثانية يعتقد هبا أناس ثمة نظرية يف التطور العضوي هي نظرية علمية تجيب عن سؤال فلسفي آخرون. وباملثل فإن ثمآدم البرش أليب اإلهلي اخللق بنظرية السؤال هذا عن الدين يجيب بينام اإلنسان، أصل عن

هم حواء ثم تواصل اخللق بالتزاوج والتناسل. وهكذا يف سائر األسئلة الوجودية. وأم

وقد عرف تاريخ املعرفة البرشية رؤى فلسفية رصفة، نتذكر من أقدمها رؤية أفالطون )ت 347 ق.م.( املثالية، ورؤية أرسطو )ت 322 ق.م.( الواقعية. ومها رؤيتان معروفتان

ليس ثمة ما يمنع أن يكون الدين هو أساس الرؤى الفلسفية. ال سيام أذا أخذنا باحلسبان أن اهلل سبحانه قد أرسل )1(كثريا من الرسل واألنبياء الذين لم نعلم عنهم شيئا. وأن الناس بعد أن يمتد هبم الزمن بعد نبيهم ينسون تعاليمه األصلية، ويأخذون باالنحراف شيئا فشيئا عن هذه التعاليم، ثم يأيت بعض مفكرهيم فيطورون رؤية فلسفية فيها

يشء من بقايا اإلرث الديني.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 124: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

123

التشاؤم، عىل تقوم مثالية فلسفة وهي للعالم، شوبنهاور رؤية ومنها واسع. نطاق عىل وترى العالم مادة مطلقة، والدين حاالت من الفشل والعجز، والعالم إرادة كلية تتمثل يف

املحافظة عىل احلياة عن طريق العقل والعزيزة اجلنسية، واحلياة كلها رشور وآالم.

ومنها رؤية فريدريك نيتشه Friedrich Nietzsche )1844–1900م( وهو فيلسوف التقليدية املرتبطة باحلداثة، أملاين له كتابات نقدية حول الدين واألخالق واألفكار الفلسفية يتلقاها التي التي تكشف عن وعي زائف يصيب األفكار النفسية التشخيصات اعتامدا عىل موسوعة من كل وتشري التقليدية. القيم ضد الشك« بـ«تأويالت اسمه ارتبط الناس. الباحثني بني الكبري االختالف إىل الشابكة)2( الفلسفة عىل الفلسفية)1( وموسوعة ستانفورد يف تحديد الرؤية التي كان نيتشه يمتلكها، حتى إن استعامله ملصطلح Perspective القريب من معنى الرؤية يحمل دالالت خمتلفة ومتناقضة. وفرس كتاب املوسوعتني املشار إليهام ذلك

بصعوبة فهم ما كان يكتبه نيتشه.

يجعل بعضها للعالم فلسفية رؤى يقدمون األورويب النهضة عرص فالسفة ومعظم للدين واإلله مكانا، وبعضها اآلخر يحل فيها عقل اإلنسان وفكره العلمي حمل اإلله.

Humanism واحدة من رؤى العالم التي أسهمت يف تشكيلها وتعد الفلسفة اإلنسانية لوثر، مارتن من اعتبارا الديني اإلصالح حركة العوامل: هذه من نتذكر متعددة، عوالم وتفكيك احللف الذي كان قائام بني امللوك والنبالء من جهة والكنيسة من جهة أخرى، وظهور واالقتصاد التصنيع، حركة وبدء سائدا، كان الذي الديني الفكر تتحدى علمية نظريات التقدم عىل اإلنسان بقدرة الثقة عىل جمموعها، يف العوامل هذه ساعدت وقد الرأساميل، وامتالك القوة. وتقدم هذه الفلسفة رؤية للعالم تتمركز حول تحرير اإلنسان وجعله مقياسا يمتلك الذي األبيض، الرجل وبعبء األورويب، بالتفوق الشعور ذلك ورافق يشء. لكل

املدنية واحلضارة التي تسوغ له استخدام عنارص القوة يف السيطرة االستعامرية عىل العالم.

(1) https://plato.stanford.edu/entries/nietzsche/ (Retrieved 7 July 2020).

(2) https://iep.utm.edu/nietzsch/ (Retrieved 7 July 2020).

رؤية العالم يف الكتابات املعارصة: األمهية واحلضور والتعددية الفصل الثاني

Page 125: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

124

أما رؤى العالم العلمية فقد تطورت بالتدريج مرتافقة مع التطور يف الفكر الفلسفي،

عليها اإلنسان يعيش التي األرض ترى الطبيعية العالم رؤية العلمية يف الثقافة كانت فقد

هنا مركزا ثابتا تدور حوله كل األجرام الساموية، وقد استقرت هذه الرؤية عند الغرب منذ دو

بطليموس يف كتابه عن الفلك املعروف عند العرب بـ )املاجسط( إىل عام 1543م عندما نرش

الساموية«. وقد أدى نرش أفكار كوبرنيكوس إىل «حول دوران األجرام كوبرنيكوس كتابه

قلب تصور اإلنسان عن الكون املادي رأسا عىل عقب، وكان لذلك أثره يف فتح آفاق التقدم

العلمي ليس يف الفلك والفيزياء وحسب، وإنما يف تطور منهجية علمية تقوم عىل املشاهدة

الفلسفي يف التفكري أثر يف توجيه والتجربة واالكتشاف. وكان لنظرية كوبرنيكوس كذلك

طبيعة العالم املادي وموقع اإلنسان وعقله ومعرفته، مما مهد الطريق لنشأة الفلسفة النقدية

التي تطورت عىل يد إيامنويل كانط يف توجيه التفكري العلمي يف طبيعة املادة وعالقته باحلركة

والزمن، وهو ما مهد الطريق كذلك لنشأة النظرية النسبية عىل يد إينشتاين.

النظريات داروين Darwin من تشارلز هبا جاء التي العضوي التطور نظرية وتعد

الطبيعية العلوم جمال يف ليس البرشي الفكر تطور يف رئيسية حمطة شكلت التي العلمية

أن عىل التطور نظرية وتقوم كذلك. واالقتصادية االجتامعية العلوم يف وإنما وحسب،

بعملية بالتدريج تطور واحد أصل يف تشرتك التاريخ يف ظهرت التي احلية الكائنات كل

ل ظهور طفرات ألنواع جديدة. وتفرس االنتخاب الطبيعي، والرصاع من أجل البقاء، مما سه

اجلنيس، االنتقاء نتيجة بأنها والنساء الرجال بني االجتامعية املكانة مسألة التطور نظرية

وانتقد الفلسفة اإلنسانية التي تميز بني الناس عىل أساس العرق. واستخدمت أفكار التطور

االجتامعية«، «الداروينية مصطلح وظهر االجتامعية، األفكار من لكثري مسوغا العضوي

حتسني سياسات ويف السوق، يف التدخل عدم عىل القائمة االقتصادية السياسات لتسويغ

النسل، ومقاومة االشرتاكية وغري ذلك.

نظرية عن بديال بوصفها واسع نطاق عىل التطور نظرية إىل ينظر الذي الوقت ويف قانونا التطور كان فإذا النظريتني، بني رضوريا تناقضا يرى ال من ثمة فإن اإلهلي، اخللق

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 126: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

125

يمنع ما ة ثم فليس القوانني؟! اخلالق، واضع اهلل بأمر فلم ال يكون ذلك طبيعيا صحيحا، إيامننا باهلل ونظرية التطور يف الوقت نفسه، فيام لو كانت هذه النظرية صحيحة، ذلك أن ثمة

ثغرات يف بنية النظرية، وأنها خضعت وال تزال تخضع للتعديل والتطوير.

التقليدية، امليتافيزيقا تستبعد ثورية فلسفة Immanuel Kant كانط إيمانويل وقدم ونقد ما كان معروفا عن العقل ونظرية املعرفة، فبني يف كتابه «نقد العقل املحض« حمدودية القديم عن عالقة األشياء الفلسفي السؤال فيه اإلجابة عن البرشي وبنيته، وحاول العقل وكانت البرشي، واإلحساس للتجربة تخضع أن قبل الذاتية خصائصها يف واملوضوعات عن معرفتنا لكن نفسه، العقل باختيار يتم إنما يعرفه، أن للعقل يمكن ما كل أن إجابته العالم اخلارجي تعتمد عىل أساسني: التجربة احلسية، واملعرفة القبلية. فالعقل ال يعرف إال الظواهر الطبيعية، وال ينفذ إىل حقائق األشياء يف ذواهتا، لذلك من الرضوري اإليامن بوجود يحتمها رضورة هو اإليامن فهذا البرشي. العقل نطاق عن اإليامن هذا خيرج أن دون اهلل

العقل املحض أو املجرد.

رؤية من تنطلق اإلنجليزية باللغة العالم رؤية عن تتحدث التي الكتابات ومعظم معيار فإن فئاهتا، بني والتمييز العالم رؤى تصنيف الكاتب يتوىل وعندما مسيحية. دينية التصنيف يكون غالبا متأثرا بخلفية الكاتب، وهو ما ينطبق عىل كتاب «سري Sire«)1( الذي أوضح رصاحة أنه يوجه كتابه إىل الطلبة املسيحيني، ومن ثم فإنه عرض رؤى العالم التسعة الرؤية. هذه عن اختالفها ضوء يف منها كل خصائص وبني املسيحية، الدينية رؤيته من والوجودية، الطبيعي، واملذهب مدبر، غري بخالق اإليامن ثم املسيحي، اإليامن برؤية فبدأ والعدمية، ووحدة الوجود، وروحانية العرص اجلديد، وما بعد احلداثة، وختم قائمة الرؤى

باإليامن اإلسالمي.

الدينية والرؤية والرؤية الفلسفية الرؤية املرجعية يف كل من اختالف الرغم من وعىل هذه بني ظاهرا تداخال نجد نا فإن البرشي، العقل عىل تطرح التي القضايا فهم يف العلمية

(1) Sire, Naming the Elephant: Worldview as a Concept, Pp. 140-157.

رؤية العالم يف الكتابات املعارصة: األمهية واحلضور والتعددية الفصل الثاني

Page 127: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

126

تارخيها يف فالفلسفة أخرى. جهة من الثالثة والرؤية جهة من منها رؤيتني كل بني الرؤى؛

ل تكن بعيدة عن الدين والعلم، والعلم يف تارخيه احلديث أصبح ذا طبيعة بينية ال يسهل أن

يهمل أثر العوامل التي تتحكم بالبحث العلمي وحياة العلامء ومرجعياهتم الفلسفية والدينية.

العلمية الرؤية بني التوفيق باإلمكان أن وجدوا املتدينني الطبيعيني العلامء وبعض

Carol Hill، وهو عالم جيولوجي أسهم والدينية للعالم، كام كان من شأن كارول هيل

يف دراسة بعض املسائل العلمية التي وردت يف الكتب املقدسة وال سيام يف سفر التكوين،

سائدة كانت التي العالم رؤية إىل باإلحالة بتفسريها للناس، حقيقها ب يقر أن وحاول

عندما تعامل الناس مع النصوص يف بداية األمر، ويف ضوء ثقافتهم. وهو يتساءل: «كيف

يمكن لنصوص سفر التكوين أن تفهم دون األخذ باالعتبار رؤية العالم والثقافة واألزمان

اخلرائط رؤية دون تصورها يتم أن يمكن وكيف النصوص؟! هذه فيها كتبت التي

هذه فبدون الناس؟ أولئك فيه عاش الذي للعالم الفني والتمثيل واالشكال واجلداول

غريبا يبقى التكوين سفر مسائل يف املقدس الكتاب عالم فإن والرشوحات املعلومات

وضائعا لألجيال اجلديدة.)1(

وقبل أن يدخل يف توضيح رؤيته التوفيقية للمسائل العلمية التي يتحدث عنها الكتاب

التوفيقي من املدخل )تأويلية( حاولت سلوك هذا فئات يتحدث عن ثالث فإنه املقدس،

قبل، وهذه الفئات الثالث يف نظره هي:

- املؤمنون بخلق األرض كام وصفت حرفيا يف الكتاب املقدس.

يف وردت العلمية املسائل بعض أن يفهمون الذين التقدميون باخللق واملؤمنون -احلديثة العلمية املعرفة وأن احلريف، باملعنى وليس جمازي بمعنى املقدس الكتاب

يمكن أن توضح املعنى احلقيقي.

(1) Hill, Carol. A Worldview Approach to Science and Scripture, Grand Rabbits, MI.: Kregel Academic, 2019, p. 34.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 128: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

127

- واملؤمنون باخللق التطوريون يرون أن اهلل «سبحانه« يتحدث إىل الناس بطرق خمتلفة معلوماهتم، مع تتكيف بطريقة إليهم يتحدث زمن كل ففي «التكيف« مفهوم عب

فاهلل استعمل التطور بوصفه أداة للخلق يف مجيع أشكال احلياة.

يوافق وهو العالم« رؤية «مدخل يسميها فهو إليه املشار «هيل« املؤلف طريقة أما بعض األمور يف املواقف الثالثة املذكورة ويخالفها يف أمور أخرى، وال يرى سببا لتبني أي منها. ويحاول تفسري النص املقدس آخذا باالعتبار الدليل العلمي والدليل الديني معا، مع املحافظة عىل اعتبار رؤية العالم عند املؤلفني القدماء للنص ضمن ما يتاح له من معلومات يف النص أو الوثائق التارخيية التي تتصل بالنص وزمنه. ومن ثم فإن مفهوم «رؤية العالم« يف هذا الكتاب هو مدخل ملوضوعات اجلدل بني العلم والنص، وليس موقفا من هذا اجلدل.)1(

وعلمية فلسفية مرجعية من العالم رؤى يف التنوع دراسة حاولت التي الكتب ومن Clement Vidal، وهو أستاذ الفلسفة يف اجلامعة احلرة يف بروكسيل كتاب كليمنت فيدال العالم برؤية كونية« ويستخدم مفهوم رؤية احلياة النهاية: معنى البداية حتى «من بعنوان: بوصفه إطارا مرجعيا لبناء تطورات تكاملية من حقول معرفية خمتلفة، من أجل تطوير معنى

للحياة يكون متناسقا من تطور الكون.)2(

والفلسفية، ويضع والعلمية الدينية العالم: فئات من رؤى «فيدال« بني ثالث ويميز النفسية القوة عوامل ينكر ال وهو وتقييمها. بينها للمقارنة «الفلسفية« املعايري من عددا الذكي والتصميم اخلالق وجود عىل تقوم التي الدينية، العالم ورؤى للدين واالجتامعية تكتسب العلمية العالم رؤى أن ويرى الدينية، الرؤية حمدودية عن يتحدث لكنه للعالم، يكمن ضعفها لكن الكونية، والداروينية املشكالت حل واتجاه النظم نظرية من قوهتا النفسية للوظائف الالزمني والعمل القيمي للبعد وإمهاهلا املوضوعية عىل تركيزها يف بروح وشاملة متامسكة بناء تصورات تحاول فهي الفلسفية العالم ا رؤى أم واالجتامعية.

(1) Ibid., p. 6-7.

(2) Vidal, Clement. The Beginning and the End: The Meaning of Life in a Cosmological Per-spective, New York: Springer International Publishing, 2014.

رؤية العالم يف الكتابات املعارصة: األمهية واحلضور والتعددية الفصل الثاني

Page 129: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

128

التفلسف الصناعي، ويقرر أن األسئلة الوجودية الكبى هي أسئلة فلسفية تناقش يف سياق النشاط العلمي املعارص، ويدعو إىل حوار سلمي بني محلة رؤى العالم املختلفة عندما يصل

االختالف إىل االنفعال، فثمة ممارسات وصلوات وطقوس ال يشرتط أن تكون دينية.)1(

ويطلق املؤلف كليمنت فيدال عن رؤية العال التي يعتنقها اسم «رؤية العالم التطورية تكون ربام ولكنها مصادفة، تأت لم الرؤية هذه يف فاحلياة »Evolutionary Worldview

مفتاحا ألكثر األسئلة عمقا عن الكون، ويرى أن الدراسات التشبيهية التي يقوم هبا الكمبيوترSimulation، والربط بني ظاهرة التطور الطبيعي وإمكانية التطور الصناعي، يمكن أن تلقي

حاليا املتاحة الفلكية الفيزياء بيانات بأن ويعتقد الوجودية، األسئلة عىل كاشفة أضواء Advanced Extraterrestrial العالم األريض متقدمة خارج تؤرش عىل وجود حضارات للوصول العلمي التقدم يتواصل أن يتوقع املؤلف أن من الرغم وعىل .Civilizations

املعرفية التداخل بني احلقول أن هذا فإنه يرى التقليدية، الفلسفية إىل إجابات عن األسئلة احلديثة ربام يعد بتكامل ذي معنى مهم يف املعرفة البرشية.)2(

يف املتعددة الكنسية املذاهب يف ا فإهن دينية، رؤية املسيحية العالم رؤية اعتبت وإذا املسيحية ليست رؤية واحدة؛ إذ يتاميز فيها عدد من رؤى العالم املختلفة. وعىل الرغم من أن الفوارق بني الكاثوليكية والبوتستانية معروفة عىل نطاق واسع، فإن االختالف يقع بصورة واضحة ضمن الطوائف املتعددة لكل منهام. وقد بني جيمس ويلامن James Wellman يف دراسته لرؤى العالم ضمن الكنائس البوتستانتية يف أمريكا أن ثمة تمايزا واضحا يف رؤية العالم األخالقية بني الكنائس البوتستانتية اإلنجيلية، والكنائس البوتستانتية الليبالية يف ،Identity الواليات املتحدة األمريكية، وقد اختب هذه الفوارق يف مخسة جماالت هي اهلوية .Politics والسياسة ،Mission والرسالة ،Ritual والطقوس ،Ideology واأليديولوجيا أن اإلنجيليني دعموا السياسة الطائفتني للعالم يف جمال أمثلة هذا االختالف يف رؤية ومن وعمل احلقيقة عن حديث هي للعالم األخالقية «رؤيتهم أن ة بحج العراق عىل احلرب

(1) Ibid., p. 39-57.

(2) Ibid., p. 311.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 130: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

129

الصواب، وأهنا مسألة مسوغة أخالقيا ألن صناعة العدو مسألة معروفة يف الكتاب املقدس وهي مقرة من قبل املسيح، وألن احلرب هي من أجل تحرير شعب من االضطهاد، فال بد املجال تفتح هلم احلرب إن هذه ثم والديمقراطية، السياسية احلرية أجل التضحية من من

لممارسة الدعوة اإلنجيلية يف شعب مسلم.«)1(

يف الرئاسية لالنتخابات السيايس املشهد يف العالم رؤية أثر الكتشاف التمهيد ويف Annick De Witt بني أربعة مراحل أمريكا سنة 2016م، ميزت الباحثة أنيك دي ويت التقليدية العالم برؤية بدءا تحديدا، الغريب العالم يف العالم لرؤى الزمني التطور يف Modern للعالم حداثية رؤية إىل تطورت للعالم، دينية رؤية كانت التي Traditional

والعقالنية العلم احتل حيث العلمية، الثورة شهدت التي األورويب التنوير حقبة يف وبعد احلقيقة. فهم يف مادية فلسفة إىل بالتدريج وتحولت الصدارة، مركز والتكنولوجيا ذلك بدأت جمموعة من املعتقدات بالظهور، وال سيام منذ ستينيات القرن العرشين عرفت التي القيم، وبعض والفنون واملشاعر باألخالق يتعلق فيام للمعرفة عقالنية غري طرقا تجاوزت البعد املادي مثل اإلبداع والتعبري الذايت واخليال، وشكلت يف جمموعها جمموعة Postmodern، وتجلى ذلك يف أعامل النخب التي أطلق عليها ما بعد احلداثة من الرؤى ألسباب التحررية احلركات صعود مع وتزامنت والفنية، األكاديمية األوساط يف املثقفة

مثل البيئة وحقوق األقليات والنساء واملثليني.

أما التطور األخري يف جمال رؤى العالم فإنه يتمثل يف رأي الكاتبة يف رؤية تسمى أحيانا املستقطبة النظر وجهات بني اجلمع بمحاولة وتتميز Integrative التكاملية، العالم رؤية ودجمها يف فهم أكب وأكثر توحيدا للواقع.)2( وحني حللت الباحثة خطاب املرشحني للرئاسة

(1) Wellman, James K. Evangelical vs. Liberal: The Clash of Christian Cultures inn th eAp-

cific Northwest, New York: Oxford University Press, 2009, Pp. 271-275.

(2) De Witt, Annick. Understanding Our Polarized Political Landscape Requires a Long, Deep Look at Our Worldviews, Scientific American, June 28, 2016.

- https://blogs.scientificamerican.com/guest-blog/understanding-our-polarized-political-landscape-requires-a-long-deep-look-at-our-worldviews/ (Retrieved 7 July 2020).

رؤية العالم يف الكتابات املعارصة: األمهية واحلضور والتعددية الفصل الثاني

Page 131: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

130

اجلمهوري، وجدت احلزب الديمقراطي، و«ترمب« عن احلزب «ساندرز« عن األمريكية

خطاب ينطلق بينام للعالم، حداثية بعد ما رؤية من ينطلق االنتخايب ساندرز خطاب أن

ترمب من مزيج من رؤية تقليدية حداثية.

وسبق أن أرشنا إىل كتاب «الكون املجاور لنا: دليل أسايس لرؤى العالم« من تأليف

التسع، العالم رؤى بيان يف املؤلف عليه اعتمد الذي األساس والحظنا سري،)1( جيمس

انطالقا من رؤيته الدينية املسيحية، وتأسيسا عىل االختالف يف اإلجابات التي تقدمها هذه

الرؤى عن ثامنية أسئلة، سبعة منها هي ما ذكره يف الطبعات األوىل من الكتاب هي: احلقيقة

ومعنى والرش، اخلري وقيم واملعرفة، واملوت، واإلنسان، والكون، الوجود، يف األساسية

اتساق هي: الكتاب من اخلامسة الطبعة يف ثامنا سؤاال املؤلف وأضاف البرشي، التاريخ

االلتزام الفكري مع احلياة الشخصية.

الدينية املرجعيات أساس عىل العالم رؤى تصنيف إمكانية إىل سبق فيام أرشنا وقد

هذه من مرجعية كل ضمن الرؤى هذه من عدد تمييز إمكانية وإىل والعلمية، والفلسفة

املرجعيات، لكن التعدد والتنوع يف الكتابات املعارصة عن رؤية العالم وصل إىل حد احلديث

عن رؤية العالم عند كل باحث أو مؤلف، ال سيام ضمن الكتابات الفلسفية احلديثة يف جمال

الفكر واألدب والفن والسياسة واالقتصاد وغريها. فإذا اعتبنا «ما بعد احلداثة« واحدة من

نا يمكن أن نتحدث عن رؤية رؤى العالم املنترشة عىل نطاق واسع يف العالم الغريب اليوم، فإن

العالم عند: هايدجر، أو روالن بارت، أو ميشيل فوكو، أو دريدا. كام يمكن أن نتحدث عن

البنيوية التفكيكية، التفكيكية وما بعد العالم عند عدد من املدارس ما بعد احلداثية: رؤى

وما بعد البنيوية، واإلنسانية )هيومانية( وما بعدها، والنقدية وما بعد النقدية. وتعرض هذه

هذه وتظهر للعالم، متميزة رؤية منها كل متثل ثقافية، «مرشوعات أنها عىل عادة األعامل

مثل التقليدية املعرفية املجاالت من كثري يف احلديثة النقدية الكتابات يف املختلفة الرؤى

(1) Sire, The Universe Next Door: A Basic Worldview Catalog.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 132: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

131

العلوم يف وحتى والدين، والقانون واألنثروبولوجيا، والتاريخ، االجتامع، وعلم الدين،

احلديثة مثل املعلوماتية، وتحليل النظم، والسيبناتيك، ومناهج البحث، فضال عن األعامل

األدبية والفنية، واإلعالمية واملعامرية واإلدارية وغريها.

رؤية العالم يف الكتابات املعارصة: األمهية واحلضور والتعددية الفصل الثاني

Page 133: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

132

خاتمةيف حمدد، مفهوم عن يعب شائعا مصطلحا أصبحت العالم« «رؤية أن الواضح من بقوة: واملفهوم حارضان فاملصطلح البرشية بصورة عامة، واملامرسة البرشي الفكر ميادين واملجاالت العلوم ويف والفلسفة، والعلم الدين ويف والسياسة، واإلعالم الثقافة لغة يف اللغة واللسانيات. ووجدنا النفس وعلوم املخلتفة ال سيام يف علم االجتامع وعلم املعرفية أننا املتوقع ومن اإلنجليزية، واللغة العربية باللغة مادة من عليه اطلعنا فيام احلضور هذا

سنجد ذلك يف اللغات األخرى.

أرشنا كام أخرى بألفاظ حارض »Worldview العالم «رؤية مصطلح أن املؤكد ومن إىل ذلك يف الفصل األول من هذا الكتاب، ففي اإلنجليزية سنجد ألفاظا تحمل قدرا كبريا Synonyms أي Worldview؛ مرادفات إىل نظرنا فلو العالم معنى رؤية الرتادف مع من

باإلنجليزية سنجد منها:Perspective, Position, View, Viewpoint, Cosmology, Angle, Posture,

Standpoint, Underpinnings, Ethos, Conceptual maps, World image, Outlook, Paradigm … etc

ر، التصو العالم«: «رؤية من املعنى يف القريبة بالعربية املستخدمة املصطلحات ومن املرجعية الفكري، املنطلق الفكري، اإلطار الكونية، الرؤية الكلية، الصورة املنظور، املنطلق املعتقدات، االفرتاضات، أو املسلامت العامة، الصورة النظر، زاوية الفكرية، األساس، اخلريطة املفاهيمية، ... إلخ. وبطبيعة احلال فإن كل واحد من هذه املصطلحات

يستخدم يف السياق املناسب له، دون غريه.

العال خمتلفة كثريا العالم يكاد يكون واضحا يف داللته فإن رؤى ومع أن معنى رؤية فيام بينها، وقد وجدنا أن التصنيف الثالثي لرؤى العالم إىل دينية وفلسفية وعلمية هو أبرز التصنيفات، لكن االختالف يقع ضمن رؤى العالم يف كل فئة منها، وربام يكون أقل التعدد يف رؤى العالم العلمية، وأكثره يف رؤى العالم الدينية. وقد الحظنا أن ثمة مشرتكات بني

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 134: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

133

املعارصة الثقافة أن الكتاب هذا من الالحقة الفصول يف لدينا وسيظهر الثالث. الفئات يتجاوز ذلك قد الدين والفلسفة والعلم، وما ما قد يجمع بني الفكرية األبنية تحمل من أي ضمن تصنيفها يسهل ال املعارصة العولمة تحملها التي الفكرية األبنية فبعض كله، بعد احلداثة« «ما التي تجاوزت الفكرية األبنية التقليدية، وبعض الفكرية التصنيفات من إىل «ما بعد-بعد احلداثة« يصعب البحث عن أصوهلا يف األصناف التي كانت معروفة من

رؤى العالم.

ة حال فإن األلفة يف استعامل مفهوم رؤية العالم يف الكتابات العلمية والدينية وعىل أيويف اخلطاب اإلعالمي والسيايس، بعد أن كان استعامله مقصورا عىل املجال الفلسفي، دليل عىل أمهية هذا املفهوم. وعىل الرغم من أن اإلنسان ربام يعتقد برؤية معينة للعالم بصورة غري واعية تماما، فإن «الوعي بأمهية هذا الوعي« يصبح أكثر إحلاحا كلام واجه اإلنسان نفسه أو

واجهه غريه بالسؤال عن السبب يف ميله لرأي أو موقف معني.

اجلامعات عند أفقيا وتنترش الواحد الفرد عند تكون العالم رؤية أن لنا تبني وقد يف السائدة العالم رؤية وتحليل آخر. إىل جيل من عموديا تورث كام واملجتمعات، ثم ومن والممارسات، السلوك أشكال من الكثري تفسري يف تفيد واألجيال املجتمعات

التعامل معها، والسعي إىل تغيريها.

وحتى ال ننسى ما ذكرناه يف الفصل األول من املعنى اإلمجايل لرؤية العالم؛ إذ اختالف التي اإلجابات هو عامة بصورة العالم برؤية املقصود بأن ر نذك نا فإن ينيس، والليل النهار ترد عىل األسئلة الوجودية الكبى التي تختص بوجود اخلالق هلذا العالم املخلوق وبدايته بالوحي تختص التي الغيب ومسائل بخالقها، املخلوقة الكائنات هذه وعالقة ومصريه، واملالئكة والدار اآلخرة، ووجود اإلنسان يف هذا العالم ومهمته فيه، وطبيعة املعرفة والعلم البرشي، ومعنى احلياة واملوت، ومسألة القيم وقضايا اخلري والرش. فمجموع ما يراه اإلنسان

من إجابات عن هذه األسئلة وما يتفرع عنها هو رؤيته للعالم.

رؤية العالم يف الكتابات املعارصة: األمهية واحلضور والتعددية الفصل الثاني

Page 135: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought
Page 136: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

الفصل الثالث

اإلسالميون ورؤية العالم املعارصمقدمة

المبحث األول: خصوصية العالم املعارص

المبحث الثاين: من هم اإلسالميون؟

المبحث الثالث: الكتابات املعارصة عن اإلسالميني

المبحث الرابع: رؤية العالم عند اإلسالميني

أوال: مصادر رؤية العالم عند اإلسالمينيثانيا: رؤية العالم والتعليم الديني

ثالثا: رؤية العالم واالنتساب للحركات اإلسالميةرابعا: رؤية العالم عند اإلسالميني يف إطارها السيايس

خامسا: تقويم رؤية العالم عند اإلسالميني

خاتمة

Page 137: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought
Page 138: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

137

الفصل الثالثاإلسالميون ورؤية العالم املعارص*

مقدمة احلديث عن اإلسالميني ورؤية العالم يثري تساؤال وجيها عن سبب ختصيص احلديث عن اإلسالميني دون سائر املسلمني، وما يمكن النظر إليه من متايز عرقي ولغوي ومذهبي وسيايس بني املسلمني. وربام يكون موضوع رؤية العال حتديدا هو أهم األسباب يف احلديث تطلق التي املصطلحات من واحدا «اإلسالميون« مصطلح أصبح التي الفئة هذه عن عليها. فرؤية العالم عند املسلمني من داخل األمة بصفتها موضوعا للبحث، ل تكن قضية لكن بالرضورة. الدين من معروف مما هو يعد معظم عنارصها إن إذ العامة؛ القضايا من الدوائر السياسية إليها من خارج األمة، وال سيام يف ينظر العالم عند املسلمني عندما رؤية من حمددة لفئات واإلعالمي والفكري السيايس بالنشاط ارتبطت األجنبية، واإلعالمية يف اإلسالم بحضور انشغلت التي واجلامعات واحلركات األحزاب شملت املسلمني السياسة عىل املستوى النظري أو العمل. وغالبا ما تكون قضايا السياسة وأخبار السياسيني ومصطلح السيايس« «اإلسالم مصطلح ظهر هنا ومن املعارص. اإلعالم يف املستهدفة هي «اإلسالميون« الذين يمثلون هذا اإلسالم يف الساحة اإلعالمية. وإذا جاء احلديث عن رؤية يأيت فإنما السيايس، املجال املسلمني ليس هلم حضور مهم يف فئات أخرى من العالم عند

ذكرهم باملقارنة برؤية العالم عند اإلسالميني.

ما منها متعددة، مداخل تأخذ قد العالم« ورؤية «اإلسالميون موضوع دراسة إن يختص بالتمييز بني اإلسالميني ورؤيتهم للعالم، من جهة، وحالة رؤية العالم عند غريهم العالم عند بالتمييز بني رؤية ما يختص األمة اإلسالمية من جهة أخرى. ومنها فئات من

نرشت بعض فقرات هذه الفصل يف ثالثة أعداد من جملة إسالمية املعرفة، وهي كلمة التحرير للعدد 40 ربيع 2005م، *

مادة الفصل مادة معظم لكن 2006م. صيف 45 للعدد التحرير وكلمة 2006م، ربيع 44 للعدد التحرير وكلمة جديدة خمتلفة يف غرضها وبنيتها ومراجعها.

Page 139: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

138

ه رؤية العالم كام تبدت يف التجربة اإلسالميني وغريهم من فئات األمة، وما يمكن أن نعداإلسالم نصوص من الرؤية هذه عن نفهمه أن يمكن وما اإلسالمية، لألمة التاريخية

ومقاصده يف العالم املعارص.

اإلسالميني، عند العالم رؤية بمفهوم يختص ما املوضوع هذا دراسة مداخل ومن اإلسالميني رؤية ومنها وسلوكهم. أفكارهم يف وتجلياتها وتماسكها وضوحها ومدى سوداوية رؤية كتاباهتم بعض يف نميز أن يمكن حيث املعارص؛ العالم يف اإلسالم لواقع مما شهده يا وتعقيدا وتحد أشد صعوبة يعانيه اإلسالم من ظروف تتحدث عام العالم هلذا اإلسالم عىل مدى تارخيه، ومن ثم تكون هذه الرؤية سببا يف حالة القلق واإلحباط واليأس، نراه من حضور لإلسالم بام ه تنو الوقت نفسه، صورة متفائلة ونميز يف كتابات أخرى، يف ومبادئه وقضاياه يف الدوائر السياسية واألكاديمية واإلعالمية يف العالم املعارص، وما يتيحه

هذا احلضور من تعارف وتفاعل، وفرص وإمكانيات تبرش بكل خري.

املعارص العالم فيها يرى التي الصورة املوضوع هذا يف تدخل أن املهم من أن ونجد بصورة وثقافات ومؤسسات ودول جمتمعات من اإلسالم يمثله وما واملسلمني، اإلسالم عامة، ورؤية العالم املعارص لإلسالميني بصورة خاصة؛ وكيف ترى الفئات املختلفة يف هذا ر املتسارع يف درجة حضور هذا نا نرى التطو العالم رؤية اإلسالميني للعالم املعارص، ال سيام أن«األكاديمية« والسياسية واإلعالمية، سواء كان حضور احلديث املوضوع يف الساحة العلمية عن اإلسالم من جانب سلبي أو من جانب إيجابي. واملقصود هنا هو لفت النظر إىل حضور موضوع اإلسالميني فيام يكتب يف العالم الغريب تحديدا عن اإلسالم واملسلمني واإلسالميني.

ثروات من لدهيا ما هو اإلسالمية باملجتمعات العالم اهتامم يف السبب يكون وقد طبيعية وما تمثله من أسواق لبضائع العالم. لكن العولمة وما رافقها من وسائل التواصل العامة عىل احلياة اإلسالم يف مظاهر كثريا يف حضور أسهمت واهلجرة والتنقل واالتصال ليس تحديدا- الغريب -والعالم العالم لكن واإلعالمي. والتعليمي االجتامعي املستوى غافال عام يراه من صحوة إسالمية بدأت تأخذ طريقها اعتبارا من الثلث األخري من القرن

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 140: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

139

العام إىل قدر التدين الدينية ومظاهر العاطفة ر العرشين، وأن هذه الصحوة تجاوزت تطومعتب من الوعي النفيس واإلحياء الفكري والتجديد الفقهي، وإىل تطوير مشاريع متنوعة يف التجديد يف الفكر السيايس واالقتصادي، وإىل خبة تتدرج يف النضج فيام يختص بالعالقة

مع اآلخر غري اإلسالمي يف فكره وثقافته وواقعه العمل.

من عنها كتب بام الصحوة تلك عنارص من عنرصا اإلسالميني موضوع ل شك لقد مسرية يف معالم الصحوة هذه يف يرون واإلسالميون ومراجعات، وإخفاقات نجاحات وأساليب والصعوبات العراقيل كل أن سيام ال ثامرها، تؤيت أن بد ال احلضاري النهوض من تزيد تواجهها، تزال وال اإلسالمي احلضور مظاهر واجهت التي والتشويه، القمع التفاف اجلامهري حول ما يمثله اإلسالم. وقد كانت تلك الصحوة وموقع اإلسالميني فيها الغربية السياسات دوائر يف التعامل اسرتاتيجيات وبناء والتحليل للبحث أثريا موضوعا إىل أساسا يتوجه كان اإلسالميني خطاب أن ومع اإلعالم. ووسائل البحوث ومراكز الداخل اإلسالمي، فإن هذا اخلطاب أخذ يتوجه بكثافة إىل اخلارج كذلك، فيعطي اهتامما الكتابات، ويحاول التي تنطلق منها هذه الرؤى متزايدا ملا يكتب عنه، وأخذ هيتم بدراسة

التأثري فيها.

الغربيني ورؤية فيها، وموقعهم للصحوة اإلسالميني رؤية الثالث: املالحظات هذه يف أسهمت ربام الغربيني، برؤية اإلسالميني واهتامم الصحوة، هذه يف اإلسالميني ملوقع والقوى العالم يف بموقعهم وعيا أكثر فجعلتهم اإلسالميني؛ عند العالم رؤية يف التأثري املؤثرة يف هذا العالم، وربام أسهمت يف التأثري يف رؤية العالم لإلسالم واإلسالميني. وعىل ا ينبغي أن ال يغيب عن فكر اإلسالميني حقيقة أن الغرب املعارص ال يتوقع كل حال فإن مممنه أن يتخىل عن مرجعياته وتارخيه يف العالقة مع اإلسالم واملسلمني، وال يغيب عن فكرهم ش الدين، أيضا أن اهليمنة الغربية عىل العالم املعارص قد صبغت هذا العالم بثقافتها التي تهميف احلياة العامة، وترى أن اإلسالميني الذين يدعون إىل عودة اإلسالم إىل مؤسسات الدولة ذاكرة تسهم وربام العالم. تغيري إىل دعوة يحملون واالجتامعية، واالقتصادية السياسية

اإلسالميون ورؤية العالم املعارص الفصل الثالث

Page 141: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

140

الكثريين نظرة املسلمني، يف بالد االستعامرية يف الديني، ومصاحلهم تارخيهم الغربيني عن منهم إىل هؤالء اإلسالميني، بوصفهم خطرا دامها ال بد من مواجهته. وربام تلتقي يف هذه النظرة، مجاعات احلامس الديني املسيحي، مع الفئات العلامنية التي ترى رضورة إبعاد الدين

عن احلياة العامة.

يجيب حمددا بيانا يفرتض العالم، ورؤية اإلسالميني بني الربط عن واحلديث عند العالم رؤية وما احلديث؟ هذا سياق يف اإلسالميون هم من قبيل: من أسئلة عن احلديث خصوصية هلا أو تناول مباحث، أربعة يف الفصل هذا جاء وهكذا اإلسالميني؟ ف املبحث الثاين بمصطلح اإلسالميني وداللته يف عن رؤية العالم يف العالم املعارص، ويعراالستعامل عند اإلسالميني أنفسهم، وعند غريهم، ال سيام عند الغربيني وعند العلمانيين العرب. ويوجز المبحث الثالث القول يف مدى انتشار الكتابات املعارصة عن اإلسالميني، وكام أوساطهم، يف هي كام اإلسالميني عند العالم رؤية عن الرابع المبحث ويتحدث

يراها غريهم عندهم.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 142: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

141

المبحث األول

خصوصية العالم املعارص يه «رؤية العالم اإلسالمية«. ل من هذا الكتاب عام يمكن أن نسم تحدثنا يف الفصل األوونتوقع أن تكون هذه الرؤية هي نفسها رؤية العالم عند املسلمني. لكن يف املسلمني فئات ا خمتلفة ربام تجتمع يف العنارص الرئيسية لرؤية العالم، وتختلف يف بعض التفاصيل الفرعية، إمبسبب التفاوت يف طبيعة املعرفة عند هذه الفئات، أو بسبب االختالف يف أولويات االهتامم ا تعتمد ا رؤية غري املسلمني لرؤية العالم اإلسالمية أو لرؤية العالم عند املسلمني فإهن لدهيا. أمواملسلمني يعرفون عن اإلسالم يكونوا لم املسلمني فكثري من غري العوامل، عىل عدد من هتا شيئا. ولكن التحوالت التي طرأت عىل العالم منذ بداية القرن العرشين، وتسارعت حدت يف النصف الثاين من ذلك القرن، وال تزال تتسارع بصورة يصعب متابعتها وقياسها، يرسما الشعوب، وأصبحت وسائل اإلعالم والتواصل تعرض والتفاعل بني التعارف أسباب

يحدث يف أنحاء العالم بالصوت والصورة احلية، حلظة بلحظة.

وتحليالت وأحداث أفكار من التواصل حمتوى أن عن نغفل أن السهل من وليس املحتوى العالم. لكن هذا العالم ومكونات هذا هنا اإلنسان عن التي يكو الصورة يؤثر يف -إضافة إىل عوامل مهمة أخرى- تؤثر تأثريا كبريا يف الطريقة التي يفهم فيها القارئ والسامع واملشاهد للمحتوى الذي يجرى نقله. فوسائل اإلعالم ال تنقل كل يشء عن احلدث نفسه، ة جوانب ال يتم نقلها بسبب عدم الوعي هبا أو العجز عن الوصول إليها، أو بسبب إمهاهلا فثمعمدا. وللطريقة التي تنقل فيها األحداث أثرها، فقد تنقل باللفظ أو الصورة بطريقة جمردة، النفسية. وللمحيط االجتامعي الذي يحدث فيه وقد تنقل خمتلطة باالنفعاالت والتعبريات األحداث فهم يف املبارش األثر احلال بطبيعة ننسى وال ببيئته، احلدث ربط يف أثر احلدث نتيجة ما يعرض يف التحليل اإلخباري لألحداث وتفسريها والتعليق عليها، سواء ممن هلم ممن هلم مصلحة حمددة يف أو واملهتمني واخلباء، املراقبني من أو باألحداث، مبارشة صلة

استغالل األحداث ألغراضهم.

اإلسالميون ورؤية العالم املعارص الفصل الثالث

Page 143: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

142

أن املتوقع من فإن إسالمي، بمجتمع خاصا ه خب ينقل الذي احلدث يكون وعندما نه املشاهد من رؤية عن ذلك يكون هلذه العوامل أثر يف فهم املشاهد للحدث نفسه، وما يكواملجتمع الذي يحدث فيه. ومن املتوقع أن تكون رؤية الناس يف الغرب األورويب واألمريكي

ملا يحدث يف املجتمعات اإلسالمية جزءا من رؤيتهم لإلسالم واملسلمني.

عام صدر بكتاب العالم رؤية تشكيل يف اإلعالم وسائل أثر عىل مثال ونرضب ل التلفزيون رؤيتنا للعالم، متثيل اإلعالم لالتجاهات والتغري 2014م، بعنوان: «كيف يشكل فيها التلفزيون رؤيتنا االجتامعي«، تناول مؤلفو الفصول يف ذلك الكتاب «الطرق التي يشكواملؤلفون هم جمموعة من العالم. مع هذا التعايش ويؤثر يف طريقتنا يف اخلارجي، للعالم املفكرين واملختصني بمناهج البحث واألطر النظرية التي تفرس األثر القوي للتلفزيون عىل الكيفية التي نتعلم هبا عام يحدث يف العالم، وعن األعراف والتقاليد والتوقعات االجتامعية حول التفاعالت الثقافية واملؤسسات، حتى لو كان ما نتعلمه غري كامل وغري صحيح.«)1( نبه حمررو الكتاب يف مقدمتهم للكتاب إىل االختالفات الكبرية يف التوجهات الفكرية وقد أنه: واضحا كان وقد املختلفة، التلفزيونية املحطات يف الفاعلة للشخصيات والسياسية هة اجتامعيا، بام «مع اعرتاف كتاب الفصول بعمليات التشويه، واالنتقائية، والصياغة املوجف ويغري يف املحتوى الذي نستقبله يف بيوتنا، فإنهم يبحثون يف الدور التعليمي للتلفزيون يحر

ويستكشفون الطرق التي يقدم فيها التلفزيون ملشاهديه معرفة عن العالم الواسع.«)2(

من العالم، هذا عنارص تجاه بمشاعره تتصل الفرد عند العالم رؤية أن املؤكد ومن جمتمعات ومعتقدات وأحداث. ولذلك تولت بعض الدراسات االهتامم هبذه املشاعر، وال وشدة اإلنسان، مشاعر فيها تظهر التي والطريقة املختلفة، املشاعر طبيعة بني التمييز سيام من ينتاهبام وما العالم ورؤية اهلوية لتكوين مادة املشاعر هذه تكون وكيف املشاعر، هذه

(1) Macy, Deborah; Ryan, Kathleen and Springer, Noah. How Television Shapes our World-view: Media Representations of Social trends and Change, New York: Lexington Books, 2014, p. 2.

(2) Ibid., p. 3.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 144: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

143

حقائق االجتامعي التواصل وسائل تنرشها التي املزيفة األخبار تصبح وكيف تنافس، السيايس الفكر صناعة إىل اهلوية وعنارص الدينية االختالفات يف التأثري تتجاوز مؤثرة،

واملوقف السيايس.)1(

املتداخلة الدوائر من عدد إىل وانتامءه ته هوي اإلنسان يجد أن السهل من كان وإذا بأن يسمح اليوم، نعيشه الذي الزمن فإن وإقليمية، حملية مستويات عىل يمتد عالم يف يجد اإلنسان نفسه عىل املستوى العالمي أيضا، يف دوائر انتامء تتداخل وتتقاطع. فكم من املشرتكات يف االنتامء بني املسلم يف بلد عريب أو إسالمي واألقليات اإلسالمية يف الغرب يف اهلند وأوروبا وأمريكا مثال، وكم من املشرتكات بني الطبيب املسلم يف بلد عريب والطبيب غري املسلم يف أي بلد آخر عب العضوية يف زماالت التخصص المهني الدقيق، بام يتيحه اجتامعات وندوات قراءات متخصصة، وبحوث مشرتكة، ولقاءات مبارشة يف ذلك من

ومؤمترات، وغريها.

ولو تحددت رؤية العالم عند الفرد املسلم املعارص بموقعه هو يف هذا العالم، فإنه لن العالم خلقا آخر ال الناس اآلخرون يف التاريخ واجلغرافيا، ولن يكون يجد نفسه بعيدا يف ث عن األجزاء العالم، يتحد أنه جزء من هذا له معه. وإنما سيجد به. أو عالقة له معرفة ث األجزاء األخرى عنه، يراها وتراه، وينفعل -سلبا وإيجابا- بام يحدث األخرى وتتحد

يف أي جزء من العالم.

التوازن، وإعادة والتكيف الرتاكم بطريقة تبنى اإلنسان يمتلكها التي األفكار إن ثم وهكذا اخلبة، وتراكم الزمان مرور مع واالمتداد التواصل حلقات من سلسلة لة مشكة مواقف يف حياة الفرد وحياة املجتمع يحدث فيها يشء من تتطور الثقافة البرشية. لكن ثمتجاوز التطور العادي، يتمثل يف فكرة تيضء يف عقل صاحبها، تعب عن إبداع فكري جديد يعني وهذا بكاملها. الثقافية الرؤية تشكيل ويعيد واملألوف، للمعروف استمرارا يبدو ال

(1) Abdel-Fadil, Mona. The Politics of Affect: the Glue of Religious and Identity Conflicts in Social Media, Journal of Religion, Media and Digital Culture, V. 8, Issue 1. 2019, Pp. 11-34.

اإلسالميون ورؤية العالم املعارص الفصل الثالث

Page 145: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

144

والتصورات األفكار من شبكة هي وإنما منفصلة، ومسائل أشياء ليس الثقايف التطور أن واملواقف التي تشكل رؤيتنا للعال ووجودنا فيه.

سياق يف املسلمني عند العالم رؤية عن احلديث يضع أن السيد« «رضوان ويحاول –هو- لفئات حمددة من املسلمني، ويصدر تعميامت كاسحة، العالم املعارص، ضمن رؤيته رؤية املعارص اإلسالمي العريب الفكر يف نملك «ال اليوم: املسلمني نحن أننا مثال فيقرر ل ذلك جانبا من للعالم، ال باملعنى النظري، وال باملعنى االسرتاتيجي/ السيايس. وإذا شكجوانب األزمة يف عالقاتنا بالعالم فإنه من جهة أخرى ينم عن قصور معريف شديد يقع يف ويدلل عنه.«)1( التعبري وطرائق بالعالم الوعي ذلك ويشمل املتفجرة، األزمة هذه أصل «السيد«عىل ذلك من مالحظة «الرؤية االنقسامية للعالم« التي تستدعي التعامل مع العالم استنقاذ أجل من بل عليه، السيطرة أجل من «ليس اجلهاد، هي وحيدة وسيلة طريق عن اإليمان من براثن الكفر بالقوة«، وأن املسلمني يتعاملون مع أنفسهم ومع العالم كأنما هم

«أقلية تريد االنعزال واالنفصال خوفا من أن تتعرض أو تتهدد هويتها.«

الغرب يف اإلسالمية األقليات تقدمه الذي الفقهي التبير «السيد« ويستهجن جهة، من األقليات«، «فقه إنشاء إىل بحاجتهم إسالمية، غري بلدان يف عيشها الستمرار هبا تطالب التي الدينية- اهلوية أساس –عىل االستقالل قضايا مع املسلمني وتعاطف بعض األقليات املسلمة يف الفلبني وبورما وتايالند والشيشان واهلند... كام يستهجن ضيق األكثريات املسلمة ذرعا باألقليات غري املسلمة يف بعض البلدان، وإثارة الشبهات يف أمانة

هذه األقليات ملجتمعاهتا التارخيية اإلسالمية.)2(

الرصاع عىل اإلسالم: األصولية واإلصالح والسياسات الدولية، بريوت: دار الكتاب العريب، )1( السيد، رضوان. 2004م، ص21.

من املفيد أن نالحظ أن «فقه األولويات« كان وال يزال حماولة لالجتهاد يف قضايا األقليات اإلسالمية يف جمتمعات )2(طورت أنظمتها وقوانينها دون أن تراعي وجود هذه األقليات، ويف الوقت نفسه ل تجد هذه األقليات من األحكام الفقهية التي نشأت استجابة لواقع جمتمعات املسلمني ما يكفي لالعتامد عليه يف تنظيم شؤوهنا. ومن املفيد أن ندرك أن هذه األقليات أخذت تشعر بحاجتها إىل نوع آخر من الفقه يتصل بطرق تعاملها مع األنظمة والقوانني السائدة بعض حماوالت أما جانبه. إىل آخر فقها أو األقليات، فقه عن بديال املواطنة، بفقه سمي ما وهو جمتمعاهتا، يف األقليات اإلسالمية لالستقالل وتعاطف املسلمني مع قضايا استقالل هذه األقليات، فال بد أن نفهم أن بعضها

كان نتيجة للشعور بالظلم واحلرمان والتهميش الذي تعاين منها هذه األقليات.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 146: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

145

ويف الوقت الذي ال يترسع فيه «رضوان السيد« يف إدانة القلق اإلسالمي عىل مدى العالم تجاه السياسات العدوانية لألمريكيني والصهاينة «يف االعتداء عىل أرضنا وإنساننا ومصاحلنا« أو االستخفاف هبذا القلق.. فإنه يرى «أن الوعي الثقايف والديني السائد يف املجاالت الثقافية العربية واإلسالمية ال يعني عىل التصدي للمشكالت احلقيقية يف العالم، فضال عن أن يقدم رؤية أو رؤى ممكنة للعالقات بني األمم والثقافات واألديان األخرى.« لكن «رضوان السيد« اليوم وطبيعة خطاباهتا، وعجزها عن تقديم تلك لتيارات اإلسالم السائد -يف ضوء تقويمه اإلحيائيني املسلمني-واملثقفني العرب «نحن أننا: عىل احلكم يف يرتدد ال رأيه- يف الرؤى، يف احلق يكن ا أي للعالم مشكلة نقصد،... أن بدون رصنا اخلصوص- عىل منا واألصولني

دعوانا وشكوانا« فيام يختص بموقعنا يف العالم ورؤيتنا له!«)1(

ومن املعروف أن رؤية العالم يف هذا السياق كانت جزءا من الفقه اجلغرايف للعالم عند املسلمني؛ أي األحكام الفقهية املتعلقة باألرض والدار، واألحكام الرشعية اخلاصة باإلقامة فيها أو اهلجرة إليها أو منها. ونحن نشري هنا إىل الفقه والرؤية الفقهية بمعناها االصطالحي القار، وليس إىل مطلق الفهم بداللته العامة؛ أي فهم النص يف مقاصده وهديه العام، وفهم عىل النص ذلك تنزيل فيها يمكن التي الصورة وفهم النص، إليه يستدعى الذي الواقع

الواقع لتحقيق مقاصد اهلدي اإلهلي يف حياة الناس.

فالرؤية الفقهية كانت جزءا من الفقه السيايس الذي يحكم عالقات املسلمني بغريهم أنه إىل الدراسات من كثري تشري الذي الفقه وهو خارجها. ويف اإلسالم« «دار داخل يف ر من الفردية. وما تطو العبادات والشعائر ر فيه فقه ر باملستوى الذي تطو ينم ولم يتطو لم الرسالة، تحمل استجابة« «أمة إىل اإلسالم، رسالة من موقعهم حيث من للناس تقسيم االنقسامية والرؤية السيايس الفقه أزمة يحل مشكلة ل إليها، الرسالة تتوجه و«أمة دعوة« للعالم. ولعل موضوع الرؤية االنقسامية نفسها تحتاج إىل قدر من املراجعة، ليس بوصفها الرؤية هذه موقع يف وإنما وحسب، اإلسالميني من حمددة فئة عند العالم رؤية من جزءا

السيد، الرصاع عىل اإلسالم: األصولية واإلصالح والسياسات الدولية، مرجع سابق، ص 26-25. )1(

اإلسالميون ورؤية العالم املعارص الفصل الثالث

Page 147: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

146

الرؤية، يف ضوء هداية لنا من فهم معارص هلذه تقدمه أن املرجعية اإلسالمية كام يمكن يف الوحي ومقاصد الدين وقيمه.

ة تساؤالت عديدة تستدعي دراسات منهجية عميقة، تبحث يف العوامل لذلك فإن ثمالتي شكلت عنارص هذه الرؤية الفقهية يف العقل املسلم املعارص، وموقع املرجعية القرآنية التارخيي الواقع النبوية فيها، ودور النبوية والسنة السرية العنارص، وموقع يف تحديد هذه وتبدالت الوزن السيايس للخالفة اإلسالمية يف العصور املتعاقبة، وأثر ذلك كله يف تحديد يف الرتاث هذا وأثر اإلسالمي، الرتاث يف العلامء إسهامات عليها ظهرت التي الصورة القرن يف واإلصالح والدعوة الفكر رجال عاشه الذي واالجتامعي السيايس الواقع فهم العرشين، وكيف انتهى األمر إىل ما نشهده اليوم من استمرار الرؤية الفقهية االنقسامية التي تنتمي إىل الرتاث، وإىل ظهور صور من فهم العالقات بني املسلمني وغريهم يف داخل بالد املسلمني التارخيية ويف خارجها، كام كانت هذه العالقات يف التاريخ، وكام يجب أن تكون

يف احلارض واملستقبل.)1(

يف والسيايس االجتامعي الواقع حول ملحوظتني عىل التأكيد هو اآلن يعنينا والذي والعقيدة الدين أثر عمق فرغم الداخل، باملجال األوىل امللحوظة تتعلق اإلسالم، تاريخ الفقهية الرؤية تجاوز قد التارخيي الواقع ذلك فإن األثر- هذا بسبب –وربام )الملة( أبناء بني تعايشا الرؤية- لتلك –خالفا الواقع ذلك وشهد الرتاث، يف تبدو كام التقليدية، الملل املختلفة، يقوم عىل الطواعية وحرية االختيار، ضمن ترشيعات ناظمة حلقوق الفئات ثم إصدار التنبيه عىل حقوقها وتمايزها، ومن إىل الفئات مضطرة املختلفة، ولم تكن هذه الترشيعات التي تعرتف هبا وبتاميزها وبحقوقها، بل جرى ذلك التأسيس يف وقت الترشيع األصل ويف زمن تلقي الوحي، فكانت صحيفة املدينة –مثال- تأسيسا الجتامع األمة وليس

الجتامع الملة، وربام نجد فيها تأسيسا ملا يمكن أن نسميه اليوم «فقه املواطنة«.

كان موضوع الرؤية االنقسامية للعالم أحد املوضوعات التي تناوهلا العدد اخلاص من جملة إسالمية املعرفة، السنة )1(الثانية عرشة، العدد )45(، صيف 1427هـ/2006م. لكن املوضوع يبقى بحاجة إىل بحث.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 148: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

147

للمجتمع السيايس للواقع والدويل اخلارجي باجلانب فتتعلق الثانية امللحوظة أما الدولية، فلم يقترص ذلك اإلسالمي، من حيث الشؤون اخلارجية لألمة املسلمة وعالقاهتا الواقع عىل عالقات املواجهة واحلرب والصدام، وإنما عرف من أنامط العالقة كل ما يعرف املجاالت، بصورة تجعل العهد والسالم والتحالف والتعاون يف سائر اليوم، من عالقات الكفر )أو احلرب(، الدارين: دار اإلسالم ودار الفرتات من مصطلحات ما ساد يف بعض أو الدور الثالثة: دار اإلسالم ودار الكفر ودار العهد، جمرد مصطلحات فقهية واجتهادات يلزم ما وصف عن تعجز قد فإنها ثم ومن ألزماهنم، واحلكام الفقهاء هبا اجتهد تارخيية العالمية الرسالة مقاصد عن تعبريا أكثر تكون ومصطلحات مفاهيم من أخرى، ألزمان لإلسالم واملهام اإلنسانية للمؤمنني هبذه الرسالة. وهي رؤية للعالم مبنية، هي األخرى، عىل

اهلدي القرآين والسرية النبوية أكثر مما هي مبنية عىل اجتهادات الفقهاء واحلكام ألزماهنم.

التأصيلية يف جهودنا لصياغة رؤيتنا الرؤية تلك استدعاء إىل اليوم وكم نحن بحاجة اإلسالمية املعارصة للعالم!

صحيح أن التاريخ االجتامعي لإلسالم يتحدث عن أفراد مسلمني يلتزمون، بدرجات خمتلفة، بأحكام املكلفني يف مسائل اإليمان وأركان اإلسالم، ولكن يبقى الذوق االجتامعي العام هو الذي يضفي عىل املجتمع صفة اإلسالم، دون أن تحرم الفرد من انتامئه إىل دوائر نفسه يزال األمر متداخلة من األرسة والقبيلة واملدينة والمهنة والمذهب وغري ذلك. وال وقبيلته الصغرية أرسته إىل انتامئه من يحرمه ال املسلم للمجتمع الفرد فانتامء اليوم قائام الكبرية، وإىل احلي الرشقي من قريته أو الشارع الذي يسكنه يف مدينته، واملدرسة أو اجلامعة عريب نفسه الوقت يف وهو سفرها، جواز يحمل التي الدولة أو والقطر فيها، تخرج التي يركب الذي عرصه ابن نفسه الوقت يف وهو مذهبه. يف شافعي دينه، يف مسلم لغته، يف السيارة والطائرة، وابن جيله الذي يستخدم االنرتنت ويشاهد الفضائيات، وهو كذلك ربام وإىل بلده، السيايس يف النظام يشارك من خالله يف محل مسؤولية إىل حزب سيايس ينتمي مجعية خريية يتطوع أعضاؤها ويتعاونون يف أعامل اخلري، وإىل نقابة مهنية تنظم شؤون املهنة

وتحافظ عىل تقاليدها ورفع مستويات أدائها... إلخ.

اإلسالميون ورؤية العالم املعارص الفصل الثالث

Page 149: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

148

المبحث الثاين

من هم اإلسالميون؟Islamists« إىل عهد قريب يطلق -يف األدبيات الغربية- «اإلسالميون كان مصطلح عىل املتخصصني يف دراسة اإلسالم والدراسات اإلسالمية يف اجلامعات ومراكز البحوث، واملجالت واملوسوعات الكتب وكانت املسترشقني. أعامل ورثوا الذين أولئك سيام ال إىل املنقطعون الباحثون هؤالء فيه يتحاور الذي املنتدى هي واحلوليات الفصلية الدورية التي يمكنها البحث والدراسة، بدوافع االهتامم الشخيص، أو بتشجيع رسمي من اجلهات أن تستثمر جهود هؤالء يف تعزيز مصالح الغرب وجهوده يف اهليمنة والنفود الغريب يف البالد اإلسالمية. لكن استعامل هذا املصطلح هبذا املعنى قد تراجع اآلن، عىل الرغم من كثرة من

يعدون خباء ومتخصصني يف دراسة اإلسالم يف العالم الغريب يف هذه االيام.)1(

هو واملسلمني اإلسالم بدراسة املهتمني الغربيني هؤالء عىل يطلق ما فإن اآلن أما مصطلح «خباء Experts« أو «علامء Scholars « يف الدراسات اإلسالمية، أو يف احلركات جامعات، أساتذة هم الغالب يف وهؤالء .Islamism اإلسالمية الفكرة يف أو اإلسالمية، حيللوا أن الغالب يف اخلباء هؤالء إىل ويطلب واألبحاث. الدراسات مراكز يف وباحثون الكبري االهتامم برز وقد واملسلمني. باإلسالم العالقة ذات والقضايا واألخبار األحداث وبخاصة اإلسالمي باإلرهاب ي سم ما حول اجلدل سياق يف األخرية، السنوات يف هبم بعد أحداث أيلول 2001م يف أمريكا، حتى أصبح هلم حضور كبري يف الصحافة واإلعالم اليومي، وبخاصة يف البامج اإلذاعية والتلفزيونية. ومن هؤالء شخصيات أكاديمية تتحدث عن اإلسالم بمنهجية وصفية موضوعية، من أمثال جون اسبوزيتو، وإيفون حداد، وتمارى اإلسالم عن تتحدث شخصيات أيضا هؤالء ومن وغريهم. ارمسرتونج، وكارين صن،

يذكر أحد املواقع اإللكرتونية أسامء أكثر من مائة من الباحثني وأساتذة اجلامعات األمريكية املتخصصني يف دراسة )1(اإلسالم وتدريسه، مع صورهم وبيانات عن جماالت اهتاممهم التي تشمل اجلوانب التارخيية والعقدية واالقتصادية

والسياسية، وقضايا احلريات واملرأة وحقوق اإلنسان وغريها. ورابط املوقع هو: - https://network.expertisefinder.com/searchexperts?query=Islamis (Retrieved 7 July 2020).

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 150: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

149

إمرسون، وستيفن بايبس، دانيال أمثال من عدائية، وروح نقضية بمنهجية واملسلمني ومارتن كريمر، وبرنارد لويس، وغريهم.

ومن هؤالء من يرى أن التطرف والعنف صفة لإلسالم نفسه، وأن املتطرفني اإلسالميني مرشوعا يعد مسلم كل وأن املاليني، مئات يشكلون وإنما العدد، قليلة هامشية فئة ليسوا إرهابيا يف املكان الذي هو فيه. ومن أشد هؤالء الكتاب عداوة «دانيال بايبس« الذي بدأ ظهوره األمريكي الرئيس أيام منذ اإلسالمي العالم نحو املتطرفة املحافظني لسياسات التنظير يف يف اإلسالمي احلضور متابعة يف نشاطه أوج وبلغ العرشين، القرن ثامنينات مطلع يف ريغان «مثقفا بوست واشنطن صحيفة وتعتبه االبن، بوش جورج األمريكي الرئيس أيام أمريكا حمافظا بارزا« و«ربام يكون أبرز علامء الواليات املتحدة يف اإلسالم الراديكايل«. وهو مؤسس خطورة إىل األنظار توجيه يف متخصص أبحاث مركز وهو األوسط، الرشق منتدى ومدير احلرم «مراقبة Campus Watch وتش كامبس مؤسس كذلك وهو واإلسالميني، اإلسالم املتعلقة بالرشق األوسط واإلسالم، الدراسات اجلامعي«،)1( وهي منظمة تخصصت يف نقد

وتستقيص أي نقد يوجه إلرسائيل يف اجلامعات أو مراكز البحث أو اإلعالم.)2(

Investigative (IPT) اإلرهاب استقصاء «مرشوع مؤسس إمرسون ستيفن ومنهم Project on Terrorism، وهو مؤلف كتاب «اجلهاد األمريكي: اإلرهابيون يعيشون بيننا«)3(

الذي أجرى منذ ذلك احلني تحقيقات يف العديد من اجلامعات واألفراد اإلسالميني واجلامعات

نرش موقع مراقبة احلرم اجلامعي Campus Watch الذي يديره دانيال بابيس مقالة مطولة نرشهتا جانيت تاسيل يف )1( .»Militant about »Islamism يف عددها يناير-فباير لعام 2005 بعنوان Harvard Magazine جملة هارفاردويف املقالة تفاصيل نشأة دانيال بايبس وتعليمه ونشاطاته وكثري من اآلراء الداعمة والرافضة لتوجهاته. انظر املقالة

التي أعيد نرشها عىل موقع يف الرابط:- https://www.meforum.org/campus-watch/9263/militant-about-isla mism (Retrieved 7 July 2020).

نقال عن موقع دانيال بايبس )2(- http://www.danielpipes.org/bios/ (Retrieved 7 July 2020).

(3) Emerson, Steven. American Jihad: The Terrorists Living Among, New York: The Free Press, 2002.

اإلسالميون ورؤية العالم املعارص الفصل الثالث

Page 151: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

150

اإلسالمية. وقام بجهود ضخمة يف تصيد النشاطات اإلسالمية يف داخل أمريكا بام لم تتمكن الواليات يف اإلسالمي احلضور حماربة جمال يف وتخصص به، القيام الرسمية السلطات إىل: بالدعوة املتحدة األمريكية، وال سيام يف اجلامعات واملساجد. ويعد من أشهر من عرف IPT إمرسون مؤسسة عدت وقد اجلهادي« اإلرهاب وهزيمة الراديكايل اإلسالم «حماربة واملؤسسة اإلسالمي، بالتطرف يسمى ما مراقبة يف فعالية احلكومية غري املؤسسات «أكثر التي يقوم هبا النشاطات التي تجري بحوثا رسية يف املتحدة األمريكية الواليات الوحيدة يف

املسلمون أو اإلسالميون« حسب ما ورد يف مقالة نرشت يف فصلية الرشق األوسط.)1(

موضوعا واإلسالميني لإلسالم الغربيني لوصف املناسب املصطلح كان وقد أو األصوليون املناسب: التعبري إىل «الوصول بعنوان: له مقالة يف كريمر مارتن لبحث اإلسالميون«)2( وتحدث فيه عن جذور األوصاف التي كانت تطلق عىل اإلسالم واملسلمني، وبدأ مقالته بالتساؤل حول طريقة تسمية أولئك «املسلمني الذي يتوسلون باإلسالم ليكون السيايس واالجتامعي، هل يجب أن يطلق عليهم النشاط مصدرا للسلطة يف مجيع جوانب

أصوليون مسلمون أو مسلمون، أو أن أفضل هذه األوصاف هو اإلسالميون؟«

ثم تتبع تطور هذه األوصاف منذ القرن السابع عرش، لتمييز اإلسالم بوصفه نظاما دينيا له مؤسس مثل املسيحية، فذكر أن مصطلح الديانة املحمدية)Mohammedism )3 استعمل بحد الديانة ونرشها اهلل عليه وسلم( اخرتع هذه أن حممدا )صىل ليعني نطاق واسع، عىل السيف. ثم تطرق إىل كتابات فولتري)4( الذي اهتم كثريا بالكتابة عن اإلسالم، بصورة سلبية

(1) Michael, George. Steven Emerson: Combating Radical Islam Defeating Jihadist Terrorism, Middle East Quarterly, Winter 2010, Pp. 15-25.

(2) Kramer, Martin. Coming to Terms: Fundamentalists or Islamists? Middle East Quarterly, Vol. 10, no. 2, 2003, Pp. 65-77. See the link:

- http://www.meforum.org/541 (Retrieved 7 July 2020).

.mahométisme بالفرنسية )3(

فيلسوف وشاعر وناقد فرنيس، وكاتب ساخر، تويف عام 1778م. انترشت أفكاره لشدة نقده للكنيسة ورجاهلا، يف )4(دفاعه عن حرية العقيدة واملساواة وكرامة اإلنسان.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 152: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

151

إسالميني مصطلح صاغ الذي هو فولتري أن كريمر ويرى أخرى، أحيانا وإيجابية أحيانا Isalmists، ثم نقل قاموس فرنيس يف القرن التاسع عرش عن فولتري هذا االستعامل وعرف

Islamisme بأنه دين حممد.

ويختم كريمر مقالته بالقول: «إن أعامل املسلمني هي التي سوف تحدد اختيار الغربيني للمصطلح، لكن تصورات الغربيني وطموحاهتم وتحيزاتهم سوف يكون هلا دور مماثل أو الغرب حماولة تسود سوف التي باملصطلحات التنبؤ املستحيل ومن الشأن. هذا يف أكب للوصول إىل ما يريده من تغيري يف اإلسالم املعارص. وهذا يعتمد عىل أمرين معا: ما سوف

يفعله املسلمون، وما يرغب به الغرب.«)1(

يرتبط اإلسالميني مصطلح أن األمريكية ييل جامعة يف األستاذ مارش أندرو ويرى بشكل ويعني ،Islamism اإلسالمية باأليديولوجية عرف بام احلديثة الغربية الكتابات يف بتمكني اخلاصة والسياسات احلكومية األيديولوجية والتوجهات السياسية «احلركات عام السيايس اإلسالم مصطلح بأن يعرتف لكنه السياسية.« احلياة يف السلطة من اإلسالم إنه يطلق ويراد به معان متعددة إذ واإليديوجية اإلسالمية يصعب حرصه يف داللة حمددة؛ ضمن طيف سيايس واسع، ... وال يمكن تحديده بدقة عىل الطيف األيديولوجي األورويب احلديث إىل يمني-يسار؛ إذ تختلف مجاعات واتجاهات اإلسالميني عىل عدد من املحاور.

مصطلح عليها يطلق التي واالتجاهات اجلامعات عىل أمثلة «مارش« د ويعدالسلفيون اإلسالميون فهناك السيايس، اإلسالم توجهات ضمن إليهم وينظر اإلسالميني، ولتفسريات النبوي، احلديث نصوص وخاصة للنصوص، الكبى األمهية يعطون الذي األجيال األوىل من علامء اإلسالم، وتمثل أفكارهم سلطة علمية تقليدية. وهناك إسالميون يف والتجديد لإلسالم احلديثة التفسريات إليه يضيفون لكنهم التوجه هذا يف يخالفون ال ابتداع طرق التعامل مع املستجدات العرصية، فيام يختص بالسياسة واالقتصاد وغري ذلك. ليباليني. ويختلف إسالميني اعتبارهم اليساري وحتى التوجه إىل أقرب ثالثة فئة وسنجد اإلسالميون يف اتجاهاتهم نحو استعامل العنف، فثمة سلفيون يؤيدون النظام القائم حتى مع

(1) Kramer, Martin. Coming to Terms… op. cit., p. 72.

اإلسالميون ورؤية العالم املعارص الفصل الثالث

Page 153: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

152

وإسالميون الديمقراطية، السياسية املنافسات يف يشاركون وإسالميون طغيانا، احلكام أكثر فبعضهم والعالمية؛ املحلية اهتامماهتم اإلسالميون يف ويختلف للحدود. عابرون جهاديون ألغراض بلده ضمن بالنشاط يكتفي اآلخر وبعضهم العالم، مستوى عىل تنظيامت يدير

حمددة، أو لتحرير بلده من احتالل أجنبي.

ومع كل االختالفات التي يمكن تمييزها بني اإلسالميني فإن «مارش« ال ينسى أن يشري إىل أن اإلسالم يقوم عىل مفهوم األمة الذي يضم جمتمع املؤمنني باإلسالم يف كل مكان، لذلك

فإن فكرة العالمية وعبور احلدود يف نظر الكاتب هي أمر ال يمكن لإلسالميني الغفلة عنه.)1(

ويرتبط تعريف اإلسالميني Islsmists يف الكتابات الغربية غالبا بالعقيدة أو املذهبية أو األيديولوجيا اإلسالمية Islamism. ونجد لإلسالميني يف هذه الكتابات تعريفات خمتلفة، املبالغة يف اإلشارة تتفاوت ما بني وصف حيادي، ووصف آخر يقع ضمن أقىص درجات «أيديولوجية« فكرة تمتلك شعبية إصالحية «حركة مثال: فاإلسالميون خطرهم، إىل فرضها التي القوانني وفق واملجتمع احلكومة تنظيم إعادة إىل تدعو ،Islamism إسالمية اإلسالم.«)2( كام هو تعريف قاموس مرييام وبسرت ملصطلح Islamism. وهو تعريف يحمل ة تعريف آخر ينطلق من روح عدائية واضحة، قدمه أستاذ قدرا من احليادية يف احلكم. وثمجامعي إيراين األصل يعيش يف املنفى يف فنلندا، فبعد أن أشار إىل عدد من التعريفات قدم Ideolgy تتبنى تفسريا «فكرة دينية السلبية؛ فاإلسالمية عنده: بالنظرة تعريفه الذي يوحي كليا لإلسالم غرضها النهائي السيطرة عىل العالم بجميع الوسائل.« ثم قام املؤلف بتحليل مرتابطة: عنارص أربعة من التعريف هذا «يتكون اآليت: الوجه عىل التعريف هذا عنارص العالم )أو غزوه فتح الثالث هو دينية، والثاين تفسري كل لإلسالم، أيديولوجية األول هو إىل للوصول الوسائل استخدام مجيع الرابع واألخري هو العنرص والسيطرة عليه(، وأخريا

اهلدف النهائي.«)3(

(1) March, Andrew. Political Islam, The Annual Review of Political Science, 2015, Pp. 103-123.

(2) https://www.merriam-webstldmer.com/dictionary/Islamism (Retrieved 7 July 2020).

(3) Mazaffari, Mehdi. What is Islamism? History and Definition of a Concept, Totalitarian Movements and Political Religions, Vol. 8, No. 1, 17–33, 2007.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 154: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

153

وتكفي قراءة مقدمة جون اسبوزيتو لكتاب «صناعة اخلوف من اإلسالم ملعرفة جذور

تنفق عليها.)1( ولكننا نشري إىل التي رها ومؤسساهتا واألموال الضخمة العداوة وتطو هذه

دراسة موسعة )308 صفحة( قام هبا صاحبها للحصول عىل درجة الدكتوراه تناولت اجلهود

ومؤسسات أشخاص هبا قام التي والقانون واإلعالم والسياسة البحث ميادين يف اهلائلة

أمريكية حمافظة لوصف اإلسالم بأنه اخلطر الذي يهدد الواليات املتحدة األمريكية، بعد عرش

سنوات من حادثة احلادي عرش من سبتمب. وكيف أن كثري من البيانات واإلحصاءات التي كان توظفها تلك اجلهود كانت تفتقر إىل أدنى حد من املوضوعية واملصداقية واملوثوقية.)2(

ميدانية باإلسالميني دراسات وتقديرات ومسوح الغربية الكتابات اهتامم ومن صور

لتقدير نسبة «اإلسالميني« من بني «املسلمني«. ففي موقع Middle East Forum الذي يديره

«اإلسالميني« لعدد تقديره بايبس يوصل بايبس دانيال وهو لإلسالم، املعادين أبرز أحد

مسلم.)3( عددهم 1,6 مليار البالغ العالم يف املسلمني عامة من %15-10 بني ما إىل

«اإلسالميني« من االنتخابات يف ينجح من نسبة حساب عىل اعتامدا هذا تقديره ر بر وقد

فيها ويشارك االنتخابات، هذه مثل فيها تجري التي البلدان يف البملانية، االنتخابات يف

جي اخلوف من اإلسالم، أن مشاركة إسالميون. والتفسري السائد عنده وعند أمثاله من مرو

السياسية، ولكنها الساحة اإلسالميني هي وسيلتهم يف احلصول عىل مرشوعية احلضور يف

(1) Lean, Nathan (Author) and Esposito, John (Foreword). The Islamophobia Industry: How the Right Manufactures Fear of Muslims, London: Pluto Press. 2012, Pp. x-xiii.

(2) Belt, David Douglas. Framing Islam as a threat: The use of Islam by some U.S. Conserva-tives as a Platform for Cultural Politics in the Decade after 9/11. A dissertation submitted to the faculty of Virginia Polytechnic Institute and State University in partial fulfillment of the requirements for the degree of Doctor of Philosophy In Planning, Governance & Globalization, granted Sept. 19, 2014.

وقد نرشت األطروحة حديثا يف كتاب بعنوان: The Political Utility of Islamophobia: How the U.S. Right Used Islam after 9/11 as a

new Field of Domestic Politics. David Belt Productions (March 16 2020).

(3) https://www.meforum.org/4683/islam-vs-islamism (Retrieved 7 July 2020).

اإلسالميون ورؤية العالم املعارص الفصل الثالث

Page 155: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

154

كذلك وسيلتهم للقفز إىل السلطة ثم يستأثرون هبا ليطبقوا الرشيعة ويبايعوا خليفة له سلطة عىل العالم.)1(

إن استعامل مصطلح معني يف الغالب يثري جدال حول مرشوعية استعامله، وما إذا كان يعني شموله لفئات من الناس ال تنطبق عليهم داللة املصطلح، أو عىل األقل يثري حفيظتهم. وقد نرشت جريدة نيويورك تايمز يف 16 مايو/ أيار 2016م مقالة حول اجلدل الذي دار حول استعامل مصطلح «اإلسالم الراديكايل Radical Islam« حني تجنب الرئيس األمريكي احلد إىل ذلك، بسبب له اجلمهوريون وجهه الذي والنقد املصطلح، هذه استعامل أوباما مجاعة أو فرد يمثله الذي التهديد أن أوباما رأى بينام باالستقالة. مطالبته إىل وصل الذي املصطلح هو جمرد حماولة دار حول الذي واجلدل آخر، باسم نسميه أن بمجرد يختفي ال يستعمالن الذين الطرفني؛ من كال أن الكاتب وأشار اإلهلاء. أو االهتامم لرصف سياسية «اإلسالم املتطرف« وهم اجلمهوريون يف الواليات املتحدة ومن يرفض استعامله املصطلح وهم بعض الديمقراطيون يرسل رسالة ذات صلة باملسلمني، الطرف األول يعني عدم قدرة قضية يلمس الثاين والطرف األوسط، الرشق يف املتطرفني تمدد احتواء املتحدة الواليات

تمدد اإلسالموفوبيا والشمولية التي ترفض التنوع والتعددية يف املجتمع.)2(

ويشارك يف هذا التفسري كثري من العلامنيني يف البالد العربية واإلسالمية. انظر عىل سبيل املثال: )1(

املركز وبريوت: الدوحة، وتجارب. الديمقراطي:اتجاهات احلكم ونظام اإلسالميون املؤلفني. من جمموعة -العريب لألبحاث ودراسة السياسات، 2013، ص 405.

)مرص( العدد بدايات صحيفة وآمال، وعود من بقي عام والثورة والسلطة االجتامعي احللم عل. ال، الرج -السادس - صيف 2013، انظر املادة يف الرابط:

- https://www.bidayatmag.com/node/412 (Retrieved 7 July 2020).

ة. انظر - ويف أحسن األحوال يبقى موضوع إمكانية احتكار اإلسالميني للسلطة إذا وصلوا إليها مطروحا بقومثال:

- https://www.elmogaz.com/print~29249 (Retrieved 7 July 2020).

(2) Fisher, Max. When a Phrase Takes on New Meaning: Radical Islam Explained. The New York Times, June 16, 2016, see the link:

- https://www.nytimes.com/2016/06/17/world/when-a-phrase-takes-on-new-meaning-rad-ical-islam-explained.html (Retrieved 7 July 2020).

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 156: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

155

«ستيفن كوك« أحد اخلباء يف قضايا ويف هذه القضية بالذات ينقل الكاتب ما يقوله استعامل صلة عن األمريكية اخلارجية العالقات جملس يف يعمل الذي األوسط الرشق استعامل «إن يقول: حني املصطلح هذا عليها يطلق التي الفئة عند العالم برؤية املصطلح مصطلح «عنف اإلسالم الراديكايل« يدين اإلسالم، ويعطي للشخص انطباعا خاطئا بعدم وجود تفسريات تنقض رؤية العالم التي تتصف بالعنف عند محلة األيديولوجية اإلسالمية

الذين يتبنون هذه الرؤية.«)1(

إال أن االستعامل األكثر شيوعا للمصطلح يف األدبيات املعارصة –المحلية والعالمية- إىل ينتمون أفراد املسلمني. فاإلسالميون اآلن هم فئات متعددة من ينتقل إىل وصف أخذ اإلسالمية، باملجتمعات النهوض تستهدف إصالحية حركية إسالمية وتنظيامت حركات ضمن يكونوا أن دون اإلسالمية الدعوة مهام بعض يمارسون مسلمون أفراد ومنهم املهنة، أو حركات وتنظيامت، ومن هؤالء معلمون وأئمة مساجد ووعاظ، يعملون بحكم من قبيل العمل التطوعي، لكن يجمعهم االهتامم بالدعوة اإلسالمية والتبليغ بطرق خمتلفة تشمل التعليم يف املدارس والوعظ واخلطابة والتدريس يف املساجد، أو تأليف الكتب ونرش الندوات واملؤمترات وغريها، أو إلقاء املحارضات يف أو املقاالت يف الصحف واملجالت،

يمارسون عمليات معارضة سياسية ضمن السقف الديمقراطي املتاح.

قبيل من الوصف، هبذا يوصفوا أن واجلامعات األفراد هؤالء بعض يعارض وال صورة يف إليه الدعوة أو لإلسالم العمل يمارسون ال الذين املسلمني سائر عن تمييزهم وباعتبار اإلعالمي... أو التعليمي أو الوعظي أو السيايس النشاط صور من أخرى أو مطلع األشعري يف احلسن أبو استخدمه أن فقد سبق طارئا؛ أمرا ليس نفسه املصطلح أن الكواكبي الرمحن عبد استعمله كام اإلسالميني،« «مقاالت كتابه يف اهلجري الرابع القرن يف القرن الثالث عرش اهلجري يف كتابه «أم القرى.« لكن بعض املسلمني يرفضون استخدام هذا املصطلح خوفا من حرص صفة اإلسالم يف فئات حمددة، مع أن وصف اإلسالم يشمل

(1) Ibid.

اإلسالميون ورؤية العالم املعارص الفصل الثالث

Page 157: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

156

احلكم أنظمة من اإلسالميني تالحق التي السلبية التوجهات تبعات من خوفا أو اجلميع، الغريب اإلعالم وأن وبخاصة الغريب، العالم يف باإلرهاب يسمى ما حماربة وسياسات يجمع مع اإلسالميني تلك الفئات التي تمارس األعامل املسلحة من خالل تنظيامت رسية واإلسالميني الفاشيني«، «اإلسالميني أوصاف عليهم ويطلق عالمية، أو إقليمية أو حملية

الظالميني،« وغري ذلك من األوصاف السلبية.

مالبسات عن املوقع عىل له مقالة يف اإلسالم طريق موقع كتاب أحد ث تحد وقد «لم يظهر إال إطالق مصطلح اإلسالميني دون أن يجد غضاضة، وذكر أن هذا املصطلح: العلامنية« ولوالهم لكان كل مسلم إسالميا بطبيعته، كام «اللوثة كرد فعل عىل وجود أهل أن هذا املصطلح ال يعب عن فئة من الشيوخ قررت العمل بالسياسة بقدر ما يعب عن فئات ارتضته بام أوفتحها()1( التاء )بضم تحكم وأن ذاهتا مع تتسق أن تريد املجتمع من خمتلفة الكثريون «اللوثة« فصار بتلك ... تأثرت املسلمني من أن أجياال الكاتب دينا!« ورأى هلا منهم ال يرون غضاضة يف أن ال يتدخل الدين يف أي رؤية أو توجيه ألي من قضايا املجتمع، أن «إعالمهم« وسائل تحرص التي ونخبته، ورموزه املجتمع قادة هم هؤالء وأصبح بل

يفرضوهم عىل «الناس« ليل هنار يف معركة األفكار!«)2(

عنه تتخل ولم بدينها ارتبطت التي اجلامهري تلك حققت «حني الكاتب: وأضاف من يميزهم اسام «اللوثة« أهل عليهم أطلق «المتغلبين« منافسة يف ملحوظا نجاحا يوما اسم عليهم فأطلقوا آخر، حينا االهتام باب ومن حينا، غريهم وبني بينهم التفريق باب شيوخا ليسوا فاإلسالميون وغمزا! مهزا «اإلسالمويون« يقول وبعضهم )اإلسالميون(

)بضم التاء أوفتحها( هكذا يف األصل. )1(

التقدم وجماراة اإلسالمي، اإلعالم يف بقوة املسامهة يف يأمل إسالمي مرشوع نفسه يعرف اإلسالم طريق موقع )2(التكنولوجي اهلائل يف العالم من حولنا. وبأنه يقوم عىل «التمسك بالدليل الرشعي من كتاب اهلل وسنة رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم، ونبذ التعصب حلزب أو مجاعة أو طائفة، والتكامل والتعاون يف نرش اخلري مع وسائل اإلعالم

اإلسالمية. انظر الرابط:- https://ar.islamway.net/page/101من-نحن/ )Retrieved 7 July 2020).

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 158: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

157

وعامل وجامعيون ومدرسون وأطباء مهندسون هم بل بالسياسة، العمل قرروا دعاة وال وفالحون، لكنهم -فقط- غري «ملوثني« بلوثة «العلامنية«، ومن هنا وقعت بعض املغالطات:

نتيجة غموض املصطلح لدى فئات من الناس.«)1(

سواء واإلسالمي، العريب العالم يف الفئات من كثري عىل اإلسالميني وصف ويطلق يف جمال املدح أو الذم، ويتضمن ذلك أتباع مجاعة اإلخوان املسلمني واجلامعات واألحزاب يف والتنمية العدالة حزب مثل العربية، البلدن بعض يف منها، القريبة املامثلة واحلركات عن يطلق كام وغريها. اليمن، يف اإلصالح وحزب تونس، يف النهضة وحركة املغرب، حركات وأحزاب ومجاعات هلا اهتاممات مماثلة مثل اجلامعة اإلسالمية يف اهلند والباكستان وبنغالديش، واحلزب اإلسالمي PAS يف ماليزيا، وحزب العدالة والتنمية وحزب السعادة يف تركيا، واألحزاب واجلامعات السلفية الناشطة سياسيا، وما يرتبط هبذه احلركات والتنظيامت األوروبية البلدان يف املسلمة اجلاليات مواقع يف النشطة اإلسالمية املؤسسات يف وأمثاهلا واألمريكية، وغريها. ويحلو لبعض الباحثني أن يجملوا ضمن هؤالء أي حركات تمارس العابرة اجلامعات أو األجنبي، لالحتالل أو بالدها، يف احلكم ألنظمة املسلحة املقاومة

للحدود التي تمارس العنف مثل باكو حرام والقاعدة وداعش.

الدمنهوري، أمحد سعد. اإلسالميون: ظهور املصطلح وحماولة للتحديد. موقع طريق اإلسالم . انظر الرابط: )1(

-https://ar.islamway.net/article/16137/- اإلسالميون-ظهور-املصطلح-وحماولة-التحديد (Retrieved 7 July 2020).

اإلسالميون ورؤية العالم املعارص الفصل الثالث

Page 159: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

158

المبحث الثالث

الكتابات املعارصة عن اإلسالميني

الدراسات من وكثري اإلعالمية، التغطية من بكثري اإلسالميني موضوع استأثر البحوث التنظريية وامليدانية، والدراسات األكاديمية يف اجلامعات. وكان ملراكز والبحوث العالم. بلدان امتداد عىل والندوات املؤمترات وعقد الدراسات هذه تيسري يف كبري دور بعض هذه الدراسات اهتمت بنشأة التوجهات واحلركات والتيارات التي كان يقع مصطلح اإلسالم لفظ وهو انتشارا األكثر باللفظ أو اللفظ هبذا سواء نطاقها، يف «اإلسالميني« السيايس. وقليل من هذه اجلهود كانت تقدم رؤية علمية حيادية، وقليل آخر يعرض لقضايا عنهم والدفاع لإلسالميني االنتصار باب من السيايس، اإلسالم يف الفاعلني اإلسالميني وبيان الظلم الذي تعرضوا له يف البلدان املختلفة. ولكن أكثر هذه اجلهود كانت ال ترتدد يف تشويه صورهتم، سواء يف جمال اتهامهم بالتخلف الفكري، أو العجز عن التعامل مع الواقع الدين، أو عقلية اإلقصاء وممارسة اإلرهاب... إلخ. وشارك يف هذه املعارص، أو احتكار التابعة حلكومات الرسمية الدينية املرجعيات متعددة من فئات البحثية واإلعالمية اجلهود من أو الدينية، للتوجهات املعادية العلمانية املرجعيات من أو العربية واإلسالمية، الدول التعامل لكيفية الغرب القرار يف تقدم رؤيتها وخباهتا لصناع التي البحث األجنبية مراكز مع اإلسالميني، فضال عن ورود مصطلح اإلسالميني موصوفا بأوصاف احلقد والكراهية

عىل ألسنة بعض الساسة من املسلمني وغري املسلمني.

وقد شهدت العقود األخرية من التاريخ املعارص حضورا إعالميا كثيفا ومتناميا للشأن أو املتابع عني تعد لم األخرية السنوات اإلسالمية. ويف والتنظيامت اإلسالمي واحلركات اإلسالم إىل مبارشة إشارة تخطئ مرئية، أو مسموعة أو مقروءة إعالمية مادة ألية أذنه والسلبية. اإليجابية التعبري صور كل اإلعالمية التغطية هذه نت وتضم واإلسالميني. واملفاوضات اجلدل إىل اإلعالمية التغطية جماالت اإلسالمي احلضور هذا تجاوز وقد لم لذلك العالم. أنحاء معظم يف البحوث مراكز يف املتخصصة الدراسة وإىل السياسية، ألغراض والدراسة، للبحث موضوعا اإلسالميني عند العالم رؤية تصبح أن غريبا يكن

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 160: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

159

بوصفهم اإلسالميني؛ مع التعامل صور لتحديد املناسبة البيانات توفري ها: أهم مختلفة، العالم األخرى، وباعتبار بلدان البالد اإلسالمية، ويف معظم اهلم األكب ألنظمة احلكم يف أن رؤية العالم أصبحت نموذجا تفسرييا لفهم طبيعة املشكالت بني فئات الناس. كام أصبح توضيح المؤتلف والمختلف يف رؤى العالم بني الناس سبيال للتعامل مع هذه املشكالت

وحماوالت تذليلها.

ومساعيهم هاهتم وبتوج باإلسالميني تختص التي الكتابات حرص السهل من وليس تنطلق من التي الكتابات املجتمع، ال سيام العامة ونظم احلياة االعتبار لإلسالم يف إلعادة رؤية دعوية وتربوية تستهدف إصالح حال األمة وخالصها مما تعانيه، أو من رؤية أكاديمية نقدية تناقش املرشوعية النظرية واخلبات والتجارب العملية، أو من رؤية علمانية رصحية ال تكتفي بنقد رغبة اإلسالميني يف حضور اإلسالم يف احلياة العامة للمجتمع، وإنما ترفض خمتلفة برؤى أخرى كثرية كتابات جاءت وقد السياسية. الساحة يف اإلسالميني وجود يت بالربيع العريب. وألغراض متنوعة. وقد ظهر كثري من هذه الكتابات قبل احلقبة التي سـم

ونذكر عىل سبيل املثال ما الحظه فهمي جدعان من أن اإلسالميني كان يتصدرون –يف نبه إىل تيارين آخرين يف الساحة مها العالم العريب.)1( لكنه رأيه- واجهة العمل السيايس يف جهة من بينهام يقوم التضاد لكن للقاء، وإمكانيات صلة وبينهام والليباليون، العلمانيون وتيار اإلسالميني من جهة أخرى. ويتساءل هل يستطيع أي من هذه التيارات الثالثة أن يصل

بالعالم العريب إىل اخلالص؟ وهل يمكن للديمقراطية أن تكون القاسم املشرتك بينها؟)2(

وضمن فئة اإلسالميني يميز أحد الكتاب األمريكيني فئة خاصة يسميها «اإلسالميون للحركات التنظيمية األطر عن املستقلة الشخصيات من جمموعة هبم ويعني اجلدد« واألحزاب وعن احلكومات كذلك، مع أنه ربام يكون لبعضهم عالقات إيجابية مع احلركات

ي بالربيع العريب. كان ذلك قبل ما سم )1(

الرشوق، دار عامن: والليرباليني، والعلامنيني اإلسالميني وعود يف مقال النهائي: اخلالص يف فهمي. جدعان، )2(2007م.

اإلسالميون ورؤية العالم املعارص الفصل الثالث

Page 161: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

160

أن يفضلون لكنهم فيها. يؤثرون أو احلركات بمواقف يتأثرون وربام احلكومات، مع أو اجلدد يف املؤلف هلؤالء اإلسالميني يذكرها التي األمثلة املعارضة. ومن يكونوا يف موقف ا، وأمحد كامل أبو املجد، وفهمي هويدي، احلالة املرصية: طارق البرشي، وحممد سليم العو

وحممد الغزايل، ويوسف القرضاوي.)1(

كتابات عن أمثلة يذكر للعالم اإلسالميني من املجموعة هذه رؤية بيان جمال ويف يمتلكها التي الرؤية اخلصوص وجه وعىل املذكورين. هؤالء من واحد كل وحمارضات التي العالم وصورة املعارص، العالم واقع يف اإلسالمية واألمة اإلسالم عن منهم كل ه املؤلف عىل سبيل املثال بيوسف القرضاوي، الذي يتحدث عن واقع يطمحون إليها. وينوالتقدم فيها، حني يرضب التي يستعمل هذا العالم املعارص واملجاالت التقدم الصناعي يف إرسائيل أن فيذكر غريهم، وواقع املسلمني واقع بني التفاوت بمستوى مثال القرضاوي صنعت قمرا اصطناعيا قادرا عىل مراقبة أدق تفاصيل حياتنا، ونحن ال نزال نجادل يف كون النشطاء جانب من احلديث بالعالم اجلهل هذا مثل يقبل «وال حالال، أم حراما الصور

اإلسالميني« يف نظر القرضاوي، كام أوضح الكاتب.)2(

التفوق احلضاري للعالم ومصري القرضاوي التفصيل عن رؤية بقدر من يتحدث ثم مه للحضارة العالمية. ثم يعرج الذي يتمتع به الغرب، وما يمكن للعالم اإلسالمي أن يقديف األمل ويبث الغربية، للهيمنة الباهضة والتكلفة العالم ألحوال القرضاوي تقييم عىل نفوس مستمعيه من الشباب، وهو يرى أنه «عىل عكس املحدثني املرصيني العظام كمحمد عبده ... ل يكن القرضاوي وال غريه من اإلسالميني اجلدد منبهرين بالغرب؛ فتاريخ القرن العالمي، التحول يف ودوره الغرب بقوة يعرتفون هم ناحية، فمن أثره. له كان العرشين الثورة بعد ما ثورات شهد عال مع للتفاعل اإلسالميني والنشطاء املفكرين يدعون وهم

للدراسات العلمي املركز عامن: الشوربجي، منار ترمجة واإلسالميون، مرص خوف بال إسالم ريموند. بريك، )1(السياسية، ط2، 2009م.

املرجع السابق، ص 255. )2(

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 162: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

161

الزمان التي استطاعت أن تقوض عوائق املعلومات، وهي النقل وتكنولوجيا الصناعية يف واملكان. لكن يف الوقت الذي وصلت فيه تلك الثورة العالمية للتغريب إىل منتهاها يف هناية اإلسالميني ألولئك واضحا كان الغريب املرشوع يف الفادح القصور فإن العرشين، القرن املعتدلني مثلام كانت انتصاراته ونجاحاته واضحة. فرؤيتهم للغرب تتضمن التكلفة البرشية األهلية احلروب وفضائع اجلديد، االستعامر جانب من املتكررة والتدخالت لالستعامر،

األوروبية التي يشار هلا بشكل خاطئ باعتبارها حروبا عالمية.«)1(

ثم يقول: «والقرضاوي واإلسالميون اجلدد ال يقدمون لشباب العال اإلسالمي -بناء عىل ذلك يأسا- ينتج عنه المباالة واضحة تميز أغلب ردود أفعال مفكري ما بعد احلداثة إزاء قصور الغرب، فهم بدال من ذلك يقدمون رؤية لعالم يعاد بناؤه عىل األسس املتوازنة للحضارة اإلسالمية، ويعاد التفكري فيه وترمجته إىل ترتيبات تناسب عرص العولمة، ومن ثم «فاإلسالميون اجلدد يوجدون األمل يف اخلروج من معضلة عالم مضطرب.«)2( ثم يقول: مه رؤيتهم يستغلون الفرص املتاحة يف كل تلك املنتديات للعمل من أجل عالم أفضل، تقدالرئيسية، وقيمه العليا لإلسالم املقاصد بعني عىل ذلك يفعلون املعارصة. وهم اإلسالمية

بينام العني األخرى عىل الواقع املتغري برسعة واستمرار.«)3(

ويتحدث املؤلف طويال عن مواقف اإلسالميني اجلدد من القضايا العربية واإلسالمية والعوامل املعارص العالم لواقع عميقة رؤية ه يعد عام تكشف بصورة املختلفة والدولية الفاعلة فيه. وينوه بتقديرهم حلالة التفوق الغريب من جهة، وحالة التخلف يف واقع املسلمني اتخاذ ما يرونه من مواقف مبدئية مناسبة، وما يؤدي العجز يف من جهة أخرى، مما يسبب يحملها التي اآلمال أمام يقف ولكنه واالستالب. اهلزيمة روح سيطرة من إليه ذلك فيقول: اإلسالمية األجندة يف اآلخر موقع يف سيام وال املستقبل، يف اجلدد اإلسالميون «وتهدف آمال اإلسالميني اجلدد بنجاح الصحوة اإلسالمية إىل خلق عالم إسالمي مستنري،

املرجع السابق، ص 257. )1(

املرجع السابق، ص 258. )2(

املرجع السابق، ص 259. )3(

اإلسالميون ورؤية العالم املعارص الفصل الثالث

Page 163: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

162

واثق من نفسه. لكن اإلسالم ال يقف وحده يف أي من تلك اآلمال كجزيرة منعزلة؛ فوجود اإلهلية؛ اإلرادة من كجزء منه، مفروغ أمر اإلسالم حدود خارج أو داخل سواء اآلخر عىل العالم تشكيل نحو الشمويل الميل من بريء اجلدد اإلسالميون يفهمه كام فاإلسالم اإلسالمي ال العالم وتاريخ اهلل ورمحته«، «إرادة تعبري عن البرشية هي فالتعددية شاكلته؛ املسلمني عىل اختالفهم. وما يزعج اإلسالميني املعقد مع غري التفاعل يمكن تصوره دون ما وإن الغريب، الفكر يف احلال هو كام عموما، «اآلخر« إزاء القلق ذلك هو ليس اجلدد يزعجهم أن شعوب األرايض اإلسالمية –التي تعرضت لكوارث مادية ومعنوية من جانب قوى غربية أقوى منها-، قد صارت عرضة لفقدان الثقة يف نفسها، ويف قدرهتا عىل احلركة يف

العالم األوسع كام يأمر اإلسالم.«)1(

ويتعرض مؤلف كتاب «اإلسالميون املستقلون: اهلوية والسؤال«)2( ملسرية وحياة عينة خمتارة من أعامل اإلسالميني املستقلني وكتبهم، وهم أمحد كامل أبو املجد، وطارق البرشي، وحممد سليم العوا، وفهمي هويدي. ويميز املؤلف هذه املجموعة عن رشحيتني آخريني يف اإلسالمية، للتنظيامت وفكريا تنظيميا املنتمني احلركيني« «اإلسالميني اإلسالمية: الساحة

ورشحية «اإلسالميني الرسميني« املحسوبني عىل املؤسسات الدينية الرسمية.

ويصف الكاتب هؤالء اإلسالميني املستقلني بأهنم «مستقلون عن اإلسالم املؤسيس، و«الرسمي« و«الشعبي«، ومستقلون عام شاع من معاين التفكري «النيص« و«التأويل«. وهم «تجديديون« غري تقليدين يف تقديمهم لإلسالم بصورة تؤكد العقالنية وحماربة الظلم وإعادة «املستوى والتغريبي«. وهم عىل السلفي االتجاهين تبتعد عن «مدرسة الرتاث. وهم فهم «لبلورة اخليار اإلسالمي كخيار حضاري وكمشورع للنهضة يجعلهم الفكري« يجتهدون امتدادا للفكر اإلصالحي.«)3( ويحاول املؤلف تتبع التطور الذي انتهي إىل تطوير اخلطاب

املرجع السابق، ص 287. )1(

دياب، حممد حافظ. اإلسالميون املستقلون: اهلوية والسؤال، القاهرة: املجلس األعىل للصحافة، 2010. )2(

املرجع السابق، ص 31. )3(

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 164: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

163

حيث العرشين، القرن سبعينيات من بدءا املرصية الساحة يف املستقل املعارص اإلسالمي

فكان العنف، يمارس أخذ الذي املتطرف الراديكايل اخلطاب من بألوان الساحة امتألت

ال بد من ظهور خطاب متميز يتسم باالعتدال، ويوضح االنحراف يف اخلطاب املتطرف.

املستقلني اإلسالميني هؤالء عىل كان الذي اخلطاب ألوان عن احلديث سياق ويف دراسته، يشري الكاتب إىل أربعة أنواع من اخلطاب هي: خطاب اإلسالم الراديكايل، وخطاب اليسار اإلسالمي، خطاب أسلمة املعرفة، وخطاب اإلسالم التأويل.)1( وكان عليهم من ثم تطوير خطاب جديد ينعكس عىل املواقف والرهانات املعارصة، وال سيام أن املوقف الذي عىل هذا اخلطاب أن يتبناه كان يعد «مفهوما ورؤية واستلهاما«)2( يف «إعادة استثامر الرتاث وإعادة التوازن بني النص واالجتهاد أو املواءمة بني التقليد وحاجات العرص، ثم املوقف من التاريخ، واملوقف من اآلخر، وخاصة ما يتعلق بالغرب واألقباط والعلمانيين،)3( واملوقف

من اجلامهري حول قضايا الديمقراطية واملرأة والثروة.)4(

املستقلون: «اإلسالميون بعنوان: بفصل كتابه ختم الكاتب أن االنتباه يلفت ومما السؤال عن ليجيب املستقلني اإلسالميني هؤالء نصوص تفسري ويعيد مرحلة؟ أم خمطط عمل برنامج وإىل تحريضي، تعبوي برنامج إهاب يف تندرج «توظيفات هي: بقوله: التي بالنتيجة توحي أخرى أسئلة ثالثة بصياغة الفصل يعيد سؤال ثم تفصيلية.« وخطط من جزء هي نخبوية ممارسة بإزاء نحن هي الفتا: السؤال «ويظل فيقول: يريدها، ربام طوبولوجية احلقل السيايس املرصي، ومن خمطط يف املناورة والتدبري؟ أم جمرد واجهة ملنطق املستفيد من مواريث مرجعيته، التسعينيات اإلسالمي تراه خطاب أم يفلت منها؟ سيايس

كمرحلة يف تطور ممثل القوى االجتامعية املؤازرة لتنظيامت احلركة اإلسالمية؟«)5(

املرجع السابق، ص 77-58. )1(

املرجع السابق، ص 81- 92. )2(

املرجع السابق، ص 107- 128. )3(

املرجع السابق، ص 148-128. )4(

املرجع السابق، ص 183-182. )5(

اإلسالميون ورؤية العالم املعارص الفصل الثالث

Page 165: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

164

وعىل الرغم من أن الكاتب حمسوب عىل التيار العلماني التقدمي النقدي، وأنه يحمل عمن احلديث يف «املوضوعية« حماولته فإن إسالمي، ه توج لكل السلبية شديدة اتجاهات املستقلني، وعن غريهم من اجلامعات اإلسالمية قد واجهتها فئة اإلسالميني هم ضمن عدالساحة يف أن نعلم ونحن املستقلني«. «اإلسالميني استقاللية يف التشكيك من مقاالت هناية يف يصب هؤالء نظر يف ألنه إسالمي، ه توج كل يعادي من واإلعالمية السياسية املطاف يف إطار مجاعة اإلخوان املسلمني، وأن من ال تبدو له صفة حزبية من اإلسالميني إنما

يمارس نوعا من االنتهازية، والتقية.)1(

بان« يف موقع «أمحد الباحث املرصي ما كتبه التفكري اللون من ومن األمثلة عىل هذا اهلوية املستقلون: «اإلسالميون كتاب عن نظر« «وجهات باب يف اإللكرتوين «حفريات« أم خمطط املستقلون: «اإلسالميون للكتاب: األخري الفصل عنوان فيلتقط والسؤال« اإلخوان، ومجاعة «املستقلني« هؤالء من كل بني وثيقة عالقات يعده ما فيتتبع مرحلة؟« ليستنتج أنهم ليسوا مستقلني من جهة، وأنهم يتناغمون مع البنامج السيايس للجامعة «... التي ظلت تؤكد أن هؤالء، يف معظمهم، كانوا جزءا من خمطط وتوزيع أدوار مع اجلامعة، أن كثريين ممن يعملون يف الساحة الفكرية، وإن ل يكونوا أعضاء يف التنظيم، فإنهم يقدمون االنتامء وأن اإلسالمي«، «املرشوع عليه يطلقون ملا الوالء دائرة بتوسيع األدوار أهم هلم عىل مفيدا بينهام اجلمع عدم يبدو وقد فكري، والثاين تنظيمي، األول نوعان؛ ملرشوعهم

املستوى التكتيكي واإلسرتاتيجي، بمنطق اخلاليا النائمة.«)2(

كتاب يف جاء كام التقدميون، اإلسالميون هو آخر بوصف اإلسالميون وحظي ويذكر اإليرانية الشخصيات من عدد عن حديثه يف اإلسالميني من النوعية هذه تناول

الساحة طبيعة باحلسبان نأخذ اإلسالميني حني تجاه تها أو خف العداوة نفهم ظهور شدة أن املفيد من يكون قد )1(السياسية يف الزمن الذي يكتب فيه الكاتب كتابه أو مقاله، أو يعطي ترصحيه. فيكون عليه التحفظ يف إبداء العداوة

وإظهار املوضوعية يف زمن معني، وال يجد عنده حرجا يف استخدام أقذع األلفاظ يف زمن آخر.

موقع حفريات اإللكرتوين عىل الرابط: )2(

- https://www.hafryat.com/ar/blogاإلسالميون-املستقلون-خمطط-أم-مرحلة؟/ )Retrieved 7 July 2020)

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 166: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

165

التقدمي عند منها: عل رشيعتي، وسيد طالقاين، ومنظمة جماهدي خلق. والتيار اإلسالمي التيارات عىل وينفتح اإلسالمي، الفكر د تجد بصورة الفكر حرية يمارس تيار هو املؤلف املبادئ اإلسالمية، عىل أمل النهوض احلضاري للمجتمعات الفكرية األخرى، بام يتفق مع اإلسالمية وحل مشكالهتا. ثم يتحدث املؤلف عىل ثالثة شخصيات أخرى عرفتهم الساحة الفكرية اإليرانية هم: أبو احلسن بني صدر الذي كان أول رئيس جلمهورية إيران بعد الثورة، يتحدث عن حممد خاتمي ضمن أن الباحث ينسى األمحد. وال القرصاوي، وجالل وأمحد

اإلسالميني التقدميني، مع تميزه بام سامه التيار التقدمي اإلصالحي.)1(

والعلمانيين عن طريق مرشوع اإلسالميني بني االشتباك الباحثني فض أحد وحاول م بعض مالحمه.)2( ورأى أن اإلسالميني يف حقيقة األمر يعيشون يف مأزق،)3( وأن حضاري قدالتقابل بني سلطة النص وسلطة الواقع يعب عن مشكلة بنيوية بني العلامنيني واإلسالميني.)4(

ومن األمثلة عىل املقاالت الصحفية وبحوث الدوريات التي تنرش يف نقد اإلسالميني، ما كتبه أحد الكتاب منطلقا من رؤية علامنية نقدية للتوجه اإلسالمي عموما )الذي يسميه الكاتب باإلسالم املعارص(، ولإلسالميني خصوصا، ثم للطريقة التي يمارسها التيار العلامين يف نقد اإلسالميني. وكان ذلك قبل الربيع العريب. ثم مجع الكاتب هذه املقاالت والبحوث أن الكاتب ويرى نقده«.)5( ونقد املعارص اإلسالم نقد اآلخرين: «أساطري ه سام كتاب يف جمتمعاتنا املعارصة يوجد فيها «تياران متشددان، أوهلام اإلسالميون أنفسهم، عىل تفاوت يف العلمانية يف تيار نسب نفسه إىل صيغة مذهبية من املتنوعة، وثانيهام الفرعية تياراهتم تشدد

عبد النارص، وليد حممود. اإلسالميون التقدميون: عن وجه آخر للفكر والسياسة يف إيران، القاهرة: مركز األهرام )1(للدراسات السياسية، ط1، 2008م.

للنرش شمس القاهرة: احلضاري(، املرشع )مالمح االشتباك لفض حماولة واإلسالميون العلامنيون يارس. أنور، )2(والتوزيع، 2011م.

املرجع السابق ص 49-41. )3(

املرجع السابق، ص 52-50. )4(

صالح، ياسني احلاج. أساطري اآلخرين: نقد اإلسالم املعارص ونقد نقده، بريوت: دار الساقي، 2011م. )5(

اإلسالميون ورؤية العالم املعارص الفصل الثالث

Page 167: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

166

س كل جهوده لالعرتاض العنيف عىل اإلسالميني، ساكتا عن كل العقدين األخريين، وكريشء آخر. ويدعو املؤلف إىل فكرة «فتح اإلسالم« للبحث والنقاش؛ نظرا ألن اإلسالم هو شأن ثقايف عام، ليس ألحد حق احليلولة دون اشرتاك اجلميع يف مناقشته، وألن «اجلمع بني العامة فهو الدين، بل عىل سيادته الدين وبني اإلرصار عىل عمومية العام يف النقاش حظر التعسف بعينه، وحني تكون السلطة للتعسف يف السياسة أو يف املعرفة، ينتهي النقاش وترفع األقالم. لقد فتح اإلسالم العالم قبل أربعة عرش قرنا، وهو مدعو ألن ينفتح للعالم اليوم.)1(

وقد ورد مصطلح اإلسالميني يف مئات الندوات واملؤمترات العلمية التي نظمتها مراكز الدراسات والبحوث يف البالد العربية وغريها، والكتب الصادرة عن هذه املراكز، وال سيام من عام 2011م التي شهدت بداية ما سمي بالربيع العريب. ونعرض فيام يأيت أمثلة عن عدد من هذه املؤمترات، ال سيام تلك التي انتهت بحوثها يف كتب منشورة. فكتاب «اإلسالميون وتحديات احلكم يف أعقاب الثورات العربية يضم أوراق ندوة علمية عقدها مركز دراسات الفرص ويتناول 2011م، أول/نوفمب ترشين يف عامن/األردن، يف األوسط الرشق التي يواجهها اإلسالميون، ويناقش مكونات فلسفة اإلسالميني وبرناجمهم يف والتحديات إدارة احلكم واملجتمع. ويبز دور اإلسالميني يف إنجاز الثورات العربية، مركزا عىل ما أفرزته التجارب االنتخابية التي أجريت يف هذه البلدان من فوز كبري لإلسالميني أوصلتهم ملقاعد التحديات من هائلة جمموعة مواجهة ثم ومن احلكم، وسدة النيابية املجالس يف األغلبية

اإلسرتاتيجية والسياسية واالقتصادية واملجتمعية.)2(

ة كتاب آخر بعنوان: «اإلسالميون واملسيحيون العرب« يضم بحوث ندوة علمية وثميف الدينية للدراسات امللكي املعهد مع بالتعاون األوسط الرشق دارسات مركز نظمها العالقة بني اإلسالميني بناء الكتاب موضوع بتاريخ 13أكتوبر 2012م. ويتناول األردن،

املرجع السابق ص 12. )1(

الثورات أعقاب يف احلكم وتحديات اإلسالميون )حمررون(. جواد واحلمد، عصام؛ والبشري، حامد؛ قوييس، )2(العربية، عامن: مركز دراسات الرشق األوسط، 2012م.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 168: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

167

واملسيحيني وحتدياهتا من جوانب خمتلفة آخذا باالعتبار آراء وهواجس الطرفني، مقيام تاريخ هذه العالقة ومسترشفا مستقبلها يف ضوء األحداث املتسارعة يف الوطن العريب، يف حقبة ما

سمي بالربيع العريب التي أوصلت اإلسالميني إىل احلكم يف عدد من األقطار العربية.)1(

ونظم املركز العريب لألبحاث ودراسة السياسات يف الدوحة عام 2012م مؤمترا علميا أعامل نرشت وقد وجتارب. اجتاهات الديمقراطي: احلكم ونظام «اإلسالميون بعنوان: املؤمتر يف كتاب بالعنوان نفسه. وتناولت بحوث املؤمتر مسألة العالقة بني اإلسالميني ونظم العلمانية ومنها املمكنة، التطبيقات إطار يف النظرية القضايا من جمموعة لتجلية احلكم، السيايس، اإلسالم حركات لدى الدولة ومفهوم واإلسالم، والديمقراطية واإلسالم،

واإلسالميون واألقليات الدينية، وغريها.)2(

قدم الرؤية اإلسالمية« املدنية يف «الدولة مؤمترا عن منتدى كواالملبور/ماليزيا ونظم فيها أحد املشاركني بحثا مطوال بعنوان: «اإلسالميون والدولة املدنية: رؤية فكرية«، يتساءل

فيها: «هل يملك اإلسالميون مفهوما واضحا للدولة املدنية؟«)3(

فيها كتبا ظهر وأصدر اإلسالميني، بموضوع والدراسات للبحوث نامء مركز واهتم املصطلح يف عناوينها، ضمن ما سامه «دراسات يف احلالة اإلسالمية«. ومن ذلك: «اختالف اإلسالميني«، و«جدل اإلسالميني«، و«مراجعات اإلسالميني«. ويحاول املركز أن يعرض أو خصومها قبل من املرسومة صورهتا من ال احلقيقي، واقعها «من اإلسالمية للحالة

األطراف بعيدة الصلة هبا.)4(

ان: مركز دراسات الرشق األوسط، أبو جابر، كامل )حمرر(. اإلسالميون واملسيحيون العرب «ندوة علمية«، عم )1(2013م.

ار، حازم )حمرر(. اإلسالميون ونظام احلكم الديمقراطي: اتجاهات وتجارب. الدوحة وبريوت: املركز العريب نه )2(لألبحاث ودراسة السياسات، 2013م.

مقري، عبد الرزاق. الدولة املدنية: رؤية إسالمية، اجلزائر: دار اخللدونية للنرش والتوزيع، 2015م، ص 47-27. )3(

هذا ضمن املركز أصدر وقد اإلسالمية، احلالة مرشوع: إدارهتا نماء مركز يتوىل التي البحثية املشاريع بني من )4(املرشوع عددا من الكتب عن اإلسالميني، انظر قائمة هذه الكتب يف الرابط:

- http://nama-center.com/Projects/Details/49

اإلسالميون ورؤية العالم املعارص الفصل الثالث

Page 169: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

168

وقد أصدر الباحث املغريب بالل التليدي، عددا من الكتب التي يستعمل فيها مصطلح والتعايش املغرب يف والعلامنيون «اإلسالميون الكتب: هذه ومن عناوينها، يف اإلسالميني املمكن«، و«اإلسالميون والربيع العريب«، و«مراجعات اإلسالميني«، و«اإلسالميون ومراكز البحث األمريكية«. واإلسالميون الذين يتحدث عنهم التليدي يف كتابه «اإلسالميون ومراكز إىل تسعى التي اإلسالمية واألحزاب احلركات هم املثال، سبيل عىل األمريكية« البحث الوصول إىل احلكم يف بلداهنا، مثل اإلخوان املسلمني، وحزب العدالة والتنمية يف المغرب،

وحزب العدالة والتنمية يف تركيا، وحركة محاس يف فلسطني.)1(

وعىل الرغم من أن بعض اجلامعات واألحزاب واحلركات اإلسالمية التي يطلق عليها اإلعالم صفة «اإلسالميني« تفضل أن يشار إليها باسمها وليس باسم آخر، كام يف حالة حزب إليه بصفته حزبا سياسيا حمافظا، فإن معظم العدالة والتنمية يف تركيا الذي يفضل أن يشار

هذه اجلامعات واألحزاب واحلركات ال تمانع من اإلشارة إليها بمصطلح «اإلسالميني«.

يتخصص اإلسالميني، قضايا يف والكتابة بالبحث الباحثني بعض يتخصص وكام التعريف يف متخصصة إلكرتونية مواقع إدارة يف اإللكرتوين الفضاء يف الناشطني بعض باإلسالميني ومتابعة أخبارهم، ونكتفي باإلشارة إىل ثالثة من هذه املواقع أحدمها يتحدث عن اإلسالميني بصورة إيجابية، واآلخر يتحدث عنهم بصورة عدائية. والثالث يأخذ يف غالب «http://islamion.com«ويضم «اإلسالميون« موقع هو األول املراقب. موقف األحيان والثاين اإلسالمية. واألحزاب واجلهاديني، والسلفيني، اإلخوان، عن متخصصة أقساما يحمل التي »https://www.islamist-movements.com اإلسالمية احلركات «بوابة هو الظاهرة مرصد والثالث واألقليات. السيايس اإلسالم لدراسة نافذة الوصفي: عنواهنا

)2(.https://tammam.org ،اإلسالمية

من بني الكتب التي أصدرها مركز نماء للبحوث والدراسات كتاب من تأليف بالل التليدي: انظر: )1(

املعريف-حالة معهد واشنطن النموذج أزمة دراسة يف األمريكية: البحث اإلسالميون ومراكز التليدي، بالل. -ومعهد كارنيجي، بريوت، والرياض: مركز نماء للبحوث والدراسات، 2014م.

معظم هذه املواقع يديرها باحثون أو ناشطون مرصيون، لكن الذين يكتبون فيها من بلدان واتجاهات خمتلفة. )2(

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 170: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

169

السابع اليوم السياسية، مقاال يف جريدة العلوم ويكتب رشيف حافظ، وهو أستاذ يف حماورته عن فيه يتحدث أيضا«، ولدينا علمانيون... إسالميون تركيا «يف بعنوان: املرصية تحاول تجربة بأنها تركيا يف والتنمية العدالة حزب تجربة عن األتراك الباحثني ألحد حرية إطار ىف الظهور، ىف الدينية للرموز سمح حيث االعتدال. إىل العلمانية «إيصال علمانية ألجندة وفقا ... الدولة، عن مفصوال يزال ال الدين أن إال العقيدة، ممارسات متصاحلة مع الدين. ولن يحدث أن تتأسلم تركيا يوما« ثم يتحدث الكاتب عن عبد املنعم

أبو الفتوح، ويعده ممثال هلذا االتجاه يف الساحة املرصية.)1(

رؤية نوا يكو أن العلمانيين والكتاب الباحثني لبعض يحلو الذي الوقت ويف لإلسالميني، كأنهم خلق آخر غري ما يعرفه عالم البرش، نجد أن بعض الكتاب اإلسالميني نقاط تبحث عن نجد حماوالت نفسه الوقت للعلمانيين. ويف بالنسبة نفسه اليشء يفعلون التقاء بني الطرفني، وتؤكد وجود جسور كثرية للتعاون، وأن املساحات املشرتكة من الناحية االتجاهات هذه عىل أمثلة نعطي أن أردنا ولو االختالف. نقاط من بكثري أكثر العملية

الثالثة لطال بنا املقام.

21 يوم أذيع العريب يس يب يب وتلفزيون إذاعة يف حوار« «نقطة برنامج إىل ونشري بطبيعة الواضح من وكان والعلمانيون؟ اإلسالميون يلتقي أين بعنوان: 2019م حزيران أن هناك من الطرفني من يريد أن يضيق اهلوة بني اإلسالميني والعلمانيين ويتحدث احلال التوفيق. لكن النقاش أبرز عددا من التقاء كثرية بينهام، وهناك من يرى استحالة عن نقاط العلمانيين وأن للعلمانيين، رؤيتهم يف واحدا فريقا ليسوا اإلسالميني أن أمهها املسائل ليسوا فريقا واحدا يف رؤيتهم لإلسالميني، وأننا ال نجد تعريفا واحدا متفقا عليه للعلمانية املرجعية ذات واحلركات واألحزاب التيارات وأن العلمانية، املجتمعات يف وممارساتها اإلسالمية تختلف فيام بينها، من حيث قبوهلا باآلخر ومدى استعدادها لالنفتاح واملشاركة

يف عملية سياسية متعددة األطراف، وكذلك درجة إيامهنا بمبادئ التعددية والديمقراطية.

حافظ، رشيف. يف تركيا إسالميون علمانيون.. ولدينا أيضا، جريدة اليوم السابع املرصية، اجلمعة، 12 نوفمري 2010م. )1(

اإلسالميون ورؤية العالم املعارص الفصل الثالث

Page 171: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

170

تختص التي املكثفة اإلعالمية والتغطية والبحوث الدراسات ساحة عرفت وقد شؤون يف «خبري بصفة: منهم الواحد م يقد الذين األشخاص من عددا باإلسالميني اإلسالميني«، أو «خبري يف احلركات اإلسالمية«، وأصبح ذلك أشبه بالتخصص األكاديمي Think والعربية الغربية األبحاث أن ال نجد يف أي مركز من مراكز أو اإلعالمي. ويندر أنشئت املراكز بعض أن ذلك السيايس. اإلسالم يف متخصص خبري وفيه إال ،Tank

ففي السيايس خصوصا. اإلسالمية عموما، واإلسالميني واإلسالم احلالة ملتابعة خصيصا القاهرة مثال: «أنشئ املركز العريب للبحوث والدراسات، عام 1998م كمركز علمي مستقل معني بدراسات اإلسالم السيايس يف العالم والتي تعد العمود الفقري للمركز.«)1( ومعهد البحوث والدراسات حول العالم العريب واإلسالمي يف فرنسا يدير براجمه البحثية فرانسوا بورغا الذي تخصص يف دراسة اإلسالم السيايس منذ وقت مبكر يف حياته، وأصدر جمموعة من الكتاب، منها اإلسالم السيايس: صوت اجلنوب، واإلسالم السيايس يف زمن القاعدة،

وكان آخرها فهم اإلسالمي السيايس.

أشهر بعض وأخذ اإلسالم، بموضوع شديد باهتامم الفرنسية الثقافية الساحة وتمتاز الكتاب مكانتهم مثل أوليفيه روا،)2( وجيل كيبيل،)3( من هذا االهتامم، ولذلك فهام يجدان

http://www.acrseg.org/41174 : من املوقع اإللكرتوين للمركز، انظر الرابط )1(

للعلوم العليا الدراسات بمدرسة الدراسات ومدير (CNRS) العلمي للبحث الوطني باملركز البحوث مدير )2(«عولمة اإلسالم«، وكتاب «فشل اإلسالم السيايس، وكتاب (EHESS) يف باريس. وهو صاحب كتاب االجتامعية «اجلهل املقدس: زمن دين بال ثقافة، ومما يلفت النظر أن مؤسسة مؤمنون بال حدود تثني ثناء استثنائيا عىل أوليفيه روا.

رئيس قسم الدراسات الرشق أوسطية يف معهد العلوم السياسية يف باريس، واملرشف عىل أطروحات الدكتوراه )3(ه هاشم صالح )الذي تخصص يف ترمجة أعامل حممد أركون( أكب مثقف للطلبة العرب هناك. وكيبيل هذا يعداإلسالمي وللعرص بل الراهن، العريب للعرص األساسية املشكلة بأن مقولته ويدعم الراهن. الوقت غريب يف الظالمية أي مشكلة األصولية؛ املشكلة إنها إلخ؟ واألفغاين... والباكستاين واإليراين الرتكي العرص أي كله؛ الدينية. ومن الذي كرس حياته كلها للرتكيز عليها والبحث فيها والنبش واحلفر أكثر من جيل كيبل؟... منذ أربعني سنة هي شغله الشاغل وحسنا فعل ... ألنه ثبت بالدليل القاطع أهنا مشكلة العرص كله... وإذا كانت القرن مشكلة هي اإلخوانجية التوتاليتارية األصولية فإن العرشين، القرن مشكلة هي التوتاليتارية الشيوعية

احلادي والعرشين! )هكذا(. انظر:

- صالح، هاشم، جيل كيبل «أكب مثقف عريب، جريدة الرشق األوسط، رقم 14602، تاريخ 20 نوفمب 2018م.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 172: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

171

دعام سياسيا وإعالميا يف فرنسا، نتيجة التوجه العلماني املعادي لإلسالم عىل وجه اخلصوص، ويجد بعض العلمانيين العرب يف هؤالء مصدرا إلهلامهم، ومادة إلعالمهم! بينام ال يجد من يحاول منهم أن يكون موضوعيا مثل فرنسوا بروغا إال «حرسة بتهميشه سياسيا وإعالميا فهو يبقى أحد أهم من ترك أثرا طيبا يف التطور الفكري للجاليات املسلمة يف أوروبا ومؤسساهتا،

والتنظري حلق عودة هذه اجلاليات إىل قاموسها االصطالحي اإلسالمي.«)1(

املحلية املؤمترات تنظيم يف العربية البالد ويف الغرب يف األبحاث مراكز وتنشط أن املثال السيايس، ومن ذلك عىل سبيل واإلقليمية والدولية عن اإلسالميني واإلسالم املركز الفرنيس لدراسات الرشق األوسط (IFPO) نظم مؤمترا دوليا متخصصا يف موضوع اإلسالميني استخدام عن ميدانية بحوث فيه عرضت وامليديا«، السيايس «اإلسالم فيها، طرفا اإلسالمية احلركات تكون التي والنزاعات للرصاعات ومعاجلتهم لإلعالم واستخدامها والشيعية، السنية احلركات نشاطات عىل الضوء البحوث هذه وألقت وقد اخلارجي. العالم عىل وللتأثري التعبئة حتقيق أجل من والسمعية املرئية للمشاهد

صدرت هذه البحوث يف كتاب.)2(

أما املجالت املتخصصة وال سيام التي تنرشها اجلمعيات العلمية املتخصصة بالشؤون الدولية، فموضوع اإلسالميني واإلسالم السيايس لدهيا موضوع أثري، ونرضب لذلك مثال بجمعية الدراسات الدولية،)3( التي تهتم هبذا املوضوع، من زاوية موقعه يف العالقات الدولية السياسات تحليل جملة ففي وأوروبا. األمريكية املتحدة للواليات اخلارجية والسياسات

العريب، املستقبل جملة املسلم 1973-2016م، السيايس: مسار بحث حول اآلخر فهم اإلسالم حنفي، ساري. )1(ضمن باب كتب وقراءات، العدد 463 أيلول/سبتمب 2017م، ص 157-153.

من موقع «مرصد الظاهرة اإلسالمية« الذي يديره الباحث املتخصص باحلركات اإلسالمية حسام تمام. انظر: )2(- https://bit.ly/36H0YLI (Retrieved 7 Oct. 2020).

( International Studies Association-ISA) وهي مجعية مهنية مسجلة يف الواليات املتحدة األمريكية، تضم )3(يف عضويتها مفكرين وممارسين وأساتذة جامعات يف تخصصات الدراسات الدولية، تأسست عام 1959م وفيها أكثر من سبعة آالف عضو من مائة وعرش دول، وتنرش ست دوريات أكاديمية، ويحضر مؤمترها السنوي ما يزيد

عن ستة آالف ومخسامئة مشارك.

اإلسالميون ورؤية العالم املعارص الفصل الثالث

Page 173: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

172

اخلارجية Foreign Policy Analysis التي تصدرها اجلمعية املذكورة نرشت إليزابيث هارد Elizabeth Hurd بحثا بعنوان: اإلسالم السيايس والسياسة اخلارجية يف أوروبا والواليات

Political واإلسالم السيايس ،Islamists املتحدة، استخدمت الباحثة مصطلح اإلسالمينياإلسالمية واحلركات Islamic Political Actors سياسيا، املسلمني والفاعلني ،Islam

السياسية Islamic Political Movements ... والذي يهمنا من هذا البحث هو أن الباحثة يف اخلارجية السياسة صناع رؤية عىل التأثري يف العلمانية مفهوم دور عىل الضوء سلطت طريقة تحديد ثم ومن لإلسالميني، السيايس واحلضور واملسلمني اإلسالم نحو الغرب

التعامل مع اإلسالميني.

السيايس لإلسالم فهم يف يعتمدون واألوروبيني األمريكيني أن الباحثة بينت وقد التعريفات واالفرتاضات العلمانية عن الدين والسياسة، ومن ثم ال يأخذون باحلسبان عىل العلمانيين عادات «أن د وتؤك السيايس، اإلسالم مع التعامل يف توجهاهتم عىل ذلك أثر العالقات حلقل واملعياري الثقايف األساس من جزء هي التفسريية وتقاليدهم وتوجهاهتم ت الباحثة الفرق يف رؤية بعض العلمانيين األوروبيني عن رؤية الدولية املعارصة.«)1( وفرسالعلمانيين األمريكيني مما يعد اختالفا يف تحديد السياسات التي يجري تبنيها بني «االنخراط Engagement« يف التعامل مع اإلسالميني أو «التجويع واخلنق« السيايس واالقتصادي هلم!

بعبارات تلقائيا السيايس اإلسالم وضع يمكن «ال بالقول: دراستها وختمت يمثل ال فهو االنفصالية. اخلطابات من وغريها التقليدية العلمانية للخطابات معارضة إنه ذلك، من بدال احلداثة. أو العلمانية يف العملية للرتتيبات أحاديا تهديدا بالرضورة تقليد خطايب جديل يتم حشده بطرق خمتلفة وله نتائج خمتلفة. وكام هو احلال يف األشكال املتنوعة للعلمانية األوروبية واألمريكية، فإن اإلسالم السيايس هو تقليد متنوع من اجلدل تقليد وهو ومأسستها، والسياسة، واألخالقيات امليتافيزيقيا بني العالقة مناقشة فيه يتم

قابل للمناقشة ال حمالة.«

(1) Hurd, Elizabeth Shakman. Political Islam and Foreign Policy in Europe and the United States, Foreign Policy Analysis, 3, 2007, 345-367.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 174: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

173

واإلسالم اإلسالميني حضور لكثافة الكامل- -غري االستعراض هذا من نخلص هو احلضور هذا يف االهتامم موضع هي التي املسألة أن املعارصة، الكتابات يف السيايس ما سيام وال لرؤيتهم، تصوره أي اإلسالميني؛ عن املؤلف أو الباحث يقدمها التي الرؤية

يختص برؤيتهم ملكاهنم يف العالم، ورؤيتهم لرشكائهم املوجودين معهم يف هذا العالم.

اإلسالميون ورؤية العالم املعارص الفصل الثالث

Page 175: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

174

المبحث الرابع

رؤية العالم عند اإلسالميني أوال: مصادر رؤية العالم عند اإلسالميني

من به تزوده وما الدينية العقيدة عنارص مع الفرد عند العالم رؤية دالالت تتداخل الطبيعية العلوم يف البرشية املعرفة من الفرد يكتسبه وما واإلنسان، واحلياة للكون فهم الفقه وقضايا الفضاء، وغزو وحركتها، األرض كروية فمفاهيم والسلوكية؛ واالجتامعية وظواهرها، الطبيعة أشياء مع البرشي التفاعل قضايا سائر ومعها والفلكي، اجلغرايف وتعدد وأنامطها، اإلنسانية الشخصية وموضوعات سلوكها، وأشكال النفس ومفاهيم رؤية اهتامم دائرة يف يدخل ذلك مجيع وأعرافها... قيمها واختالف البرشية املجتمعات

العالم؛ الطبيعي من هذا العالم، واالجتامعي والنفيس منه كذلك.

رؤية احلديث عن أن ذلك واملعياري؛ الوصفي ين احلد بني العالم رؤية وتمتد داللة ا يتمثل العالم هو حديث عام يمتلكه الفرد اإلنساين أو اجلامعة من إدراك ووعي وفهم، مميف اإلدراك البرشي. فالذين يميزون بني رؤية معينة واقعية يمتلكها الفرد بالفعل، أو متتلكها األمر عن يتحدثون يف واقع إنما مثالية، نظرة بالفعل، وبني رؤية أخرى يف صورة اجلامعة

فهمهم الفعل لتلك الرؤية املثالية، وهي يف نهاية املطاف رؤية برشية.

وربام يعتمد اإلنسان يف تشكيل رؤيته عىل مصدر رباين علوي، كام يعتمد يف إيمانه بقضية من القضايا عىل آية قرآنية. لكن الداللة الكاملة واملطلقة هلذه اآلية يشء والفهم البرشي هلا يشء آخر. ويجتهد اإلنسان يف العادة يف فهم مراد اهلل سبحانه من اآلية باالعتامد عىل املعنى اللغوي، وعىل سياق اآلية، ومناسبة نزوهلا، واآليات القرآنية األخرى ذات العالقة هبا، وما قد يكون ورد من أحاديث نبوية حول موضوعها، وما اجتهده املفرسون يف بيان داللة هذه معناها، من االقرتاب مدى يف تفاوتوا أنهم يف واضحة إمكانية ة وثم وحديثا. قديام اآلية حسب القدر الذي يتفضل اهلل به عىل أي منهم. وال شك يف أن كل مفرس من هؤالء كان يأخذ باالعتبار التفسريات السابقة، ويوظف كذلك خبة عرصه ومستجدات بيئته، ويف ضوء ذلك

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 176: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

175

كل ومع قبل. من املفرسين من أحد بال عىل يخطر لم ما املعاين من عليه به اهلل يفتح قد ذلك، فإن املعاين والدالالت التي يأيت هبا املفرسون تبقى باستمرار فهام برشيا، ويبقى مراد اهلل

سبحانه شيئا آخر، ومصدرا ملعان ودالالت أخرى يفتح اهلل هبا عىل أناس آخرين.

وقد اتجه الباحثون املسلمون املعارصون الذين كتبوا يف قضية «رؤية العال« اتجاهات خمتلفة، فمنهم من غلب عىل اهتاممه اجلانب السيايس، فالحظ آثار الرؤية االنقسامية للعالم -إىل دار إسالم ودار حرب- عىل توجهات بعض الفئات اإلسالمية تجاه غري املسلمني،)1( «رؤية إطار يف واإلرهاب العالمي والنظام العولمة قضايا يدرس أن حاول من ومنهم العالقات نظريات درس من ومنهم والعالمية،)2( الكونية وأبعاده اإلسالم يف العالم« مقاربة حاول من ومنهم إليها،)3( تستند التي املنظورات بني والتنافس واجلدل الدولية

التجديد احلضاري اإلسالمي املعارص من خالل الرؤية الكونية اإلسالمية،)4( وهكذا.

ومن املؤكد أن موضوع «رؤية العالم« عند الفرد يتصل باخلبة الرتبوية والنفسية، من حيث أثر التنشئة األرسية واالجتامعية، وأثر املناهج الرتبوية النظامية، والرتبية غري النظامية، يف تسهم التي واألساليب البامج من وغريها املوازية، الرتبية وبرامج اخلفية، واملناهج ا كان املقام هو احلديث عن رؤية اإلسالميني للعالم، التكوين الفكري والنفيس للفرد. ولمأيضا والتنظيمية يف داخل احلركات اإلسالمية تصبح الفكرية التكوين والرتبية برامج فإن

يف بؤرة االهتامم.

الرؤية هذه أساس وعىل لنفسه، رؤيته أساسا هي «اإلسالمي« عند العالم ورؤية يف امللتزم «اإلسالمي« سواء اآلخر للفرد رؤيته تتخلل الرؤية وهذه لغريه. رؤيته تتحدد تنظيم آخر، أو املسلم غري امللتزم بأي تنظيم من تنظيامت اإلسالميني، فضال عن غري املسلم،

السيد، رضوان. الرصاع عىل اإلسالم: األصولية واإلصالح والسياسات الدولية، مرجع سابق. )1(

امليالد، زكي. نحن والعالم: من أجل تجديد رؤيتنا إىل العالم، الرياض: مؤسسة الياممة الصحفية، سلسلة كتاب )2(الرياض رقم 128، 2005م.

مصطفى، "مسار علم العالقات الدولية بني جدال املنظورات الكبى واختالف النامذج املعرفية"، مرجع سابق. )3(

اجلامعة كواالملبور: حضاري. منظور من دراسة والتجديد: اإلسالمية الكونية الرؤية العزيز. عبد برغوث، )4(اإلسالمية العالمية بماليزيا، 2006م.

اإلسالميون ورؤية العالم املعارص الفصل الثالث

Page 177: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

176

واملدارس الفقهية، للمذاهب رؤيته الرؤية هذه وتتخلل غريهم. من أو الكتاب أهل من الفكرية، والتنظيامت احلزبية، واملؤسسات االجتامعية، فكل منها يشء آخر يراه خمتلفا عنه.

ثانيا: رؤية العالم والتعليم الديني

اإلسالمي الديني بالتعليم العالم« «رؤية موضوع ربط يف املبارش السبب يكمن قد وكثرة احلديث عنه، يف السنوات األخرية، يف أحداث احلادي عرش من أيلول عام 2001م وعدد أوروبية بلدان يف إرهابية أحداث من تبعها وما األمريكية، املتحدة الواليات يف مسلمني متطرفني إىل غالبا تنسب كانت األحداث فهذه واإلسالمية، العربية البلدان من

يملكون رؤية خاصة للعالم، واالفرتاض هنا أن التعليم الديني هو سبب التطرف.

«يب يب يس عريب« تحقيقا عن بعض االتهامات البيطانية وقد نرش موقع هيئة اإلذاعة التي توجهها بعض اجلهات للتعليم الديني األزهري بأنه مسؤول عن انتشار الفكر املتطرف، التعليم بني االزدواج «إهناء يف البحث املرصي البملان يف الرسمية اللجان بعض وبدأت املتطرفة لألفكار خصبة بيئة تصنع خطرية ظاهرة األخري الديني، باعتبار والتعليم العام أن إىل التقرير وأشار كليا. األزهري التعليم بإلغاء النواب بعض وطالب واملنحرفة«، ة من يدافع عن التعليم موضوع التعليم الديني يتم بحثه يف عدد من البلدان األخرى. لكن ثمالديني يف البلدان االسالمية، ويرى: «أن السعي إىل تحجيمه سيأيت عنه رد فعل عكيس، من

شأنه أن يزيد من اإلقبال عىل األفكار املتطرفة واالرتماء يف أحضان اجلامعات املتشددة.«)1(

وقد مارست الدول الغربية عىل الدول العربية واإلسالمية -بناء عىل هذا االفرتاض- سببا يكون قد ما حذف هبدف وتعديلها، الديني التعليم مناهج ملراجعة شديدة ضغوطا قبول عىل معينا يكون قد ما وإضافة العنف، لثقافة وأساسا لآلخرين، الكراهية توليد يف العربية الدول بعض لدى الضغوط هذه وجدت وقد السالم. لثقافة وأساسا اآلخرين فئة التلكؤ، ووجدت بينام استجابت دول أخرى مع يشء من واإلسالمية استجابة فورية، ثالثة من الدول يف هذه الضغوط فرصة سانحة، كانت تتمناها لتبير مزيد من احلد من أثر

(1) https://www.bbc.com/arabic/interactivity-38386203 (Retrieved 7 July 2020).

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 178: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

177

ة حال. وكانت جلان مراجعة التعليم الديني، ألن هذه الدول كانت تمارس هذا الحد عىل أياملناهج يف بعض األحيان، جلانا أجنبية، تقدم يف العادة للحكومة املعنية توصياهتا بتخفيض

احلصص الدراسية املخصصة للرتبية اإلسالمية وزيادة حصص اللغة اإلنجليزية!)1(

واجلامعات املدارس الديني والتوجيه التعليم برامج عىل املكثفة احلملة طالت وقد اخلاصة باجلاليات اإلسالمية يف الغرب نفسه.

عن اإلسالمي- الديني التعليم موضوع حول يدور -الذي اجلدل أكثر ويتحدث كثريا. تختلف اجلدل يف املشاركني مواقف ولكن املعارصة، وقضاياها اإلرهاب ظاهرة إسالمية،)2( ظاهرة تكون أن نافيا نفسها، اإلرهاب ظاهرة عىل اهتاممه يركز من فمنهم الكبى الدول وإرهاب جمتمعاهتا، يف للمعارضة احلاكمة السلطات إرهاب إىل ومشريا الدول لتلك حليفة تعد التي للدول وحتى لنفوذها، ومقاومة مارقة تعتبها التي للدول اليابان وإيطاليا وإسبانيا الدينية والقومية واأليديولوجية يف الكبى،)3( وإرهاب اجلامعات وايرلندا الشاملية واهلند، وبورما.. إلخ. ومنها ما يؤكد أمهية التمييز بني ما يسمى اإلرهاب، يؤكد ما ومنها نفسها، عن الدفاع يف املضطهدة واجلامعات للشعوب املرشوعة واحلقوق

هكذا دون مواربة! )1(

تؤكد البحوث العلمية أن املناهج اإلرسائيلية مثال، تقوم عىل قاعدة العداء الدائم، واحلرب املتواصلة، والكراهية )2(توظف القتالية والعقيدة العدائية الروح وأن هذه والفلسطينيني، العرب مع للتعايش املطلق والرفض احلقيقية، املعرفة الدينية والعاطفة الدينية، قبل أي يشء آخر. يف جمال تحليل عينات من الكتب الدراسية اإلرسائيلية ووثائق

فلسفة التعليم اإلرسائيلية، انظر:- سمعان، سمري؛ احلايف، عامر؛ أبو جابر، إبراهيم؛ أبو فرخ، سعيد. العرب يف مناهج التعليم اإلرسائيلية. عامن:

مركز دراسات الرشق األوسط، 2004م.

يف اجتامعات اجلمعية العامة لألمم املتحدة يف نيويورك يف سبتمب 2006م، شكا بعض رؤساء الدول من جهود )3(الواليات املتحدة يف فرض هيمنتها عىل العالم بالقوة، وأعلن الرئيس الباكستاين برويز مرشف أن الواليات املتحدة أفغانستان، وفتح تتعاون معها يف احلرب عىل لم إذا العرص احلجري، إىل بتدمريها وإعادهتا باكستان قد هددت

مطاراهتا وموانئها وأجوائها ملرور القوات األمريكية، انظر:

- Usborne, David. Musharraf: US Threatened to Bomb Pakistan, The Independent, Sept

22, 2006.

اإلسالميون ورؤية العالم املعارص الفصل الثالث

Page 179: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

178

ممارسات اإلرهاب مفهوم يف يدخلون عندما بالرضورة، دينية ظاهرة ليس اإلرهاب أن عىل تقوم التي اجلامعات أو و«املافيات« واملخدرات السالح تجار هبا يقوم التي العنف

اجلريمة املنظمة يف كثري من بلدان العالم.

الديني اإلسالمي والتعليم الديني عموما التعليم تحرير مسألة املطلوب فإن ولذلك عىل وجه اخلصوص، لفهم جذور هذه املسألة وتمثالتها يف الواقع املعارص، بعيدا عن قضية

اإلرهاب وممارسات العنف، ومشاعر الكراهية، أيا كانت أسباهبا.

ومن احلق أن نشري إىل أن التعليم الديني يف بالد املسلمني عامة، والبالد اإلسالمية غري العربية خاصة، ويف مواطن األقليات اإلسالمية يف البلدان األخرى، يحتاج –كله- إىل كثري من املراجعة والتجديد والتطوير، وهو أمر طبيعي تتطلبه طبيعة العمل الرتبوي والتعليمي؛ فبعض مناهج هذا التعليم تحتوي عىل جرعات كبرية من نصوص تراثية، تحتاج إىل إعادة املناهج هذه وبعض تعلمها. قيمة الطلبة وليدرك العرص، بقضايا لرتتبط وتجديد عرض املجتمع إليها يحتاج التي املنتجة احلياة ومهارات الواقع، وفقه العرص، علوم من تخلو وتبلد العقل، ر تنف بالية أساليب التعليم، هذا يف املستخدمة األساليب وبعض املعارص. د الكسل الذهني، واخلور النفيس، وتقتل العزة والكرامة. ومع ذلك يأيت اإلحساس، وتولد الكراهية والعنف واإلرهاب، لكن من احلق اليوم من يتهم هذا النوع من التعليم بأنه يولالنتائج إىل هذه تؤدي وإنما الديني، بالتعليم ليست خاصة أن هذه األساليب إىل أن نشري

عند ممارستها يف تدريس مواد التعليم األخرى.

ومن الطريف مالحظة أن الكثري من القيادات والرموز الفكرية السياسية يف احلركات اإلسالمية ليست نتاج التعليم الديني النظامي. فمرشدو اإلخوان املسلمني يف مرص السبعة ليس من بينهم من تخرج من األزهر، وأعضاء مكتب اإلرشاد احلايل اإلثنا عرش املعرف هبم «إخوان أون الين« ليس من بينهم إال شخص واحد يحمل شهادة من األزهر يف يف موقع أصول الدين واللغة العربية، يف حني أن ثالثة منهم أطباء واثنني أستاذان يف اهلندسة، وثالثة أساتذة يف العلوم الطبيعية، ويتوزع الباقي عىل تخصصات اخلدمة االجتامعية واحلقوق، بينام

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 180: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

179

تخصصات حرص املفيد من وسيكون الرياضية.)1( الرتبية يف شهادة احلايل املرشد يحمل قيادات احلركات اإلسالمية يف البلدان األخرى والوصول إىل بعض االستنتاجات.

ولكن من الواضح أن ما يسمى باألصولية الدينية يف الدائرة اإلسالمية -من شخصيات وحركات وتنظيامت- ل تكن نتاجا للتعليم الديني، فأبو األعىل املودودي وحسن البنا وسيد قطب ليسوا من خريجي املدارس الدينية، بل إن مبرات قيام كثري من احلركات اإلسالمية االعرتاض عىل التعليم الديني التقليدي. ولقد كان يذكر من املفارقات يف عالقة احلركات واهلندسة الطب كليات لطلبة اإلسالمي احلركي النشاط أن الديني بالتعليم اإلسالمية والعلوم يف كثري من األحيان كان أشد ظهورا وأعمق أثرا من زمالئهم يف كليات الرشيعة، درمان أم جامعة يف تكون ما أضعف كانت السودان يف اإلسالمية الطالبية احلركة وأن منتصف منذ األقل -عىل تكن لم اإلسالمية األصولية بظاهرة يسمى ما وأن اإلسالمية! القرن العرشين وحتى اآلن- مرتبطة ارتباطا طرديا بالتعليم الديني ومؤسساته التقليدية يف

املدارس أو اجلامعات.

ومن املعروف أيضا أن التسعة عرش رجال الذين اهتموا بخطف الطائرات يف أحداث التهمة، لم النظر عن مدى صحة أمريكا، برصف أيلول سنة 2001م يف احلادي عرش من «اجلنود املثاليون« يتخرجوا من مؤسسات التعليم الديني، ومن ثم ل يتمكن مؤلف كتاب له -عىل العكس من ذلك- أن أن ينسب أسباب تطرفهم إىل مناهج التعليم الديني، بل تبني

دراساهتم كانت يف غري جمال الدين.)2(

وردت هذه املعلومة يف مقالة سابقة ملؤلف الكتاب يف كلمة التحرير للعدد اخلاص من جملة إسالمية املعرفة، العدد )1()45(، صيف 1427هـ/2006م، ص 14، استنادا إىل ما كان منشورا عىل موقع إخوان أون الين، يوم 30 كانون

ثاين 2006م.- http://www.ikhwanonline.com/SectionsPage.asp?SectionID=214

هذا ما كان منشورا عىل املوقع يوم 30 كانون ثاين 2006م.(2) McDermott, Terry. Perfect Soldiers: The 9/11 Hijackers: Who They Were, Why They Did

It, New York: HarperCollins. 2005.

اإلسالميون ورؤية العالم املعارص الفصل الثالث

Page 181: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

180

فني. ف املتطر وقد توالت الدراسات التي تؤكد عدم مسؤولية التعليم الديني عن تطرومن ذلك ما نرشته جامعة أركنساس األمريكية عن دراسة أجرهتا لإلجابة عن سؤال مفاده: اخللفية بتحليل الدراسة وجرت اإلرهاب؟ عىل اإلسالمية اخلاصة املدارس تشجع هل التعليمية لالشخاص الذين قاموا بأعامل إرهابية. وقد كشفت نتائج تحليل بيانات الدراسة يف خصوصا، واإلسالمي عموما، الديني التعليم بأن لالدعاء أساس وجود عدم عن الواليات املتحدة له صلة باإلرهاب. فجميع الذي شملتهم الدراسة ممن نشأوا يف الواليات املتحدة وقاموا بأعامل إرهابية، أو حاولوا القيام هبا يف الغرب، تلقوا تعليام عاديا يف املدارس العامة. وتماثل هذه النتيجة ما وجدته البحوث عن التعليم الكاثوليكي خالل الثالثني سنة والفاعلية. والتسامح املدين والنشاط الوطني االنتامء يزيد من التعليم أن هذا من املاضية، أخذها يلزم التي املحددات أحد هي الصغرية الدراسة عينة بأن استدركت الدراسة لكن

باحلسبان يف قبول هذه النتيجة.)1(

التطرف مكافحة اسرتاتيجيات يف بعنوان: بحثا األمريكي بروكنجز معهد ونرش حمفز األيديولوجية( )أو الدين أن إىل تشري التي التجريبية «األدلة أن فيه وجاء العنيف. د يف حقيقة األمر هو مسألة اجتامعية أسايس للتطرف العنيف هي أدلة قليلة، ذلك أن التشداالقتصادي والتفاوت والظلم الفساد مثل أيديولوجية، وغري دينية غري بمظال تتصل يف الدين عامل إدخال أن إليه- املشار البحث –يف الباحث ويرى السيايس... والتمييز ال واإلسالمية العربية الدول يف احلكومات وبرامج العنيف التطرف مكافحة سياسات غ له، وهو وسيلة لقمع املجموعات الدينية غري العنيفة التي ترى النخبة احلاكمة أنها مسوالنقص تشمل قد التي احلوكمة تطبيق يف فشلها عن االنتباه لرصف متطرفة، آراء تتبنى الغربية، احلكومات أو تشجيع من بدعم يتم ذلك ما والفساد. وغالبا اخلدمات تأمني يف

(1) Shakeel, M. Danish and Wolf, Partick. Does Private Islamic Schooling Promoe Terror-ism? An Analysis of the Educational Background of Successful American Homegrown Terrorists. University of Arkansas, College of Education & Health Professions, Education Reform EDRE Working Papers 2017-20. P. 18-19.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 182: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

181

مع العلم بأن الدول الغربية تمول قسام كبريا من األبحاث اجلارية حول مكافحة التطرف العنيف.)1(

العريب ال ترتدد يف ربط العالم الغرب ويف أننا سوف نجد بحوثا كثرية يف د املؤك ومن ومن الدينية. اجلامعات بثقافة أو الديني بالتعليم ذلك تمثل سواء الديني بالعامل التطرف األمثلة عىل ذلك ما نرشه مركز املسبار للدراسات والبحوث يف ديب يف كتاب بعنوان: جدل التعليم أنامط تناولت فصوله اخلمسة عرش – اإلصالح، النامذج - التاريخ الديني: التعليم الديني يف كل من تركيا والبحرين والسعودية واجلزائر والباكستان، ويف حوزيت النجف وقم، التعليمي ومعوقات النظام وجامعتي األزهر والزيتونة، مع تصورات ومقرتحات إلصالح ضت جلهود إصالح التعليم ن فصول الكتاب تعر ذلك. وعىل الرغم من أن البحوث التي تكويف بلدان العالم اإلسالمي، فقد كان واضحا أن الغرض من الكتاب هو إدانة التعليم الديني، يف التوسع ورضورة «أنسنته«، إىل والدعوة إلخ، واإلرهاب... والعنف بالتطرف وربطه سوق خلدمة التعليم وتوجيه احلداثي، الفكر وترسيخ االجتامعية، والعلوم الفلسفة تعليم أن ثقافة التأكيد عىل أن الكتاب ال يخلو كذلك من العمل. لكن من اإلنصاف أن نشري إىل احلكم بنظم ترتبط ثقافة وهي اإلسالمية املجتمعات يف السائدة للثقافة نتيجة هي التطرف ذهنيات وبناء الفرعية، اهلويات وتشجيع السلطة، وتقديس التفكري، أحادية تدعم التي

)2(. مغلقة عىل الذات، مشككة يف اآلخر، تميل لقبول اإلشاعات دون تثبت أو تبني

خطاب يولد الذي الديني التعليم خطورة إىل اإلشارة يف الدولية املؤسسات وتسهم الكراهية والتطرف، فقد أصدرت منظمة اليونسكو دليال ملنع التطرف عن طريق التعليم. ومع أن الدليل أشار إىل بعض أسباب التطرف العنيف، ومنها ظروف البطالة والفقر والتهميش

(1) Rosand, Eric. In Strategies to Counter Violent Extremism, Polices Often Trmp Evidence. Brookings, May 2019. See link:

- https://www.brookings.edu/blog/order-from-chaos/2019/05/06/in-strategies-to-counter-violent-extremism-politics-often-trumps-evidence/ (Retrieved 7 July 2020).

العربية – اإلصالح، ديب، اإلمارات النامذج التاريخ - الديني: التعليم والبحوث. جدل للدراسات املسبار مركز )2(املتحدة: مركز املسبار، 2015م.

اإلسالميون ورؤية العالم املعارص الفصل الثالث

Page 183: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

182

فإنه أشار كذلك إىل أن والظلم االجتامعي، وضعف احلوكمة وانتهاكات حقوق اإلنسان، بعض املتطرفني العنيفني يرتكبون «أعامل العنف باسم الدين، ... وهذا يولد املفهوم اخلاطئ بأن التطرف العنيف هو مسألة دينية. فإذا كان التعليم عن األديان واملعتقدات الدينية يعتب هذه خالل فمن اخلاطئة، املفاهيم هذه إزاله يف أغراضه أحد يتمثل أن ينبغي رضوريا، البامج يجب أن يتعلم الطالب عن قيم الديانات املختلفة وأن يقدروها. يف الوقت نفسه، ينبغي تناول «التعليم الديني« أو «التعليم الذي يركز عىل تعاليم دين معني« بطريقة حكيمة، فالتعاليم الدينية التي تروج للعداء العلني تجاه األديان أو املجتمعات املحلية األخرى، أو

التي تتقبل خطاب الكراهية، هي تعاليم تطرح إشكالية وينبغي دحضها.«)1(

وقد أشار الدليل إىل أمهية التعليم الديني يف بناء رؤية للعال تتصف باالنفتاح والسعة أكثر نظرة يطور الذي الديني التعليم تأمني املهم «ومن للعال: الدينية غري الرؤى وفهم

انفتاحا وأوسع مدى للعال، ويتضمن فهام دقيقا لوجهات النظر غري الدينية للعالم.«)2(

التطوير أو باحلصار الديني التعليم مناهج أو الديني التعليم استهداف مؤسسات إن عكسية، نتائج إىل إال يؤدي لن التطرف« ومقاومة اإلرهاب عىل «احلرب ضغوط تحت يف املعروفة اآلليات طريق عن أثرها وإفشال الضغوط هذه ملقاومة صورا ر يطو وربام الديني، ويفشل جهود اإلصالح ف د والتطر التشد س باملناهج اخلفية، أو يكر علوم الرتبية والتجديد املخلصة التي تزداد احلاجة إليها كل يوم، فهل النتائج العكسيه هذه هي ما تريده

اجلهات التي تستهدف حمارصة التعليم الديني؟!

يمر العام ويف اجلامعات- التعليم املسلمني يف جممله -يف مؤسسات والتعليم يف بالد تقلل من احلكومات تتضاعف، يف حني أخذت كلفته أخذت أن ذلك متعددة، أزمات يف التزامها تجاه هذه الكلفة املتزايدة، وأخذت تتيح جماالت أوسع للقطاع اخلاص ولالستثامر

املنظمة الدولية للرتبية والعلوم والثقافة: منع التطرف العنيف من خالل التعليم: دليل لصانعي السياسات، باريس: )1(

اليونسكو، 2018م، ص 70-69.

املرجع السابق. )2(

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 184: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

183

التجاري، كام أتيح املجال بقصد أو بغري قصد للمؤسسات األجنبية لدخول ميدان التعليم البعد التعليم وأهدافه، وغاب عنه ا أحدث تشويشا شديدا يف فلسفة يف بالد املسلمني، ممالرتبوي الذي يستهدف صياغة شخصية اإلنسان املؤمن بربه، الواثق بنفسه، واملنتمي ألمته التحديث إىل الديني التعليم عن حاجة يقل ال املسلمني بالد يف العام والتعليم ووطنه.

والتطوير، وتوظيف األساليب احلديثة املتاحة.

ثالثا: رؤية العالم واالنتساب للحركات اإلسالمية

بطريقة وغريهم ألنفسهم رؤيتهم عنارص اإلسالمية للحركات املنتسبون ب يترشتدرجيية، تتزايد عمقا وسعة مع الوقت، وتكون أكثر تأثريا إذا جرى االنتساب إىل احلركات تعليامت طريق عن العنارص هبذه التزود عملية وتتم املنتسب. عمر من مبكرة مرحلة يف التكوين والتأطري التنظيمي، واملناهج الدراسية الرتبوية واحلركية التي تتدارسها جمموعات التنظيم. وتعمل األهداف املعلنة للحركة اإلسالمية عىل رسم احلدود العامة لرؤية العالم. د رؤية احلركة للمجتمع الذي تهدف إىل بنائه، وطبيعة املبادئ التي تحكم فهذه األهداف حتد

عالقات األفراد والفئات املختلفة يف هذا املجتمع وعالقة املجتمع بغريه.

الصالت طبيعة من يرافقه وما اإلسالمية، احلركات إىل االنتساب أن يف شك وال النفسية، التزكية وقراءات وأرسهم، احلركة أفراد بني تبنى التي واالجتامعية «التنظيمية« د أنسا وألفة بني األفراد، كل ذلك يجعل وبرامج الرتبية الروحية، والعبادات اجلامعية، تولما حتى أخرى، أجواء أية عن بعيدا الطهورية، األجواء هذه يف البقاء عىل يحرص الفرد يمكن فإنها فضائل، من األجواء هذه يف يبدو ما ومع واألرحام. القربى عالقات تتطلبه الصلة يتجنبون تجعلهم احلركة، خارج لآلخرين األفراد رؤية يف سلبيا أثرا تحدث أن باملجتمع الذي يفرتض أن يعملوا عىل إصالحه، وتصبح واجبات العمل التنظيمي الداخل عندهم أكثر جاذبية من العمل العام ونرش الدعوة ونضال اخلصوم واملخالفني وحماججتهم

يف املجتمع املحل.

تعرض يف هذا السياق بوصفها مشكلة من مشكالت العمل وإذا كانت هذه الصورة التنظيمي، فإنه يمكن التهوين من شأهنا، بالتأكيد عىل أن بعض األفراد يميلون إىل ممارسة

اإلسالميون ورؤية العالم املعارص الفصل الثالث

Page 185: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

184

النشاط الداخل، وآخرين يميلون إىل ممارسة النشاط يف املجال العام، وكل ميرس ملا خلق العمل يف املناسب الفرد ووضع البرشية للموارد حكيمة إدارة مسألة املسألة وتصبح له، تمر هبا احلركة التي املواقف التكيف مع إمكانيات املشكلة تظهر يف ضعف املناسب. لكن التوازن يف شخصية املختلفة، ومتطلبات املراحل الدعوي يف والنشاط السلوك ومتطلبات الداعية، فضال عن انعكاس هذا التفاوت يف االستعداد عند أفراد احلركة عىل رؤية اآلخرين لرؤية السلبي البعد أن ويبدو أفرادها. من تواجههم التي النامذج خالل من احلركة، هلذه العالم التي تتكون يف بعض أطر احلركات اإلسالمية من خالل االنكفاء إىل الداخل، يصبح

بعد فرتة عبئا يستشعر بعض األفراد ثقله عىل شخصياهتم.)1(

بعض تكون يف احلركات فيها هذه تعمل التي املجتمعات العامة يف الظروف ولكن العالم ا يؤدي إىل تعديل يف رؤية األحيان أكثر تأثريا من مناهج احلركات وتوجيهاهتا؛ مملدى األفراد، وربام إىل توليد رؤية جديدة خمتلفة تماما عام تحاول احلركات اإلسالمية تكوينه؛ سجون يف املعتقلني آالف له ض تعر الذي القسوة، الشديد والنفيس، اجلسدي فالتعذيب بعض الدول العربية واإلسالمية يف اخلمسينات والستينات، ومحالت احلرب اإلعالمية وما رافقها من بؤس اقتصادي واجتامعي، ومغامرات انقالبية دموية يف كثري من األقطار، وهزائم والدعاء التفكري اإلصالحي معه ليفيد يكن لم ذلك كل أمام إرسائيل... ماحقة عسكرية باهلداية للحكام، والدعوة بالكلمة الطيبة، وتطبيقات مرشوع اإلصالح طويل النفس: الفرد املسلم، فاألرسة املسلمة، فاملجتمع املسلم، فالدولة املسلمة. ولم يكن غريبا أن تسود فكرة التقسيم الثنائي للمجتمع: إىل جاهل وإسالمي، وتتكرس أفكار الباء والوالء، وأن يؤدي البامج مع وتجاوبهم األفراد توجهات ضبط وصعوبة التنظيمي، العمل إرباك إىل ذلك االجتامعية والسياسية للحركات. ونشأت يف داخل احلركات -نتيجة لذلك- جيوب تدعو

املنتسبني حلركتهم، وهي مشاعر تصل يشكو بعض األفراد يف جلساهتم اخلاصة من مشاعرهم السلبية تجاه غري )1(التي تكون أشبه بمواقف الذايت التقييم النفيس وجلسات الكراهية، وتتم هذه الشكاوى يف حاالت الصفاء حد «االعرتاف بالذنب.« أما الذين يخرجون من التنظيم ويمارسون نقده، فإنه هذه املسألة تكون إحدى املسائل التي

يتوجه إليها نقدهم.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 186: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

185

إىل ممارسة الرتبية الطهورية من خالل العزلة بعيدا عن تأثريات املجتمع اجلاهل، وانفصلت بعض هذه اجليوب لتؤسس مجاعات العنف والعمل املسلح.

ردود عىل تتأسس ال للعالم رؤيتها بأن تؤمن تزال ال كانت القيادات بعض لكن الفعل، وإنما عىل أساس املبادئ الراسخة، ومع ذلك فإن رد الفعل ربام ينتج من التصويب الفكري أو العالم الالزمة حلسم اجلدل التذكري برؤية والتصحيح ما يصبح وثيقة مهمة يف الفوىض الفكرية. ومن ذلك عىل سبيل املثال أن مجاعة اإلخوان املسلمني يف األردن نرشت للحركة اإلصالحية الرؤية لتأكيد املجتمع،« «هوية عن مهمة وثيقة السبعينات مطلع يف بعيدا عن صور التطرف يف الرؤية أو الممارسة، وأن اجلامعة يف مرص نرشت كتاب «دعاة ال قضاة« الذي قيل إن مرشد اجلامعة آنذاك كان قد أرسل فصوله من داخل سجنه إىل أعضاء

اجلامعة يف السجون األخرى، ليحد من نزعات الغلو والتطرف والتكفري.

ونشاطات الفكرية الرتبية برامج يف السائدة األدبيات بعض تزال فال ذلك كل ومع ثم ومن املسلمني«، «مجاعة أحيانا احلركة أبناء والنفيس تجعل من بعض الروحي الشحن فكلها والوطن والدولة الشعب أما اجلامعة، وهلذه ولرسوله هلل إال يكون ال والءهم فإن الترشيعات بني التعارض عىل األساس يف قائم واالفرتاض الوالء! تستحق ال أصنام الوضعية والترشيع الرباين، ولذلك فال طاعة ملخلوق يف معصية اخلالق، وعليه -ومن باب

أوىل- ال يكون للرشعية الدولية، أي اعتبار ديني!

رابعا: رؤية العالم عند اإلسالميني يف إطارها السيايس

عندهم العالم فرؤية للعالم، اإلسالميني رؤية عىل السيايس اهلم يسيطر أن غرابة ال ة ترتبط -يف جانب منها عىل ة اإلسالمية وعالقتها بغريها. ورؤية األم ن رؤيتهم لألم تتضماألقل- باإلمامة واخلالفة، وهو موضوع جلدل عريض يمتد من رؤيته حمورا للتفكري السيايس ة شيئا، ودون أن املعارص، إىل رؤيته صفحة من التاريخ يمكن أن تطوى دون أن تخسر األمالدولية وحاالت احلرب والسلم، وهو بالعالقات الدين شيئا. ورؤية اآلخر ترتبط يخسر السياسة فإن ذلك وفوق هنار. ليل املعارص اإلسالمي الواقع عىل نفسه يفرض موضوع

اإلسالميون ورؤية العالم املعارص الفصل الثالث

Page 187: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

186

اإلعالمي، فالتوجيه كافة، املعارص املجتمع فعاليات يف تتحكم أصبحت بالدنا يف املحلية النظم وتخدم املدى، قصرية أكثرها التنمية، وخطط الرتبوية، واملناهج الثقافية، والبامج السياسية القائمة ومصالح أصحاب النفوذ فيها، أكثر مما تخدم املصالح احلقيقية للشعوب. ولذلك فإن عنارص الرؤية الكلية لإلصالح عند اإلسالميني -يف كثري من األحيان- هي رد

فعل للواقع السيايس الداخل واخلارجي بكل ضغوطه ومؤثراته.

وال غرابة أن تسيطر التجربة التارخيية عىل رؤية اإلسالميني للمجتمع الذي يطمحون إىل بنائه، ذلك أن صورة الدولة احلديثة يف جمتمعات املسلمني جاءت عىل النمط األورويب، مدين، اجتامعي بعقد يلتزمون مواطنون، ضمنها يعيش سياسية حدود يف تتحدد حيث يتيح قدرا كبريا من حريات االعتقاد والسلوك والتعبري، ضمن دستور وضعي، يحفظ حق األفراد يف ممارسة التدين عىل املستوى الفردي يف مؤسسات خاصة. وهذه الصورة احلديثة –يف تتأصل ولم تراثهم، يف اليوم مسلمو عنها يقرأ التي التارخيية الصورة مع تنسجم ال املقابل- تجارب معارصة يف بناء الدولة اإلسالمية احلديثة التي تصلح يف الذهنية اإلسالمية

أن تكون بديال معارصا عن النموذج العمل التارخيي، أو النموذج النظري املثايل.

أن يتوقع الذي املتكامل احلضاري املرشوع صورة الرؤية هذه تفتقد أن غرابة وال يعمل اإلسالميون يف إطاره؛ ذلك أن هذا املرشوع يف صيغته املعارصة هو تصور للمجتمع الذي يريد اإلسالميون بناءه، وهو بالتأكيد جمتمع معارص تستخدم فيه مواد البناء املعارصة، وأدوات البناء املعارصة. والعنارص الفكرية والتصورية هلذا املرشوع ال تزال أقرب إىل الصور التارخيية منها إىل صور الـممكنات املعارصة، وهي أقرب إىل اآلمال والطموحات منها إىل قاعدة هي اإلسالمية العالم رؤية أن عىل التأكيد ورغم العملية. والبامج الواقعية البنى خالل من يتم العالم رؤية عن احلديث أكثر فإن إسالمي، حضاري مرشوع أي انطالق احلضاري السقف عن غيبة يف واإلنسان واحلياة للكون اإلسالمي الفهم أساسيات إعادة من املخلصني إليها جهود تتوجه برامج إىل تحويلها املعارص، ويف صورة يصعب والواقع وتطوير املرشوع، بناء يف التقدم عىل أثرها ينعكس بصورة واملفكرين، والباحثني الدعاة

براجمه والتقدم يف امتالك خبات أكثر نضجا.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 188: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

187

بلداهنم يف السياسية العملية يف اإلسالميني ملشاركة املتزايدة الممارسة تكشف وربام ما ومواقفهم، اإلسالميني تفكري يف والتحديد الوضوح من مزيدا تتطلب إشكاالت عن ة تخوف -قد يكون مرشوعا- لدى فئات عديدة كان هلا أن تتضح بدون هذه املشاركة. فثمف األقليات غري املسلمة عىل يف املجتمع من وصول اإلسالميني إىل السلطة؛ من ذلك تخوحقوقها املكتسبة، وتخوف الدول الغربية عىل مصاحلها يف الوصول إىل املواد اخلام باألسعار خنق من العاديني الناس من كثري ف وتخو ملنتجاهتا، االستهالكية واألسواق هلا، املالئمة هامش احلريات العامة يف مسائل االعتقاد والتعبري والسلوك، وتخوف قطاعات من النساء

من سلبهن ما تحقق هلن من مكاسب... إلخ.)1(

ال بلداهنم يف السياسية املشاركة يمارسون الذين حتى اإلسالميني بعض يزال وال الناحية من سليم إطار الديمقراطية أن اخلاصة- وجلساهتم أنفسهم، قرارة –يف يرون وهم الديمقراطية، نرش إىل الدعوة يف الغربية املرجعية بوضوح يرون فهم اإلسالمية، الديمقراطية هذه لتطبيق الغربية والنامذج األدوات يف الغربية املرجعية بوضوح يرون تفرزه ملا ر التنك يف الغرب ممارسات كله- ذلك -بعد بوضوح يرون وهم وممارستها،

الديمقراطية من نتائج!

خامسا: تقويم رؤية العالم عند اإلسالميني

التوازن، وإعادة والتكيف الرتاكم بطريقة تبنى اإلنسان يمتلكها التي األفكار إن وهكذا اخلبة، وتراكم الزمان مرور مع واالمتداد التواصل حلقات من سلسلة لة مشكة مواقف يف حياة الفرد وحياة املجتمع يحدث فيها يشء من ر الثقافة البرشية. لكن ثم تتطو

توضح أن اإلسالمية احلركات عىل أن ترى مسائل ست عن تتحدث دراسة للسالم كارنيجي مؤسسة نرشت )1(هي: القضايا هذه وكانت الرمادية. واملساحات الغموض من وخالية وحمددة، واضحة بصورة منها موقفها الرشيعة، والعنف، والتعددية السياسية، واحلقوق املدنية، وحقوق املرأة، واألقليات. انظر: نرشة اإلصالح العريب،

تصدر عن مؤسسة كارنيجي للسالم الدويل - ترمجة دار الوطن للصحافة والطباعة والنرش، عىل الرابط:

- http://www.alwatan.com.kw/arb (Retrieved 7 July 2020).

اإلسالميون ورؤية العالم املعارص الفصل الثالث

Page 189: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

188

ر العادي، ويتمثل يف فكرة تيضء يف عقل صاحبها، تعب عن إبداع فكري جديد تجاوز التطويعني وهذا بكاملها. الثقافية الرؤية تشكيل ويعيد واملألوف، للمعروف استمرارا يبدو ال رات والتصو األفكار من شبكة هي وإنما منفصلة، ومسائل أشياء ليس الثقايف التطور أن

ل رؤيتنا للعالم ووجودنا فيه. واملواقف التي تشكيقدمه الذي الفهم عىل احلرصي باالعتامد فهمها يسهل ال للعالم، اإلسالميني رؤية اإلسالميون أنفسهم عن أنفسهم، فاإلنسان أحيانا ال يرى نفسه جيدا، وقد ال يرى إال جزءا من الصورة الكلية، وبعض اجلوانب يصعب رؤيتها وفهمها إال إذا توافرت هلا رؤية خارجية متحررة من تحيزات الذات.)1( ومع أن بعض احلركات اإلسالمية تقيم عالقات جيدة مع حركات وتنظيامت وأفراد من خارج صفوفها، وتتحالف مع هذه اجلهات أحيانا يف مواقف سياسية أو فكرية، فإن التكوين الفكري والنفيس لكثري من األفراد ال يزال ال يستسيغ ذلك، ل هذه احلركات ملواقف يقبله سياسة ال رشعا. وربام تقتيض احلكمة أن تؤص قبله فإنه وإذا التعاون والتحالف هذه، تأصيال رشعيا يريح ضامئر الشباب يف هذه احلركات، ويجعل من املمكن السري خطوة أكثر أمهية، وهي أن تعتمد هذه احلركات -يف حماولة التخطيط الواعي من فيها تستفيد خارجية مدخالت عىل العالم- مع وتفاعلها للعالم رؤيتها عنارص لبناء

الطريقة التي يفهم فيها اآلخرون رؤية اإلسالميني للعالم.

ومن املؤمل أن ال يثري النقد حفيظة اإلسالميني، إذا وجدوا فيه بعض النقد؛ فاملناطق إليها، يشريون الباحثني من كثري أخذ التي ومواقفهم- اإلسالميني تفكري -يف الرمادية)2( وتستعريها بعض القيادات من باب املناكفة السياسية، أصبحت قضية من املفيد أن يناقشها

من أجل ذلك كان «املؤمن مرآة أخيه«. واملعنى جاء من حديث يرويه أبو داود عن أيب هريرة عن رسول اهلل صىل اهلل )1(عليه وسلم قال: املؤمن مرآة املؤمن واملؤمن أخو املؤمن، يكف عليه ضيعته ويحوطه من ورائه. انظر:

- السجستاين، أبو داود. سنن أيب داود. الرياض: بيت األفكار الدولية، 1999م، كتاب األدب، باب يف النصيحة واحلياطة، حديث رقم )4918(، ص533.

يف كارنيجي مؤسسة يف الباحث محزاوي عمرو الدكتور مع حوار املعارضة؟ بساحة اإلسالميون انفرد ملاذا )2(واشنطن، يف ندوة «مركز احلوار العريب« بواشنطن. انظر الرابط:

- www.wfrt.net/WP/cotil/pep3.htm - 36k (Retrieved 7 July 2020).

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 190: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

189

عن احلديث فمقام أفضل.)1( بصورة فهمهم اآلخرون يستطيع حتى فعال، اإلسالميون ميادين يف اإلسالميني جهود عىل قيميا حكام احلاالت مجيع يف يكون ال الرمادية املناطق يف أنفسهم اإلسالميون يمارسه الذي النوع من احلديث هذا يكون فقد املختلفة، العمل مراحل عملهم عىل املستويات املختلفة. لكن النظرة الكلية يف أية عملية للتقويم تحتاج يف الغالب أن تستهدي بمن يملك النظرة من األعىل ومن اخلارج، حيث يمكن أن يرى أمورا باحثني والتقويم املراجعة حلقات إىل اإلسالميون يدعو وعندما الداخل. يف من يراها ال ومنهجا التنظيم، يف وعافية صحة عالمة يعد ذلك فإن غريهم، من وإعالميني وخباء بالنفس، الثقة عن وتعبريا االنغالق، شبهة يدحض إعالميا وصوتا والتكوين، الرتبية يف جلسور وتأسيسا اآلخر، عند إال تتوفر ال قد خلبة وتوظيفا املوضوعية، للمعرفة وتقديرا

العالقات اإليجابية مع اآلخر.

يمكن ما أنجزت اإلسالمية واألحزاب احلركات من كثريا أن من الرغم وعىل والتعددية الديمقراطي، النظام طريق عن لإلصالح رؤيتها يف الفكرية« بـ«القفزة وصفه السياسية، وتداول السلطة، واحلريات العامة، فإن خصوم اإلسالميني ال يزالون يتحدثون واحلريات املرأة، بقضايا يختص فيام سيام ال اإلسالميني، رؤية يف الرمادية« «املناطق عن إقامة مرشوع عن التخل تعني الفكرية« «القفزة تلك كانت إذا وما واألقليات، الفردية، «دولة إسالمية« ال يعرف أحد حدودها، وتطبق «الرشيعة« بصورة ال يعرف أحد نتائجها. الديمقراطية باألساليب السلطة إىل اإلسالميني وصول حالة يف اخلصوم هؤالء ويتخوف

من تقييدهم النظام الديمقراطي بقيود دينية، أو العودة إىل إقامة نظام إسالمي.)2(

الرمادية، ومن ذلك ما كتبه عضو باملناطق يبدو أن بعض احلركات اإلسالمية أخذت تحاول توضيح ما سمي )1(ح نه رسالة موجهة إىل مؤسسة كارنيجي للسالم الدويل يوض مكتب اإلرشاد يف اإلخوان املسلمني يف مرص وضمبعنوان: الرسالة وكانت اإلسالميني، عن املؤسسة تقرير يف وردت التي الست النقاط من اجلامعة موقف فيها

اإلسالم اإلصالحي: إيضاح املناطق الرمادية. انظر:- أبو الفتوح، عبد املنعم. اإلسالم اإلصالحي: إيضاح املناطق الرمادية، نرشة اإلصالح العريب، جملد )4(، عدد

)6(، يوليو 2006م.

يف السيايس اإلسالم حركات أنموذجا. األردن البملانية: السيايس اإلسالم حركات تجارب حممد. رمان، أبو )2(الوطن العريب: الواقع واملستقبل، مراجعة وتنسيق بكر البدور وجواد احلمد. عامن: مركز دراسات الرشق األوسط،

2015م، ص 45- 82.

اإلسالميون ورؤية العالم املعارص الفصل الثالث

Page 191: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

190

وتعب بعض اجلهات الدينية غري اإلسالمية من قلقها من رؤية العالم عند اإلسالميني، عندما تكرر حديثها عن املناطق الرمادية بمصطلح أكثر تعبريا عن القلق، وهو «اللغة الضبابية واملراوغة«. فقد نرش املركز الكاثوليكي للدارسات واإلعالم يف األردن بتاريخ 28 ترشين «إعالن عامن: خريطة طريق ملستقبل أفضل ملسيحيي البلدان ه ثاين/نوفمب 2014م ما سامالعربية«، وهو الوثيقة التي انتهت إليها مداوالت «سلسلة من املؤمترات اإلقليمية والوطنية، ناقشت خالهلا مجلة من التحديات التي تجابه مسيحيي املرشق والبلدان العربية.« وجاء يف الدول السيايس يف خمتلف «ظاهرة صعود حركات اإلسالم القلق من التعبري عن اإلعالن واملجتمعات العربية، وإذ شددوا عىل رضورة التمييز بني هذا احلركات، وعدم وضعها مجيعا منها، واإللغائية التكفريية التيارات وعزل حماربة وجوب عىل أمجعوا فقد واحدة، سلة يف املسيحي ن املكو حيال واضح خطاب تبني إىل اعتداال، األكثر احلركات دعوة قرروا كام وحرياهتم حقوقهم عن احلديث عند واملراوغة« الضبابية «اللغة عن واالبتعاد املنطقة، يف «مواطنة تعزيز يف ال جمدية، تعد لم املقاربات، هذه مثل أن ذلك وتمثيلهم، ومشاركتهم

املسيحيني« وال يف حماربة تيارات الغلو والتطرف.«)1(

موقع أبونا يوم 2014/11/28م. انظر الرابط: )1(- https://bit.ly/2Xntzku (Retrieved 7 July 2020).

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 192: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

191

خاتمة

بالعنف احلادي والعرشين القرن الغريب مع مطلع لفظ اإلسالميني يف اإلعالم ارتبط

واإلرهاب، سواء أحببنا ذلك أم كرهناه. ولدى هذا اإلعالم أمثلة يستشهد هبا عىل ذلك، من

عمليات استخدام العنف، باسم اإلسالم، يف مناطق تشمل رشق العالم وغربه، من نيويورك

وواشنطن إىل إندونيسيا، مرورا بخليج عدن ورشق أفريقيا، وكشمري وباكستان وأفغانستان

يشكك عندما وحتى إلخ. ولبنان... وفلسطني سيناء وصحراء ومدريد ولندن والشيشان

اإلعالم الغريب يف صحة نسبة بعض هذه األعامل إىل «تنظيم القاعدة« بوصفه لم يعد قادرا

«القاعدة« مثل أسامء أن ر يقر اإلعالم هذا فإن وتنفيذها، إرهابية لعمليات التخطيط عىل

و«الدولة اإلسالمية« وغريمها، أصبحت «عقيدة للمواجهة العالمية«، و«اجلهاد«، و«احلرب

"رؤية عن تعب إنام العقيدة هذه عن تنبثق التي املامرسات هذه وأن اإلسالمية، املقدسة«

«رؤية العالم القاعدية«)2( لغة البحث العلمي يف اجلامعات للعالم.«)1( وقد دخل مصطلح ومراكز البحوث.)3(

ويتحدث بعض الزعامء الغربيني بيشء من االستغراب عن أن اإلسالميني املتطرفني

الرئيس طرح وعندما الغرب، يف السائدة العالم رؤية عن خمتلفة للعالم رؤية يملكون

بأن نفسه- -هو أجاب يكرهوننا؟ ملاذا املشهور: سؤاله االبن« «بوش األمريكي

اإلرهابيني املسلمني، يكرهون ما لدينا من حرية التدين وحرية التعبري وحرية االنتخاب

(1) Murphy, Dan and La Franchi, Howard. Special Briefing: How Radical Islamists see the World, Christian Science Monitor, August 2, 2005.

(2) Al-Qaeda worldview or Qaedaism.

(3) Dhanrajgir, Nikhil. From Dissociated Hegemony towards Embedded Hegemony, Journal of Scinec and World Affairs, (Utrecht University, the Netherlands) Vol 1 No.2, 2005, 123-131.

اإلسالميون ورؤية العالم املعارص الفصل الثالث

Page 193: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

192

واالجتامع واالختالف... هم ال يريدون أن ينهوا حياتنا فقط وإنام يريدون عرقلة وإهناء

طريقتنا يف احلياة.« )1(

أجهزة يف املسؤولني من وغريه املذكور، األمريكي الرئيس عبارات تواصلت وقد اإلعالم يف تفسري أحداث احلادي عرش من أيلول، باإلحالة إىل كراهية اإلرهابيني للمجتمع يملكون اإلرهابيني أن التفسريات هذه وشملت عموما؛ الغربية واملجتمعات األمريكي يتمتع التي والديمقراطية احلرية عىل األمريكي الشعب يحسدون تجعلهم للعالم رؤية هذه أصحاب يرتدد وال األمريكية. بالقيم يؤمنون ال ألنهم أمريكا يكرهون وأنهم هبا، الواليات للعالم، وأن يشريوا إىل سعي وا رؤيتهم املتطرفني أن يغري التفسريات أن يطالبوا العالم ملساعدة الدوالرات من املاليني تدفع التغيري هذه حني األمريكية يف عملية املتحدة تنزع روح للعالم بناء رؤية جديدة تعمل عىل التي التعليمية املناهج تطوير اإلسالمي عىل الباحثني بعض يؤكد بينام الديمقراطية. وتقوم عىل والتعايش، للسالم س وتؤس الكراهية، أن واملبرشين الدينيني الزعامء قطاع يف وبخاصة الغرب، يف واملسلمني اإلسالم قضايا يف رؤية عن تختلف للعالم رؤية يمتلكون منهم- اإلسالميني فقط وليس -عامة املسلمني

املسيحيني واليهود يف الغرب.)2(

ة رد دائمة- يف شكل للعالم -بصفة رؤيتهم أن اإلسالميني يصوغون يرى ة من وثمفعل ضد الغرب. ويبدو أن ثمة افرتاضا بأن املسلمني ال يملكون حق امتالك رؤية للعالم أن ترى كانت التي التقليدية االستعامرية املشاعر عن تعبريا ذلك كان فهل هبم. خاصة الشعوب املستعمرة ال تملك القدرة عىل حكم نفسها وتدبري شؤوهنا، فال بد من «انتداب«

ل -يوما ما- لالستقالل؟! من يتوىل «الوصاية« عليها أو «احلامية« هلا، حتى تتأه

ظهرت بعض هذه األقوال للرئيس األمريكي يف اخلطاب الذي ألقاه يف الكونغرس األمريكي، ونرش نصه يف جريدة )1(الواشنطن بوست، لكن أقواال أخرى ذكرت يف مناسبات أخرى الحقة. انظر خطاب بوش يف الكونغرس عىل الرابط: - https://www.washingtonpost.com/wp-srv/nation/specials/attacked/transcripts/bushad-

dress_092001.html (Retrieved 7 July 2020).

(2) https://www.middleeasteye.net/opinion/why-do-they-hate-us-how-west-creates-its-own-enemies (Retrieved 7 July 2020).

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 194: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

193

ومن الطريف أن الرئيس اإليراين أمحدي نجاد أرسل رسالة مفتوحة للرئيس األمريكي بوش االبن يف يونيو 2006م، وعندما أجرت شبكة التلفزيون األمريكية )يس يب أس نيوز( نافذة «يفتح أن الرسالة هذه وراء من يريد إنه قال: الرسالة، مضمون حول معه مقابلة

ليتمكنوا )القادة األمريكيون( من «رؤية العالم« بطريقة خمتلفة...«)1(

أطلقها التي الدعوة نفهم أن يسهل العالم الرصاع بني رؤى ملركزية فهمنا ويف ضوء وزير الدفاع األمريكي األسبق «رامسفيلد« بأن احلرب عىل اإلرهاب يجب أن تكون «حرب ل.)2( ومن ثم فإن الرصاع عىل مناطق النفوذ ومصادر الطاقة وأسواق أفكار« يف املقام األوالعالم أزمات لتفسري كافية تعد لم املصالح، التضارب يف املنتجات، وغري ذلك من صور «حرب األفكار،« و«التناقض بني رؤى العالم،« و«رصاع املعارص؛ فدخلت عبارات مثل

احلضارات،« لغة البحث العلمي والتغطية اإلعالمية لقضايا العالم املعارص.

إن األزمة التي تواجه عالم اليوم هي بالتأكيد –ويف بعض جوانبها عىل األقل- أزمة يف رؤية العالم، ونحن نالحظ أن اإلسالميني يتوزعون عىل أطراف هذه األزمة بطريقة ال تخلو من تناقض؛ فقد تكون بعض مكونات رؤية العالم كامنة يف برامج الرتبية الفكرية والتنظيمية املراجعة والتطوير؛ وقد تكون البامج حظها من أن تأخذ هذه يلزم ثم لإلسالميني، ومن

جريدة الرشق األوسط الدولية بتاريخ 8/11/ 2006م العدد )10118(. )1(

أيديولوجية حربا أساسا تكون أن يجب اإلرهاب« عىل «احلرب أن عىل الغربيون املفكرون يؤكد أن رسا ليس )2(وحرب أفكار. بل إن عدم النجاح يف احلرب الساخنة عىل اإلرهاب التي تستخدم أقسى ما تفتق عنه عقل البرش من القدرة عىل التدمري املادي والبرشي والنفيس، بدأ يعزى إىل فشل العسكريني والسياسيني يف احلرب الفكرية، وهذا ما تحدث عنه وزير الدفاع األمريكي رامسفيلد يف عدد من املناسبات وقال بصورة حمددة ما ترمجته: «نحن يف حرب أفكار، كام نحن يف حرب كونية عىل اإلرهاب، فاألفكار مهمة ونحتاج إىل التقدم هبا، ويلزم توصيل هذه األفكار

بطرق تقنع املستمعني، ويف كثري من األحيان ال نكون أفضل املرسلني ألفكارنا« انظر:

Gertz, Bill. U.S. lacks direction, cohesion in war of ideas, Washington times, Oct. 30, 2003.

ويبدو أن الفشل ال يزال يالحق اجلهود األمريكية يف هذا املجال، فقد نرشت اجلريدة نفسها يف عددها الصادر 27 آذار )مارس( 2006م مقاطع من خطاب رامسفيلد أمام أساتذة وطلبة كلية احلرب العسكرية، منها تأكيده أن: «أمريكا لم تنجح يف احلد من الدعم األيديولوجي للمتطرفني الذي يمارسون اإلرهاب يف العالم، وإذا حاول أحد أن يضع تقديرا ملدى نحاج أمريكا يف «معركة األفكار« سيجد أنها ال تستحق أكثر من )د( أو )د+(، وأننا ل نجد املعادلة

املناسبة ملواجهة الرسالة التي يقدمها املتطرفون...«

اإلسالميون ورؤية العالم املعارص الفصل الثالث

Page 195: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

194

القنوات اإلعالمية لإلسالميني بحاجة إىل تعزيز دورها يف إيصال رسالتهم -بصورة واضحة وحمددة- إىل املعنيني بأمرهم يف الداخل واخلارج؛ وقد تكون بعض الشخصيات غري املركزية يف بنية احلركة أعىل صوتا من احلركة نفسها؛ وقد تكون األطر التنظيمية للحركة غري قادرة عىل الوصول برؤية احلركة ومواقفها إىل حيث يجب أن تصل؛ وقد تكون هذه األطر متخلفة

عن متطلبات التدافع والتفاعل مع البيئات السياسية املعارصة، بطريقة فاعلة ومؤثرة.

وإذا كانت مراكز البحث والدراسات يف العالم تجهد يف دراسة موضوع اإلسالميني، دراسة يف اجلهد بذل أنفسهم- -هم يتولوا أن حقا املفيد من فإن لدهيم، الرؤى وتنوع غريهم كوا ويرش لآلخرين، ورؤيتهم هلم، اآلخرين ورؤية فكرهم، نات ومكو واقعهم من الباحثني املتخصصني يف هذه الدراسة؛ فتحديد مكونات رؤية العالم عند اإلسالميني، وحماولة بياهنا وتوضيحها مطلب مرشوع، عليهم أن يتولوا أمره، واالفرتاض الذي ينفعهم هنا أن يتجاوزا مقولة: إن الذي يريد الوضوح يف تفكرينا ومواقفنا يستطيع أن يراه، ومن ال

يراه فإنه ال يريد رؤيته!

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 196: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

الفصل الرابع

العلوم االجتامعية يف رؤى العالم املتقابلة

مقدمة

المبحث األول: العلوم االجتامعية بني العلوم األخرى

أوال: العلوم االجتامعية يف السياق التارخيي

ثانيا: العلوم االجتامعية يف حالتها املعارصة

ثالثا: ظاهرة التحول من العلوم الطبيعية إىل العلوم االجتامعية

المبحث الثاين: عالقة العلوم االجتامعية برؤية العالمأوال: حضور رؤية العامل يف العلوم االجتامعية

ثانيا: إعادة تنظيم العلوم االجتامعية بحاجة إىل رؤية جديدة للعالم

ثالثا: رؤية العالم وعلم اإلنسان )األنثروبولوجيا(

املبحث الثالث: العلوم االجتامعية يف رؤية العامل اإلسالمية

خاتمة

Page 197: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought
Page 198: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

197

الفصل الرابعالعلوم االجتامعية يف رؤى العالم املتقابلة*

مقدمة

تبدو الصلة الوثيقة لرؤية العالم بكل من العلوم الدينية والعلوم الطبيعية واضحة تماما

يف اجلدل املستمر عب التاريخ، ويف احلضارات املختلفة. ومع ذلك فإن هذه الصلة بالعلوم

االجتامعية العلوم موقع أن ذلك العلوم. من الفئتني تلك عنها يف تقل شأنا االجتامعية ال

الصلة، هلذه خاصة أمهية يعطي العالم، يف وحضورها حياهتا وأنامط األمة هوية حتديد يف

ها. كذلك فإن واقع العلوم مما يستدعي االهتامم هبا وفهم العوامل املؤثرة يف تطورها ونمو

الواقع، هذا أبعاد من املزيد لفهم الالزم اجلهد بذل يحتم اإلسالمية البالد يف االجتامعية

وفهم ما تم إنجازه وتحقيقه من جهود التطوير والتخطيط يف هذه العلوم.

وألغراض هذا الفصل رأينا أن نتعامل مع العلوم االجتامعية واإلنسانيات ضمن فئة

واحدة، فكالمها يتعامالن مع الفرد اإلنساين واملجتمع اإلنساين، فالفرد اإلنساين ال يعيش

خارج جمتمع، واملجتمع هو يف هناية املطاف جمموعة مرتابطة من األفراد. ومهام سعت جهود

فضال هذا للعبور. قابلة غري حدودا تضع لن ا فإهن متاميزة، فئات ضمن العلوم تصنيف

البحث املعارص أخذت تتعامل مع كثري من املوضوعات عن طريق مناهج عن أن ميادين

موضوعات حضور إىل ة املاس احلاجة ندرك أن نستطيع إننا ثم والبينية. املتداخلة العلوم

التي الكبى للوجود اإلنساين، نتعامل مع قضايا األسئلة العلوم عندما ومناهج عدد من

هي موضوع رؤية العالم.

* قدم املؤلف -بعنوان قريب هو "رؤية العال يف العلوم االجتامعية"- ورقة بحثية إىل مؤمتر العلوم االجتامعية من منظور

اآلداب كلية يف والثقافة والعلوم للرتبية اإلسالمية واملنظمة اإلسالمي للفكر العاملي املعهد نظمه الذي إسالمي، شتاء ،)43-42( املزدوج العدد املعرفة، إسالمية جملة يف ونرشت 2005م. سبتمب يف املغربية باململكة باملحمدية،

2006م. لكن ما ورد يف هذا الفصل هو معاجلة جديدة متاما.

Page 199: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

198

وتأيت أمهية اجلمع بني العلوم االجتامعية واإلنسانيات من طبيعة األعامل التي يحتاج األكاديمي بالتخصص تتصل ال وقدرات مهارات ة فثم احلديث، اإلنساين املجتمع إليها األفراد يواجهها التي املشكالت والقضايا واملواقف بطبيعة تتصل كذلك وإنما وحسب، التقارير ومجع العمل ال يحتاج إىل إعداد ة جمال من جماالت ثم يف جماالت عملهم، فليس األداء وتطوير الممارسات تحسين أجل من ونقدها، وتحليلها وفحصها البيانات سياق يف إال له قيمة ال املختلفة العمل جماالت يف اجليد األداء إن ثم املشكالت. وحل للتنمية واخلاصة العامة األهداف إنجاز األداء يف حسن يوظف الذي االجتامعي، الواقع األكثر هي واإلنسانية االجتامعية العلوم تخصصات أن والظاهر والسياسية. االجتامعية حلارض الكلية الرؤية من إليه تؤدي ملا العامة، التنموية والسياسات باألهداف التصاقا

املجتمع ومستقبله.

ولكل فئة من فئات العلوم تصنيفاهتا الفرعية املختلفة. فللعلوم الدينية، تفرعات عىل أسس خمتلفة، منها ما يكون من علوم املقاصد وعلوم الوسائل؛ وللعلوم الطبيعية، تفرعات عىل أسس خمتلفة منها علوم الكائنات احلية، وعلوم الكائنات اجلامدة )غري احلية(، أو العلوم فيها اإلنسانيات تتداخل التطبيقية، وللعلوم االجتامعية تفرعات عديدة األساسية والعلوم العلوم سائر عن التاميز من قدر مع النفس، وعلم واألدب اللغة علوم من تتضمنه وما

االجتامعية، مثل علوم االجتامع والتاريخ والسياسية والقانون واالقتصاد وغريها.

ومع النظر إىل العلوم االجتامعية ومعها اإلنسانيات، نكون قد اعتمدنا أحد التصنيفات والعلوم الطبيعية، والعلوم الدينية، العلوم هي: فئات، ثالث بني تميز التي الشائعة االجتامعية. لكننا نضيف شيئا من االستدراك يف هذا املقام، يتناسب مع ما نتحدث عنه من رؤية إسالمية للعالم؛ إذ يقترص اعتامدنا هذا التصنيف عىل ما هو سائد لألغراض اإلدارية تعد سائر العلوم الطبيعية يف نظم التعليم والبحث، مع تأكيدنا أن الرؤية اإلسالمية للعالم ة ثم كان وإذا الرشيعة«، «علوم يسمى فيام احلال هو كام مرشوعة« «علوما واالجتامعية مع لتناقضه رشعيته، عدم من التأكد نستطيع ما فهو املرشوعة، العلوم يقابل آخر صنف

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 200: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

199

متطلبات املنطق والعقل السليم، ولعدم قابليته للبحث والتمحيص العلمي، ولما يؤدي إليه من مفاسد حمققة، وال يخدم أية مصالح مرشوعة. وهبذا نعلم أن األصل أن تكون العلوم

الطبيعية والتطبيقية واالجتامعية علوما مرشوعة.

رؤية موقع عن الكتاب هذا من السابع الفصل يف التفصيالت بعض ترد وسوف الفصل عن هذا القول يف نستبق ولكننا الطبيعية. والعلوم الدينية العلوم تعليم العالم يف لما العلوم، العالم يف هذه التفصيل عن موقع رؤية بقدر من للحديث العلوم االجتامعية هلا من موقع مهم يف الواقع البرشي املعارص بصورة عامة، ويف حالة املجتمعات اإلسالمية

بصورة خاصة.

متتلكها التي العالم رؤية لطبيعة انعكاس هي االجتامعية العلوم أن لنا يتبني وسوف ونظرياهتا. ومبادئها ومفاهيمها العلوم هذه لتصنيفات صياغتها عند العلمية اجلامعات ورغم أن اجلامعة العلمية املتخصصة يف علم من العلوم هي من الناحية النظرية مجاعة عاملية لدى السائدة العالم رؤية نتاج الواقعية الناحية من لكنها واإلقليم، اللغة حدود تتجاوز األمم األخرى العلمية من اجلامعة أفراد هذه وأن املعريف، اإلنتاج ميدان املهيمنة يف األمم ورشوطه البحث أولويات يف انخراطهم خالل من اجلامعة هذه يف مواقعهم يأخذون

ومناهجه التي يجري تحديدها يف ضوء رؤية العالم تلك.

ويتضمن هذا الفصل ثالثة مباحث، األول منها يتحدث عن مكانة العلوم االجتامعية من التحول ظاهرة وعن املعارصة، حالتها ويف التارخيي، السياق يف األخرى، العلوم بني برؤية العلوم االجتامعية يتحدث عن عالقة العلوم االجتامعية، والثاين إىل الطبيعية العلوم العالم، من حيث حضور رؤية العالم يف العلوم االجتامعية، والتحيز يف «رؤية العالم« للعلوم للعالم، ويتحدث إىل رؤية جديدة بحاجة االجتامعية العلوم تنظيم إعادة وأن االجتامعية، يف االجتامعية العلوم عن فيتحدث الثالث املبحث أما واألنثروبولوجيا، العالم رؤية عن

رؤية العالم اإلسالمية.

العلوم االجتامعية يف رؤى العالم املتقابلة الفصل الرابع

Page 201: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

200

المبحث األولالعلوم االجتامعية بني العلوم األخرى

أوال: العلوم االجتامعية يف السياق التارخيي

بموقع صلة له االجتامعية والعلوم العالم رؤية عن للحديث الفصل هذا تخصيص هذه العلوم ضمن التصنيفات املتعددة للعلوم وجماالت املعرفة البرشية؛ فموضوع تصنيف العلوم له حضور بارز يف الرتاث البرشي منذ أقدم العصور، حيث كان يتم تصنيف العلوم

يف عدد من الفئات، ختتلف وتتعدد وفق معايري خمتلفة للتصنيف.

أفالطون عند للعلوم متنوعة وفئات للتصنيف أسسا نجد اليوناين الرتاث ففي وأرسطو وأبيقور، وغريهم. ونكتفي باإلشارة إىل تصنيف أرسطو للعلوم يف ثالث فئات: ما التي تسمى اآلن الفلسفة األوىل النظرية، ومنها العلوم لذاهتا، وهي تطلب الفئة األوىل وراء الطبيعة )ميتافيزيقا(، والرياضيات والفلسفة الطبيعية التي نسميها اآلن فيزياء. والفئة الثانية هي العلوم العملية التي تطلب لفائدهتا وختتص بالسلوك البرشي الفردي واجلامعي، ومنها االقتصاد والسياسة واألخالق. والفئة الثالثة هي العلوم املنتجة، وهي صنفان؛ صنف يختص باملهن، مثل الزراعة والطب وصناعة السفن، وصنف خيتص باإلبداع الفني والشعر أن يرى كان أرسطو ألن ربام املذكور؛ التصنيف يف يظهر ل املنطق أن ويالحظ والبالغة.

املنطق خيتص بمبادئ اجلدل الصحيح التي يدخل يف مجيع العلوم.)1(

من املسلمني علامء بعض عنها عب متعددة تصنيفات فنجد اإلسالمي الرتاث يف ا أمخمتلف التخصصات واملراحل التارخيية يف عناوين كتبهم. ومن هؤالء عىل سبيل املثال: أبو منها كل عليه يشتمل وما العلوم أسامء ذكر الذي العلوم)2( إحصاء كتابه يف الفارايب نرص

موسوعة ستانفورد للفلسفة مقال حمدث بتاريخ 29 يوليو )متوز( 2015م. انظر الرابط: )1(- https://plato.stanford.edu/entries/aristotle/ (Retrieved 7 July 2020).

دار بريوت: ملحم، بو عل تحقيق العلوم، إحصاء 339ھ(. )ت طرخان بن حممد بن حممد نرص أبو الفارايب، )2(ومكتبة اهلالل، ط1، 1996م، ص 16-15.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 202: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

201

من موضوعات وفروع ومنافع. وهي عنده مخسة أقسام رئيسة: علم اللسان، وعلم املنطق،

والعلم واإلهلي، الطبيعي والعلم والفلك، والفيزياء الرياضيات وهي التعاليم: وعلوم

املدين. وال يظهر يف تصنيف الفارايب معيار حمدد للتصنيف.

واعتمد اخلوارزمي يف كتاب مفاتيح العلوم)1( معيار انتامء العلامء يف تصنيف العلوم،

اليونان سيام وال العجم وعلوم والدين، اللغة علوم وهي العرب علوم قسامن: فالعلوم

واملوسيقى، النجوم، وعلم واهلندسة، العدد، وعلم والطب، واملنطق، الفلسفة، وتعني

واحليل )امليكانيكا(، والكيمياء.

اليونانية وكانت مرجعية ابن سينا يف تصنيف العلوم،)2( متأثرة كليا بالثقافة الفلسفية

األرسطية؛ وقد اختلف تصنيفه للعلوم من كتاب إىل آخر. حسبنا يف هذا املقام أن نشري إىل

م فيها احلكمة إىل: حكمة نظرية وحكمة عملية، واحلكمة رسالة: «يف الطبيعيات« التي يقس

العملية: مدنية ومنزلية وخلقية. واحلكمة النظرية: طبيعية ورياضية وفلسفية. ثم يتوسع يف

تقسيم هذه األقسام الستة إىل علوم جزئية تفصيلية.

صنفني عىل العلوم«،)3( مراتب «يف رسالة يف حزم ابن عند العلوم تصنيف ويقوم

باألمة خاص هو ما وفيه والرشع، العقل دائرة يف يدخل حممود نافع صنف رئيسني:

اإلسالمية، وما هو مشرتك بني سائر األمم، وصنف مذموم خارج عن دائرة العقل والرشع،

ضمن تعليمها ألغراض العلوم برتتيب واهتم والكيمياء. والتنجيم السحر علوم وفيه

مراحل حمددة.

اخلوارزمي، حممد بن أمحد بن يوسف )تويف387هـ(. مفاتيح العلوم، حققه إبراهيم األبياري، بريوت: دار الكتاب )1(العريب، ط2، 1989م، انظر فهرس الكتاب، ص 18-17.

ابن سينا، أبو عل احلسني بن عبداهلل )تويف 427هـ(. الرسالة األوىل يف الطبيعيات من عيون احلكمة: يف كتاب: تسع )2(رسائل يف احلكمة والطبيعيات، القاهرة: دارالعرب للبستاين، ط2، 1989م، ص 3-2.

ابن حزم، رسالة يف مراتب العلوم، ضمن رسائل ابن حزم األندليس، مرجع سابق ج4، من ص61– ص90. )3(

العلوم االجتامعية يف رؤى العالم املتقابلة الفصل الرابع

Page 203: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

202

ويصنف أبو حامد الغزايل العلوم إىل حممودة ومذمومة، ويف املحمودة علوم هي فرض عني، وأخرى فرض كفاية، وبعضها حممود قليله وكثريه، وهو العلم باهلل تعاىل أو علم طريق اآلخرة، والبعض اآلخر يحمد منه قدر احلاجة إليه وهو فروض الكفاية. واملذمومة منها ما اآلخرة طريق وعلم منه. فائدة ال ما ومنها اليقني، ينقصه ما ومنها االعتقاد، يف مرض هو علامن علم املكاشفة وهو علم الباطن، وعلم أحوال القلب، ومنه املحمود كالصب والشكر يف القول ل يفص هو ثم والكب. املقدور وسخط الفقر خوف مثل املذموم ومنه والزهد، علم الكالم وفيه حممود ومذموم، والفلسفة بأقسامها األربعة: اهلندسة واحلساب، واملنطق،

واإلهليات، والطبيعيات، ويف كل منها حممود ومذموم. (1)

يهتدي صنف األول الصنف صنفني: إىل العلوم خلدون، بن الرمحن عبد ويقسم ويشتمل كلهم، الملل أهل فيه يستوي بل ملة، أهل به يختص وال بفكره اإلنسان إليه والفالحة ومنه الطب الطبيعي، والعلم املنطق؛ علم الفلسفية، وهي: احلكمية العلوم عىل والسحر والطلسامت والكيمياء؛ والعلم اإلهلي؛ وعلم التعاليم، ومنه علم العدد، واهلندسة، كعلم الرشع، علوم كافة عىل يشتمل وضعي، نقل صنف فهو الثاين الصنف أما واهليئة. التفسري، واحلديث، والفقه، وعلم الكالم وغريها، ويلحق هبا علوم اللسان العريب كالنحو واللغة والبيان واألدب. ()) ثم يعيد ابن خلدون تقسيم العلوم عىل أساس معيار آخر حسب وسائل وعلوم واإلهليات، الطبيعيات وبعض كالرشعيات، مقاصد علوم إىل: غرضها

كالعربية للرشعيات، وكاملنطق للفلسفة.)3(

ويرى طاش كبي زاده أن العلوم متعلقة بمراتب الوجود لألشياء، وهي أربعة مراتب، وهي: الكتابة واأللفاظ واألذهان واألعيان، فالعلوم املتعلقة باحلروف واأللفاظ واألذهان، العلوم وتشمل الرشع، مقتىض عىل إما فهي باألعيان املتعلقة العلوم أما آلية، علوم هي

الغزايل، أبو حامد حممد بن حممد )تويف 505ه(. إحياء علوم الدين، بريوت: دار ابن حزم، ط1، 2005م، ج1، )1(ص32-22.

ابن خلدون، مقدمة ابن خلدون، مرجع سابق، ج3، ص 930-931، وص 1007-1006. )2(

املرجع السابق، ج3، ص 1114. )3(

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 204: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

203

والفلسفة. والرياضية الطبيعية العقل، وتشمل مقتىض ما هو عىل ومنها والرشعية، اإلهلية فهذه هي األصول السبعة، ولكل منها أنواع، وألنواعها فروع. )1(

ويذكر حاجي خليفة أن العلوم تقسم بتقسيامت خمتلفة، فمنها القديم واملحدث، ومنها التصور والتصديق، وتقسم حسب الطرق إىل: ما يثبت يف النفس، أو يدرس باحلس، أو يعلم بالقياس. وتقسم من جهة موضوعاهتا إىل أقسام كثرية يسمى بعضها علوما، وبعضها صنائع.

وقد أورد املؤلف ما ذكره أصحاب املوضوعات يف حرص أقسامها.)2(

العلوم، تقسيم يف طريقتني عن العلوم اصطالحات كشاف يف التهانوي ويتحدث الثانية والطريقة عمل، بكيفية املتعلقة غري أي النظرية؛ العلوم بني تميز األوىل الطريقة الصناعات تقسيم يف نفسه التمييز يستخدم كام هبا. متعلقة أي العملية؛ بالعلوم تختص عليها. حصوهلا يتوقف ال نظرية أو العمل، ممارسة عىل حصوهلا يتوقف عملية أهنا من كانت آليه، ألنها أو غري آلية إىل علوم العلوم تقسيم أخرى يف التهانوي طريقة ويستخدم

مقصودة بذواهتا، أو تكون آلة لغريها.)3(

طرق سبع يف العلوم تقسيم العلوم« «أبجد كتابه يف القنوجي خان صديق ذكر وقد نقلها أخرى تصنيفات ستة أضاف ثم التهانوي، ذكرها التي السبعة باملعايري أوهلا يف نوه النظرية والثالث: الفالسفة، دونه وما املترشعة دونه ما هو الثاين فالتصنيف غريه، عن والعملية ثم آلية وغري آلية، والرابع حكمي وغري حكمي، واخلامس العلوم املقصودة لذاهتا أو لغريها، والسادس التقسيم إىل أربعة مراتب هي الكتابة، والعبارة، واألذهان، واألعيان.

وأورد القنوجي التفاصيل والتفريعات اخلاصة بكل تصنيف. ())

طاش كبي زاده، أمحد بن مصطفى )تويف 968ه(. مفتاح السعادة ومصباح السيادة يف موضوعات العلوم، بريوت: )1(دار الكتب العلمية، ط1، 1985م، املجلد األول، ص 75.

واملعروف اجللبي، كاتب باملال الشهري احلنفي، الرومي القسطنطيني عبداهلل بن مصطفى املوىل خليفة، حاجي )2(بالتقايا، الدين به حممد رشف اعتنى الكتب والفنون، الظنون عن أسامي كشف بحاجي خليفة )تويف1067هـ(.

بريوت: دار إحياء الرتاث العريب، د.ت، ص 18-11.التهانوي، حممد عل التهانوي )تويف1158ه(. كشاف اصطالحات الفنون والعلوم، املحقق: رفيق العجم، وعل )3(

دحروج، بريوت: مكتبة لبنان، 1996م. ص 6-3.)4( صديق خان، أبو الطيب حممد صديق خان بن حسن بن عل ابن لطف اهلل احلسيني البخاري القنوجي )تويف1307هـ(.

أبجد العلوم، إعداد وفهرسة عبد اجلبار زكار، دمشق: وزارة الثقافة واإلرشاد القومي، 1978م، ص 71-51.

العلوم االجتامعية يف رؤى العالم املتقابلة الفصل الرابع

Page 205: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

204

ومنه اإلسالمي، الرتاث مصادر من عدد يف عامة بصورة العلوم تصنيفات عن هذا يتبني لنا أن مصطلح العلوم االجتامعية ل يعرف يف الرتاث اإلسالمي بالداللة املعروفة اليوم، لكن موضوعاته كانت جزءا من فقه املعامالت الذي كان قسيام لفقه العبادات. ذلك أن يف اإلسالم أحكاما تعالج شؤون حياة الناس يف جوانبها املختلفة، فمنها ما ينظم شؤون املال واالقتصاد والتجارة والزراعة، ومنها ما يختص بالعالقات األرسية واالجتامعية، ومنها ما بالتعليم يختص ما ومنها والعهد، والسلم احلرب ظروف يف الدولية بالعالقات يختص العلوم فئات املعارصة يف ومراحله وموضوعاته ومؤسساته، وغري ذلك مما نجد تفصيالته

االجتامعية واإلنسانية.

اإلسالمية احلضارة يف االجتامعية العلوم بحضور اجلديد« العال «موسوعة وتنوه للحضارة االجتامعية العلوم يف مهمة «إسهامات املوسوعة: يه تسم ما إىل باإلشارة األول األنثروبولوجي ي سم )973-1048م( فالبريوين الوسطى، القرون يف اإلسالمية الشعوب حياة عن مفصلة مقارنة دراسات كتب فقد ،The First Anthropologist

خلدون وابن آسيا. وجنوب املتوسط والبحر األوسط الرشق يف والثقافات واألديان العلوم رواد من يعد به، ف يعر ما أفضل «املقدمة« كتابه يعد الذي )1332-1406م(

احلديثة يف التاريخ واالجتامع واالقتصاد.«)1(

وكذلك األمر فإننا نجد يف الرتاث الغريب كتابات متعددة فيام يعد من العلوم االجتامعية التاميز لكن هذا اليوم. نعرفها التي العلوم بأسامء هذه الفلسفة، وتعرف تتاميز عن أن قبل أخذ بالظهور يف كتابات متخصصة عن اإلنسان واملجتمع يف النصف الثاين من القرن الثامن والقانون واالقتصاد والسياسة احلكم إدارة يف مسائل الكتابات هذه تضمنت وقد عرش، والتاريخ. ويعزو الغربيون وضع مصطلح «علم االجتامع« يف الثقافة األورربية إىل أوغست كونت، بينام ترى موسوعة العال اجلديد أن مصطلح «العلوم االجتامعية« ظهر ألول مرة عام

موسوعة العال احلديث New World Encyclopedia، حتديث 17 نوفمب 2019م. انظر الرابط: )1(- https://www.newworldencyclopedia.org/entry/Social_sciences (Retrieved 7 July 2020).

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 206: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

205

1824م يف كتاب «بحث يف مبادئ توزيع الثروة األكثر تحقيقا لسعادة اإلنسان« من تأليف وليام ثومبسون.)1(

ذي جديد علم عن تحدث أنه يف شك يخامره ال خلدون ابن مقدمة يقرأ من لكن موضوع هو العمران البرشي واالجتامع اإلنساين، وذي مسائل، هي ما نعنيه اليوم باملسائل

التي تدرسها العلوم االجتامعية بصورة عامة وعلم االجتامع بصورة خاصة.

«العب« «استنبطه« يف أثناء كتابة مقدمته لكتاب فالعلم الذي تحدث عنه ابن خلدون ع يف النظر والتأمل والنقد، فاكتشف أنه يكتب شيئا يحقق وهو كتاب يف التاريخ. لكنه توس«رسد األخبار وتصيد الغرائب« غاية خمتلفة عام يكتبه املؤرخون، فإذا كانت غاية املؤرخني الذي اإلنساين، االجتامع عن «خب هو الذي التاريخ« «حقيقة يف ينظر خلدون ابن فإن والتأنس التوحش مثل األحوال، من العمران ذلك لطبيعة يعرض وما العال، عمران هو الـملك من ذلك ينشأ عن وما بعض، بعضهم عىل للبرش التغلبات والعصبيات وأصناف والعلوم واملعاش الكسب من ومساعيهم بأعامهلم البرش ينتحله وما ومراتبها، والدول

والصنائع، وما حيدث يف ذلك العمران بطبيعته من األحوال.«)2(

«القانون الذي يميز به احلق «استنباط« هذا العلم: بحثه عن وقد قاد ابن خلدون إىل من الباطل يف اإلخبار باإلمكان واالستحالة« وذلك بأن «ننظر يف االجتامع البرشي الذي هو العمران، ونميز ما يلحقه من األحوال لذاته وبمقتىض طبعه، وما يكون عارضا ال يعتد به، «وكأن هذا علم مستقل وما ال يمكن أن يعرض له.« ووصف العلم الذي استنبطه بقوله: بنفسه، فإنه ذو موضوع هو العمران البرشي واالجتامع اإلنساين، وذو مسائل، وهي بيان ما يلحقه من العوارض واألحوال لذاته، واحدة بعد أخرى، وهذا شأن كل علم من العلوم، وضعيا كان أم عقليا.« ثم إنه علم «مستحدث الصنعة« و«مستنبط النشأة، ولعمري ل أقف

عىل الكالم يف منحاه ألحد من اخلليقة.«)3(

موسوعة العال احلديث، املرجع السابق. )1(

ابن خلدون. مقدمة ابن خلدون، مرجع سابق، ج1، ص329. )2(

املرجع السابق، ص333-332. )3(

العلوم االجتامعية يف رؤى العالم املتقابلة الفصل الرابع

Page 207: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

206

ومن ثم فإن ابن خلدون يتحدث عام نعرفه اليوم بعلم االجتامع، ولكن املقدمة تصمنت كثريا من املوضوعات التي ندرسها اليوم ضمن عناوين العلوم االجتامعية األخرى، ومنهجه العالم«، كام سنرى بعض تفصيالت ذلك يف «رؤية يف العرض وثيق الصلة بام نسميه اآلن

الفصل القادم من هذا الكتاب، إن شاء اهلل.

ثانيا: العلوم االجتامعية يف حالتها املعارصةتتعامل التي العلم «فروع بأنها االجتامعية العلوم البيطانية املوسوعة ف تعراألنثروبولوجيا، علوم وتتضمن والثقافية. االجتامعية جماالته يف اإلنساين السلوك مع واالجتامع، والسياسة، واالقتصاد، وعلم النفس االجتامعي، وتضاف إليها يف الغالب بعض

فروع اجلغرافيا والرتبية والتاريخ والقانون.«)1(

املتخصصني تسميتها، فهي يف «اإلنسانيات« كام يفضل بعض أو العلوم اإلنسانية أما املوسوعة البيطانية كذلك: «تلك الفروع املعرفية التي هتتم باإلنسان بوصفه كائنا ثقافيا، تتم اإلنسانية للروح الفريدة اإلنسانية، والقدرة بالقيم التنويه نقدية، مشتقة من دراسته بطرق للتعبري عن ذاهتا. وعليه تتميز اإلنسانيات يف املحتوى ومنهج الدراسة عن العلوم الطبيعية اللغات دراسة اإلنسانيات وتتضمن االجتامعية. العلوم عن ما حد وإىل والبيولوجية، واآلداب والفنون والتاريخ والفلسفة.)2( وتضيف موسوعة ستانفورد يف الفلسفة إىل ذلك: موضوعات الدين واملوسيقى يف تعدادها لفروع اإلنسانيات.)3( وقد كانت مواد اإلنسانيات اآلن لكنها اإلهلية، الدينية املواد تقابل التي العلامنية املواد هي األورويب التنوير عرص يف

تقابل العلوم الطبيعية، وأحيانا العلوم االجتامعية.)4(

(1) Nisbet, Robert. Encyclopedia Britanica Electronic version, Social Science, Last Updated Nov. 28, 2019. See link:

- https://www.britannica.com/topic/social-science (Retrieved 7 July 2020).

(2) https://www.britannica.com/topic/humanities (Retrieved 7 July 2020).

(3) http://shc.stanford.edu/what-are-the-humanities (Retrieved 7 July 2020).

(4) Immorth, John P. Humanityies and its Literature, in Encyclopedia of Liberary and Information Science Edited by Miriam Drake. New York: Marcel Dekker Inc., 2003, p. 1236. See also:

- McLean Iain. What is Social Science? The British Academy Site, 20 Nov 2018. see the lik:

- https://www.thebritishacademy.ac.uk/blog/what-social-science (Retrieved 7 July 2020).

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 208: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

207

والعلوم اإلنسانيات بني وسط منزلة يف االجتامعية العلوم الباحثني بعض وجيعل وتستهدف اإلنساين، الوجود تتحدى التي الكبى باألسئلة تتصل فاإلنسانيات الطبيعية. فردا لإلنسان االجتامعي بالسلوك تتصل االجتامعية العلوم بينام احلكمة، إىل الوصول

وجمتمعا، ودراسته بطرق تجريبية موضوعية لتوليد معرفة جديدة.

الطرق ضمن واإلنسانيات، االجتامعية العلوم بني احلدود حول اجلدل ويتواصل Human اإلنسانية «العلوم متييز عىل اتفاقا ثمة أن ويبدو العلوم، لتصنيف املختلفة «علوم العلوم اإلنسانية إىل Natural Sciences« وتقسيم الطبيعية العلوم Sciences« عن

بني القاطع التمييز ولكن .»Humanities و«إنسانيات »Socail Sciences اجتامعية العلوم االجتامعية واإلنسانيات عىل أساس موضوعات كل منهام، ليس أمرا سهال، بعد أن Interdisciplinary، من الناحية العملية. أصبحت كثري من املوضوعات ذات طبيعة بينية، إىل احلاجة أصبحت أن بعد البحث، مناهج أساس عىل التمييز كان إذا الصعوبة وتتكرر وغريها. والتفسريية العلمية والطرق والكيفي، الكمي البحث من خمتلفة مناهج استعامل الغموض، من بقدر تتصف واإلنسانيات االجتامعية العلوم بني التمييز حماوالت فكل وتواجه مشكالت متعددة. وإذا لزم استمرار التمييز بني هاتني الفئتني، فربام يلزم أن نضع وطرق موضوعاته بعض ألن منهام، أي عن مستقلة فئة يف املثال سبيل عىل التاريخ علم

بحثها تتوزع عىل الفئتني.)1(

والكتابات املهمة التي ترصد وضع العلوم االجتامعية واإلنسانيات يف الساحة الدولية أشار فقد وزميالها،)2( هيلبون جوان أنجزته مهم عمل إىل الصدد هذا يف ونشري كثرية. الكتاب إىل أن ديناميات العوملة قد شكلت العال يف العقود املاضية عن طريق العلوم الطبيعية،

(1) Savelieva, Irina. Two-Faced Status of History: Between the Humanities and Social Sci-ences. Series: Humanities WP BRP 83/HUM/ 2015, Moscow: Russia: National Research University Higher School of Economics. 2015, p. 1-16.

(2) Heilbron, Johan; Sora, Gustavo; and Boncourt, Ghibaud (Eds). The Social and Human Sciences in Global Power Relations, London and New York: Pal-grave Macmillan, 2018.

العلوم االجتامعية يف رؤى العالم املتقابلة الفصل الرابع

Page 209: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

208

االجتامعية للعلوم عوملة من جرى ما تولت التي الدراسات من القليل إال يوجد ال بينام واإلنسانيات نفسها. وقد جيادل جمموعة من الباحثني يف صحة االفرتاض بأن العلم هو جهد عاملي بطبيعته، ويبينون يف املقابل أن التداول املتنامي لألفكار العلمية بني العلامء هي عملية معقدة ومتناقضة. فالتعاون الدويل يف العلوم االجتامعية واإلنسانيات ل يغري من ظاهرة أن بأنه احتكار أورويب-أمريكي، مع هيمنة املعرفية يمكن أن يوصف امليادين اإلنتاج يف هذه أمريكية طاغية. فعىل مستوى البحوث املشرتكة، واالستشهاد بالبحوث ال نجد لغة تنافس يف الدويل والتعاون األمريكية. املتحدة الواليات تنافس دولة نجد وال اإلنجليزية، اللغة التعاون يف لكن هذا األمريكية، البحوث مما هو يف قليال أفضل أوروبا البحوث يف إجراء عند املشرتكة البحوث أما املتحدة. الواليات من باحثني مع املشاركة عىل يقترص الغالب

األمريكني واالستشهاد بالبحوث، فغالبا ما يكون بني األمريكيني أنفسهم.)1(

بشكل توزيعها يتم موارد عىل «تعتمد وأدواهتا العوملة عمليات مجيع أن واملالحظ يف للشك جمال فال املتكافئة.«)2( غري القوة عالقات يف األساس تشكل وهي متساو، غري أن املجال العاملي للعلوم االجتامعية واإلنسانية يتصف بدرجة عالية من عدم التوازن وعدم التكافؤ يف عالقات القوة، فمن حيث الطاقة اإلنتاجية للبحوث فإن بنية هذه العلوم حمتكرة املركز، وربام بلدان عىل هامش هذا يتم يف للمركز األمريكي األورويب، وقليل من اإلنتاج ممثال العلمي والتقدير املكانة نأخذ عندما «وحتى املسيطر. باملركز متصلة قليلة بحصة باالستشهادات واجلوائز باحلسبان، فإن توزيع اإلنتاج يف هذه املجاالت املعرفية يكون أكثر بحوثهم إىل إشارة األكثر العلامء أسامء فجميع األورويب-األمريكي، الغرب نحو التواء املثال فإن أهم ثالثني مؤلفا للكتب يف الغربية. وعىل سبيل الدول تقريبا ولدوا وعملوا يف إدوارد وهو الغربية، الكرة نصف خارج ولد فقط واحد إال بينهم يكن ل 2007م، عام

سعيد، وحتى هذا فإنه طور مكانته العلمية يف الواليات املتحدة األمريكية.«)3(

(1) Heilbron, Johan, and Gingras, Yves. The Globalization of European Research in the Social Sciences and Humanities: A Bibliometric Study, in The Social and Human Sciences in Global Power Relations, op. cit., Pp. 29-58.

(2) Ibid., p. 2.

(3) Ibid., p. 7.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 210: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

209

الدعوة إىل بطرق خمتلفة، ومنها التوازن واالحتكار ملعاجلة عدم وقد ظهرت دعوات «أن تعبري :Thomas Brisson الصفة الغربية عن هذه العلوم. ويرى توماس بريسون نزع اجتاهني إىل يشري والسلوكية اإلنسانية العلوم عن De-Westernizing الغربية الصفة نزع خمتلفني األول نرش العلوم خارج السياق الغريب الذي نشأت فيه عن طريق إنشاء جامعات ذلك. وغري العلمية، املؤسسات وتدويل العلامء، وهجرة وطنية، معرفية وأنظمة وطنية األطر عىل مبنية غري وسلوكية إنسانية علوم بناء حماولة يعني التعبري فإن الثاين املعنى ويف امليالدي، وأدت التاسع عرش القرن منذ األطروحتان هاتان تطورت الغربية. وقد املعرفية درجات إىل الغربية املعرفية باألطر التامهي ض تعر حيث املواقف، من واسعة جمموعة إىل متفاوتة من الرفض.)1( وتأيت يف هذا املعنى الثاين اجلهود العلمية التي تمت يف العقود الثالثة

األخرية تحت شعارات مثل: إسالمية املعرفة، والتأصيل اإلسالمي للعلوم وغريها.

العريب واإلسالمي، وصفا العال العلوم االجتامعية يف السهل وصف حالة وليس من وما العلوم. هذه عن ينرش ما جل أو كل توثق شاملة بيانات قواعد وجود لعدم دقيقا، الدوريات، وقوائم دور يقترص عىل بعض وأدلة يكون موجودا من كشافات وفهارس قد األحوال أحسن يف ويقترص جامعية. كليات أو جامعات أو حمددة، علمية وفروع النرش، الذي االجتامعية« للعلوم العريب «املجلس جهود تتطور وقد البلدان. من قليل عدد عىل املجلس نرش أن بعد القادمة املرحلة يف املجال هذا يف الفراغ لتسد 2012م، عام تأسس تقريره األول عن «املرصد العريب للعلوم االجتامعية عام 2015م«. ثم أصدر تقريره الثاين عام 2018م بعنوان: «العلوم االجتامعية يف العال العريب: مقاربة اإلنتاجات الصادرة باللغة العربية )2000-2016م(. «باالعتامد عىل دراسة الكتب واملقاالت املنشورة يف الدوريات،

فكان عدد الكتب 1863، وعدد املقاالت 366 مقاال.)2(

(1) Brisson ,Thomas .Western and Non-Western Views of the Social and Behavioral Sciences: De-Westernizing the Social and Behavioral Sciences in :International Encyclopedia of the Social & Behavioral Sciences (2nd.Edition), Editor-in-Chief: James D. Wright Amsterdam, Holland: Elsevier, 2015, Pp. 541-550.

محودي، عبداهلل. العلوم االجتامعية يف العامل العريب: مقاربة اإلنتاجات الصادرة باللغة العربية )2000-2016م(، )2(بريوت: املرصد العريب للعلوم االجتامعية، 2018م، ص6.

العلوم االجتامعية يف رؤى العالم املتقابلة الفصل الرابع

Page 211: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

210

العريب، الوطن يف االجتامعية العلوم حالة مالمح من عدد عن التقرير كشف وقد نظرية ومنهجية مكونة انعدام- مدارس –أو «قلة التقرير عن ما جاء يف هنا هو وما هيمنا املنطقة نظريات ونتاجات غربية وطبقت عىل مايض اعتمدت فإىل زمن قريب املنطقة، من وحاول ... الدقيق، باملعنى السوسيولوجي الفكر يف مدارس نجد ال أننا إال وحارضها، االنحباس سون يكر أنهم بيد املنطقة، من مفكرين إىل الرجوع الباحثني( )بعض بعضهم أو عريب اجتامع علم منه يراد دفاعي اجتاه ويف مهول، تكرار مع خلدون، ابن يف النسبي املحاكاة أن تلك إال البحوث األوروبية... املقاالت غالبا ما حتاكي مساطر إسالمي. لكن غالبا ما تبقى شكلية بحيث ال يتجاوب املحتوى مع ذلك املنطق، وال ترقى إال أقلية من تلك

الكتابات إىل املستوى املنشود.«)1(

ومع أن التقرير يعب عن ارتياح حلجم اإلنتاج إال أنه يسجل عدم التوازن بني احلجم لكن نفسه.«)2( اإلنتاج هو اإلنتاج هدف أن «الظاهر أن يعني وهذا العلمية. واإلضافة وال املرجوة، العملية لإلضافة وال املنشود، للمستوى مواصفات يجد ال للتقرير القارئ لتحديد هدف اإلنتاج يف العلوم االجتامعية غري ما استنتجه التقرير نفسه؛ أي «اإلنتاج من أجل اإلنتاج نفسه.« وإذا كان التقرير األول الذي صدر عن املجلس عام 2015م قد «رسم صورة ميدانية واضحة عن البنى التحتية املؤسسية لإلنتاج األكاديمي والعام وواقع النرش يف العلوم االجتامعية يف املنطقة« فإن املجلس يبدأ: «من خالل التقرير الثاين مقرونا باألول البحثية«. بتكوين صورة أكثر وضوحا عن هواجس علامء االجتامع واهتامماهتم وقدراهتم يسد أن منشوراته، ويف املرصد من خالل «ينمو أن املرصد يف املنشود من جهود واألمل بياناته املتاحة للعموم... والتعاون وتظافر فجوة معرفية كبرية يف املنطقة من خالل قواعد خمتلف يف ومشاطرهتا البيانات جلمع أفضل عمل وآليات هيكليات إلرساء مماثلة جهود دول املنطقة.« )3( ونحن بذلك نشري إىل اهلدف األساس من مثل هذا التقارير، وهو تقديم

املرجع السابق، ص 110. )1(

املرجع السابق، ص 111. )2(

املرجع السابق، ص5-4. )3(

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 212: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

211

أجل من منه بد ال حيوي أمر وهو االجتامعية، العلوم يف املعرفية للحالة دقيق وصف التغيري جهود تتناول ربام أخرى ألغراض البحوث بتوجيه ختتص أخرى، أهداف حتقيق

والنهوض احلضاري.

دقيقة عن حالة لتكوين صورة الالزمة العريب الوطن البيانات يف لندرة قواعد ونظرا العلوم االجتامعية يف هذا الوطن، أصبحت التقارير الدولية التي تنرشها اليونسكو من أهم التقارير من قصور ناتج عن أسباب متنوعة، منها عدم املصادر، عىل الرغم مما يعرتي هذه تجاوب الدول يف تقديم ما تتطلبه هذه التقارير من بيانات، ومنها اخللفية الفكرية التي تؤثر ن يف منهجية إعداد التقرير؛ إذ يقع االهتامم بموضوعات وتجنب موضوعات أخرى، ويضمالتقرير بلدانا ويرصف النظر عن بلدان أخرى، ويجمع بيانات بلدان ويفرق بيانات بلدان

أخرى وغري ذلك.

الذي املعرفية« القسمة االجتامعية: للعلوم العالمي «التقرير املثال سبيل عىل ونذكر أصدرته اليونسكو عام 2010م. فينظر التقرير إىل أن الواقع االجتامعي للبحث العلمي يف الوطن العريب يتصف بعدم االستقرار بسبب عوامل تتصل بالتاريخ والسياقات االجتامعية ونامذج التنمية، ودور الدولة. ويقرر أن العالم العريب ال يفتقر إىل أكاديميني وطلبة باحثني موهوبني، لكن املفارقة التي يالحظها التقرير أن من الصعب حتديد هدف ألبحاثهم. وينقل انطباع أحد معدي التقرير بقوله: «الفهم االجتامعي ينظر إىل احلصول عىل درجة الدكتوراه هو هناية عملية القراءة والبحث، وأن الدرجة العلمية هي التي ال تزال حتدد املوقع االجتامعي

للفرد يف داخل اجلامعة وخارجها، وليس سجله البحثي.«)1(

مؤخرا إنتاجها يتم أصبح االجتامعية العلوم يف البحوث أن بعض إىل التقرير ويشري يف احلكومية غري واملنظامت االستشارية والرشكات التجارية البحوث مراكز من «عدد يف تجريها ميدانية لدراسات الدويل التمويل عىل للطلب استجابة االجتامعية العلوم جماالت

(1) UNESCO. World Social Science Report 2010: Knowledge Divides, Paris: International Social Science Council and UNESCO Publishing, 2010, p. 68.

العلوم االجتامعية يف رؤى العالم املتقابلة الفصل الرابع

Page 213: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

212

مؤسسات أو جامعات.")1( مما يمكن أن يفهم منه ارتباط هذه البحوث يف أهدافها ومناهجها ونتائجها بسياسات وأهداف تستدعي التساؤل!

االجتامعية للعلوم الدويل «التقرير بعنوان: جاء الذي لليونسكو الالحق التقرير أما 2016م: حتدي عدم املساواة: طريق إىل عال يتصل بالعدل«)2( فقد كان الرتكيز فيه عىل ظاهرة صفحات، ثالث العريب العالم يف املساواة عدم موضوع ونال العالم، يف املساواة« «عدم العالم بلدان بني والصحي والتعليمي االقتصادي الوضع يف املساواة عدم حالة تناولت الظاهرة هذه عن الناجتة االجتامعية املشكالت إىل اإلشارة مع بلد، كل داخل ويف العريب مصدر لكن التنمية. برامج وفشل والعنف، األساسية، واحلريات السياسية املجاالت يف واإلحصائيات التقارير أيضا هو التقرير يصدرها التي لألحكام يؤسس الذي البيانات الدولية مثل البنك الدويل، وبرنامج األمم املتحدة للتنمية، واللجنة االقتصادية واالجتامعية

لغرب آسيا )إسكوا( وغريها.

(1) Ibid., p. 69.

(2) UNESCO. World Social Science Report 2016: Challenging Enequalities: Pathways to a Just World. Paris: UNESCO Institute of Development Studies, 2016, 201-203.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 214: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

213

وحني ينتقل التقرير إىل رصد عدد بحوث العلوم االجتامعية واإلنسانيات التي تناولت يتضمنها التي املختلفة املناطق بني املعرفية« «الفجوة حجم يتبني املساواة، عدم موضوع التحليل واجلداول البيانية.)1( ويختار التقرير أن يرصد حجم هذه البحوث يف املناطق اآلتية: أمريكا الشاملية، أوروبا الغربية، رشق آسيا، جنوب ورشق أوروبا، إفريقيا جنوب الصحراء، يف البحوث عدد عمود يصل وبينام العربية. والدول آسيا وغرب وجنوب الالتينية، أمريكا احلد األعىل يف اجلدول إىل حوايل سبعة وثالثني ألف بحث يف أمريكا الشاملية، يالصق عمود البحث يف تعليقات عىل حالة التقرير وبينام تضمن الصفر.)2( العربية خط الدول البحث يف الدول يف احلالة هذه إىل واحدة بكلمة يرش ل فإنه الدول، بعض يف وحتى املناطق خمتلف نه هذا البيان عند القارئ من «رؤية« العربية، ربام مكتفيا بام ينطق به اجلدول من بيان! وبام يكوعن حال البحث يف هذا املوضوع يف الدول العربية، وربام «رؤية« عامة عن هذه الدول جمتمعة!.

الذين املؤلفون هبا تحلى التي «املوضوعية« بصفة ه ينو أن املذكور التقرير ينسى وال يؤكد التقرير فإن ذلك ومع التقرير، بيانات تقدمها التي االستنتاجات صياغة يف أسهموا Putnam أن لدى كل منهم »نظرة عاطفية وحتى مسيسة حول أهدافهم؛ فمثال يريد بوتنام Wilkinson and Pickett إيقاف تراجع رأس المال االجتامعي، بينام ويلكنسون وبيكيت Pikettyر اجتامعيا، يف حني أن اهتامم بيكتي يشعران بقلق عميق إزاء مدى عدم املساواة املدمينصب عىل توثيق ديناميات الثروة وعدم املساواة يف الدخل طوال القرن املايض واحلاجة إىل

إصالح الرأساملية.«)3(

وقد أشار إبراهيم البيومي غانم يف دراسته عن «حالة علم االجتامع يف العالم العريب: آنفا، مثل ندرة وجود قواعد إليها التي أرشنا بنائية«)4( إىل عدد من املالحظات رؤية نقدية

(1) Ibid., p. 280-284.

(2) Ibid., p. 284.

مع التذكري بأن البحوث املقصودة هنا هي البحوث االجتامعية التي تعالج حالة عدم املساواة. (3) Ibid., p. 288.

غانم، إبراهيم البيومي. حالة علم االجتامع يف العالم العريب: رؤية نقدية بنائية، الكويت: مركز هنوض للدراسات )4(والنرش، 2019م.

العلوم االجتامعية يف رؤى العالم املتقابلة الفصل الرابع

Page 215: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

214

تقديم رؤية دقيقة حلالة الباحثني من تمكن العلمية املعرفة العلمية يف فروع بيانات احلركة ونقل عددا من املجال. الدولية يف هذا التقارير تقدمه مما االستفادة وإمكانية املعرفة، هذه املالحظات واالنطباعات واألحكام التي قدمها بعض أساتذة العلوم االجتامعية حول نوعية اإلنتاج املعريف يف هذه العلوم يف الساحة العربية. واعتمد يف تقديمه حلالة علم االجتامع يف العالم العريب عىل تقرير منظمة اليونسكو الصادر 2010م، وعىل خبته ورؤيته الشخصية ملا يسميه: «أزمة االنفصال بني ما يسمى «العلوم الرشعية، وما يسمى «العلوم االجتامعية«، مع الرتكيز عىل «علم االجتامع« «باعتبار أن ما ينطبق عىل «علم االجتامع« تحديدا، ينطبق -إن بدرجات متفاوتة- عىل مجلة العلوم االجتامعية«، ثم يقدم جمموعة من األفكار واملقرتحات علوم تأسيس بإمكانية يؤمنون الذين أولئك «بني للحوار منطلقا تشكل ا أهن ر يتصو التي عىل مبنية وبنظريات ثقافتنا، من مشتقة وبمنهجيات جمتمعاتنا، رحم من أصيلة اجتامعية

مرجعيتنا املجتمعية واحلضارية بمعناها الواسع.«)1(

اليوم ضمن تصنف التي اإلسالمية احلضارة املعامالت يف فقه أن علوم وال شك يف العلوم إن حيث اجتامعية، علوما اليوم نسميه ما بمثابة كانت رشعية« «علوما نسميه ما تأسست قد تكن لم اليوم املعروفة وفروعها وتصنيفاهتا ومناهجها بحدودها االجتامعية «وإذا بصورة متاميزة. ويعب إبراهيم البيومي غانم عن هذه املقابلة بصورة واضحة فيقول: «الرشعيني«، سيتضح لنا أن علومهم الرشعية كانت يف تأملنا أكثر يف أصول املنهجية لدى الوقت نفسه اجتامعية، وأن العلوم االجتامعية ليست صنفا آخر خمتلفا عن العلوم الرشعية الرتاثية املصادر يف موجودة وتفاصيلها واحدة، قيمية بمنظومة مجيعها ارتباطها حيث من اخلاصة بتصنيف العلوم وبأصول البحث واملناظرة. ويف نظري )نظر إبراهيم البيومي غانم( أن الوضع الطبيعي هو أن تكون العلوم الرشعية اجتامعية، والعلوم االجتامعية رشعية، وفقا

ألصول منهجية وأدوات حتليلية ذات مرجعية معرفية واحدة.«)2(

املرجع السابق، ص 6-5. )1(

املرجع السابق، ص17. )2(

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 216: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

215

أنها نتصور التي األصيلة اإلسالمية «الرؤية يسميه ما بإعامل بحثه «غانم« ويختم م مجلة العلوم إىل قسمني اثنني: أوهلام قسم العلوم املرشوعة، وثانيهام: قسم العلوم غري تقساملرشوعة.« ويضم املؤلف يف القسم األول كل ما عرف بعلوم الرشيعة والعلوم االجتامعية واألخذ تحصيلها عىل اإلسالم تعاليم ت «حض مما الطبيعية، والعلوم اإلنسانية والعلوم واالعتبار والتجريب العقل إعامل أمام املجال تفتح وهي وتطويرها، إليها واإلضافة هبا، بالسوابق والنظر يف األدلة والباهني والبحث عنها يف مصادرها النقلية والعقلية والواقعية.« بالعقل، تأبه ال التي املرشوعة« «غري واملعارف العلوم أنواع كل الثاين القسم يف ويضع والنقد التفكري أبواب وتهيم يف اخلرافات واخلزعبالت، وتغلق املنطق والبهان، وتزدري يمكن وال للتجريب، إخضاعها يمكن ال بأدوات واملعرفة العلم وتدعي والتمحيص،

التأكد من صالحيتها كوسائل للمعرفة النافعة.«)1(

ثالثا: ظاهرة التحول من العلوم الطبيعية إىل العلوم االجتامعية

من الالفت للنظر أن عددا من العلامء الذين نبغوا يف ميدان العلوم الطبيعية حتولوا فيام بعد إىل االهتامم بقضايا تاريخ العلوم وفلسفة العلوم، ومن ثم إىل العلوم االجتامعية، والالفت ل، وأن بلورة للنظر يف هذه احلاالت أن مفهوم رؤية العالم قد مثل بؤرة اهتامم يف هذا التحوالعلامء والفالسفة نصيبا التحول. وقد أخذ بعض هؤالء نتيجة هلذا أيضا املفهوم كان هذا ملموسا من االهتامم، كام هو احلال مع أينشتاين وبالنك ورشودنجر وحممد عبد السالم، من

أمثلة التاريخ احلديث واملعارص.

لكن اجلمع بني االهتامم بنوعي العلوم كان أمرا معروفا يف تاريخ الشعوب واحلضارات هذه وكانت العلامء. من كثري عىل غالبة صفة املعرفة يف املوسوعية كانت عندما املختلفة، العال عىل تكوين فهم شمويل للكون ونظرة كلية للحياة، وهو األمر الذي املوسوعية تعني نسميه «رؤية العالم«. ال سيام أن أكثر العلامء يف التاريخ البرشي ل يكونوا يستبعدون التفسري

املرجع السابق، ص 35-34. )1(

العلوم االجتامعية يف رؤى العالم املتقابلة الفصل الرابع

Page 217: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

216

يف مجع قد سينا ابن أن نجد اإلسالمي التاريخ ففي واحلياة. باخللق خيتص الذي الديني والفلك، والرياضيات، والطب، والرتبية، والسياسة، واألخالق، النفس، علوم إنجازاته الفلك، يف إنجازاته له شهدت البريوين الرحيان أبا وأن واملوسيقى. واحليوان، والنبات، باملوسوعية اإلنسان، وعلم والتاريخ، والرياضيات، والطب، والكيمياء، واجلغرافيا، واجلمع بني العلوم الطبيعية واالجتامعية والفلسفية. ونجد يف التاريخ األورويب أمثلة متعددة كذلك، ومن هؤالء روجر بيكون اإلنجليزي الذي عرف باإلهليات، والفلسفة، واألخالق، الفلك، اهتامماته شملت الذي األملاين كوبرنيكس ومنهم واملوسيقى. والفيزياء، والفلك،

والقانون، واالقتصاد، والسياسة، والفن، والرياضيات، والطب.

العلوم ميدان من تحولوا الذي العرشين القرن علامء من الثنني نعرض سوف لكننا املولد اهلنغاري الطبيب هو منهام األول والفلسفية. االجتامعية العلوم ميدان إىل الطبيعية يف مشهورا باحثا ليصبح الطب ممارسة ترك الذي )1891-1976م( بوالين مايكل الحقا اهتم لكنه املوضوع، هذا يف البحوث من خصبا تراثا ترك وقد الفيزيائية، الكيمياء بقضايا االقتصاد ونظرية املعرفة، واستقر أخريا أستاذا للعلوم االجتامعية يف مانشسرت، ثم يف أكسفورد ببيطانيا. وقد كان وراء هذا التحول عند بوالين ما رآه من التدمري الذي أصاب العالميتين، مما أثر يف املناخ الروحي والفكري ونتج عنه تدهور األسس أوروبا يف احلربني العالم رؤية هو ذلك يف السبب أن بوالين رأى وقد أوروبا. عليها قامت التي األخالقية الوضعية الفلسفة يف املتجذرة الرؤية تلك للغرب، العقل النمط شكلت التي «العلمية«

اخلالية من األساس األخالقي.

وقد ارتبط اسم بوالين بعدد من األفكار النفسية والفلسفية، حيث طور مفهوم املعرفة Tacit Knowledge. فاملعرفة عنده ذات الشخصية والبعد الضمني من اإلدراك البرشي طبيعة شخصية بمعنى أنها متجذرة يف البعد املتضمن يف اإلدراك البرشي، وقد شبه فكرة املعرفة الضمنية «بجبل الثلج يف املحيط، الذي نرى منه ما يكون فوق سطح املاء مع العلم بأن اجلزء األكب من املعرفة يكون خفيا عن األنظار. وهذا اجلزء اخلفي هو الذي يؤثر بقوة

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 218: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

217

بنية الفكر البرشي، ولذلك فإن التعرف. فها هنا قاعدة غري منظورة يف يف تشكيل عملية

«فنحن بوصفنا برشا نتحدث عنه.«)1( أن نستطيع الذي بكثري من أكثر فعال نعرفه الذي

جيب علينا –ال حمالة- أن نرى الكون من مركز يقع يف داخلنا ونتحدث عنه بلغتنا البرشية،

العالم فإنها ال تقود إال هنا عن التي نكو وأية حماولة حلذف منظورنا البرشي من الصورة إىل الغموض.«)2(

العلامء من النوعية هذه عىل الثاين املثال هو )1922–1996م( كون« و«توماس

األحداث يف يتأمل أخذ عندما النظرية، الفيزياء يف باحثا املهنية حياته بدأ فقد الفالسفة،

إىل اهتاممه فانرصف وتقدمها، العلمية املعرفة نمو يف مهمة حمطات مثلت التي التارخيية

تاريخ حول كونانت جيمس بأعامل «كون« تأثر وقد العلوم. فلسفة إىل ثم العلوم تاريخ

العلوم وفلسفة العلوم،)3( لكنه أي «كون« يعرتف بأن أعامل «بوالين« حول املعرفة الشخصية واملعرفة الضمنية قادته إىل النتائج «الغريبة« التي توصل إليها.)4(

وبنيت أفكار «كون« عىل مفهوم النموذج القيايس Paradigm والثورات العلمية. فهو

يرى أن طبيعة العقل العلمي تمارس البحث العلمي دائام ضمن حدود نموذج قيايس يمثل

رؤية للعالم تتصف بالشمول والعلمية واملنهجية وامليتافيزيقية. فرؤية العالم يف نظر «كون«

هي جوهر النشاط العلمي، فهذه الرؤية تلعب دورا حاسام يف املامرسة العلمية، فهي تحدد

صلة البيانات وحمتوى املشاهدات وأمهية املشكالت وقبول احللول، بل وأكثر من ذلك، فإن

الطريقة البحث، وباختصار فكل نموذج حيدد بالقيم واملعايري ومناهج العالم تزودنا رؤية

ا رؤية شاملة للعالم. التي يسري فيها العلم، إهن

(1) Polanyi, Michael. The Tacit Knowledge, Now York: Doubleday, 1966, p. 4.

(2) Polanyi Michael. Personal Knowledge: Towards a Post-Critical Philosophy, Chicago: University of Chicago Press, 1962, p. 3.

(3) Kuhn, The Structure of Scientific Revolution, p. xi.

(4) Ibid., p. 4.

العلوم االجتامعية يف رؤى العالم املتقابلة الفصل الرابع

Page 219: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

218

نتيجة وإنما اخلطي، الرتاكم إلنجاز نتيجة ليس «كون« وفق العلم يف التقدم إن

عىل قدرهتا فقدت سابقة بنظريات جديدة نظريات فيها تستبدل التي اجلذرية التغريات

التفسري. «ففي كل ثورة علمية يرفض املجتمع العلمي نظرية علمية كانت موضع االعتبار،

ال تاليا يف املشكالت التي تطرح لصالح نظرية جديدة خمتلفة عن األوىل. وكل ثورة تنتج تحو

د للجامعة العلمية، مشكلة معينة تبر البحث عن حل للبحث العلمي، وبالطريقة التي تحد

ل يف رؤيتنا للعالم الذي هلا. وكل ثورة تبدل اخليال العلمي بطرق نحتاجها لتوضيح التحو

جرى فيه هذا العمل العلمي، وهذه التحوالت وما يرافقها من جدل هي اخلصائص املميزة العلمية.)1( للثورات

ويستند «نوجل« إىل فكرة النامذج القياسية التي طورها «توماس كون« يف البهنة عىل

مصداقية الفكر الديني، فهذا الفكر يدعو إىل االعرتاف بدور النموذج الفكري ورؤية العالم

التي والنظريات الفكري نشاطه يف وأثره اإلنساين الوعي تشكيل يف املفكر، يحملها التي

االفرتاضات يعي أن إىل املؤمن العال يدعو ثم ومن الطبيعية. العلوم ذلك بام يف يصوغها

األساسية لرؤية العالم التي يقدمها له إيامنه الديني، ويعطي هلا دورها الالزم يف مجيع صور

التفكري النظري، ومع ذلك فإنه يستدرك ليقول: «إن النامذج النظرية ورؤى العالم ال تفرس

كل يشء، فمع التأكيد عىل أن القوة التي تنسب إىل النامذج ليست كاملة من الناحية العلمية،

ومع الفكري. أثرها يف استبدادية ليست ا فإهن مرجعية، سلطة ذات العالم رؤى أن ومع

ذلك فإنه ال بد من التساؤل حول إمكانية اشرتاك مجيع العلامء واملفكرين بأرضية مشرتكة،

وببعض نقاط االتصال يف طرقهم ونتائجهم، وإن رؤى العالم بدون شك حمددات أكاديمية،

لكن األثر الذي تلعبه يمتد عىل مدى متصل حسب العالقات احليوية القائمة مع خصائص الباحث العالم، وحمتوى رؤيته للعالم، وطبيعة املوضوع الذي يبحث فيه.«)2(

(1) Ibid., Pp.111-135.

(2) Naugle, WorldView: The History of A Concept, p. 207-208.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 220: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

219

ملايكل بوالين)1( ورؤيته الشخصية الرحلة الصدور عن وقد تخصص كتاب حديث األهداف: ثالثية رسالة عرض هبدف االجتامعية للعوالم Vanguard Vision الطليعية النامية الظالل الغرب من صياغة قلب لعلم االقتصاد، وإذكاء احليوية ملبدأ احلرية، ومحاية بأعينهم يرون ومعارصوه بوالين كان عام الكشف املؤلف وحاول الشمولية. لألنظمة لالقتصاد حمددة رؤية لنرش كبرية جهودا بذلوا وكيف حيدث، كان الذي ما االجتامعية والسياسية االقتصادية الظروف يف أفضل بغد تعد والديموقراطية، االقتصادية واخلبة

للثالثنيات واألربعينيات من القرن العرشين.

من يرونه جيله من االقتصاديني بعض كان ما تجاوزت لالقتصاد بوالين رؤية إن الرؤية الرش كامن يف أن بعضهم يرى العالم، حيث كان القائمة يف االقتصاد نظم الرش يف الطاحنة. الشيطانية السوق يف أو للدولة العمالقة اآللة يف الرش أن ترى التي امليكانيكية بينام رأى بوالين أن الرش يكمن يف رؤية النظريات االقتصادية لكل من الليبالية الرأساملية واالشرتاكية لإلنسان وكيفية تعاملهام معه. فكالمها نظر إىل أن الناس يتعاملون مع خمططات أو األعىل، من قادمة اقتصادية خلطط منفذين إما ميكانيكية، بطريقة جاهزة اقتصادية يتوافقون بطريقة طبيعية مع النامذج التي يراها االقتصاديون. كان بوالين مهتام بكيفية تجنب بوالين كان الذي البديل إن السوق. آللية أو الدولة لسلطة إما املرشوط غري االستسالم Homo Economicus الذي ال يزال يبحث عنه هو بديل عن مفهوم اإلنسان االقتصادي

يعد أحد الركائز النظرية األساسية للعلوم االقتصادية.)2(

األول من النصف احتدم طيلة الذي Mary Jo Nye اجلدل ناي «ماري وقد وثقت القرن العرشين، ال سيام يف ثالثينياته، العالقة بني العلوم الطبيعية والعلوم االجتامعية. فبدأت مقدمة كتاهبا: «مايكل بوالين وجيله: األساس االجتامعي للمعرفة العلمية«)3( باإلشارة إىل

(1) Biro ,Babor, The Economic Thought of Michael Polanyi (Routledge Studies in the History of Economics), London and New York: Routledge; 1 edition (August 5, 2019).

(2) Ibid., p. 183- 220.

(3) Nye, Mary Jo. Michael Polanyi and his Generaion: The Origin of Social Construction of Scientific Knowledge. Chicago and London: The University of Chicago Press, 2011, p. i.

العلوم االجتامعية يف رؤى العالم املتقابلة الفصل الرابع

Page 221: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

220

جمموعة من العلامء الذي أخذوا هيتمون بالوضع االجتامعي للعلم وتارخيه الفكري، بصورة تدعو إىل الربط بني اجلوانب االجتامعية للعلم واألحداث السياسية يف تلك الفرتة. ونوهت العلوم فلسفة ميدان دخل وكالمها بوالين، ومايكل كون توماس من بكل خاصة بصورة بعد أن كانا عاملني فيزيائيني مشهورين. وعرضت يف فصول كتاهبا كيف «أن اجليل الذي نشأ لتوماس كون، الطبيعة والعلامء االجتامعيني، مع إشارة خاصة فيه مايكل بوالين من علامء توصلوا إىل مفهوم جديد للعلم يتصف بالقوة، وهو أن العلم مرشوع ذو أساس اجتامعي، وال يعتمد عىل اإلمبيقية والعقالنية وحدمها، بل إن عوامل التواصل االجتامعي واألعراف

السلوكية وااللتزامات الشخصية تعمل عىل نمو املعرفة العلمية، وال تضعفها«)1(

لغوية ومفردات مصطلحات يستخدمون املفكرين أن السابق العرض من يتضح هي املصطلحات وهذه تفكريهم، وطرق ومعتقداهتم الناس مفاهيم عن للتعبري حمددة الثقافية الظواهر من الكثري تحدد التي العوامل فهم تفيد يف التي املنهجية األدوات بمثابة «توماس استعمله الذي Paradigm القيايس« «النموذح مفهوم من وقريب واالجتامعية. مصطلح املسريي الوهاب عبد استعمل له- مطابقا –وليس )2(»Thomas Kuhn كون أذهاننا يف ترسخت املتامسكة، الصفات من «جمموعة عىل للداللة التفسريي« «النموذج النموذج هذا للواقع.« متكاملة رؤية فهي خالهلا، من إال الواقع نرى ال بحيث ووعينا، كم تجريد طريق عن إليها ويتوصل اإلنساين، العقل يبنيها معرفية خريطة هو التفسريي يأخذ شكل خريطة عام نمط لبناء بينها، والربط واحلقائق والتفاصيل العالقات من هائل خالل من التفسريي النموذج نطاق توسيع عىل التحليلية النامذج وتعمل كلية... إدراكية النموذج تتحدى املعطيات فهذه يفرسها. أن النموذج يحاول التي واملعطيات الظواهر فإن وهكذا التفسريية. قدرته تزداد حتى النموذج تعديل يلزم وربام قصوره، وتكشف

العالقة بني النموذج التفسريي والواقع عالقة حلزونية معقدة.)3(

(1) Ibid., p. xvi.

(2) Kuhn, The Structure of Scientific Revolution.

املسريي، رحلتي الفكرية مرجع سابق، ص279-274. )3(

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 222: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

221

المبحث الثاين

عالقة العلوم االجتامعية برؤية العالم

أوال: حضور رؤية العامل يف العلوم االجتامعية

يتفق كثري من علامء االجتامع عىل أن املعتقدات الدينية كانت حارضة دوما يف تشكيل رؤية العالم يف مراحل التاريخ املختلفة. ولم ختل املجتمعات البرشية، عىل مدار التاريخ، من نوع أو آخر من املعتقدات الدينية. وبذلك تكون رؤية العالم حارضة يف الواقع االجتامعي به يترش ما الفرد، هو العالم عند إن األساس يف تشكيل رؤية ثم أو ضمنية. واعية بصورة التنشئة االجتامعية والتكيف مع الواقع االجتامعي، كام هو أو كام يتطلع إليه بالتدريج أثناء املجتمع، ذلك يف العالم رؤية يف أسايس مصدر هي جمتمع يف السائدة فالثقافة تغيري. من

والثقافة بطبيعتها هي صفة اجتامعية.

واحلديث عن العلوم االجتامعية يف سياق هذا الفصل هو حديث عن العلوم التي تتعلق باإلنسان فردا ومجاعة، وبيشء من التحرر يف استعامل املصطلح نود أن يشمل احلديث العلوم احلديثة التي ال تقع ضمن ميدان العلوم الطبيعية والتقانية من جهة، وال ضمن العلوم النقلية بالعلوم املعروفة العلوم بقية عن نتحدث نا فإن التحديد وهبذا أخرى. جهة من الرشعية أو االجتامعية، مثل التاريخ وعلم االجتامع وعلم األنثروبولوجيا وعلم االقتصاد وعلم السياسة وعلم النفس وغريها، إضافة إىل ما يعرف باإلنسانيات، مثل علوم الفلسفة واألدب واللغات والفنون. وقد رافقت اهلداية اإلهلية اإلنسان منذ بدء خلقه، لذلك كانت الفكرة الدينية أساسا لبناء النظام االجتامعي، ومع ذلك فإن عوامل النسيان والطمع يف تحقيق املصالح الشخصية والفئوية رسعان ما كانت تطرأ عىل الواقع االجتامعي، وتنشأ لذلك تفسريات منافسة للفكرة

الدينية التي جاء هبا الوحي اإلهلي، وتتغلب عليها يف بعض األحيان.

وحاولنا صورها، اختالف عىل اليوم السائدة االجتامعية األنظمة استعرضنا ولو بني يجمع الذي األساس املادية هي الفكرة أن فإننا سنجد عليه، تقوم الذي املبدأ تلمس خمتلف املدارس الفلسفية التي تحاول بسط نفوذها. وقد تعمقت جذور هذه النزعة املادية

العلوم االجتامعية يف رؤى العالم املتقابلة الفصل الرابع

Page 223: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

222

واتسعت ميادين تأثريها، منذ االنقالب الصناعي يف أوروبا الغربية نتيجة عدد من العوامل، منها نجاح املنهج التجريبي يف الكشف عن الكثري من حقائق الكون الطبيعي، ونجاح هذه الناس رؤيته من اعتاد املفيدة، وانتشار عقلية الشك يف كل ما العملية التطبيقات املنهج يف إىل الوقوف اعتادوا الذين ورجاله بالدين الثقة وانحسار الواضحة، واألمور البدهيات

جانب السلطات الظاملة والفئات الفاسدة، واحلجر عىل حرية التفكري.

هذه تبسط أن املهيمنة القوى وحتاول اليوم، العالم تسود التي هي املادية النزعة إن النزعة يف أرجاء العالم بالرتغيب والرتهيب. وسيكون من املفيد دراسة جذور النزعة املادية أساسها بصورة واضحة قامت عىل التي االجتامعية األنظمة وتطورها وأخطارها وتحليل مبارشة، أو بصورة ضمنية. ذلك أن كل نظام اجتامعي ال بد أن يرتكز عىل فهم فلسفي للحياة املادية النزعة التي تسودها فاحلياة احلياة، ويرشح واقعها وحدودها ومعناها، بواقع يتصل الذي التارخيي التطور عن صفحا الذكر نرضب وسوف للعالم.)1( مادية رؤية إىل تستند أوصل العلوم االجتامعية إىل أساسها املادي، مكتفني باإلشارة إىل القاعدة التي تستند إليها العام والتصور الكلية النظرة عىل تقوم القاعدة هذه أن ذلك املعارصة، االجتامعية العلوم االجتامعية املعرفة توليد يف العلامء يامرسها التي التفكري طريقة وعىل واحلياة، الكون عن

واختبارها وتوظيفها.

م تفسريا وقد تحدث كثري من املفكرين عن أمهية التصور العام للكون، ألن هذا التصور يقدشامال للوجود حيدد مركز اإلنسان يف الوجود الكوين وغاية حياته اإلنسانية، ومن ثم منهج حياة «فنوع النظام الذي يحكم احلياة اإلنسانية رهني اإلنسان ونوع النظام الذي يحقق هذا املنهح،

بذلك التفسري الشامل...« الذي يسميه سيد قطب يرمحه اهلل بالتصور اإلسالمي.)2(

ويشري تاريخ املعرفة اإلنسانية إىل أن العلوم املعروفة اليوم ل تنشأ بصورة متاميزة ومستقلة، بل كانت تقع ضمن ميدان واسع من اخلبة اإلنسانية، كانت الفلسفة تعبريا عاما عنه، فكان

الصدر. حممد باقر. فلسفتنا، بريوت: دار التعارف للمطبوعات، ط9، 1430ه/م2009م، ص58-55. )1(

قطب. خصائص التصور اإلسالمي ومقوماته، مرجع سابق، ص 5. )2(

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 224: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

223

املفكرون والعلامء هم الفالسفة. ومع تطور املعرفة البرشية أخذت العلوم تتاميز وتستقل عن ثم يف العلمية، املوضوعات التخصص يف عدد حمدد من إىل يميلون العلامء الفلسفة، وأخذ ل يف موضوع واحد أو فرع واحد من املوضوع. وقد رافق تمايز هذه العلوم املتخصصة تبدأخذ الفلسفة، مرحلة يف السائد هو العقل التفكري منهج كان فبينام وآلياته؛ التفكري طبيعة رؤية تطرحها التي األسئلة إىل نظرنا ولو والعلامء. املفكرين عمل يسود التجريبي املنهج العالم، فإننا سنجد أنها ذات طبيعة تتجاوز موضوعات العلوم املحددة، وتخرج عن نطاق مناهج التفكري احليس والتجريبي، ومن ثم فإن إجاباهتا تبقى بحاجة إىل تفكري عقل فلسفي.

علمية، فلسفية طبيعة ذات علمية ميادين املعارصة الفكرية املذاهب طورت وقد «الكشف عن العالقات والروابط بني العلوم، تها: تقوم عىل أساس الطريقة العقلية، ومهمالعلمية، كام أن لكل التجربة يف جمموع احلقول ولوضع نظريات علمية تعتمد عىل حصيلة

علم فلسفته التي تقرر أساسيات البحث العلمي يف جماله اخلاص...«)1(

وبعبارة غريها. من أكثر العالم برؤية تتأثر املعرفية امليادين بعض أن الواضح ومن أخرى فإن التضمينات املعرفية لرؤية العالم تتفاوت من حقل معريف إىل آخر. فرؤية العالم الدقيقة عندما يتعلق األمر العلوم التأثري تماما- يف تبدو أقل تأثريا -لكنها ليست معدومة والفنون االجتامعية والعلوم اإلنسانيات يف تأثريا أكثر لكنها منها، التجريبية باجلوانب اجلميلة. فمثال أثر رؤية العالم يف الكيمياء أقل منها يف التاريخ، ويف الرياضيات أقل بكثري من الفلسفة، ولكن عندما ينصب االهتامم عىل فلسفة الكيمياء أو الرياضيات فإننا نكون قد تركنا جانبا ممارسة العلم التجريبي إىل رؤية عن العلم. وكلام كان كالمنا عن رؤية العالم Hard،)2( تتضاعف حاجتنا إىل اجلدل النقدي Soft وليس القاسية فيام يتعلق بالعلوم اللينة

حول طرق هذه العلوم ونتائجها.

الصدر. فلسفتنا، مرجع سابق، ص137. )1(

تعتمد التي الطبيعية العلوم بني طبيعة للتمييز ،Soft لينة Hard وعلوم قاسية أو يستعمل مصطلح علوم صلبة )2(عىل بيانات تجريبية تتصف باالنضباط والدقة وال تختلف فيها اآلراء كثريا، والعلوم اإلنسانية واالجتامعية التي تتدخل فيها مواقف الباحثني وتصوراهتم وخلفياهتم الفكرية. لكن الفارق األساس هو يف استعامل الطريقة العلمية

التجريبية، يف النوع األول من العلوم دون الثاين.

العلوم االجتامعية يف رؤى العالم املتقابلة الفصل الرابع

Page 225: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

224

فإن العالم، رؤية يف االختالف رغم ة حد أقل الطبيعة علامء بني اخلالف أن ومع العالم؛ رؤية يف االختالف بسبب ة حد أكثر واإلنسانيات االجتامعيات علامء بني اخلالف Crosscultural اإلنسانية للمعتقدات ثقايف« «عب وصفا باعتبارها العالم رؤى أن ذلك Human Beliefs «تتعلق بمعرفة اآلخرين، وهي معرفة تقع يف القلب من التعليم اإلنساين

والعلوم االجتامعية.«)1(

والسبب يف ذلك أن رؤية العالم تتعلق باحلقائق واألسئلة األساسية حول معنى الكون. وكلام كان املجال املعريف أقرب إىل موضوعات هذه األسئلة واحلقائق، فإن رؤية العالم تكون أكثر أثرا يف بناء النظريات يف هذا املجال املعريف، ففي التخصص العلمي األقرب إىل مركز تأثريا أكثر العالم رؤية تفرضها التي النهائية االلتزامات تكون املقدس( )اإلهلي الوجود عىل ذلك اجلزء من احلياة. وهكذا يكون علم الكالم الذي تفرضه رؤية العالم )الثيولوجيا( العلوم ثم االجتامعية، فالعلوم فاآلداب، اإلنسانيات، ثم الفلسفة، وتليه تأثرا أكثرها

الطبيعية، وأخريا تأيت الدراسات الرمزية، مثل الرياضيات والقواعد واملنطق.

إن أحد وجوه األزمة يف العلوم االجتامعية السائدة يف العالم اإلسالمي أن هذه العلوم يف العلمية احلركة تطور من مبكر وقت ففي علوم. من األمة ولدته مما أساس عىل تبن ل الدولة اإلسالمية، أخذ هذا التطور مسارا غري متوازن؛ فقد نمت العلوم واملعارف يف خدمة فقه نمو وانحرص والبيانية، اللغوية والدراسات العبادات فقه وتضخم الرشعي، النص املعامالت يف ميادين حمدودة تتعلق بالسلوك الفردي ومسائل األحوال الشخصية، ول يتح للشأن العام عىل نطاق املجتمع واألمة إال القليل من اجلهد، وأمهلت املناهج اإلمبرييقية يف تتطور ل ولذلك وتحليلها، والنفسية والسياسية واالقتصادية االجتامعية الظواهر وصف املفاهيم واملبادئ والنظريات التي تؤسس لعلوم اجتامعية متخصصة. وقد يكون االستبداد السيايس وما رافقه من عزلة العلامء أو انعزاهلم واحدا من األسباب التي تفرس عزوف غالبية العام، وحرمان األمة من طاقة بالشأن املجتمع عن االهتامم العلمية والفكرية يف القيادات

(1) Smart, Ninian. Worldviews: Crosscultural Explorations of Human beliefs, New Jersey: Prentice Hall, 2000, p. xi.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 226: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

225

«مسرية حياة التي كان يمكن أن توجه القيادات وقدرهتا عىل تطوير املعارف والعلوم هذه األمة ومؤسساهتا االجتامعية وإمدادها باحللول والبدائل احلضارية الالزمة ملواكبة إمكاناهتا

وحاجاهتا والتحديات التي تواجهها.«)1(

االجتامعية العلوم تطور دون احليلولة يف السبب هذا فاق ربام الذي األمر لكن األمة فكر عىل طرأت التي التشوه صور تفاقم هو مبكر، وقت يف اإلسالمي العالم يف يف به وانطلقت بدأته الذي احلضاري املرشوع حتقيق عن وأعاقتها وثقافتها، اإلسالمية التشوهات يبلغ املرشوع أهدافه وغاياته. و«أول هذه الراشدة، فلم الرسالة واخلالفة عهد وأخطرها كان تشوه الرؤية الكونية اإلسالمية التي تشكل إطار فكر األمة وثقافتها؛ بحيث لم تعد رؤية كونية توحيدية شمولية إيجابية قادرة عىل أن تقدم الدليل واهلداية الكلية لفكر الكونية أورث تشوها منهجيا، الرؤية تشوه أن املسلم وضمريه وعالقاته ونظمه.«)2( ذلك نتج عنها نظرة أحادية غري متوازنة إىل العلوم واملعارف، حني قسمها إىل علوم دينية مهمة، العلوم «مما حرم األمة من نمو السننية النظرة الفكر وغابت وعلوم دنيوية هامشية، فضمر اإلسالمية االجتامعية احلياة ترشيد يف وهدايته الوحي كليات مع تتكامل التي االجتامعية واإلمكانات املعرفة تطور مع وإمكاناهتا وطاقاهتا مؤسساهتا مفاهيم وتطوير وتجديدها،

والتحديات.«)3(

يتعلق بام مرتبطة الدوام عىل كانت اسمها بذلك يويص كام االجتامعية العلوم إن يف الناس من أفراد هم االجتامعية العلوم يف والباحثون االجتامعي، حميطه يف باإلنسان ذلك املحيط يدرسون الناس يف املحيط نفسه، وهذا يشكل قدرا من اإلشكال يف موضوعية لالكتشافات وسلطة مرجعية نعطي أن الصعوبة من جيعل نتائجها، يف وغموضا الدراسة التي النتائج بتلك شبيهة االجتامعية- العلوم يف املتخصصون هبا يأيت -التي والقوانني

أبو سليامن، عبد احلميد. أزمة العقل املسلم. هريندن، فريجينيا: املعهد العاملي للفكر اإلسالمي، 1991م، ص82. )1(

أبو سليامن، عبد احلميد. أزمة اإلرادة والوجدان املسلم: البعد الغائب يف مرشوع إصالح األمة، دمشق: دار الفكر، )2(2005م، ص54.

املرجع السابق، ص60-59. )3(

العلوم االجتامعية يف رؤى العالم املتقابلة الفصل الرابع

Page 227: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

226

معرفية حقول بالفعل هي االجتامعية فالعلوم الطبيعية، العلوم يف الباحثون إليها يصل «لينة«وليست صلبة، و«تأويلية« وليست وضعية، عانت دائام من حسدها للعلوم الطبيعية،

وبقيت قلقة بخصوص مصداقية نتائجها وقيمة العمل يف ميادينها.

الطبيعية من موقع ومكانة العلوم االجتامعية ما للعلوم العلامء إىل إعطاء لقد سعى «مايكل بوالين« و«توماس كون« قد غريت من هذا االتجاه، حني ومناهج، لكن أعامل اإلنسانية العوامل من وغريها العالم ورؤى الفكرية النامذج أن «كون«- -حسب تبني ولذلك العلمية، الثورات ويف العادي العلم ممارسة يف مهمة أدوارا تؤدي والتارخيية الطبيعية العلوم؛ العلوم االجتامعية، فمع أن نوعي نتوقع أن يكون األمر كذلك يف نا فإنبالعوامل التحكم فيهام ولو جزئيا يتم النوعني واالجتامعية، هلام حمتوى خمتلف، فإن كال إىل املتشاهبة النظرة من نوع نشأ األساس هذا وعىل العالم، رؤى ذلك يف بام البرشية، نوعي العلوم اللذين كان ينظر إليهام عىل أنهما ثقافتان فكريتان متناقضتان، تذكر بمقولة

)1(.The Two Cultures :الثقافتني

ة فرق بني العلوم الطبيعية والعلوم االجتامعية، فمامرسة العلم الطبيعي ومع ذلك فثمموضوع ليس نفسه الفكري والنموذج حمدد، فكري نموذج طريق عن هبا التحكم يمكن بحث عند العالم، فهو يسكنه عىل أي حال -مع أنه موضوع بحث عند املتخصص بفلسفة العلم-، وعلامء الطبيعة يبحثون يف العالم الطبيعي، بينام ينشغل العلامء االجتامعيون بتحليل تؤثر بل فحسب، العلوم هذه يف البحث منهج يف تؤثر ال التي الفاعلة الفكرية القوى والثقافة االجتامع«، «علم واملجتمع النفس«، «علم البرشية النفس يف مهام نا مكو ل وتشك«علم األنثروبولوجيا«. و«رؤية العالم« هي قلب هذه القوى الفكرية الفاعلة. وبينام تكون الطبيعية، العلوم الفكرية عىل عالقة غري مبارشة وتأثري غري مبارش يف العالم والنامذج رؤية

فإنها تمثل شاغال ظاهرا وهدفا مبارشا للدراسة يف العلوم االجتامعية.

(1) Burnett, D. A View from the Bridge: The Two Cultures Debate, Its Legacy, and the History of Science. Daedalus, 128 (2), 1999, 193-218.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 228: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

227

يف حوهلا وتداولوا فيها فبحثوا العالم، رؤية بمسألة االجتامعيون العلامء انشغل لقد ميشجان رابيدز بوالية جراند يف عقد متخصصا مؤمترا فإن ذلك ومن واملؤمترات. الندوات مشكالت دراسة هبدف االجتامعية« والعلوم العالم «رؤى بعنوان 1985م عام األمريكية، احلياة رؤية مع املجتمعون تعامل وقد االجتامعية، العلوم يف احلياة( رؤى )أو العالم رؤى م وقد االجتامعية، العلوم الواسع يف العلمي ع التنو تحليل تحليل ملساعدهتم يف أداة بوصفها حمررو الكتاب الذي نرشت فيه بحوث املؤمتر نبذة تارخيية عن دور رؤية العالم يف فهم العلوم االجتامعية، والحظوا أن التقدم يف دراسة رؤى العالم يمكن أن يعطي مؤرشات حول الكيفية والعالمي. املحل االجتامعي الواقع يف د التعد صور لفهم االجتامعية النظرية هبا تسعى التي واستذكر الباحثون الوصف الذي قدمه «دلثاي« يف العقد األول من القرن العرشين فيام يتعلق بإسهام ونوهوا ،Clash of Worldviews العالم« رؤى بني «صدام وأنها احلداثة، بأزمة العلمية، ويف الثورات العالم موقعا خاصا يف تفسري لفكرة رؤية الذي أعطى «توماس كون« ا ة اعرتافا آخذا يف االتساع باألثر الذي ال ينازع فيه لرؤى العالم. مم ضوء هذه الرؤية يبدو أن ثم

د أننا نكتشف أن مشكالت احلياة ومشكالت العلم هي فروق فيام بيننا يف رؤية العالم.)1( يؤك

سواء االجتامعية العلوم يف املتخصصة املراجع يف حارضة العالم رؤية نجد ونحن يتحدث فمثال وموضوعاهتا. االجتامعية العلوم فروع أو االجتامعية النظرية يف ذلك كان االجتامعي التامسك آليات عن املجتمع« وقضايا االجتامعية «النظرية كتابه يف ليلة« «عل فاعلة يف آلية الدينية بوصفها الرمزية اهتاممه عىل التامسك، ويركز املتصلة هبذا واملتغريات طريق عن للعالم اإلنسان رؤية تشكيل يف الدين دور وعىل االجتامعي، التامسك تحقيق الدين يف محاية الطبقات والفئات االجتامعية املختلفة، ويتحدث عن دور الدين يف حضور وتشكيل اإلنسانية، الشخصية بناء وتماسك األزمات مواجهة ويف التفكك، من املجتمع

رؤية اإلنسان للعالم.)2(

(1) Griffioen ,Sander ;Marshall .Paul and Mouw, Richard .Stained Glass: Worldviews and Social Science (Christian Studies Today), Lanham, Maryland: University Press of Ameri-ca, January 25, 1989, p. 8-13.

املرصية، اإلنجلو مكتبة القاهرة: االجتامعي، التامسك آليات املجتمع: وقضايا االجتامعية النظرية عل. ليلة، )2(2015م، انظر عناوين الفصول يف فهرس الكتاب.

العلوم االجتامعية يف رؤى العالم املتقابلة الفصل الرابع

Page 229: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

228

وجيمع كثري من الباحثني عىل أن األملاين ماكس فيب )1864-1920م( واألملاين كارل ماركس )1818-1858م(، والفرنيس إميل دوركهايم )1858-1917م(، هؤالء الثالثة أنهم العرشين. ومع القرن بالظهور يف مطلع أخذ الذي التفكري االجتامعي وضعوا أسس بنية سيام وال االهتامم، جماالت من عدد يف يشرتكون فإنهم خمتلفة ومناهج رؤى يحملون التي والطرق للمجتمع املتغرية الطبيعة مع تعاملوا فقد عليه؛ يطرأ الذي والتغري املجتمع يتصف فيه، مرغوبا مثاليا جمتمعا وتخيلوا وبنيته، املجتمع مؤسسة عىل التغري فيها يؤثر والدين االقتصاد هي أعامهلم يف الكبى املوضوعات كانت وقد والطوباوية. بالتجانس املجتمع. لفهم ومقارنة تارخيية مناهج استعملوا وثالثتهم االجتامعي، والنظام والقانون

ومع ذلك يختلفون عن بعضهم بعضا بصورة يسهل مالحظتها وتمييزها.)1(

التنوير ملرشوع العميقة األزمة بتأثري فيب ماكس عند العالم رؤية تشكلت لقد األورويب، فهو ينتمي إىل جيل كان يصارع إرث دارون وماركس ونيتشه، ولذلك فإن رؤيته للعالم تميل إىل املوقف األخالقي أكثر من املوقف املعريف. يبدو أن هذا التوتر العميق بني الرضورات األخالقية الـ«كانتية«)2( وتشخيص نيتشه)3( للعالم الثقايف احلديث هو ما يعطي ظالال مأساوية غامضة لرؤية العال األخالقية عند فيب، كام تصف ذلك موسوعة ستانفورد تنحية إىل أوروبا الثقافية يف التطورات قادت بخيبة األمل عندما فيب لقد شعر الفلسفية. الدين التوحيدي باعتباره شيئا غري عقالين، مما جعل العالم العلامين احلديث ال يعرتف بأن للعالم بناء نظرة توحيدية للعالم. وبذلك ذهبت فكرة دة التوحيدي هو رؤية موح الدين إىل غري رجعة، سواء كانت الرؤية التوحيدية ذات مرجعية دينية أو علمية، وما ترتب عىل

(1) S. Srinivasa Rao and Smriti Sing Max Weber’s Contribution to the Sociology of Educa-tion: A Critical Appreciation, Contemporary Education Dialogue 15(1) 2018, 73–92. See also:

- https://plato.stanford.edu/entries/weber/ (Retrieved 7 July 2020).

نسبة إىل الفيلسوف األملاين إيامنويل كانط Immanuel Kant )1724 – 1804( الذي تأسست املدرسة املثالية )2(عىل أساس أفكاره.

)3( فريدريك نيتشه، سبق التعريف به، انظر:الفصل الثاين، املبحث الثالث، ص 123.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 230: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

229

ذلك هو تجزئة الرؤية إىل دوائر قيمة ال تتصف بالتوافق. وعىل سبيل املثال الحظ فيب أن من آثار أفكار نيتشه أن شيئا ما يمكن أن يكون مجيال ليس جلامله يف ذاته، وإنما «لنظرة ذوقية خالية من الذوق«، وذلك ألن القيم اجلاملية أصبحت يف حالة تناقض غري قابل للتوفيق مع

القيم الدينية.)1(

رؤية باستخدام االجتامع علم يف النقدية التحليلية بدراساته فيب ماكس تميز وقد العالم مدخال للتحليل وفهم السلوك االجتامعي واالقتصادي، ومن ذلك دراسته املهمة عن األخالق البوتستانتية. فتحدث عن األثر العميق لرؤية العالم يف السلوك االقتصادي ويف عرش، والسابع عرش السادس القرنني يف أوروبا يف البوتستانتي املذهب أتباع عند العالم الديني يف رؤية املضمون أن املجتمع. ورأى فئات نظرهتم ألنفسهم ولغريهم من كثري اهتمت كله. وقد الكون يشمل ديني تفسري أنه مع الدنيوي، السلوك يفرس عندهم من الدراسات بتعريف فيب لرؤى العالم وكيف تؤثر رؤى العالم يف علم االجتامع، ويف ماكس عند العالم أن رؤى االجتامعية، وقد الحظ ستيفن كولبغ كيف الفئات تشكيل منهجي لتنظيم تأسيسية قوى تكوين عىل قادرة وأنها واحليوية، بالديمومة تتصف فيب عقالين للحياة، والحظ كوملبغ أن معاجلة فيب لرؤى العالم جاءت يف وقت فقد املفهوم كثريا من تأثريه األصل، وأصبح هناك تساؤالت حول حاجة املجتمعات إىل رؤى العالم، وقد تبني للباحث أن فيب يعتقد بأمهية استخدام مفهوم رؤية العالم بوصفه وحدة تحليل

يف دراسة املجتمع.)2(

وكشفت دراسة خاصة عن إسهامات فيب يف علم اجتامع الرتبية أن فيب يرى أمهية كبرية لتعليم االفرتاضات واألفكار واملوضوعات ذات الصلة برؤى العالم يف اجلامعات، دون أن الشخيص. واختياره املتعلم لضمري ذلك ترتك بل معينة، معتقدات املتعلمني عىل تفرض

موسوعة ستانفورد الفلسفية، حتديث 27 نوفمب 2017م. يف الرابط: )1(- https://plato.stanford.edu/entries/weber/ (Retrieved 7 July 2020).

(2) Kalberg, Stephen. The Past and Present Influence of World Views: Max Weber on a Ne-glected Sociological Concept, The Journal of Classical Sociology, 4 (2), 2004, 139-163.

العلوم االجتامعية يف رؤى العالم املتقابلة الفصل الرابع

Page 231: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

230

األساسية العنارص لطلبته يقدم أن الدراسة- استنتجت –كام اجلامعي األستاذ فواجب

يظهر فال النفس، وضبط الفكرية بالنزاهة االحتفاظ مع املعروفة، الرئيسية العالم لرؤى

تطرفا إىل اليمني أو اليسار أو االعتدال.)1(

ثانيا: إعادة تنظيم العلوم االجتامعية بحاجة إىل رؤية جديدة للعالم

Conceptual مفاهيمية تنظيميه بنية بوصفها العالم رؤية إىل ننظر أن يمكن

Organizing Structure تتداخل بصورة مبارشة أو غري مبارشة يف املدركات البرشية، التي

العلوم كل بأن املتخصصة العلمية اجلامعات وتدرك متخصصة. علمية حقول تنتظمها

تحتاج إىل رؤية كلية شمولية. ففي جمال العلوم الطبيعية الحظ كثري من العلامء املتخصصني

العالم املعرفة، إىل تخصصات دقيقة حرصت معرفة التجزئة والتبعثر يف حقول أن مشكلة

دة للكون، وجعلت دة وموح املتخصص يف فرع دقيق، وحرمته من امتالك رؤية شاملة موح

من الصعوبة التفكري يف رؤية تتكامل فيها املعطيات العلمية لبناء نظرية أوفر حظا يف تفسري

الظاهرة موضوع البحث. وأكثر ما ظهرت هذه احلاجة يف الربط بني نظريات الفيزياء احلديثة

«فيزياء الكوانتم« والتفكري الفلسفي، وال سيام منذ النصف الثاين من القرن العرشين، مثل

الفرع هذا وشغل العلوم. فلسفة من حيويا فرعا الفيزياء فلسفة تخصص أصبح حيث

باألسئلة بحثية اهتاممات مع الفيزياء تخصص يف العمق ذوي العلامء علامء من جمموعة

األساسية واملسائل الفلسفية للنظريات الفيزيائية ذات الصلة.

العلامء من ستة والفلسفة الفيزياء بني العالقة بيان يف االنشغال هذا عن عب وقد

سبيل عىل ذلك ومن العالقة. هذه يناقش كتاب إعداد يف واشرتكوا األلمان. والباحثني

Quantum Mechanics الكم ميكانيكا موضوع بموقع يتصل كان الذي السؤال املثال

الفيزياء الكالسيكية، ثم تحول السؤال السابق إىل البحث عن التي تقدمها العالم يف رؤية

(1) Rao, S. Srinivasa and Sing, Smriti. Max Weber’s Contribution to the Sociology of Educa-tion: A Critical Appreciation, Contemporary Education Dialogue 15 (1) 2018, 73–92.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 232: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

231

النظريات تقدمها التي العالم رؤية يف الكم ميكانيكا ملوقع احلقيقة إىل األقرب التفسري الفيزيائية احلديثة، مثل النسبية اخلاصة والنسبية العامة ونظرية املجال، وغريها.)1(

املعرفية املجاالت حدود حول اجلدل عىل الكلية الرؤية بمفهوم االهتامم وينعكس العلوم وبني بينها احلدود وتجاوز احلدود، هذه تجاوز بغرض االجتامعية العلوم يف اإلنسانية والعلوم الطبيعية، فالتمييز احلاد بني ما يسمى بـ«الثقافتني« أخذ يتعرض لضغوط فيها تتداخل للدراسة تطور موضوعات جديدة نتيجة الثانية، العالمية بعد احلرب شديدة املجاالت املعرفية كام تتداخل فيها املناهج البحثية، ونتيجة رد االعتبار لقضايا القيم املرتبطة العلوم فلسفة يف جديدة رؤى تطور ونتيجة البيئية، والتغريات التكنولوجية، باإلنجازات

هزت رشعية املناهج الوضعية.

إن النظم املعرفية Disciplines التي نعرفها اليوم ضمن العلوم االجتامعية قد تمايزت خالل قرن من الزمن، من منتصف القرن التاسع عرش إىل منتصف القرن العرشين، يف أوروبا العالم. ومنذ عام امتداد املعرفية عىل النظم تبني هذه الشاملية، وقد جرى الغربية وأمريكا 1945م بدأ يظهر جدل متعدد الوجوه ضمن هذه األنظمة حول فعالية تصنيفات املعرفة، املضمون أن حسم اجلدل حول تنظيمها يف تصنيفات جديدة. وال شك إىل احلاجة ومدى الفكري يتطلب النظر يف البنية التنظيمية. وقد عملت احلدود التنظيمية لكل جمال معريف عىل

محاية أعضاء اجلامعة العلمية املتخصصة بطريقة تحذرهم من تجاوز حدود ختصصهم.)2(

ومع ذلك فإن فكرة إعادة تنظيم العلوم االجتامعية كانت حارضة ويعاد عرضها يف كثري Calouste Gulbenkian البتغالية)3( املثال أن مؤسسة من األحيان. ومن ذلك عىل سبيل

(1) Friebe, Cord. et al. The Philosophy of Quantum Physics, Cham, Switzerland: Springer, 2018, see introduction pp. v-ix, see also p. 2.

(2) Wallerstein, Immanuel; et al. (Editors) Open the Social Sciences: Report of the Bulber-nkian Commission on the Restructuring of the Social Sciences. Stanford, CA: Stanford University Press, 1996, p. 71.

مؤسسة خريية أنشأها رجل أعامل بريطاين من أصل أرميني، هو Calouste Gulbenkian أنشأها يف البتغال عام )3(1956م، لدعم مشاريع التطوير يف العلوم والتعليم والفنون يف أنحاء العالم، وتعد اليوم من أهم املؤسسات اخلريية

اخلاصة يف أوروبا.

العلوم االجتامعية يف رؤى العالم املتقابلة الفصل الرابع

Page 233: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

232

العلوم قدمت مبادرة ضمن برنامج البتغال عام 2000م، للنظر يف إمكانية إعادة تشكيل عمل جمموعة تشكيل الغرض هلذا تم وقد والعرشين. احلادي القرن عتبة عىل االجتامعية دولية من املفكرين والعلامء املتخصصني يف العلوم االجتامعية، وممثلني عن العلوم اإلنسانية من خمتلفة مواقع يف الندوات من سلسلة املجموعة هذه عقدت وقد الطبيعية. والعلوم العالم الستدراج تحليالت ذات طبيعة عاملية حول املشكالت التي تحول دون بناء مستقبل

أفضل للمجموعات البرشية واحللول املمكنة هلذه املجموعات.

وقد قدمت املجموعة البحثية تقريرا غنيا وجادا.)1( الحظ فيه الباحثون أن التقدم الذي تم يف البحث العلمي، وظهور أمهية التوجهات الكونية التي شجعت حوار الثقافات، والنمو املذهل يف التعليم اجلامعي، كانت كلها عوامل أثرت بقوة يف ممارسات العلامء االجتامعيني، ولد مما وتصنيفاهتا، فئاهتا وتنظيم العلوم هذه بنية يف النظر إلعادة الفرصة تتح لم لكنها مبرا لطرح السؤال الرئيس الذي حاولت املجموعة البحثية اإلجابة عنه، وهو يتعلق بمدى

كون التصنيفات املعارصة للعلوم االجتامعية تمثل أزمة رئيسية هلذه العلوم.

وقد بينت الدراسة أن ثمة ضغوطا قوية تمارس عىل العلامء االجتامعيني إلعادة تنظيم العلوم االجتامعية، لكن هذه الضغوط ال تعمل بانسجام دائام، وتختلف اتجاهاتها باختالف نشاطات يف املجموعات هذه وملوقع االجتامعيني، العلامء ملجموعات النظرية التوجهات الدراسة العايل. كام أشارت التعليم السياسية، وسياسات العامة، وطبيعة الضغوط اخلدمة إىل احلاجة من أمهية أقل االجتامعية للعلوم التنظيمية البنية يف التغيري إىل احلاجة أن إىل مضاعفة تنظيم النشاط الفكري للعلامء االجتامعيني مع تجاوز احلدود الفاصلة بني علومهم تخصص يف عرفوا بمن خاصا شأنا ليست التارخيية فالدراسة العلمية. وتخصصاتهم ة مناطق معرفية التاريخ، وكذلك األمر بالنسبة للدراسة االجتامعية أو االقتصادية، فليس ثممعزولة عن بعضها، وال مبر الحتكار احلكمة يف جمال فهم مسألة من املسائل االجتامعية،

وقرصها عىل أشخاص يحملون شهادات جامعية معينة.)2(

(1) Wallerstein, Immanuel; et al. (Editors) Open the Social Sciences, op. cit.

(2) Ibid., p. 98.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 234: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

233

وأشارت الدراسة إىل الفرص املتاحة للبلدان األفريقية وبلدان رشق آسيا وغريها من الدول النامية، لتجريب صور جديدة من تنظيم العلوم االجتامعية.

ة من ينظر إىل الواليات املتحدة األمريكية لتتوىل جامعاهتا تقديم وأملح التقرير إىل أن ثمحلول خيالية إبداعية للمشكالت التنظيمية يف الواقع املعارص للعلوم االجتامعية، كام فعلت يف هناية القرن التاسع عرش، وبعد احلرب العالمية األوىل، وبعد احلرب العالمية الثانية. لكن اإلبداعية باحللول تأيت أن األمريكية اجلامعات ينتظرون من الذين أن هؤالء يؤكد التقرير أن بتبني حلول ملشكالت ليست مشكالهتم، ويتناسون إنما يخاطرون ليتبنوها يف بالدهم اجلامعات قدمتها التي احللول إىل قادت التي املشكالت هي ليست احلقيقية مشكالهتم

األمريكية من قبل.)1(

وقد اقرتح التقرير عددا من املسارب للنظر يف تطوير الممارسات التي يقوم هبا أساتذة اجلامعات املتخصصني يف العلوم االجتامعية، التي ربام تقود إىل نتائج إبداعية تغري من صورة العلوم االجتامعية يف العقود القادمة. واحللول املقرتحة كلها تنطلق من إعامل الرؤية الكلية إىل الواقع ومشكالته، وإىل املعرفة وتصنيفاهتا التقليدية. ومن هذه املسارب ما يتعلق بإنشاء مؤسسات جديدة داخل اجلامعات تقوم براجمها عىل اشرتاك أعضاء هيئة التدريس اجلامعي يف العمل ضمن فريق حول حمور حمدد ملدة عام، أو إنشاء برامج بحثية متكاملة ضمن البنية أعضاء وتعيني والكليات؛ لألقسام التقليدية التقسيامت تتجاوز معرفة لتطوير اجلامعية هيئة تدريس للعمل يف أكثر من قسم، وتطوير برامج بحثية يشارك فيها عدد من الطلبة من

أقسام خمتلفة.

إىل تتجه املعرفية املجاالت حدود إىل بالنظر املتعلقة التطورات كل أن واخلالصة تقارب هذه العلوم والتقليل من شأن احلدود بينها، كذلك تبز هذه التطورات قيمة العلوم االجتامعية باعتبارها املحور الذي سوف يربط بني ما يعرف باإلنسانيات من جهة والعلوم

الطبيعية من جهة أخرى.)2(

(1) Ibid., p.100.

(2) Ibid., p. 60-69

العلوم االجتامعية يف رؤى العالم املتقابلة الفصل الرابع

Page 235: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

234

ومن وجوه احلاجة إىل إعادة النظر يف حاجة العلوم االجتامعية إىل رؤية جديدة للعالم د االهتامم بمشكلة التحيز يف «رؤية العالم« السائدة يف العلوم االجتامعية التي تم تطويرها تجددعموا فالذين سائدا، التحيز« ضد «التحيز كان للتنوير الذهبية األيام ففي الغرب. يف الشخصية التحيزات «جراثيم« من الناتج املعريف التلوث من قلقني كانوا التنوير مرشوع والثقافية، ولذلك استخدموا «مضادات حيوية« من املوضوعية والعقالنية العلمية مع مجيع النشاطات النظرية املهمة إلنتاج صورة نقية من املعرفة تتميز بالدقة الرياضية. وبالرغم من التنوير مرشوع عن اإلنسانية املعرفية الصفة نزعوا الذين أولئك بذهلا التي اهلائلة اجلهود أن مالحظة أمكن فقد عصيبة، أياما صادفت قد القيم عن املستقلة املعرفة أساليب فإن «التحيز ضد التحيز أصبح تحيزا«، وتم الكشف عن الطبيعة املتناقضة للمرشوع. ويف أيامنا هذه «عرص ما بعد احلداثة« يعتقد كثري من املفكرين بأن من املستحيل تقريبا، حماولة احلجر عىل الفكر أو تخليص النشاطات الفكرية من أثر العوامل الشخصية والثقافية، وليس هذا احلجر صحيحا كذلك. فالنظريات تتأثر بالعديد من األعراف والقيم واالتجاهات اخلاصة بمن يضع هذه النظريات، وإعادة أنسنة عملية الفكر تعني أن من غري املمكن ألي شخص التي يملكها اإلنسان وهو العالم لرؤية الفاعل بعيدا عن احلضور يتناول أي موضوع أن

الذات املفكرة.

ويصعب تحديد مدلول رؤية العالم بصورة مستقلة عن األطر األيديولوجية التي يؤمن كلف قد W.T.Jones الفلسفة مؤرخ أن الصعوبة هذه عىل األمثلة ومن األشخاص. هبا طبيعة حول أوروبا، يف 1968م عام املنعقد األنثروبولوجيا، مؤمتر أعامل تلخيص بمهمة مصطلح مناقشة هو لالجتامع األساسية األهداف وأحد الثقافة. يف ودورها العالم رؤى «رؤية العالم« وتعريفه، وقد تعددت وجهات نظر املشاركني، ولكن حججهم كانت قليلة، اجلبهة هذه حول التقدم عدم يف األسايس والسبب فاشلة، معظمها يف كانت ومداوالهتم عام ضمنا يعبون األمر حقيقة يف كانوا العالم« «رؤية يناقشون كانوا عندما املشاركني أن

يحملونه من رؤى خمتلفة للعالم.)1(

(1) Naugle, Worldview: The History of A Concept, p. 254.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 236: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

235

ومثال آخر هو ما يظهر يف كتاب James Sire بعنوان: «الكون املجاور لنا: سجل برؤى رؤى ثامين تقدمها فلسفية أسئلة عن اإلجابات حول منظم فالكتاب األساسية.«)1( العالم والكون، النهائية، احلقيقة أو الوجود األسئلة حول سبع قضايا هي: للعالم. وتدور خمتلفة واإلنسان، واملوت، واملعرفة، واألخالق، والتاريخ. إن أسئلة املؤلف عن هذه القضايا وهبذا الرتتيب تعكس رؤية حمددة للعالم، والذين وجهوا نقدا للكتاب أوضحوا أن طريقة املؤلف بقضية بدأ حيث ،Premodernism حداثية قبل ما تعد توحيدية دينية رؤية تعكس هذه املؤلف كان ولو هلا، وتابعة منها نابعة األخرى القضايا جعلت التي Ontology الوجود حداثيا Modernist فإنه سيبدأ يف الغالب بنظرية املعرفة Epistemology، ولو كان من أتباع

مدرسة ما بعد احلداثة Postmodernism فإنه يبدأ عىل األغلب بقضية اللغة واملعنى.

مثالية أن يبني التارخيي االستعراض ألن منهجه، يف فريدا ليس املذكور املؤلف إن هيجل،)2( وتارخيانية دلثاي،)3( وإحلادية نيتشه، ولغوية ويتغنشتاين)4( وظاهراتية هورسل،)5( وأمثال تلك املذاهب أثرت كلها يف فرضيات أصحاهبا عن رؤية العالم بصورة عميقة. وهلذا فليس غريبا أن يعكس الباحث املتدين أثر رؤيته الدينية عىل طبيعة املفهوم الذي يتبناه حول

«رؤية العالم«.

(1) Sire, The Universe Next Door, op. cit., P. 17 – 18.

األملانية، الكالسيكية الفلسفة ممثل أبرز من أملاين، فيلسوف )1770–1831م( هيجل فريدريك فلهلم جورج )2(واملنطلق األسايس يف منظومته الفلسفية هو املطابقة املثالية بني الوجود والفكر، وإرجاع كافة العمليات إىل عملية ه عملية املعرفة التي يقوم هبا اإلنسان، باعتبارها وعيا ذاتيا هلل. وصاغت فلسفته بشكل منظم النظرة التفكري، وهو يؤل

»الديالكيتكية« إىل العالم؛ واعتب الديالكتيك علام فلسفيا. أشهر كتبه: «فينومينولوجيا الروح«، و«علم املنطق.«

انظر اهلامش اخلاص بالتعريف به يف الفصل األول، املبحث الثاين، ص 53. )3(

تتلمذ األصل، نمساوي بريطاين، فيلسوف )1889–1951م(. Ludwig Wittgenstein ويتغنشتاين لودفيغ )4(عىل برتراند راسل، يرى أن كل اخلالفات الفكرية والفلسفية سببها سوء فهم منطق اللغة، ومن ثم حاول أن يوضح

هذا املنطق. ويرى استحالة وجود اللغة اخلاصة، ألن اللغة يف جوهرها ظاهرة اجتامعية.

الفينومينولوجيا Edmund Husserl )1859-1938م(، فيلسوف أملاين معارص، هو مؤسس إدموند هورسل )5(يف العرشين القرن مذاهب كافة لدى الفلسفي التفكري طريقة يف أثروا الذين الفالسفة أهم من ويعتب احلديثة، اعتبارها منهجا للفهم والتحليل لتصبح الفلسفة نحو الفضل يف تحويل إليه كثري من أوروبا، وذلك ألنه يرجع

بذلك علام حمكام وليست أنساقا من األفكار التأملية التقليدية.

العلوم االجتامعية يف رؤى العالم املتقابلة الفصل الرابع

Page 237: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

236

التي لالجتهاد«)1( ودعوة معرفية رؤية التحيز: «إشكالية ندوة: أعامل كشفت وقد املتداولة هي العلوم واملعارف التحيز يف أن ظاهرة للفكر اإلسالمي، العاملي املعهد نرشها تعبري عن تبني رؤية حمددة، ومن ثم رفض الرؤى األخرى، وأن هذه الظاهرة حتمية؛ ألنها الظاهرة فهذه ذلك ومع اإلنسان. وإنسانية اإلنسانية، واللغة اإلنساين العقل ببنية ترتبط ليست هنائية بمعنى أهنا ليست قدرا ال راد له؛ فثمة إمكانيات واسعة لتجاوز التحيز، مرتبطة

بحقائق الفطرة اإلنسانية، وبمبدأ التعارف والتدافع، وباملشرتك القيمي اإلنساين.

األساسية املقوالت تحليل التحيز«)2( إشكالية دراسات «ندوة إحدى تناولت وقد خرائط إىل املقوالت هذه وحول التحيز، فقه بعنوان املسريي قدمه الذي املوسع للبحث العلوم املختلفة تقوم عىل رؤية كلية التي تدور حوهلا املعرفية النامذج أن راصدة أوضحت العلوم االجتامعية بعينه من فرعا الذي يخص املشتق التحيز التمييز بني أمهية كامنة. وبني واإلنسانية، وأصول التحيزات املشتقة الكامنة يف نسق من الرؤية العامة. وعليه فإن التحيز التي األساسية، احلضارية املفاهيم من جمموعة من يتكون ألنه أمهية؛ األكثر هو األصل تشمل عالم األفكار وعالم األشياء وعالم األشخاص، وتستبطن رؤية كلية للعالم، ونمطا

حمددا للحياة، يقوم عىل جمموعة من االفرتاضات املسبقة املتحيزة سلفا.

إن بعض املفاهيم مثل: الدين واحلضارة والثقافة والتجديد والرتاث واملنهج والقيم...يف السائدة واإلنسانية االجتامعية العلوم يف تعرض فإنها كبى، مفاهيم أنها رغم إلخ، صورة مفاهيم جزئية تستبطن النمط احلضاري الغريب هبدف تعميمه، وإعطائه موقع اهليمنة التلقائية عىل سائر املفاهيم املشتقة من العلوم االجتامعية واإلنسانية. ذلك أن الرؤية الكلية الرؤية، بتلك تصطبغ شاكلتها عىل مشتقة مفاهيم تنتج األساسية احلضارية املفاهيم هلذه

وتؤثر بصورة مبارشة عىل نتائج التحليل والتعميم وسائر العمليات املنهجية.

للفكر العاملي املعهد هريندن: لالجتهاد. ودعوة معرفية رؤية التحيز: إشكالية )حمرر(. الوهاب عبد املسريي، )1(اإلسالمي، الطبعة الثانية، 1996م.

يف عالم عبد الوهاب )2( عبد الفتاح، سيف الدين. مقدمات أساسية حول فقه التحيز من منظور معريف، يف كتاب: 2004م، الرشوق، دار القاهرة: الثاين، املجلد عطية، احلليم عبد أمحد تحرير حضاري. نقدي حوار املسريي:

ص89-61.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 238: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

237

ثالثا: رؤية العالم وعلم اإلنسان )األنثروبولوجيا(

من املفيد أن نتتبع الصورة أو الصور التي حترض فيها رؤية العالم يف العلوم االجتامعية وقد أرشنا كتابا مستقال. أو بحثا يكون أن التتبع هذا يصلح املختلفة، وعندها واإلنسانية والنفس، واإلنسان، االجتامع، علوم العلوم؛ هذه بعض يف احلضور هلذا موجزة إشارات واإلعالم، يف مكان آخر.)1( ونكتفي يف هذا املقام بيشء من التوضيح عن رؤية العالم يف علم اإلنسان أو األنثروبولوجيا. ونختار هذا العلم لسببني؛ أوهلام: للعالقة الوثيقة بني هذا العلم الوثيقة بني للعالقة وثانيهام: والدينية، الطبيعية واالجتامعية العلوم األخرى فروع ومعظم

هذا العلم وموضوع رؤية العالم تحديدا.

وعىل الرغم من أن مصطلح علم اإلنسان مصطلح حديث، إال أن موضوعه موضوع البلدان ومعاجم الرحالة، ومذكرات واجلغرافيا بالتاريخ قوية صلة العلم فلهذا قديم. وال املوضوع وكان القديمة. والثقافات احلضارات يف معروفة جماالت وهي واألمصار، يزال حارضا يف تيسري اجلهود االستعامرية عن طريق أعامل املسترشقني يف صورته القديمة، التدافع السيايس واإلعالمي تحت إىل الصور املعارصة من واالسترشاق احلديث، وصوال وغريها. العولمة، عرص يف والتعايش احلضارات، ورصاع األديان، حوار مثل: شعارات ونستطيع أن نؤكد أن مفهوم رؤية العالم كان حارضا يف الكتابات القديمة ذات الصلة بعلم يف معني جمتمع يف احلياة أنامط بتوثيق يتعلق األمر كان عندما األنثروبولوجيا، أو اإلنسان الزمان واملكان، ومقارنة ذلك بمجتمعات أخرى، بام يف ذلك العادات واملعتقدات واألفكار

التي حتكم العالقات الداخلية واخلارجية.

إن تعريف أي علم من العلوم ضمن حدود من موضوعات التخصص ال يعني عدم تداخله مع تخصصات أخرى، ومن الباحثني من يبني عىل تعدد هذه الصالت وعمقها فكرة أن «األنثربولوجيا ليس علام مستقال، بل هو تداخل بني علوم ومعارف، كعلم النفس، وعلم السياسة، وعلم االجتامع. وهذا والبيولوجيا، والفيزياء، وعلم االقتصاد، وعلم االجتامع،

خريف ،43-42 مزدوج، عدد املعرفة، إسالمية جملة االجتامعية، والعلوم العالم رؤية حسن. فتحي ملكاوي، )1(2005م، وشتاء 2006م، ص 98-53.

العلوم االجتامعية يف رؤى العالم املتقابلة الفصل الرابع

Page 239: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

238

لكثري تؤسس بدورها الفروع هذه وإن األنثروبولوجية)1(.. الفروع من الكثري عنه نتج ما من املدارس األنثربولوجية، كاملدرسة: البنيوية، واالنتشارية، والوظيفية والبنائية الوظيفية،

والتطورية، واالجتامعية الثقافية...)2(

وإنما العلم، هذا يف املتخصصني عىل اإلنسان علم يف البحثي االهتامم يقترص وال إىل فيه البحث نتائج املقابل يف ويقدم أخرى، علمية فروع من بالباحثني ميدانه يرحب املكان يف اإلنسانية للخبة املتبادل واالعتامد الرتابط عىل برتكيزه ويمتاز األخرى. العلوم الطبيعة تسمى التي املنال البعيدة الصفة هلذه كلية «برؤية فيه الباحثون ويمتاز والزمان، اإلنسانية.«)3( ومهام كانت املوضوعية العلمية التي قد يتمتع هبا الباحث، فليس من السهل وأسئلته، وميدانه البحث رؤية مسبقة ملوضوع اإلنسان من ر يف موضوعات علم يتحر أن أو رؤيته التي تتشكل يف أثناء البحث، أو النتائج التي يصل إليها يف هناية البحث. فاملوضوع بطبيعته يختص باإلنسان يف املكان والزمان، وهو موضوع يفرض عىل الباحث رؤية لعالم

اإلنسان، وعاملي الزمان واملكان.

وتشري الدراسات اخلاصة بنشأة علم اإلنسان )األنثروبولوجيا( إىل أن موضوعات هذا العلم كانت موضوعات اهتامم الباحثني من أقدم العصور؛ إذ تذكر موسوعة العالم اجلديد أن هريودوتس يعد األب املؤسس لعلم األنثروبولوجيا، وهو مؤرخ إغريقي عاش يف احلقبة للكتابة نامذج يعد ملا متعددة أمثلة املذكورة املوسوعة وتوثق ق.م(.)4( ق.م-425 484(العلم وتطوره نشأة هذا البحث يف إىل يحتاج فيه ال الذي نحن األنثروبولوجية. والسياق عب العصور، لذلك نكتفي هبذه اإلشارة، وبإشارة أخرى إىل حضور موضوع هذا العلم يف

التاريخ اإلسالمي، ويف التاريخ احلديث.

تيلوين، مصطفى. مدخل عام يف األنثروبولوجيا، بريوت: دار الفارايب، واجلزائر: منشورات االختالف، 2011م. )1(ص 124-123.

املرجع السابق ص 95-91. )2((3) Havilan, William; Prins, Harlad; Walrath, Dana; and McBride, Bunny. The Essence of

Anthropology, 4th. Ed. Boston, Mam Cengage Learning, 2016, p. 3.

موسوعة العالم اجلديد، يف آخر حتديث هلذه املادة يف 22 ديسمب 2017م. انظر الرابط: )4(- https://www.newworldencyclopedia.org/entry/Herodotus (Retrieved 7 July 2020).

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 240: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

239

ففي احلضارة العربية اإلسالمية نجد عددا من العلامء املسلمني يف ميدان علم اإلنسان، عرفه بام أو والشعوب، بالبلدان املبارشة باخلبة معرفته استطاع ما ن يدو العالم كان فقد من طرق أخرى غري اخلبة املبارشة. ويعد «معجم البلدان« لياقوت احلموي مثاال عىل هذا البشاري، للمقديس األقاليم« معرفة يف التقاسيم «أحسن ذلك ومن التصنيف، من النوع لإلدرييس. اآلفاق« اخرتاق يف المشتاق و«نزهة خرداذبة. البن والممالك« و«المسالك األندلس أخبار يف الـمغرب «البيان مثل: واحد، بلد يف املتخصصة الكتب ذلك ومن الدين عامد الفداء أليب حلب« تاريخ يف ب والرض و«اليواقيت عذاري، البن والمغرب« الرمحن عبد بن حممد الدين لشمس الرشيفة« املدينة تاريخ يف اللطيفة و«التحفة إسامعيل، بطوطة« ابن «رحلة مثل الة، الرح ملشاهدات توثيقا كانت األعامل وبعض السخاوي.

و«رحلة ابن جبري«.

كام األيام، هذه يف املعروف باملعنى أنثروبولوجيا عمال كانت األعامل بعض لكن «يف تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة يف العقل أو هو احلال يف كتاب أيب الرحيان البريوين العادات عن مشاهداته توثيق إىل واجلغرافية التارخيية الدراسة فيه تجاوز الذي مرذولة« ول واليونان. والفرس العرب شأن كان بام واملقارنة التحليل مع واملعتقدات، واللغات البالد أهل مع التعامل من مكنته طويلة فرتة أقام بل سبيل، عابر اهلند يف البريوين يكن العب «كتاب خلدون ابن كتاب ويعد ومراجعتها. وتدوينها التفاصيل ف وتعر بلغاهتم، السلطان ذوي من عارصهم ومن والببر، والعجم العرب أيام يف واخلب املبتدأ وديوان عرفت التي الكتاب مقدمة سيام وال املهمة، األنثروبولوجية األعامل من واحدا األكب« اجلغرافية البيئة بني الربط من تضمنته بام خلدون«، ابن «مقدمة بعنوان مستقلة، بصورة والظواهر االجتامعية، ووصف احلالة الثقافية بني البلدان بصورة مقارنة، والتمييز بني أنامط

العمران البدوي واحلرضي وتطورها مع الزمن.

األورويب التاريخ ويف اإلسالمية العربية احلضارة يف األنثروبولوجيا علم تطور وقد حتى العرص احلديث، وشملت اهتاممات هذا العلم كثريا من املجاالت الطبيعية واالجتامعية

العلوم االجتامعية يف رؤى العالم املتقابلة الفصل الرابع

Page 241: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

240

والثقافية والنفسية، مع معاجلات متنوعة ملوضوع رؤية العالم. ونكتفي باإلشارة إىل بعض املراجع ملن يحتاج إىل مزيد من االطالع.)1( ولكننا نشري إىل عدد من األمثلة التي حرض فيها

مفهوم رؤية العالم يف الدراسات األنثروبولوجيه بصورة مبارشة.

علم يف املتخصصني القالئل من واحدا كريين)2( مايكل يعد املعارص التاريخ ففي العلوم مفاهيم أحد بوصفها العالم رؤية بدراسة اهتموا الذين Anthropology اإلنسان حمافظ مفهوم هو املفهوم هذا أن يرى جعلته للعالم رؤيته«املاركسية« ولكن االجتامعية، البنى تفسري يتفادى من ة بحد ويجادل األمريكية. الليبالية البجوازية الثقافة يف متجذر البنى هذه تطور وأن واالقتصادية، املادية العوامل عىل التأكيد دون جمتمع أي يف الثقافية الثقافية هو نتيجة رصاع الطبقات، ويشبه هؤالء الذين يتجاهلون هذه العوامل بمن يكتب

دراسة عن التاريخ الطبيعي للمالريا دون ذكر البعوض!)3(

رؤية حول أساسية افرتاضات تمتلك التي اإلنسان علم نظريات «كريين« ويلخص تصنف أن يمكن املثالية الفلسفة أن ويبني املادية. والفلسفة املثالية الفلسفة فئتني يف العال تتشكل املادية الظروف أن تفرتض التي التقليدية الدينية الفلسفة هو األول نوعني: إىل اإلنسانية املثالية الفلسفة هو والثاين البرشية، األفكار لتصوغ مادية غري قوى تأثري تحت البرشي السلوك أن وتفرتض وامليتافيزيقا، الدين وجود تشرتط ال التي Humanistic

والتاريخ يمكن تفسريه باإلشارة إىل التفاعل بني األفكار، والرتكيز عىل البنى العقلية، وليس

)1( من هذه املراجع:

- الشامس، عيسى. مدخل إىل علم اإلنسان )األنثروبولوجيا(، دمشق: احتاد الكتاب العرب، 2004م. انظر كذلك:

الفكر دار وبريوت: الفكر، دار دمشق: العريب، الوطن يف األنثروبولوجيا حسن. ورشيق بكر، أبو باقادر، -املعارص، 1433ه/2012م.

- باقادر، أبو بكر. أنثروبولوجيا اإلسالم، بريوت: دار اهلادي، 2005م.

- املوسوعة البيطانية النسخة اإللكرتونية عىل الشابكة بحث anthropology، حتديث 26 ديسمب 2019م. انظر:- https://www.britannica.com/science/anthropology (Retrieved 7 July 2020).

(2) Kearney, Michael. Worldview, Navato, CA: Chandler and Sharp. 1984.

(3) Ibid., p. 6.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 242: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

241

الفلسفة أما واالجتامعية. البيئية للظروف نتيجة البنى هذه فيها تتطور التي الكيفية عىل «ترسانة« مستخدما الكتاب، سعة عىل أجلها من «يناضل« احلال بطبيعة كريين فإن املادية من املفردات املاركسية، فهو يرى أن رؤية العالم يمكن أن تكون أداة قوية يف دراسة تراجع يف ما بكل للتحليل أداة توظيفها يمكن ثم ومن اجتامعيا، يتشكل الذي اإلنساين الوعي الكلمة من معنى، كذلك فإن مفهوم رؤية العالم يرتبط بشدة بمفهوم األيديولوجيا، وبالتايل

فيمكن توظيفها يف خدمة مصالح الطبقة. )1(

الثقافية األنثروبولوجيا موسوعة يف العالم رؤية حول نفسه للمؤلف مقالة ويف للعالم، رؤية «فكالمها .Hegemony واهليمنة األيديولوجيا من بكل العالم رؤية يربط العالم بطريقة فاأليديولوجيا املستندة إىل الطبقة هي نتجة عمل املفكرين املشغولني بتفسري العام البدهي الفهم معينة تخدم أغراضا طبقية... واألفكار املهيمنة تميل إىل أن تتجذر يف الناجحة يف األيديولوجية العالم. واجلهود والقيم، ورؤية العرقية والنزعة الفولكلور مثل

النتيجة تصبح مهيمنة.« )2(

الرمزية األنثروبوجيا ميدان يف تميزوا الذين املعارصين األنثروبولوجيا علامء ومن «روح يسميه عام العالم رؤية بتمييزه عرف وقد .Clifford Geertz جريتز كليفورد العالم، واجلوانب التي متثل رؤية Ethos« فاجلوانب العقلية والوجودية للثقافة هي الثقافة الناس ورؤية الثقافة«. «روح هي القيمية والعنارص معينة لثقافة واجلاملية األخالقية الواقع، ومفهومهم للطبيعة، التي تكون هبا األشياء يف للحياة تتجىل يف تصوراهتم للطريقة وللذات وللمجتمع. إنها تحتوي عىل األفكار األكثر شمولية للنظام االجتامعي والطبيعي. بطريقة مكونة الثقافة فروح بعضا، بعضها وتؤكد تواجه وطقوسها الدينية املعتقدات إن

(1) Ibid., p.11.

(2) Levinson, David, and Ember Melvin. (Eds) Encyclopedia of Cultural Anthropology, New York: Henry Holt and Co. 1996. See the Article on Worldview by Michael Kearney.

وردت هذه اإلشارة يف عدد من املراجع، منها: - Naugle, Worldview: The History of A Concept, p. 240.

العلوم االجتامعية يف رؤى العالم املتقابلة الفصل الرابع

Page 243: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

242

تصفها التي لألشياء فعلية حالة يتضمن حياة نمط تمثل كوهنا طريق عن فكريا معقولة رؤية العالم، ورؤية العالم تبنى بطريقة مقبولة انفعاليا بوصفها صورة لألشياء احلقيقة حيث

يكون نمط احلياة تعبريا صحيحا عنها.)1(

وهذا العرض للعالقة ذات املعنى بني القيم التي يعتنقها الناس، والنظام العام للوجود كام هو موجود، كام يفهمها «جريتز« هو عنرص أسايس يف مجيع األديان. وإن امليل للجمع بني رؤى العالم وروح الثقافة يف مستوى معني ليس رضورة منطقية، لكنه مطلب يفرضه الواقع را فلسفيا، فهو عىل األقل مفيد بصورة عامة.)2( ويوجد العمل «اإلمبيقي«؛ وإذا ل يكن مببني روح الثقافة ورؤية العالم؛ أي بني أسلوب احلياة املعتمد والبنية املفرتضة للواقع، تصور

لتوافق أسايس يعني أن يكمل كل منهام اآلخر ويضفي عليه معنى.)3(

يف السائدة املذاهب معظم مقوالت تفحص عند جلية بصورة العالم رؤية وتظهر اإلنسان أو الطبيعي، اإلنسان عن تتحدث املذاهب فهذه األنثروبولوجية، الدراسات االقتصادي، أو اإلنسان السلوكي. فاإلنسان الطبيعي الذي تتحدث عنه «اجلمعية األمريكية والوظائف املادية احلقائق من جمموعة هو الطبيعية«)4( األنثروبولوجيا يف للمتخصصني عن له املميزة وخصائصه الطبيعي، واالنتخاب التطور نتيجة تطورت التي البيولوجية ولوحة اجلسم، «مادة« من جزء اإلنسان وعقل اإلنتاج، أدوات تطور نتيجة هي احليوان تفسري احلال بطبيعة يمكنها ال املادية الرؤية هذه حوله. من الطبيعية املؤثرات أثر تعكس اجلهد املتصل لإلنسان طيلة تارخيه يف البحث عن معنى للكون، أو حمور حلركته. واإلنسان الدوافع خالل من الواقع يف سلوكه يفهم الذي سميث«)5( «آدم إنسان هو االقتصادي

(1) Geertz, Clifford. The Interpretation Of Cultures: Selected Essays, New York: Basic books, 2017.

(2) Ibid., p. 136-137.

(3) Ibid., p. 139.

(4) American Association of Physical Anthropologists.

آدم سميث Adam Smith )1723-1790م( فيلسوف وعالم اقتصاد اسكتلندي، صاحب كتاب «ثروة األمم« )5(الذي يعد مرجعا أساسا يف علم االقتصاد احلديث. ويركز فيه عىل آليات فعل السوق وما يسميه اليد اخلفية.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 244: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

243

االقتصادية البحتة، والسعي نحو الربح واملنفعة. أما اإلنسان السلوكي- إنسان «سكينر«،)1( فهو اإلنسان الذي تفهم كل أشكال سلوكه عىل أهنا استجابات ملؤثرات حمددة.

ويمكن الكشف عن حضور علم األنثروبولوجيا بني العلوم االجتامعية األخرى، من التقرير الثاين الذي أصدره املرصد العريب للعلوم االجتامعية بعنوان: «العلوم االجتامعية يف العالم العريب: مقاربة اإلنتاجات الصادرة باللغة العربية )2000-2016م( من كتب ودوريات.« وتضمنت موضوعات املراجعة حالة علم االجتامع وعلم النفس االجتامعي، اإلنسان علم يف الفكري اإلنتاج أن الرصد هذا نتائج تحليل وأظهر واألنثروبولوجيا. إىل بالقياس متواضعة بمكانة ظهر ومغربه مرشقه يف العريب العالم يف )أنثروبولوجيا( علم االجتامع، ويبدو أن أحد األسباب يف رأي املؤلف: وجود «قطيعة بسبب التحفظ عن األنثروبولوجيا من قبل النخب القومية، صاحبة القرار يف الدولة واملؤسسات األكاديمية، وبعد ذلك بفعل النقد الشديد الذي تعرضت له مع موجة تقويض االسترشاق، واللحظة النقدية يف أمريكا وأوروبا، ما أبعد الباحثني عن الغوص يف امليدان... باإلضافة إىل هذه مع التعاطي غياب وهي باالهتامم، جديرة أخرى ملحوظة هناك العامة، امللحوظة مواضيع جديدة، أي نظرية ومناهج جديدة، حيث غلبت عىل معظم الدراسات املندرجة الدراسات إطار يف غالبيتها معاجلة متت تقليدية مواضيع املختارة، الكتب عينة يف

الكولونيالية.«)2(

الطريقة إىل إشارة يكون ربام الكولونيالية، الدراسات ملصطلح املؤلف واستخدام الغريب خطابا يعزز رؤيته االستعامرية الثقايف للمرشوع االستعامري التي كان فيها اخلطاب اهلامش مناطق وتخلف ثقافتها، ق وتفو الغربية املركزية عىل تقوم رؤية وهي للعالم، موضوعات يف التابع بموقع تكتفي كانت الكولونيالية الدراسات فإن ثم ومن وشعوبه.

ر املدرسة السلوكية يف علم بورهوس فريدريك سكينرB.F. Skinner، 1904-1990م. عالم نفس أمريكي، طو )1(النفس، واستحدث هلا طرقا وأدوات متعددة لدراسة السلوك الظاهري القائم عىل اإلثارة واالستجابة.

محودي، العلوم االجتامعية يف العالم العريب، مرجع سابق. ص 73. )2(

العلوم االجتامعية يف رؤى العالم املتقابلة الفصل الرابع

Page 245: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

244

الدراسات ومناهجها، سواء كانت التبعية، باملعنى السيايس أو الفكري أو الثقايف. ومن ثم فاملسألة تتصل برؤية العالم الكامنة يف هذه الدراسات.

العريب، العالم الثقافية يف احلالة الذي يسود العام النقد ضمن االتجاه يأيت هذا وربام وهي تحيل كثريا من أسباب العجز والقصور إىل عوامل خارج الساحة احلقيقية، باإلشارة واإلحباط والرتهل الكسل حالة وتتجاهل الحقا. السيايس والنظام سابقا، االستعامر إىل التي تسود احلالة األكاديمية والثقافية، وتكتفي بأحد بديلني؛ إما االنشغال يف خدمة النظام بسياسة واالكتفاء والروتني الرتابة االنزواء يف أو واملكانة، احلظوة لقاء يشء من السيايس عىل األمور وتبقي الذات، عن الرضا عىل تشجع التي mediocre األداء من األدنى احلد النمو من أعىل مستويات إىل احلال لتغيري متميزة إنجازات إىل السعي من بدال حاهلا،

والتطوير والتحسني.

ومن أوجه النقد التي وجهها التقرير املذكور حلالة البحث يف علم اإلنسان أن «البحوث تفتقر إىل الرصامة املنهجية والتنظري املتطور، كام أن غالبيتها تستنتج، أو تطبق نظريات مستقاة البحث عن خطاب نادرة يف طريق من أساتذة فرنسيني، أو أورو-أمريكيني، مع حماوالت منهجية، دون من عدة حماوالت الفتا ظهور ويبدو العربية. وباللغة مستقل أنثروبولوجي وغياب الدراسة املنهجية للخزانة األنثروبولوجية، فضال عن مداخيل تظهر مستنسخة من

املوسوعات األوروبية من دون إضافة.«)1(

املرجع السابق، ص 74. )1(

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 246: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

245

المبحث الثالث

العلوم االجتامعية يف رؤية العالم اإلسالميةيأيت هذا المبحث بعد أن تبني لنا ما الذي نعنيه بكل من العلوم االجتامعية ورؤية العالم

بصورة عامة، مع بعض التلميحات إىل عالقتها برؤية العالم اإلسالمية. ونأمل أن يركز هذا

املبحث عىل حالة هذه العالقة كام هي يف واقع احلال يف رؤيتنا اإلسالمية من الناحية العلمية

والعملية، وكام نريد هلا أن تكون.

املجتمعات يف االجتامعية بالعلوم تختص التي والدراسات البحوث تصنيف يمكن

العربية يف موضوعاهتا ومناهجها، يف فئتني: فئة تنساق مع التيار األكاديمي الوضعي السائد

اهتامماته عىل فتسقط احلداثة، بعد وما احلداثة إىل تنتسب التي بنظرياته الغربية، الثقافة يف

اخلروج تحاول وقلام بحثية، ومناهج مرجعية أطر من آلياته وتستخدم العريب، الواقع

ترتدد ال فإنها التيار هذا خارج أخرى بحثية جلهود تعرضت وإذا التيار. ذلك إسار من

باملاضوية، وامليتافيزيقية، والرتاثية، والظالمية، وغري ذلك من توصيفات ال تتصل نعته يف

أو نقدية، ينطلق من رؤية بديل تقديم فتحاول الفئة األخرى، أما النزاهة. أو باملوضوعية

إىل سعيا اإلسالمية، الرؤية إعامل هو الرئيس دافعها السائدة، البحث التجاهات نقضية،

بالتأصيل أو األسلمة. وتعتمد من أجل ذلك أحكاما معيارية إسالمية. وتكثر يف ما سمي

كتابات هذه الفئة الثانية مصطلحات الذات واآلخر، واهلوية واالنتامء، والتخلف والنهوض،

واملادية واألخالقية، واإلسالمي والغريب، وغريها من الثنائيات. وهاجس الباحثني من هذه

إنتاج يف ويعملوهنا اإلسالمية. العالم رؤية يمتلكون اجتامعيني باحثني وجود هو الفئة

معرفة اجتامعية تنتمي إىل املجتمعات اإلسالمية.

وباحثني متطرفة، بصورة الفئتني إحدى صفة يأخذون باحثني سنجد احلال وبطبيعة

املثال دراسات بينهام، ومن ذلك عىل سبيل املمتد مواقع خمتلفة عىل اخلط يأخذون آخرين

تنتقد الفئة األوىل وتقدم بديال عربيا دون احلديث عن املرجعية اإلسالمية، وبعضها يستخدم

العلوم االجتامعية يف رؤى العالم املتقابلة الفصل الرابع

Page 247: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

246

النقد الذي يجدونه يف األدبيات الغربية للعلوم االجتامعية الغربية، مسوغا للبحث عن بديل عريب أو إسالمي، وقد ال يكون البديل عربيا أو إسالميا يف حقيقة األمر.

العالم، ال يشكل مراكز احلضارة يف وانتقال البرشية التطور يف اخلبة أن نراه والذي البرشي فالتاريخ سببا يف إجراء قطيعة كاملة من جيل إىل آخر، أو من حضارة إىل أخرى، ما واملكان، الزمان عب والثقايف، العلمي واالقرتاض والتبادل التفاعل أشكال من شهد اإلنساين، الرتاث من للمتاح النقدي التحليل النظر مواصلة بني اجلمع إىل احلاجة يؤكد ما حالة كانت وإذا املتجدد. واإلبداع اإلضافة جماالت يف للحضور املتواصل والسعي االستبداد حالة فإن االستعامرية، احلالة سلبيات تجاوز إىل حاجة عن تعب االستعامر بعد من املناهضة إىل حاجة تقل ال االستعامر بعد ما جمتمعات من كثريا سادت التي والفساد

مناهضة خملفات املراحل السابقة.

للعالم رؤية إبراز دون االجتامعية للعلوم تعريف أي عن احلديث السهل من ليس بوصفها عنرصا مهام من عنارص هذا التعريف؛ ففي حماولة ساري حنفي تحديد «ماهية العلوم االجتامعية« يقول إنها: «نتاج مخسة عنارص: أوال: فلسفة اجتامعية ومفاهيم أنتولوجية؛ ثانيا: معلومات رابعا: موضوعية(؛ اجتامعية بنى )حول بنيوية معلومات ثالثا: منهجية؛ أدوات اجتامعي وتدخل حلول تقديم وأخريا: Perception؛ واجلامعة للفرد وانطباعية إدراكية ونفيس.«)1( وهذا التحديد يذكرنا بام سبق أن قلناه عن املستويات الثالثة لرؤية العالم، وهي: تصور ذهني للعالم يف أبعاده الطبيعية واالجتامعية والنفسية؛ وموقف من العالم يحدد العالقة ة حمتوى يخدم هذه به؛ وخطة لتغيري العالم جلعله بيئة أفضل حلياة اإلنسان. وبطبيعة احلال ثماملستويات من موضوعات العلوم االجتامعية كام يحددها حنفي )العنرص ثالثا(، الذي سيكون مثال الطبيعية العلوم يف العالم فرؤية األخرى. العلوم فئات من فئة أية ملوضوعات موازيا تتكون من املستويات الثالثة املشار إليها، التي تعمل يف موضوعات العلوم الطبيعية من تكوين املادة احلية أو اجلامدة والتغريات التي تطرأ عليها، ورؤية العالم يف العلوم االجتامعية تتكون

العدد العريب، املستقبل جملة اإلشكاليات. بعض يف دراسة االجتامعية: العلوم وتأصيل أسلمة ساري. حنفي، )1()451(، أيلول/ سبتمب 2016م، ص 64-45.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 248: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

247

السلوك وأشكال واملجتمع اإلنسان بموضوعات تتصل التي الثالثة املستويات من كذلك والتغريات والعالقات واملؤسسات التي تضبط سلوك األفراد واجلامعات.

هذه أصبحت فقد يوم، بعد يوما تزداد اإلسالمية العالم رؤية بلورة إىل احلاجة إن

أنها الفئات بعض عي تد حيث املسلمني؛ فئات بني اجلدل من كثري موضوع اليوم الرؤية

تملك الرشعية أكثر من غريها يف تمثيل اإلسالم والتعبري عنه. كذلك يتساءل غري املسلمني

تعكسها التي الفكرية الفوىض تتنازعها التي للعالم اإلسالمية الرؤية عن أحيانا حرية يف

سياسات الدول وأجهزة اإلعالم يف العالم اإلسالمي، وعن عالقة اإلسالم ورؤيته للعالم

بمظاهر التخلف التي ال تزال تلون صور هذا العالم.

يف وتظهر اإلسالمية العالم ورؤية االجتامعية العلوم بني تربط التي املسائل ومن

أو والفلسفة االجتامعية، العلوم يف املستخدمة البحث مناهج مسألة الدراسات من كثري

نقد دراسة مستفيضة يف أمزيان أجرى حممد فقد املناهج. عليها هذه تقوم التي الفلسفات

رت يف القرن التاسع عرش األسس املنهجية للبحث يف العلوم اإلنسانية واالجتامعية التي تطو

العربية املجتمعات بام يف ذلك العالم أنحاء لت منعطفا فكريا ساد معظم الغرب، وشك يف

م أمزيان يف دراسته بعض الضوابط املنهجية املعيارية التي يمكن أن تكون واإلسالمية، وقد

بديال يتصف بالعلمية واملوضوعية، ويكون أكثر مقاربة للمشكالت االجتامعية واإلنسانية

التي تواجهها جمتمعاتنا العربية واإلسالمية وغريها من جمتمعات العالم.)1(

إىل النقد من العريب العال يف االجتامع «علم كتابه يف مهورباشه انشغل فقد وباملثل

الغربية، االجتامعية العلوم شكلت التي العال رؤى يف بالنظر دراسته فبدأ التأسيس«،

العلوم فلسفة بتأثري الغريب االجتامع لعلم «اإلبستمولوجي املعريف التأسيس يف نظر ثم

االجتامعي البحث مناهج تطبيق يثريها التي املشكالت من عدد يف وبحث االجتامعية،

للفكر العاملي املعهد فريجينا: هريندن، واملعيارية، الوضعية بني االجتامعي البحث منهج حممد. حممد أمزيان، )1(اإلسالمي، ط4، 2008م.

العلوم االجتامعية يف رؤى العالم املتقابلة الفصل الرابع

Page 249: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

248

عىل الغربية االجتامعية النظرية وإسقاط العريب،)1( العالم يف االجتامعية املعرفة لتوليد

م بعض املقرتحات وقد )2( الواقع االجتامعي العريب لبناء معرفة اجتامعية عن هذا الواقع، لتأصيل إسالمي لعلم اجتامع اقتبس يف عنوانه مصطلح «العمران« من ابن خلدون، وسامه

علم العمران اإلسالمي.)3(

واالهتامم بموضوع رؤية العالم ليس مسألة خاصة باملسلمني، فمن طبيعة الدين أن يرى أتباعه فيه من املسلامت واألفكار ما ال يتوقع أن تكون موضع مناقشة. وذلك يقتيض أن يرى ، وال حق غريها. ويمكن ، كل احلق هؤالء األتباع أن األفكار التي يقول هبا دينهم هي احلقأساسية فروق واملسيحي واإلسالمي، مع اليهودي التعليم أن نالحظ ذلك يف معظم كتب بني الكتابات عن دين وآخر، قد تتصل بالتمييز بني النص األصل والرشوح البرشية للنص، أو بمحتوى الرتاث الفكري للنصوص الدينية، أو بطبيعة التجربة التارخيية للمامرسة الدينية.

التي العالم اإلسالمية هي نفسها األسئلة التي تعرضها رؤية أن األسئلة لنا وقد تبني نظام عىل تشتمل اإلسالم يقدمها التي اإلجابات لكن عامة. بصورة الدين عنها يجيب معريف يتسع للمجاالت املعرفية املختلفة، العلمية واالجتامعية واإلنسانية، بام يف ذلك قضايا احلياة الدنيا واحلياة اآلخرة، وقضايا الغيب النسبي والغيب املطلق. وهي يف جمملها إجابات تحفز فاعلية اإلنسان ودافعيته عىل اإلنجاز يف عمران األرض من جهة، واستهداف األجر

والثواب يف اآلخرة من جهة أخرى.

رؤيتهم بلورة أمهية حول خمتلفة أديان من والرتبويون والعلامء املفكرون ويتحدث باحثان به قام ما ذلك ومن وتعليمها. االجتامعية العلوم بناء يف وتفعيلها للعالم الدينية وهي األمريكية، تينييس بوالية جاكسون، يف Union University الوحدة جامعة من

مهورباشة، عبد احلليم. علم االجتامع يف العالم العريب من النقد إىل التأسيس: نحو علم العمران اإلسالمي ، عامن، )1(األردن: املعهد العاملي للفكر اإلسالمي، 2018م، الفصل األول، ص 84-32.

املرجع السابق، ص 170-105. )2(

املرجع السابق، ص 314-244. )3(

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 250: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

249

املسيحية« العالم رؤية «تشكيل عن كتاب إعداد عىل أرشفا فقد مسيحية، دينية جامعة تضمن جمموعة من البحوث التي تعرض القضايا األساسية املتعلقة بمستقبل التعليم العايل املسيحي، من خالل رؤية كلية تجمع بني االلتزام باإليامن الديني، وعمل العقل، والتقاليد األكاديمية، وقد أعد هذه البحوث عدد من الشخصيات العلمية الرئيسية يف ميدان التعليم تشياريل عن خبته حول موقع أنتونيو يتحدث الكتاب اجلامعي.)1( ويف أحد فصول هذا للدين املعادي العلامين املناخ أن مؤكدا االجتامعية، العلوم موضوعات يف الديني التفكري البحث. ويعب السائد، وبخاصة يف أقسام علم االجتامع يف كثري من اجلامعات ومراكز هو عن اإلحباط الذي يشعر به نتيجة غياب رؤية العالم الدينية املسيحية عن الثقافة األكاديمية اجلامعي التعليم مؤسسات تتوىل أن إىل الباحث ويدعو االجتامعية.)2( العلوم يف العامة ة التكامل بني التفكري الديني والعلوم االجتامعية، مؤكدا أن هذه العلوم توفر املسيحي مهمأساسا رائعا يف املجال النظري والعمل «اإلمبيقي« للدمج بني منهجية مؤسسة عىل الكتاب العالم قراءة مقولة: ضمن فيه، نعيش الذي االجتامعي العالم دراسة منهجية مع املقدس

)3(».Word من خالل قراءة الكلمة World

املباحث من بكل وثيقا اتصاال تتصل العالم رؤية أن نجد اإلسالمية الدائرة ويف العالم رؤية د تحد األساس هذا وعىل والقيم، واملعرفة الوجود وهي التقليدية الفلسفية

ة والعلوم االجتامعية عىل وجه اخلصوص. اإلسالمية طبيعة املعرفة البرشية بصفة عام

(1) Dockery, David; and Thornbury, Gregory Alan. (Eds.) Shaping A Christian Worldview: The foundation of Christian Higher Education. Nashville, Tennessee: Broadman and Hol-man Publishers, 2002.

(2) Chiareli, "Christian Worldview and the Social Science", p. 240-263.

Read the world by» يشري الباحث يف هذا املقام أن هذه املقولة تعود إىل املفكر الرتبوي البازيل باولو فرييري )3(reading the Word« وكان يريد هبا تعليم أوالد الفقراء كيفية القراءة من أجل أن يتمكنوا من معرفة العالم وتغيريه.

لكن السياق الذي أخذت هذه املقولة تستخدم فيه عىل نطاق واسع هو «قراءة كلمة اهلل لفهم العالم« أو «فهم العالم من خالل املنظور الديني.« انظر املرجع السابق، ص 421. والنص قريب من املقولة التي شاعت يف الكتابات اإلسالمية

املتأخرة: اجلمع بني القراءتني: قراءة القرآن وقراءة الكون، او قراءة الكتاب املسطور وقراءة الكتاب املنظور.

العلوم االجتامعية يف رؤى العالم املتقابلة الفصل الرابع

Page 251: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

250

الرؤية أن Alparslan Acikgenc)1( أتشيكغينش أرسالن ألب يرى املجال هذا ويف يف اإلنساين العقل إن أي السابقة؛ املعرفة من قدرا يمتلك اإلنسان أن تفرتض اإلسالمية قد العالم وأن العالم، عن املعرفة اكتساب عىل بالقدرة مزودا خلق قد اإلسالمي املنظور ن العقل اإلنساين من فهمه، وهكذا فإن أدوات احلس واإلدراك تزود العقل خلق بطريقة متككلية معرفة وهي استداللية، معرفة يعد أن يمكن عام تعب العالم عن بتمثيالت اإلنساين «أبنية احلياة طبيعية موجودة يف العقل اإلنساين عند مجيع البرش، وتمثل ما يمكن أن نسميه الطبيعية.« وهذا العنرص مشرتك مع مجيع رؤى العالم، لكن العقل املسلم يكون أبنية عقلية األبنية تحتوي عىل واملعاد، وكل واحدة من هذه والنبوة، اخلالق، باإلله تتعلق العالم عن الفرد أبنية معرفية يحصلها مفاهيم تفصيلية ومصطلحات عديدة. وبعض هذه األبنية هي بالعلم والتعليم، وتشكل يف جمملها نظاما معرفيا، كام يتشكل نتيجة ملجمل الفهم والسلوك املعريف« بطريقة يصعب مالحظة «النظام يتكامل مع الذي «نظام قيمي« الديني اإلسالمي

احلدود بينهام.)2(

ومن اجلدير بالذكر أن األبنية العقلية املشار إليها تتضمن مفاهيم كبرية تتعلق بموقع األمة، مفاهيم املجال هذا يف وترد البرش، بني املسلمة األمة وموقع الكون يف اإلنسان االجتامعية العلوم تمثلها التي املعرفة فإن وبذلك وغريها. والعمران، والتمكني واخلالفة اكتساهبا وطرق مصادرها يف اإلسالمية املرجعية من تستمد سوف اإلسالمي املنظور يف

وتحتكم إليها يف صياغتها وتوظيفها. وهذا ما يجعل وظيفة رؤية العالم وظيفة معرفية.)3(

(1) Acikgenc, Alparslan. Islamic Science: Towards a Definition, Kuala Lumpur: International Institute of Islamic Thought and Civilization (IIITC), 1996, p. 25-27.

(2) Ebid., same pages.

- 1724( كانط إيامنويل عىل البرشية، العقلية بالبنية وارتباطه العال لرؤية الفهم هذا يف أرسالن ألب يعتمد )3(1804م(، ويشري إىل ترمجة كتايب «إيمانويل كانط« باإلنجليزية: «نقد العقل املحض« و«نقد احلكم«، لكنه يلتقي «اإلسالمية« يف رؤية العال اإلسالمية. أيضا بصورة مبارشة مع حممد نقيب العطاس، وبخاصة يف تفسريه ملفهوم

انظر يف هذا الشأن كتاب العطاس:- Al-Attas, Syed Muhammad Naquib. Prolegomena to the Metaphysics of Islam: An Exposition

of the Fundamental Elements of the Worldview of Islam, Kuala Lumpur: ISTAC, 1995.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 252: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

251

اإلسالمية العلوم يف العالم رؤية عن مطوال أتشيكغينش أرسالن ألب ويتحدث املسلم، للعقل والفكري العلمي العطاء أمثلة كل فيها: يعني التي Islamic sciences

الفلك مثل الكونية العلوم أو قرآن وحديث وعقيدة، من الرشيعة بعلوم ما خيتص سواء والسيايس االجتامعي التعامل بعلوم خيتص الذي املعامالت فقه أو والكيمياء، والطب واالقتصادي وغريها، مما نسميه اليوم بالعلوم االجتامعية. ويبز املؤلف السياق االجتامعي ن هذه العلوم سواء يف العقلية العلمية التي تكون سائدة لدى العلامء يف املجتمع، الذي يلوالسهل تصور أي معرفة علمية العلوم. وليس من التي تكتب هبا املجتمع أو يف لغة ذلك اجلامعي الوجود سمة وهي لإلنسان، البرشية الصفة عن مستقلة البرشي العقل ينتجها يتم اإلنسان به يقوم الذي العلمي النشاط وكل جمتمع. )1( يف احلياة أو Togetherness

اجتامعي. سياق يف Conceptual Enviornment تصورية بيئة الباحث يسميه ما ضمن التي تحكم ممارسة العالم البيئة التصورية أو املفاهيمية«، هي يف نظر املؤلف رؤية وهذه

العالم للنشاط العلمي الذي يقوم به.)2(

العلوم يف احلضارة اإلسالمية، نشأة تطور التفصيل عن بقدر من املؤلف يتحدث ثم التي تبدأ -يف رأيه- من بناء رؤية العالم اإلسالمية، وهي تقوم عىل التوحيد والنبوة واملعاد، متنوعة، معرفية جماالت يف ع تتوز الرؤية هذه أساس عىل تنشأ التي العلمية املعرفة ولكن

ع املجاالت املعرفة وتحتكم إىل منظومة من القيم.)3( لكن رؤية العالم هذه تحكم تنو

ويعد إسامعيل الفاروقي علام بارزا من أعالم تطوير رؤية العالم اإلسالمية يف العرص البرش وعلوم جهة، من التوحيد وأساسها الوحي علوم بني تجمع رؤية وهي احلديث، وموقع العلوم االجتامعية واإلنسانية فيها من جهة أخرى. وتطورت رؤيته من خالل رحلته العلمية اخلاصة التي مجعت الفلسفة والعلوم االجتامعية يف أمريكا الشاملية مع علوم الرشيعة

(1) Acikgenc Alparslan, Islamic Scienctific Tradition in History, Kuala Lumpur: Penerbit IKIM, 2012, Pp. 18-20.

(2) Ibid., p. 12.

(3) Ibid., Pp. 109- 188.

العلوم االجتامعية يف رؤى العالم املتقابلة الفصل الرابع

Page 253: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

252

التقليدية يف الدراسات األزهرية، ثم عن طريق تفاعله املبارش مع مهوم األمة اإلسالمية التي التفاعل هذا كان وقد األمريكية. املتحدة الواليات يف املسلمني الطلبة لدى يجدها كان الفاروقي وكان الشاملية، أمريكا يف املسلمني االجتامعيات علامء مجعية تأسيس عىل حافزا االجتامعية العلوم بأمهية الوعي تنمية يف مقدر إسهام اجلمعية هلذه وكان هلا. رئيس ل أو

ورضورة السعي لصياغة هذه العلوم صياغة إسالمية.للتعليم األول العاملي املؤمتر يف األمهية هذه عىل التأكيد يف سعيه الفاروقي وواصل اإلسالمي يف مكة املكرمة عام 1977م، ثم يف تأسيس املعهد العاملي للفكر اإلسالمي عام يف اإلسالمي الفكر مؤتمر يف املعرفة إسالمية ملرشوع التأسيسية الورقة وتطوير 1981م،

إسالم آباد عام 1982م.فالعلوم اإلنسانية، العلوم عن االجتامعية العلوم لتمييز سببا الفاروقي يجد وال «بخالفة رأيه تعنى يف أن اإلهلي، جيب اهلدي البرش يف بسائر باإلنسان وعالقاته تعنى التي اإلنسان«؛ ونظرا ألن خالفة اإلنسان تعد اجتامعية بالرضورة، فإن العلوم التي نقوم بدراستها يجب أن تسمى العلوم اخلاصة باألمة، فالدراسة اإلسالمية ترفض االعرتاف بتشعب العلوم إىل وتقسيمها الدراسة فروع تصنيف إعادة تطلب إنها بل االجتامعية، والعلوم اإلنسانية العلوم الطبيعية التي تتناول الطبيعة، والعلوم اخلاصة باألمة التي تتناول اإلنسان واملجتمع.« ويفضل الفاروقي تسميتها بالعلوم االجتامعية. «ويجب أن نتذكر أن دراسة املجتمع ال يمكن أن تخلو من األحكام والتقييامت، التي يتم استدعاؤها يف دراسات علم الكالم، والفلسفة، االجتامعية، النظم تدرس اإلنسانية بالعلوم يسمى ما إن ثم والفنون. واألدب، والقانون،

ومن ثم تخضع للمبادئ نفسها التي يلزم اعتامدها لتقييم صحة استنتاجهاهتا.)1(

ويوسع الفاروقي دائرة العلوم االجتامعية لتقع ضمن اتساع دائرة اهلدي اإلهلي ورؤيتها الشاملة للعالم، وعندها ينظر عالم االجتامع املسلم إىل اإلنسان بوصفه خليفة يف األرض،

.5 رقم املعرفة، إسالمية رسائل سلسلة إسالمية، صياغة االجتامعية العلوم صياغة راجي. إسامعيل الفاروقي، )1(هريندن، فريجينيا: املعهد العاملي للفكر اإلسالمي، والرياض: الدار العالمية للكتاب اإلسالمي، إعادة طبع 1995م. وأصل هذه الرسالة بحث قدمه الفاروقي إىل املؤمتر العالمي األول للتعليم اإلسالمي يف مكة املكرمة يف أبريل/نيسان

عام 1977م، ص26-27، ثم نرش يف جملة املسلم املعارص، العدد )20( الصادر يف ديسمب 1979م.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 254: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

253

وواجبه تحقيق القيمة عىل مدى التاريخ، ومن ثم «فإن العلوم االجتامعية اإلسالمية تستطيع أن تضفي الصفة اإلنسانية عىل ذلك الفرع من الدراسة، وتعيد املثل األعىل لإلنسان« الذي اهلل، بأمر فيها ن ممك وهو اهلل، بأمر له مسخرة واألرض اهلل، بأمر األرض يف خليفة هو يف ألعوبة اإلنسان تجعل التي الغربية االجتامعية العلوم يف العالم رؤية تعرضه ما وليس

أيدي قوى السوق، أو أدوات اإلنتاج، أو قوى غامضة.)1(

جهودا والعرشين عرش التاسع القرنني مدى عىل اإلسالمية املجتمعات شهدت لقد متنوعة يف دراسة واقع األمة وحماوالت تشخيص هذا الواقع والتحديات التي تواجه األمة املجاالت سائر يف األمة أصاب الذي التخلف أن الواضح من وكان مواجهتها. وكيفية العلوم االجتامعية التنويه بخطورة التخلف يف جمال التحديات، مع العلمية يمثل أبرز هذه السياق جاءت الرشيعة اإلسالمية. ويف هذا العلوم وعلوم الصلة بني هذه إقامة ورضورة مرشوع يف أولوياته من واحدا املعهد جعل وقد اإلسالمي. للفكر العاملي املعهد نشأة جملة ذلك أجل من 1985م عام منذ وأنشأ االجتامعية، بالعلوم االهتامم املعرفة إسالمية تصدر اإلسالمية)2( االجتامعية للعلوم األمريكية املجلة بعنوان: متخصصة فصلية دورية املعرفة: «إسالمية بعنوان 1995م عام منذ أخرى فصلية دورية وجملة اإلنجليزية، باللغة

جملة الفكر اإلسالمي املعارص«، تصدر باللغة العربية.

التأصيل نحو أطروحاهتم لتوجيه العليا الدراسات طلبة من كثريا املعهد ودعم بعد األطروحات هذه من كثريا ونرش املختلفة، فروعها يف االجتامعية للعلوم اإلسالمي إنجازها. وتوزعت الكتب املنشورة عن طريق املعهد عىل عدد من فروع العلوم االجتامعية، ال سيام علم االجتامع، وعلم اإلنسان، واخلدمة االجتامعية، والرتبية، واإلعالم، والفلسفة. أما العلوم السياسية والعالقات الدولية فقد لقيت دعام متواصال من املعهد، أسهم يف متكني عدد من فرق البحث من إنجاز العديد من املشاريع البحثية، ونرشها، ال سيام بعد أن احتضنها

املرجع السابق، ص31. )1((2) American Journal of Islamic Social Sciences.

العلوم االجتامعية يف رؤى العالم املتقابلة الفصل الرابع

Page 255: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

254

بعض األساتذة يف قسم العلوم السياسية يف جامعة القاهرة،)1( ثم مركز احلضارة للدراسات السياسية يف القاهرة. وكان من أواخر ما نرش هذا املركز جملدين كبريين من األعامل بعنوان:

«يف تجديد العلوم االجتامعية: بناء منظور معريف وحضاري.«)2(

مركز بذهلا التي اجلهود ضمن نشأت التي اجلامعية البحثية املشاريع أسهمت وقد اإلسالمي، للفكر العاملي واملعهد املعرفية الدراسات مركز مع بالتعاون املذكور احلضارة التكامل مرشوع إىل املعرفة إسالمية مرشوع من انطلقت متميزة، علمية مجاعة تشكيل يف السياسة لعلم حضاري منظور صياغة اتجاه «يف جهودها تراكم أن من ومتكنت املعريف، بأفرعه السياسية متصال بشجرة العلوم االجتامعية األخرى.« وقد اتسم هذا املنظور بطبيعة بني والرتاكم والتواصل املعريف التكامل أفق «يف منفتحة ومقارنة«، ونقدية «تجديدية ر رؤية تأسيسية للعالم، ورؤية حضارية املعارف«... وربام يحقق هذا املنظور «قدرة عىل تصوتعارفية للعالقات وللتفاعل والتعامل ما بني الشعوب والثقافات. لقد قدم هذا املنظور رؤى اسرتاتيجية يف التفكري احلضاري، انتقلت من مبادئ إسالمية املعرفة إىل مداخل ومنهجيات نت الفرق البحثية العاملة يف املرشوع من القيام املنظور احلضاري«، وقد تم ذلك بصورة مكالكونية الرؤية هذه حقيقة د لتؤك الرؤية،...، هذه انفتاح ضمن ... بحثية «بممارسات

وتؤسس لرؤية حضارية للعالم، ولإلنسان املستخلف فيه لتشييده وعمرانه.«)3(

وقد أوضح الفاروقي منذ أواسط السبعينيات من القرن العرشين أن العلوم االجتامعية تعبريه منها يف ينطلق التي القيم بمنظومة يتأثر الباحث أن الطبيعية يف العلوم تختلف عن : «اتجاه الشخص القائم عىل املشاهدات واحلقائق التي تكون موضوعا للبحث، ولذلك فإنر نتيجة تلك الدراسة، وذلك هو السبب يف أن بالدراسة تجاه احلقائق موضع الدراسة يقرالتي الغريب الغريب والتحليالت االجتامعية للمجتمع بالرجل الدراسات اإلنسانية اخلاصة

سبق أن أرشنا إىل جهود عدد من هؤالء األساتذة وال سيام: حامد ربيع، ومنى أبو الفضل، ونادية مصطفى، وسيف )1(الدين عبد الفتاح، وتالميذهم من الباحثني الذين أصبح بعضهم أساتذة يف اجلامعة.

مصطفى، نادية، )حمررة(. يف تجديد العلوم االجتامعية، مرجع سابق، 1437هـ/2016م. )2(

العلوم تجديد في يف: تقديم، واخلبة، الفكرة واحلضاري: املعريف املنظور بناء يف الدين. سيف الفتاح، عبد )3(االجتامعية، حترير نادية مصطفي، مرجع سابق، ص 11- 18.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 256: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

255

تكون أن املمكن من وليس «الغربية« بالصفة بالرضورة تتسم الغربيون العلامء هبا يقوم الباحثني ادعاء فإن ثم ومن جمتمعاهتم.« أو املسلمني عىل دراسات لتطبيق تحتذى نامذج تقول: التي باملعرفة« «علم االجتامع اخلاص Dilthy حول دلثاي تنقضه رؤية باملوضوعية

«إن موضوعيتهم املفرتضة ل تكن بأكثر من حلم.« )1(

والرؤية اإلسالمية للعالم عند الفاروقي تشرتط «تنظيم« كل العلوم التي «تتصل بالفرد هذه ألن التوحيد« مبدأ لواء تحت العلم«... أو بالدين الطبيعة، أو باإلنسان اجلامعة، أو العلوم «تعد بمثابة معرفة إلرادته )سبحانه( وتدبريه وحكمته، وأن جهد البرش يجب أن يتوجه التوحيد فإن مبدأ البرش. ومع ذلك لتتحقق سعادة به« الذي أوحى بالنمط اإلهلي «لاللتزام واملخلوق، اخلالق بني حاسمة بصورة تميز الذي الثنائية، أو الزوجية مبدأ بتوظيف يسمح وبني الروح واملادة، وبني اإلنسان واألشياء. ومن ثم فأي تصنيف للعلوم يجب أن يميز بني

العلوم الطبيعية من جهة، وعلوم اإلنسان وعالقاته البرشية االجتامعية من جهة أخرى.)2(

والعلوم باألمة« اخلاصة «العلوم يسميها التي االجتامعية العلوم أن الفاروقي ويرى الطبيعية «كليهام يحوز عىل نفس املرتبة يف اخلطة العامة للمعرفة اإلنسانية، «وكالمها هيدف املادية، األشياء نطاق يف استكشافه عىل يعمل إحدامها اإلهلي: النمط وفهم اكتشاف إىل يف املستعملة وأساليبه البحث مناهج كانت ومهام البرشية.« الشؤون نطاق يف واآلخر الدراسة، فإن نوعي العلوم يخضعان يف التحليل النهائي -أي عند تصوير النمط اإلهلي- «التي الغيبية الطبيعة ذات املوضوعات بعض عدا وفيام صحتهام. إلثبات القوانني لنفس ة يشء قدمه اإلسالم عن طريق يكون من الصعب إخضاعها للبحث املنطقي، فإنه ليس ثمة النقل أو احلديث، إال وقد كان ثابتا أو قابال لإلثبات عن طريق العقل والفهم، فإنه ليس ثم

يشء يكمن فوق اسرتاتيجية الفهم اإلنساين.«)3(

الفاروقي، صياغة العلوم االجتامعية صياغة إسالمية، مرجع سابق، ص 18-17. )1(

الفاروقي. صياغة العلوم االجتامعية صياغة إسالمية، املرجع سابق. ص25- 26. هذا إذا كانت العلوم اإلنسانية )2(تعني شموهلا للنوع اإلنساين من جمتمعاته املختلفة، وكانت العلوم االجتامعية تختص بمجتمعات بعينها.

الفاروقي. املرجع السابق، ص 27. )3(

العلوم االجتامعية يف رؤى العالم املتقابلة الفصل الرابع

Page 257: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

256

البحث مرجعية عن تنفك ال الغربية املجتمعات يف صياغتها تتم التي املعرفة إن يلزم العالمية، وال اإلنسانية بالصفة تتصف ثم ال املجتمعات، فهي من والباحثني يف هذه تعميمها؛ ذلك أن العالم )الغريب( الذي يدعي التحدث عن املجتمع اإلنساين هو يف احلقيقة: «يعني املجتمع الغريب، أو يدعي التحدث عن الدين يف حني أنه يف احلقيقة يعني املسيحية، أو يدعي التحدث عن القوانني االجتامعية واالقتصادية، يف حني أنه يف احلقيقة يعني بعض

الممارسات العامة للمجتمعات الغربية.«)1(

ويربط أبو سليامن بني رؤية العالم اإلسالمية التي يسميها «الرؤية الكونية احلضارية تأثر عالقة بينهام أن باعتبار ومفاهيمها، وقيمها ومبادئها التفكري ومنهجية القرآنية«، وتأثري. ويرى أن هذه العالقة حتدد الواقع احلضاري لألمة، وأن البناء السليم هلذه العالقة فالرؤية عامة. بصورة اإلنساين واإلصالح األمة واقع إلصالح األساس املنطلق هو التي والقيم املفاهيم منها تنبثق التي والرتبة األرض بمنزلة هي لألمة احلضارية الكونية واآلليات األدوات بني بام شبيهة العالقة تكون آخر وبتمثيل والثامر. الزهرات تمثلها

واملنافع التي تحققها.)2(

وقد عرض أبو سليامن هذه العالقة يف سياق دعوة لبناء «العلوم االجتامعية اإلسالمية نت دعوته ق هبا.« وتضم ق الرؤية اإلسالمية ويتحق د الفكر اإلسالمي الذي يحق التي هبا نولاألمة فكر يف واملتداولة، السائدة املدرسية الرتاثية اإلسالمية العلوم ماهية «حتديد هذه اإلسالمية واستخداماهتا وبرامج دراساهتا، ثم نحدد أيضا طبيعة العلوم االجتامعية املعارصة يف ماهيتها ودراساهتا ومهمتها يف احلياة املعارصة، لننتهي بعد ذلك إىل تحديد طبيعة العلوم االجتامعية اإلسالمية املعارصة، يف مهمتها وطبيعتها ودورها يف حياة األمة اإلسالمية يف هذا االجتامعية العلوم ومع الرتاث، ومع اإلسالم مع والفكرية املنهجية عالقاهتا ويف العرص،

الغربية املعارصة يف املصادر واملحتوى الفكري، ويف منهجية البحث والدراسة.«)3(

)1( الفاروقي. املرجع السابق، ص 28.

)2( أبوسليامن. الرؤية الكونية احلضارية القرآنية: املنطلق، مرجع سابق، ص24-23.

)3( املرجع السابق، ص196-195.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 258: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

257

ر اإلنسان عن اخلالق والكون وإذا كانت رؤية العالم، أو الرؤية الكونية، تتعلق بتصوخليل الدين عامد يسميه ما حول يدور باإلنسان يتعلق فيام ر التصو هذا فإن واإلنسان، «مراكز الثقل« التي تميز التصور اإلسالمي لإلنسان عن سائر املذاهب والتصورات، وتنبثق الوضعية. النظريات سائر عن األخرى هي تتميز للمعرفة، نظرية أسس أو مالمح عنها والعقل، بالفكر اإلنسان تميز وهي: الكونية«، الرؤية «عنارص هي: هذه الثقل ومراكز يف لإلنسان العمراين واالستخالف بالنبوات، له اهلل وعون والوجدان، بالروح وتميزه

العالم، وتسخري العالم لإلنسان.)1(

وتبني منى أبو الفضل موقع رؤية العالم التوحيدية يف النظرية االجتامعية، عند حديثها : «النظرية عن منظور األنساق املتقابلة Perspective of Contrasting Epistemes فرتى أنوالنظام املعريف يف هذه األنساق مها وسائل فهم الواقع االجتامعي وتمثيله يف أي مرحلة من مراحل تشكل هذا الواقع. ومن ثم فإن من املنطقي واالنسجام العمل كذلك، توقع درجة من التامثل بني األنامط الثقافية ووسائل اإلنتاج والنرش والتحكم يف املعرفة والقيم والقوة يف املجتمع. لكن رؤية العالم Worldview يف النظام املعريف ويف ثقافة املجتمع هي التي تحتل لتطبيقات واخليارات البدائل من لعدد الباب ويفتح ممكنني، عالمين بني التمييز يف املركز

النظرية االجتامعية.«)2(

تبز الغربية، االجتامعية للنظرية اإلسالمي للبديل تصورنا بني الفرق وملعرفة عامة بصورة االجتامعية النظرية يف الكامنة العالم رؤية معرفة أمهية الفضل أبو منى نا بحاجة إىل تحديد املقدمات والتخصصات العلمية التي تتشكل يف ضوئها، فتقول: «إنواالفرتاضات األساسية والتيارات واملامرسات املؤثرة يف النظرية االجتامعية، كام يجري ممارستها يف «قالع« األكاديميا الغربية، وكيف يتكرر ظهور هذه االفرتاضات والتيارات

الرياض: مكتب الرتبية العريب العربية اإلسالمية، من أعالم الرتبية خليل، عامد الدين. "ابن خلدون"، يف كتاب: )1(لدول اخلليج. جملد4: 1989م، 121-150، )ص124(.

(2) Abul-Fadl, Mona M. Contemporary Social Theory: Tawhidi Projections, American Jour-nal of Islamic Social Sciences, Vol. 11, No. 3, Fall 1994, 305-347. p. 312.

العلوم االجتامعية يف رؤى العالم املتقابلة الفصل الرابع

Page 259: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

258

النشاط من خمتلفة جماالت يف ثم ومن البحث، من خمتلفة مستويات يف والممارسات أن نفرتض ونحن االجتامعية. والظاهرة اإلنسان بدراسة اخلاص والفكري العلمي ر، وأن رؤية العالم هذه ترسي يف صميم رؤية العالم تحتل موقعا مركزيا يف هذا التصووتشكيل بناء يف وتؤثر حلظة، أية يف االجتامعية للنظرية نة املكو واالفرتاضات املفاهيم

التخصصات املعرفية يف ضوئها.«)1(

وسبق أن أرشنا إىل جهود نادية مصطفى حول بناء رؤية العالم )أو املنظور احلضاري( يف العلوم االجتامعية واإلنسانية، أثناء حديثنا عن حضور رؤية العالم يف كتابات من مرجعيات ر خبهتا يف التدريس اجلامعي من رؤية ثت بقدر من التفصيل عن تطو إسالمية.)2( وقد تحدأو منظور إسالمي لنظرية العالقات الدولية، باملقارنة مع منظورات العلم األخرى، ثم عن ر هذه اخلبة إىل تنظيم دورات املنهاجية اإلسالمية يف العلوم االجتامعية، لتدريب شباب تطو

الباحثني يف العلوم السياسية واالجتامعية بصفة عامة بمرجعية إسالمية.)3(

وقد أرشف املعهد العاملي للفكر اإلسالمي عىل عدد من املشاريع التي كانت تنطلق من رؤية إسالمية للعالم، يف دراسة العلوم االجتامعية، وكان موضوع املنهجية اإلسالمية حمورا إليها، املشار املشاريع العالم اإلسالمية، وعنوانا لواحد من املقصود برؤية مهام يف توضيح وقد تضمن املرشوع عند نرشه مخسة عرش بحثا قام بإعدادها مفكرون وأساتذة جامعات من

التي جاءت العالم برؤية املقصود توضيح الدراسات متعددة، وتضمنت هذه تخصصات

واملنظور اإلسالمي، والتصور اإلسالمية، الكونية الرؤية منها: املصطلحات من بعدد

اإلسالمي، والرؤية التوحيدية القرآنية، ووجهة النظر اإلسالمية. وتضمنت هذه الدراسات

(1) Ibid., p. 312.

انظر العنوان الفرعي «حضور رؤية العالم يف كتابات من مرجعية إسالمية« يف الفصل الثاين من هذا الكتاب، وعىل )2(سبيل املثال:

- مصطفى، بناء املنظور احلضاري يف العلوم االجتامعية واإلنسانية، مرجع سابق، ص 37-73. )ص 47(.

العلوم تجديد يف التطبيقات، يف: العام إىل خبة والتأصيل املنظور املعرفة من منهاجية إسالمية نادية. مصطفى، )3(االجتامعية، تحرير نادية مصطفى، مرجع سابق، ج1، ص 185- 216.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 260: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

259

بام يف االجتامعية العلوم للعالم يف عدد رؤية تتضمنه من وما املنهجية اإلسالمية تطبيقات

ذلك التاريخ، والرتبية، واالقتصاد، والعلوم السياسية.)1(

دناه من أن رؤية العالم اإلسالمية ليست جمموعة ونذكر يف هذا السياق ما سبق أن أك

من العنارص املكونة لعلم الكالم تبحث فيه عن الذات اإلهلية وصفاهتا وعوالم المأل األعىل

واالجتامعية الطبيعية للعوالم النظرية الذهنية رات التصو من جمموعة أو الغيب، وقضايا

باخلالق البرشية للذات عالقة عنه، بديال وليست ذلك إىل باإلضافة هي، وإنام والنفسية،

العوالم بتلك الذات هذه وعالقة والتسبيح، والتنزيه واإلجالل بالتهيب تتحقق سبحانه،

فوق وهي والسالم، والتعمري والتسخري بالتمكني تتصف والنفسية، واالجتامعية الطبيعية

ذلك كله رؤية استرشافية لعالم خمتلف، يكون أكثر رقيا وتقدما، وأفضل توازنا وانسجاما،

العالم لتغيري وتسخريها واألحداث األشياء توظيف من نا تمك أكثر اإلنسان فيه ويكون وجعله بيئة أفضل حلياة البرش كافة.)2(

ر مرة أخرى بام سبق أن اقرتحناه يف الفصل األول من هذا الكتاب من عنارص كام نذك

بالعلوم االجتامعية. وقد أوضحنا من الرؤية العالم اإلسالمية، من حيث صلة هذه لرؤية

ويأيت والطبيعية. الدينية العلوم من وغريها العلوم هذه يف حارضة العالم رؤية أن قبل

العلمية والثقافية بالساحة الرتكيز عىل موضوع معني يف بعض األحيان العتبارات تختص

الراهنة وطبيعة املوضوعات التي يدور حوهلا اجلدل يف هذه الساحة.

ومن املالحظ أن رؤية العالم اإلسالمية للعلوم االجتامعية تنعكس عىل احلالة الثقافية

والرتبوية يف املجتمعات اإلسالمية؛ إذ تميل هذه الرؤية إىل اإلعالء من شأن العلوم الطبيعية

هذه وتوجه وأمثاهلا، والفيزياء املعلومات وتكنولوجيا واهلندسة الطب مثل والتقانية،

العاملي للفكر اإلسالمي، والقاهرة: دار السالم، املنهجية اإلسالمية، هريندن: املعهد باشا، أمحد فؤاد، وآخرون. )1(ط1، 2010م. والكتاب من جزأين يف حوايل ألف ومائة صفحة.

انظر املبحث الثالث من الفصل األول من هذا الكتاب: عنارص رؤية العالم اإلسالمية. )2(

العلوم االجتامعية يف رؤى العالم املتقابلة الفصل الرابع

Page 261: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

260

املجتمعات أفضل أبنائها إىل هذه العلوم. وربام ال يكون السبب يف ذلك مقترصا عىل الظن

بأن هذه العلوم سبيل التقدم والتطور والتنمية يف هذه املجتمعات اإلسالمية، وأنها تعب عن

الفرق األساس بني هذه املجتمعات وغريها من املجتمعات التي توصف بالتقدم والتطور،

باملقارنة الطبيعية والتقانية، العلوم وإنما للمكانة االجتامعية واالقتصادية للمتخصصني يف

مع املتخصصني يف العلوم االجتامعية واإلنسانية.

ونقطة الضعف يف هذه الرؤية ملكانة العلوم االجتامعية، تأيت من الفهم القارص لرسالة

مهارات من ذلك يلزم وما التطبيقية، اجلوانب عىل وقرصها املجتمع، يف واملعرفة العلم

عملية. وهذه نظرة ضيقة تهمل اهلدف املعلن يف املناهج الرتبوية والتعليمية من بناء شخصية

مع واالنفعالية، والروحية واالجتامعية العلمية جوانبها يف بالتكامل تتصف التي املتعلم،

العلم، بأن موضوعات العلوم االجتامعية هي األساس يف بناء هذه الشخصية. ثم إن التأطري

السيايس الوطني والقومي والديني، والتنمية االقتصادية، واإلصالح االجتامعي، كل ذلك

الدينية واالجتامعية. ولذلك العلوم تتأسس عىل معرفة عميقة يف قيمية إىل منظومة يحتاج

فإن إمهال العلوم االجتامعية يف التعليم العام يعرقل هدف بناء اإلنسان الذي ينتمي لوطنه

االستهالكية، والعقلية احلياة، من املادي البعد لتكريس املجال ويفسح وأمته، وجمتمعه

وضعف االنتامء االجتامعي.

الرتبويني اهتاممات إىل املسلمني جمتمعات يف والرتبوية الثقافية احلالة هذه وتمتد

والعلامء واملفكرين يف العالم اإلسالمي الذين يعتمدون إىل حد كبري عىل ما ينجزه املفكرون

يف الغريب اإلنتاج الستيعاب يلهثون فرتاهم واإلنسانية، االجتامعية العلوم يف الغربيون

من تتضمنها وما واللغة، واإلدارة والقانون والسياسة والنفس واالقتصاد االجتامع علوم

وفهمه التقاطه نستطيع ما هو جمتمعاتنا يف فاجلديد البحث. يف ومناهج وأفكار نظريات

عن الغربيون املفكرون يكتبه ما تتبع إىل األمر هبم يصل وربام الغربية. العلوم تلك من

الفارق بني طبيعة التأمل يف العام، دون األكاديمي املستوى العلوم االجتامعية« عىل «أزمة

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 262: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

261

األزمة يف الداخل الغريب واإلسالمي، ودون الوعي بالضعف امللحوظ يف إعامل رؤية العالم

اإلسالمية يف تقويم احلالة الراهنة هلذه العلوم، ويف ندرة اإلنتاج األصيل فيها، وتفعيلها يف

جماالت اإلصالح الفكري والنهوض احلضاري بصورة عامة.

العلوم االجتامعية يف رؤى العالم املتقابلة الفصل الرابع

Page 263: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

262

خاتمة

رات اإلدراكية التي تبني لنا أن رؤية العالم هي: جمموعة املفاهيم واملعتقدات والتصو

االجتامعية العلوم وأن بينها، القائمة والعالقات واإلنسان واحلياة الكون فهم من تمكننا

تتميز عن غريها من العلوم، يف أن صياغة مفاهيمها ونظرياهتا تتأثر تأثرا مبارشا برؤية العالم

إىل غالبا تمتد والتي الصياغة، هبذه تقوم التي العلمية اجلامعة أو الباحث، يمتلكها التي

عمليات تدريس هذه العلوم، وآليات توظيفها يف تنمية املجتمع وتجديده. وإذا كان هذا هو

احلال يف حقيقة األمر فإنه يمثل مشكلة للدوائر األكاديمية يف تعاملها مع العلوم االجتامعية،

حتى يف سياقاهتا الغربية احلديثة. وأن هذه املشكلة تتضاعف حدهتا عند النظر إىل املوضوع

يف الدوائر التعليمية والثقافية يف البالد اإلسالمية.

إن وجود تعدد يف الرؤى الكلية حول العالم هو أحد خصائص الثقافة املعارصة. وإذا

كانت العولمة يف هذا العرص هي اتجاه آخذ يف االنتشار لتعميم ثقافة واحدة، فإن االختالف

العولمة يف جعل أيضا، وربام تخدم العرص العالم هو خاصية مميزة هلذا والتعدد يف رؤية

هذه الرؤى املتعددة معروفة ومتاحة ألعداد متزايدة من الناس.

فهم من اإلنسان تمكين هدفها متخصصة معرفية جماالت هي االجتامعية والعلوم

هذا ترشيد أجل من اجلمعي، اإلنساين والسلوك االجتامعية والظاهرة االجتامعي الواقع

السلوك عىل أساس من املعرفة الصحيحة. ونحن نجد أعدادا متزايدة من العلامء املتخصصني

لعملهم أداؤهم حيث من إسالمية، منطلقات من ينطلقوا أن يريدون االجتامعية بالعلوم

العلمي والتعليمي، وهذا يعني الربط املحكم بني العمل العلمي واإليمان الديني، بصورة

يشعر فيها العالم وهو يؤدي عمله العلمي أنه عالم مؤمن، وأن هذا اإليمان هو قلب العلم.

من ذلك يستلزم قد وما املعرفة، لبنية الناقدة التحليلية النظرة احلال بطبيعة ذلك ويقتيض

إعادة تشكيل أو صياغة.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 264: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

263

إن األساس املركزي لرؤية العالم اإلسالمية هو التوحيد اخلالص الذي يؤمن باهلل -عز

وجل- خالق كل يشء، ملقصد حمدد، وليس عبثا، ووفق سنن حمددة، وهو -سبحانه- يتوىل

تدبري أمر هذه املخلوقات. والكون واحلياة واإلنسان هي بعض هذه املخلوقات القائمة يف

ة عالم آخر هو عالم الغيب، فيه خملوقات أخرى أعطانا اهلل شيئا يسريا من عال الشهادة، وثم

املعرفة عن بعضها. ونظرا ألن لإلنسان موقع التمكني يف هذا الكون فهو خليفة فيه والكون

هبا ليهتدي يلزمه ما تتضمن كتبا، إليهم وأوحى أنبياء، لإلنسان اهلل بعث فقد له، ر مسخ

إلقامة حياة برشية تتحقق فيها مقاصد اخلالفة يف األرض، واالستعامر واالستثامر األفضل

التي العامة املبادئ من مجلة عىل الكتب هذه وتحتوى وطاقاته. وإمكاناته الكون ألشياء

مثال منها احلضارة، وبناء السعادة لتحقيق كثرية تفاصيل اإلنسان منها يستلهم أن يمكن

جوانب من ذلك وغري واجلامعة، الفرد ومصالح والروح، باملادة االهتامم بني التوازن

احلياة، أسباب وتطوير املعرفة اكتساب عىل بالقدرة مزودا اإلنسان خلق وقد التوازن.

بوصف ذلك من متطلبات اخلالفة والتمكني.

هنا ومن اإلسالمي، املنظور يف اإلنسان حياة يف والتعليم العلم موقع جاء هنا ومن

–كذلك- اجتهد علامء املسلمني يف تصنيف العلوم وتحديد أولويات النظر والبحث والتأليف

فيها. فعلوم النظر يف الوحي المنزل علوم مهمة ال بد من تطويرها، وهذه العلوم هي نفسها

أو اإلنسانية النفس بآفاق يتعلق ما سواء ومجاعة، فردا اإلنسان علوم تطوير إىل تدعو التي

من بغريه عالقاته وضبط مصاحله وتحقيق املجتمع إدارة شؤون أو البرشية، احلياة تاريخ

املجتمعات ... إىل آخر ما عرف من فروع العلوم اإلنسانية واالجتامعية. وكذلك فإن تطوير

العلوم يف هاتني الفئتني ال بد أن يقود إىل االهتامم بفئة ثالثة من العلوم، تتمثل يف علوم العالم

الطبيعي، سواء يف فهم األشياء والظواهر الطبيعية أو يف تطوير األدوات والتقانات التي تعني

يف توسيع هذا الفهم وتعميقه، ويف توظيف املوارد املختلفة لتذليل سبل احلياة وإقامة احلضارة.

بالربط املقصود تحديد األوىل مهمتان: املؤمن االجتامعي العالم أمام يكون وهكذا

العلمي العمل التي يقود فيها اإليمان الطريقة بيان املطلوب بني اإليمان واملعرفة، والثانية

العلوم االجتامعية يف رؤى العالم املتقابلة الفصل الرابع

Page 265: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

264

املهمتان وهاتان يه، ويقو اإليمان ذلك العلمي العمل فيها يعزز التي والطريقة ويشكله، تستدعيان بالرضورة رؤية العالم، ومن هنا جاء الربط يف هذا الفصل بني العلوم االجتامعية

ورؤية العالم يف سياق احلديث عن العلوم االجتامعية من منظور إسالمي.

ملجال املعرفية البنى إزاء سلبيا موقفا يقف أن منه يتوقع ال املؤمن االجتامع عالم إن الطاقة من قدر إىل منه تحتاج املعرفية البنى هلذه الناقدة التحليلية النظرة وإن اختصاصه، عالقة هلم ممن غريهم ومع امليدان يف مبارشة معه العاملني مع والتفاعل واجلرأة، النفسية املؤمن الرتبوي فالعالم العالم. رؤية تفرضها التي الكلية الرؤية إىل احلاجة ضوء يف به، البرشية الفطرة حول اإلسالمية الرؤية تقدمه ما ضوء يف الرتبوية املعرفة مع يتعامل مثال األداء ومعايري والتنظيم، العرض وأساليب والدوافع واحلوافز اإلنسانية والشخصية املجتمع. ومتطلبات األفراد بطموحات كله ذلك وعالقة الرتبوية، العملية من املستهدف ويتطلب منه ذلك أن ال يكتفي باملعرفة التي يجدها يف املصادر املعارصة، ولكنه سوف ينظر يف مصادر الرتاث ويتعرف اجتهادات السابقني الذين حاولوا االنطالق من الرؤية نفسها، العالم الرتبوي املؤمن نفسه يف مواقع الممارسة العملية والتجربة واالختبار، وسيجد هذا ضوء يف واختبارها، فحصها غريه ويتوىل غريه، مع يناقشها نتائج إىل ذلك يقوده وسوف ميدانية أخرى، فيحصل لتجارب الرتاث، ونتيجة املعارصة، ولدالالت للمعرفة فهم آخر األخذ والرد، وتدور حركة العلم، نتيجة هلذا التواصل والتفاعل، ويتعلم الناس من بعضهم

وتنمو املعرفة.

تفعيلها يتم النظرية، ولكنها مرجعية الرؤية ليست صورة ساكنة من هنا العالم رؤية ما به من عمل، وليس نقوم ما قيمة تعبريا عن نتيجتها األداء والممارسة، وتكون لتوجيه ،Demonstration له. عمل عرض هو املؤمن العلمي فالعمل يقال، أن يمكن أو قيل

وليس محض حديث عنه!

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 266: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

الفصل اخلامس

رؤية العالم عند عبد الرمحن بن خلدونمقدمة

المبحث األول: جدل الدراسات اخللدونية حول رؤية ابن خلدون

أوال: لمحة موجزة عن الدراسات اخللدونية

ثانيا: مصدر رؤية العالم عند ابن خلدون

المبحث الثاين: رؤية ابن خلدون للوجود واملعرفة

أوال: الوجود الغيبي والوجود املادي

ثانيا: العلم واملعرفة

المبحث الثالث: رؤية ابن خلدون للمجتمع ومكوناته

أوال: اإلنسان واملجتمع

ثانيا: التاريخ والسياسة

خاتمة

Page 267: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought
Page 268: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

267

الفصل اخلامسرؤية العالم عند عبد الرمحن بن خلدون*

مقدمةيعاين الفكر اإلسالمي املعارص هذه األيام من أزمات متنوعة، لعل أمهها الطريقة التي نجيب فيها عن األسئلة الكلية املتعلقة بالعالم الذي نعيش فيه وعالقتنا به ودورنا فيه، األمر العطاء كان وربام مسؤوال. نقديا وجهدا جادا، معرفيا تجديدا املفكرين من يقتيض الذي

الفكري املتميز البن خلدون هو يف هذا اجلانب عىل وجه اخلصوص.

للعالم ره تصو حول خلدون ابن إليه توصل ما مراجعة املفيد من فإن ولذلك يف ذلك وتطبيقات وأدواهتا، ومصادرها اإلنسانية املعرفة وطبيعة له، املكونة والعنارص تصنيفه للعلوم واملعارف. فالرؤية الكونية العامة عند ابن خلدون، أو رؤيته للعالم، تمثل مصدرا مهام ال تقترص أمهيته عىل إدراك احلضور الفكري املعارص البن خلدون بعد مرور ما يزيد عىل ستة قرون عىل وفاته، بل إن هذه األمهية -فضال عن ذلك- تعرض منهجا فاعال يف فهم العالقة بني النص والواقع، وأنموذجا جلهود االستيعاب والتجاوز املطلوبة

للخروج من أزماتنا املعارصة.

الدين مقاصد استلهام يف خلدون ابن به قام الذي اجلهد الفصل هذا ويستعرض ومصالح الدنيا، يف نقد احلالة املعرفية السائدة يف عهده، ومن ثم تطوير نسق معريف متميز، يجيب عن األسئلة الكلية، ويبني دورها يف بناء العمران البرشي وتحقيق النهوض احلضاري.

«املقدمة« البن خلدون كانت كتابا مستقال قائام بذاته، وهو من طبيعة ومن املؤكد أن خمتلفة عن بقية كتاب «العب«، وإن جاءت مقدمة لكتاب «العب«، تماما كام يمكن النظر إىل

نظمتها التي الفكرية« خلدون ابن تجربة يف ومنزلته الديني «البعد ندوة إىل قدمت بحثية ورقة الفصل هذا أصل *

جامعة الزيتونة التونسية بمدينة تونس يف فباير 2006م. ونرشت يف جملة املشكاة التي تصدرها اجلامعة، العدد الرابع التنظيم خمتلفة التحديث واحلذف واإلضافة وإعادة قد أصبحت مع الفصل مادة لكن 2006م، ص 354-297.

كثريا عىل األصل.

Page 269: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

268

بذاته قائم الكتاب ورحلته غربا ورشقا«، فهو كتاب بابن خلدون مؤلف «التعريف كتاب وإن جاء يف خاتمة كتاب «العب«.

من عارصهم ومن والببر والعجم العرب تاريخ كتاب هو «العب« كتاب كان فإذا للتاريخ كلية رؤية هي وإنما التاريخ، يف بحثا ليست املقدمة فإن األكب، السلطان ذوي يكتب أن يجب وكيف اإلنساين، واالجتامع البرشي للعمران عرضا بوصفها البرشي،

تاريخ هذا العمران وهذا االجتامع.

ولذلك ليس غريبا أن يقوم الباحثون يف الرشق والغرب بدراسة املقدمة بصورة مستقلة تتعلق خلدون ابن تناولت التي األدبيات من األكب اجلزء يكون وأن «العب«، كتاب عن

بمحتوى «املقدمة«، وقليل منها يتعلق بكتاب «العب« التي كانت «املقدمة« مقدمة له.

املجتمع تاريخ ضوء يف البرشي، للعمران وكلية عامة رؤية «املقدمة« كانت وإذا البرشي الذي عارصه وعايشه وتفاعل معه ابن خلدون، ويف ضوء ما نقل إليه من العلم عن نا املجتمعات املعارصة له، ويف ضوء ما كتبه املؤرخون عن املجتمعات والعصور السالفة، فإنل إليها، فهي اإلطار الذي يشمل نلمح أن هذه الرؤية متداخلة بكل فكرة وكل نتيجة توصالتي يمكن تصنفيها البرشي، والنظريات اجلزئية العمران العامة يف الكلية، ونظريته رؤيته

يف العلوم املعارصة ضمن ميادين السياسة أو االقتصاد أو الرتبية، وغري ذلك من العلوم.

من لعدد موضوعا كانت خلدون ابن عند العالـم رؤية أن بالذكر اجلدير ومن تناول التي مشوش، صالح دراسة الفصل هذا موضوع إىل أقرهبا من لعل الدراسات، إن إذ العمران؛ لعلم خلدون ابن صياغة يف التوحيدية" الكونية "الرؤية ه سام ما أثر فيها ابن خلدون قد صاغ عنوان هذا العلم، ووضع بعض مبادئه وعنارصه، حتى شاع استعامل

مصطلح علم العمران اخللدوين. )1(

التوحيدية يف صياغته، هريندن، فريجينيا: الكونية الرؤية وأثر اخللدوين العمران علم بن طاهر. مشوش، صالح )1(املعهد العاملي للفكر اإلسالمي، 1433ه/ 2012م، ص 286-203.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 270: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

269

وال نود يف هذا الفصل إثبات إسالمية ابن خلدون، والتأكيد عىل املرجعية اإلسالمية لنظرياته، فقد تكفل بذلك عدد من الباحثني،)1( وإنما نود أن نشري إىل موقع رؤية العالم يف د أن هذه الرؤية الكلية تفكري ابن خلدون، ويف منهجه يف النظر إىل األمور وفهمها. وأن نؤكطريقته عىل ذلك يقترص وال خلدون. ابن خصائص من راسخة وخاصية واضحة، صفة للتاريخ، وإنما يتعلق برؤيته التارخيية ونقدها وتصحيحها وحسب، مما الروايات تناول يف يتضح من تناوله لقضايا الوجود وطبيعة اإلنسان واملجتمع البرشي، ومن نظريته يف املعرفة ومنهج البحث، وغري ذلك من املحددات التي تعكس طرق تناوهلا عند أي عالم أو مؤلف

نظرته الكلية أو رؤيته للعالم.

ملا الدقيق والفحص المتأنية القراءة عىل األساس يف الفصل هذا مادة اعتمدت وقد ذهب ما إىل اإلشارة من بد ال كان فقد ذلك ومع املقدمة.)2( كتاب يف خلدون ابن كتبه ابن تناولت التي الدراسات تلك وبخاصة اخللدونية، الدراسات يف الباحثني بعض إليه أو خلدون ابن شأن من اإلعالء هو املسبق هدفها كان جمتزأة قراءات خالل من خلدون ا كان هدفنا هنا هو الكشف عن رؤية العالم عند ابن خلدون، فإنه لم احلط من قدره. ولم«املقدمة« كمن يبحث يف رؤيته للتعليم، أو يكن ممكنا االكتفاء بقراءة جزء معني من كتاب املوارد االقتصادية، أو النظم السياسية وفن إدارة احلكم، فيكتفي بقراءة فصول حمددة، بل كان من الطبيعي أن تتم قراءة الكتاب كله، ومراجعة كثري من مسائله أكثر من مرة، ومقابلة

بعض النصوص فيه ببعضها اآلخر.

انظر يف ذلك عىل سبيل املثال ال احلرص: )1(

للبحوث القومي املركز القاهرة: خلدون، ابن مهرجان أعامل واجلنائية. االجتامعية للبحوث القومي املركز -االجتامعية واجلنائية، 1962م.

- خليل، عامد الدين. ابن خلدون إسالميا، بريوت: املكتب اإلسالمي، 1983م.

األمة كتاب سلسلة األوقاف، وزارة قطر: خلدون، ابن لنظريات اإلسالمي التأصيل احلليم. عبد عويس، -رقم50، ذو القعدة 1416هـ.

- الشكعة، مصطفى. األسس اإلسالمية يف فكر ابن خلدون ونظرياته، القاهرة: الدار املرصية اللبنانية، 1986م.

ابن خلدون، مقدمة ابن خلدون، مرجع سابق، وهي الطبعة التي ربام تكون أكمل الطبعات املتوافرة. وستكون هذه )2(الطبعة هي املرجع املعتمد الذي تحال إليه مجيع اإلشارات يف نصوص ابن خلدون يف املقدمة الواردة يف هذا الفصل.

رؤية العالم عند عبد الرمحن بن خلدون الفصل اخلامس

Page 271: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

270

يف عنده واضحا ظاهرا أمرا كانت للعالم خلدون ابن رؤية أن للنظر الالفت ومن مة«. وحتى ال يكون احلكم عىل ابن خلدون -يف وعيه عىل رؤية معظم فصول كتاب «املقدالعالم، وإعامله هلا- هي قراءة خارجية مقحمة، فقد تم إثبات كثري من نصوصه ذات الداللة املبارشة. ومع ذلك فإن رؤية العالم عند ابن خلدون ال تزال تتسع لكتابات مستقلة توضح الوجود الفصل: هذا هلا تعرض التي املجاالت من جمال كل يف الرؤية هذه تمثلت كيف والكون، اإلنسان واملجتمع، العلم واملعرفة... وغريها من املجاالت األخرى التي لم يتسع

الفصل للتعرض هلا.

هلا إشارات موجزة إىل اجلدل املتواصل حول ويتضمن الفصل ثالثة مباحث، تناول أويتجىل يف كام اجلدل لبعض هذا نراه من حسم ما مع املعارصة، الدراسات ابن خلدون يف رؤيته للعالم. وعرض املبحث الثاين لرؤية ابن خلدون للوجود الغيبي فيام يختص باإليمان باخلالق سبحانه، وما أخب عنه من عوالم الغيب، وما يختص بالكائنات املخلوقة واإلنسان للمعرفة املبحث كذلك بينها، كام عرض القائمة الكائنات والعالقات املستخلف، وطبائع ا المبحث الثالث فقد تخصص يف احلديث عن رؤية ابن خلدون لطبيعة البرشية وآفاقها. أمللتاريخ لرؤيته ثم البرشي، والعمران اإلنساين باالجتامع الكائنات بني وتفرده اإلنسان احلكم، ونظم والدولة املجتمع إدارة يف الرشع أحكام من يراه وما منه كان وما البرشي،

باعتبار ذلك خالفة عن صاحب الرشع يف حراسة الدين وسياسة الدنيا به.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 272: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

271

المبحث األول

جدل الدراسات اخللدونية حول رؤية ابن خلدونأوال: لمحة موجزة عن الدراسات اخللدونية

د أن عبد الرمحن بن خلدون كان عالما موسوعيا، شأنه يف ذلك شأن كثري من من املؤك

املعرفة والثقافة ألوان ل نصيبا مقدرا من السابقة لعرصه. وقد حص علامء عرصه والعصور

بنفسه يف كتاب إليه يف تعريفه التي كانت سائدة يف عرصه. ويشهد لذلك ما أشار املتعددة

يف وأصنافها للعلوم عرضه بذلك يشهد كام «العب.«)1( كتاب هناية يف جاء التي مذكراته

مة«. هذا التأكيد عىل موسوعية معارف ابن خلدون ال يتعارض مع الباب السادس من «املقد

مة« التي ما يتبادر إىل األذهان من أن ابن خلدون كان يف جل ما كتبه مؤرخا، ول تكن «املقد

طبقت شهرهتا اآلفاق إال مقدمة لكتاب «العب«، وهو كتاب يف التاريخ.

ابن خلدون وظفوا رؤيتهم اجلزئية لفصول حمددة من كتاب لكن كثريا ممن كتبوا عن

واملناقشة البحث فيها وأعملوا حياته، سرية من عنه عرفوا مما معينة جوانب أو املقدمة،

التي املعارصة، العلم فروع إىل والتجيري واإلحالة االستالب واملقارنة، ومارسوا عمليات

تتسم بالتخصص الدقيق والتجزئة الشديدة، ليكتشفوا يف هناية املطاف أن ابن خلدون عالما

متخصصا، وفقيها متبحرا، ورائدا يف الرتبية، ويف علم النفس، ويف االقتصاد، ويف السياسة،

االجتامع، لعلم مؤسسا ورائدا فذا، مؤرخا كان أنه فوق املتخصصة، العلوم من وغريها

وفيلسوفا مبدعا وضع علم املناهج وصاغ نظرية املعرفة!

ابن خلدون، عبد الرمحن. رحلة ابن خلدون. حتقيق وتعليق حممد بن تاويت الطنجي، بريوت: دار الكتب العلمية، )1(2004م. ص 32-64. واسم الكتاب كام ورد يف آخر كتاب العب: «التعريف بابن خلدون مؤلف الكتاب ورحلته

غربا ورشقا.« انظر كتاب العب:

- ابن خلدون، عبد الرمحن )تويف 808ه(. تاريخ ابن خلدون: العرب وديوان املبتدأ واخلرب يف أيام العرب والعجم صهيب أبو وفهرستها بإخراجها اعتنى مصححة طبعة األكرب، السلطان ذوي من عارصهم ومن والرببر

الكرمي، الرياض: بيت األفكار الدولية، د. ت. ص 2043- 2126.

رؤية العالم عند عبد الرمحن بن خلدون الفصل اخلامس

Page 273: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

272

يف تتكرر كام خلدون، ابن عن ندوة نظمت أو مؤمتر عقد كلام الظاهرة هذه وتتكرر دراسات الباحثني الذين ينجزون دراساهتم يف امليدان املهني )أساتذة اجلامعات والباحثون يف مراكز البحوث( أو امليدان األكاديمي )أطروحات طلبة الدراسات العليا يف اجلامعات(. ولعل مراجعة البحوث التي قدمت إىل مهرجان ابن خلدون املنعقد يف القاهرة عام 1962م

يمثل ذلك خري متثيل.

ابن خلدون يعل قدر املهرجان ما أبو زهرة يف ذلك فقد جاء يف ورقة اإلمام حممد الكامل أربعة وعرشين عاما من سني نضجه نحو «قىض بأنه: وينوه والقضاء، الفقه يف يرتدد بني الفقه والقضاء،« وأن يف ممارسته القضاء «صفحة ناصعة البياض يف تاريخ ابن فة، تبني للقضاة أنهم يملكون اإلصالح ورد األمور إىل نصاهبا، ولكن خلدون، وهي مرشال يستطيع ذلك إال أولو العزم من القضاة... وكان )ابن خلدون( من أعظم القضاة الذين

رآهم تاريخ اإلنسانية.«)1(

واملنهجي الفلسفي البعد ابن خلدون هو ميز ما أهم أن والحظ حسن شحاته سعفان نه من تطوير علم اجتامع املعرفة )سوسيولوجية املعرفة( وتطبيقه هلذا العلم املنهجي الذي مكوجعل خلدون البن السيايس الفقه فحلل ربيع حامد أما التارخيية.)2( املعرفة تمحيص يف بحثه عنوان مراد حلمي حممد جعل وقد اليوم.«)3( نفهمه كام السياسة علم آباء «أحد منه خلدون: ابن إن بالقول: بحثه نرص املعز عبد حممد واختتم خلدون.«)4( ابن االقتصاد «أبو «وضع هبذا النظام السيايس الذي عرضه يف املقدمة حول دراسته للدول أسس علم السياسة يف اللغة العربية، وأنه خرج يطلب علم التاريخ فجاءه علم السياسة.«)5( وهكذا األمر يف معظم

للبحوث القومي املركز القاهرة: خلدون، ابن مهرجان أعامل والقضاء"، الفقه خلدون "ابن حممد. زهرة، أبو )1(االجتامعية واجلنائية، 1962م، ص 638-611.

سعفان، حسن شحاته. سوسيولوجية املعرفة عند ابن خلدون، أعامل مهرجان ابن خلدون، مرجع سابق، ص 252-228. )2(

ربيع، حامد. فقه السياسة يف فلسفة ابن خلدون االجتامعية، أعامل مهرجان ابن خلدون، مرجع سابق، ص 304-267. )3(

مراد، حممد حلمي، أبو االقتصاد ابن خلدون، أعامل مهرجان ابن خلدون، مرجع سابق، ص 318-305. )4(

نرص، حممد عبد املعز. فلسفة السياسة عند ابن خلدون، أعامل مهرجان ابن خلدون، مرجع سابق، ص 345-318. )5(

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 274: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

273

خلدون ابن عد اإلنجليزية إىل املقدمة ترجم الذي روزنتال فرانتز وحتى املهرجان! أوراق رائد السياسة احلديثة.)1(

مهتام خلدون ابن كان الذي املوضوع يف النظر دققنا لو إنصافا أكثر نكون وربام بدراسته؛ وهو الظاهرة االجتامعية، أو املجتمع اإلنساين، وأن هدف الدراسة كان تحديد القواعد العامة التي تحكم تطورات هذه الظاهرة. عند ذلك يتبني لنا أن الظاهرة االجتامعية هي ظاهرة كلية تتطلب دراستها التمييز بني جوانب خمتلفة؛ فقضية السلطة السياسية هي جزء من الظاهرة، وقضية التعليم والتعلم هي جزء آخر من الظاهرة، وموضوع اإلدراك واملعرفة البرشية هو جزء من الظاهرة... إلخ. وقد تعرض ابن خلدون هلذه القضايا بصورة ر اعتباره فقيها متخصصا تكشف عن وعيه عىل أمهية هذه اجلوانب املختلفة، دون أن تبيف أي جانب منها؛ سياسيا، أو اقتصاديا أو تربويا... إلخ. فقد جاء تعامله معها معبا عن ابن الظاهرة االجتامعية- عند –أي بالظاهرة االجتامعية، وهي وعيه بصلة هذه اجلوانب

خلدون موضوع الرؤية الكلية.

ويبدو أن كل باحث حاول أن يجد يف كالم ابن خلدون نصوصا تدعم ما كان يذهب إليه، فتجد باحثا يؤكد عىل رأي معني يميل إليه، مستشهدا بنصوص ابن خلدون، ويف الوقت نفسه نجد باحثا آخر يؤكد عىل نقيض ذلك الرأي، وهو يستشهد كذلك بنصوص أخرى من

ابن خلدون. وتجد مصداق ذلك يف أوراق مهرجان ابن خلدون املشار إليه.

حاولت التي اجلهود تلك اخللدونية- األدبيات موضوع -يف ذلك من األهم لكن ابن الباحثني من عد دينه. فمن بيئته، ونسبه، وثقافته، وأحيانا من ابن خلدون من إخراج خلدون متدينا علامنيا يفصل بني التدين الشخيص والممارسة العلمية، ومثال ذلك ما ذكره حممد عبد الرمحن مرحبا الذي عد ابن خلدون متدينا، مع أن الدين عنده ال مدخل له يف تفسري االجتامعية الظواهر كبقية ظاهرة خلدون( ابن )عند عنده األخالق...«فاألخالق مصدر

سجل الثقافة الرفيعة، جملة املجلة: روزنتال، فرانتز. ابن خلدون رائد السياسة احلديثة، ترمجة سعيدة غنيم، القاهرة: )1()جملة شهرية تصدرها اهليئة املرصية العامة للكتاب(، السنة الثانية، العدد )20(، أغسطس)آب( 1958م، ص 75-70.

رؤية العالم عند عبد الرمحن بن خلدون الفصل اخلامس

Page 275: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

274

التي درسها، وهو يسجل هذه الظاهرة بموضوعية نادرة أخاذة، دون أن تؤثر آراؤه الدينية ا ا ظاهرة مادية رصف، هلا أسباهبا املادية وظروفها املوضوعية... أم أبدا يف حكمه عليها، إهن

الدين فهو عقيدة شخصية ال شأن هلا بالبحث العلمي)!(«)1(

وقد أشار «مصطفى الشكعة« إىل أن «كامل عياد« استخدم النهج نفسه، يف رؤيته البن خلدون يف كتابه: نظرية ابن خلدون التارخيية االجتامعية املطبوع يف برلني عام 1930م، وإىل طه حسني يف أطروحته للدكتوراه بعنوان فلسفة ابن خلدون االجتامعية يف جامعة السوربون عال 1917م،)2( وإىل عدد من المستشرقين، كل ذلك يف سياق يرتاوح بني احلط من قدر ابن خلدون واإلشارة إىل شعوبيته وكراهيته للعرب، ووصف نظريته يف العصبية بأنها تعبري عن الروح احلزبية والطبقية؛ أو التقليل من شأنه بمقارنته بمن سبقه من الفالسفة، أو يف امتداحه بأنه ارتفع فوق معتقداته الدينية وهو حيقق منجزاته «الضخمة«! ويبني نظريته العلمية بطريقة

فريدة عىل املادية التجريبية! وأن نظريته تتفوق عىل املادية التارخيية التي جاء هبا ماركس!)3(

ونجد فكرة التمييز بني املرجعية الدينية عند ابن خلدون، وما توصل إليه من أحكام ومن الغربيني. الباحثني من كثري عند شائعة بالنظريات، تسميتها للباحثني يحلو وآراء، مفكر خلدون «ابن بقوله: اإلسالمية« الفلسفة «تاريخ كتابه يف بور« «دي ده أك ما ذلك رصني، رفض بعض علوم عرصه عىل أسس منطقية، وعارض بعض االعتبارات اخلاصة تأثري عىل قناعته الشخصية أو العتبارات سياسية، ودينه ل يامرس أي بدينه باالعتامد عىل

آرائه العلمية أكب من تأثري األرسطية األفالطونية اجلديدة." )4(

أو املحدودة، معرفتهم من يجتزئون الغربيني الباحثني بعض نجد أخرى جهة ومن الضيق غاية يف جوانب للمسلمني، العلمية واإلسهامات اإلسالمي التاريخ عن املشوهة مصادرها إىل عزوها أو تمحيصها دون األفكار ونقل سياقها من املادة وقطع واجلزئية،

مرحبا، حممد عبد الرمحن. جديد يف مقدمة ابن خلدون، بريوت: منشورات عويدات، 1989م، ص 156. )1(

الشكعة، مصطفى. األسس اإلسالمية يف فكر ابن خلدون ونظرياته، مرجع سابق، ص 73. )2(

املرجع السابق، ص 86. )3((4) De Boer ,Tjitze J .The History Of Philosophy In Islam, Translatef by Edward R. Jones.

Charleston, SC.: Nabu Press, 2012, p. 139.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 276: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

275

الباحثني أولية لكثري من العابرة بعد ذلك مصادر األولية. وربام أصبحت هذه اإلشارات الغريب« االجتامعي «الفكر يف جامعي كتاب ذلك عىل األمثلة ومن العرب. والدارسني «املجتمع املحمدي )!( الوسيط الذي الذي انترش عىل نطاق واسع، ويرى فيه املؤلفان أن كان يف رصاع مع العالم املسيحي خالل احلروب الصليبية... أنتج تلميذا الفتا لالنتباه هو الفيلسوف واملؤرخ العريب )!( ابن خلدون، وهو مواطن بربري )!( من تونس ... وطور يف مة« نظرية الرصاع يف التغيري االجتامعي وعزا أمهية كبرية للبيئة الطبيعية هذا الكتاب «املقد

يف تشكيل النظام االجتامعي...«)1(

وإذا كانت هذه األمثلة تقع يف سياق الظلم للحقيقة والبن خلدون معا، فإن من الظلم إىل وايف الواحد عبد عل املشهور مة« «املقد حمقق يذهب أن أيضا خلدون والبن للحقيقة مقارنة جهود ابن خلدون بجهود أوغست كونت وغريه من العلامء األوروبيني الذين درسوا حقائق يخضعوا أن وحاولوا معينة، فلسفية ومذاهب رؤى من منطلقني التاريخ فلسفة هؤالء إسهامات من نفسه الوقت يف نقلل ال ولكننا يعتنقونه. ملا تنثني حتى هلا، التاريخ للعالم حمددة رؤية من عمله يف ينطلق كان منهم وكل وتطبيقاهتا، املعرفة تقدم يف العلامء العلامء هؤالء جهود تقويم بصدد هنا لسنا ولكننا خلدون، ابن رؤية عن تماما تختلف ابن منهج أن نرى وايف.)2( ونحن الواحد عبد فعل عل كام مقاربات، أو مقارنات وعمل

(1) Kilzer, E. and Ross, E. J. Western Social Thought, Milwaukee: The Bruce Publication Company, 1954, p. 131-132.

بأفالطون أفالطون، مرورا قبل ما الغريب من عهد الفكر االجتامعي تاريخ يتحدث عن الكتاب أن ورغم الفلسفية املدارس وظهور أوروبا، يف املسيحي الديني واإلصالح األوىل واملسيحية اليهودي، والفكر وأرسطو والنظريات االجتامعية احلديثة حتى تاريخ طباعة الكتاب عام 1954م، فإن املؤلفني لم يجدا يف تاريخ اإلسالم واملسلمني )املجتمع املحمدي كام يسميانه( غري حوايل صفحة عن ابن خلدون وثالث كلامت عن ابن رشد تأيت

عرضا، تصفه بأنه «الشارح العريب ألرسطو.« ص 129.

ثالثة يف وإصدارها املقدمة حتقيق يف بذله الذي العظيم اجلهد من يقلل وال فضله، ق املحق ينقص ال النقد هذا )2(جملدات، وبأوىف ما صدرت به حتى اآلن. انظر:

- وايف، عل عبد الواحد. دراسة مطولة استغرقت 277 صفحة من اجلزء األول، وجاءت يف صورة تمهيد ملقدمة ابن خلدون التي حققها وايف. مقدمة ابن خلدون، مرجع سابق، ج1، ص 226-206.

رؤية العالم عند عبد الرمحن بن خلدون الفصل اخلامس

Page 277: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

276

التكامل املنهج ذلك عليه فرضت للعالم، متميزة إسالمية رؤية من ينطلق كان خلدون الطبائع والوقائع، بصورة تكشف ل، وسنن املنز الوحي اللحظة نفسها بني الذي يجمع يف

عن التوافق بني «األمر الرشعي« و«األمر الوجودي.«

آراءه ونناقش تربوي فقيه أنه عىل نحاسبه أن خلدون البن الظلم من فإن كذلك التعليم وتقنيات واملناهج الرتبية يف املعارصة العلوم ضوء يف الرتبية، يف العابرة وأحكامه وعلم النفس؛ أو أنه فقيه االقتصاد، أو فقيه السياسة وغري ذلك، ثم نحاسبه بناء عىل ذلك يف ق فيها عىل العلامء الذين صاغوا ضوء العلوم املتخصصة يف حالتها الراهنة، والقول بأنه يتفو

مسائل هذه العلوم، وأنه كان سابقا هلم بأكثر من ستة قرون!

خلدون البن دراستنا يف نكتفي أن العدل من أن نرى فإننا الظلم، هذا مقابل ويف لت فقهه االجتامعي، ووعيه باإلشارة إىل اجلوانب املعرفية العامة، واألطر املنهجية التي شكبصلة اجلوانب السياسية واالقتصادية والرتبوية والبيئية وغريها بالظاهرة االجتامعية، وهذه

-يف رأينا- هي مالمح رؤية العالم اإلسالمية كام فهمها وطبقها ابن خلدون.

ثانيا: مصدر رؤية العالم عند ابن خلدون

وضع الباحثون تصنيفات عديدة لرؤى العالم، وكل تصنيف منها يعتمد إىل حد كبري عىل رؤية العالم عند ذلك الباحث، فالذين يتحدثون عن اإلسالم يف مقابل اجلاهلية يميزون رباين، مصدر ذو واحد تصور وهو جهة، من اإلسالمي« -«التصور العالم، رؤية بني اإلسالم فيه ليس جمرد جمموعة من املعتقدات والشعائر، وإنام هو نظام كامل حلياة البرش يف جوانبها كافة- والتصورات اجلاهلية من جهة أخرى، وهي تصورات عديدة تشرتك يف أنها

تصورات غري إسالمية.)1(

وهذا «حممد نقيب العطاس« يؤكد عىل وجود رؤية واحدة للعالم هي الرؤية اإلسالمية تتضمن التي للحقيقة فهام وتعكس املطلق، إىل وتشري والنهائية، باملصداقية تتصف ألنها ودائمة؛ تامة بصورة تأسست قد عنارصها وألن كل، وبإدراك بكاملها، واحلياة الوجود

انظر يف ذلك: )1(- قطب، خصائص التصور اإلسالمي ومقوماته، مرجع سابق، ص13-9.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 278: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

277

املخلوقات، وطبيعة الكريم(، )القرآن الوحي وطبيعة وجل(، )عز اهلل صفات وهي: وكل والسعادة، والقيم، والفضائل واحلرية، واملعرفة، اإلنسانية، النفس وسيكولوجية فها، هي عنارص رؤية العالم هذه العنارص، ومعها املصطلحات املفتاحية واملفاهيم التي تعراإلسالمية، التي تؤثر عىل أفكارنا عن التغري والتطور والتقدم، وتشكل بنية متامسكة تستحق

أن تسمى رؤية للعالم.)1(

املصادر وبني بينها وميز التوحيدية، الكونية الرؤية مفهوم ري« املطه «مرتىض واستخدم د أن مجع األديان والرشائع واملبادئ والفلسفات االجتامعية تعتمد التي تبنى عليها الرؤية، وأكالتي األساليب وكل ... ما مبدأ يعلنها التي األهداف و«كل تميزها، معينة كونية رؤية عىل يعينها، وكل الواجبات واملحرمات التي ينشئها، وكل املسؤوليات التي يوجبها، ليست إال نتائج الكونية الرؤى له.«)2( وصنف القاعدة األساسية التي تشكل الكونية للرؤية الزمة ورضورية إيجابياتها لبيان رؤية كل هبا توزن التي املعايري د وحد ودينية.)3( وفلسفية علمية إىل الرئيسة

وسلبياهتا.)4( ثم اسرتسل يف احلديث عن الرؤية الكونية اإلسالمية القائمة عىل التوحيد.

التي تتحدث عن املسيحية، تعرضها ليس جمرد ديانة غيبية، املراجع احلديثة ومعظم الوحيدة "الرؤية المراجع: بعض هذه تعرضها كما إنها بل للعالم، رؤية بوصفها وإنما اهلل وبني والعالم، اهلل بني حقيقيا وانسجاما للنفس، حقيقيا انسجاما تقدم التي للعالم والنفس، وبني النفس والعالم.«)5( وميز «جيمس سري« بني ثامين رؤى للعالم عىل أساس

قرهبا أو بعدها من رؤية العالم الدينية املسيحية التي يتبناها.)6(

(1) Al-Attas, Prolegomena to the Metophysics of Islam, p. 1-5.

املطهري، الرؤية الكونية التوحيدية، مرجع سابق، ص 8. )2(

املرجع السابق، ص 11. )3(

املرجع السابق، ص 17-11. )4((5) Bavinck, Herman. Christian Worldview, translated by Nathaniel Sutanto, J. Eglinton and

C. Brock, Wheaton, Ill. Crossway, 2019, p. 16.

(6) Sire, The Universe Next Door: A Basic Worldview Cataloque.

رؤية العالم عند عبد الرمحن بن خلدون الفصل اخلامس

Page 279: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

278

فأين تقع رؤية ابن خلدون من هذه الرؤى املختلفة؟

املفرد بصيغة «العالم« للفظ استعامله كثرة خلدون ابن ملقدمة القارئ نظر يلفت للحديث عن أنواع خمتلفة منه، والعوالم يف صيغة اجلمع، يف سياقات خمتلفة، منها عىل سبيل املثال قوله: «وكأنما نادى لسان الكون يف العالم باخلمول واالنقباض، فبادر باإلجابة، واهلل وارث األرض ومن عليها، وإذا تبدلت األحوال مجلة فكأنما تبدل اخللق من أصله وتحول نشاهد «أنا وقوله: محدث.«، وعالم مستأنفة، ونشأة جديد خلق وكأنه بأرسه، العالم األسباب وربط واإلحكام، الرتتيب من هيئة عىل كلها املخلوقات من فيه بام العالم هذا باملسببات، واتصال األكوان باألكوان، واستحالة بعض املوجودات إىل بعض... وابدأ من عالم إىل ينتهي أن إىل املشاهدة... العنارص عالم وأوال اجلثامين، املحسوس بالعالم ذلك األفالك... ثم انظر إىل عالم التكوين... عالم احليوان... ترتفع إليه من عالم القردة... ثم إنا نجد العوالم عىل اختالفها آثارا متنوعة.«)1( وهو يذكر عالم احلق، وعالم البرش، وعالم النفس، وعالم العقل، وعالم الكائنات، وعالم احلوادث، وعالم املالئكة، وعالم احلس، وعالم األرواح وأحوال العالم. كام يكثر من استعامل ألفاظ تعني العالم أو بعض مكونات واخلليقة، والكائنات واملوجودات، واملركبة، البسيطة بعوالمه كله الوجود مثل العالم،

وطبائع األكوان، وغريها.)2(

ونحن نرى أن كثرة هذا االستعامل مؤرش عىل جانب من تفكري ابن خلدون وأفقه يف التفكري عىل مدى عالم الغيب بوجوده وآثاره، وعالم الشهادة بكائناته الطبيعية واالجتامعية املمتدة اآلفاق هلذه كان وقد ورؤية. ومعتقد فكر ذلك كل يف له خلدون فابن والنفسية. تناوهلا التي البرشية املعرفة بجوانب مهمة تعلقات املختلفة والعوالم للوجود رؤيته يف مة« عىل وجه التحديد، ونوه الباحثون بطريقته املتميزة يف عرضها. باالهتامم، يف كتاب «املقد

وربام كانت جمموعة اجلوانب التي ميزت عبقرية ابن خلدون سببا يف تنازع أصحاب هبم، اخلاصة رؤاهم ضمن ألفكاره وتوظيفهم له، وتصنيفهم فيه للعالم املختلفة الرؤى

ابن خلدون، املقدمة، مرجع سابق، ج1، ص 413-410. )1(

املرجع السابق، ج3، ص 921-920. )2(

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 280: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

279

أصحاب عىل السهل من كان وإذا التناقض. طريف أقىص يف الرؤى هذه كانت لو حتى فإن ابن خلدون ويصنفوه يف معسكراهتم، يتبنوا أن املختلفة الدينية بصورها العالم رؤية أصحاب الرؤية املادية املاركسية يفعلون ذلك أيضا، فهذا «سال رستيفو« Restivo يضع كتابا بعنوان رؤية العالم االجتامعية)1( يعيب فيه عىل اآلخرين من علامء االجتامع وصفهم لعلم االجتامع بأنه حقل من حقول املعرفة أو مهنة أو مادة دراسية، ويقرر بدال من ذلك أن علم االجتامع هو طريقة يف النظر إىل احلقيقة وتنظيمها يف صورة رؤية كلية أو رؤية للعالم، والفعالية اإلنساين للوجود علامين وضعي علم هو الصورة هذه يف االجتامع علم وأن اإلنسانية. ورؤية العالم االجتامعية هذه هي منهجية عولمية تارخيية ذات توجه عب ثقايف، علوي دعم إىل يحتاج ال بذاته قائم اإلنسان بأن وتؤمن غيبية، تفسريات بأية تقبل ال عقبة أية طريقه من يزيل أن ويجب حلياته، معنى بناء عىل بنفسه قادر وهو ميتافيزيقي، تمنعه من التفكري يف أي يشء، حتى من التفكري يف غري املفكر فيه! وهبذه الرؤية االجتامعية املنافسني ألوجست كونت يف أحد أنه ويرى ابن خلدون، إنجازات املؤلف يفهم للعالم

كونه منشئ علم االجتامع.)2(

هذه ضمن يصنفه وجعله خلدون ابن أفكار يف Restivo رستيفو انتباه لفت ما أما عىل يقوم منهجا تبنى فهمه- –حسب خلدون ابن أن فهو للعالم،)3( «املاركسية« الرؤية

(1) Restivo, Sal. The Sociological Worldview, Oxford, UK: Basil Blackwell, 1991.

(2) Restivo. Ibid., p. 25.

يهتم املاركسيون العرب بابن خلدون، وبعضهم يؤكد أو يرجح أن ماركس أو أنجلز أو كليهام اطالعا عىل الرتمجة )3(الفرنسية لكتاب املقدمة البن خلدون. انظر يف ذلك:

والنرش، للدراسات العربية املؤسسة بريوت: ماركس، إىل خلدون ابن من الثورة نظرية اهلل. عبد الطاهر، -1979م، ص 14.

- شقري، صالح، والعطواين، هيثم توفيق. إشكالية النقد التارخيي عند ابن خلدون، جملة جامعة ترشين للبحوث والدراسات العلمية، سلسلة اآلداب والعلوم اإلنسانية، املجلد )37(، العدد )2(، 2015م، ص 225- 242،

ص 239.

- إبراهيم، عبد اهلل عل إبراهيم. املاركسية واملهدية واإلسالم: إنجلز وابن خلدون، جريدة األحداث، الرابط:

- https://bit.ly/371Uoxq (Retrieved 7 July 2020).

رؤية العالم عند عبد الرمحن بن خلدون الفصل اخلامس

Page 281: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

280

النظرة التارخيية، التحليلية، الشمولية، عب الثقافية، للجنس البرشي ويبز أشكال الرصاع من ويكثر البرشية، واملجموعات )الطبقات( الفئات بني املصالح وتصادم )اجلديل( )الشبيهة العامة والقوانني األسباب عن والبحث والتقويم، واملقارنة، والنقد، التساؤل، إليه ينتهي الذي واملصري )الكسب( البرشي السعي مسؤولية ويعزز الطبيعية(، بالقوانني

البرش -يف حياهتم- من الغنى والفقر، أو من القوة والضعف، أو من النرص واهلزيمة.)1(

«املجتمع أن: الغريب االجتامعي الفكر كتاب مؤلفا الحظ الشاكلة نفس وعىل املحمدي)!( الوسيط أنتج تلميذا الفتا لالنتباه هو الفيلسوف واملؤرخ العريب ابن خلدون..« فين لم يجدا يف الفكر االجتامعي البن خلدون أكثر من «نظرية الرصاع يف التغري لكن المؤل

االجتامعي، واألمهية الكبرية للبيئة الطبيعية يف تشكيل النظام االجتامعي.)2(

بابن أشادوا قد الغربيني واملفكرين املؤرخني من قليل غري عددا أن بالذكر واجلدير ابن عن توينبي أرنولد البيطاين املؤرخ عبارة يرددون الـمحدثني من وكثري خلدون، م فلسفة للتاريخ هي بدون أدنى شك أعظم عمل من نوعه خلدون، حيث يقول عنه: «إنه قدأنجزه أي عقل، يف أي وقت، ويف أي مكان!«)3( وال يزال الغربيون يكتبون عن عبقرية ابن خلدون يف جماالت الفكر الفلسفي واالجتامعي والسيايس ومناهج البحث، وينقل روبرت التي العبارات «ابن خلدون: سرية فكرية« مجلة من الصادر حديثا: كتابه إروين يف مقدمة وردت يف كتب املؤرخني والفالسفة الغربيني، وهي عبارات ال تقل ثناء عىل ابن خلدون عن

عبارة أرنولد توينبي أعاله.)4(

مسلم، عريب، عالم أنه عىل خلدون ابن إىل ننظر الفصل هذا يف فإننا حال كل وعىل أن يتوقع ولذلك األشعري. والكالم املالكي، املذهب عىل واجلامعة، السنة بفهم ملتزم

(1) Restivo. Ibid., p. 18-19.

(2) Kilzer, E. and Ross, E. J. Western Social Thought, op.cit., 131-132.

(3) Toynbee, Arnold. A Study of History London: Oxford University Press, 1935, Vol.3, p 322.

(4) Irwin, Robert. Ibn Khaldun: An Intellectual Biography, Princeton, New Jersey: Princeton University Press, 2018, p. iv.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 282: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

281

ثم ومن اإلسالمية، الدينية العالم لرؤية العامة اخلصائص بمجمل للعالم رؤيته تتصف ال نجد ما يبر قبول بعض اآلراء الشاذة التي اهتمته بالشعوبية أو التشيع، أو االعتزال، أو ف فيه ابن خلدون بنفسه، املذهب التجريبي املادي اجلديل. ففي كتاب التعريف –الذي يعرالعريب احلرضمي. ويف كتاب بنسبه يفتخر اليوم- املعروفة الشخصية املذكرات عىل طريقة مة« مواطن كثرية ينتقد فيها التشيع، وعىل اخلصوص من يسميهم الرافضة وينتقد فيه «املقدواملجتمع الكون يف اإلهلية والسنن الظواهر تفسري يف القرآنية مرجعيته ويؤكد املعتزلة.. والنفس، ويف دعائه إىل اهلل بالتوفيق واهلداية وزيادة العلم... إلخ. ويؤمن باآلخرة ويرجو القيامة: يوم إىل الدفاع هذا أجر وادخر نسبهم، وصحة قوم رشف عن دافع فقد ثواهبا،

«لكني جادلت عنهم يف احلياة الدنيا، وأرجو أن يجادلوا عني يوم القيامة.«)1(

أنه ورغم السابقة. والعصور عرصه علامء أكثر مثل موسوعي عالم خلدون وابن كتاب وهو منه األول اجلزء يف جاء ما فإن «العب«، كتابه بسبب املؤرخني فئة يف مصنف يكشف عرصه، يف معروفة كانت التي املختلفة للعلوم ودقيق واف عرض من «املقدمة«، القرآن اللغة أو علوم العلوم، سواء كانت علوم عن اطالع واسع وعميق يف تفاصيل هذه أو وتطبيقية، طبيعية علوم من هبا يتصل وما واملهن واحلرف الصنائع علوم أو واحلديث

علوم تربوية ونفسية وروحية... إلخ.

من األخري القرن ربع قرابة أمىض وقاضيا فقيها كان خلدون ابن أن يف شك وال حياته متنقال بني الفقه والقضاء. وله طريقة مميزة يف تعليم الفقه، ومنهج متميز يف ممارسة القضايا الوقوف عند يتجنب العلوم واملهن كان تعامله مع ابن خلدون يف القضاء. ولكن يبهن أو قاعدة يثبت أن يريد عندما املثال، سبيل عىل إال الدقيقة والتفصيالت اجلزئية عليها، ولذلك ال غرابة يف أن جماالت إبداعه هي املجاالت األقرب إىل الكليات التي تخدم

الوصف اإلمجايل واإلحاطة العامة والرؤية الكلية.

وإذا كانت رؤية ابن خلدون للعالم تقوم عىل اإليمان الديني اإلسالمي بكل تفاصيله النقلية املعروفة، فإنها تميزت عن رؤية غريه من أهل العلم يف الرؤية اإلسالمية، حني اعتمد

ابن خلدون، املقدمة، ج1، ص 317. )1(

رؤية العالم عند عبد الرمحن بن خلدون الفصل اخلامس

Page 283: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

282

نظرة كلية وشمولية ملصادر معرفته حول موضوعات بحثه. فقد كان ابن خلدون يبحث يف طبيعة التاريخ بوصفه «خبا عن االجتامع اإلنساين، الذي هو عمران العالم، وما يعرض بعضهم التغلبات أصناف أو والعصبيات والتأنس التوحش من العمران ذلك لطبيعة بأعامهلم البرش ينتحله وما ومراتبها، والدول الملك من ذلك عن ينشأ وما بعض، عىل نظرته شملت فقد ولذلك والصنائع.«)1( والعلوم واملعاش الكسب من ومساعيهم الكلية إىل العالم وتفسريه ملا يحدث فيه، أثر البيئة الطبيعية اجلغرافية يف واقعات العمران النفيس السلوك وأثر االستثامر، وطرق االقتصادية املوارد إدارة أساليب وأثر البرشي، للظواهر خلدون ابن تفسري أن يعني وهذا السلوك. أشكال يف ودوافعهم الناس عند د دور التداخل والتفاعل االجتامعية ل يقترص عىل مصدر واحد أو سبب واحد، وإنما أك

بني األسباب املختلفة.

التي الثابتة والصور املشاهد من جمموعة يدرسه كان الذي العالم ير لم فإنه كذلك النتائج، واستخالص األحكام إصدار ثم ومن الزمن، من معينة حلظة يف وصفها يمكن ر دائم وانتقال من حال إىل حال. فتنتقل املجتمعات وإنما رأى العالم البرشي يف حالة تطومثال من البداوة إىل احلضارة ثم إىل األفول، ثم تبدأ من جديد يف دورات متالحقة، وحال األمم يف هذا الشأن هو حال األفراد الذين يمرون بعد جميئهم إىل هذا العالم من حالة الصبا

والشباب ثم الكهولة واهلرم.

ل األحوال يف األمم واألجيال ويؤكد ابن خلدون مرة بعد أخرى أن «الذهول عن تبدأحقاب بعد إال يقع ال إذ اخلفاء،« شديد دوي «داء هو األيام« ومرور األعصار بتبدل متطاولة، فال يكاد يفطن له إال اآلحاد من أهل اخلليقة...«، وهذا الداء؛ أي «الذهول« املشار

إليه هو «من الغلط اخلفي يف التاريخ.« الذي يقع فيه املؤرخون.)2(

املحسوسة، املشاهدات عالم ينحرص يف أن أكثر وأكب من ابن خلدون والعالم عند المادي. العالم إىل إضافة روحاين وعالم نفساين عالم فثمة املبارشة، البرشية املدارك أو

املرجع السابق، ج1، ص 329. )1(

املرجع السابق، ج 1، ص 321. )2(

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 284: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

283

ومدارك البرش ال تستطيع أن تستويف إدراك هذه العوالم بجملتها، فالعالم الطبيعي فيه من الظواهر ما ال يقع عليه احلس، والعقل اإلنساين حمدد فيام يدرك من أنواع الوجود، فحقيقة األلوهية والنفس وأحواهلا والنبوة والبعث واآلخرة، وغريها... ال يدرك اإلنسان منها إال والتجربة. الرياضة من وبيشء النقل بطرق معرفته لإلنسان أتيح ما وهو القليل، اليشء لكن املعرفة املوسوعية البن خلدون يف العلوم املختلفة ال تتناقض مع تصنيف ابن خلدون ضمن املبدعني يف العلوم االجتامعية تحديدا، وليس يف العلوم الطبيعية مثال، وال حتى يف

العلوم الرشعية.

ومن املعروف أن رؤية العالم ذات مستويني: األول يتوافر للعلامء والباحثني القادرين والتعبري وخصائصها، الرؤية تلك حمددات من األكب باجلزء ووعيهم فهمهم صياغة عىل الثاين يتوافر للعامة عنها بصورة تكشف عن االنسجام والتكامل بني عنارصها. واملستوى من الناس، الذين ينطلقون يف فهمهم وسلوكهم من رؤيتهم الكلية للعالم بطريقة واعية أو غري واعية، ولذلك ربام ال يستطيعون ربط هذه الرؤية الكلية وعنارصها يف صورة منسجمة ابن خلدون كان يقع يف املستوى أن بينها ومع أشكال فهمهم وسلوكهم. وال شك يف فيام أثر هذه د يؤك فهو بيئته وعرصه. السائدة يف بالثقافة يتأثر ر أي مفك فإن األول، ومع ذلك البيئة الزمانية واملكانية عىل مزاج السكان ونفسياهتم، وحتى قدراهتم عىل اإلنجاز احلضاري ودورهم يف طبيعة العمران. وال عجب –إذن- أن يكون ابن خلدون نفسه متأثرا يف بعض يف زمانه أهل جارى ولذلك ومعتقداته، خبته تحد التي باحلدود الكلية النظرية أحكامه حني وبيئته، زمانه يف سائدة كانت التي للعلوم وصفه طريقة مثال منها املسائل؛ من عدد

تكلم عن علوم السحر والطلسامت وحساب احلروف والسيمياء... إلخ.

وحول انتامئه حول اجلدل حسم يف يعني خلدون ابن عند العالم رؤية تحديد إن األيديولوجية التي يتبناها. فالبعد العمراين من حياة البرش يف هذه األرض ليس توجها ماديا يف رؤية العالم، كام يحاول بعض املاديني أن يصوروا رؤية العالم عند ابن خلدون، وإنما هو تحقيق إلرادة اهلل –عز وجل- يف عمران العالم، واخلالفة يف األرض: ﴿حل خل مل هل

رؤية العالم عند عبد الرمحن بن خلدون الفصل اخلامس

Page 285: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

284

جم حم خم مم جن حنخن من هن جه مه﴾ ]هود: 61[ فاألرض وما فيها وما حوهلا

ن يف الكون بإذن هي امليدان احليوي حلياة اإلنسان يف حركته وسعيه، ولذلك فإن اإلنسان ممك

له.«)1( خلق الذي االستخالف «بمقتىض اإلنسان، اهلل هو مسخر هلذا ما خلقه ربه، وكل

إليه بصورة متكررة، «املقدمة«، ويعود التأكيد يف موقع مبكر من وابن خلدون يجعل هذا

يف الديني التوحيد عقيدة من املنطلقة عنارصها وانسجام رؤيته وضوح تعكس وبصورة

إطارها اإلسالمي الرصيح.

فإنهم خلدون، ابن تمثلها التي العبقرية جوانب تقويم يف الباحثون اختلف ومهام

وهي العمران، نظرية أو االجتامعية، التارخيية النظرية يف كان إبداعه حمور أن عىل يتفقون

ويتطور البرشي االجتامع هبا يقوم التي الكيفية فهم تستهدف كلية، رؤية شديد بإجياز

وبيان أخرى، حالة إىل حضارية حالة ومن تالية، مرحلة إىل مرحلة من اإلنساين املجتمع

بالعالقات شديد اهتامم مع واهنيارها، احلضارات وقيام الدول نشأة يف املؤثرة العوامل

السببية والقوانني التي تحكم الظواهر االجتامعية.

خلدون ابن آراء أولوا قد العرب الباحثني وبعض املسترشقني من كثريا أن ومع

العلمي، البحث ومنهجية التدين بني فصل وأنها واحليادية، املوضوعية عن تعبري بأنها

عياد، كامل بشدة حتليل كل من أنكر إنصافا حني أكثر كان املسترشق هاملتون جب فإن

والسيايس البن التارخيي الفكر باألملانية، عن منهام نرشتا لكل دراسة وإروين روزنثال يف

الدينية." بالشؤون باله انشغال من أو الديني امليل من التحرر "فضل له وأسندا خلدون،

ويستفيض هاملتون جب يف نقض مقوالت املؤلفني املذكورين. ثم يؤكد أن ابن خلدون "ل

يكن فحسب مسلام بل كان، كام تكاد كل صفحة من صفحات املقدمة تشهد، فقيها متكلام

الرشيعة هي وأن احلياة، أهم يشء يف الدين يرى وكان املتشدد، املالكي املذهب أتباع من

ابن خدلون ضمني الوحيد إىل اهلدى... إن األساس األخالقي اإلسالمي يف فكر الطريق

املرجع السابق، ج2، ص521. )1(

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 286: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

285

يستشف خالل عرضه كله. أما مبدأه يف العلية والقانون الطبيعي ... فليس هو إال "سنة اهلل

التي يرتدد ذكرها يف القرآن.«)1(

لعنارص وتبنيه مة«، «املقد كتاب يف الرصحية اإلسالمية خلدون ابن منطلقات إن

األمور بعض عىل حكمه يف الصواب جانب قد أنه تنفي ال للعالم، اإلسالمية الرؤية

أو القديم يف مسلم مفكر أو عالم أي مثل ذلك يف مثله التفصيلية، والقضايا اجلزئية

وابن خلدون والرسل، األنبياء إال البرش بني من اخلطأ من ثمة معصوم فليس احلديث؛

نفسه ترك املجال مفتوحا لتصحيح أفكاره، باعتبار أن بعضها كان يف رأيه جديدا مبتكرا

أو موجزا خمترصا.

العالم لرؤية تناوهلم يف واحدا اإلسالمية األمة علامء منهج يكون أن نتوقع وال

الذين العلامء منهج عن خمتلفا كان خلدون ابن منهج أن نالحظ ونحن عنها، وتعبريهم

ناقش موضوعات الكندي أن الفلسفة، ومثال ذلك أو التصوف أو الفقه ميدان عرفوا يف

رؤية العالم بمنهج خمتلف متاما عن منهج ابن خلدون، فمنهج الكندي منهج فلسفي يعتمد

الباهني الرياضية، واستخدم يف ذلك املصطلحات الفلسفية التي كانت تستخدم من قبل.

وإذا افرتضنا أن «األساس يف تفكري الكندي يف هذه املسألة )علة العالم األوىل( الرأي الديني

نحو ووجهها الكندي أبحاث قاد الذي هو الديني الرأي هذا «إن أو اإلسالم«، بحسب

هدفها يف هذه املسألة«، فإن علينا أن «نذكر أن الكندي كان يعالج هذه املسألة معاجلة فلسفية

عىل اعتبار أنها مشكلة فلسفية خالصة.«)2( ومع ذلك فإن ذلك ال يطعن يف جممل املعتقدات

اإلسالمية للكندي كام تتجىل يف مؤلفاته غري الفلسفية، التي كتبها دفاعا عن عقائد اإلسالم،

ترمجة إحسان عباس، وحممد بولك، دراسات يف حضارة اإلسالم، حترير ستانفورد شو، ووليم جب، هاملتون. )1(بعنوان: األصول العارش الفصل انظر للماليني، ط3، 1979م، العلم دار زايد، بريوت: يوسف نجم، وحممود

اإلسالمية يف نظرية ابن خلدون السياسية، ص 226-225.

السيد، عزمي طه. حقيقة العالم عند فيلسوف العرب وفالسفة اليونان: مقارنة بني آراء الكندي وأفالطون وأرسطو، )2(إربد، األردن: عال الكتب احلديث، 2015م، ص 294.

رؤية العالم عند عبد الرمحن بن خلدون الفصل اخلامس

Page 287: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

286

مثل كتابه يف «نقض مسائل امللحدين«، ورسائله يف الرد عىل النصارى، واملانوية، واملثنوية، واألفكار اهلرمسية والغنوصية، وغريها.)1(

الغزايل، حامد أيب عند العالم رؤية فيها حرضت التي الطريقة عن يقال ذلك ومثل الدوام ينطلق الفقه والكالم والفلسفة والتصوف، وكان عىل الذي تنقل يف ساحات علوم بني اجلمع يف وتجلياتها اخلالصة التوحيدية الرؤية من اإلسالم- علامء من غريه -مثل فالرؤية األخالقية. واالستقامة العلمية النزاهة وبني العلمي، والكسب الديني الوهب املجاالت بنية التكاملية يف الرؤية توليد الغزايل، كانت األساس يف التوحيدية عند الكونية

املعرفية، ويف السعي املبرص يف احلياة الدنيا لنيل ثواب احلياة األخرى.)2(

السياسية باحلالة كتبه فيام متأثرا كان ربام خلدون ابن أن ننفي أن الصعب ومن واالقتصادية والثقافية التي عايشها، ومن املتوقع أن يصل هذا التأثر أحيانا إىل املبالغة يف تصوير مشهد معني وتحليله، واحلكم عليه بتعميم قد ال يكون صاحلا يف مجيع احلاالت. مظلمة،)3( صورة رسم إىل يؤدي بام مسألة، عن احلديث يف االستطراد إىل يلجأ وربام استخالصا كتبه كان ما إن بعض ثم استثنائية. الناس عن حاالت يرويه بام يتأثر وربام الظروف مع وتعامال مرونة يتطلب كان الذي السيايس، العمل يف الشخصية لتجربته أكثر من أن يكون تنظريا يستند إىل مبادئ تسطرها النصوص. وربام يفرس ذلك اختالف له ولرؤيته. ابن خلدون وتشكيل رؤيتهم آراء لبعض املعارصين يف تفسريهم الباحثني العصبية، ومسألة اإلمام، ومسألة العرب، وقرشية رأيه يف الباحثون حول اختلف فقد

الرشقاوي، محدي عبد اهلل. علم مقارنة األديان يف الرتاث الفكري اإلسالمي: منهجا وقضايا، بريوت: دار الكتب )1(العلمية، 2017م، ص 580 وما بعدها.

بن رساي، "عالقة الرؤية إىل العالم بالتكامل املعريف: مدونة الغزايل نموذجا"، مرجع سابق، ص 281-234. )2(

مثال االستطراد يقول ابن خلدون: «وقد كدنا أن نخرج عن غرض الكتاب باإلطناب يف هذه املغالط، فقد زلت )3(أقدام كثري من األثبات واملؤرخني احلفاظ يف مثل هذه األحاديث واآلراء وعلقت بأفكارهم، ونقلها عنهم الكافة

من ضعفة النظر والغفلة عن القياس وتلقوها هم أيضا كذلك من غري بحث وال روية..« انظر:

- ابن خلدون. املقدمة، مرجع سابق ، ج1، ص 320.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 288: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

287

السحر، وعدم صالحية العلامء للعمل يف السياسة، ورأيه يف املنطق، وشدة نقده لغريه، ومسألة حفظ األطفال للقرآن الكريم، وغري ذلك، فمنهم من حاول تفسري ذلك لصالح مواقفه عليه استنكر من ومنهم االستنكار، يتطلب ال وجه عىل له أو أو خلدون، ابن

واهتمه بأقسى التهم.)1(

الباب 1998م، ص ط1، الرسالة، مؤسسة بريوت: املقدمة، خالل من اخللدوين الفكر فاروق. حممد النبهان، )1(الرابع: الفكر اخللدوين، ص 211، وما بعدها.

رؤية العالم عند عبد الرمحن بن خلدون الفصل اخلامس

Page 289: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

288

المبحث الثاين

رؤية ابن خلدون للوجود واملعرفةأوال: الوجود الغيبي والوجود املادي

واإليمان اهلل يف العقيدة من تنبثق –سبحانه- اخلالق اهلل رؤية أن عىل خالف ال يف واجلامعة السنة أهل طريقة عىل مسلم عالم خلدون فابن وصفاته، وربوبيته بألوهيته األوىل األسطر يف واضحا ذلك لتجد وإنك املالكي. الفقهي واملذهب األشعرية، العقيدة من املقدمة يف صيغة محد اهلل والثناء عليه وذكره بأسامئه وصفاته، كام تجده مبثوثا يف أنحاء كتاب «املقدمة« كله، حيث ينهي املؤلف كل فقرة تقريبا بذكر اهلل والدعاء باسم من أسامئه،

أو صفة من صفاته، بام يالئم موضوع الفقرة.

فإذا كان موضوع الفقرة بيان أخطاء املؤرخني والصواب فيها، فإنه ربام ينهي الفقرة بقوله: واهلل اهلادي إىل الصواب، أو بقوله: واهلل هيدي من يشاء. وإذا كان يتحدث عن التي خلت اهلل بقوله: سنة الفقرة ينهي ربام فإنه السنن، أو سنة من القوانني قانون من يستعني فإنه األمور من أمر عن الالحقة الفقرات يف يتحدث بأن وعد وإذا عباده. يف التكالن.«)1( وعليه واملعني املسدد «واهلل والسداد العون منه ويطلب عليه ويتوكل به وإذا كان يتحدث عن العلم املعروف يف فن من الفنون وكيفية تحصيله وحدود اكتسابه فإنه ربام يختم بقوله: واهلل أعلم، أو: وما أوتيتم من العلم إال قليال.)2( وإذا أشار إىل أنه انتهى من بحث مسألة من املسائل فإنه قد يختم بقوله: «نسأل اهلل تمام الخاتمة بمنه.«)3( وإذا انتهى من احلديث عن أقاليم األرض واختالفها يف العروض والساعات واألميال تقديرا،«)4( فقدره يشء كل خلق العليم، اخلالق «واهلل بقوله: يختم فإنه والدرجات،

ابن خلدون. املقدمة، ج1، ص 327. )1(

)2( املرجع السابق، ج1، ص 333.

)3( املرجع السابق، ج1، ص 354.

)4( املرجع السابق، ج1، ص 358.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 290: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

289

للعاملني.«)1( آليات والنهار الليل واختالف واألرض الساموات خلق «ويف بقوله: أو وهكذا.

أي رب العاملني« «رب هو اهلل أن من اإلسالم ما هو معروف يف يقرر وابن خلدون مجيع العوال املعروفة لنا: يف عال الشهادة وغري املعروفة مما يعلمه اهلل، ويف عالم الغيب الذي بصورة يميز فإنه واملخلوق، اخلالق بني حاسام تمييزا خلدون ابن يميز وكام آثاره. نعرف رصحية بني عوالم ثالثة هي: عالم احلس وعالم النفس وعالم الروح. كام يميز تمييزا حاسام ل يف بيان خملوقات العالم ليؤكد بني علوم اإلنسان وعلوم األنبياء وعلوم املالئكة.)2( ويفصر ابن خلدون أن اهلل سبحانه ل يخلق أنها خملوقة لإلنسان لتحقيق هدف االستخالف. ويقرهلم، ورعايته عنايته سبحانه يواصل وإنما شؤوهنم، عن يغفل أو سدى ويرتكهم الناس وفطرهم بخطابه فضلهم أشخاصا البرش من «اصطفى وجل عز اهلل أن قوله: ذلك ومن عىل ضونهم ويحر بمصاحلهم فوهنم يعر عباده، وبني بينهم وسائل وجعلهم معرفته عىل عن ويتحدث النجاة.«)3( طريق عىل ويدلوهنم النار، عن بحجزاهتم ويأخذون هدايتهم، يؤتيه من يشاء «فضل اهلل الكرامات أن هذه ر فيقر الكرامات، الـمتصوفة وأهل فئات من

وأنه سبحانه خيصها )بعض النفوس اإلنسانية( بام يشاء من مواهبه.«)4(

واإلنسان ال يعيش لذاته وال حتى ملجتمعه وحسب، وإنما يعيش لذاته وجمتمعه وللبيئة يتأثر هبا ويؤثر العمراين البيئة بوجوده الطبيعية فهو يف هذه البيئة فيها بام فيها، يعيش التي فيها، وبعالقات التواصل والتفاعل مع هذه البيئة يدخل التنوع واالختالف والتغري املستمر العالم. فرؤية ابن خلدون للعالم هي رؤية للوجود بصفته العمرانية املفتوحة عىل يف حالة

املرجع السابق، ج1، ص 391. هكذا وردت، وهذا ليس نص آية قرآنية. ولو أراد اآلية التي تعطي املعنى لكان )1(هئ مئ خئ حئ ييجئ ىي ني مي زي ري ى ﴿ٱين تعاىل: قوله خيتار أن يمكنه جب﴾ ]الروم: 22[ أو قوله تعاىل: ﴿ٱنث ىث يث ىف يف ىق يق اك لك مك ىك﴾ ]آل عمران: 190[، ونظرا ألن مثل ذلك يتكرر يف ختام كثري من الفقرات، فربام كان ال يقصد نص اآلية القرآنية بقدر

ما كان يقصد معنى قريبا.

ابن خلدون، املقدمة، ج1، ص 922. )2(

املرجع السابق، ج1، ص 405. )3(

املرجع السابق، ج1، ص 431. )4(

رؤية العالم عند عبد الرمحن بن خلدون الفصل اخلامس

Page 291: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

290

الثقافات عىل مفتوح البرشي العمران لتحقيق البرشي والسعي البرشي. العقل منجزات البرشية واحلضارات البرشية كافة.

يف موقعيهام خلدون- ابن -عند الوجودي واألمر الرشعي لألمر أن الواضح ومن احلق وهو عنه يصدران الذي املصدر لوحدة التكامل من حالة يف ومها البرشية، املعرفة «، كام يقول ابن رشد، و«رصيح املعقول ال يناقض صحيح سبحانه، و«احلق ال يضاد احلق

املنقول«، كام يقول ابن تيمية.

وتدبري اهلل ورعايته لإلنسان ال تقترص عىل هدايته لإليمان به واالستقامة عىل رشيعته، تتم حتى واالجتامع. العمران وقيام احلياة، أسباب التامس إىل هدايته أيضا تشمل وإنما ملا اإلنساين للنوع رضوري االجتامع هذا «فإذن نوعه: وحفظ اإلنسان بقاء يف اهلل حكمة معنى هو وهذا إياهم، واستخالفه هبم العالم اعتامر من اهلل أراده وما وجودهم، ل يكمالعمران، الذي جعلناه موضوعا هلذا العلم.«)1( وما يتحقق من إهلام وهداية وتوفيق يكون إهلي، جعل هو إنما العمران علم استحداث من فيه وما املقدمة كتاب إن حتى اهلل. بأمر وإهلام رباين، يقول ابن خلدون: «ونحن أهلمنا اهلل ذلك إهلاما، وأعثرنا عىل علم جعلنا سن

ه.«)2( بكره، وجهينة خب

بكنه يعرفنا لم فإنه وصفاته بأسامئه أعلمنا قد –سبحانه- اخلالق الرب هذا أن ومع حقيقته، «إذ ذاك متعذر عىل إدراكنا ومن فوق طورنا، فكلفنا أوال اعتقاد تنزهيه يف ذاته عن مشاهبة املخلوقني، وإال لم يصح أنه خالق هلم لعدم الفارق عىل هذا التقدير، ثم تنزهيه عن

صفات النقص وإال لشابه املخلوقني، ثم توحيده باإليجاد وإال ل يتم اخللق للتامنع.«)3(

األئمة من أسامء اهلل والسنة وتحقيقات الكتاب ما ورد يف إىل ابن خلدون أشار وقد وصفاته التي مثلت أمهات العقائد، وكيف أخذها الصحابة والتابعون عىل ظاهرها وأحلقوا

املرجع السابق، ج1، ص 341. )1(

املرجع السابق، ج1، ص 335. )2(

املرجع السابق، ج3، ص 971. )3(

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 292: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

291

املتشابه منها باملحكم حني غيبوا أدلة التنزيه عن التشبيه: «وعلموا استحالة التشبيه، وقضوا أنه عرض تأويل. إال يتعرضوا ملعناها ببحث وال فآمنوا هبا ولم بأن اآليات من كالم اهلل، العقائد... فدعا ذلك إىل اخلصام والتناظر، واالستدالل بعد ذلك خالف يف تفاصيل هذه من شذ من إىل خلدون ابن وأشار الكالم.« علم بذلك فحدث النقل، إىل زيادة بالعقل لوا يف التشبيه، ففريق شبهوا يف الذات باعتقاد اليد والقدم والوجه عمال املبتدعة الذين «توغبظواهر وردت بذلك، فوقعوا يف التجسيم الرصيح...، ثم يفرون من شناعة ذلك بقوهلم: جسم ال كاألجسام. وفريق منهم ذهبوا إىل التشبيه يف الصفات كإثبات اجلهة واالستواء،...

وآل قوهلم إىل التجسيم، فنزعوا مثل األولني إىل قوهلم: جهة ال كاجلهات...«)1(

«ثم ملا كثرت العلوم والصنائع وولع الناس بالتدوين والبحث يف سائر األنحاء، وألف املتكلمون يف التنزيه حدثت بدعة املعتزلة يف تعميم هذا التنزيه يف آي السلوب فقضوا بنفي صفات املعاين من العلم والقدرة واإلرادة واحلياة... والسمع والبرص... والكالم... فقضوا النتهاض سببا ذلك وكان بخالفها... السلف ح رص بدعة، وذلك خملوق؛ القرآن بأن الشيخ بذلك وقام البدع، هذه صدور دفعا يف العقائد هذه العقلية عىل باألدلة السنة أهل الصفات وأثبت التشبيه ونفى الطرق، بني فتوسط املتكلمني إمام األشعري احلسن أبو البعثة.. العقائد يف دوه هلذه املبتدعة يف ذلك كله، وتكلم معهم فيام مه املعنوية... ورد عىل ا من عقائد إهن ملا ظهر حينئذ من بدعة اإلماميني من قوهلم الكالم يف اإلمامة وأحلق بذلك

ا قضية مصلحية إمجاعية وال تلحق بالعقائد...«)2( اإليمان... وقصارى أمر اإلمامة أهن

املصدر ثالثة: مصادر ذات األعىل المأل لعوالم خلدون ابن رؤية أن وواضح إليه من تقود بام املبارشة التارخيي، ومصدر اخلبة احلسية النقل الرشعي، واملصدر النقل القرآنية باآليات يستشهد خلدون ابن نجد األول املصدر ففي والوقائع. بالطبائع معرفة جممله، ندرك الذي الروحاين العالم بتفاصيل العلم إليها «ويحيل النبوية، واألحاديث

املرجع السابق، ج3، ص 971. )1(

املرجع السابق، ج3، ص 975-972. )2(

رؤية العالم عند عبد الرمحن بن خلدون الفصل اخلامس

Page 293: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

292

من وبينها بيننا ما مع فينا آثارها لوجود أفئدتنا... يف تلقى التي آثاره من عليه ونستدل املغايرة، وربما نستدل عىل هذا العالم األعىل الروحاين وذواته بالرؤيا... فنعلمه كذلك عىل اجلملة وال ندرك له تفصيال... وال يبقى لنا مدرك يف تفاصيل هذه العوالم إال ما نقتبسه من

الرشعيات التي يوضحها اإليمان ويحكمها.«)1(

أن من العاملقة حول املؤرخني مقالة يرفض حني الكريم، بالقرآن يستشهد وكذلك نا نمر بمساكن أجسامهم كانت كبرية وهياكلهم عظيمة، فيشري إىل توجيه اهلل سبحانه لنا بأنيستشهد كام مصبحني« عليهم لتمرون «وإنكم مساكننا: مثل فنجدها األقوام هؤالء ديارهم.«)2( ويستشهد ا أهن اهلل عليه وسلم النبي صىل أشار «وقد فيقول: النبوي باحلديث باآلية القرآنية التي تشري إىل تيه بني إرسائيل ومدة هذا التيه، ليستنتج أن اجليل الذي ينزل به ل منزلة الطبيعة واجلبلة وصار له خلقا ال حيقق غلبة، وال بد من فنائه ونشأة جيل آخر، الذ

فيقول: «وأن األربعني سنة هي أقل ما يأيت فيها فناء جيل ونشأة آخر.«)3(

العقل اإلنساين أن إحاطة يقرر فإنه بالسببية إيمانه ابن خلدون مع فإن العموم وعىل به تتسع الضالل، كام يأمن من فإنه ال العقل ذلك بجميع األسباب مستحيلة، وإذا حاول جماالت النظر حتى يحار يف إدراكه فيكل ويضل، لذلك فإنه يرى أن نسلم بام جاء به الرشع

ضه إىل الشارع ونعزل العقل عنه. ونثق به، ونسكت عام ل نفهمه ونفو

ومما يلفت النظر أن منهج ابن خلدون يف االستشهاد بالقرآن واحلديث، ال يكون دائام يجعل لطيفا، تضمينا الغالب يف االستشهاد يضمن وإنما يقرره، كام البهان صيغة عىل يثبته أو النص هذا يوثق أن دون السنة، أو القرآن من يضمنه الذي النص يتذكر القارئ بطبعه، رئيس اإلنسان أن «وهو بالقول: يكتفي القرآنية اآلية نص إيراد من فبدال بنصه. من رضبا هناك فلعل هذا علمت «فإذا ويقول: له..«)4( خلق الذي االستخالف بمقتىض

املرجع السابق، ج3، ص 922. )1(

املرجع السابق، ج2، ص 546. )2(

املرجع السابق، ج2، ص 443-442. )3(

املرجع السابق، ج2، ص 506. )4(

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 294: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

293

الناس، وهو أكب من خلق اهلل مدركاتنا خملوقة حمدثة، وخلق مدركاتنا، ألن اإلدراك غري اقتباس من نص اآلية: ﴿حت خت مت هت مث حج مج جح مح جخ مخ جس﴾. ]غافر: 57[ واحلرص جمهول والوجود أوسع نطاقا من ذلك، واهلل من

ورائهم حميط، وهو اقتباس لنص اآلية ﴿ حق مق جك حك﴾ ]البوج:20[.)1(

احلكامء أقوال من عليه اطلع ما وهو األخباري، النقل املصدر هو الثاين واملصدر مة« من وصف «املقد «العب« من هذا الوجه، ومعظم ما جاء يف واملؤرخني، ومعظم كتاب العالم الطبيعي وجغرافيا األرض وأقاليمها من هذا الباب. فهو يبدأ املقدمة الثانية من الباب األول بقوله: «اعلم أنه قد تبني يف كتب احلكامء والناظرين يف أحوال العالم أن شكل األرض خطوط طريق عن األرضية الكرة تقسيم وصف ثم املاء،«)2( بعنرص حمفوفة وأنها كروي العرض، وأشار إىل أن اجلزء املعمور من األرض هو ما كان شامل خط االستواء، وقسمه إىل سبعة أقاليم، ونسب معرفته هذه إىل كتابني يف اجلغرافيا: األول لبطليموس، والثاين للرشيف اإلدرييس. ويف تفاصيل هذا الوصف كان ينقل ما قاله املخبون فيقول: «ثم إن املخبين...

موا هذا املعمور...« ويبدأ كل فقرة تالية بكلمة: «قالوا.« قس

والطبائع. والوقائع املبارشة لألشياء العملية واملشاهدة فهو اخلبة الثالث املصدر أما مادة وأكثر العلامء. من غريه من كثري عن خلدون ابن هبا امتاز التي املنهجية هي وهذه الطبيعي العالم تشمل املعريف املصدر هذا بمرجعية واستشهاده الباب. هذا من مة« «املقدرؤيته البهان عىل صحة أيضا يف جمال به التارخيية. ويستشهد النفيس واألحداث والعالم األمور غرائب بعض تأكيد يف وحتى التارخيي، املصدر وصحة الرشعي املصدر لداللة بعض بنفسه ب يجر كان أنه حد إىل العملية اخلبة مصدر عىل اعتامده ويصل وعجائبها، إليه «يف بعض كتب أهل الرياضيات.« ومن ذلك ما أشار التي يقرأ عنها النفسية احلاالت التوجه الرس وصحة فراغ بعد الغاية كتاب «مسلمة يف منها «وذكر الرؤى واألحالم: عن هذه الكلامت األعجمية ... ويذكر حاجته، فإنه يرى الكشف عام يسأل عنه يف النوم، وحكي

املرجع السابق، ج3، ص 968. )1(

املرجع السابق، ج1، ص 342. )2(

رؤية العالم عند عبد الرمحن بن خلدون الفصل اخلامس

Page 295: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

294

وأخبه فسأله شخص... له فتمثل وذكره، مأكله يف ليال رياضة بعد ذلك فعل رجال أن أمور عىل هبا واطلعت عجيبة، مراء األسامء هبذه أنا يل وقع وقد إليه... يتشوف كان عام كنت أتشوف إليها من أحوايل. وليس ذلك بدليل عىل أن القصد للرؤيا يحدثها، وإنما هذه من تجد فيام ره وتدب ذلك فاعلم الرؤيا... لوقوع النفس يف استعدادا تحدث احلالومات

أمثاله، واهلل احلكيم اخلبري.«)1(

ومن حق القارئ البن خلدون أن يستغرب وجود هذا النص، عندما يجمع بني النص السياق النص يف هذا أوردنا هذا لكننا البهان، املوضوعي، ويؤكد أمهية والعقل والواقع للتأكيد عىل اعتامده تجربته العملية واخلبة التي يضطر أحيانا إىل أن يبارشها بنفسه! حتى لو

كانت مسألة نفسية خارج اإلطار احليس.

ة جانب الفت للنظر يف رؤية ابن خلدون للوجود، يتعلق برؤيته للمخلوقات من وثمحيث تدرجها يف مراتب اخللق من جهة، واستعداد كل رتبة لالستحالة إىل ما يليها صعودا كلها املخلوقات من فيه بام العالم هذا «نشاهد أننا: يرى فهو أخرى. جهة من وهبوطا باألكوان، األكون واتصال باملسببات، األسباب وربط واإلحكام، الرتتيب من هيئة عىل أفق آخر أن املكونات هذه يف االتصال ومعنى بعض... إىل املوجودات بعض واستحالة منها مستعد باالستعداد القريب )الطبيعي( ألن يصري أول أفق الذي بعده.« وقد طبق هذه الفرضية عىل أفراد «عالم العنارص« ومنها األرض واملاء والنار، ثم عىل أفراد «عالم التكوين« يف وانتهى التدريج... من بديعة هيئة «عىل وذلك: احليوان، ثم النبات ثم املعادن ومنها تدريج التكوين إىل اإلنسان صاحب الفكر والروية، ترتفع إليه من عالم القردة الذي اجتمع فيه احلس واإلدراك ول ينته إىل الروية والفكر بالفعل.« ثم ينتقل بعد ذلك إىل عالم النفس املدركة وما فوقها من وجود آخر يعطيها اإلدراك واحلركة ويتصل هبا، وهو «عالم املالئكة" فوجب أن يكون للنفس استعداد لالنسالخ من البرشية إىل امللكية لتصري بالفعل من جنس

املالئكة وقتا من األوقات.)2(

املرجع السابق، ج1، ص 424-423. )1(

املرجع السابق، ج1، ص 410-414. ثمة نسخ من املقدمة أوردت لفظ عال القدرة بدال من عال القردة. وقد تبنى )2(الدكتور عل عبد الواحد وايف لفظ عال القردة، وأشار إىل هذا التصحيف.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 296: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

295

التصوف ظواهر وبعض النبوة، لظاهرة بتفسريه الفهم هذا خلدون ابن ربط وقد ل الذي يتم يف حالة النبي البرشية، حتى تصبح يف احلالة امللكية، هو عند والكرامات. والتحوابن خلدون تحول مؤقت، ال يلبث أن يعود بعده النبي إىل حالته البرشية،)1( فثمة استعداد للتحول، وهو تحول نفيس وليس بيولوجيا عضويا. فالنبي ال يستحيل واحدا من املالئكة، ويستقر عىل احلالة امللكية، وال الملك يستحيل واحدا من البرش ويستقر عىل احلالة البرشية. وإذا كان ابن خلدون قد أشار إىل إمكانية استحالة الفرد من املخلوقات إىل النوع الذي فوقه أو دونه، فإنه ل يعط مثال عىل أي استحالة بالفعل غري حالة األنبياء واملالئكة، وإنما اكتفى

بالتأكيد عىل التقارب يف اخلصائص.

وعىل هذا األساس يمكننا أن نقول: إن النتيجة التي يصل إليها عل عبد الواحد وايف قبل العضوي، البيولوجي التطور بنظرية يقول خلدون ابن أن يف املقدمة- كتاب -حمقق دليل يتوافر وال هبا. مسلام نتيجة ليست االرتقائيني، من وغريه داروين من قرون مخسة الصفا وغريهم من وابن طفيل وإخوان القزويني ابن خلدون يختلف يف هذا عن أن عىل املسلمني، وأرسطو من غري املسلمني الذين قالوا بمثل هذا الفكر التطوري، من حيث تدرج أما متتاليتني. مرتبتني كل يف األفراد خصائص وتقارب املخلوقات، مراتب يف اخلصائص أن أولئك ل يقولوا بنظرية استحالة النوع إىل النوع اآلخر، وقال هبا ابن خلدون، فال يقوم كان ربام نفسه خلدون ابن ألن البيولوجي، العضوي التطور أو التحول عىل كافيا دليال يقصد العالم الروحي وليس املادي، وهو العالم الذي اختار ابن خلدون املثل منه عىل قضية ومستقيم العقل برصيح واملمتنع« املمكن «بني يميز حني خلدون ابن إن ثم االستحالة. بني حدا يفرض فال يشء، أوسع نطاقه فإن املطلق، العقل «اإلمكان يقصد ال الفطرة، الواقعات، وإنما مرادنا اإلمكان بحسب املادة التي لليشء. فإذا نظرنا أصل اليشء وجنسه باالمتناع وحكمنا أحواله، عىل ذلك نسبة من احلكم أجرينا وقوته عظمه ومقدار وصنفه

عىل ما خرج من نطاقه.«)2(

املرجع السابق، ج1، ص 416. )1(

املرجع السابق، ج2، ص 553. )2(

رؤية العالم عند عبد الرمحن بن خلدون الفصل اخلامس

Page 297: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

296

الطبيعي الوجود بني للعالقة خلدون ابن رؤية يف للنظر الفتة أخرى قضية وثمة ألثر تقريره وهي اخللدونية، الدراسات يف جدل موضع أصبح مما البرشي والوجود وعىل والخلقية الخلقية البرش خصائص اختالف يف اجلغرافية والبيئية املناخية العوامل حمقق ومنهم خلدون، البن الدارسني بعض ويذهب احلضاري. واألداء البرشي العمران مة« عل عبد الواحد وايف، إىل ابن خلدون يقول بحتمية أثر البيئة عىل األداء احلضاري «املقداملتأمل يف القوانني«. لكن «روح «منتسكيو مؤلف كتاب للشعوب،)1( ويجمعه يف هذا مع عبارات ابن خلدون يف هذا املجال جيد أن ابن خلدون -يف الوقت الذي يقرر أثر العوامل جوانب يف والتقدم التطور ومظاهر الشعوب، خصائص عىل البيئية والظروف املناخية يف العمران طبيعة إىل إشاراته أن بدليل األثر، هذا بحتمية يقول ال البرشي- العمران األقاليم هي يف األساس وصف ملا هو كائن يف حدود ما وصل إليه من علم عن حقيقة ذلك العمران «باملشاهدة واألخبار املتواترة...« ذلك أن «العمران متدرج ويأخذ يف التدريج من

جهة الوجود ال من جهة االمتناع.«)2(

هلا عالقة ال بأسباب البرش عند والتطور التقدم مظاهر من كثريا خلدون ابن ويفرس بالبيئة. ومن ذلك أنه يشري إىل أن خلق البداوة عند العرب جعل املباين واملصانع يف بالدهم قائام كان ما استخدموا اإلسالم بعد احلضارة مواقع يف انترشوا وملا قليلة، اإلسالم قبل بناء مدن جديدة مثلام حصل يف ا اضطروا إىل التي شيدهتا األمم من قبلهم، ولم املباين من املسلمني استأذنوا خليفة فيها أن وقع احلريق القصب، وبعد األمر من ل أو بنوها الكوفة، ف وال تخرجهم هبم من الرس عمر ابن اخلطاب يف بنائها باحلجارة، فسمح هلم برشوط ال تقرامللك طبيعة وغلبت املقاصد هذه مثال من والتحرج بالدين العهد بعد وملا القصد. عن والرتف... فحينئذ شيدوا املباين واملصانع. )3(وهذه إشارة إىل إدراك ابن خلدون ألثر القرب

أو البعد من أحكام الدين والتقيد هبا يف صور احلضارة ومنشآت العمران.

وايف، عل عبد الواحد. املقدمة، ج1، من الدراسة املطولة التي أضافها املحقق يف مقدمة كتاب املقدمة، ص 229. )1(

ابن خلدون. املقدمة، ج1، ص 354. )2(

املرجع السابق، ج2، ص 801-800. )3(

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 298: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

297

والذي يوضح موقف ابن خلدون يف هذا األمر هو تأكيده عىل أمهية عامل حمدد من العوامل املؤثرة عىل العمران احلضاري، عندما ينظر إليه يف معزل عن غريه من العوامل. ا ما يحدث يف الواقع فهو أن حضارة أي جمتمع تتأثر يف الوقت نفسه بعدد من العوامل أمثم وحيوية. متداخلة بصورة ذلك ويتم واالجتامعية، واالقتصادية والسياسية الطبيعية إن أثر أي عامل من هذه العوامل يتوقف عىل املرحلة احلضارية للمجتمع. وينسجم هذا املكان واتساع الزمان امتداد عىل متتد كلية رؤية من خلدون ابن يميز ما مع التوضيح األمور وخصائص املرتبطة وطبائع العامة والقوانني السنن وتأكيده عىل األحول، وتغري املؤلف أن والتأمل، سيالحظ التأين من بقدر كله مة« «املقد كتاب يقرأ والذي الظواهر. أو احلضارة، وأن البرشي العمران مة« هي كتاب يف «املقد بأن يوقن أن القارئ يريد من تؤثر يف هذه احلضارة متنوعة منها: اإلقليم، والسياسة، والدين، والتعليم، التي العوامل

واالقتصاد، والعادات والتقاليد.

ثانيا: العلم واملعرفة

ينطلق ابن خلدون يف رؤيته للعلوم واملعارف من التمييز بني علم اهلل سبحانه، وعلوم متفرقة، مواقع يف اهلل علم عن بإجياز يتحدث وفيام البرش. وعلوم األنبياء وعلوم املالئكة خمترصة بصورة ولكن خاصة عناوين تحت األنبياء وعلوم املالئكة علوم عن ويتحدث ع يف احلديث عن علوم البرش وأصنافها وتقسيامهتا، لكأن ابن خلدون يقول لنا أيضا، يتوس

مة« كتاب يف املعرفة والعلوم اخلاصة باالجتامع اإلنساين. إن «املقد

اإلنساين اإلدراك يصل كيف خلدون ابن يوضح سبحانه، اهلل بعلم يتعلق ففيام بالرضورة إىل أن علم اهلل علم حميط. وأن اإلنسان يدرك احلوادث يف عالم الكائنات سواء كانت من الذوات أو من األفعال، وال بد هلذه احلوادث «من أسباب متقدمة عليها، هبا تقع يف مستقر العادة، وعنها يتم كوهنا)1(، وكل واحد من هذه األسباب حادث أيضا، فال بد له

يقع كوهنا: أي تصبح كائنة بعد أن ل تكن؛ أي موجودة فعال هبذه األسباب. (1)

رؤية العالم عند عبد الرمحن بن خلدون الفصل اخلامس

Page 299: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

298

من أسباب أخر، وال تزال تلك األسباب مرتقية حتى تنتهي إىل مسبب األسباب موجدها فلعل هذا فإذا علمت املحيط... العلم إال إال هو... وال حيرصها إله وخالقها سبحانه ال هناك رضبا من اإلدراك غري مدركاتنا، ألن إدراكاتنا خملوقة محدثة، وخلق اهلل أكب من خلق فاهتم حميط... ورائهم من واهلل ذلك، من نطاقا أوسع والوجود جمهول، واحلرص الناس، وليس وعملك... اعتقادك من به الشارع أمرك ما واتبع احلرص، يف ومدركاتك إدراكك به تزن أن تطمع ال أنك غري صحيح... ميزان العقل بل ومداركه، العقل يف بقادح ذلك أمور التوحيد واآلخرة وحقيقة النبوة وحقائق الصفات اإلهلية وكل ما وراء طوره، فإن ذلك وتفويض تأثريها وكيفيات األسباب إدراك العجز عن هو التوحيد فإذن طمع يف حمال... ذلك إىل خالقها املحيط هبا... وعلمنا به إنما هو من حيث صدورنا عنه... وهذا هو معنى

ما نقل عن بعض الصديقني: «العجز عن اإلدراك إدراك.«)1(

عالم سبحانه بأنه باإليمان ويكتفي وصفه عن اإلنسان ويعجز حميط، علم اهلل فعلم الغيب والشهادة، فال يعزب عنه يشء، وما من مثقال حبة يف السموات واألرض إال أحاط ينزل منها، ويعلم السامء وما يلج يف األرض وما يخرج منها، وما يعرج إىل ما هبا، ويعلم وهو اخلبري، العليم سبحانه وهو الصدور، تخفي وما األعني خائنة ويعلم وأخفى، الرس

عالم الغيوب.

«فيه ذوات مدركة... ليس لنا مدرك يف ا علم املالئكة فيتعلق بعالم غيبي روحاين: أميزعمه ما ا أم ويحكمها... اإليمان يوضحها التي الرشعيات من نقتبسه ما إال تفاصيلها ذلك من يشء فليس بالعقول يسمونه ما عىل وترتيبها ذواته تفصيل يف اإلهليون احلكامء األعىل العالم هذا عىل «نستدل أن يمكن أننا يرى خلدون ابن فإن ذلك ومع بيقيني.« التي نحن يف غفلة عنها يف فيها من األمور إلينا النوم ويلقى بالرؤيا وما نجد يف الروحاين أضغاث ا وأم احلق، عالم ومن حق أنها فنعلم منها، الصحيحة يف الواقع وتطابق اليقظة، عن الغيبة بعد الفكر فيها ويجول الباطن، يف اإلدراك خيتزهنا خيالية فصور األحالم

ابن خلدون. املقدمة، ج3، ص 968-966. )1(

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 300: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

299

احلس.«)1( ويوضح ابن خلدون ذلك يف موقع آخر حني يشري إىل احلديث النبوي: "الرؤيات ثالث: رؤيا من اهلل، ورؤيا من الملك، ورؤيا من الشيطان.«)2( فالرؤيا من اهلل هي الرصحية التي ال تفتقر إىل تأويل، والتي من الملك هي الرؤيا الصادقة تفتقر إىل التعبري، والرؤيا التي

من الشيطان هي األضغاث.«)3(

رصف وعقل واملادة، اجلسامنية عن جمردة «ذوات املالئكة: أن خلدون ابن بني وقد يتحد فيه العقل والعاقل واملعقول، وكأنه ذات حقيقتها اإلدراك والعقل. فعلومهم حاصلة علوم املالئكة علوم كانت وإذا ألبتة...« خلل فيها يقع ال ملعلوماهتم بالطبع مطابقة دائام «وقد العلوم، من مثلها عن احلجاب يمنعهم البرش فإن الروحانية الطبيعة بسبب معاينة ينكشف ذلك احلجاب... بالرياضة باألذكار التي أفضلها صالة تنهى عن الفحشاء واملنكر، علم قواه... بجميع اهلل اإىل وبالوجهة الصوم، ورأسها املهمة املتناوالت عىل ه وبالتنز

اإلنسان ما ل يعلم.«)4(

خلدون ابن أن ذلك الرؤيا، طريق عن العلوم بعض اإلنسان إىل الملك يلقي وقد يعد علم تعبري الرؤيا من العلوم الرشعية. «وهو علم حادث يف الملة عندما صارت العلوم من جزء «الرؤيا وسلم: عليه اهلل صىل وقال الغيب. مدارك من مدرك والرؤيا صنائع... ستة وأربعني جزءا من النبوة.«)5( ويستطرد ابن خلدون يف توضيح حقيقة الرؤيا فيبني عىل

املرجع السابق، ج3، ص 921. (1)

ما ورد يف أقرهبا النص. ولعل فيها هذا لم نجد لكننا السنن البخاري ومسلم وكتب أحاديث كثرية يف وردت )2(ث المرء ا يحد يطان، ورؤيا مم ى من اهلل، ورؤيا تحزين من الش احلة برش ؤيا ثالثة: الرؤيا الص صحيح مسلم: والر

ث هبا الناس.« انظر: نفسه، فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل وال يحد

حممد بن نظر قتيبة أبو عناية مسلم، صحيح )تويف261ه(. النيسابوري القشريي احلجاج بن مسلم مسلم، -الفاريايب )جملد واحد( الرياض: دار طيبة للنرش والتوزيع، 1426ه )2006م(، كتاب الرؤيا، حديث )2263(،

ص 1075.

ابن خلدون، املقدمة، ج3، ص 1005. )3(

املرجع السابق، ج3، ص 922. )4(

للحديث رويات كثرية يف الصحيحني ويف السنن، وحديث البخاري: «رؤيا املؤمن جزء من ستة وأربعني جزءا )5(من النبوة.« انظر:

- البخاري، صحيح البخاري، مرجع سابق، كتاب: التعبري، باب: الرؤية الصاحلة، رقم احلديث 6987، ص 1731.

رؤية العالم عند عبد الرمحن بن خلدون الفصل اخلامس

Page 301: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

300

بذلك املالئكة يف بعض حاالته، ويصبح إىل صنف اإلنسان لالرتقاء استعداد قرره من ما الروح يتحرر عندما النوم حالة يف –كذلك- ذلك ويتم الغيبية. املدارك تعقل عىل قادرا املعقول، إىل املحسوس من ويرتقي احلس، وشواغل بالبدن االشتغال حجاب من القلبي ومن عالم اخللق إىل عالم األمر.)1( يضاف إىل ذلك كله أن جبيل عليه السالم -وهو أحد

املالئكة- مكلف بحمل الوحي وما فيه من علوم إىل الرسل واألنبياء.

البرش منازع عن خارجة إهلية حالة «تعرتهيم البرش من صنف فهم األنبياء أما وأحواهلم«، لتصري نفوسهم البرشية «بالفعل من جنس املالئكة وقتا من األوقات، ثم ترجع إىل برشيتها وقد تلقت يف عالم امللكية ما كلفت بتبليغه إىل أبناء جنسها من البرش، وهذا هو معنى الوحي وخطاب املالئكة«، وعلم األنبياء هذا هو «علم شهادة وعيان ال يلحقه اخلطأ والزلل، وال يقع فيه الغلط والوهم، بل املطابقة فيه ذاتية، لزوال حجاب الغيب وحصول الشهادة الواضحة... ال يفارق علمهم الوضوح، استصحابا له تلك احلالة األوىل ولما هم

عليه من الذكاء املفيض هبم إليه..«)2(

م وإىل أسباب ومهمة األنبياء إبالغ الناس بام أوحي إليهم من علوم هيتدون هبا إىل رهبيف فعلومهم م، رهب عن يبلغون فيام اخلطأ عن معصومون واألنبياء حياهتم. يف االستقامة مسائل الرشيعة هي غري علوم سائر البرش، فالنبي يتلقى هذا العلم مبارشة من الوحي وال النبي حممد صىل اهلل عليه أمية أن ابن خلدون ر يقر يتعلمه من مصدر آخر. من أجل ذلك البرش، علوم عن تنزهيه حقه يف والكامل ربه، إىل منقطع هو إذ ه؛ حق يف كامل هي وسلم، وليست األمية كامال يف حق سائر البرش، ألنهم متعاونون عىل احلياة الدنيا، يتعاطون الصنائع ون فيها. وأما فيام عدا علوم الرشيعة والوحي، فإن النبي هو برش، ويستشهد والعلوم ويرتقابن خلدون باآلية القرآنية: ﴿ ٱرب زب مب نب ىب يب رت زت مت نت ىت يت رث زثمث نث ىث﴾ ]فصلت: 6[ لكن األنبياء يف حالتهم البرشية يتعاملون من

ابن خلدون، املقدمة، ج3، ص 1004. )1(

املرجع السابق، ج3، ص 923-922. )2(

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 302: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

301

أمور الدنيا بام يتوافر هلم من معرفة برشية، فإن ما جاء من «الطب املنقول يف الرشعيات من هذا القبيل، وليس من الوحي يف يشء، وإنما هو أمر كان عاديا للعرب. ووقع يف ذكر أحوال النبي صىل اهلل عليه وسلم من نوع ذكر أحواله التي هي عادة وجبلة، ال من جهة أن ذلك مرشوع عىل ذلك النحو من العمل، فإنه صىل اهلل عليه وسلم إنما بعث ليعلمنا الرشائع ولم

يبعث لتعريف الطب وال غريه من العاديات.«)1(

وحسب متعددة بطرق وصنفها عنها احلديث خلدون ابن أطال فقد البرش علوم أما معايري خمتلفة؛ لكنه ل ينس أن ينسب كل العلم إىل اهلل سبحانه، فقال: ومرد العلم كله إىل اهلل، والبرش عاجز قارص، واالعرتاف متعني واجب، ومن كان اهلل يف عونه تيرست عليه املذاهب،

وأنجحت له املساعي واملطالب.«)2(

أما طرق تصنيف العلوم، فقد مارس ابن خلدون هذا التصنيف عىل أساس عدة معايري طبيعي صنف صنفني: «عىل مصدرها حيث من فالعلوم والرتبة؛ والقصد املصدر منها علوم األول والصنف وضعه.«)3( عمن يأخذه نقل وصنف بفكره، إليه هيتدي لإلنسان بملة، خمتصة غري علوم وهي فكره، بطبيعة اإلنسان إليها يهتدي فلسفية حكمية طبيعية ابن ون من مداركها ومباحثها، وقد قسم الملل كلهم، ويستمد فيها ألهل النظر بل يوجد علم ومنه الطبيعة علم والثاين املنطق؛ علم األول أقسام: أربعة إىل الصنف هذا خلدون الطب علم أيضا ومنه احلركة وعلم املعادن وعلم اإلنسان وعلم النبات وعلم احليوان الذي املقادير علم والرابع الطبيعة؛ وراء ما علم أو اإلهلي العلم هو والثالث والفالحة؛

ينقسم بدوره إىل أربعة علوم هي: اهلندسة، والعدد، واملوسيقى، واهليئة.

الرشعي، الواضع عن اخلب إىل املستندة الوضعية النقلية العلوم هو الثاين والصنف باحلكمة خاصة علوم وهي باألصول، املسائل من الفروع إحلاق هو فيها العقل ودور

املرجع السابق، ج3، ص 1027. )1(

املرجع السابق، ج1، ص 327. )2(

املرجع السابق، ج3، ص 930 )3(

رؤية العالم عند عبد الرمحن بن خلدون الفصل اخلامس

Page 303: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

302

اإلسالمية، وذكر ابن خلدون من هذه العلوم علوم التفسري والقراءات واحلديث واألصول الرؤيا، وفصل يف والفقه والعقائد والكالم واللغة والنحو واألدب والتصوف وعلم تعبري

كل علم نشأته وموضوعاته وشيوخه وكتبه.

علوم مثل عهده يف شاعت التي العلوم بعض التصنيفات هبذه خلدون ابن وأحلق السحر والطلسامت وعلم السيمياء أو علم أرسار احلروف، وعلم الكيمياء وعلم النجوم.

مقصدها حيث من للعلوم خلدون ابن تصنيف أما املصدر، من العلوم تقسيم هذا مثل كالرشعيات لذاهتا، املقصودة العلوم أي املقاصد علوم األول: صنفني، يف فجعله والصنف الفلسفة. من واإلهليات وكالطبيعيات الكالم، وعلم والفقه واحلديث التفسري الثاين: علوم الوسائل أو العلوم اآللية، التي هي وسيلة لعلوم املقاصد، كالعربية واحلساب العلامء واملتعلمني الفقه. ونصح للرشعيات، وكاملنطق للفلسفة، أو لعلم الكالم أو أصول أن ال يستبحروا من علوم الوسائل، بل هيتموا بالعلوم املقصودة أكثر من اهتاممهم بوسائلها،

«فإذا قطعوا العمر يف تحصيل الوسائل فمتى يظفرون باملقاصد؟!«)1(

وقد بني ابن خلدون «أن العلوم البرشية خزانتها النفس اإلنسانية، بام جعل اهلل فيها من العوارض بإثبات ثم أوال، احلقائق بتصور هلا املحصل الفكر ذلك يفيدها الذي اإلدراك، نفيها، أو بإثباهتا التي عني بذلك مطالبه الفكر يستنتج ثانيا، حتى نفيها عنها أو الذاتية هلا ا عىل وجه التعليم، فإذا استقرت من ذلك صورة علمية يف الضمري فال بد من بياهنا آلخر، إمأو عىل وجه املفاوضة لصقل األفكار يف تصحيحها...« والبيان عام يف الضامئر يكون بالكالم املنطقي... والكتابة...«)2( ثم بني مقاصد املؤلفني يف العلوم املختلفة وعد منها سبعة مقاصد، مسائله وترتيب مسائله، وإتمام خطئه، وتصحيح وبيانه، ورشحه العلم، استنباط وهي:

وتهذيبها، وتجميع مسائله من علوم أخرى، واختصاره أو تلخيصه.)3(

املرجع السابق، ج3، ص 1114. )1(

املرجع السابق، ج3، ص 1104-1103. )2(

املرجع السابق، ج3، ص 1107-1105. )3(

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 304: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

303

أن أكثر من مكان البرشية، فهو يؤكد يف العلوم والبن خلدون رأي وجيه يف وصف العلوم التي يحصلها البرش هي علوم كسبية وصنائع مدنية معاشية: «وعلم البرش هو حصول البرش أن تبني فقد مكتسب... كله فهو حاصلة، تكون أال بعد ذواهتم يف العلوم صورة جاهل بالطبع، للرتدد الذي يف علمه، وعالم بالكسب والصناعة، لتحصيله املطلوب بفكره بالرشوط الصناعية...«)1( «وانظر إىل قوله مبدأ الوحي عىل نبيه: ﴿ ٱمل ىل يل ام مم هئ مئ خئ حئ جئ يي ىي ني مي زي ري ى ين ىن نن من زن رن

جب حب ﴾ ]العلق: 1-5[ أي أكسبه من العلم ما ل يكن حاصال له بعد أن كان علقة ومضغة،

إليه وأشارت الكسبي، والعلم الذايت اجلهل من عليه هو ما وذاته طبيعته لنا كشفت فقد اآلية الكريمة، )التي( تقرر فيه االمتنان عليه بأول مراتب وجوده، وهي اإلنسانية وحالتاها

الفطرية والكسبية.«)2(

أغراض إىل فيها يشري بطريقة املقصد، معيار وفق العلوم تصنيف يف النظر أعاد ثم شائع األول: غرضني، بني خلدون ابن ميز فقد العلوم، تطوير من وأهدافهم العلامء ومعروف، وهو أن معظم احلكامء والعلامء كانوا يريدون من كتابتهم للعلوم حتقيق أغراض الثاين يختص والغرض مثال. واألديان الرشائع مقاصد املبارش من النفع تحقق عملية من بموضوع العلم نفسه وهو من املقاصد السبعة للمؤلفني، املشار إليها من قبل، فالتوصل إىل القوانني البهانية يف العلم غاية رشيفة يف حد ذاهتا، برصف النظر عن الفوائد العملية املرتبية

عىل توظيف العلم.

ا املعيار الثالث لتصنيف العلوم، فهو مراتب الفكر. ذلك أن اهلل سبحانه جعل لإلنسان أمالسمع والبرص والفؤاد، وسائل الكتساب العلم، فاحلواس الظاهرة يدرك هبا اإلنسان ما هو خارج عن ذاته، ويشرتك يف ذلك مع احليوان، ولكنه يتميز بـ«الفكر الذي وراء حسه، وذلك فيجرد فيها بذهنه املحسوسات، ويجول ينتزع هبا صور دماغه، بطون له يف جعلت بقوى

املرجع السابق، ج3، ص 922. )1(

املرجع السابق، ج3، ص 924. )2(

رؤية العالم عند عبد الرمحن بن خلدون الفصل اخلامس

Page 305: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

304

الذهن فيها منها صورا أخرى، والفكر هو الترصف يف تلك الصور وراء احلس، وجوالن جغ مع جع ﴿مظ تعاىل: قوله يف األفئدة معنى وهو والرتكيب، باالنتزاع عىل وهو الفكر، هنا وهو فؤاد، مجع واألفئدة ]78 ]النحل: حف﴾ جف مغ

مراتب«: ففي املرتبة األوىل يقع الفكر احلاصل من العقل التمييزي، الذي يحصل اإلنسان التجريبي، العقل من احلاصل الفكر هي الثانية واملرتبة مضاره؛ ويدفع ومعاشه منافعه به الفكر الثالثة هي أبناء جنسه وسياستهم؛ واملرتبة التعامل مع وأكثره تصديقات تفيد آداب احلاصل من العقل النظري، وهو يفيد العلم أو الظن بمطلوب وراء احلس ال يتعلق به عمل

لكنه يفيد من تصور الوجود عىل ما هو عليه بأجناسه وفصوله وأسبابه وعلله.)1(

أصل هو الذي البرشي اإلدراك ميادين إىل يشري ثالثة عوال بني خلدون ابن وتمييز علم اإلنسان ومعرفته.

التصنيفات، العلم الذي يبحث فيه ضمن هذه د وضع ول ينس ابن خلدون أن يحدوهو علم العمران، الذي ل ينتبه إليه احلكامء؛ ألنهم ل يتبينوا له نفعا مبارشا، و«ربام هجره احلكامء من قبل، ألن ثمرته يف األخبار فقط، وهي ثمرة ضعيفة مع أن مسائل هذا العلم يف ذاهتا ويف اختصاصها رشيفة،« أما هو فقد كان يرى «أن الغرض املبارش لكل علم هو معرفة

طبيعة الظواهر التي يتعلق هبا، ومعرفة القوانني التي تحكمها.«)2(

االجتامع يف ينظر أن واالستحالة، األخبار يف الباطل من احلق تمييز يف «فالقانون البرشي الذي هو العمران، ويميز ما يلحقه لذاته، وبمقتىض طبعه وما يكون عارضا ال يعتد به، وما ال يمكن أن يعرض له. وإذا فعلنا ذلك كان ذلك لنا قانونا يف تمييز احلق من الباطل غرض هو وهذا فيه... للشك مدخل ال برهاين بوجه الكذب، من والصدق األخبار، يف العمران وهو موضوع: ذو فإنه بنفسه، مستقل علم هذا وكأن تأليفنا، من األول الكتاب واألحوال العوارض من يلحقه ما بيان وهي مسائل: وذو اإلنساين، واالجتامع البرشي

املرجع السابق، ج3، ص 917-916. )1(

املرجع السابق، ج1، ص 333. )2(

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 306: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

305

لذاته، واحدة بعد األخرى. وهذا شأن كل علم من العلوم، وضعيا كان أو عقليا. واعلم أن

الكالم يف هذا الغرض مستحدث الصنعة، غريب النزعة، عزيز الفائدة، أعثر عليه البحث،

وأدى إليه الغوص، وليس من علم اخلطابة، وما هو من علم السياسة املدنية،... فقد خالف

موضوعه موضوع هذين الفنني اللذين يشبهانه، وكأنه علم مستنبط النشأة، ولعمري ل أقف

يف منحاه ألحد من اخلليقة...« )1(

التمييز إىل يدعو العمران لعلم إنشائه لغرض التوضيح هذا يف خلدون ابن وكأن

والنفع املدنية والسياسة اخلطابة غرضه يكون ما فمنها أغراضها، أساس عىل العلوم بني

الظواهر يف أي حقل من التي تحكم القوانني فيه عن يبحث أن ما يجب املبارش... ومنها

يتصف متخصص علم تطوير إىل فيه سعيه به انتهى للعلم، رشيف هدف وهو احلقول،

باالستقالل عن غريه من العلوم.

ومن صور الرؤية الكلية عند ابن خلدون أنه جعل الكتابة والتأليف يف املوضوع الذي

والتصحيح، والتكميل للزيادة قابال النهاية، مفتوح البرشي- العمران -وهو له تصدى

ومع أنه ادعى أنه: «ل يرتك شيئا من أولية األجيال والدول، وتعارص األمم األول، وأسباب

الترصف واحلول، يف القرون اخلالية والملل، وما يعرض يف العمران من دولة وملة، ... إال

بالرجاء وتقدم والعجز، بالقصور أقر فإنه وعلله...« براهينه وأوضحت مجله، استوعبت

من أهل العلم أن يمارسوا النقد واإلصالح ملا كتبه: «وأنا من بعدها موقن بالقصور بني أهل

العصور، معرتف بالعجز عن املضاء )أي القطع يف األحكام( يف مثل هذا القضاء، راغب من

أهل اليد البيضاء، واملعارف املتسقة الفضاء، النظر بعني االنتقاد ال بعني االرتضاء، والتغمد

من واالعرتاف مزجاة، العلم أهل بني فالبضاعة واإلغضاء، باإلصالح عليه يعثرون ملا

اللوم منجاة، واحلسنى من اإلخوان مرجتاة...«)2(

املرجع السابق، ج1، ص 333-332. )1(

املرجع السابق، ج1، ص 287. )2(

رؤية العالم عند عبد الرمحن بن خلدون الفصل اخلامس

Page 307: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

306

بفكر صحيح وعلم مبني اهلل يؤيده بعدنا ممن يأيت «ولعل من بقوله: الكتاب ثم ختم الفن إحصاء مسائله، وإنما عليه ا كتبنا. فليس عىل مستنبط يغوص يف مسائله عىل أكثر ممبعده من املسائل يلحقون واملتأخرون فيه، يتكلم وما فصوله، وتنويع العلم موضع تعيني

شيئا فشيئا إىل أن يكمل.«)1(

املرجع السابق، ج3، ص 1213. )1(

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 308: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

307

المبحث الثالث

رؤية ابن خلدون للمجتمع ومكوناته

أوال: اإلنسان واملجتمع

اإلنسان صنف من خملوقات اهلل يف هذا العالم. وهو –أي اإلنسان- عالم قائم بذاته، الطبيعي العالم العوالم املخلوقة األخرى مثل يسميه ابن خلدون عالم البرش، ومتميز عن عىل تقويم أحسن يف اإلنسان اهلل خلق وقد البهائم. وعالم اجلن وعالم املالئكة وعالم «زعمه« املسعودي نقال عن الفالسفة صورته التي نعرفه هبا اآلن، ويرفض ابن خلدون ما القوة وهناية املرة متام يف كانت اخللق اهلل برأ ا لم األجسام، ة جبل هي التي الطبيعة «أن والكامل، وكانت األعامر أطول واألجسام أقوى لكامل تلك الطبيعة... وهذا رأي ال وجه م كام تراه؛ وليس له علة طبيعية وال سبب برهاين... «ويستشهد بام نشاهده من« له إال التحكمساكن األولني وأبواهبم وطرقهم فيام أحدثوه من البنيان واهلياكل والديار واملساكن، كديار ثمود املنحوتة يف الصلد من الصخر، بيوتا صغارا وأبواهبا ضيقة.)1( وقد أشار صىل اهلل عليه ا ديارهم، ... وقال: «ال تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إال أن تكونوا باكني وسلم أهن

الغريب أن ابن خلدون يف هذا السياق ل يرش إىل احلديث الوارد يف الصحيحني: «خلق اهلل آدم عىل صورته طوله )1(ها تحيتك يونك، فإن م عىل أولئك النفر من املالئكة جلوس فاستمع ما حي ستون ذراعا فلام خلقه قال: اذهب فسلاجلنة يدخل من فكل اهلل، ورمحة فزادوه اهلل، ورمحة عليك الم الس فقالوا: عليكم الم الس فقال: تك. ي ذر وتحية عىل صورة آدم، فلم يزل اخللق ينقص بعد حتى اآلن«. وموقف ابن خلدون هذا ليس فريدا فقد استشكل مسألة طول آدم عدد من السابقني والالحقني، وفرسوا ذلك بطرق خمتلفة، منها أن الطول املشار إليها كان وهو يف اجلنة، وعندما أهبط إىل األرض جعله اهلل سبحانه يف الطول املناسب لظروف األرض. وحاول آخرون رد االستشكال

بتأويل نصوص من القرآن والسنة. انظر احلديث يف فتح الباري البن حجر وانظر استشكال ابن حجر:

- ابن حجر، أمحد بن عل العسقالين )تويف852ه(. فتح الباري برشح صحيح اإلمام أيب عبد اهلل حممد بن إسامعيل 1434ه/2013م، ط1، العاملية، الرسالة دمشق: وآخرين، األرناؤوط شعيب ومراجعة حتقيق البخاري. كتاب أحاديث األنبياء، احلديث رقم )3326(، ج10، ص 13-15. قال ابن حجر: "ويشكل عىل هذا ما يوجد اآلن من آثار األمم السالفة كديار ثمود، فإن مساكنهم تدل عىل أن قاماهتم ل تكن مفرطة الطول عىل حسب ما يقتضيه الرتتيب السابق، وال شك أن عهدهم قديم، وأن الزمان الذي بينهم وبني آدم دون الزمان

الذي بينهم وبني أول هذه األمة، ول يظهر يل إىل اآلن ما يزيل هذا اإلشكال." انتهى كالم ابن حجر.

رؤية العالم عند عبد الرمحن بن خلدون الفصل اخلامس

Page 309: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

308

أن يصيبكم ما أصاهبم.« وكذلك أرض عاد ومرص والشام وسائر بقاع األرض رشقا وغربا. رناه.«)1( ومن صور التكريم اإلهلي لإلنسان أن اهلدف من خلق العالم الطبيعي واحلق ما قر«يد اإلنسان مبسوطة عىل العالم وما فيه، بام جعل اهلل له من هو تسخريه لإلنسان ذلك أن عىل اهلل طبعه وقد العالم يف الرئيس موقع هو العالم يف اإلنسان فموقع االستخالف.«)2(

ذلك بمقتيض اهلدف الذي خلق من أجله وهو االستخالف.

ويتحدث ابن خلدون عن طبيعة اإلنسان من حيث توافر خالل اخلري والرش فيه. فيقول: ، كام قال تعاىل: ﴿هئ جب﴾ ب يف طبائع البرش اخلري والرش «اعلم أن اهلل سبحانه رك]البلد: 10[ وقال: ﴿ٱنئ ىئ يئ﴾ ]الشمس: 8[)3( ولكن اإلنسان أيضا تجتمع فيه

القوة الناطقة العاقلة من جهة والقوة احليوانية من جهة أخرى. لذلك «كان اإلنسان أقرب إىل خالل اخلري من خالل الرش، بأصل فطرته وقوته الناطقة العاقلة، ألن الرش إنام جاءه من

ا من حيث هو إنسان فهو إىل اخلري وخالله أقرب.«)4( قبل القوى احليوانية التي فيه، فأم

وهذا ما يوضح عبارة ابن خلدون يف موقع آخر حني يقول: «والرش أقرب اخلالل إليه ه اهلل. به االقتداء بالدين. وعىل هذا اجلم الغفري، إال من وفق إذا أمهل يف مرعى عوائده، ول هيذومن أخالق البرش فيهم الظلم والعدوان بعضهم عىل بعض، فمن امتدت عينه إىل متاع أخيه الدولة. لكن أو سلطان الرتبية أو الدين أن يصده وازع...« من إال إىل أخذه، يده امتدت أهل النسب والعصبية الواحدة يذودون عن أنفسهم وعن بعضهم بعضا: «إذ نعرة كل أحد عىل نسبه وعصبيته أهم. وما جعل اهلل يف قلوب عباده من الشفقة والنعرة عىل ذوي أرحامهم

وقربائهم موجودة يف الطبائع البرشية، وهبا يكون التعاضد والتنارص.«)5(

ابن خلدون، املقدمة، ج2، ص547-546. )1(

املرجع السابق، ج2، ص 832. )2(

املرجع السابق، ج2، ص 479. )3(

املرجع السابق، ج2، ص 500-499. )4(

املرجع السابق، ج2، ص 480-479. )5(

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 310: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

309

يقرر: فإنه البرش يف الفطرية واجلبلة األصلية الطبيعة بوجود خلدون ابن تقرير ومع صار حتى األحوال يف ألفه فالذي ومزاجه، طبيعته ابن ال ومألوفه عوائده ابن «اإلنسان كثريا جتده اآلدميني يف ذلك واعتب واجلبلة... الطبيعة منزلة تنزل وعادة، وملكة خلقا

صحيحا، واهلل خيلق ما يشاء.«)1(

ويحسم فهمنا ملوقف ابن خلدون سياق آخر، عندما يتحدث عن فطرة اإلنسان األوىل يكتسبها التي الرش، خالل أو اخلري خالل من الفطرة هذه عىل ينطبع وما والدته، عند من فئة كون سبب يفرس هذا وعىل منهام. أي عىل تربية من النفس إىل يسبق ما بحسب األوىل الفطرة عىل كانت إذا النفس أن «وسببه فيقول: غريها من اخلري إىل أقرب الناس كانت متهيئة لقبول ما يرد عليها وينطبع هبا من خري أو رش، قال صىل اهلل عليه وسلم: «كل إليها من ما سبق يمجسانه«، وبقدر أو ينرصانه أو يهودانه فأبواه الفطرة يولد عىل مولود إذا سبقت إىل نفسه اكتسابه: فصاحب اخلري تبعد عن اآلخر ويصعب عليها أحد اخللقني بعد عن الرش وصعب عليه طريقه؛ وكذا صاحب الرش عوائد اخلري، وحصلت هلا ملكته،

إذا سبقت إليه عوائده.«)2(

ابن خلدون كان هدفا اإلنسان وطبيعته يف رؤية أن موضوع موقع بالذكر ومن اجلدير لعدد من الدراسات، ومن ذلك دراسة حممود الذوادي عن مفهوم الطبيعة البرشية يف الفكر اخللدوين،)3( ودراسة صالح مشوش التي استفاض فيها يف حتليل رؤية ابن خلدون لإلنسان.)4(

ولعل الرؤية الكلية عند ابن خلدون هي التي توضح داللة العبارات التي تبدو متناقضة إذا نظر إىل كل منها يف غيبة عن النظرة الكلية اإلمجالية، ويظهر ذلك يف صورة واضحة عندما التي كانت موضوع دراسة ابن خلدون مع االجتامع البرشي، فالظاهرة االجتامعية يتعامل

املرجع السابق، ج2، ص 477. )1(

املرجع السابق، ج2، ص 473. )2(

الذوادي، حممود. "أضواء عىل مفهوم الطبيعة البرشية يف الفكر اخللدوين،" يف: الفكر االجتامعي اخللدوين: املنهج )3(واملفاهيم واألزمة املعرفية، بريوت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2004م. ص99 - 122.

مشوش، علم االجتامع اخللدوين، مرجع سابق، ص 372-287. )4(

رؤية العالم عند عبد الرمحن بن خلدون الفصل اخلامس

Page 311: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

310

ابن خلدون يف املقدمة تتعلق بأن اإلنسان مدين بالطبع،)1( وأن الناس يجتمعون للتعاون عىل تحصيل معاشهم، ثم تتبدل أحواهلم من حال إىل حال آخر، كلام حصل هلم ما فوق احلاجة.)2( ولذلك فإن من البساطة املخلة دراسة أفراد الناس أو دراسة أفراد اآلثار والعوامل املؤثرة عىل املتغريات والعوامل يف وقت تتأثر بمجموعة من الظاهرة االجتامعية. فالظاهرة االجتامعية واحد، بل إن حياة الفرد اإلنساين نفسها تتضمن عدد كبريا من الظواهر النفسية واالجتامعية واملشاعر واألهواء والعالقات، وتأثري أي عامل من هذه العوامل ال يتم بصورة مستقلة عن تأثري العوامل األخرى، وحتى لو أمكن دراسة ذلك ألغراض التبسيط فإنه ال يعطي اخلريطة

احلقيقية للمؤثرات التي تعمل معا عىل الفرد الواحد أو املجتمع الواحد.

معقدة ظواهر للجامعة االجتامعي والواقع للفرد االجتامعي الواقع فإن ذلك وعىل تحتاج إىل رؤية كلية لفهمها؛ ألن الناس يعيشون يف مجاعات من األرس والقبائل والشعوب، يف العاملني من وجمموعات والفقر، الغنى من وطبقات واحلرض، البادية من أحوال ويف األفراد عن املستقلة وخصائصها شخصيتها هلا مجاعة وكل واملؤسسات. واملهن احلرف الذين ينتمون إليها. وكل جمتمع له خصائصه وهويته العامة، حتى لو تغري أفراد املجتمع، ما إليه التي تحدد خصائص املجتمع قائمة دون تغيري. ولعل أهم ما توصل العالقات دامت ابن خلدون هو إدراك اخلصائص اجلمعية للمجتمعات واجلامعات املتاميزة، فمجتمع البادية السياسيني، مجاعة غري العلامء ومجاعة احلرض، جمتمع خصائص عن املختلفة خصائصه له

وطبقة التجار غري طبقة الفالحني.

وقد تأصلت الرؤية الكلية عند ابن خلدون ألن منهجه يف البحث كان يأخذ باالعتبار الطبيعة احلية املتحركة واملتطورة للظاهرة االجتامعية، فاملجتمع يف تغري دائم؛ من البدوية إىل التحرض، ومن شظف العيش إىل الرتف، ومن النهوض إىل االستقرار ثم التدهور. وتأصلت هذه الرؤية الكلية أيضا عند ابن خلدون ألن منهجه يجمع بني مصادر متنوعة من املعرفة، تشمل املشاهدات والتجارب احلية، واألخبار املنقولة عن مشاهدات اآلخرين وتدويناهتم،

املرجع السابق، ج1، ص 340. )1(

املرجع السابق، ج2، ص 468-467. )2(

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 312: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

311

هو ثم والمآل، احلكمة استلهام يف ومرجعية هداية مصدر تمثل التي الدينية والنصوص يعمل عقله يف فهم طبائع األشياء ووقوع احلوادث.

ومن أهم مالمح الرؤية الكلية أو رؤية العالم عند ابن خلدون، أنه استهدف يف دراسته

العالقات يف البحث يتضمن وهذا البرشي، االجتامع يف الكونية والقوانني نن الس اكتشاف

ابن يريد التي النتيجة عىل تتوقف ال البحث هذا وقيمة واألحداث. الظواهر يف السببية

املنهج أن واملعروف أيضا. البحث يف منهجا ذلك كون يف وإنام إليها، الوصول خلدون

«تعب عن نظرة شاملة كلية تمتد عب الزمن نن: نني يستهدف الكليات من األمور، فالس الس

املختلفة بأطرافها العالقات وعب وتفاعالهتا، املتنوعة األحداث عالم وعب املكان، وعب

ومستوياهتا املتعددة..«)1( وأهم ما يميز السنة أو القانون العام هو صفة الثبات والدوام، فسنة

نن. اهلل ال تجد هلا تبديال وال تحويال. وهذا ال يتناقض مع كون التبديل واإلحالل سنة من الس

التاريخ التفكري السنني يف كتابة وقد لفت ابن خلدون األنظار بصورة حاسمة إىل أن

يحتاج إىل نظرة كلية شمولية وإىل استصحاب عدد من العلوم التي تتجاوز معرفة األحداث

يف مكاهنا وزماهنا وشخوصها، والتعمق يف قواعد العلوم التي تعد اليوم من علوم السياسية

بأن الزمان واملكان واحلال، والوعي التغري يف واالجتامع واالنثروبولوجيا، وفهم عمليات ذلك كله يتم وفق طبائع املوجودات، وقوانني العمران، وهو سنة من سنن اهلل يف عباده.)2(

ثانيا: رؤيته التاريخ والسياسة

يف العال رؤية حلضور التمثيل سبيل عىل املبحث هذا يف والسياسة التاريخ نختار

املجاالت املعرفية املتخصصة. ونجمع بينهام يف هذا اجلزء من المبحث ملا بني فهمه للتاريخ

الدول لتاريخ قراءته إىل حد كبري عىل مبنية السياسة فآراؤه يف وثيقة، والسياسة من صلة

عبد الفتاح ، سيف الدين. «تنظري السنن: قراءة يف نامذج سننية لدى ابن خلدون« ورقة قدمت إىل ندوة: عبد الرمحن )1(ابن خلدون: قراءة معرفية ومنهجية، التي عقدها املعهد العاملي للفكر اإلسالمي بالتعاون مع قسم علم االجتامع

بجامعة عني شمس يف أغسطس عام 2000م. ص 27.

ابن خلدون، املقدمة، ج1، ص 321-320. )2(

رؤية العالم عند عبد الرمحن بن خلدون الفصل اخلامس

Page 313: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

312

وما كان فيها من تقلبات احلكم والسلطان، وعىل ما شهده بنفسه من أحداث عرصه التي أرخ هلا.

ولعل أبرز ما يلفت االنتباه يف رؤية ابن خلدون للتاريخ تأكيده أن التاريخ هو كسب يرتتب وما وعملهم، كسبهم نتائج عن مسؤولون الناس فإن لذلك يصنعون، فيام الناس «تناقص العمران وتاليش املكاسب «خصب العيش وغضارة النعيم« أو عليه يف الدنيا من واملساعي« وما تكون عاقبته وحياسبون عليه يف اآلخرة. ثم إن هذا الكسب يتم وفق السنن

والقوانني والطبائع والعوائد، وأن أحداثه ال تقع خبط عشواء.

تميز عن غريه ممن لكنه الطبي واملسعودي، ابن خلدون مؤرخا مثل يعد أن ويمكن سبقه من املؤرخني بوعيه عىل أمرين مهمني يف فن التاريخ: األول هو متييزه بني «التاريخ يف حيث التاريخ فلسفة وهو باطنه« يف و«التاريخ أحداثه، ورسد التاريخ رواية وهو ظاهره« النظر والتحقيق والتفسري والتعميم...« أما األمر الثاين فهو حماولته التمييز بني التاريخ باعتباره لآلفاق العامة «األحوال يف األحكام وتعميم جهة، من جيل أو بعرص اخلاصة األخبار ذكر

واألجيال واألعصار« من جهة أخرى، وذلك بالنظر يف علل احلوادث وأسباب الوقائع. )1(

يغفلون للمؤرخني حني يقع مما ر التاريخ حني يحذ لفلسفة ابن خلدون وتتسع رؤية نن د أن تعميم األحكام والتوصل إىل الس عن تلك الرؤية الكلية الواسعة، ومن ثم فهو يؤكبتبدل تبدل األحوال يف األمم واألجيال «عن املؤرخ يغفل والقوانني ال يكون كافيا حني داء وهو التاريخ... يف اخلفي الغلط «من هو ذلك عن فالذهول األيام« ومرور األعصار اآلحاد من إال له يتفطن يكاد فال متطاولة، أحقاب بعد إال يقع إذ ال اخلفاء؛ دوي شديد أهل اخلليقة، وذلك أن أحوال العالم واألمم وعوائدهم ونحلهم ال تدوم عىل وترية واحدة ومنهاج مستقر... وكام يقع ذلك يف األشخاص واألوقات واألمصار، فكذلك يقع يف اآلفاق

واألقطار واألزمنة والدول، سنة اهلل التي قد خلت يف عباده.«)2(

املرجع السابق، ج1، ص 282. )1(

املرجع السابق، ج1، ص 321. )2(

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 314: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

313

ابن خلدون للعالم فقد توسع الكلية الرؤية ومن أجل ضامن استكامل متطلبات هذه املوجودات السياسة وطبائع بقواعد «العلم لتشمل: للمؤرخ الالزمة املؤهالت يف تحديد ري واألخالق والعوائد والنحل واملذاهب وسائر واختالف األمم والبقاع واألعصار يف السبون أو الوفاق من الغائب وبني بينه ما ومماثلة ذلك، من باحلارض واإلحاطة األحوال، والملل، الدول أصول عىل والقيام واملختلف، منها املتفق وتعليل اخلالف، من بينهام ما حتى وأخبارهم، هبا القائمني وأحوال كوهنا ودواعي حدوثها وأسباب ظهورها ومبادئ ممن كثريا ألن ونظرا خب...« كل أصول عىل واقفا حادث، كل ألسباب مستوعبا يكون «صار فقد فيه« الرس هذا عن «وذهل املؤهالت هذه فيه تتحقق ل التاريخ لكتابة تصدى

مجهلة...«)1( انتحاله

ل األمر أن يكتب تاريخ املنطقة التي عاش فيها والشعوب مع أن ابن خلدون أراد يف أور فيام بعد أن يتوسع يف ذلك، فيضيف التي تعامل معها عىل مدى ربع قرن من حياته، فإنه قرإليه تاريخ سائر الشعوب التي وصل خبها إليه، عن طريق كالم احلكامء واملؤرخني، ثم حاول يف تارخيه أن يستوعب أخبار اخلليقة استيعابا. وجاءت كتابة املقدمة بعد أن تهيأت له عوامل عديدة، منها تكامل اخلبة العملية يف معرفة الناس، وتقلب أحواهلم يف البأساء والنعامء، من خالل معاناته الشخصية يف التنقل من بلد إىل آخر، ومن وضع إىل آخر، عانى تبدلت كيف بنفسه وشاهد واألصدقاء، األعداء ومكر واالبتالء، الرخاء صور من فيه فتارة ذلوا، ثم قوم وعز دالت، ثم دول قامت وكيف وهوانا، ذلة والكباء امللوك حياة انبسط العيش والنت احلياة للناس، وتارة أخرى أحاط هبم نكبة «الطاعون اجلارف فطوى

البساط بام فيه.«)2(

ومن هذه العوامل التي تهيأت له، أنه حني قرر التفرغ للكتابة رصف وقتا ليس بالقليل يف تجميع حصيلة كبرية من التاريخ. فقد استقر يف قلعة ابن سالمة بدءا من عيد الفطر سنة

املرجع السابق، ج1، ص 320. )1(

ابن خلدون، عبد الرمحن. رحلة ابن خلدون، مرجع سابق، ص 45. )2(

رؤية العالم عند عبد الرمحن بن خلدون الفصل اخلامس

Page 315: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

314

د املدة والسنة اللتني كتب فيهام املقدمة 776ه وحتى رجب سنة 780ه. ومع ذلك فإنه حدبخمسة أشهر من سنة 779ه،)1( مما يعني أنه كتبها بعد أن أنجز قدرا كبريا من كتابة التاريخ إنه ثم نن. والس األحكام واستنباط والتنظري، للتأمل املقدمة تفرغ يف ثم مواده، تجميع أو ة بعد األخرى بعد أن أكمل كتاب العب، ويشهد لذلك واصل تهذيب املقدمة وتنقيحها مركل يستكملها يف كان التي النسخ التي وصلتنا، وهي املقدمة هبا التي عرفت النسخ د تعد

ر أن هيدهيا ملكتبة أحد احلكام. مرحلة من حياته الالحقة، ثم يقر

التاريخ من خالل منهجية متميزة، فإنه وقد أعمل ابن خلدون الرؤية الكلية يف كتابة –يف اختياره ملا يدونه من الوقائع التارخيية- ل يكتف بالنقل عن املؤرخني القدامى، بل اختب ما بعض استبعاد إىل اضطره مما العمران، وقوانني األمور طبائع ضوء يف كتبوا ما بعض كتبوه، ألنه غري ممكن احلدوث، ورد بعض الروايات التي يراها متناقضة مع السياق التارخيي لذلك الظاهرة االجتامعية، تعبريا عن يؤرخ لألحداث بوصفها لألحداث وتطورها. وهو وما تربطها التي والعالقات وفقها تسري التي والقوانني طبيعتها عن الكشف يحاول فإنه ها واختالفها باختالف ينتج عن هذه العالقات من نتائج تؤثر يف وقوع هذه الظواهر وتغرياملجتمعات والعصور. ومن هنا جاء كتاب املقدمة عرضا للنتائج التي استخلصها من التأمل يف البيانات املتعلقة بجوانب حمددة من جوانب الظاهرة االجتامعية. فعناوين الفصول يف هذا الكتاب هي نظريات أو قوانني، وما يأيت تحتها أسباب تفسريية وبيانات توضيحية، وأمثلة

برهانية تعتمد النظر العقل واحلقائق االجتامعية أو النفسية أو الكونية.

خلدون ابن رؤية إىل ف التعر املفيد من فسيكون السياسة عن ا أم التاريخ، عن هذا وشؤون السياسة غامر خاض مسلم، عالم لرؤية نموذجا الرؤية هذه بوصف للعالم، وجوه واستطلع «العب« وتتبع املايض أحداث واستقرأ معقدة، ظروف يف احلكم، جمتهدا وظواهر، وأفكارا أشخاصا احلارض، الواقع وعرك الطبائع، واستصحب االعتبار، العالقة مسائل يف هذه خلدون ابن رؤية ولعل السنن. واكتشاف القوانني استخالص يف

املرجع السابق، ج1، ص 188-186. )1(

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 316: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

315

بالسلطان وأنظمة احلكم، وفهمه ملواقف احلكمة والرشيعة يف هذه العالقة أن تكون مؤرشا الراهن السيايس للواقع فهمنا عىل تنعكس للعالم، إسالمية رؤية عن يبحث ملن مفيدا

ومنهج التعامل معه.

يف والعمل احلاكم، السلطان موادعة إىل يميل كان أنه خلدون ابن عن عرف وقد خدمته. وقد ظهر ذلك يف نهجه العمل يف التعامل من أهل احلكم يف األندلس وشامل أفريقيا ومرص. ويرى شيئا من اخلري واملصالح التي يمكن أن تتحقق من أعامل السفارة بني سلطان املسلمني أو مجاعتهم واألمراء الطغاة من غري املسلمني، كام فعل هو ذلك حني ذهب سفريا إىل ملك قشتالة، وإىل تيمورلنك عند حصاره لدمشق. كام ينتقد بشدة أولئك الذين يخرجون «فصل بعنوان: الذي عقده الفصل املسلمني، كام ظهر ذلك يف عىل أهل اجلور من األمراء أحوال الباب «... ومن هذا تتم.« وقال يف ذلك: الدينية من غري عصبية ال الدعوة أن يف وسلوك للعبادة املنتحلني من كثريا فإن والفقهاء، العامة من املنكر بتغيري القائمني الثوار طرق الدين يذهبون إىل القيام عىل أهل اجلور من األمراء، داعني إىل تغيري املنكر والنهي عنه، واألمر باملعروف، رجاء يف الثواب عليه من اهلل، فيكثر أتباعهم واملتشبثون هبم من الغوغاء والدمهاء، ويعرضون أنفسهم يف ذلك للمهالك، وأكثرهم يهلكون يف تلك السبيل مأزورين القدرة تكون حيث به أمر وإنما عليهم، ذلك يكتب لم سبحانه اهلل ألن مأجورين، غري كثري، ذلك وأمثال ...» بقوله: الفصل ذلك، وختم فعلوا ملن أمثله عديدة ذكر ثم عليه.« ا إن كان التلبيس)1( فأحرى أال يتم له والغلط فيه من الغفلة عن اعتبار العصبية يف مثلها، وأم

أمر، وأن يبوء بإثمه، وذلك جزاء الظاملني.«)2(

هذا املوقف الذي يحاول فيه ابن خلدون تجنب الوقوع يف الفتن وسفك الدماء، بقوله بصورة يقرر فهو اهلوى، أو بالضعف ملتبسة احلكم مسألة يف رؤيته أن يعني ال وفعله، حاسمة أن نظام احلكم الذي يرتضيه هو اخلالفة الرشعية؛ فبعد أن يبني مقاصد سياسة امللك

التلبيس يف هذا السياق هو انتحال شخص لصفة من الصفات أو اسم من األسامء التي وردت فيها نصوص. كمن )1(ادعى أنه الفاطمي املنتظر أو أحد الداعني إليه، وذلك تلبيسا عىل الناس، ألنه يف احلقيقة يطلب الرياسة هبذا االنتحال.

ابن خلدون، املقدمة، ج2، ص 524-521. )2(

رؤية العالم عند عبد الرمحن بن خلدون الفصل اخلامس

Page 317: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

316

الطبيعي عىل مقتىض الغرض والشهوة، والسياسة العقلية عىل مقتىض النظر العقل يف جلب النظر الرشعي يف مصاحلهم الكافة عىل «إن اخلالفة هي محل املصالح ودفع املضار، يقول: اعتبارها إىل الشارع عند كلها ترجع الدنيا أحوال إذ إليها؛ الراجعة والدنيوية األخروية بمصالح اآلخرة، فهي يف احلقيقة خالفة عن صاحب الرشع يف حراسة الدين وسياسة الدنيا

ه فيام نورده عليك من بعد، واهلل احلكيم العليم.«)1( به، فافهم ذلك واعتب

تحقيق باب من اخلالفة عهد أول يف اخلليفة يف القرشية رشط خلدون ابن فهم وقد القائم يف دائام رشطا ليس وهو الفتنة، عموم وتجنب بينهم التنازع ودفع العباد مصالح بأمور املسلمني من بعد. فقد: «جاء اشرتاط القرشية يف اخلليفة يف أول عهد اخلالفة العتبار العصبية التي تكون هبا احلامية واملطالبة، فإذا ثبت أن اشرتاط القرشية إنما هو لدفع التنازع الشارع ال يخص األحكام بجيل وال عرص أن العصبية والغلب، وعلمنا ا كان هلم من مماملقصود من املشتملة عىل العلة إليها وطردنا فرددناه الكفاية، أن ذلك من أمة، علمنا وال أويل قوم من يكون أن املسلمني بأمور القائم يف فاشرتطنا العصبية، وجود وهو القرشية، فيه له تكون بمن قطر كل العهد هلذا يخص وإنما لعرصها... معها من عىل قوية عصبية العصبية الغالبة، وإذا نظرت رس اهلل يف اخلالفة لم تعد هذا؛ ألنه سبحانه إنما جعل اخلليفة نائبا عنه يف القيام بأمور عباده ليحملهم عىل مصاحلهم ويردهم عن مضارهم، وهو خماطب بذلك، وال يخاطب باألمر إال من له قدرة عليه... وقل أن يكون األمر الرشعي خمالفا لألمر

الوجودي، واهلل تعاىل أعلم.«)2(

أما التغيري يف واقع املجتمع، فإنه عند ابن خلدون يرتبط باحلالة النفسية ألفراده، فقد ال يحصل الملك لألمة إذا اعتاد أفرادها املذلة للقبيل واالنقياد إليه، كام حصل لبني إرسائيل رغم املقدسة، األرض ودخول اجلبارين قتال عن تخاذلهم من مرص، من خروجهم بعد وقد األرض. يف يتيهون سنة، أربعني عليهم اهلل مها حر لذلك هلم. الراشدة النبوة قيادة

املرجع السابق، ج2، ص 563. )1(

املرجع السابق، ج2، ص 571-570. )2(

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 318: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

317

فناء وهي مقصودة، التيه ذلك حكمة أن ومفهومها اآلية سياق «من خلدون: ابن الحظ عصبيتهم، من وأفسدوا به، وتخلقوا والقوة، والقهر الذل قبضة من خرجوا الذين اجليل حتى نشأ يف ذلك التيه جيل آخر عزيز ال يعرف األحكام والقهر، وال يسام باملذلة، فنشأت هلم بذلك عصبية أخرى اقتدروا هبا عىل املطالبة والتغلب، ويظهر لك من ذلك أن األربعني

سنة أقل ما يأيت به فناء جيل ونشأة آخر. سبحان احلكيم العليم.«)1(

ونالحظ هنا كيف أن ابن خلدون يف رؤيته ملسألة سياسية معينة، ال يكتفي بفهم جزئي لوضعها يلزم ما كل هلا يحشد وإنما واملكان، الزمان يف بخصوصيتها يتصف للمسألة للتعميم. التاريخ واحلياة واملجتمع، واستخالص رؤية كلية تصلح السنن اإلهلية يف ضمن النص الرشعي وهو اخلب فهم يجتهد يف مثال، لبني إرسائيل الذي وقع التيه فهو يف حالة التارخيية، ويجمع بني النقل والعقل، واعتبار األحوال النفسيه القرآين، وما يتصل باحلادثة واجلارية، املاضية لألحداث فهمنا يحكم عاما، وقانونا كلية، رؤية ليستنبط واالجتامعية،

ويصلح للتنبؤ بأحداث قادمة.

املرجع السابق، ج2، ص 498. )1(

رؤية العالم عند عبد الرمحن بن خلدون الفصل اخلامس

Page 319: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

318

خاتمة

يكتشف عندما باملتعة الشعور ويتعمق حقا، متعة خلدون ابن مقدمة قراءة يف إن

يكون أن العال رؤية موضوع ولعل املعارص. بالواقع عالقة له مما الكثري فيها أن القارئ

عالم بأنه أحيانا يوصف الذي وهو اليوم، عالم يف العناية تستحق التي املوضوعات من

رؤية فرض يف تجتهد املعارصة العولمة قوى أن ذلك العالم. رؤى بني والتدافع الصدام

حمددة للعالم عىل شعوب العالم. ومع أن أكثر الناس يتبنون رؤية حمددة للعالم عن غري وعي

بعض ويقبلون األمور بعض يف يتعاملون بأنهم أحيانا يفاجئون الناس بعض فإن منهم،

عامة وعي يزداد أن املفيد من كان وإذا رؤيتهم. غري للعالم رؤية تستبطن التي األفكار

الناس بمحددات تفكريهم وأصول معتقداهتم ودوافع سلوكهم، فإن من املتوقع أن يكون

املثقفون -من بني الناس- أكثر وعيا وأقدر عىل نرش هذا الوعي. وقراءة ابن خلدون أو غريه

من علامء املسلمني ملالحظة الطرق التي تمثلت فيها رؤيتهم للعالم، قد يكون أسلوبا مهام يف

تدريب العقل عىل تطوير الوعي برؤية العالم وكيف تبدو هذه الرؤية يف حالة فاعلة نشطة.

يستطيع القارئ هلذا الفصل من الكتاب أن يتبني اإلجياز واالختصار يف عرض معظم ما

ورد من موضوعات الفصل. فقد كان املأمول أن يأخذ هذا الفصل مكانه يف الكتاب، مثاال

عن تجليات رؤية العالم عند واحد من علامء اإلسالم، وذلك بعد أن تحدثنا عىل تجليات

أن نرى ونحن العلوم. فئات من فئة عىل مثاال ليكون االجتامعية العلوم يف العالم رؤية

حق كثري من هذه املوضوعات التي وردت يف هذا الفصل أن يكون كل منها فصال أو كتابا

متخصصا. ومع أن يف الدراسات اخللدونية املنشورة مثل هذه الفصول أو الكتب، فإن حركة

الفكر والعلم واملعرفة ال تقف عند حد.

خلدون، ابن غري آخرين علامء عند العالم رؤية مقارنة إىل الفصل هذا يتطرق لم

ولعل ذلك يكون موضوعا لبحث مفيد، يكشف عن القدر الذي يشرتك به علامء اإلسالم

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 320: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

319

من عنارص رؤية العالم، وما قد يتميز به كل منهم يف اهتاممه بجوانب من هذه الرؤية، ربام

هذا إن ثم ذلك. وغري واملكان، والزمان، واملذهب، التخصص، منها يكون قد ألسباب

غري والرؤى خلدون ابن عند اإلسالمية العالم رؤية بني مقارنة يعقد لم كذلك الفصل

اإلسالمية التي تتبناها األديان والفلسفات واأليديولوجيات األخرى.

قد أنها من وغريه، خلدون ابن عند العالم رؤية بني املقارنة الدراسة قيمة وتبز

حول اجلزئية الرؤى تناول أن ذلك املختلفة. الرؤى هذه بني املشرتكات بتحديد تسمح

املسائل التفصيلية التي تكون موضع اهتامم للمفكرين والباحثني واألحزاب واحلركات...

واسعة يكشف عن مساحات الشعوب، سوف بني الثقافات تفاصيل الدخول يف أو إلخ،

والعيش التعاون فرص ويضيق الناس، بني اخلالف يعمق مما والتضارب االختالف من

مهام والشعوب، واحلركات واألحزاب األشخاص مستوى عىل الناس، ولكن املشرتك.

اختلفوا يف الرؤى اجلزئية للمسائل التفصيلية، واتسعت فيام بينهم مساحات البعد والتفاوت

د ة مساحات مشرتكة تجمع بني العقالء من الناس عىل تعد والتضارب واالختالف، فإن ثم

رؤى بني املقارنة هي االهتامم بؤرة تكون وعندما وانتامءاهتم. تفكريهم وطرق توجهاهتم

مالحظة فإن البرشية، احلياة يف األساسية لألمور الشمويل والتناول الكلية والنظرة العالم

اجلوانب املشرتكة تزداد احتامال وتتسع مساحة. ونحن نالحظ أن جماالت التعاون املشرتك

أوجه دت تعد وكلام العليا، واملصالح العامة املسائل يف تكون إنما واألمم الشعوب بني

التعاون وتعمقت أمهيتها حد ذلك من أثر االختالف يف اخلصوصيات والتفاصيل، ومن ثم

أصبحت رؤى العالم عند األطراف املختلفة أكثر وضوحا.

ثم إن أمهية الدراسة املقارنة لرؤية العالم عند ابن خلدون وغريه من العلامء املسلمني،

ربام تكشف عن املهمة اجلليلة التي حاول ابن خلدون القيام هبا، وربام كان أداؤه هلذه املهمة

سببا يف اختالف الباحثني، وال سيام الغربيني، يف تصنيف الرؤية التي ينطلق ابن خلدون منها،

العلامء املسلمني حول النصوص وهبا، يف فهمه للعمران البرشي. فبينام تدور كتابات بعض

الترشيعية التي يؤمن هبا املسلمون ويعتمدوهنا يف تنظيم حياهتم الفردية واالجتامعية، ومن ثم

رؤية العالم عند عبد الرمحن بن خلدون الفصل اخلامس

Page 321: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

320

تكون التعميامت التي يصلون إليها خاصة باحلالة اإلسالمية واملجتمع اإلسالمي، فإن رؤية ابن خلدون كانت تنطلق من فهم هذه النصوص فيام هتدي إليه من معرفة عن اجلنس البرشي واحلياة البرشية والعمران البرشي، سواء يف جمال القدرة البرشية عىل التعقل والتفكر والتمييز؛ اإلنساين، االجتامع يف واإلنجاز السعي جمال يف أو البرشي، االستخالف مناط هو بام أي

والعمران البرشي الذي يستهدف تحقيق التآنس والتعاون يف بناء االجتامع والعمران.

وبقدر ما تبدو رضورة االهتامم بالوعي عىل رؤية العالم التي نمتلكها، ومدى اقرتاهبا اآلخرين لتعريف أكب تكون ربام الرضورة فإن نمتلكها، أن ينبغي التي العالم رؤية من برؤيتنا للعالم، كام هي، متميزة عام يريد هؤالء اآلخرون أن يعتقدوه عنها، يف حال تخلفنا بعجزهم )مشكورين( الغربيني الباحثني بعض اعرتف وقد وتوضيحها. هبا التعريف عن عن عرض الرؤية اإلسالمية للعالم حني عرضوا رؤى العالم املتعددة التي يتوزع عليها أكثر الناس يف عالم اليوم، بينام تطوع بعض الغربيني لعرض الرؤية اإلسالمية للعالم، وال نعدم من بينهم من اتصف بقدر من املوضوعية والصواب، كام جاء عرض آخرين بصور يف غاية امتالك يدعون بالدنا، ممن والفكر يف الثقافة أدعياء أن بعض من املؤل حقا التشويه. ومن مشاريع فكرية متميزة، نجدهم أرسع من أؤلئك الغربيني يف تشويه الرؤية اإلسالمية للعالم

بام يكتبون وما يفعلون!

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 322: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

الفصل السادس

رؤية العولمة للعالم ومنهجية التعامل معها

مقدمة

المبحث األول: العولمة ومراحل تطورها أوال: العولمة مفهوما ومصطلحا وتاريخا

ثانيا: العولمة تنتج ضدها

ثالثا: من الرؤية احلداثية إىل الرؤية العولمية

رابعا: العوملة الثقافية

المبحث الثاين: العولمة التعليميةأوال: عولمة التعليم والتعليم الدويل

ثانيا: عدم اليقني والتحيز الرتبوي الغريب

خاتمة

Page 323: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought
Page 324: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

323

الفصل السادس

رؤية العولمة للعالم ومنهجية التعامل معهامقدمة

العالم« رؤية «تعليم عن الكتاب هذا من واألخري السابع الفصل يف نتحدث سوف بطرق جمتمعاتنا أبناء إىل تترسب العالم رؤية أن تقديرنا مع والتعليم«، العالم «رؤية أو برامج تأثري عن عمقا يزيد، وربام ، يقل ال بعمق تتكرس وربام التعليم، طرق غري أخرى التعليم ومناهجه وأوساطه. وسوف نتجاوز يف حديثنا يف هذا الفصل السادس عن األوساط ظروف عن احلديث إىل عامة، جمتمعية وبيئة وجامعة ومدرسة أرسة من للرتبية التقليدية تتجاوز ذلك كله، إىل ظروف عاملية تؤثر تأثريا مبارشا عىل الفرد واملجتمع بصورة واعية أو غري واعية، وتعيد تشكيل العقول والقلوب وتغري يف أنامط احلياة، فضال عن أنها تتخلل نظم التعليم بمراحله ومؤسساته املختلفة. وبذلك تشكل هذه الظروف عند اإلنسان رؤية للذات قد املعارص من ضغوط وإكراهات، وما العالم تمارسه حالة ما املحيطة عن طريق والبيئة

تشكله من تحديات وفرص أمام األفراد واملجتمعات واألمم.

بالنفس، الثقة يتعامل مع هذه الضغوط واإلكراهات بقدر من ر للمجتمع أن فإذا قدالبدائل، والوعي عىل املخاطر واملنافع، واالختيار احلكيم للمواقف، فإن هذا والتمييز بني املجتمع يمكنه أن يجعل ما تتيحه العولمة من فرص سلام للنمو والتطور من جهة، ومدخال مه هذا اإلسهام من لإلسهام يف احلضور الفاعل يف الساحة العالمية، من جهة أخرى، بام يقدة. وإذا اختار املجتمع أن يرىض بالتبعية، خبات وتجارب تغني اخلبة البرشية بصورة عامب الذي والتغافل عن خماطرها، واالنصهار يف بوتقة العولمة، واملخاطرة بدخول جحر الضيحفره أساطني العولمة للضعفاء ليدفنوا فيه أنفسهم، ويفقدوا ما يميزهم من هوية وانتامء،

فذلك نذير بغياهبم عن احلارض واملستقبل.

العولمة هذه أدوات عىل تنفتح أن البرشية املجتمعات عىل تلح العولمة كانت وإذا وبراجمها وفكرها، فليكن هذا االنفتاح عىل أوسع أبوابه، ملعرفة هذا العالم وما قد يكون فيه

Page 325: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

324

من احلكمة لنلتقطها؛ فنحن أحق هبا، وملعرفة ما قد يحمله االنفتاح من املخاطر، ليس لنتقي ره من معاجلات وبدائل يكون فيه النفع لنا ها وحسب، وإنام لتقديم ما يمكن لنا أن نطو رش

ولغرينا، ويكون لنا به حضور فاعل وإسهام مفيد يف احلضارة العالمية.

ليس املتعددة، ومظاهرها العولمة عن احلديث يف كثريا الفصل هذا يف نتوسع ولن آثارها وتجلياتها معروفة مألوفة لكثرة ما جرى احلديث والكتابة عنها وحسب، وإنام ألن يف احلياة اليومية ملعظم الناس يف العالم املعارص. حسبنا أن نشري إىل أن واحدا من هذه اآلثار

والتجليات، أنها أصبحت تعب عن رؤية للعالم.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 326: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

325

املبحث األول

العولمة ومراحل تطورها

أوال: العولمة مفهوما ومصطلحا وتاريخا

إكساب تعني التي اإلنجليزية، Globalization لكلمة ترمجة «العوملة« شاع مصطلح ،World العالم اإلنجليزية كلمة معنى من تأت ل الصفة هذه لكن العالمية. صفة اليشء تعني وكأنها األرضية، الكرة أنحاء يعم يشء إىل لإلشارة ،Globe كلمة من جاءت وإنام ا اللفظ العريب «عوملة« فهو مصدر عىل صيغة فعللة؛ أي عولم عولمة؛ االتساع اجلغرايف. أم

أي أحدث من التغيريات، وأضاف من األفعال أو الصفات، ما شمل أنحاء العالم.

ة جدل متواصل حول ظاهرة العولمة، وتمثالتها يف تاريخ الفكر البرشي، وجدل وثماملصطلح. وحاول ألكس ماكجليفري Alex MacGillivray يف استعامل بدء آخر حول تحديد عدد املتقلص« كوكبنا املروية عن القصة غري للعولمة: «تاريخ خمترص كتابه مقدمة الكتب التي تناولت عنوان «العولمة« بلغات العالم املختلفة، وال سيام اإلنجليزية والفرنسية صدر الذي للكتاب تأليفه زمن وذلك واإلسبانية، والصينية واألملانية والعربية والروسية كتاب وثالثامئة آالف ثالثة منها كتاب، آالف مخسة عن تزيد أنها فقدر 2006م، عام العلوم يف متخصصون ألفها أكاديمية كتب أوهلا: فئات، أربع يف وصنفها باإلنجليزية. العولمة تعبري عن ملحمة صدام احلضارات أن االجتامعية والسياسية، وثانيها: كتب رأت وصحفيون نشطاء ألفها الشعبية الكتب من موجة وثالثها: واإلسالم، الرأساملية بني ورابعها: اجلنسيات، متعددة الرشكات تشكله الذي واخلطر العولمة آثار من يحذرون السن كبار أكاديميني تحالف من يمثلها التي العولمة مقاومة تعب عن حركة التي الكتب

ونشطاء مقاومة الرشكات متعددة اجلنسيات.)1(

(1) MacGillivray, Alex. A Brief History of Globalisation: The Untold Story of Our Incredible Shrinking Planet, London: Robinson, 2006, p. 1-2.

رؤية العولمة للعالم ومنهجية التعامل معها الفصل السادس

Page 327: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

326

البرشية اهلجرات البرشي عن طريق رصد التاريخ العولمة يف تمثالت املؤلف وتتبع وحركة البضائع من أقدم ما هو معروف من التاريخ حتى عام 2005م.)1( كام درس العالقات

وأشكال التواصل يف عالم األفكار فيام يختص بالدين واللغة والثقافة واالتصاالت.)2(

باسم Internet الشابكة عىل االستثامر بقضايا متخصصة اقتصادية موسوعة وتقرر اهلجرة حركات عنها تعب وربام التاريخ، يف قديمة العولمة ظاهرة أن Investopedia

ظاهرة وأن خان، جنكيز حركة مثل املعروف العالم عىل السيطرة عمليات أو البرشية، العولمة بمعناها السيايس تعود إىل ما بعد احلرب العالمية الثانية، بعد أن أخذت الواليات

املتحدة األمريكية تزحف للهيمنة يف أنحاء العالم.)3(

وتتحدث جملة ناشيونال جيوغرافيك عن أن العولمة بدأت مع امتداد الثقافة اليونانية وقد الكبري، اإلسكندر حركات مع أوروبا وجنوب أفريقيا وشامل آسيا غرب جنوب إىل جاء اسم مدينة «االسكندرية« يف مرص ومدينة «اسكندرية تراوس« يف تركيا نتيجة حركات اإلسكندر. وكذلك فإن طريق احلرير التجاري بني الصني وحوض البحر األبيض املتوسط كانت صورة مبكرة من العولمة، حيث كان يتم تبادل األفكار واملعارف مع احلرير والتوابل ا االمتداد االستعامري األورويب والبورسلني )اخلزف الصيني( وغريها من بضائع الرشق. أمما وراء البحار، فقد كان كذلك امتدادا عولميا، حيث نرش األوروبيون املسيحية حيثام ذهبوا. وأدت الثورة الصناعية يف أوروبا إىل عالقات عولمية، حيث كانت املصانع تحتاج إىل مواد

خام من خارج أوروبا، وحتتاج املواد املصنوعة لبيعها يف أسواق خارج أوروبا كذلك.)4(

باإلنجليزية للعولمة املقابل اللفظ Manfred Steger أن ستيجر مانفرد ويرى القرن ثالثينيات منذ خمتلفة بسياقات اإلنجليزية اللغة يف يستعمل كان Globalization

(1) Ibid., Pp.141-184.

(2) Ibid., Pp. 235-272.

(3) https://www.investopedia.com/ask/answers/020915/when-did-globalization-start.asp. (Retrieved 7 July 2020).

(4) https://www.nationalgeographic.org/article/global-network/ (Retrieved 7 July 2020).

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 328: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

327

العرشين، لكنه ل يأخذ صفة الشيوع إال بعد حوايل نصف قرن من ذلك التاريخ، مع انهيار االتحاد السوفييتي وجدار برلني، وإعالن الرئيس بوش األب عن تولد نظام عالمي جديد للرأساملية الكامل النجاح تعبريا عن التاريخ، ثم شيوع مقوالت هناية عام 1990م، ومن وأسواق الدولية العالقات متن عىل األمريكية املتحدة الواليات وسيادة والليبالية، العالم. )1(وركز املؤلف يف تعريفه للعولمة عىل البعد االجتامعي لالعتامدية املتبادلة بني أنحاء

العالم والصالت التي ال يستغنى عنها بني املحل القريب والعالمي البعيد.)2(

وتؤكد أحداث التاريخ البرشي أن معظم نواحي العالم املعروف كانت تتأثر ببعضها بعضا، وأن هذا التأثر كان يتزايد عب املراحل التارخيية. وكانت عمليات التأثر والتأثري تظهر يف حماوالت التملك والسيطرة التي تسعى إليها الشعوب كلام امتلكت شيئا من القدرة عىل االقرتاض ويف البضائع، أصناف يف املنافع وتبادل التجارة يف وتظهر غريها، عىل التغلب

اللغوي والثقايف والديني، ويف انتشار الصناعات والزراعات من مكان إىل آخر.

االتجاه فإن واملصطلح، للظاهرة اإليجابية أو لبية الس الصورة عىل النظر وبقطع اهلل خلقه فقد اإلنسان؛ بوجود لصيقا اإلسالمية الرؤية يف يبدو للعالم، كلية رؤية إىل تتحدث الدينية الرؤية يف العالمي التاريخ وأحداث األريض. الكوكب هذا يف مستخلفا إىل فقد كان لكل قوم منهم رسول يرشدهم املنترشة يف هذه األرض، البرشية األقوام عن اهلدي اإلهلي،)3( وكانت آخر الرساالت التي جاء هبا حممد صىل اهلل عليه وسلم، رمحة وهدى كانت ولذلك العالمين، رب سبحانه فاهلل حمدد، لقوم وليس مجيعا،)4( للعالمين وبرشى بنرشها فبارشوا العالمي، بعدها الرسالة أتباع هذه فهم كافة، وقد للناس رسالته األخرية

(1) Steger, Manfred B. Globalization: A Very Short Introduction, 4th Edition, Oxford: Oxford University Press. 4 edition, 2017, p. 17-36.

(2) Ibid., p.13.

قال تعاىل: ﴿ٱمئ نئ ىئ﴾ ]الرعد: 7[، وقال سبحانه: ﴿ٱىب يب رت زت مت نت ىت﴾ ]فاطر: 24[. )3(

قال تعاىل: ﴿ٱاك لك مك ىك يك﴾ ]األنبياء: 107[، وقال سبحانه: ﴿ٱىي يي جئ حئ )4(خئ مئ هئ﴾ ]سبأ: 28[ .

رؤية العولمة للعالم ومنهجية التعامل معها الفصل السادس

Page 329: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

328

باحلكمة واملوعظة احلسنة، إىل كل ما استطاعوا الوصول إليه من أرض أو شعب، وإن لزم تماما، مقرر أمر الرسالة من العالمي فالبعد أحسن. هي فبالتي الرسالة، تبليغ يف اجلدال

وأي تقصري يف استمرار تحقيق هذا البعد العالمي ال ينقص من طبيعتها العالمية.

البرشي لشموليتها التاريخ العولمة احلديثة ظاهرة غري مسبوقة يف فإن ومع كل ذلك جلوانب واسعة من نشاطات اإلنسان االجتامعية واالقتصادية والسياسية والثقافية، وآثارها ات التغري لوصف األساس- -يف «العولمة« مصطلح جاء وقد حياته. أنامط يف العميقة احلادثة يف االقتصاد العالمي يف منتصف ثامنينيات القرن العرشين، ولكن املصطلح رسعان بطرق تؤثر التي والرتبوية والثقافية السياسية املجاالت يف ات التغري وصف إىل انتقل ما

متعددة يف قسم كبري من سكان العالم.

زاوية من منطلقة دراساهتا من عدد يف العولمة موضوع مصطفى نادية وتتناول املنظورات املتقابلة يف العلوم السياسية والعالقات الدولية، ومع أنها تتناول عددا من املسائل ذات الصلة باقرتان االهتامم بالعولمة بمجاالت متعددة من فروع العلوم السياسية والعلوم والرشكات التجارة، وحرية اإلنسان، وحقوق الرأساملية، مثل واإلنسانية: االجتامعية يختص فيام العوملة آثار عىل تركز فإنها والقيم، واهلوية والثقافة والقارات، للدول العابرة

بمجالني أساسيني، ومها: أزمة الدولة القومية، وحالة النظام العالمي.)1(

البعد حول اجلدل أن من الفصل هذا مقدمة يف إليه أرشنا ما مصطفى نادية د وتؤكيعد أن يمكن ما املسلمون املفكرون ليقدم سانحة فرصة يمثل العولمة لتجليات القيمي املتاحة ملواجهة تحدياتها، تارخيها وطبيعتها واإلمكانات العولمة، يف رؤية إسالمية ملفهوم والتوظيف اإليجابي للفرص التي تمثلها. ذلك أن ما تراه نادية مصطفى من صعود األبعاد جانب إىل املختلفة املجاالت يف وآثارها العولمة ظاهرة تحليل يف والثقافية االجتامعية األبعاد السياسية واالقتصادية: «يمثل ... إضافة حقيقية يف دراسة التغريات العالمية خالل

مصطفى، "مسار علم العالقات الدولية بني جدال املنظورات الكبى واختالف النامذج املعرفية،" مرجع سابق، )1(ج1، ص 82.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 330: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

329

العقود األخرية. وكان هذا الصعود يعني أن االختالف حول العولمة ليس حول التجليات العملية فقط، بقدر ما هو أيضا حول البعد القيمي ملضمون هذه التجليات وعواقبها. وهلذا قيمية واضحة. أبعادا اكتسب قد املختلفة... والنظرية الفكرية االتجاهات فإن اجلدل بني مما الدولية، الدراسات يف القيمي البعد بإحياء اقرتن قد الراهن العولمة عرص فإن ولذا

يفسح املجال لالجتهاد من أجل تقديم مالمح رؤية إسالمية حول هذا املوضوع.«)1(

ويتداخل معنى العولمة وأدواهتا مع معنى االمتداد والتأثري عب الدول؛ أي الكيانات السياسية يف العالم. لقد أصبح احلديث يف كل جمال من هذه املجاالت يتناول ما يسمى باخلبة الدولية، International Experience، واملعايري الدولية International Standards فهي خبة وهي وغريها. والثقافة واإلعالم، والتعليم، واالقتصاد، السياسة، يف دولية خبة التي تقودها الواليات املتحدة األمريكية، «الدولية« خمتزنة لدى عدد قليل من املؤسسات البنك مثل رسمية «دولية« مؤسسات خالل من سواء خالهلا، من ضغوطها تمارس أو وأجهزة مهنية، ومجعيات بحثية ومراكز مؤسسات أو الدويل، النقد وصندوق الدويل، إعالم، ومنظامت مدنية نشأت يف الدول الكبى. وتظهر هذه الضغوط بالرتغيب تارة عن تارة أخرى بالرتهيب أو التي ربام تصاحبها معونات مالية، املجانية طريق تقديم اخلبات بام امتيازات ومنافع، يتوافر من قد ا مم املجتمعات يقبل هبا من عن طريق حرمان من ال يف ذلك ممارسة أشكال خمتلفة من العقاب. وبذلك أصبحت هذه اخلبة واملعايري الدولية أدوات للعولمة، تمارس ضغوطا، وتشكل ثقال تنوء حتته أعناق الشعوب، بام تفرضه من

اتفاقات ومعاهدات.

ثانيا: العولمة تنتج ضدها

العالقات ففي ضدها. تنتج أخذت املعارصة العولمة خصائص فإن حال كل وعىل الدولية نجد مركز العولمة يف أمريكا يواجه منافسة قوية من مراكز أخرى يف العالم؛ فالصني

املرجع السابق، ص 88. )1(

رؤية العولمة للعالم ومنهجية التعامل معها الفصل السادس

Page 331: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

330

هبا. اخلاصة العولمية خصائصها وكوريا واهلند ولليابان متزايدة، برسعة عالمية قوة تبز وصناعة األمريكية، ماكدونالد مطاعم شهرة ينافس واهلندية الصينية املطاعم وانتشار العوملة أن نجد أخذنا وهكذا هوليود. تنتجه ما تتجاوز سنويا اهلند يف السينامئية األفالم يمكن عام تعبريا والعرقية، القومية التوجهات من تنتج ضدها؛ بدأت Globalization

».Localization تسميته: «تكريس املحلية

التي الليبالية احلديثة« «الرأساملية العوملة للعال« تحمل روح: «رؤية أن وال شك يف تتصف باهليمنة، ولكن االستجابة هلذه اهليمنة أو مواجهتها تتم يف املجتمعات املحلية بطرق خمتلفة، فلم يعد مصطلح «بوتقة االنصهار« نموذجا معبا عام يتم بالفعل، فالناس يتفاعلون املشكالت إن بل املحلية، السياقات عىل باالعتامد تفسريا أو رفضا أو قبوال العولمة؛ مع ميدان وهذا والدينية. اإلقليمية اهلويات يف صحوة أحدثت والدينية والثقافية العرقية

خصب للدراسات االجتامعية واألنثروبولوجية.

بالتامسك، تتصف للعالم رؤية منها كل يحمل خمتلفة جمتمعات العالم عرف وقد وبعالقته بذاته الشخص ف تعر التي والـهوية جمتمع، كل حياة أنامط يف أثرها ويتجىل املحل، االجتامعي حميطه يف العادية حياته يف يمارس شخص لكل أن ذلك باآلخرين. ومؤسسات العمل، بيئة ويف واملمتد، الضيق األرسي املستوى عىل واتصاالت عالقات املؤسسات من وغريها واملهنية، السياسية التجمعات ويف والدينية، التجارية املجتمع يكسبه ما وهو اآلخرين، مع مشرتكا موقعا لنفسه الشخص فيها يجد التي والتجمعات هويته التي يتامهى فيها مع جمتمعه. وعنارص اهلوية املشرتكة مع اآلخرين يف املجتمع تتصف عادة بقدر من االستقرار والتجانس، وتعب عام نسميه رؤية العالم يف ذلك املجتمع، ورؤية

العالم عند الفرد الذي ينتمي إىل ذلك املجتمع.

أخرى، جمتمعات من القادمة والثقافات واألفكار للمعلومات املتزايد التدفق لكن العالم، ورؤى والقيم الثقافات من ألنواع والتعرض الناس، بني املتواصل واالختالط وسهولة االنتقال والتواصل عب الوسائل التكنولوجية احلديثة، وغريها من أدوات العولمة

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 332: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

331

أسهمت يف توليد مظاهر التجزئة االجتامعية والثقافية يف املجتمعات املعارصة. ويف الوقت أصبحت األم، جمتمعها من تها هوي تكتسب جمتمع كل يف الفرعية املجتمعات كانت الذي املؤثرات تفقد هويتها األصلية، وتعاين من كثري من الفرعية يف كل جمتمع املجتمعات هذه ينقصها بصورة عنارصها ببعض تحتفظ أن فيه حتاول الذي الوقت يف القادمة، اخلارجية

الرتابط والتامسك.

ول يكن تأثر مجيع الناس هبذه التغريات بالقدر نفسه، ول يكن تعامل األفراد واجلامعات قناعاهتم، عن الناس ث يتحد أن الطبيعي ومن نفسها. بالطريقة التغريات هذه مع وااللتزامات القناعات هذه تختلف ما وبقدر وتناقضاهتم، وأولوياهتم، والتزاماهتم، حتدث وقد العنارص. هذه بني املشرتكات وهتتز العالم، رؤية عنارص تختلط واألولويات Paul Heibert عن مثل هذه احلالة التي تصيب بعض املجتمعات بتأثري العوملة، هيبت)1( صعوبة عن تعبريا Mazeways«؛)2( المتاهة «طرق بعبارة القلق من يرافقها ما ووصف

تحديد اهلوية التي تميز املجتمع أو بعض أفراده.

وال شك يف أن تأثري العولمة يف املجتمع الذي يمتلك هوية مستقرة متامسكة، يمكن أن يؤدي إىل حالة القلق واملتاهة املشار إليها أعاله، قبل أن يتحقق حلم دعاة العوملة يف تشكيل ة مؤثرات أخرى تقف يف وجه شيوع هذه الرؤية عند مجيع «رؤية العولمة للعالم«. لكن ثمالتي تجد فيها املتاهة قد تستدعي بعض اخلصائص القلق ومسارات أفراد املجتمع. فحالة بعض الفئات نوعا من احلامية والوقاية، ومن هذه اخلصائص ما يعيد االعتبار لبعض عنارص ة اهلوية، مثل االنتامء الطبيعي للعرق والقوم والوطن، وما ينشأ عنها من هويات ورؤى حمددللعالم، يعدها أصحاهبا حقا طبيعيا ثابتا يدافعون عنه ببسالة. حتى يف الدول الوطنية احلديثة التي تساوي بني مجيع مواطنيها بغض النظر عن األصول واملنابت العرقية والقومية والدينية،

(1) Hiebert, Paul G. Transformong Worldviews: An Anthropological Understanding of how People Change, Grand rapids. MI, Baker Academic, 2008.

(2) Ibid., p. 253.

رؤية العولمة للعالم ومنهجية التعامل معها الفصل السادس

Page 333: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

332

بدأنا نشهد عرشات احلركات االنفصالية يف مجيع قارات العالم، وبعضها يقاتل برشاسة من أجل حتقيق هويته القومية أو العرقية أو الدينية.)1(

رها يقر صفة ليست اهلوية أن عىل أساسا يقوم العالم، ورؤية اهلوية بني والربط بل العلوم، جماالت من ذلك غري أو النفس، علم أو االجتامع علم دراسات يف الباحثون التي يشرتكون فيها الناس، وتعب عن اخلصائص إنها مشاعر طبيعية ذاتية لدى أي فئة من من دين أو لغة أو أصل أو أرض، أو لون، والصورة التي يدركون هبا أنفسهم، وما يميزهم التي التي يكوهنا اآلخرون عنهم، عندما يالحظون تلك اخلصائص عن غريهم، والصورة ن يحمل خصائص غريها. ويف ضوء هذه املشاعر وهذه الصور اإلداركية هم خمتلفني عم تعدالناس ألنفسهم ورؤيتهم لغريهم، وللعالم من حوهلم، وهذا هو املعنى الذي تتحدد رؤية

تشري إليه عبارة «رؤية العالم«.

قوى صورة يف تبز األخرية السنوات يف والثقافية الدينية اهلويات أصبحت وقد وغريها. كوريا وشامل األوسط والرشق اهلند يف احلال هو كام العالمية، الساحة يف مؤثرة جهة من بالعولمة التأثر بني اخللط من حالة خلق يف أسهمت العوملية غري اهلويات وهذه Globalization والموضعة أو التشبت باهلوية الثقافية والدينية املحلية Localization من

جهة أخرى، ودعت هذه احلالة إىل ابتداع مصطلح جديد يف اإلنجليزية يجمع بني الصفتني، .Glocalization :»وهو مصطلح «حالة العوملة والتموضع املحل

لقد تجذر مفهوم رؤية العالم يف البعد الديني منذ وقت مبكر يف التاريخ البرشي، ذلك أن فئات الناس قد متايزت عن بعضها يف البداية عىل أساس االنتامء الديني. وأصبحت رؤية العالم عند هذه الفئات تستند إىل املرجعية الدينية ذات الطبيعة املطلقة والنهائية، وذلك فيام تتعلق التي الكبى الفطرية واألسئلة البرشي، التفكري يف والكلية العامة بالقضايا يتعلق هذه وكانت إلخ. البرشي... والتاريخ واحلياة الكون وطبيعة ومصريه، اإلنسان بأصل

ويكيبيديا رابط عىل الشابكة، عىل خاص موقع يف العام يف االنفصالية احلركات تصنيف عىل االطالع يمكن )1(املخترص:

- https://bit.ly/30sopEC (Retrieved 1 Oct. 2020).

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 334: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

333

البرشي املجتمع وشهد املنظور. غري والغيب املدبر، اخلالق حول تتمركز الدينية املرجعية رصاعات بني رؤى العالم املستندة إىل تفسريات دينية متنافسة.

إىل اجلديد العالم يف ثم الغربية، أوروبا يف والتكنولوجي، العلمي التطور أدى وقد تغيريات فكرية عميقة، نقلت العالم إىل عرص احلداثة، وولدت رؤية جديدة للعالم، سميت مت هذه الرؤية إجابات بديلة عن إجابات املرجعية الدينية، رؤية احلداثة Modernity، وقداإلنسان املادية، وتتمركز حول والفلسفة العلمية الدراسة إىل تستند للعالم رت رؤية وطوصور كل للعالم اجلديدة الرؤية هذه إىل ونسبت الغيبي. التفسري وترفض والطبيعية، االكتشاف والتقدم العلمي، وما نتج عنه من تيسري سبل العيش وتحقيق الوفرة االقتصادية. ورافق ذلك بطبيعة احلال رصاع مرير بني السلطات الدينية التي أخذت تفقد نفوذها، لتقوم للعالم. رؤيتها من والغيب الدين تستبعد حداثية، علامنية مدنية مؤسسات أنقاضها عىل الدينية يف العالم التي تضع كل رؤى نوعا جديدا من الرصاعات البرشي املجتمع وعرف اختالف من تتضمنه ما مع موحدة، تكون تكاد للعالم أخرى رؤية تقابلها واحدة، ة كف

وتنوع يف تفسري بعض القضايا عند التعرض للتفاصيل.

أو القطرية الدولة الغربية رافقته نشأة أن عرص احلداثة يف أوروبا بالذكر ومن اجلدير مواطني عن يميزهم بام يهتمون دولة كل يف املواطنني جعل ما وهو الوطنية، أو القومية الدول األخرى، وأخذ املواطنون يف كل دولة يعتزون بنظامهم السيايس، وثقافتهم ولغتهم املحلية، وأخذوا يبحثون عن تاريخ خاص بدولتهم، وربام يصنعون هلا تارخيا ل يكن موجودا يف التاريخ! وقد نشأ عن ذلك ما يمكن أن يعد «رؤية سياسية للعالم« هلا تجلياتها يف احلياة

العامة يف كل دولة.

ثالثا: من الرؤية احلداثية إىل الرؤية العولمية

طموح وتيسرياته- واكتشافاته إنجازاته كل -مع والتقاين العلمي التقدم يشبع ل تفكريه فتواصل الطبيعي، الكون ومع اآلخرين، ومع نفسه مع سالمه تحقيق يف اإلنسان وسعيه يف حماوالت دائبة للبحث عن تفسريات جديدة تتجاوز رؤية العالم العلمية-الطبيعية

«احلداثية«، وتكون أكثر إقناعا لفكره أو إشباعا لشهواته.

رؤية العولمة للعالم ومنهجية التعامل معها الفصل السادس

Page 335: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

334

ورسعان ما اختلطت هذه الرؤية احلداثية بمشاعر اإلحباط، حني لم تنجز احلداثة إال

جديدة فكرية حالة يف العالم دخول عنه نتج عميق، لنقد ضت فتعر وعودها، من القليل

بناء بإعادة احلداثة بعد ما عرص وتميز .»Postmodernity احلداثة بعد ما «عرص سميت

العرقيات أمهية بروز مع تكرست سياسية أجندات وظهور العلم، طبيعة عن مفاهيمنا

والقوميات واألديان، يمارس كل منها ما يملك من قوة عىل املجتمعات ألهدافه اخلاصة،

الناس «ما بعد حداثية« سيطرت عىل عقول بام فيها من خري أو رش. وتولدت رؤية للعالم

أخذ للعالم، اجلديدة الرؤية هذه ومع العالم. أنحاء من كثري إىل منه وانتقلت الغرب، يف

احلداثي الفكر مصري هيدد شامل فكري انقالب مرحلة يف يمر املعارص البرشي املجتمع

والممارسات احلداثية من جهة، كام هيدد مصري الفكر الديني والممارسات الدينية من جهة

ابة، جذ بصورة املعارص لإلنسان نفسها تقدم أنها اجلديدة الرؤية هذه يف واخلطري أخرى.

إىل املعريف مداها اقة الب أفكارها تأخذ عندما وبخاصة التضليل، عىل كبرية قدرة ذات

م نفسها باعتبارها تحوال حتميا، ذلك أنه: «مهام يكن من أمر النهاية. واخلطري أيضا أنها تقد

فإن عقل احلداثة الكالسيكية سوف يتعرض للتفكيك والنقد، مثله مثل العقل الديني الذي هيمن قبله طيلة قرون...«)1(

وإذا صح التتابع الزمني هلذه التحوالت الثالثة من الدين فاحلداثة، فام بعد احلداثة، فإن

مراحل بوصفها التحوالت يتحدث عن هذه احلداثة ال بعد وما احلداثة أدبيات تؤكده ما

التاريخ، كام تتعامل معها األدبيات التارخيية، وإنما تعب عن قطيعة زمنية متتالية من حقب

التفكري، وأنامط خمتلفة تماما من احلياة، لكل نمط منها معرفية بني مناهج خمتلفة تماما من

اعتبار أي دون ذاته من مرشوعيته يستمد نمط وكل ومصطلحاته، وقضاياه خصائصه، للاميض أو املستقبل.)2(

أركون، حممد. الفكر األصويل واستحالة التأصيل، ترمجة هاشم صالح، بريوت: دار الساقي، 1999م، ص87. )1(سبيال، حممد. الوعي الفلسفي باحلداثة بني هيكل وهيدغر، الفكر العريب املعارص، العدد املزدوج 117/116، عام )2(

2001/2000م، ص26-25.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 336: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

335

ثم ما لبثت حالة «ما بعد احلداثة« أن كشفت عن عجزها عن االستجابة لالحتياجات

البرشية املتنامية يف مجيع أنحاء العالم، ووجدنا كثريا من الباحثني يتحدثون عن أسس معرفية

الذي للعالم جديدة رؤية إىل احلاجة وظهرت املتغري، البرشي بالواقع صلة أكثر جديدة

يزداد عولمة كل يوم، وبدأنا نسمع بام سامه بول هيبت Paul Hiebert: «عرص ما بعد-بعد

طبيعة عىل األيام هذه العرص هذا مناقشات ز ترك حيث »Post-postmodernity احلداثة

العولمة بوصفها نموذجا جديدا لفهمنا للعالم الذي نعيش فيه،«)1(

ومن ثم فإننا نتحدث اليوم عن «رؤية عولمية للعالم«، تزايد احلديث عنها يف العقود

األخرية، وأخذت البحوث والدراسات تتساءل عن كيفية فهم هذه الظاهرة، وإىل أين يمكن

أن تقود العالم؟

العولمة عن حتدثت التي الكتابات تحليل من وجده ما Hiebert هيبت ويلخص

نا نمر يف حقبة جديدة تماما تتصف بواقع ما بعد الصناعة، وما بعد احلقبة الغربية، بقوله: «إن

وما «بعد-بعد« احلداثة. وعىل الرغم من أن العولمة عملية تغري مستمر، وأنها تعيد تشكيل

العولمة ويتعامل معها بشكل خمتلف عن اآلخر، ويلزم كله، لكن كل جمتمع يختبر العالم

الباحثني تنبأ هبا بعض التي بالطريقة باملستقبل للتنبؤ العولمة احلذر من استخدام نظريات

العرشين، وهو القرن ما جرى يف بأهم التنبؤ العرشين، حيث عجزوا عن القرن بداية مع

واإلنرتنت، والكمبيوتر الذرية الطاقة وتطوير االستعامر، وانهيار العامليتان، احلربان واكتشاف احلمض النووي DNA، وما إىل ذلك.«)2(

ة باحثون ال يلقون باال ملصطلح العولمة والوعود التي كانت العولمة وال تزال تعد وثم

اليوم، واألخطار العالم الفاعلة يف حالة القوى هبا، بقدر ما هيتمون بمحاولة الكشف عن

من ونجد والبيئية. واالجتامعية األخالقية الناحية من العالم يف القوى هذه أحدثتها التي

(1) Hiebert, Paul G. Transformong Worldviews: op. cit., p. 241.

(2) Ibid., p. 242.

رؤية العولمة للعالم ومنهجية التعامل معها الفصل السادس

Page 337: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

336

والسياسية العسكرية املجاالت العمل يف مارست الباحثني شخصيات من النمط هذا بني

بعيدا عن إبقاءها الكبى القوى التي تحاول واإلعالمية، واطلعت عىل كثري من األهوال

األمريكية الصحف يكتب يف أسرتايل لوينشتاين« وهو صحفي «أنتوين وثق وقد األنظار.

الكتب من األمثلة عرشات الكوارث« «رأساملية بعنوان: األخري كتابه يف والبيطانية،

واملقاالت والتحقيقات، التي أسهمت يف الكشف عن طبيعة القوى الفاعلة يف عالم اليوم،

واهلجرات للحروب وتنفذ تخطط اجلنسيات متعددة عالمية ورشكات حكومات وهي

طمعا يف األرباح اهلائلة التي تجنيها من ويالت احلروب ومصائب البرشية.)1(

ومن األمثلة التي عرضها لوينشتاين نقال عن بعض املصادر أن «أربعة تريليونات من

يف احلرب فيها بام اإلرهاب، عىل للحرب اإلمجالية للتكلفة تقدير أفضل هو الدوالرات

العراق وأفغانستان، كان اجلزء األكب من هذه التكلفة من نصيب رشكات مقاوالت ومهية،

ويعد هذا واحدا من أكب تحويالت الثروة يف التاريخ األمريكي.«)2(

وآسيا أفريقيا يف القوى، هذه ارتكبتها التي اجلرائم مسارح بنفسه الكاتب تتبع وقد

وأمريكا اجلنوبية. ويقول الباحث: «كل مكان أعكف عىل تقيص احلقيقة فيه هنا له خاصيته

األماكن بني هذه يربط ما أن بيد واالجتامعية، والسياسية الثقافية النواحي من تميزه التي

نطاق عىل المال جني تستهدف لرشكات رة مدم أليديولوجية خاضعة أنها هو جمتمعة

يا تحد احلادي والعرشين القرن ما يحدث يف السبب وراء البحث عن يلزم عالمي. وهلذا

ملعتقدات راسخة يف اإلذهان بخصوص املعونة والتنمية واحلرب والديموقراطية، وعىل نحو

خاص طبيعة الرأساملية احلديثة التي ال تعرتف باحلدود اجلغرافية.«)3(

ويالت من طائلة أرباحا العالمية والرشكات احلكوماتت تجني كيف الكوارث: رأساملية أنتوين. لوينشتاين، )1(احلروب ومصائب البرشية، ترمجة أمحد عبد احلميد، الكويت، املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب، سلسلة

عالم املعرفة عدد )478(، نوفمب 2019م.

املرجع السابق، ص 23 )2(

املرجع السابق، ص 27. )3(

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 338: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

337

ويشري لوينشتاين إىل دعوة تشومسكي)1( يف رضورة الكشف عن املؤسسات واملنظامت يدير سجون املنظامت بعض هذه أن ويرى أمدها. إطالة تعمل عىل أو أزمات تخلق التي السكان لدى املعيشة وسبل االستقاللية تقويض عىل تعمل التي وتلك اللجوء، طالبي املحليني يف سعيها إىل احلصول عىل دوالرات املوارد. كام يتضمن ذلك أولئك الذين يبيعون معلومات مشكوكا فيها للقوات األمريكية يف «احلرب عىل اإلرهاب«. فهوالء "يعمدون إىل إخفاء جشعهم وراء قناع زائف بزعم مساعدة الواليات املتحدة األمركية يف الفوز بمعركتها ضد اإلرهاب، يف حني أنه واضح أن الوطنية واالستقرار العالمي ال يمثالن الدافع احلقيقي

وراء ترصفاهتم هذه.«)2(

رابعا: العولمة الثقافية

تعد أنامط احلياة الثقافية واالستهالكية من العوامل التي تؤثر بعمق يف رؤية العالم، بام Globalized Culture، تحمل معها ما يعد استعامرا ثقافيا أمريكيا، تنرشه من ثقافة معوملة السينامئية، واملوسيقى، ومالبس اجلينز، وحذاء باألفالم املتمثلة الشعبية الثقافة فعن طريق األديداس، ومطاعم ماكدونالد، وأمثال ذلك جرى تبديل عميق يف أنامط حياة مجاهري كثرية الرؤية للعالم هي احلياة هذه هي مؤرش عىل تشكيل رؤية جديدة العالم، وأنامط أنحاء يف

.Global Modernity التي تحملها احلداثة العولمية

ظاهرة، ملموسة واإلعالم واالقتصاد السياسة ميادين يف العولمة تجليات أن ومع الدينية أخذت بعض األديان الناحية الثقافية. فمن العولمة أثرا هو لكن األهم واألعمق انتشارا أن أرسعها التقديرات واإلحصائيات العالم، وتتواتر أنحاء تنترش برسعة يف مجيع خارج االنتشار من قليال ليس نصيبا واهلندوسية والبوذية للمسيحية لكن اإلسالم، هو

مواليد من ،MIT للتكنولوجيا ماساشوستس معهد يف اللسانيات أستاذ Noam Chomsky تشومسكي نعوم )1(يدين ال التحويل، النحو نظرية صاحب التحليلية، والفلسفة اللسانيات يف متخصص يهودية، لعائلة 1928م الناقدة ملواقفه عالمية شهرة اكتسب األمريكية، اخلارجية للسياسة ناقد األمريكي، لليسار منظر وهو بدين،

للغطرسة الرأساملية واحلروب، له أكثر من مائة كتاب يف اللغة والفلسفة والسياسة.

لوينشتاين، رأساملية الكوارث، مرجع سابق، ص 372. )2(

رؤية العولمة للعالم ومنهجية التعامل معهاالفصل السادس

Page 339: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

338

بني املساواة إىل الداعية األصوات ارتفعت االجتامعية الناحية ومن التارخيية. أماكنها

وسائل أن نجد التكنولوجيا، جمال ويف العامة. واحلريات اإلنسان، وحقوق اجلنسني،

االتصال، وتكنولوجيا املعلومات تنمو برسعة هائلة، يف صورة اهلواتف الذكية، والشابكة

العاملية وغريها؛ مما يوفر لعدد متزايد من الناس من خمتلف أنحاء العال فرص الوصول إىل

مصادر املعرفة.

ة عوال فرعية حتمل العوملة وتنرشها بأشكاهلا املختلفة ويف أساسها اللغة اإلنجليزية وثم

بالطريقة األمريكية، وليس البيطانية. ومن هذه العوال: عال املال واالقتصاد، واملؤسسات

التلفزيون، وبرامج السينامئية باألفالم املتمثلة الشعبية والثقافة السلطة، ذات العاملية

باهلجرة العال للناس حول الرسيع االنتقال الرسيع، وحركة واملوسيقى واملالبس والطعام

واللجوء، بحثا عن عمل أو حياة أفضل، أو طلبا للحرية. ولعال التعليم أمهيته يف محل بعض

يف املسيحي التبشريي البعد ذات واجلامعات والكليات املدارس من فكثري العوملة، صور

الدول تعطي أن معظم الرغم من العال. وعىل بلدان أنشأت فروعا هلا يف كثري من الغرب

األولوية لبناء تعليم عام وجامعي بمواصفات وطنية، فإن كثريا من الطلبة من غري البلدان

مكانة من هلا ملا غربية وجامعات مدارس من شهادات عىل احلصول حياولون األوروبية

مرموقة، وعندما يعودون إىل بلداهنم يكونون يف مواقع ذات مكانة اجتامعية مرموقة كذلك،

وحيملون معهم قيام عوملية.

طريق عن العال يف مؤسساته معظم شكل قد األكاديمي العال فإن آخر مستوى ويف

تتطلع التي العاملية، واألعراف املعايري صفة تكتسب أخذت التي والنرش، البحث أعراف

نفسه الوقت ويف للتطور. سعيها يف هلا مرجعية باعتبارها هبا التقيد إىل املجتمعات بعض

"نخبة يعد ما متثل أصبحت عاملية سمعة اكتسبت التي األكاديمية الشخصيات بعض فإن

العال، وحتى حكومات عب-ثقافية يف املتحدة ومنظامت األمم منظامت توظفها أكاديمية"

بعض الدول يف العال العريب واإلسالمي، يف إجراء بحوث وتقديم استشارات يف ضوء هذه

البحوث، بحجة أهنا تلبي متطلبات العوملة ورشوطها.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 340: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

339

، ن للقوي ومن صور العولمة الثقافية أنها تحاول فرض عنارص ثقافية ذات اجتاه يمكجمال ضمن عادة تدخل التي املوضوعات بعض عىل بالرتكيز وذلك الضعيف، ويستغل املرأة، ضد التمييز وقضايا اإلنسان، وحقوق السالم ثقافة مثل: للعالم، العولمة رؤية املدنية، والرتبية اآلخر، وفهم والتسامح العنف، إىل وامليل الكراهية روح نزع ورضورة وتجديد اخلطاب الديني ... إلخ، وهي مسائل حارضة بقوة يف الساحة الثقافية واإلعالمية، ر يتعذ مما العالم، أنحاء املؤمترات والندوات يف شتى وهي موضوعات تطرح يف كثري من ومراكز مؤسسات العناوين هلذه اإلعالمي الزخم لزيادة يخطط من أن واملهم ه. حرصبحثية كثرية، وأن تحليل الدوافع هلذا النشاط «الثقايف« ينتهي يف الغالب إىل ضغوط سياسية

وإكراهات اقتصادية.

الثقايف من حياة املجتمع، لذلك البعد إن أخطر ما يتم من تغيري يف عرص العولمة هو فام وبراجمه. ومساراته التغيري أهداف د تحد ثقافية برؤية حمكوما سيكون إصالح أي فإن يعطي لإلنسان معنى حلياته، الذي الثقايف البعد الكائنات هو هذا البرش عن سائر به يتميز عن طريق اآلفاق التي يفكر فيها، يف ماضيه وحارضه ومستقبله، والقيم التي تحكم ترصفاته وعالقاته. وليس من اليسري أن يمارس اإلنسان أي نشاط، دون أن نرى البعد الثقايف حارضا التي واألعراف العادات عىل تقترص ال الثقافة فمسألة ومآالهتا. الممارسة هذه دوافع يف منهجا العلمي؛ العمل إن بل ذلك؛ وأمثال والغناء، والزواج واللباس بالطعام تختص وغاية، له ثقافته، وللممارسة الرتبوية ثقافتها، ولألنامط اإلدارية ثقافتها، ولإلعالم ثقافته، التي والقيم باملعايري يتصل ذلك وكل وهكذا. ثقافتها، التكنولوجيه األدوات ولتوظيف التغيريات مع املجتمع تعامل يف الثقايف املنظور أمهية تبز ثم ومن املجتمع، إليها يحتكم ومركز الثقايف املنظور جوهر هي «فالقيم اإلصالح. برامج من يلزمها وما واملستجدات، الثقل فيه... )و( هذا اجلوهر القيمي يتجسد يف األنامط املختلفة من التفكري والقيم والسلوك

واملعامالت واألنامط التنظيمية، التي اصطلحت عليها مجاعة يف تدبري أسلوب حياهتا.«)1(

للكتاب، العربية الدار مكتبة القاهرة: تربوية، واقتضاءات ثقافية إضاءات املجتمعي: اإلصالح حامد. عامر، )1(2006م، ص 26.

رؤية العولمة للعالم ومنهجية التعامل معها الفصل السادس

Page 341: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

340

ويف العالمية، والسوق االقتصادي اجلانب يف ظهورا أكثر العوملة مظاهر تكون وقد السياسات الليبالية املفروضة من القوى الدولية املهيمنة، التي تحاول انتهاك سيادة الدول لكن العالم، يف والفقراء األغنياء بني الفجوة توسيع باستمرار عنه ينتج مما وجمتمعاهتا، عىل تقترص ال النتائج فهذه نتائجها؛ يف واألخطر آثارها، يف األعمق هي الثقافية العولمة تبتغي غري التي ال املتجددة التكنولوجية املنتجات أنامط احلياة االستهالكية، واالعتامد عىل الربح؛ فقد أصبحت العولمة الثقافية رؤية للعالم، تعب عن منظومة من املعتقدات التي ال النسيج تفكك إىل الثقافية العولمة رؤية معتقدات فأدت الدينية، املعتقدات عن أثرا تقل الثقايف، وقلق اهلوية، وضعف االنتامء. ول تعد االجتامعي، والفوىض الفكرية، واالغرتاب القيم الثقافية واالجتامعية قادرة عىل بناء اللحمة بني أبناء الوطن الواحد، حتى ضعفت قدرة ماته وقيمه، وأصبحت العولمة هوية بديلة، وهي هوية ته ومقو املجتمع عىل االحتفاظ بهويتتصف بالسيولة والتغري املتواصل، إىل احلد الذي يمكننا أن نقول: إن العوملة تريد أن تشكل

عالما بال هوية.

ونحن يف حديثنا عن خماطر العولمة الثقافية ال ننسى أن هذه املخاطر ال تقع إال للدول أو القومية أو الوطنية الذات بناء بالعجز عن بالتبعية، واقتنعت التي رضيت واملجتمعات التأثري. آفاق وابتداع التأثر، حدود الختيار هلا، فرصة العولمة جعل عىل القادرة الدينية وحالة هذه املجتمعات التابعة والعاجزة تفتح شهية من يملك القدرة عىل اهليمنة بأي شكل اهليمنة عىل أقدر وبعضها االقتصادية، اهليمنة عىل قدرة هلا الدول فبعض أشكاهلا، من السياسية، وبعضها فاعل يف جمال اهليمنة الثقافية، ولكن بعضها يحاول اهليمنة بكل أشكاهلا.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 342: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

341

المبحث الثاين

العولمة التعليمية

أوال: عولمة التعليم والتعليم الدويل

الثقافية العولمة فإن أخطر ما يف العولمة، الثقافية هي أخطر ما يف العولمة إذا كانت هي عولمة التعليم وحماولة إقصاء الدين عن جمال التعليم، وبخاصة التعليم العام الذي هو األساس يف بناء ثقافة املجتمع وهويته. وحني يثور اجلدل حول هذا املوضوع، ومكانة الدين يف رؤية العالم العولمية، وموقعه يف التعليم، فإن االختالف قد ال يكون جذريا لو كان من الدين قضية شخصية ال عالقة هلا بقضايا احلياة «لكم دينكم ويل دين« يف حال كون باب: التعليم إن معظم قضايا بل العالم ليست كذلك، املجتمع، لكن رؤية العامة يف مؤسسات فيها هذه تعمل التي والنزاهة، واحلدود واحلرية العدالة مثل مفاهيم بسيادة تتصل الديني املفاهيم وأمثاهلا، وهي موضوعات مركزية يف رؤية العالم، وقضايا مهمة يف سياسة التعليم بل شخصية، قضايا ليست فهي ثم ومن خاصة؛ بصورة اجلامعي والتعليم عامة، بصورة وممارساته القضايا، هذه من اجلامعي األستاذ مواقف تشكله التي باألثر وثيقة صلة إنها التدريسية يف ضوء نظم اجلامعة وأعرافها وبنود التعاقد القانونية للعمل، وحدود ما يسمى

باحلرية األكاديمية.)1(

من وفرة نجد واإلسالمية العربية املجتمعات يف اجلامعي التعليم مستوى وعىل احلديث عن االنفتاح عىل التطورات العلمية والثقافية يف العال، واخلبات العالمية يف نظم اجلودة، واملعايري الرتبوية، وبرامج التعاون الدويل يف الرتبية، وجهود )أو شعارات( اللحاق بركب التقدم العالمي،... وخالصة احلديث يف هذه املسائل ودالالته العملية تنتهي إىل ما يمكن وصفه بالدعوة إىل التامهي والذوبان يف املحيط العالمي، والتبعية له، واكتساب نمطه

(1) Arrows, Four and Block, Walter. Differing Worldviews in Higher Education: Two Scholars Argue Cooperatively about Justice Education. Rotterdam, Holand: Sense Pulishers, 2010, Pp. 1-44.

رؤية العولمة للعالم ومنهجية التعامل معها الفصل السادس

Page 343: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

342

التعليم مناهج لتطوير األحوال كل يف والدعوة والسياسة، االقتصاد جماالت يف التنموي اجلامعي، تحديدا خلدمة هذه التوجهات بام يلزم من كفاءة وأمانة.

ترى تواجهه، التي والتحديات العريب العالم يف اجلامعي التعليم واقع تحليل ويف نادية مصطفى أن هذا التعليم يواجه عددا من التحديات، أمهها غياب الفلسفة التي تنطلق من منظور حضاري إسالمي، وارتباط زخم الدعوة إىل االنفتاح عىل العالم بامليل إىل إمهال قضايا اهلوية والشخصية احلضارية لألمة. فاخلبات التي تحددها متطلبات التطوير مرتبطة إىل حد كبري باخلبة اخلارجية التي تملك زمام املبادرة والقيادة والتمويل يف جهود التطوير، وبراجمه اجلامعي التعليم لسياسات احلاكمة للبيئة املبارش باألثر كذلك مرتبطة وهي منظومة يف الضعف من بقدر تتصف بيئة وهي العربية، جمتمعاتنا معظم يف وأولوياته القيم املجتمعية، وحالة الفقر والديون املتحكمة يف االقتصاد، وحالة الفساد والدكتاتورية

والضغوط األجنبية يف السياسة.)1(

«تشكل يف تجمعها أزمة التعليم، فعىل سبيل املثال، ونظرا ألنه ليس وهذه التحديات ما نجد بعد حضاري واضح ونحو هدف حضاري حمدد، تنطلق من للتعليم فلسفة هناك الغربية للمنظورات املعريف والتحيز السوق كفلسفة، احتياجات نغمة مواجهة ارتفاع يل: للعلوم االجتامعية واإلنسانية، وغياب البعد اإلسالمي عنها، حيث يظل املنظور اإلسالمي واكتساح املدين، والتعليم الديني التعليم بني الفصل تم منذ الرشعية، الكليات حبيس اخلاصة اخلارجية اجلامعات عن ناهيك احلكومية، اجلامعات يف للتعليم األجنبية اللغات واألجنبية،...«)2( كل ذلك يمثل يف رأي نادية مصطفى تحديا حضاريا ال يلغي احلاجة إىل املرجعية ذلك ومعه- أصول يستدعي -قبل لكنه اآلخر، مع واحلوار والتواصل التعايش

التي تتمثل يف اللغة وحقائق التاميز واالختصاص، وذاكرة التاريخ.

مصطفى، نادية حممود. التعليم العايل والتحدي احلضاري: قراءة يف أعامل مؤمتر التعليم العالمي: رؤية مستقبلية، )1(مؤمتر دويل نظمته املنظمة اإلسالمية للرتبية والعلوم والثقافة )إيسسكو( واملنظمة العربية للرتبية والعلوم والثقافة

)أليكسو( بالتعاون مع مؤسسة الفكر العريب يف بريوت 26-27/ 9/ 2005م.

املرجع السابق، ص 9-6. )2(

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 344: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

343

وتستعرض نادية مصطفى، يف بحث آخر، اخلبات التي يمثلها البعد الثقايف والرتبوي التبادل و«برامج األورومتوسطية« الثقافات حوار وسياسات األورومتوسطية لـ«الرشاكة العلمي والطاليب التي تتوالها املراكز الثقافية األمريكية وهيئات املنح املدنية« وأثر ذلك عىل التعليم يف مرص، وتتوصل إىل: «خالصة القول من هاتني املجموعتني من اخلبات األوروبية واألمريكية أنها تعكس املالمح التالية: من ناحية أنها تقوم عىل منظومة قيم «غربية« ما علينا إال نقلها وقبوهلا يف هذا السياق، كام أنها تضع التعليم يف شبكة ممتدة من األنشطة التفاعلية الثقافية ... لعل من أهم مالمح ذلك «الطابع العولمي« الساعي الستيعاب وإدماج الشباب ة عي «العالمية« يف حني أن هذه املالمح إنما تزيد من حد والباحثني واألساتذة يف شبكات تدالتحديات احلضارية التي تواجهها مرشوعات تطوير التعليم الوطنية يف الدول اإلسالمية. فهي ال تحقق انفتاحا رشيدا عىل اآلخر الغريب، ولكنها تشهد تأثريات وتدخالت خارجية

مه عىل أنه «العالمي« واألفضل والذي يجب النقل عنه ألن لديه احلل.«)1( تقد

ومن ثم أصبحت سياسات التعليم العايل، ولغة التدريس يف التعليم، والرتبية املدنية، يف والنوعية، الدرجة حيث من مسبوقة غري بصورة حارضة قضايا اإلسالمي، واخلطاب التخطيط السيايس والرتبوي والثقايف، فهي قضايا ثقافية ذات أبعاد سياسية، وهي يف الوقت التعليم لغة إىل النظر السيايس. ويمكن الوعي برجمة ثقافية، تستهدف تعليمية نفسه قضايا بوصفها عنرصا من عنارص رؤية العولمة للعالم. إن لغة التدريس جزء من السياسة اللغوية التي تمنح اللغة أمهيتها يف تنظيم املجتمعات البرشية. وربام يكون السبب يف إخفاق الكثري القارصة اللغوية السياسات إىل يحتاجونها التي اللغوية الكفايات تحصيل يف الناس من السيايس بالنظام وثيقة صلة هلا القارصة اللغوية والسياسة ذلك، من تمكنهم ال التي

واالقتصادي وبفاعلية املؤسسات الرتبوية واالجتامعية.)2(

مصطفى، نادية حممود. التواصل بني اجلامعات والتبادل العلمي والطاليب يف خدمة االنفتاح عىل اآلخر، ورقة مقدمة )1(إىل ندوة: تعزيز ودمج احلوار يف اإلسالم يف مناهج التعليم، القريوان، تونس: 12-14/ 10/ 2009م، ص 7-4.

الرباط: مؤسسة الغني للنرش، اللغوية: خلفياهتا ومقاصدها، ترمجة حممد خطايب، السياسة طوليفصون، جيمس. )2(2007م، ص17-10.

رؤية العولمة للعالم ومنهجية التعامل معها الفصل السادس

Page 345: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

344

اللغة ما تحمله من عنارص تنقل هذه أن يعني التدريس لغة أجنبية يف إن استعامل ثم

ثقافية ذات صلة بالعقل والوجدان، وكثريا ما تترسب مع اللغة معتقدات وقيم، ترضب يف

أساس القيم الدينية والثقافية واالجتامعية يف املجتمعات العربية واإلسالمية.

السياسة املنتفعني من أساطني التعليمية ليست جمرد شعارات وأمنيات عند والعولمة

«أخذت طريقها إىل نظريات الرتبية املعارصة التعليم واالقتصاد، وإنما أصبحت فلسفة يف

»Global Education عىل نطاق يزداد اتساعا يوما بعد يوم، باسم: فلسفة «التعليم العالمي

الذي يكاد يذيب الفوارق يف الفلسفات الرتبوية بني الشعوب واألمم؛ أمال يف إيجاد مواطن

ة دعوات إلنشاء نظام تعليم ال يعرف احلدود بني الشعوب يف عاملي Global Citizen. فثم

ر النمو والتطو النظام؛ أمال يف تبني مثل هذا إدارته وتطبيقه. وبعض املجتمعات ترغب يف

األمريكية املتحدة الواليات أن رسا وليس ما. تقد األكثر املجتمعات من بغريها واللحاق

لتغيري أخرى جمتمعات عىل واقتصادية سياسية ضغوطا متارس األوروبية الدول وبعض أنظمتها التعليمية والثقافية بحجج خمتلفة.)1(

نمت فقد التعليم.)2( تدويل سياسات كذلك جاءت العالمي التعليم فلسفة ومثل هناية مع أصبحت حتى العايل، التعليم جمال يف الثقايف واالقرتاض اخلبات تبادل ظاهرة الظاهرة دوافعها وتحليل هلا،)3( مرجعي إطار لبناء تسعى نشطة حركة العرشين القرن تقوم أن للدولة يمكن التي التوفيق وجهود العولمة، بقوى عالقتها سيام وال واخلفية، التاريخية وأولوياهتا الدولة د تفر واحرتام اخلارجية، العوملة عمليات مع التكيف بني هبا األمريكي اجلامعي التعليم نظم نرش يف التعليم تدويل حركة مظاهر وتتجىل والثقافية.)4(

(1) Srisa-an, Wichit. Global Education for Asia in the Twenty-first Century, Asia-Pacific Jour-nal of Cooperative Education, Volume 3, No.1, 2002, Pp.1-4.

(2) Internationalization of Education.

(3) Qiang, Zha. Internationalization of Higher Education: towards a conceptual framework, Policy Futures in Education,Volume 1, Number 2, 2003, Pp. 248- 270.

(4) Kreber, Carolin. Different Perspectives on Internationalization in Higher Education, New Direvtions for Teaching and Learning. Volume 2009, Issue 118, Summer 2009, Pages 1–14.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 346: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

345

البلدان يف واألوروبية األمريكية للجامعات فروع إنشاء ويف وكتبه، وبراجمه واألورويب وتعزيز اجلامعات، لتصنيف دولية ونظم لالعتامد، دولية معايري وضع ويف األخرى،

الثنائيات اللغوية، وغري ذلك.)1(

وال تقترص جهود حركة التدويل عىل التعليم اجلامعي، وإنما تنشط كذلك يف جمال التعليم العام؛ فظاهرة «املدارس الدولية« و«املناهج الدولية« و«االمتحانات الدولية« آخذة يف االنتشار،

واملراجع التي تدرس هذه الظاهرة وتحاول توجيهها يتواىل صدورها يف بلدان خمتلفة.)2(

وقد دأبت املنظمة الدولية للرتبية والعلوم والثقافة )اليونسكو( عىل دعم هدف تدويل التعليم وإنشاء البامج اخلاصة به،؛ فقد جاء يف أحد تقاريرها املنشورة «أنه ينبغي مساعدة تكنولوجيات واستخدام الدراسية، )املناهج للتعليم الدويل البعد تعزيز عىل البلدان الوطنية التعليمية النظم لتعزيز املساعدة تقديم وينبغي الدويل(. والتعاون املعلومات، وفيام اإلقليم، مستوى عىل الوزارات بني والتعاون التحالف عالقات تشجيع طريق عن لليونسكو التقنيني النشاط تعزيز وينبغي متامثلة. مشكالت تواجه التي البلدان بني التوافق بني الترشيعات الوطنية املثال حتقيق خلدمة الدول األعضاء، ومن ذلك عىل سبيل

واالتفاقيات الدولية.«)3(

الكتابات التي تتحدث عن ظاهرة تدويل التعليم اجلامعي كثرية، ولعل من آخرها: )1(- Deardorff, Darla K. and Smith, Lily A. Arasaratnam (Editors). Intercultural Competence in

Higher Education: International Approaches، Assessment and Application (Internationalization in Higher Education Series), Abingdon, Uk: Routledge, Ist Ed., 2017.

- Wit, Hans De; CacelAvila; Jones, Elspeth and Jooste, Nico. (Editors). The Globalization of Internationalization: Emerging Voices and Perspectives (Internationalization in Higher Education Series), Abingdon, Uk: Routledge, Ist Ed., 2017.

- Proctor, douglas and Rumbley, Laura (Eds). The Future Agenda for Internationalization in Higher Education: Next Generation Insights into Research, Policy, and Practice (Internationalization in Higher Education Series), Abingdon, Uk: Routledge, Ist Ed., 2018.

(2) McGrath, Simon and Gu Qing. Routledge Handbook of International Education and De-velopment. Abingdon, Uk: Routledge, Ist Ed., 2017.

والعرشين احلادي للقرن بالرتبية املعنية اليونسكو يف الدولية اللجنة تقرير املكنون: الكنز ذاك التعلم اليونسكو. )3(«تقرير ديلور«، باريس: منظمة اليونسكو، 1996م، ص42.

رؤية العولمة للعالم ومنهجية التعامل معها الفصل السادس

Page 347: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

346

والبامج واألفكار الفلسفات من أخرى أمثلة عن احلديث يف نسرتسل أن ويمكن سبيل عىل ذلك ومن للتعليم، عولمية رؤية بناء مظاهر من تعد التي والتعليمية الرتبوية Postmodernity Education،)1( والتعليم يف عرص املثال ال احلرص، تعليم ما بعد احلداثة: السالم: أجل من تربوية وفلسفة )2(،Education for Digimodernism :الرقمية احلداثة Educational Philosophy for Peace،)3( وقد استخدم الدين لتعزيز هذه الفلسفة، وذلك

بابتداع برامج تربية دينية بينية: Interreligious Education. )4( وغري ذلك.

الدول أليست والتعليمي؟ الثقايف التفاعل هذا مثل يف املشكلة وما قائل: يقول وقد الغربية قد وصلت يف مسارات التقدم العلمي والتقاين ما عم خريه ونفعه أنحاء العالم كله؟

أليس يف مثل هذا التفاعل ما يخرج جمتمعاتنا مما هي فيه من تخلف وضعف؟

ة مداخل خمتلفة لإلجابة عن مثل هذه األسئلة، وما يعنينا هنا هو أن التفاعل الذي وثمساد املجتمعات العربية واإلسالمية مع الغرب منذ االستقالل وعىل مدار حوايل ثالثة أرباع التي الدنيا اليد املجتمعات يف موقع اتجاه واحد، فكانت هذه ثقافية يف القرن، كان حركة تأخذ ما يصلها، من علم وثقافة وخبة، ومع ذلك فإن هذه املجتمعات ال تزال عاجزة عن اعتامدها ويزداد تبعيتها تتعمق تزال وال املنشود، التقدم جماالت من جمال أي يف اإلنجاز عىل غريها يف كل ما يلزمها. بينام استطاعت بعض املجتمعات األخرى مثل الصني، وكوريا املنافسة يف القدرة عىل تمتلك كثريا من عنارص أن ما(، واليابان، واهلند )إىل حد اجلنوبية، لدهيا من رؤية ما تفقد أن العلمي واالقتصادي واالجتامعي، دون التقدم ميادين عدد من للعالم تتصف باالستقالل والتميز، بام يف ذلك العنارص الدينية من هذه الرؤية. لذلك ال بد

ملجتمعاتنا أن تقيم التفاعل بصورة تحفظ هلا مرجعيتها وهويتها ورؤيتها للعالم.

(1) Parker, Stuart. Reflective Teaching In The Postmodern World: A Manifesto of Education in Postmodernity. London: Open University Press,1997, Pp. 139-139.

(2) Kirby, Alan. Digimodernism: How New Technologies Dismantle the Postmodern and Re-configure Our Culture, London: Bloomsbury Academic; 1 edition 2009.

(3) Engebreston, Kathleen; Souza, Marian De; Duka, Gloria; and Gearson, Liam. (Editors). International Handbook of Inter-religious Education New York: Springer, 2010, page 6.

(4) Ibid., page 50.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 348: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

347

ثانيا: عدم اليقني والتحيز الرتبوي الغريب

ة وعيا متزايدا يف الغرب بأن الثقافة الغربية التي ولعل من املناسب أن نشري إىل أن ثمأو خالصا، خريا ليست التعليمية« «العولمة صورة يف للعالم« العولمة «رؤية تحملها نجاحا متصال، وللكشف عن جانب من جوانب تقويم الفكر الرتبوي الغريب، يمكن النظر يف ظاهرتني؛ األوىل هي ظاهرة عدم اليقني الرتبوي، والثانية ظاهرة التحيز يف الفكر الرتبوي الغريب. ففي الظاهرة األوىل نالحظ أن كثريا من الرتبويني والفالسفة واملفكرين والباحثني أن يمكن ما وهو والقصور، العجز من تعاين الغريب التعليم حالة بأن يعرتفون الغرب يف نجده حتت عناوين مثل: «أزمة التعليم«، يف الشابكة العالمية.)1( فقد شهد النصف الثاين من القرن العرشين نقدا شديدا للفلسفات الرتبوية التي سادت العالم الغريب، وامتدت تطبيقاهتا زت ز هذا النقد بعض االتجاهات الفكرية والرتبوية التي رك إىل معظم أنحاء العالم. وقد عزعىل املشكالت التي أحدثتها احلداثة الغربية، مثل: زيادة الفوارق بني املجتمعات، وتعظيم الرأساميل املجتمع خدمة إىل الرتبية وتوجيه اإلنسان، حساب عىل باألشياء االهتامم ثقافة

ومؤسساته املتوحشة، وغري ذلك.

ومع أن الواليات املتحدة األمريكية تقود معظم عمليات التطوير والتحديث يف العلوم الرتبوية يف الغرب، ويف العالم إىل حد كبري، فإن كثريا من الكتابات التي تصدر يف الواليات الفكر يف اليقني عدم حالة تسميتها: نقرتح أن يمكن حالة عن تعب األمريكية املتحدة الرتبوي الغريب. وقد دخلنا القرن احلادي والعرشين، وال تزال كتابات كثرية، تتصف بقدر

من املرجعية املهنية يف الدوائر الرتبوية األكاديمية، تعب عن تلك احلالة.

ونكتفي هنا باإلشارة إىل كتاب الدليل الدويل للتغيري الرتبوي، الذي صدر عام 1998م، التغيري جهود فيها حدثت التي املجاالت املرجعي الكتاب هذا مقدمة حت وض أن وبعد

املتحدة الواليات يف بالتعليم خيتص فيام العنوان، هذا مثل حتمل التي اإللكرتونية املواقع آالف يف النظر يمكن )1(يف وبحوث وجمالس، جلان وتقارير ومقارنة مسحية دراسات املواقع هذه بعض وتتضمن األوروبية، والدول

الدوريات املتخصصة. انظر عىل سبيل املثال يف املوقع اآليت:- https://blogs.ams.org/matheducation/201906/05//the-crisis-in-american-education/

(Retrieved 7 July 2020).

رؤية العولمة للعالم ومنهجية التعامل معها الفصل السادس

Page 349: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

348

الرتبوي يف كثري من بلدان العالم، ذكرت أن نتائج هذه اجلهود أدت إىل وضع جعل املعلمني واإلداريني يف العلم الرتبوي يشعرون بأن النظم التي يعملون فيها ليست معقدة فحسب، بل تتدهور بصورة فوضوية، وأن هذه الفوىض أمر موروث يف املجتمعات واملنظامت التي تنرش ل فيها املعلومات وتتخذ فيها القرارات برسعة متزايدة، وهي كذلك نتيجة لسياسات تتشكهبدف أيديولوجية معارك يف وتدخل متنافسة مصالح ذات مجاعات من باستمرار وتتغري Manufactured «عدم يقني مصطنع« نتيجة الشباب، ويف بعض األحيان اكتساب عقول ل، التدخ امليدان، وتبير اهللع يف Uncertainty تصنعه بعض احلكومات؛ خللق حالة من

وإبقاء الرتبويني واجلميع يف حالة عدم توازن.)1(

املوضوع يف آخر كتابا الكتاب ذلك رو حمر أصدر الزمن من عقد عن يزيد ما وبعد األوىل العرش السنوات يف حدث الذي الرتبوي التغيري لرصد نفسه، النمط وعىل نفسه، الرتبوي التغيري أن رون املحر ويستخلص امليالدي.)2( والعرشين احلادي القرن من البحث املصاحبة أصبحت أكب حجام، وأشد ضبطا، واسرتاتيجيات اإلصالح واتجاهات وأكثر تعقيدا، لكنهم يشعرون باإلحباط بسبب الفشل يف تحقيق تغيري إيجابي يتناسب مع بالنوعية تختص أهداف تحقيق عن والعجز املنشود، املعرفة ملجتمع الرتبوية األهداف العالية والممارسات اإلبداعية. وأن أكثر التغيريات الرتبوية انشغلت بتقليص الفجوات بني «خرافة« املدارس التي ال تحوي فجوات. خت جمموعات الطلبة واملدارس، إىل درجة رسفعىل سبيل املثال كانت برامج اإلصالح الرتبوي يف اململكة املتحدة تأيت من اإلدارة املركزية بطريقة تنتزع االبتكار واإلبداع واالحتياجات األساسية لالكتشاف والنمو عند األطفال من

(1) Hargreaves, Andy; Lieberman, Ann; Fullan, Michael; and Hopkins, David. International Handbook of Educational Change (2 Volumes) London: Kluwer Academic Publishers, 1998, p. 1-5.

ويقع الكتاب يف جملدين، من 1365 صفحة، شارك يف كتابة فصوله نحو 89 باحثا.(2) Hargreaves, Andy; Lieberman, Ann; Fullan, Michael; and Hopkins, David. Second Inter-

national Handbook of Educational Change (Springer International Handbooks of Edu-cation), New York: Springer, 2010.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 350: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

349

هت طاقة املعلمني نحو االختبارات احلكومية؛ حتى إن هيئة املراجعة املناهج املدرسية، ووج

اخلاصة يف حكومة اململكة املتحدة أشارت إىل بعض االستنتاجات نفسها.)1(

رت ظاهرة «عدم اليقني الرتبوي« يف كثري من الكتابات، ال سيام يف الواليات لقد تكر

إصالح اسرتاتيجيات عىل مالحظاته الباحثني أحد أورد فقد تحديدا. األمريكية املتحدة

التعليم، التي جاءت عىل شكل موجات متالحقة يف املدارس الرتبوية األمريكية، عىل مدار

بصورة فيه وأثر النظام، اخرتاق من ن تمك منها فقليل ذلك، ومع املاضية. سنة األربعني

املدارس يف املزعجة احلالة عن املتتابعة التقارير لنا الذي كشفت الوقت يف وذلك عميقة،

اإلصالح قضايا يف السخرية إىل تدعو التي فاملفارقات احلادة. ومشكالهتا األمريكية

يدعو وهذا دويل. منظور من املسألة إىل النظر عند األقل عىل كثرية، املدريس التعليم يف

يف االسرتاتيجيات هذه له تخضع وما الفعالة، اإلصالح اسرتاتيجيات عن التساؤل إىل

الظروف السياسية، أو الثقافية، أو املؤسسية، أو حتى الفردية!)2(

الرتبية واقع دراسة وأوكلت العالم، يف التعليم بشأن اليونسكو منظمة اهتمت وقد

والتقارير الوثائق من جمموعة وأصدرت اللجان، من عدد إىل العالم بلدان يف والتعليم

التي تكشف عن خلل كبري يف أنامط التعليم السائدة يف العالم، والفكر الرتبوي الذي يقود

«عدم اليقني.« وأشارت بعض تقارير ز ظاهرة البلدان الغربية. وهو ما يعز هذه األنامط يف

اليونسكو إىل أن التعليم يف البلدان املتقدمة« يعاين من وضع داخل متخلف. وهو يف حالة

مماثلة لتلك التي توجد يف البلدان املستعمرة سابقا، فالتالميذ فيها هم منتجات التعليم عىل

والقفل.«)3( واملحتوى، «اإلناء، تفاصيله؛ بكل البالد هذه استوردته الذي الغريب النمط

(1) Ibid., Volume one، pp. xii-xviii.

(2) Dalin, Per. Developing the Twenty-First Century School: A Challenge to Reformers in: Da-vid Hopkins (Ed.)The Practic and Theory of School Improvement (Handbook of Education-al Change) Dordrechtm, The Netherlands: Springer Academic Publishers, 2005, Pp. 25-39.

(3) Faure, Edgar. Learning to be: The world of education today and tomorrow, Paris: Unesco, Seventh impression, August 1982. xxviii.

رؤية العولمة للعالم ومنهجية التعامل معها الفصل السادس

Page 351: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

350

وهو تعبري يعني أن البالد التي كانت مستعمرة استوردت نظم التعليم من البلدان التي كانت تستعمرها بغض النظر عن مدى مالءمة هذه النظم حلاجاهتا. )1(

«إعادة التفكري ومن بني وثائق اليونسكو وثيقة صدرت عام 2015م، ومحلت عنوان الوثيقة هذه يف املحوري والشاغل عالمي«)2(، مشرتك صالح نحو والتعليم: الرتبية يف االقتصادي، املذهب ممارسات خالل من ق تتحق لم التي املستدامة« «التنمية مفهوم هو والالمساواة، احلال «ضعف تزايد يمنعا لم املذهبان فهذان )البامجايت(؛ النفعي واملذهب دعا ما وهو بينها.« وفيام املجتمعات داخل العال عب والعنف، ،Exclusion واالستبعاد: والتعليم، ويف الرتبية مقاصد النظر من جديد يف «أن تأكيد إىل التقرير ت أعد التي اللجنة ة يف هذه األيام أكثر مما يف أي وقت... )و( حاجة متنامية إىل التعلم، هو حاجة ماس تنظيم التوفيق بني إسهام النواظم الثالثة للسلوك االجتامعي؛ املجتمع، والدولة، والسوق.« ولذلك دعت الوثيقة املشار إليها إىل تجاوز املذهبني النفعي واالقتصادي الضيقني، واقرتحت «هنجا شأن يعل جديد... إنامئي نموذج حتقيق يف يسهم أن له، وينبغي يستطيع، شامال إنسانيا

الناس الذين كثريا ما يمارس بحقهم التمييز.«)3(

ا ظاهرة التحيز يف الفكر الرتبوي الغريب، فيمكننا القول إن التحيز يمثل واحدة من أماملشكالت التي ال تقترص عىل نظرة الغربيني إىل غريهم، وإنما تتغلغل يف واقع املجتمع الغريب 2016م عام منذ أنشأت األمريكية البحث مجعيات إحدى أن بالذكر اجلدير ومن نفسه. د يف الرتبية، باسم املجلة الدولية للتحيز واهلوية جملة متخصصة بقضايا التحيز واهلوية والتعداملعلومات« مصادر إدارة «مجعية تصدرها سنوية، نصف جملة وهي الرتبية.)4( يف ع والتنو

ومركزها يف والية بنسلفانيا األمريكية.)5(

«بعجرها أو وقضيضها«، «بقضها بالعربية: يقال ما ويشبه barrel, stock and key هو: باإلنجليزية التعبري )1(وبجرها«.

اليونسكو. إعادة التفكري يف الرتبية والتعليم: نحو صالح مشرتك عاملي، باريس: منظمة األمم املتحدة للرتبية والعلوم )2(والثقافة، 2015م.

املرجع السابق، ص10-9. )3((4) International Journal of Bias, Identity and Diversity in Education (IJBIDE).

(5) Information Resources Management Association.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 352: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

351

ثم ومن األمور. إدراك يف وطريقته اإلنسان بعقل يرتبط حال- ة أي -عىل والتحيز فهي خاصية من خصائص رؤية العال عند اإلنسان، ويعد وعي اإلنسان عىل وجودها عنده Attentional Biases لبية للتحيز. «فالتحيزات اإلدراكية عامال مهام يف معاجلة اجلوانب السدة تقود تيار التفكري ة أفكار حمد تستطيع أن تفرس فشل الفرد يف النظر إىل البدائل املمكنة؛ فثم

بطريقة معينة.)1(

يف الرتبوية الفلسفية االجتاهات معظم مصدر هو واألمريكي األورويب الغرب إن يف بام واالقتصادية، السياسية واهليمنة الضعط مؤسسات من يملك وهو املعارص، العال املتعددة الفكرية بألواهنا الوضعية الغربية الفلسفة ما جيعل املتحدة، األمم ذلك مؤسسات را، بالرغم مما ينتاب الفكر الرتبوي الغريب من حتيز وامتداداهتا يف الرتبية تزداد انتشارا وجتذعموما، الغريب« الفكر يف «التحيز بظاهرة الغرب يف الباحثني بعض ويعرتف ظاهر.)2( التحيز فيام التحيز الرتبوي.)3( ونجد واحدا من جتليات هذا ويشريون إىل جوانب من هذا سامه أحد الباحثني «فجوة النرش: التحيز الغريب يف جمالت علم النفس الرتبوي«، فقد حلل حتيزا ووجد الرتبوي، النفس علم يف العاملية املجالت أشهر من ثالث يف نرش ما الباحث مزعجا ينتاب الدراسات الغربية، والحظ أن ما يف هذه الدراسات ال ينطبق عىل أبناء العال يف والشك البحث، نتائج صدق د هيد الذي التحيز عىل األمثلة بعض م وقد الغريب، غري

إمكانية إعادة البحث أو تعميم نتائجه.)4(

(1) Baron, Jonathan. Thinking and Deciding, London and New York: Cambridge University Press, 2007, p. 137.

ملكاوي، فتحي حسن. «التحيز يف الفكر الرتبوي الغريب«، جملة إسالمية املعرفة، العدد 37-38، صيف وخريف )2(2004م، ص202-181.

(3) Peters, Michael A. The Humanist Bias in Western Philosophy and Education, Educational Philosophy and Theory, Vol. 47, Iss. 11, 2015, Pp. 1128-1135.

(4) Yussen, Steve. The publication Gap: Western Bias in Educational Psychology Journals, College of Education and Human Development (CE-HD VISION 2020 BLOG). Posted Apr 22, 2016, See link:

- https: //cehdvision2020.umn.edu/blog/western-bias-educational-psychology/ (Retrieved 1 Oct. 2020).=

رؤية العولمة للعالم ومنهجية التعامل معها الفصل السادس

Page 353: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

352

إن النظم الرتبوية السائدة يف بلدان العال العريب واإلسالمي جاءت منذ بدايتها امتدادا للنظم املعرفية والرتبوية الغربية، التي تنضح بالتحيز ضد حاجات هذه البلدان ومصاحلها، ونظم التعليمية، والسياسات اجلامعي، والتعليم العام التعليم برامج يف ذلك ويتمثل التقويم واالعتامد، ومناهج البحث الرتبوي، وغريها. وجتد هذه البامج والنظم دعام كبريا من الغرب، بوصفه وسيلة أساسية للسيطرة األيديولوجية عىل التعليم. أما خمرجات أنظمة ه التنموي، بتشجيعها للسلوك االستهالكي، والتبعية االقتصادية، خ التشو التعليم فإهنا ترس

ة وهويتها.)1( والطبقية االجتامعية، وتغريب األجيال اجلديدة عن ثقافة األم

باملجتمعات والعالقة الرتبوي، البعد عىل يقترص ال الغربية البلدان يف والتحيز الغربية املجتمعات داخل يف متعددة مظاهر له التحيز هذا إن بل الغربية، غري والشعوب بقوة.)2( مطروحة قضية تزال ال والرواتب األجور يف النساء ضد التحيز فقضية نفسها، والتحيز ضد املواطنني من غري ذوي البرشة البيضاء، تثري بني احلني واآلخر من االضطرابات واالحتجاجات وأعامل الشغب، ما يعيد املسألة إىل واجهة االهتامم اإلعالمي، ال سيام عندما مؤخرا، بقوة التحيز هذا عن احلديث عاد فقد قتل. حوادث "العرقي" التحيز هذا يرافق إثر مقتل George Floyd يوم 25 مايو )أيار( عام 2020م، وهو مواطن أمريكي من ذوي العاملي البيضاء. وانشغل اإلعالم البرشة أمريكي من ذوي يد رشطي السوداء عىل البرشة

= - وهو بحث منشور عىل املوقع اإللكرتوين لكلية الرتبية، بجامعة مينيسوتا األمريكية، باسم: كلية الرتبية- النمو اإلنساين رؤية 2020م.

نرش يف 21 سبتمب البيطانية، باجلامعات منشور خيتص التعليم، يف الغريب يف التحيز تقريرا عن انظر كذلك -2016م:

- https: //glasgowguardian.co.uk/201621/09//western-bias-in-education/

عل، سعيد إسامعيل. «إشكالية التحيز يف التعليم«، يف: إشكالية التحيز-رؤية معرفية ودعوة لالجتهاد، تحرير: )1(1997م، ط2، الثاين، املجلد اإلسالمي، للفكر العاملي املعهد فريجينيا: هريندن، املسريي، الوهاب عبد

ص470-439.

السوداء واملرأة الرجل، يتقاضاه مقابل كل دوالر املتحدة هو 78 سنت الواليات املرأة يف تتقاضاه الذي األجر )2(تتقاىض 64 سنتا، واملرأة من أمريكا الالتينية 54 سنتا فقط. انظر التقرير:

- https://www.aclu.org/issues/womens-rights (Retrieved 7 July 2020).

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 354: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

353

موقعها عىل يس يب يب حمطة نرشت وقد أسابيع. عدة مدى عىل ودالالهتا القضية هبذه اإللكرتوين تقريرا عن تسع حاالت من هذا النوع من القتل يف الواليات املتحدة األمريكية إصدار عدم يف القضاء وحتيز املفرطة، القوة باستخدام 2020م، و 2014م عامي بني ما أحكام مناسبة عىل القتلة يف معظم احلاالت. ووثق التقرير اعرتاف وزارة العدل بخصوص حادث القتل يف إحدى احلاالت بأن الرشطة أظهرت حتيزا عنرصيا Racial Bias ضد القتيل واستخدمت القوة املفرطة، ومع ذلك فقد انتهت القضية باستقالة ضابط الرشطة القاتل من

عمله دون أن تتم مقاضاته.)1(

أمرا ليس واملامرسة الفكر يف التحيز من األمثلة هذه أن إىل نشري أن اإلنصاف ومن هبذا ونكتفي العال. جمتمعات من كثري يف أمثلة له نجد وإنام الغربية، باملجتمعات خاصا الغريب، دون أن يكون يف الرتبوي الفكر التحيز يف إليه احلديث عن قادنا الذي االستطراد بناء إىل الرتبوي، وإنام هو دعوة الغرب يف جمال اإلصالح ذلك دعوة إىل قطيعة فكرية مع ن الرتبويني املسلمني من امتالك الوعي بخصائص رؤية كلية عن الفكر الرتبوي الغريب، متك

هذا الفكر، وتطوير منهجية مناسبة للتعامل معه.)2(

(1) https://www.bbc.com/news/world-us-canada-52905408 (Retrieved 7 July 2020).

ملكاوي، التحيز يف الفكر الرتبوي الغريب، مرجع سابق، ص202-181. )2(

رؤية العولمة للعالم ومنهجية التعامل معها الفصل السادس

Page 355: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

354

خاتمة

جمتمعا أو فردا اإلنسان حياة منها تخل لم فطرية طبيعية ظاهرة البرش حياة يف التغري

بتأثري ظروف معينة تمر التاريخ البرشي، وقد حيدث تغري يف واقع املجتمع يف مجيع مراحل

باملجتمع دون إرادة، ودون رغبة، ولذلك يحاول املجتمع أن يتحكم يف بعض الظروف من

إىل املجتمع يسعى وعندما األحسن. نحو التطوير يستهدف مقصود، تغيري إحداث أجل

التكيف مع الظروف واملستجدات املحكومة بعوامل داخلية أو خارجية، لتقليل ما قد يكون

هلا من آثار ضارة، أو لتوظيف ما يمكن أن يكون هلا من نتائج إيجابية، وتحقيق هذه النتائج

ورؤية منهج وفق مقصود لتغيري خطة يضع املجتمع ذلك فإن النتائج، أفضل عىل املمكنة

اسرتاتيجية حمددة، وتسمى عملية التخطيط هذه أحيانا بالبنامج اإلصالحي.

تحدث كانت والتغيري التغري عمليات أن كيف التاريخ استقراء من نالحظ ونحن

بدرجات متسارعة، بحكم التطور املتسارع يف العلوم وتطبيقاهتا العملية. فالنصف األول

من القرن العرشين عىل سبيل املثال كان نقلة هائلة يف معظم جماالت حياة اإلنسان السياسية

ها أبناء بداية القرن رضبا من اخليال. واالقتصادية واالجتامعية والثقافية، كان يمكن أن يعد

النصف كان يف مما أشد عجبا هو ما العرشين شهد كذلك القرن من الثاين النصف لكن

األول منه. فقد شهد العقدان األخريان من هذا القرن تنامي ظاهرة العوملة بكل ما محلته من

لبية، ما جعل مؤلف كتاب «الثقافة العربية وعرص املعلومات« يقول: النتائج اإليجابية والس

«عرصنا عرص تتهاوى فيه النظم واألفكار عىل مرأى من بدايتها، وتتقادم فيه األشياء وهي

هتا.«)1( يف أوج جد

عل، نبيل. الثقافة العربية وعرص املعلومات: رؤية ملستقبل اخلطاب الثقايف العريب، الكويت: املجلس الوطني للثقافة )1(اليوم أكثر صدقا يف العبارة د أن املؤك املعرفة، رقم 265، 2001م، ص 9. ومن والفنون واآلداب، سلسلة عال

التعبري عن رسعة التغري مما كانت عليك يومذاك قبل نيف وعرشين عاما!

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 356: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

355

«رؤية عولمية للعالم« عند كثري من تأثريا كبريا يف تشكيل العولمة تؤثر ومع أن قوى

والثقايف الفكري وانتامؤهم هويتهم تحددها التي العالم رؤية يفتقدون ثم ومن الناس،

نا نؤمن بأن واالجتامعي، أو بعض عنارص هذه الرؤية، وهو ما يبتهج به أساطني العولمة، فإن

لرؤية العالم -التي متيز جمتمعاتنا، ونود أن تحتفظ هذه املجتمعات هبا- آفاقا ليست مسدودة

تماما، وال ينبغي هلا أن تسد، وأن العولمة بأشكاهلا وأدواهتا وضغوطها املتنوعة ليست قدرا

ل تحديات صعبة، فإهنا تفتح فرصا ملهمة. ال راد له؛ فكام تشك

واملجتمع الذي يثق بنفسه ويحسن االستفادة من فرص العولمة، يستطيع أن يمتلك من

اخلبات واإلنجازات ما يمكنه من أن يكون يف موقع املؤثر، ولو أحيانا، بدال من أن يكون

الثاوية يف مظاهر البرشية إيجابية يف اخلبة ة عنارص ثم أن املؤكد دائام. ومن املتأثر يف موقع

العولمة وأفكارها، فقد توصلت اخلبة البرشية املعارصة يف جمال التعليم والرتبية -عىل سبيل

املثال- إىل عدد من املبادئ التي ال يرى الرتبوي املسلم املعارص حاجة إىل تسويغ اعتامدها،

ليس ألنها تجربة لبلدان متقدمة، وال ألنها مفروضة أو مقبولة عالميا وال سبيل إىل اجلدل

ها...، وإنام ألن تلك املبادئ صحيحة نا اكتشفنا نصوصا إسالمية تقر حول رضورهتا، وال ألن

يف حد ذاهتا.

ويف جمال السياسة فإن اخلبات «العالمية« املتاحة يف احلريات واحلقوق، ونظم االنتخاب،

والتبادل السلمي للسلطة، ودولة القانون، والتنوع يف طرق تنفيذ هذه اخلبات يف املجتمعات

املختلفة يوفر ألي جمتمع أن خيتار ممارسته ملا ينفعه، مستفيدا من ذلك التنوع.

غريها، ورفض االقتصادية أو السياسية أو الرتبوية املبادئ بعض قبول ليس واملهم

رؤية ضمن الرفض أو القبول حكمه ما يكون أن هو املهم إنما عشوائية، انتقائية بصورة

متكاملة، تجعل مما يف اخلبة البرشية من حكمة جزءا من هذه الرؤية، وتقدم األصيل بديال

ه الرفض من هذه اخلبات، مع بيان ما فيه من خلل أو خطر. ومن ثم تبني نامذج من عام حق

القيمة من األخرى الشعوب فيها ترى التي االقتصادية أو السياسية أو الرتبوية الممارسة

رؤية العولمة للعالم ومنهجية التعامل معها الفصل السادس

Page 357: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

356

واجلاذبية، ما يجعلها تتفاعل معها تفاعال إيجابيا، وربام يدعوها إىل األخذ هبا، بوصفها أفضل

ما توصلت إليه اخلبة البرشية، وتصبح جزءا مهام من أفكار العوملة.

ولكن يف اخلبة العالمية املعارصة عنارص أخرى هي أسوأ ما قادت إليه خبة اإلنسان،

احلياة، من املادية األبعاد عىل الرتكيز مثال، ذلك ومن منها، التخلص يف الرتدد ينبغي وال

وإمهال البعد الروحي، وتعظيم املركزية الوطنية والقومية، وإمهال البعد اإلنساين، واالهتامم

الضوابط مستوى وتدين واإلنسانية، االجتامعية العلوم وإمهال والتقانية، الطبيعية بالعلوم

القيمية واألخالقية، وغري ذلك من املبادئ واملامرسات.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 358: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

الفصل السابع

تعليم رؤية العالممقدمة

المبحث األول: رؤية العالم هدفا للتعليم

المبحث الثاين: رؤية العالم والتعليم الديني

المبحث الثالث: رؤية العالم وتعليم العلوم

أوال: رؤية العالم يف تعليم العلوم يف الغرب

ثانيا: رؤية العالم يف تعليم العلوم يف العالم العريب

ثالثا: خربة إسالمية يف تعليم رؤية العالم العلمية

خامتة

Page 359: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought
Page 360: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

359

الفصل السابعتعليم رؤية العالم*

مقدمة

يف هذا الفصل سوف نتناول بإيجاز كيف يمكن أن يكون بناء رؤية العالم عند الطلبة املناهج املواد يف بعض تدريس أهداف من خاصا أو هدفا التعليم، أهداف من عاما هدفا العالم رؤية لكن رصحية. بصورة اجلامعي والتعليم العام التعليم يف التعليمية والبامج تكون يف غالب األحيان جزءا من املنهاج اخلفي Hidden Curriculum الذي تتضمنه املواد الدراسية بصورة غري مبارشة، أو يظهر يف أنامط التدريس وسلوكات املدرسني. ثم إن رؤية العالم يمكن أن تكون موضوعا من موضوعات التعليم، يف صورة مادة دراسية مستقلة أو

جزءا من مادة دراسية معينة.هذا بذكر ا إم ذلك سيكون التدريس أهداف من هدفا العالم رؤية كون حالة ففي مصادر مثل العالم، رؤية موضوع صميم من هي أهداف بذكر أو مبارشة بصورة اهلدف املعرفة وحدودها، والتسامح والتعايش مع أشخاص أو فئات من قناعات ومذاهب فكرية ودينية خمتلفة، والسعي ملا هو حق وخري وفضيلة. وعندما تتضمن أهداف الرتبية والتعليم البالد الرسمية قضايا االنتامء لألمة وعقيدهتا وتراثها وتارخيها وقيمها يف معظم الوئائق يف تتحدث عنها هذه التي األمة تتبناها التي العالم يعني رؤية فإن ذلك العربية واإلسالمية، الوثائق. ألن تعليم عقيدة األمة وتراثها وقيمها وتارخيها سيكون تعريفا بالذات املتميزة عن

اآلخر يف سياق الوجود البرشي يف العالم.

وعندما تتضمن أهداف الرتبية والتعليم قضايا احلوار الثقايف بني املجتمعات، وإمكانية تتضمن وعندما والتعاون؛ التفاعل جسور معه ويبني آخر، جمتمع ثقافة جمتمع كل تعرف

* نرشت بعض فقرات هذا الفصل يف كلمة التحرير يف العدد 45 من جملة إسالمية املعرفة، صيف 2006م، وظهرت اإلحصائيات املوجودة يف العمود الثالث من اجلدول يف ذلك التاريخ.

Page 361: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

360

يف األمم بني املشرتك والعيش اإلنسان، وحقوق العالم، يف السالم قضايا األهداف هذه كوكب األرض الذي تتهدده خماطر التلوث والتغري املناخي وحمدودية املوارد، فإن كل ذلك

وأمثاله من القضايا هي عنارص يف رؤية العالم.

الرتبوية، والفلسفات الدينية، واملعتقدات املادية، للطبيعة رؤية هي العالم فرؤية ومصريه. وتارخيه ووظيفته أصله يف لإلنسان رؤية وهي واالقتصادية، السياسية والنظم ومن ثم تتداخل األهداف التعليمية ذات الصلة بكل ذلك مع املواد الدراسية املختلفة، سواء كان ذلك يف جمال املناهج املتخصصة يف العلوم الدينية أو الطبيعية أو االجتامعية، أو يف جمال

علوم األدب والفن، أو يف جمال الدراسات املدنية والثقافية.

سيما وال الطبيعية، العلوم من كل يف إليه املشار التداخل الفصل هذه يف وسنعالج البيولوجيا واجليولوجيا، والعلوم الدينية، وال سيما يف تمايز العقائد يف اإلجابة عن األسئلة الوجودية التي تختص باخلالق وصفاته –سبحانه- ومسائل احلياة واملوت واحلرية والقيم. البرشية باملجتمعات وعالقتها االجتامعية العلوم يف العالم رؤية لتعليم نتعرض ولن الرابع الفصل يف ورد بام اكتفاء وذلك بينها، للعالقات املتعددة والصور ولغاهتا وثقافاهتا

عن رؤية العالم والعلوم االجتامعية.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 362: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

361

املبحث األول

رؤية العالم هدفا للتعليموروحه، جسمه يف اإلنسان شخصية فيها تنمو فطرية، أساسية برشية عملية التعليم النمو هلذا املناسبة البيئة لتوفري مقصودة؛ عملية نفسه الوقت يف وهي ونفسيته. عقله يف التي والعلوم واخلبات املعرفة واكتساب التعلم، متوازنة، عن طريق مساعدته يف بصورة تعينه يف جعل حياته ذات معنى. ونجد هذا املعنى لعملية التعليم يف الوثائق الرسمية الوطنية التكامل والتوازن يف إعداد اإلنسان بصورة من التعليم هو العام من أن اهلدف التي تؤكد املعنى كذلك مجيع جوانب شخصيته اجلسمية والعقلية والروحية واالجتامعية. ونجد هذه يف التعلم خبات من يلزم ما لتشمل التدريس مواد فيها تتنوع التي الدراسية البامج يف موضوعات العوال الطبيعية واالجتامعية والنفسية، وتتسع هذه اخلبات يف اهتامماهتا لتشمل

قضايا خمتلفة عىل املستوى املحل واإلقليمي والعاملي.

ويأيت البعد الديني اإلسالمي يف قمة تمثالت الشخصية التي تتمتع بالتكامل والتوازن للعالم دينية رؤية يقدم الحقا- سيأيت -كام اإلسالم أن ذلك اإلسالمية، املجتمعات يف تتفاعل مع ما يمكن أن تتضمنه الرؤية العلمية أو غريها من الرؤى، وهو املصدر األساس لإلجابة عن مجيع أسئلة رؤية العالم يف هذه املجتمعات. فمسائل وجود اهلل وصفاته سبحانه، وخلقه للعالم، وتحديده لوظيفة اإلنسان فيه، وبيانه لطبيعة احلياة واملوت، وتقريره ملصادر مع والتعامل الشخيص السلوك يف والفضائل القيم تقرير يف ومرجعيته البرشية، املعرفة العالم، رؤية ن يف جمموعها تكو التي املسائل من ذلك املادي، وغري املحيط اآلخرين ومع إننا نجد توضيحات لبعض هذه األسئلة العقيدة اإلسالمية. بل تجد توضيحات كاملة يف أو معظمها يف أي عقيدة دينية أخرى. فعندما يرد هدف تعميق العقيدة الدينية عند املتعلمني،

نا نعد ذلك هدفا يتصل برؤية العالم. فإن

ففي األردن مثال، تنبثق األهداف العامة للرتبية من فلسفة الرتبية، وهي تتمثل يف تكوين املواطن املؤمن باهلل تعاىل، املنتمي لوطنه وأمته، املتحل بالفضائل والكامالت اإلنسانية، النامي

الفصل السابع تعليم رؤية العالم

Page 363: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

362

بحيث والوجدانية واالجتامعية، والروحية والعقلية اجلسمية الشخصية يف خمتلف جوانب التي األهداف، تحقيق عدد من قادرا عىل: مواطنا التعليم مراحل الطالب يف هناية يصبح وصلت إىل ثامنية عرش بندا، شملت جوانب اللغة والعلوم الطبيعية واالجتامعية والرياضية وعنارص الرتاث واإلسالم، واالنفتاح عىل الثقافات اإلنسانية وقيمها واتجاهاتها، والتعامل وممارسة واملبادرة، واالبتكار لإلبداع املتاحة الفرص واغتنام املعارصة، التكنولوجيا مع التفكري النقدي واألسلوب العلمي، وتقدير الفنون، واالعتزاز باالنتامء اإلسالمي والوطني من جانبا نجد ال الذي احلد إىل إلخ، واملواطنة... الديمقراطية بقيم وااللتزام والقومي، النظام ما يفرتض يف القانون إال ونجد يف نص البرشي عىل وجه األرض النشاط جوانب الرتبوي أن يحققه عند املتعلم، وذلك يف تقديرنا هو نوع من الشمول واإلحاطة التي يتغياها

مفهوم رؤية العالم.)1(

الدراسية املراحل وأهداف للرتبية العامة األهداف «وثيقة د تحد اخلليج، دول ويف لدول العريب الرتبية بمكتب األعضاء الدول يف الدراسية، املناهج لبناء العامة واألسس الفكرية األسس: من أنواع يف املناهج لبناء العامة األسس 1423ه/2003م« اخلليج الفلسفية، والرتبوية، واالجتامعية، والنفسية. وكثري من بنودها تشري إىل ما يمكن أن يتصل برؤية العالم، ونذكر عىل سبيل املثال ما جاء تحت عنوان األسس الفكرية الفلسفية يف البند الشامل، ومنهجه بعقيدته، «اإلسالم اإلسالمية: العالم رؤية عن رصيح تعبري من األول القائمة عىل مبادئ الدولية «العالقات الرابع ينص عىل: للكون واإلنسان واحلياة«، والبند ينص النفسية األسس عنوان وتحت اإلنسان. حقوق واحرتام والسالم، والعدل، احلق، املتعلمني من غريه فيها يشاركه التي العامة وخصائصه املتعلم طبيعة عىل« األول البند تأكيد السعودية العربية اململكة يف 2030م رؤية وثائق ويف إنسانا.")2( لكونه العالم، يف

قانون الرتبية والتعليم رقم 3 لسنة 1994م وتعديالته املادة 4-األهداف العامة. انظر الرابط: )1(- https://www.jts.org.jo/sites/default/files/qnwn_ltrby_wltlym_rqm_3_lsn_1994_wtdylth.pdf

(Retrieved 7 July 2020).

الرتبية العامة للرتبية يف دول اخلليج، الكويت: مكتب وثيقة األهداف العامة للرتبية. جلنة تطوير وثيقة األهداف )2(العريب لدول اخلليج، 2003م، ص 43-41.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 364: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

363

خاص عىل اعتزاز الطالب هبويته الوطنية، وافتخاره بإرثه الثقايف العريق، وإيامنه بالوسطية واالعتدال والتسامح.)1(

باجلزائر عىل الرتبوية للسياسة األساسية املنطلقات الثالثة من املادة تنص اجلزائر ويف ما يأيت: يكفل النظام الرتبوي: تلقني التلميذ مبدأ العدالة واملساواة بني املواطنني والشعوب التفاهم عىل تساعد والتمييز، والرتبية التفرقة أشكال من شكل كل ملكافحة وإعدادهم والتعاون بني الشعوب وصيانة السالم يف العالم، وتنمية الرتبية بحيث تتجاوب مع حقوق

اإلنسان وحرياته األساسية.«)2(

للمتعلم عىل املتوازنة الشخصية بناء إىل تهدف التعليم أنواع كل أن الرغم من وعىل مستوى النمو والتطور الفردي، فإن جزءا من هذا النمو يختص بتكيف الفرد وتفاعله مع حميطه االجتامعي وانتامئه هلذا املحيط يف بعده الديني والسيايس والثقايف. فالتعليم اإلسالمي عىل سبيل املثال يوسع دائرة االنتامء إىل مستوى األمة التي تشرتك يف عقيدهتا وإيمانها الديني، وقيمها السلوكية، وأعرافها الثقافية، فالفرد يف برامج التعليم هو جزء من عالم الدين الذي تجتمع فيه األمة اإلسالمية، وما تتصف به من عالقات التعاون ومشاعر املحبة والتعاطف: «ترى املؤمنني يف ترامحهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل اجلسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالسهر واحلمى.«)3( ولكن هذا الفرد هو يف الوقت نفسه، جزء من هذا العالم البرشي واالجتامعي الذي يتميز بأديان وثقافات وقيم، قد تختلف عام تتميز به أمته، وهو جزء من هذا العالم الطبيعي املتمثل يف األشياء املادية وظواهرها وأحداثها وتأثرياهتا يف حياة ويتعلم فيها، حضوره يعي أن تقتيض العوالم هذه يف اإلنسان حياة فإن وهكذا اإلنسان.

كيف ينظر إليها ويتعامل معها، عىل أساس من العلم واملعرفة.

انظر الرابط: )1(- https://bit.ly/331IgvY (Retrieved 1 Oct. 2020).

اسرتاتيجية املنظومة الرتبوية يف اجلزائر، ص 40، انظر الرابط: )2(- https://bit.ly/2OE6K62 (Retrieved 7 July 2020).

البخاري، صحيح البخاري، مرجع سابق، كتاب األدب، باب رمحة الناس والبهائم، حديث رقم 6011، ص 1508. )3(

الفصل السابع تعليم رؤية العالم

Page 365: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

364

من األخرية العقود يف البرشية املجتمعات عىل طرأت التي العميقة للتغريات ونظرا حركة وسهولة واالقتصادية، السياسية املسائل يف املتبادلة واالعتامدية التعاون متطلبات وغريها، واللجوء واهلجرة واالتصال، التواصل وسائل يف والطفرة واألشخاص، السلع وعىل األخرى. املجتمعات يف بالناس جمتمع كل يف الناس معرفة إىل احلاجة تزايدت فقد فقد املهمة، هذه من كبريا قدرا تؤدي احلديثة والتواصل اإلعالم وسائل أن من الرغم أصبحت املؤسسات التعليمية تعد التعريف بثقافات املجتمعات املختلفة ومنظومات قيمها القدر الالزم من املعرفة وبالصورة الرتبوية م لتقد وأنامط حياهتا مهمة أساسية من مهامها، «الثقافة املعوملة«، و«التعليم العاملي«، لتكون املناسبة هلا. ومن هنا جاءت مصطلحات مثل

عنارص مهمة يف رؤية العالم التي يلزم حضورها بقوة يف البامج واملناهج الرتبوية.

فكيف تكون موضوعات رؤية العالم هدفا تربويا يف البامج واملناهج الرتبوية والتعليمية؟

هذه ملعاجلة املدرسية، املناهج يف مستقلة دراسية مادة تفرد أن بالرضورة يلزم ال قد أصبحت الدراسية املناهج يف تضمينها يلزم التي املجاالت كثرة أن سيام ال املوضوعات، وأوزاهنا، مواقعها وتحديد األولويات ترتيب يف مشكلة ل وتشك الدراسية البامج تثقل «رؤية العالم« مادة ما بني مواد أساسية يدرسها مجيع الطلبة، ومواد اختيارية. فحني تكون دراسية اختيارية، فربام لن يختار دراستها إال عدد قليل من الطلبة ينحرص أثرها فيهم. وقد يجري التعامل مع موضوع رؤية العال بجعله مرشوعا يتصف بأمهية ثانوية ينشغل به الطلبة

بعد الفراغ من دراسة األجزاء املهمة من املنهاج، فال تتحقق الفائدة املرجوة منه.

لكن موضوعات رؤية العالم تكون عادة مبثوثة بطبيعها يف املواد الدراسية األخرى، دون العالم كامنة إليها. فقد تكون رؤية تكلف، ويكون املطلوب هو الوعي بأمهيتها ولفت االنتباه اللغة، تتحدث عن مكان ما وشعب ما يف حالة ما. وقد تكون يف قصة أو يف نص من دروس موضوعا يف اجلغرافيا البرشية أو عنرصا من عنارص تاريخ العالم، أو مسألة من مسائل املوارد الطبيعية واالقتصادية، أو قضية من قضايا اهلجرات التي تنترش أحداثها يف عالمنا املعارص. وكثري من هذه املسائل هي موضوعات لألخبار اليومية يف وسائل اإلعالم املقروءة واملسموعة واملرئية. ا هلا من ثقافات ورؤى للعالم ووجهات نظر، واهلدف هنا هو التعليم عن جمتمعات أخرى وعم

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 366: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

365

ويف ذلك توسيع خلبات الطلبة عن العالم وبلدانه وثقافاته. فمعظم املواد الدراسية يف املناهج احلديثة حتتوي عىل قضايا تتطلب الربط والتكامل والتداخل بني التخصصات.

وبالنسبة للطلبة واملدرسني فالتعليم هنا هو عدسة أو زاوية للرؤية يمكن أن تستخدم ة دراسية. ة ماد يف دراسة أية موضوعات يف أي

ووضع العالم، برؤية التوعية واإلقليمية الدولية املؤسسات من كثري جعلت وقد التي العالم رؤية أن املالحظ من لكن اهتامماهتا. من جزءا التوعية، هلذه املتنوعة البامج هذا يف والديني الثقايف باآلخر التعريف األوىل بالدرجة تعني املؤسسات هذه هبا تهتم «اجلمعية املؤسسات هذه ومن واالحرتام. التسامح من بروح معه والتعايش العالم، األمريكية لتطوير اإلرشاف واملناهج الرتبوية ASCD« يف الواليات املتحدة األمريكية التي أبعادا من رؤية الدراسية املناهج أن تضمني املجال، حني رأت خططت للمساعدة يف هذا للطالب. والعاطفي واالجتامعي األكاديمي التطور دعم يف مهمة آثار له وقضاياه العالم تنظيم املحل املجتمع وأعضاء املدارس ومديري املعلمني عىل أن اجلمعية هذه وترى الدراسية الفصول تتحول بحيث العالمي، البعد ذات املبادرات قيادة يف مبجمة نشاطات للمساعدة إليها فرصا متنوعة املشار الواسع. وتعرض اجلمعية للعالم نوافذ إىل واملدارس

يف هذا املجال عن طريق براجمها املتعددة املتخصصة يف تدريب املعلمني أثناء اخلدمة.)1(

أجل من الثقافات بني احلوار مفهوم األورويب املجلس ر طو األورويب، االتحاد ويف عالم يف بناءة وبطريقة بسالم يعيشون كيف الطلبة تعليم التعليمية املؤسسات تتوىل أن احلوار من النوع هذا فتعليم املحل؛ املجتمع إىل باالنتامء اإلخالل دون الثقافات، متعدد النزاعات، وحلها عن طريق تعزيز احرتام حقوق اإلنسان التعايش يسهم يف منع من أجل لتحقيق والتعليم للتدريس برامج املجلس طور ولذلك القانون. وسيادة والديمقراطية الطلبة يفهم أن أجل من العالم، رؤى يف اآلخرين مشاركة أمهها: األهداف من جمموعة غريهم من الفئات والشعوب التي ترى العالم من منظور خمتلف عام ألفوه، ويكتسبوا شيئا

(1) https://inservice.ascd.org/why-global-education-matters/ (Retrieved 7 July, 2020).

الفصل السابع تعليم رؤية العالم

Page 367: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

366

ع بصفته من املعرفة والتعلم عنهم ومنهم، وجرس الفجوة بني أولئك الذين ينظرون إىل التنوهتديدا وأولئك الذين يرونه إثراء.

التحاور، أطراف تمكين خمتلف تعني يف التي الرشوط من املجلس جمموعة د كام حدتفكري لطريقة احلوار أطراف وممارسة املشاركني، جلميع الكرامة يف املساواة تأكيد منها: أدنى حد وتوفري احلوار، «كسب« يف الرغبة وغياب وااللتزام، والفضول باالنفتاح تتميز لثقافة كل طرف، والقدرة عىل إيجاد لغة مشرتكة لفهم واحرتام املميزة من معرفة السامت لآلراء املفتوح التبادل يعني املجلس برامج يف الثقافات الثقافية. وحوار االختالفات واملواقف والتعريف بالقيم وطرق التفكري بني األفراد واجلامعات املنتمني إىل ثقافات خمتلفة، مع ما يلزم ذلك من االحرتام املتبادل، فمثل هذا احلوار والتبادل والتعارف هو الذي يؤدي

إىل فهم أعمق لرؤى العالم عن اآلخرين.)1(

ومن املتوقع أن االتحاد األوريب الذي يتألف اآلن من 28 دولة لكل منها لغتها وثقافتها وتارخيها، حريص عىل نوع من التعليم يتجاوز األطر الوطنية املحلية، وقد أخذت منظامت يعتمد عىل تعليميا منظورا يعد الذي العالمي، بالتعليم ما سمي تطوير إىل تسعى االتحاد العالم املعارص يعيشون ويتفاعلون يف عالم تزداد فيه عوامل العولمة وآثارها الناس يف أن الفرصة الكتساب معلومات املتعلمني إعطاء الرضوري مما يجعل من يوم، وتجلياتها كل تفيد يف فهم العالقات املعقدة للقضايا االجتامعية والبيئية والسياسية واالقتصادية املشرتكة، الناس، وما الوعي باالختالفات بني فئات للتفكري، مع ومناقشتها واستنباط طرق جديدة لدهيم من مشكالت وتصورات، وما يلزم ذلك من عقلية نقدية تضع احلدود الالزمة لتطوير

أشكال اهلوية واالنتامء اخلاص.

التعليم هذا أمهية بيان عىل )2002م( العالمي للتعليم ماسرتخيت إعالن نص وقد الناس عيون يفتح الذي التعليم هو العالمي «التعليم : أن وبني األورويب االتحاد دول يف أكثر عدالة ومساواة عالم للسعي إليجاد ويوقظهم المعولم، العالم وعقوهلم عىل حقائق

(1) https://www.coe.int/t/dg4/intercultural/concept_EN.asp (Retrieved 7 July, 2020).

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 368: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

367

بني والتفاعل النزاعات ومنع السالم أجل من تعليم وهو اإلنسان... حلقوق واحرتاما الثقافات، بوصف هذه األهداف هي البعد العاملي للتعليم من أجل املواطنة.«)1(

املتجذرة اهليمنة «من روح بلدان االتحاد األورويب العالمي يف التعليم وتحذر وثائق ا يؤدي إىل عالقات عدائية بني األفراد وبني الشعوب، بعمق يف هياكل النظم التعليمية، ممخاصة إذا كانوا ينتمون إىل ثقافات أو ديانات أو جمموعات اجتامعية أو طرق تفكري خمتلفة. ولذلك فإن التعليم العالمي هو عملية تعليمية تحويلية تستهدف مناقشة االتجاهات وأنامط السلوك، يف الثقافات الفردية، املرتبطة غالبا باهليمنة، واالنتقال إىل ثقافة الرشاكة القائمة عىل احلوار والتعاون، ومن أجل ذلك يلزم تسليط الضوء عىل الدور املركزي لإلعالم يف تعزيز

مبدأ املساواة والتفاهم املتبادل.«)2(

وتنطوي الصفة التحويلية للتعليم العالمي عىل تحول هيكل عميق يف البناء األسايس والتفاهم الرتابط يف ويسهم والقلب، للعقل تعليم فهو واإلجراءات؛ واملشاعر لألفكار عىل تعمل التي واألنانية املساواة وعدم اجلشع ثقافة تحدي ويف الشعوب، بني والتعاون يوفر أن واألمل والكراهية. واخلوف والرصاع املنافسة خالل من وتشتيتهم الناس تفريق املحلية املستويات عىل تغيريات إلجراء طريقة التحويلية، الصفة بهذه العالمي، التعليم لهم لكثري من املسؤوليات التي للتأثري يف معنى املواطنة، بحيث يتعلم الناس عن طريق تحم

ال يمكن تركها للحكومات.)3(

باإلشارة نكتفي املجال هذا يف األوروبية النشاطات عن احلديث يف نطيل ال وحتى GENE من تقارير سنوية عن فعالياهتا العالمي)4( للتعليم إىل ما تصدره الشبكة األوروبية الذين املبدعني الدول األوروبية، وتوزع جوائز عىل العالمي وتقويمه يف التعليم يف تطوير

(1) Europe-wide Global Education Congress, Maastricht, Global Education in Europe to 2015, Outcomes and papers of the Europe-wide Global Ed. Congress 15-17 November 2002, p. 13.

(2) Ibid.

(3) Ibid.

(4) Global Education Network Europe (GENE).

الفصل السابع تعليم رؤية العالم

Page 369: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

368

نشاطات عن كتابا الشبكة أصدرت فقد العالمي. التعليم يف متميزة مبادآت يطورون التعليم املنشورة حول البحوث الكتاب املاضية، واستعرض العرشين السنوات الشبكة يف العالمي وأنواع اخلطابات التي تقدمها، وتحليل القيم التي تدفع الستمرار تقديم املبادآت، وانطباعات املبادآت، هذه جوائز نالوا من أعامل شملتها التي والنشاطات واملوضوعات

القيادات التي أرشفت عىل هذه األعامل، وتوصيات لصناع القرار يف االحتاد األورويب.)1(

وثائق يف العالم رؤية لقضايا الفتا حضورا نجد ال العريب اإلقليمي الصعيد وعىل صفحة عىل الرتبية برامج فموجهات )أليكسو(، والعلوم والثقافة للرتبية العربية املنظمة تشغل كانت التي القضايا عىل معظمها يف ركزت بندا، 23 وعددها الشابكة يف املنظمة العالم العريب عند تأسيس املنظمة عام 1970م مثل حمو األمية، وتعليم اإلناث، وتنمية عادة القراءة، واالهتامم بذوي احلاجات اخلاصة، ورعاية املوهوبني، والتعاون يف توحيد نتاجات التعليم وتعزيز فلسطني، يف بالتعليم واالهتامم املفتوحة، اجلامعة تجارب ورصد التعلم، التقني واملهني. ويمكن اإلشارة إىل وجود قدر من االنفتاح عىل العالم يف بند «تشجيع القيام التفاعل لتحقيق متجددا، إعدادا الرتبويني املخططني إعداد أجل من مشرتك عريب بجهد الالزم بني التجارب العربية يف ميدان التخطيط، وبينها وبني التجارب العالمية.« ويف بند: تعزيز التعليم التقني واملهني يف جماالته املختلفة بام يتفق مع االتجاهات العالمية املعارصة، ومتطلبات سوق العمل العربية«، ويف بند التعريف بالتجارب الرتبوية الريادية املتميزة عىل

املستوى العريب واإلسالمي والدويل وتحقيق االستفادة منها.«)2(

ومع ذلك فإن دستور اإلليكسو قد حدد يف املادة األول هدف املنظمة بأنه: «التمكني ورفع والعلوم، والثقافة الرتبية طريق عن العريب الوطن أجزاء بني الفكرية للوحدة واملشاركة العالمية احلضارة متابعة يف بواجبه يقوم حتى الوطن هذا يف الثقايف املستوى يتم أن آخرها، كان نشاطات عدة الدستور ذكر اهلدف هذه ولتحقيق فيها.«، اإليجابية

(1) Dolejšiová, Ditta Trindade (Editor). Innovation, Values and Polices in Global Education, Dublin, Republic of Ireland: Global Education Network Europe (GENE), 2018.

موقع املنظمة العربية للرتبية والثقافة والعلوم، جمال الرتبية والتعليم، موجهات برامج الرتبية، انظر الرابط: )2(- https://www.projects-alecso.org/_page_id_1045.html (Retrieved 7 July, 2020).

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 370: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

369

ذلك: «بإنشاء املعاهد التي تبث روح القومية العربية وتعد جيال من الباحثني املتخصصني يف احلضارة العربية وفيام يهم العرب يف العرص احلديث من قضايا الفكر البرشي، وبتشجيع

التعاون بني األمة العربية واألمم األخرى يف مجيع نواحي النشاط الفكري.«)1(

كافيا بموضوع رؤية اهتامما بالرضورة تمثل النصوص ال أن مثل هذه الواضح ومن الذي العريب الوطن التعليم يف جمال أهداف بوصفه هدفا من أو العامة، العالم يف دالالته

تعمل منظمة اإلليكسو فيه.

العالم تفرضه وسائل اإلعالم واالتصال أن موضوع رؤية التطبيقي نجد املجال ويف ا تتضمنه الممارسات التعليمية التي تتقيد إىل حد كبري بحدود والتواصل احلديثه، أكثر ممالنظم السياسية، وما يلزم بناؤه من والء وانتامء يف كل جمتمع من املجتمعات العربية. حتى باتت روح االنتامء القومي واإلنساين تسري يف اتجاه التقلص تحت وطأة اخلالفات بني الدول العربية، وتعزيز املشاعر الوطنية اخلاصة بشيوع شعار «__ أوال« وشعار «اإلنسان__.«)2(

وثائق من إليه النظر فيمكن اإلسالمية، األقطار يف التعليم يف العالم رؤية موقع أما تتم التي العملية الممارسات ويف )إيسسكو(، والثقافة والعلوم للرتبية اإلسالمية املنظمة يف هذه االقطار، فميثاق املنظمة يضع يف املادة الرابعة اخلاصة باألهداف هدفني مها: «تدعيم يف واألمن السلم إقرار يف واملسامهة وخارجها، األعضاء الدول يف الشعوب بني التفاهم العالم بشتى الوسائل وال سيام عن طريق الرتبية والعلوم والثقافة واالتصال«، و«التعريف بالصورة الصحيحة لإلسالم والثقافة اإلسالمية وتشجيع احلوار بني احلضارات والثقافات واألديان والعمل عىل نرش قيم ثقافة العدل والسالم ومبادئ احلرية وحقوق اإلنسان، وفقا

للمنظور احلضاري اإلسالمي.«)3(

انظر عىل الشابكة وثيقة: «دستور املنظمة العربية للرتبية والثقافة والعلوم«. )1(

يستطيع القارئ أن يضع اسم أي بلد من البلدان العربية فوق اخلط الذي يعب عن الفراغ. )2(

ميثاق املنظمة اإلسالمية للرتبية والعلوم والثقافة. انظر الرابط: )3(- https://www.isesco.org.ma/ar/charter-of-isesco/ (Retrieved 7 July, 2020).

الفصل السابع تعليم رؤية العالم

Page 371: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

370

الثقايف امليدان يف العالم مع التفاعل من اإليسسكو ملنظمة بأن القول يصح وربام البعد هو اإليسسكو عمل منطلق أن باعتبار اإلليكسو، منظمة تفاعل يفوق ما والرتبوي الفقرة األوىل من ديباجة ميثاق املنظمة بصيغة الفكري والرتبوي لإلسالم. ولذلك جاءت إيمانا منها بام يمثله الدول األعضاء: : حكومات «... عىل أن تتسع للبعد اإلنساين، وهي: اإلسالم، دين السالم والتسامح واالنفتاح، من منهج للحياة وقوة روحية وإنسانية وأخالقية وثقافية وحضارية، كان هلا وال يزال إسهام بناء بالغ األمهية يف تكوين العالم اإلسالمي ويف تقدم احلضارة اإلنسانية. ... تضع هذا امليثاق.«)1( لكن رؤية العالم حتى عىل صعيد العالم ر بمشاعر األخوة واملودة بني املسلمني أفرادا اإلسالمي ال تتجاوز البعد العاطفي الذي يذك

وشعوبا، أكثر مما تتجىل يف نظم احلكم والعالقات بني الدول.

العربية البالد بالتعليم يف التي تختص الوثائق واملدونات الرسمية وبصورة عامة فإن رؤية حضور أما العالم. رؤية عنارص بعض عن احلديث من شيئا تتضمن واإلسالمية العالم يف الممارسات والنشاطات التعليمية والتعلمية فإن الكشف عنها يحتاج إىل بحوث عىل تقوم ميدانية وبحوث جهة من املدرسية الكتب حمتوى تحليل عىل تقوم ودراسات

تحليل الممارسات التعليمية الصفية يف عمليات التخطيط والتنفيذ والتقويم.)2(

ونختم باإلشارة إىل أن تعليم رؤية العالم كام هو التعليم يف كل املوضوعات األخرى يف املناهج الرتبوية تكون فعاليته معتمدة عىل نزاهة املعلمني ومهاراهتم ومستوى العناية التي يولوهنا لتفكريهم، مع ما يلزم ذلك دائام من حكمة وشجاعة يف مواجهة املواقف بالصورة املواقف هلذه جيدا تخطيطا حال كل عىل ذلك ويتطلب املنشودة، األهداف تحقق التي

وتحضيرا كافيا، وتنفيذا يتصف باحلساسية واملرونة واالحرتام.

)1( املرجع السابق.

وهذه مناسبة للتأكيد عىل أمهية إجراء دراسات وبحوث من النوعني املشار إليهام: تحليل حمتوى الكتب املدرسية )2(والنشاطات التعليمية املقرتحة فيها، وتحليل عملية التعليم والتعلم الصفية يف مراحل التخطيط والتنفيذ والتقويم،

للكشف عن مدى حضور أو غياب ما يختص بعنارص رؤية العالم.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 372: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

371

املبحث الثاين

رؤية العامل والتعليم الديني

األخرى؛ االستعامالت عىل غلب العالم رؤية ملصطلح الديني االستعامل أن يبدو الشبه أوجه وما الديني؟ بالتفكري العالم رؤية عالقة فام وغريها. والعلمية الفلسفية املهن العاملني يف املفردات واملصطلحات عند النوع من قيمة هذا بينهام؟ وما واالختالف الذين املدرسني وعند يروهنا؛ كام احلياة معنى عن احلديث يريدون الذين وعند املختلفة،

يحاولون زرع التفكري يف رؤية العالم عند طالهبم؟

املتعددة الفكرية والتوجهات األفكار تاريخ يف فصل هو العالم رؤية موضوع إن إليها يشري التي الدالالت أن الواضح ومن اجلغرافيا. يف عها وتوز التاريخ يف رها وتطومثل: الدينية فاملصطلحات الدينية. املعتقدات مع بشدة تتداخل العالم« «رؤية مصطلح التي واملعتقدات، واملفاهيم األفكار جمموعة عن تعب الكل ر والتصو والعقيدة اإليمان تجيب عن األسئلة الوجودية الكبى التي يحاول مصطلح رؤية العالم التعرض هلا. وربام مؤسسات عن معظمها يف صادرة العالم رؤية عن تتحدث التي الرئيسية املراجع تكون التي عاجلت باإلنجليزية الصادرة الكتب الديني. وأهم التعليم كتبت ألغراض أو دينية، مرجعا أصبحت ثم التفصيل، من بقدر الديني، والتعليم العالم رؤية بني الصلة هذه كتاب شامل يف نوجل David Naugle«(1)، وهو «ديفيد ألفه كتاب الالحقة للدراسات الفكر يف مبكرة مراحل منذ ره وتطو املفهوم تاريخ فيه استعرض العالم، رؤية موضوع

الفلسفي والديني.

وقد الحظ «نوجل« أن مفهوم رؤية العالم احتل يف العقود الثالثة األخرية موقعا مهام التتبع يف التعبري عن الكيفية التي يفهم فيها املسيحيون العالم. ول يقترص جهد املؤلف عىل

(1) Naugle, WorldView: The History of A Concept, op.cit.

واملؤلف هو أستاذ الفلسفة يف جامعة داالس املعمدانية يف مدينة داالس بوالية تكساس األمريكية.

الفصل السابع تعليم رؤية العالم

Page 373: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

372

يف واسع نطاق عىل يستعمل أصبح حتى تطوره عىل اشتمل بل املفهوم، جلذور التارخيي

وقد والالهوت. والفلسفة التاريخ وبخاصة املعارصة، العلوم من لعدد الفكري اخلطاب

محلها التي النسبية الدالالت من العالم رؤية مفهوم ختليص يف كبريا جهدا املؤلف بذل

الديني اخلطاب دائرة إىل املفهوم( )هجرة هجرته بعد احلداثي، والعلمي الفلسفي الفكر

املسيحي. وعد املؤلف هذا اجلهد حماولة رضورية يف «تنصري« مفهوم رؤية العالم، أو التطبيع

العالم رؤية مفهوم حيمل للفهم اإلطار وهبذا .Christian Naturalization له؛ املسيحي

الطريقة وهبذه التارخيية، للجذور ة الضار الدالالت من ويتخلص خالصا، مسيحيا معنى

ة جديدة، ويصبح مفهوما مفيدا من عملية التنصري، أو التطبيع املسيحي، يحمل املفهوم هوي

يف خدمة الكنيسة ومقبوال من رب الكنيسة.)1(

د رونالد ناش Ronald Nash ثالث ويف كتاب يمتلئ باحلامس الديني املسيحي حد

رؤى للعالم معروفة يف عالم اليوم، وبخاصة ما يسود يف الغرب، هي: املسيحية، واملادية

الطبيعية، وحركة العرص اجلديد.)2( ومع أن رؤية العالم املسيحية يف رأي املؤلف هي التي

العالم رؤية من كبريا تحديا تواجه ا فإهن األمريكية، املتحدة الواليات تسود أن يتوقع

الطبيعية، التي كانت أساس الرؤية املاركسية التي سادت لدى قطاعات كبرية من الناس

New Age ا التحدي اآلخر فهو ما تمثله رؤية العرص اجلديد معظم القرن العرشين. أم

(1) Ibid., 289-290.

(2) Nash, Ronald. Worldviews in Conflict: Choosing Christianity in a World of Ideas. Grand Rapids, MI: Zondervan Publishing House, 1992.

ورغم أن املؤلف حدد معايري معينة إلثبات صحة معتقدات رؤية العالم املسيحية ونقض مقوالت رؤى العالم األخرى، إال أنه اعرتف بأنه عانى صعوبة كبرية يف كتابة أحد فصول الكتاب املتعلقة بأن اإليمان املسيحي يتناقض منطقيا إلرصاره عىل أن املسيح )عليه السالم( هو إله كامل وإنسان كامل يف الوقت نفسه. فقد مثلث هذه القضية يا معقدا لم يكن من السهل عليه معاجلته ببساطة ومسؤولية يف آن واحد. ومع ذلك فإنه ينصح القارئ بأن تحديقفز عن هذا املوضوع الذي عاجله يف الفصل اخلامس من الكتاب «ألن الفرد يستطيع أن يعيش حياة غنية وكاملة

وسعيدة دون فهم أي قضية من قضايا هذا الفصل.« )ص 9- 11(.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 374: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

373

Worldview)1( التي ال تتناقض مع الرؤية الطبيعة فحسب، وإنما تتناقض أيضا مع كل ما

املاركسية يف الفراغ الذي خلفته به املسيحيون. ويخشى املؤلف أن تمأل هذه احلركة يؤمن العالم. ولذلك فإنه يدعو إىل رفع مستوى الوعي برؤى العالم بوصف ذلك جزءا أساسيا تعلموا قد األمريكيني من قليال بأن قناعة «عىل املؤلف أن وبخاصة الفكري، النضج من كيف يفكرون برؤية العالم، وال يدركون حمتوى رؤية العالم التي يمتلكوهنا حتى لو كانت

حياهتم تعتمد عليها.«)2(

ومع أن طريقة املؤلف يف عرض أفكاره يف الكتاب تمتلئ باحلامسة وتستخدم مفردات العالم املسيحية هي وسيلة االنتصار يف معركة «رؤية أن باعتبار الرصاع يف ميدان املعركة، د بأن التفكري يف موضوع الدين بطريقة أخالقية وروحية ال يكفي، عالم األفكار«، فإنه يؤكويلزم التزود بالبنية الفكرية الالزمة لالنتصار يف هذه املعركة: «ألن كثريا من قضايا التدين أنها معارك يعيشها اإلنسان وال يرغب يف أن يخسر فيها، ولذلك سيكون من تعرض عىل

املفيد له أن يعد نفسه ألداء أكثر فاعلية يف عالم األفكار...«)3(

ومن جديد، ديني عرص يف اليوم نعيش نا أن )4(Ninian Smart سامرت نينيان ويرى األديان نفهم أن يلزمنا جيدا وممارساتهم ومشاعرهم الناس معتقدات نفهم أن أجل وأن العالم، رؤية من خمتلفة صورا باعتبارها احلديثة، األيديولوجيات ونفهم التقليدية Worldview Analysis. لكن رؤى منهج دراستها املالئم هو منهج «تحليل رؤية العالم«

رؤية العالم التي تقدمها حركة العرص اجلديد، هي توجهات روحية ال دينية، تقوم عىل أفكار وممارسات متعددة، )1(منها الرياضة البدنية والروحية، واستخدام العالجات النفسية والطبية بهدف إعادة تعريف النوع اإلنساين وإمكانية من واالنتقائية التوفيقية أفكارها بعض وتستمد الطبيعة، وراء ما التفكري من نمط ضمن املحدود، غري الرتقي Ancient Animism والروحانيات القديمة Eastern pantheism ،التوجهات الدينية لوحدة الوجود الرشقية

... انظر تفاصيل ذلك يف:

- Sire, The Universe Next Door, op. cit., pp. 166-212.

(2) Ibid., p. 9.

(3) Ibid., p. 10.

(4) Smart, Ninian. Worldviews: Crosscultural Explorations of Human Beliefs. New Jersey: Prentice Hall. 2000.

الفصل السابع تعليم رؤية العالم

Page 375: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

374

العالم هذه ليست إال معتقدات إنسانية عب ثقافية Cross-Cultural Human Beliefs وأن إنساين. فاأليديولوجيات للدين من منظور للدراسات احلديثة تعد تمهيدا مناسبا دراستها احلديثة مثل القومية واإلنسانية واملاركسية رغم خالفها اجلذري مع الدين، فإن االلتزام هبا واالستناد إليها ال يختلف عام يعطيه أهل األديان من قداسة والتزام. وهذه الطريقة يف دراسة األديان واأليديولوجيات تقدم بديال «موضوعيا« لدراسة األديان –يف نظر املؤلف- أفضل يف واملتخصصني الدين رجال تدريب عىل عملها يقترص التي الدينية اجلامعات يف يتم مما

دراسة األديان.

التي واملشاعر للمعتقدات لة املشك الرئيسية القوى عرض كتابه يف املؤلف وحاول تؤثر يف عالم اليوم، مؤكدا أن مفهوم رؤية العالم يمتلك دورا رئيسيا يف الوجود اإلنساين، اخلاصة األبعاد إىل إضافة لإلنسان، الكلية اخلبة تشكيل يف مهام بعدا الدور هلذا وأن بالعقيدة واألخالق وممارسة الطقوس والبعد االجتامعي. وقد أشار الكتاب إىل أن العلوم التغريات أثر البرشية، ودراسة املجتمعات الدين يف حياة أثر لدراسة االجتامعية يف سعيها الديني، يمكنها أن تسهم يف استرشاف الوعي املجتمعات يف تشكيل التي طرأت عىل هذه مستقبل الدين يف هذه املجتمعات، وأن الرؤية الكونية التي يقدمها الدين عن حياة الناس

أخذت تنرش نوعا جديدا من وعي الذات ووعي العالم.)1(

العالم يف اجلامعات ويف الرسمية، املدارس يف حمددة دينية برؤية العلوم تدريس إن وردود املؤسسات، بعض ملواقف ويتعرض القانونية، اإلشكاالت من كثري تكتنفه الغريب املختلفة. ولذلك الفكرية والثقافية التوجهات واالنتامءات املجتمع ذات فئات فعل بعض الدينية« ألن تؤسس العالم «رؤية التمكني ملوضوع احلريصة عىل املؤسسات بعض تسعى التعامل بطريقة لتوعيتهم اجلامعات وأساتذة واملعلمون الطلبة إليها يلجأ مفتوحة منابر املناسبة مع كل من املعرفة العلمية واملعرفة الدينية. وهناك املئات من هذه املنابر التي تديرها دينية، عن برؤية العلوم تعليم توفري إىل إلكرتونية تسعى بحثية ومواقع مؤسسات ومراكز

(1) Ibid., 144.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 376: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

375

تعزز للعالم دينية رؤية امتالك من تمكنهم تعليمية وأساليب بمواد املعلمني تزويد طريق املختلفة من منظور ديني، دون أن يخل ذلك التعليم املعرفة يف مناهج قدرهتم عىل عرض

باملعرفة العلمية البحتة.

ومن األمثلة عىل املؤسسات التي تسعى إىل تعليم العلوم برؤية دينية، منظمة التحالف د أعضاؤها عىل مبدأين مها االعتقاد باملسيحية األرثوذكسية، العلمي األمريكي، التي يتوحأخالقيا السليم واحلوار البحث لتعزيز جهودهم ويكرسون السائد، بالعلم وااللتزام لبناء التعليم بمسائل خاص موقع وللمنظمة واالحرتام.)1( التقدير من يلزم بام ومنهجيا الشخصية املتكاملة عن طريق االعتقاد بتوافق العلم واإليمان، وهو خمصص لكل من يحب ترفض التي املجاالت من واسعة ألطياف تعليم لتوفري واملتعلمني، املعلمني من التفكري، العلامء من متحالفة «جمموعة من املنظمة وتتكون والدين. العلم بني حرب وجود فكرة واملهندسني والباحثني يف املجاالت ذات الصلة بالعلوم، مثل تاريخ العلوم وفلسفة العلوم، قدمها التي احلياة بهبة ويقبلون املقدس، بالكتاب يؤمنون العلوم، وهم مسيحيون وتعليم

اهلل لنا بلطفه وفضله.«)2(

هي العالم رؤية فأسئلة العالم، لرؤية تعليم هو الديني التعليم أن عىل خالف وال األسئلة التي يجيب عنها الدين، وتختلف تفاصيل رؤية العالم يف التعليم الديني من دين إىل آخر، لكن املرجعية يف التعليم الديني هي نصوص مقدسة تفرتض نوعا من اإليمان الغيبي واآلجلة، العاجلة اإلنسان مصالح تحقيق يف وهدفها معقوليتها إلدراك السعي مع هبا، وذلك يف األديان التي تؤمن بوجود اليوم اآلخر. وتعليم العلوم هو أيضا تعليم لرؤية حمددة

التحالف العلمي األمريكي American Science Affiliation ASA منظمة غري دعوية، لكن أعضاءها يؤمنون )1(أن اهلل هو خالق الكون، وأنه وهبنا القدرة عىل اكتساب املعرفة، وأن الدراسات املخلصة واملفتوحة لكل من الكتاب

املقدس والكون الطبيعي تعود بالنفع املتبادل يف تطوير فهم كامل هلوية اإلنسان وبيئته. انظر الرابط:- https://network.asa3.org/ (Retrieved 7 July, 2020).

وتعرض للعلوم«، األمريكي التحالف «منظمة رؤية تفاصيل تتناول التي اإللكرتونية الروابط من عددا نجد )2(دراسات وتوجيهات وتدريبات متخصصة يف التوفيق بني العلم واإليمان يف امليدان الرتبوي. ومن هذه الروابط:

- https://www.asa3.org/ASA/education/ (Retrieved 7 July, 2020).

الفصل السابع تعليم رؤية العالم

Page 377: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

376

وطبيعته للعلم فهمنا باختالف تفاصيلها يف تختلف للعالم العلمية الرؤية لكن للعالم، املشاهدة عىل القائم العلمي املنهج هو الفهم هذا يف واملرجعية وحدوده. عمله وميدان للعالم، فلسفية لرؤية تعليم هو الفلسفة تعليم فإن األمر وكذلك واالختبار. والتجربة والعلمية الدينية العالم رؤية تلتقي النقدي. وقد والتفكري العقل املنطق إعامل ومرجعيتها الرؤى إىل حد التالقي بني هذه نتوقع أن يصل الرؤية لكننا ال والفلسفية يف بعض عنارص

التطابق الكامل.

رؤية تكوين يف أساسية وسيلة خاصة بصفة الديني والتعليم عامة بصفة فالتعليم أن ويمكن ومتعددة، كثرية الديني التعليم إىل توجه أن يمكن التي النقد ووجوه للعالم، الديني التعليم يتناول أحيانا ال النقد أن املشكلة لكن احلق. النقد بعض وجوه يكون هلذا نفسه بقدر ما يتناول حضور الدين يف التعليم، أو حضور رؤية العالم التي تستند إىل مرجعية تحقيق يف كفاءته ومدى للتعليم وليس املرجعية وهلذه احلضور، هلذا النقد فيكون دينية،

األهداف املعتمدة له.

فهو العريب الوطن يف التعليم لنقد شيوعية مرجعية من كاتب يتصدى حني ولذلك ومرجعيته الرتاث حضور يف كامنة التعليم مشاكل كل وكأن بالرتاث، يختص ما يختار : «أهداف التعليم املعلنة واخلفية يف الوطن العريب هي: املحافظة عي أن الدينية يف التعليم، فيدعىل الرتاث من عادات وقيم وتقاليد، ونقل الرتاث إىل األجيال الالحقة، وتنظيم عملية «أو

إحباط« تغيري الرتاث أو تجديده أو إغنائه أو تطويره.«)1(

التعليم الديني هدفا التعليم يختار وحني يتصدى كاتب آخر من مرجعية ليبالية لنقد إلطالق النار عليه، فيحمل عىل التعليم الديني يف بلدان العالم اإلسالمي محلة رشسة، فهو عنده «التعليم الذي يعزز االنغالق عىل الذات«، و«كراهية اآلخر«، و«التشجيع عىل التطرف واإلرهاب«، وهو الذي «يعزز التنصل من مسؤولية التخلف وإلقاء املسؤولية عىل اآلخر«،

عبيدات، ذوقان. املناهج يف الوطن العريب بال أفق وال رؤية.. ملاذا؟ حفريات )موقع إلكرتوين مرصي( انظر الرابط: )1(

- https://bit.ly/2Oog0MJ (Retrieved 7 July, 2020).

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 378: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

377

امليل إىل «فشل يف تحصين األبناء من فيه مع اآلخر«، وقد فيام نشرتك النظر «رفض ويتبنى العالم القائمة يف التجزئة «سبب وهو التنمية«، فشل «سبب وهو واإلرهاب«، التطرف وهو الفكري«، الغزو وهواجس أوهام و«يكرس املسلمني«، تفرق «سبب وهو العريب«، أماكن كثرية«، وهو الذي حرق شباب األمة يف معارك يف الطلب «عزز مفهوم جهاد الذي الذي «اختطف مفهوم اجلهاد يف اإلسالم« ... إلخ. حتى إن الكاتب املذكور نرش تحت عنوان 2019م. /11 /26 تاريخ حتى مقالة عرشة أربع العالم« مع متصالح ديني تعليم «نحو

وكانت هذه الصفات التي ألصقها بالتعليم الديني هي العناوين الفرعية هلذه املقاالت.)1(

ويعد تعليم رؤية العالم الدينية، موضوعا جدليا متواصال، ال سيام يف املجتمعات التي ر، وتتنافس فيها فئات خمتلفة تحمل أفكارا متناقضة يف كثري من األحيان، تمر يف مرحلة تطوومناهجه، التعليم فلسفة تقرر التي املعرفية السلطة والتنافس يف االختالف وينعكس هذا ما بني تيار حمافظ يسعى للحفاظ عىل املوروث الديني بوصفه هوية أساسية للمجتمع، دون البلدان التي عرفتها العلمانية يحاول فرض آخر وتيار املعارصة، املعرفة أمهية من التقليل

الغربية، ويرى أنها كانت حافزا عىل التقدم العلمي.

من كثري يف املعتمدة العلامنية واألنظمة بالقيم دينية برؤية التعليم جهود وتشتبك الديني. وكان مصطلح التعليم ثم الدين ومن فالعلمانية هي موقف من العالم. جمتمعات خاصا شأنا الدين يبقى أن عىل السياسة، عن الدين فصل األساس يف يعني العلمانية الغرب تقرتب من هذا بربه. وقد نجد ممارسات علمانية يف بعض دول باإلنسان وصلته الفكر حضور تطيق ال أخرى غربية دول لدى تماما خمتلفة معان املقابل يف ونجد املعنى،

الديني أو الممارسة الدينية حتى يف الشؤون اخلاصة.

العدد الصادر يوم اإلثنني 26 ترشين ثاين النسخة اإللكرتونية، القطرية، جريدة الوطن األنصاري، عبد احلميد. )1()نوفمب( 2019م. وفيه روابط املقاالت السابقة. انظر الرابط:

- http://www.al-watan.com/Writer/id/13910 (Retrieved 7 July, 2020).

والكاتب املذكور أستاذ جامعي من دولة قطر، حاصل عىل الدكتوراه يف السياسة الرشعية من األزهر، ويعمل استاذا للرشيعة يف كلية القانون والرشيعة بجامعة قطر، وتوىل عامدة الكلية سابقا.

الفصل السابع تعليم رؤية العالم

Page 379: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

378

ويبدو أن كثريا من العلمانيين يف املجتمعات العربية واإلسالمية يعتمدون هذا املعنى تفسرييا ونموذجا للعالم، شاملة رؤية بصفتها عندهم العلمانية تظهر الذي الشمويل أية قوة الطبيعي والبرشي واالجتامعي، ال يتضمن االعتقاد بوجود العالم للعالقات بني من إليه توصال وما العلمي واملنهج البرشي فالعقل اإلنسان، خارج أو الكون خارج فالعلمانية والنفسية. واالجتامعية الطبيعية الظواهر لتفسري تكفي واملجتمع املادة قوانني لتنظيم حياة اإلنسان يف سائر شؤونه، العلمي يكفي بالعلم، واملنهج للعالم متصلة رؤية م رؤية للعالم الراهن املشهود يف الدنيا، وهي يف الوقت نفسه علامنية متصلة بالعالم، تقدآخر، عالم يف التفكري إىل بحاجة ولسنا نعرفه، الذي الوحيد العالم هي «الدنيا« فهذه مكانا للعالم: رؤية العلمانية تكون ثم ومن للعلمانية، املرادف املعنى هي فالدنيوية)1(

وزمانا وتارخيا ومصريا. )2(

ل رؤية العالم التي تستبعد حاجة اإلنسان إىل التفكري بالدين ويتتبع طه عبد الرمحن تشكالكون واحلياة واإلنسان، ويشري الدين من اإليمان بذات عليا مفارقة، خارج وما يتضمنه إىل التصورات الوجودية التي قدمها بعض الفالسفة الغربيني من أمثال جان جاك روسو، ن أسسوا للحداثة الغربية، وقدموا نموذجا وإيمانويل كانط، وإميل دوركهايم، وغريهم ممأو رؤية للعالم انتزعت األسئلة الوجودية عن طبيعة اإلنسان واحلياة واألخالق من ميدان فأصبحت الروحية. الدينية اإلجابات من بدال «دهرانية«، زمنية إجابات وقدمت الدين بفتح الدين، و«العلمانية« العلم عن العني، بمعنى: فصل «العلمانية« بكرس الدهرانية هي

العني، بمعنى: فصل سياسة العالم عن الدين وكلتهامها بنات «الدنيانية«.)3(

املوسوعة العربية العاملية، الرياض: مؤسسة أعامل املوسوعة للنرش والتوزيع، ط2، 1999م، ج2، حرف )أ( مادة )1(اإلحلاد، ص 528.

تكرر يف القرآن الكريم ذكر مقولة الكافرين: ﴿ىه يه جي حي خي مي ىي يي ذ﴾ ]األنعام : 29[، ﴿مث )2(حج مج جح مح جخ مخ جس حس خس مس حص خص مص جض﴾ ]املؤمنون:36- 37[، ﴿ ٱذ ر

ى رئ زئ مئنئ ىئ يئ رب زب مبنب ىب يب رت زت﴾ ]اجلاثية: 24[.

لألبحاث العربية الشبكة بريوت: الدين، عن األخالق لفصل االئتامين النقد الدهرانية: بؤس طه. الرمحن، عبد )3(والنرش، 2014م. ص 11.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 380: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

379

ينزع التعليم إصالح عن واإلسالمي العريب العالم يف اليوم الدائر اجلدل من وكثري عن قوس العلمانية، بمعنى تحييد الدين عن مناهج التعليم، حلل كل املشكالت التي يعاين العالم«، «املتصالح مع بناء شخصية اإلنسان التعليم بعد ذلك من منها املجتمع، ولتمكني يف الدين تعليم من العلمانيين بعض عند مانع وال واإلبداعي. احلر التفكري عىل والقادر عون أنها تؤدي إىل االنطواء عىل الذات الدينية، مادة مستقلة عىل أن تنزع منه الروح التي يدوكراهية اآلخر أو عدم االعرتاف به. ومن العجب عندهم أن تحتوي كتب اللغة والعلوم

والتاريخ مثال عىل نصوص دينية أو تعبريات أخالقية أو فكرية ذات مرجعية دينية!

وقد تطور مفهوم العلمانية بمعنى فصل الدين عىل احلياة العامة؛ أي السياسة تحديدا، يف مسارات خمتلفة يف التاريخ األورويب واألمريكي واختلفت تطبيقات هذا املفهوم من زمن املذكور والدولة« الكنيسة بني الفصل «مصطلح شهد وقد آخر. إىل جمتمع ومن آخر، إىل الرقابة املحافظة املسيحية اجلامعات مطالبة يف سيام ال واسعا جدال األمريكي الدستور يف عىل الكتب املدرسية، والصالة يف املدرسة، واإلرصار عىل تعليم الرأي الديني يف النظريات

العلمية التي تناقض الدين، وغري ذلك.)1(

بني التام للفصل التعصب اخلطأ من أن األمريكيني الرتبويني الباحثني بعض ويرى دستور تفسريات ملعظم وفقا أنه ذلك العامة، املدارس يف متطرفة بصورة والدولة الدين إقناع الدين بطريقة حمايدة، دون حماولة يعلم عن فإنه يمكن للمعلم أن املتحدة، الواليات معظم لكن به. إقناعهم ألجل الدين يعلم وال معني، اتجاه ضد أو معني باتجاه الطالب يستطيعون، ال وما فعله يستطيعون ما د تحد التي الدستورية املبادئ يفهمون ال املعلمني لذلك فهم يمارسون احلذر من خمالفة القانون، وهم بذلك «يطيعون قوانني غري موجودة«.)2(

املوسوعة البيطانية عىل الشابكة، انظر الرابط: )1(

- https://www.britannica.com/topic/church-and-state (Retrieved 7 July, 2020).

(2) Rusbult, Craig. Worldview Education in Public Schools: Is it Balanced and Neutral? See the link:

- https://www.asa3.org/ASA/education/views/balance.htm (Retrieved 7 July, 2020).

الفصل السابع تعليم رؤية العالم

Page 381: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

380

إن تعليم رؤية العالم يف مؤسسات التعليم العام قضية جدلية يف كثري من البلدان، ففي العامة، واحلياة الدين بني الفصل مبدأ ضوء يف املوضوع إىل ينظر مثال، املتحدة الواليات فيمنع تدريس الدين بالصورة التي قد تؤثر عىل معتقدات املتعلمني، ومن غري املرغوب فيه عرض رؤى العالم سواء كانت دينية أو إحلادية بطريقة الدعوة والتبشري، واألفضل هو أن املطلوب هو كيف Moderate Balance، ويبقى املعتدل التوازن املوضوع بصورة يعرض

يتحقق ذلك؟

فقد يكون عرض رؤى العالم بصورة متناظرة تقدم رؤية دينية ورؤية غري دينية، لكن املشكلة أن الرؤية الدينية ال يمكن عرضها إال بصورة مبارشة، أما الرؤية غري الدينية فتعرض أي من خاليا العرض يكون عندما التأثري قوية تكون لكنها مبارشة، غري ضمنية بطريقة فإن اإلقناع، وليس التثقيف العالم بنية رؤية تعليم جاء لو وحتى للموضوع. ديني بعد الذي أو الضغط انتقاد معلمني آخرين، أو الوالدين، تتمثل يف شكاوى ثمة خماطر متعددة بني «الفصل ملبدأ املتعصبون يرفعها التي املحاكم إىل قضايا إضافة إدارية، تمارسه جهات

الكنيسة والدولة«.)1(

ويف كتاب حديث عن التعليم اإلسالمي عند األقليات اإلسالمية يف عدد من البلدان اإليمان بناء يستهدف الذي الديني التعليم اختالف عن الباحثة تتحدث األوروبية،)2( التعليم وهدفه الليبايل، ويظهر االختالف يف طريقة الديني التعليم املتعلم عام يسمى عند

(1) Rusbult, Craig. Critical Thinking in Public Schools and the Potential Dangers of World-view Education. See the link:

- https://www.asa3.org/ASA/education/views/dangers.htm (Retrieved 7 July, 2020),

سوف يصدر يف مطلع عام 2020م، ونجد بيانات وافية عنه يف الشابكة، بام يف ذلك مقدمة الكتاب كاملة. واملؤلفة )2(هي باحثة يف دائرة التعليم الديني يف جامعة مرمرة يف تركيا. وتوثيق الكتاب هو:

Ucan, Ayse demirel. Improving the Pedagogy of Islamic Religious Education in Secondary Schools: The Role of Critical Religious Education and Variation Theory. New York and Lon-don: Routledge, 2020, Pp. 1-19.

انظر الرابط: - file:///D:/Users/hp/Downloads/9780429055706_preview1.pdf (Retrieved 7 July, 2020).

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 382: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

381

التي املعرفة تجعل التي البنائية النظرية عىل يعتمد الليبايل فالتعليم املعرفة. بناء وطريقة يكتسبها املتعلم نسبية وقابلة للخطأ. بينام يتبنى التعليم الديني، يف املنهج اإليماني املقصد، نظرة واقعية، تؤمن بأن العالم موجود يف احلقيقة بصورة مستقلة عن وعي اإلنسان ومعرفته، العالم وبناء نسخة عنه يف أذهاهنم. واهلل سبحانه هو اكتشاف هذا املتعلمني يحاولون وأن باإلله اإليمان تنمية هو املعرفة هذه اكتساب من واملقصد واملعارف، العلوم كل مصدر التعليم إىل تفسريات نصوص بتوجيه مبارش، وتستند مادة التعليم اخلالق. وتتصف طريقة

القرآن الكريم واحلديث النبوي.)1(

تختص التي الوجودية األسئلة إجابات تتضمن العالم رؤية أن إىل أرشنا أن سبق والقيم. والدنيا واآلخرة، واملعرفة باخلالق واملخلوقات، واإلنسان واحلياة، واخلري والرش، ويف تفاصيل ذلك تأيت معرفة اإلنسان لنفسه ولغريه من الناس، وأن احلياة تقتيض التعارف وثقافاهتم أدياهنم يف الناس بني واالختالف د التعد وأن والتكامل، والتعاون الناس بني يقتيض ذلك وكل واملنافع، املصالح وتبادل والتعاون التعارف من تمنع ال وتفضيالهتم توفري متطلبات معرفة اآلخر، وتقديم الذات بام يحتاج اآلخر إىل معرفته عنها، عىل مستوى

األفراد واملجتمعات.

واإلسالم يقدم إجابات سهلة وواضحة، ومعرفة وافية عن هذه املوضوعات. والتعليم الديني اإلسالمي يعنى باكتساب املعرفة الدينية، وتشجيع السلوك الديني، والتحل باألخالق البلدان معظم يف التعليم مناهج يف رصحية أهداف صورة يف ذلك ونجد الدينية، والقيم العربية واإلسالمية. لكن التعليم الديني واجه نوعا من التهميش يف البامج التعليمية، من حيث الزمن املخصص له، ودرجة االهتامم بمناهجه وتدريب معلميه، إذا قورن ذلك بمواد األجنبية. واللغات والرياضيات العلوم تدريس مثل أكب أمهية هلا تعطى أخرى دراسية يزال ال الذي التهميش هذا من الرغم وعىل آخر. إىل بلد من التهميش درجة وتتفاوت بسبب األخريين العقدين يف متزايدا اهتامما اإلسالمي الديني التعليم نال فقد مستمرا،

(1) Ibid., Pp. 1-19.

الفصل السابع تعليم رؤية العالم

Page 383: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

382

كبري بتشجيع تتواىل والدراسات البحوث وأخذت التديني، التطرف مسؤولية تحميله تدريسها، أثناء يتم سلوك وكل الديني التعليم مناهج يف كلمة كل لفحص سخي، ودعم يف املسلمة للجاليات اإلسالمي التعليم نشاطات يف أو اإلسالمي العالم بلدان يف سواء

البلدان األخرى.

صحيح أن جزءا من هذا االهتامم تزايد بعد اهنيار االتحاد السوفييتي وحاجة الغرب إىل ه حربه الثقافية واحلضارية تجاهه، فكان هذا العدو هو اإلسالم واملسلمني. عدو جديد يوجسبتمب من عرش احلادي يف حدثت التي التفجريات بعد كبرية قفزة قفز االهتامم هذا لكن القرارات فتوالت مسلمني. متطرفني إىل ونسبت األمريكية، املتحدة الواليات يف 2001م، السياسية والدعم املايل الكبري ملراكز البحث يف كل اتجاه إلدانة التعليم اإلسالمي. مع العلم بأن معظم الدارسات والتحليالت أثبتت أن من وقع منهم التطرف يف الفهم الديني، أو نسبت إليهم أعامل العنف واإلرهاب، لم يكونوا من خرجيي التعليم الديني، وأن حاالت الكراهية والعنف واإلرهاب التي عرفها العالم ونسبت ملسلمني، كانت نسبة ضئيلة جدا من احلاالت

املامثلة اخلاصة بغري املسلمني، وأن نسبة كبرية من حاالت العنف ليست ألسباب دينية.

إن األجواء الدولية التي فرضتها سياسات الدول الغربية، بخصوص ما سمي «احلرب تلك أساس عىل الدراسية املناهج لتنقيح اإلسالمية الدول عىل والضغط اإلرهاب« عىل مواقف تتخذ اإلسالمي العالم يف واإلقليمية املحلية املؤسسات بعض جعلت السياسات اتخذ الدويل اإلسالمي الفقه جممع جملس أن ذلك ومن التنقيح، هذا إىل تدعو وقرارات باإلرهاب يسمى وما ف والتطر الغلو ملواجهة والعملية الفكرية اإلجراءات «بشأن قرارا يف هذه األيام يف شتى امليادين واملجاالت.« وقد نص القرار عىل عدد من البنود ذات الصلة

املبارشة بتعليم عنارص رؤية العالم، ومنها:

مضامينها فتح باتجاه التعليمية املؤسسات يف وتطويرها الدراسية املساقات «حتديث العنف والتطرف واإلرهاب واإلحلاد، واالعرتاف ثقافة احرتام حقوق اإلنسان، ونبذ عىل بحق اآلخر يف التنوع واالختالف. وبناء املناهج التعليمية بام يتوافق مع عقيدة األمة وثوابتها،

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 384: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

383

مغلوطة عن تتضمنه من مضامني قد ما ومراجعة واملعارصة، األصالة بني يجمع وبشكل واجلامعات املدارس يف دراسية ومواد مساقات وإدراج تصحيحها. عىل والعمل اإلسالم عىل االعتداء بحرمة الوعي تعزيز عىل وتعمل والتعصب، واجلريمة العنف نبذ عىل تركز الدماء واألموال واألعراض. وإقرار سياسة تعليمية تقوم عىل تعزيز قيم التسامح واملواطنة

والتفكري الناقد واحرتام الرأي اآلخر.«)1(

وقد اتخد جملس جممع الفقه اإلسالمي الدويل نفسه يف دورته الرابعة والعرشين بديب، «بشأن قرارا 2019م. نوفمب 6–4 املوافق: 1441ه، أول ربيع 9–7 من: الفرتة خالل التسامح يف اإلسالم ورضورته املجتمعية والدولية وآثاره«، ويختص القرار بمسألة واحدة من مسائل «احلرب عىل اإلرهاب« عن طريق تعميق ثقافة التسامح. فكان من بنود القرار ما له صلة مبارشة يف تنقيح املناهج الرتبوية من أجل: إدراج قيمة التسامح يف املناهج الرتبوية

والتعليمية، وتضمني اخلطاب الديني قيم التسامح يف مجيع املجاالت.«)2(

خالصة القول، إن الدين، أي دين، هو رؤية للعالم، وتعليم الدين هو تعليم لتشكيل يف املجتمعات أكثر هي اإلسالمية املجتمعات ولعل وتكريسها. وتوضيحها الرؤية هذه التي الوجودية األسئلة إجابات إن ثم فيها. الدين مكانة من اإلعالء عىل حرصا العالم تمثل رؤية دينية -إسالمية للعالم، هي حمل اتفاق واسع بني آراء املدارس الفكرية واملذهبية السائدة يف املجتمعات اإلسالمية، لذلك فإن تعليم رؤية العالم التي تضمن هذه اإلجابات

يعد وسيلة من وسائل التوحيد الفكري يف هذه املجتمعات.

جممع الفقه اإلسالمي الدويل منبثق عن منظمة التعاون اإلسالمي، يف دورته الثالثة والعرشين باملدينة املنورة، خالل )1(الفرتة من: 19-23 صفر 1440ه، املوافق: 28أكتوبر- 1نوفمب 2018م. اتخذ القرار رقم: 221 )23/5( نرش

عىل موقع املجمع بتاريخ 11 توفمب 2018م. انظر الرابط: - http://www.iifa-aifi.org/4883.html (Retrieved 7 July, 2020).

أول ربيع 09 – 07 من: الفرتة خالل بديب، والعرشين الرابعة دروته يف الدويل اإلسالمي الفقه جممع جملس )2(1441ه، املوافق : 04 – 06 نوفمب 2019م. القرار رقم: 233 )24/4( املنشور عىل موقع املجمع بتاريخ 20

نوفمب 2019م. انظر الرابط:- http://www.iifa-aifi.org/5201.html (Retrieved 7 July, 2020).

الفصل السابع تعليم رؤية العالم

Page 385: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

384

ة مشكلة أخذت حدهتا تتزايد يف السنوات األخرية، كلام تعلق األمر بتعليم الدين، وثممه الدين من رؤية للعالم، إن كان ال بد من هذا التعليم من حيث املبدأ، تعب عن القلق مما يقدأن تعليم الدين«؛ بحجة «تعليم من الدين« بدال «التعليم عن اعتامد مبدأ الدعوة إىل وهي هذه من ولتمكينه االعتقاد، عدم أو االعتقاد يف حرية للمتعلم يعطي ال تلقينا يعد الدين احلرية ال مانع من التعليم عن الدين، دون أن يتضمن التعليم ما يكون دعوة إىل االعتقاد أو رون من خطورة تعليم الدين يخشون من انسحاب املنظور االلتزام الديني. ثم إن الذين يحذ

الديني الذي يتعلمونه من املوضوعات الدينية، عىل تعلم سائر العلوم األخرى.

وبعض الداعني إىل «التعليم عن الدين«، بدال من «التعليم الديني« ال يرون أن يكون العلوم االجتامعية ما قد يلزم املبدأ، يكفي أن تتضمن مناهج هناك تعليم ديني من حيث تعليم تمنع التي املجتمع علامنية بمبدأ روننا يذك بذلك وهم األديان. عن معلومات من الدينية للمدارس أو لألرسة الدين مسألة وترتك للدولة، العامة املؤسسات يف الدين احلاد الفصل التحذير من الدينية اإلسالمية أساسا، من العالم تنطلق رؤية بينام اخلاصة. ال اإلسالمية العالم فرؤية العالم. عن متناقضة رؤى تولد قد التي بالصورة العلوم بني ونظرية الفكر، يف ومرجعية التفسري، يف منهج هي وإنما الدينية، املواد تعلم عىل تقترص واالجتامعية واإلنسانية الطبيعية العلوم سائر تعلم يف حارضة تكون أن بد ال الفهم، يف نا نتوقع أن وفروعها النظرية والتطبيقية. وإذا أسهم التعليم الديني يف بناء هذه الرؤية، فإنيتضمن تعليم العلوم األخرى ما يعزز بناء هذه الرؤية وحضورها ووضوحها وتماسكها والثقة هبا من جهة، وحسن الفهم واالستيعاب للعلوم األخرى، وحسن توظيفها يف حياة

األمة من جهة ثانية.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 386: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

385

املبحث الثالث

رؤية العالم وتعليم العلوم

أوال: رؤية العالم يف تعليم العلوم يف الغرب

مستقرة أفكارا األحيان، بعض يف البرشية، املجتمعات يف تسود التي الثقافة تختزن بصورة ال يشعر معتنقوها بحاجتها إىل مراجعة أو اختبار. ومن ذلك أن العلم حقائق مستقلة الثقافة. ومن عنارص هذه آراء ووجهات نظر تعتمد عىل العالم فهي ا رؤى أم الثقافة، عن ال الذي العلمي البحث طريق عن مت تقد إنما املتقدمة الدول بأن الظن القارصة الثقافة والثقافة الدين قضايا تستبعد التي الصارمة العلمية الرؤية غري للعالم رؤية إىل يحتاج العلمية املرجعيات لكن م. التقد تعيق التي القضايا هذه إسار من وتنطلق والتاريخ، «الشعبية«، وتقدم فهام خمتلفا. وملناقشة مثل الثقافية ال تؤيد مثل هذه األفكار واملرجعيات مها جمموعة من أهم املؤسسات العلمية م بعض اخلبات التي تقد هذه األفكار نحاول أن نقد

يف الدول املتقدمة. ثم نتبعه بعرض املسألة كام نفهمها يف مرجعيتنا اإلسالمية.

ونبدأ بعرض بعض النصوص املنتقاة من وثائق «اجلمعية األمريكية لتقدم العلوم.«)1( جماالت يف متعددة نشاطات تنظم وهي واسعة، عالمية امتدادات ذات اجلمعية وهذه تدريس العلوم، وتنرش الدوريات األكاديمية والكتب املنهجية والنرشات التثقيفية وتعقد العلوم تعليم برامج يف اجلديد ملتابعة مصادر توفر وبذلك وحملية. عالمية مؤمترات اعتنت التي العالم يف املؤسسات أشهر من تعد فاجلمعية العالم. يف املعلمني وتدريب

بتعلم العلوم وتعليمها.

(1) American Association for the Advancement of Science (AAAS).

واجلمعية األمريكية لتقدم العلوم (AAAS) هي منظمة أمريكية غري ربحية ذات صفة دولية هتدف إىل تعزيز والتواصل العلوم، تعليم ودعم العلمية، املسؤولية وتشجيع العلمية، احلرية عن والدفاع العلامء، بني التعاون

العلمي من أجل حتسني حياة البرش مجيعا انظر رابط اجلمعية املذكورة:- About AAAS. American Association for the Advancement of Science. (Retrieved 19 Nov. 2019).

الفصل السابع تعليم رؤية العالم

Page 387: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

386

العلوم.« وتعليم والفلسفة التاريخ يف للبحث العالمي «الدليل كتاب عرض وقد كثريا من الدراسات والتقارير، واملواقف ذات الصلة بموقع رؤية العالم يف برامج تدريس Michael R. Matthews العلوم. وهو ما نحن بصدده يف هذا السياق. يقويل مايكل ماثيوزتقديرا واعرتافا للطلبة م يقد أن للعلوم يجب اجليد التدريس «إن إليه: املشار الدليل حمرر بالعالقات «الديناميكية« القائمة بني العلم والثقافة، فالعلم كان دائام جزءا من الثقافة، يؤثر

فيها ويتأثر هبا، وعىل هذا فإن العلم ورؤية العالم متداخالن.«)1(

العلمية التطورات بأثر «الوعي : أن العلوم، عىل لتقدم ت اجلمعية األمريكية وقد نصالعلوم تعليم من جزءا يكون أن يجب ومشاعره اإلنسان معتقدات عىل والتكنولوجية عن العلوم تدريس يكشف أن «يجب أنه: عىل أخرى وثيقة يف ت ونص شخص.« لكل بني العالقة يعرض تاريخ وللعلم املستقرة. والثقافية الفكرية والعادات العلم بني العالقة : أن عىل ثالثة وثيقة ونصت املعارصة.« القضايا تنري التي األفكار من واسع وعالم العلم «معايري تاريخ العلم وطبيعته تؤكدان أمهية استعامل التاريخ يف برامج تعليم العلوم املدرسية الذي والدور العلم، من اإلنسانية واجلوانب العلمي، للبحث املختلفة اجلوانب لتوضيح «أن العالقة بني العلم ورؤى د: يقوم به العلم يف تطور الثقافات املختلفة«. وكل ذلك يؤكالعالم سواء ما يتصل من هذه الرؤى باإليمان أو بعدم اإليمان، هي واحدة من أهم املسائل

املعارصة للعلامء ومدريس العلوم والثقافة بصورة عامة.«)2(

والغاية اإلله، وجود عن بأسئلة قوية بصورة يهتمون العالم يف الناس من «وكثري العالم، وهل لإلنسان روح تميزه عن ة كائنات روحية تؤثر يف ثم العالم، وهل من وجود خلل إحداث يمكن وهل هلام، يستجاب أن والصالة للدعاء يمكن وهل احليوان، عالم العلم كان إذا ما والطلبة املعلمون يعرف أن املهم ومن الطبيعة؟ يف السببية العمليات يف يستطيع أن يجيب عن هذه األسئلة بصورة أو أخرى، أو أن العلم يصمت إزاءها. ويفرتض

(1) Matthews, Michael R. (Editor). International Handbook of Research in History, Philoso-phy and Science Teaching, New York and London: Springer, 2014, p. 1586-1587.

(2) Ibid.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 388: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

387

آراء أن مسح تلقي ضوءا عىل هذه األسئلة. واملالحظ أن العلم تستطيع بطبيعة املعرفة أن العلامء والفالسفة والرتبويني يكشف عن عدم االتفاق ضمن كل جمموعة منهم حول املجال

املرشوع لعمل العلم.«)1(

NRC وحني بحثت اجلمعية األمريكية لتقدم العلوم، ومركز البحث الوطني يف أمريكاوالدليل، والنظام، الواقعية، هي: Pillars ركائز سبعة حددت العلم خصائص حتديد يف Hugh غوش هيو األمريكي الباحث ويرى العال.« ورؤية والعاملية، واحلدود، واملنطق، يف البحث إن تقول التي الشعبية بالنظرة جزئيا ولو تتصل ربام الركائز هذه أن Gauch

اتساق بني موقف اجلمعية الباحث وجد عدم العلم. لكن يقع خارج جمال الغيبية القضايا )له متجه عال يف نعيش «أننا تؤكد: اجلمعية ألن النظرة، هذه مع العلوم لتقدم األمريكية التي العال األساسية إنكارا لرؤية أن ذلك "يعد له غاية.« لكنه يرى اجتاه( حتى لو ل يكن تؤمن هبا الديانات اليهودية واملسيحية واإلسالم، وهي أن العال له هدف، وهو متجه إليه.« حيث من العال رؤية عىل مستقل «العلم : أن هي «غوش« إليها ينتهي التي واخلالصة معنى هلام عامة- -بصورة التجريبي والدليل العلمي الدليل لكن ومناهجه، افرتاضاته التارحيية العالقة، واملراجعة إمكانية هذه املنهجية تكشف العال. فاالعتبارات برؤية يتصل

تقدم دليال عىل وجودها.«)2(

هذه تعليم فإن العلم، ركائز من واحدة العال رؤية كانت إذا نقول: فنحن ولذلك الرؤية من شأنه أن يسهم يف حتقيق هدف التعليم النهائي وهو معرفة اإلنسان لذاته وللمحيط للبحث عن العال يف سعي اإلنسان تفيده رؤية ما يتضمن فيه، وهذا يعيش الذي الطبيعي

معنى للحياة، واكتساب املعرفة الالزمة هلذه احلياة.

ومن البامج املهمة يف اجلمعية األمريكية لتقدم العلوم، «مرشوع 2061« وهو مرشوع : «مبادرة طويلة األجل للبحث والتطوير تركز عىل تحسين أمريكي يف تدريس العلوم، يعد

(1) Ibid.

(2) Ibid.

الفصل السابع تعليم رؤية العالم

Page 389: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

388

تعليم العلوم حتى يتمكن مجيع األمريكيني من معرفة القراءة والكتابة يف العلوم والرياضيات والتكنولوجيا.« وقد بدأ هذا املرشوع عام 1985م بمناسبة مرور «مذنب هايل« بالقرب من عام املدرسة دخلوا من لرياه 2061م. عام القادمة املرة يف يعود أن املتوقع ومن األرض

1985م يف أثناء حياهتم.)1(

وما يهمنا من مرشوع 2061م هو ما ورد يف أحد كتبه األساسية املسمى «العلوم جلميع يف الكتاب ث تحد فقد العلوم. تعليم يف وموقعها العلمية« العالم «رؤية عن األمريكيني« فصله األول عن طبيعة العلم، التي يقتيض فهمها ثالثة مكونات هي: الرؤية العلمية للعالم، واالستقصاء العلمي، وطبيعة املسعى العلمي. وبني أن رؤية العالم العلمية تتضمن ما يشرتك بطبيعة يختص علمي بحث من به يقومون ما حول واتجاهات معتقدات من العلامء فيه ظواهره انتظام بسبب فهمه يمكن عندهم فالعالم منه. يتعلموا أن يمكنهم وما العالم، التي توسع العقل الذي يستعني باحلواس واألدوات الفهم عىل وأحداثه ويعتمدون يف هذا من قدرهتا عىل املشاهدة واإلدراك. وألن العالم هو نظام متزن ومتكامل فإن بإمكان العلامء إذا اكتسبوا معرفة بجزء من هذا النظام أن يساعدهم ذلك يف اكتساب املعرفة باألجزاء األخرى.

للتغري، قابلة العلمية األفكار أن اعتقادهم العلامء عند العالم رؤية مقتضيات ومن يف متواصل تغري إىل يؤدي مما السائدة؛ النظريات تتحدى ربام املشاهدات من فمزيد النظريات العلمية، إىل احلد الذي يجعل العلامء يعتقدون أنه ال سبيل لإلنسان أن يصل إىل حقيقة كاملة ومطلقة عن العالم وكيف يعمل. ومع ذلك فإن بعض املعرفة العلمية تتصف التعديل وليس الرفض الكامل، وهذا يعني بالدوام فرتة طويلة، مع إمكانيات متواصلة يف

عىل تحسين قدرة العلامء عىل الوصول إىل تنبؤات دقيقة عن الظواهر الطبيعية.

موقع مرشوع 2061 املسمى «العلوم جلميع األمريكيني«. )1(- https://www.aaas.org/programs/project-2061 (Retrieved 7 July, 2020).

ويمكن قراءة النسخة اإللكرتونية من الكتاب الرئييس للمرشوع يف الرابط: - http://www.project2061.org/publications/sfaa/online/sfaatoc.htm (Retrieved 7 July, 2020).

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 390: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

389

ومن افرتاضات الرؤية العلمية للعالم أن العلم ال يستطيع أن يقدم إجابات كاملة عن مجيع األسئلة، فكثري من املسائل ال يمكن اختبارها بالطرق العلمية، ومن ذلك مثال اإليمان من الرغم عىل والرش، اخلري مسائل يف البت أو الطبيعي، الوجود نطاق خارج عليا بقوة

القدرة عىل تحديد نتائج أفعال معينة تفيد يف تقويم البدائل املمكنة.)1(

يف واالختالف العالم، رؤية أسئلة أهم من البرشي الوجود أصل عن السؤال ويعد ورؤية العلمية العالم رؤية بني اجلدل موضوعات أهم من كان السؤال هذه عن اإلجابة التي تتجاوز إجابتني التفاصيل الدينية. لكن إجابات هذا السؤال تتضمن عددا من العالم األمريكية للجمعية السنوي االجتامع يف أمريكيان باحثان قدمها دراسة ففي متقابلتني، لتقدم العلوم عام 2014م، عرضا فيها ست أجابات ممكنة ودرسا إجابات الفئات املختلفة

يف التوجه العلمي والديني التي شملتها الدراسية. واإلجابات الست هي:

العالم واألرض وكل أنواع احلياة خالل العرشة آالف سنة 1- نظرية اخللق: خلق اهلل املاضية.

2- نظرية اخللق املتأخر لإلنسان: خلق اهلل العالم واألرض منذ ماليني السنني، وتطورت النباتات واحليوانات عب ماليني السنني من أشكال سابقة للحياة، لكن اهلل تدخل يف

خلق اإلنسان يف العرشة آالف سنة املاضية.

3- نظرية التطور بأمر اهلل: خلق اهلل العالم واألرض منذ ماليني السنني، وبدأ اهلل خلق ره خالل ماليني السنني. ه تطو اإلنسان ووج

وجود وتطور السنني ماليني قبل واألرض العالم وجد الذكي: التصميم نظرية -4اإلنسان عب ماليني السنني وفق تصميم قوة ذكية.

5- نظرية اخللق اإلهلي والتطور البرشي الطبيعي: خلق اهلل العالم واألرض قبل ماليني

الفصل األول من كتاب العلم جلميع األمريكيني AAAS Science for all American- on Line انظر الرابط: )1(- http://www.project2061.org/publications/sfaa/online/chap1.htm (Retrieved 7 July, 2020).

الفصل السابع تعليم رؤية العالم

Page 391: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

390

السنني، لكن احلياة بام يف ذلك اإلنسان تطورت عب ماليني السنني عن طريق التكيف مع ظروف البيئة دون تدخل من اهلل أو من قوة ذكية.

6- التطور الطبيعي: وجد العال واألرض قبل ماليني السنني وتطورت احلياة بام يف ذلك اإلنسان عب ماليني السنني من أشكال سابقة للحياة عن طريق التكيف مع ظروف

البيئة، وال يوجد إله أو قوة ذكية ال يف اخللق وال يف تطور احلياة.)1(

اإلنجيليني«، «البوتستانت وفئة العلامء، فئة فئات: الدراسة من ثالث أفراد وكانت البوتستانت اإلنجيليني«. وكان لكل إجابة من األجابات الست نصيب من «العلامء وفئة يف والسادسة األوىل النظرية وكانت احلال. بطبيعة متفاوت نصيب وهو الثالث، الفئات موضع التقابل الرئييس بني العلامء والبوتستانت اإلنجليني، كام هو متوقع. وكانت أضعف العالم خلق اهلل إن تقول: التي اخلامسة، النظرية هي الثالث الفئات من قبوال اإلجابات منذ ماليني السنني، وقد تطورت احلياة بصورة طبيعية، بتأثري التكيف مع ظروف البيئة دون

ل إهلي. تدخ

املدارس يف اإلنسان أصل نظرية تدريس من الفئات هذه موقف الدراسة وتضمنت تعليم العضوي، التطور من بدال اإلهلي اخللق نظرية تعليم هي: احتامالت أربعة ضمن من بدال الذكي التصميم نظرية تعليم العضوي، التطور نظرية مع اإلهلي اخللق نظرية التطور العضوي، تعليم نظرية التصميم الذكي مع التطور العضوي. ومن املالحظ أن نسبة من كانوا علامء من البوتستانت اإلنجليني يقرتبون يف مواقفهم من زمالئهم البوتستانت من %63 أكثر من ورأى العلامء. من زمالئهم يقرتبون من نسبة من بكثري أكثر اإلنجليني العلامء من %10 حوايل أن املالحظ من وكان األربعة، البدائل من أي تعليم عدم العلامء يرون تعليم نظرية اخللق اإلهلي، وحوايل 14% يرون تعليم نظرية اخللق اإلهلي والتطور معا، كبرية فرصة الباحثان وجود ويرى التطور. نظرية مع الذكي التصميم تعليم يرون و%10

(1) Ecklund, Elaine Howard and Scheitle, Christopher. Religious Communities, Science, Sci-entists, and Perceptions: A Comprehensive Survey, A paper presented at the Annual Meet-ing of the American Association for the Advancemet of Science, February 16, 2014, p. 23.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 392: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

391

العلمية، وأن بعض الرؤية الدينية وأصحاب الرؤية املتبادل بني أصحاب والتعلم للحوار القضايا تفتح املجال هلذه العالقة اإليجابية أكثر من قضايا أخرى.)1(

والتعليم، العالم، ورؤية العلوم، بني العالقة األمريكيني الباحثني أحد درس وقد العلامء، هي: أطراف أربعة بني حوار هي العالقة هذه أن األوىل: نتيجتني؛ إىل وتوصل التي تصدرها العلوم تدريس وتقارير حالة العلوم، بتدريس واملختصون العلم، وفالسفة الدراسة وتضمنت .AAAS العلوم لتقدم األمريكية اجلمعية مثل املتخصصة املؤسسات ة ثم أن الباحث فوجد الفئات، هلذه الشخصية واآلراء البحوث من عينات نتائح تحليل اهتامما كبريا بالعالقة بني العلم ورؤية العالم. والنتيجة الثانية: أن عنارص قوة العلم وحدوده، تعتمد العالم– برؤية استنتاجات ذات صلة إىل للوصول العلم إمكانات - وخاصة مدى العلمي هو للمنهج العميق الفهم فإن وبالتايل، العلمي. العمل منهج أساسية عىل بصورة

املدخل لبناء تصور واضح ومتوازن للعلم ولرؤية العالم.

ولذلك فإن من واجبات املتخصصني بتدريس العلوم تدريب الطلبة عىل اكتساب القدرة ومقارنة العلمية النظريات تقييم كيفية سيام ال بالعلم، املتصلة املنهجية القضايا متييز عىل التجريبي، والرياضيات، بالعلم الرتابط بني االلتزامات اخلاصة املتنافسة، وإدراك النظريات والدين، والفلسفة، يف تطوير العلم وتقدمه. وبمثل هذا اإلدراك والوعي تتضح لدى املعلمني إمكانات املعرفة العلمية يف اإلجابة عن أسئلة رؤية العالم. وتساءل الباحث هل يمكن للعلم أن يدعم اإليمان أو اإلحلاد أم ال يدعم أيا منهام؟ مع التذكري بأن هذا السؤال مستمر منذ زمن بعيد، وهو األكثر إثارة للجدل واخلالف، وهو سؤال حول التأثريات املتبادلة بني العلم ورؤية العلامء تهم أخرى كثرية فرعية وأسئلة سبحانه، اهلل وجود عن الكبري السؤال أي العالم؛

والعامة عىل حد سواء، مثل غائية الكون، وإمكانية حصول معجزات.)2(

(1) Ibid., p. 25.

(2) Guach, Hugh G. Jr. Science, Worldviews and Education, In: Science, Worldviews and Education, Edited by Michael R. Mathews, London: Springer Science &Business Media Inc., 2006, Pp. 28-30.

الفصل السابع تعليم رؤية العالم

Page 393: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

392

العالمية، اإليمانية وعالوة عىل ذلك، فمن الواضح أن تفاعل العلوم مع خمتلف الرؤى ة. ونجد أمثلة هلذا االهتامم يف كثري من املجالت واإلحلادية، موضوع اهتامم العلامء بصفة مستمر ،Science ،Nature ،Scientific American ،American Sceintist :العلمية مثل: جمالتوغريها، وال يكاد يمر شهر واحد دون مقالة أو مراجعة لكتاب أو تعليق حول عالقة العلم ورؤية العالم. مما يؤكد أن اجلامعة العلمية هلا اهتاممات تتصف باحليوية واجلرأة والفضول،

د املسائل العلمية املتخصصة وتطبيقاهتا العملية. أكثر من جمر

الطبيعية العلوم بني بالعالقة تختص جوهرية مسألة ة ثم فإن ذكر، ما إىل وباإلضافة والعلوم اإلنسانية، وهي التساؤل عام إذا أمكن وجود أدلة تجريبية تتصل برؤية العالم )مثل اإليمان واإلحلاد(، توفر األسباب الكافية لقبول رؤية حمددة للعالم من بني رؤى أخرى.)1(

ا يفيد يف بناء رؤية علمية للعالم- هو طبيعة العلم وبنيته إن أهم ما يف تعليم العلوم -ممالعلمية ذاهتا إىل جماالت املعرفة التارخيي. وهذه مسألة تتجاوز ره ومناهجه وفلسفته وتطوتقدمها التي العالم رؤية يجعل مما والتاريخ، والثقافة والدين الفلسفة مثل أخرى معرفية املعرفة ويجعل العلمية، املعرفة عن الطلبة هنا يكو التي الصورة يف تؤثر املجاالت هذه العلمية عامال مؤثرا يف رؤية العالم عندهم، ومن ثم يحتاج تعليم العلوم إىل اسرتاتيجيات

تسمح باحلوار واملناقشة وتوضيح رؤية العالم وإغنائها.

فاملعرفة العلمية يف بعض موضوعات مادة األحياء مثال تحتاج إىل الفهم املناسب لكيفية التعامل معها، كام هو احلال يف نظرية التطور العضوي وأصل اإلنسان. ففي دراسة أجراها جمموعة من الباحثني عىل الطلبة واملعلمني يف عرش مدارس ثانوية يف هولندا، تبني أن معظم املعلمني ال يمتلكون اسرتاتيجية حمكمة للتعلم والتعليم، حيث أمهلت القضايا اجلدلية من مناقشات الغرفة الصفية، مع العلم بأن املعلمني والطلبة لدهيم رؤى خمتلفة للعالم. وقد عب ا تتناقض مع ما يحملونه بعض الطلبة عن مشكلة يف فهم التعامل مع بعض املوضوعات ألهناسرتاتيجية تطوير إىل احلاجة يف الباحثني فرضية البحث نتائج وأكدت للعالم، رؤية من

(1) Ibid., Pp. 31-32.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 394: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

393

موضوع تعليم من لتمكينهم املعلمون يحتاجه ما سيام ال وتعليمهم، الطلبة لتعلم مناسبة التطور يف سياقات متعددة تأخذ رؤية العالم املوجودة عند الطلبة باحلسبان.)1(

إن سياسة تعليم املادة العلمية، مثل الكيمياء أو البيولوجيا أو اجليولوجيا، مع غياب التي بالصورة املوضوع عرض يوفر ال الدينية، العالم رؤية مع التعليم هلذا ربط أي بني مصادر التوازن التي تكشف عن الصورة املعلنة، ال سيام الرتبوية األهداف تتطلبها وجود احتاملية هي آخر، نوع من مشكلة ة وثم التكاملية. وطبيعتها البرشية املعرفة الديني بطريقة بالبعد العلمية وعالقتها املعرفة يعلم املهارة، املعرفة، ضعيف معلم قليل اك يحاول أن يقنع طالبه بأن املعرفة العلمية تتناقض هة، أو وجود معلم الديني شك مشو

مع املعتقدات الدينية.

للوجهني األمني املوضوعي العرض بفرصة التعليمية الممارسات بعض وتسمح املتعارضني للموضوع، بقدر مناسب من الفهم والتقدير هلام وبصورة عقالنية وأخالقية يف مهارات الكتساب وتدريبهم املنطقي التقويم الطلبة تعليم هو هنا واهلدف نفسه. الوقت التفكري النقدي، ليكتشفوا بأنفسهم احلجج التي تؤدي إىل قبول نظرية أو رفضها أو الوصول إىل القدر املمكن من الثقة هبا. لكن اخلطورة يف هذا النوع من التعليم هي االنحراف إىل ما معرفة إىل الوصول عىل القدرة عدم بأن والقول احلداثة«، بعد ما «نسبية عنارص من يعد تقرتح علامنية رؤية تحكمها التي املجتمعات ويف نتيجة. إىل الوصول تجنب يعني يقينية، هو املوقف يف احلياد أن عىل بالتأكيد احلالة، هذه إىل الوصول تجنب عادة الرتبوية اخلبة مسألة سياسية وإدارية يف داخل املدرسة، لكن لكل طالب أن يختار خارج املدرسة النتيجة التي يريدها. وال شك يف أن املعلمني بحاجة إىل التدريب املناسب للتعامل مع هذه املواقف

التي تقتيض العقالنية وعدم التعارض بني املنطق واإليمان.)2(

(1) Schilders, Mariska; Sloep, Peter; Peled, Einat & Boersma, Kerst. Worldviews and evolu-tion in the biology classroom, Journal of Biological Education, Vol. 43, Issue 3, 2009, Pp. 115-120.

(2) Ibid.

الفصل السابع تعليم رؤية العالم

Page 395: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

394

ن كان هلم إسهامات مهمة يف العلوم ومن اجلدير بالذكر أن كثريا من العلامء الغربيني ممويفرسوهنا الطبيعة يفهمون كانوا فقد الدينية. باملرجعية مؤمنني كانوا الطبيعية والفلسفة كام خلقها اخلالق، ومن هؤالء نيكوالس كوبرنيكوس Copernicus صاحب فكرة مركزية األرض إن لقوله الكنيسة حاكمته الذي Galileo وغاليلو األرض، من بدال الشمس Newton صاحب تفاحة اجلاذبية تدور، وسجنته رغم أنه تراجع مكرها عن قوله، ونيوتن وقوانني احلركة، وديكارت Descartes صاحب «مقال يف املنهج«، وليبنز Leibniz صاحب الزندقة كام الرياضيات. ومع ذلك فإن عددا منهم قد حرقوا بحجة التفاضل والتكامل يف

.Giordano Bruno كان من أمر جيوردانو برونو

وإذا كنا نجد اختالفات يف رؤى العالم الدينية، فإننا نجد كذلك اختالفات بني العلامء يف رؤى العالم العلمية، واملعروف أن النظريات العلمية ليست كاملة مائة يف املائة، وهذا ما

يجعل حركة البحث العلمي متواصلة ال تتوقف.

ثانيا: رؤية العالم يف تعليم العلوم يف العالم العريب

العام، التعليم مؤسسات يف العريب، العالم يف العلوم تعليم أهداف معظم تتضمن إشارة إىل وظيفة تدريس العلوم يف تعزيز اإليمان باهلل وتكوين الشخصية اإلسالمية، إضافة املعرفة واكتساب العلمي التفكري عىل التدريب من يحققه أن التدريس هلذا يمكن ما إىل

العلمية واملهارات العلمية، وعالقة العلوم وتطبيقاهتا التكنولوجيه باحلياة.

فمثال تنص أهداف تدريس العلوم يف اململكة العربية السعودية عىل: «تنمية العقيدة يف نفس التلميذ وترسيخ اإليمان باهلل يف قلبه عن طريق توجيهه ملشاهدة ما يف الكون الفسيح الطبيعية، الرائعة يف األشياء واألحداث الدقة من عظيم اخللق وعجيب الصنع، ومالحظة واكتشاف اتساقها التام وخضوعها الكامل للقوانني التي قدرها اهلل سبحانه وتعاىل«، و«محاية أجيالنا من خطر كبري يداهم عقيدهتم وهيدد استمساكهم بإسالمهم...« أما سائر األهداف واالستقراء االستنتاج عىل والتدريب التحيز، عن والبعد العلمي التجرد مثل: األخرى،

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 396: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

395

والبحث والتجريب وتنمية الروح العلمية، والتدريب عىل املنهج العلمي، فكل ذلك يرد يف أهداف تدريس العلوم ألنها أهداف يدعو إليها اإلسالم.)1(

وقد تبنت اململكة العربية السعودية رؤية اسرتاتيجية لعام 2030م، وقد ورد يف هيكلة أهداف هذه االسرتاتيجية ستة أهداف عامة أوهلا: «تعزيز القيم اإلسالمية واهلوية الوطنية«، وكانت الداللة العملية هلذا اهلدف هي «تعزيز الوسطية والتسامح«. وقد أجرى أحد الباحثني بحثا ميدانيا بعنوان: «تصور مقرتح ملتطلبات تطوير مناهج العلوم الطبيعية للمرحلة الثانوية نظر وجهة من 2030م السعودية العربية اململكة لرؤية االسرتاتيجية األهداف ضوء يف النتائج مالمح التصور املقرتح، وأوصت الدراسة املتخصصني يف تعليم العلوم« وأظهرت برضورة البدء بوضع برامج لتطوير مناهج العلوم الطبيعية يف ضوء االسرتاتيجية. ومن ثم فإن من الطبيعي أن ال تتناقض هذه املناهج مع اهلدف األول من أهداف االسرتاتيجية العامة

اخلاص بتعزيز القيم اإلسالمية.)2(

وتنص وثيقة «اإلطار العام للمناهج والتقويم« يف وزارة الرتبية والتعليم األردنية حول النتاجات التي يبنى عليها املنهاج الرتبوي، عىل أن هذه النتاجات تستند؛ «إىل تعاليم الدين اإلسالمي والدستور األردين ... ويتوقع من الطلبة بعد إهناء املرحلتني األساسية والثانوية –سبحانه وتعاىل- وإدراك حقيقة اإلسالم؛ أن يكونوا قادرين عىل: تمثل قيم اإليمان باهلل من نواحي العقيدة واألحكام، والشعائر، والعبادات، واملعامالت التي يقوم عليها، والوعي ومسلكا« خلقا العربية؛ اإلسالمية بالقيم وااللتزام وسلم، عليه اهلل صىل الرسول بسرية كام يوضع ذلك البند األول. ويأيت البند اخلامس من هذه النتاجات بصيغة: «إظهار األمانة

املحيسن، إبراهيم بن عبداهلل. تدريس العلوم: تأصيل وحتديث، الرياض: العبيكان، ط2، 1428ه )2007م(، )1(ص 85-83.

األمحدي، عل بن حسن بن حسني، تصور مقرتح ملتطلبات تطوير مناهج العلوم الطبيعية للمرحلة الثانوية يف ضوء )2(األهداف االسرتاتيجية لرؤية اململكة العربية السعودية 2030 من وجهة نظر املتخصصني يف تعليم العلوم، جملة

العلوم الرتبوية املجلد 30، العدد 3 1439 ه/ 2018م. انظر الرابط:- https://jes.ksu.edu.sa/en/node/6133# (Retrieved 7 July, 2020).

الفصل السابع تعليم رؤية العالم

Page 397: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

396

واالحرتام عند تعاملهم مع اآلخرين؛ سواء أكانوا من أبناء ثقافتهم ودينهم أم من ثقافات وأديان أخرى.«)1(

وعند صياغة أهداف تدريس العلوم يف املرحلة األساسية يف األردن وجدنا «وثيقة اإلطار العام والنتاجات العامة واخلاصة«، تنص يف بندها األول من النتاجات التعلمية املحورية ملبحث ا يعزز العلوم عىل: «فهم الكون ومكوناته عن طريق التدبر وتعرف القوانني التي تحكمه، ممالبنود األخرى، «العالم« يف عدد من أو «الكون« ويتكرر حضور مصطلح باخلالق.« إيمانه يف سياق نتاجات التعلم مثل: «إدراك أن العلم هو نتيجة جهود تراكمية يقوم هبا العلامء عند حل واسرتاتيجيات العلمي البحث مهارات و«استخدام املحيط«، العالم تفسري حماولتهم املشكالت واالستقصاء لدراسة الظواهر الطبيعة وفهم النواميس التي تحكم العالم الطبيعي وتسريه.« ونجد يف هذه النتاجات كذلك ما يشري إىل البيئة واملجتمع واحلياة اليومية والتعامل يف التفصيلية العلمية املادة بداللة البنود هذه صياغة وتتكرر القيم.)2( وتمثل اآلخرين مع املحاور اخلمسة للامدة العلمية، وتشمل هذه املحاور: الكائنات احلية وبيئاهتا، وجسم اإلنسان

والصحة، واملادة والطاقة، والقوة واحلركة، وعلوم األرض والفضاء.)3(

مجيع يف أدائها« ومؤرشات ومعايريها للعلوم واخلاص العام «اإلطار وثيقة: أما طبيعة هي: العلوم ملبحث جماالت سبعة حددت فقد األردن، يف العام التعليم مراحل وعلوم الفيزياء، وعلوم احلياة، وعلوم والفضاء، األرض وعلوم والتكنولوجيا، العلم جمال لكل وحددت احلياة.)4( وعادات البرشي، والنشاط والتكنولوجيا والعلم الكيمياء، ونجد العلمية. املوضوعات من عددا حمور ولكل املحاور، من عددا املجاالت هذه من

إدارة املناهج والكتب املدرسية. اإلطار العام للمناهج و التقويم، عامن: وزارة الرتبية والتعليم، ط2، 2013م، )1(ص 10-9.

إدارة املناهج والكتب املدرسية، اإلطار العام والنتاجات العامة واخلاصة )العلوم( ملرحلة التعليم األسايس. عامن: )2(وزارة الرتبية والتعليم األردنية، ط2، 2013م، ص 7.

املرجع السابق، ص84-10. )3(

الوطني املركز أدائها. عامن: للعلوم ومعايريها ومؤرشات العام واخلاص اإلطار الرتبية والتعليم، األردن. وزارة (()لتطوير املناهج، 2019م، ص 9.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 398: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

397

جمال يف وذلك العالم، برؤية مبارشة صلة له يكون قد ما واملحاور املجاالت خريطة يف ع إىل أربعة حماور منها حمور «منهجية البحث العلمي« «طبيعة العلم والتكنولوجيا: الذي تفربفهم خالهلا من العلم يسهم التي والطرائق العلمية، األفكار تاريخ موضوعاته ومن ومن العمل« «االستقصاء حمور كذلك املحاور هذه ومن عمله. وطريقة الطبيعي العالم موضوعاته «فهم دور النامذج واملعرفة العملية يف تفسري ظواهر الطبيعة،«)1( ويف جمال «العلم والتعايش املتبادل «االعتامد موضوع عن احلديث جاء البرشي« والنشاط والتكنولوجيا العاملي،«)2( ويف جمال عادات العقل، نجد حمور: «مهارات االستجابة الناقدة« ومن معايريه املعرفة مع يتسق ما وقبول واألدلة، الشواهد وتمييز تطرح، التي واملسائل القضايا «فهم

العلمية ورفض ما ال يتسق مع املنطق والعقالنية.«)3(

: «املهمة األساسية ومع ذلك فإن الوثيقة ترتك مساحة جيدة للمعلمني حيث ذكرت أنرون، ال كيف يحفظون، ولعل معلم العلوم يف تدريس العلوم هي تعليم املتعلمني كيف يفكهو املفتاح الرئيس لتحقيق ذلك، ولذا يجب أن يكون متميزا ملهام يف طريقة تدريسه وأسلوب تعليمه، قادرا عىل سد النقص يف الكتاب املدريس أو اإلمكانيات املادية والفنية األخرى... وينبغي أن تركز أساليب تدريس العلوم عىل إعداد متعلمني مثقفني علميا يمتلكون معارف علمية أساسية، ويتمتعون بالقدرة عىل فهم الظواهر واألحداث والعمليات من حوهلم.«)4(

ففي تدريسه. أسلوب يف املعلم يتبناها التي العالم رؤية تحضر أن املتوقع ومن لن للعالم إسالمية رؤية يحملون ممن املعلمني معظم يكون حيث اإلسالمية املجتمعات نجد أي مشكلة حني يعرض املعلم املادة، هبذه الرؤية وربام يضيف عبارات قرآنية مثل قوله سبحانه: ﴿ٱمث حج مج جح﴾ ]املؤمنون: 14[ ، أو ﴿ٱحط مظ جع مع جغ مغ أما .]13 ]اجلاثية: مت﴾ هب مب هئ مئ ﴿هي أو ،]11 ]لقامن: خفمف﴾ حف جف

املرجع السابق، ص 59. )1(

املرجع السابق، ص 61. )2(

املرجع السابق، ص 78. )3(

املرجع السابق، ص 226. )4(

الفصل السابع تعليم رؤية العالم

Page 399: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

398

فقد نجد من الديني، اإليامن بعدم املعلم رؤية توحي فيها قد يحمل التي القليلة احلاالت

الطلبة من يجرؤ عىل االعرتاض، أو ينقل اعرتاضه إىل معلم الرتبية اإلسالمية، أو إىل والديه،

وربام تتطور املسألة إىل حدود احلرية يف التفكري والتعبري، ثم تصل إىل اإلعالم أو إىل القضاء،

كام هو احلال يف الواليات املتحدة األمريكية.

غ الباحثون رضورة تدريس العلوم من منظور إسالمي يف األردن، باإلشارة إىل ويسو

رضورة توافق تدريس العلوم مع أهداف التعليم يف البالد، ذلك أن: «كوننا مسلمني يوجب

وإبراز الطالب لدى التناقض وإبعاد شاملة، إسالمية نظرة عموما احلياة إىل النظر علينا

االرتباط بني الدين وما يتعلمه الطالب من معلومات عرصية، واستعادة ثقة الطالب يف هذا الدين وفضله وسمو ترشيعاته.«)1(

نجد غزة/فلسطني، يف اإلسالمية اجلامعة يف الرتبية لكلية يتبع إلكرتوين موقع ويف

األهداف وثيقة ومنها املدارس، يف العلوم معلمي تستهدف التي الوثائق لبعض عرضا

العلوم ربط هو فيها األول واهلدف اإلعدادية، للمرحلة العلوم مادة لتدريس العامة

اإليمان وترسيخ نفوسهم يف اإلسالمية العقيدة تعميق عىل املتعلمني «مساعدة باإليمان:

باهلل يف قلوهبم، وتنمية اتجاهات إيجابية نحو اإلسالم، وذلك من خالل دراستهم خلصائص

دالة عىل عظيم قدرته وبالغ حكمته... ودعم آيات فيها من الكائنات احلية، وما أودع اهلل

الدنيا يف واحلياة واإلنسان الكون إىل الطالب نظرة هبا تستقيم التي اإلسالمية العقيدة

واآلخرة.« أما بقية األهداف فهي مما يمكن أن ترد يف سياق اجتامعي آخر، من حيث اكتساب

االتجاهات وبناء التفكري، يف العلمي واألسلوب العلمية، واملهارات العلمية، املعلومات وامليول العلمية، وتذوق العلم وتقدير العلامء...)2(

معايري البناء للمنهاج وطرق تدريس العلوم، عامن: دار يافا العلمية للنرش والتوزيع، 2013م، الفالح، فخري. )1(ص 273- 276.

موقع كلية الرتبية يف اجلامعة اإلسالمية يف غزة/ فلسطني. انظر الرابط: )2(- https://sites.google.com/site/amnaunv/ (Retrieved 9 Oct. 2020).

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 400: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

399

عن حديثا نجد الكويت، يف الصباح األمحد اهلل عبد لثانوية إلكرتوين موقع ويف باكتساب تختص أهداف جمموعة جمموعتني؛ يف مرتبة اجليولوجيا ملادة العامة األهداف الثانية املجموعة وهذه وامليول، والعادات االتجاهات بتنمية تختص وجمموعة املهارات،

تبدأ بالنص عىل »تقدير عظمة اخلالق بالتأمل يف خلقه.«)1(

العلوم تعليم أهدف من هدفا بوصفه العالم رؤية تعليم عىل الرتكيز ويتفاوت الطبيعية، يف املجتمعات اإلسالمية من بلد إىل آخر، ومن حقبة زمنية إىل أخرى، تبعا لدرجة اعتامد البامج الرتبوية يف كل بلد عىل اخلبة املحلية أو األجنبية، وللظروف التي يمر هبا كل ولكننا املحلية. وبراجمه التعليم أهداف عىل واإلقليمية الدولية الظروف تأثري وملدى بلد، الفلسفة بكيفية توظيف بلد املناهج يف كل به خمططو يتمتع الذي الوعي نقلل من أمهية ال العربية البالد معظم يف الرتبوية الفلسفة كانت فإذا والدينية. الفكرية ومرجعياهتا الرتبوية القرآن توجيهات تكون أن الرضوري من فإن اإلسالمية، املرجعية إىل تستند واإلسالمية

الكريم حارضة يف صياغة هذه الفلسفة وما ينبثق عنها من برامج ومناهج.

ثالثا: خربة إسالمية يف تعليم رؤية العالم العلمية

األكاديمي تخصصه بحكم الكتاب، هذا مؤلف خبة من يشء إىل يأيت فيام نشري اجلامعي، والتعليم العام التعليم يف العلوم وفلسفة العلوم تدريس يف العملية وخبته وحماولته االستفادة من توجيهات القرآن الكريم، يف بناء ما يراه «رؤية قرآنية للعالم« وموقع

تعليم العلوم يف هذه الرؤية.

ة معرفة علمية يلزم أن نميز يف املوضوع بني ما يقتضيه وصف األشياء عند تدريس أيالوصف ثالثة مستويات هي يقتضية تفسري سلوكها، ونميز يف والظواهر واألحداث، وما

احلقائق واملفاهيم والعالقات أو القوانني. أما التفسري فهو يتم عن طريق النظريات.

موقع إلكرتوين ملدرسة ثانوية عبد اهلل األمحد الصباح، انظر: )1(- https://bit.ly/2qNFN8h (Retrieved 7 July, 2020).

الفصل السابع تعليم رؤية العالم

Page 401: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

400

استعامل يف الدقة مدى إىل فيها يحتكم الوصف، عىل تقترص التي العلمية واملعرفة ع من دائرة الدقة يف عمل احلواس، ودرجة الضبط التجريبي احلواس أو األجهزة التي توسوالعوامل الذاتية واملوضوعية التي يمكن أن تؤثر عىل نتائج التجربة، إضافة إىل دقة الوصف يتجاوز فال العلم، عمل حدود مع يتناسب الذي اللغوي والتعبري والتحليل، والقياس

التعبري هذه احلدود ليدخل يف قضايا وجودية غيبية.

عن قانون حفظ املادة بعبارة: «املادة ال تفنى وال تستحدث،« كنا فمثال عندما كان يعبنقول للطلبة: هذا صحيح يف حدود ما يجده العلامء وعامة الناس، من املشاهدات التجريبية املحسوسة وأدوات القياس املتوفرة. ويمكن أن نأخذ باحلسبان أن الظاهرة موضوع البحث يعمل الذي البرشي، احلس جمال ضمن يقع ال الذي املادي البعد غري بعد هلا يكون ربام رؤية نأخذ وحتى واإلفناء. للخلق حارضة مثال سبحانه اهلل فقدرة التجريبي، العلم فيه العالم الدينية اإلسالمية باحلسبان، نضيف يف تعبرينا عن القانون عبارة: «طبعا هذا يف حدود «ضمن القانون مثل: القدرة البرشية« وربام يرغب بعض املعلمني يف إضافة عبارة إىل نص

القدرة البرشية«.

التفاعالت سيام وال التفاعالت، بعض أن أثبتت الدقيقة األجهزة استعامل إن ثم النووية، التي تتحول فيها املادة من شكل إىل آخر تكون كتلة املواد الناجتة من التفاعل أقل من كتلة املواد املتفاعلة. والفارق هو الكتلة التي تحولت من مادة إىل طاقة، فالطاقة هي أحد نواتج التفاعل، ولذلك كنا نعيد صياغة نص القانون عىل الوجه اآليت: «جمموع املادة والطاقة ة أمثلة عىل ذلك يف سائر جماالت املعرفة العلمية. وبمثل هذا الفهم ال يف الكون ثابت.« وثميجد معلم العلوم أي حرج يف عرض املادة العلمية بصورة علمية أمينة، وبام يمكن أن يعزز

اإليمان الديني، أو عىل األقل ال يتناقض معه.

ا يف جمال التفسري فاملسألة أسهل؛ إذ التفسري هو تقديم نظريات هذا يف جمال الوصف أميف املادة أصل عن التساؤالت ومعاجلة تسلكه، الذي الوجه عىل املادة سلوك سبب تبني وجودها األول، وما قد يكون هلا من مصري يف هناية األمر. والتفسري ال يتمتع بالقطع واليقني

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 402: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

401

بقدر من تتمتع العلمي الوصف كانت عمليات وإذا والنقض. والتغيري للتعديل ويخضع الثبات النسبي، فإن النظريات العلمية أكثر عرضة لالختالف بني العلامء يف العرص الواحد، وأكثر عرضة للتغري عب الزمن، وكم من هذه النظريات يف تاريخ العلوم انتهت إىل النقض تبقى وإنما إثبات، موضع ليست النظريات أن اليوم العلامء بعض يرى ولذلك الكامل. النظرية أو بعض أجزائها مقبولة ما دامت تفرس أكثر الظواهر ذات الصلة بموضوعها، حتى مع وجود بعض الشواذ التي ال تستطيع النظرية تفسريها. ولكن استمرار البحث واستعامل النظرية فتبدأ تفسريها، عن النظرية تعجز أخرى شواذ عن يكشف دقة، أكثر أجهزة باالختالل، وتبدأ احلاجة إىل تفسريات جديدة، أو نظرية جديدة، بالظهور، وتزداد حاالت الشواذ بالظهور والتفسريات اجلديدة يف التطوير، إىل احلد الذي تعدل فيه النظرية قليال أو

كثريا، أو تستبعد فيه النظرية القديمة تماما، وتصاغ نظرية جديدة تماما.)1(

العلم قدمه وما العلمي، واالكتشاف العلمي واملنهج العلم قيمة يف نشك ال ونحن ت، وال تزال تغري، من أنامط حياة الناس، فكل ذلك يف رؤية العالم من تطبيقات تقانية غرياإلسالمية هو مما دعا إليه القرآن الكريم، وحث عليه، وهو كذلك ما كان العقل املسلم يأخذ ة املؤمن فحيث وجدها فهو أحق به وبمنافعه دون حرج، انطالقا من باب أن «احلكمة ضالغري أنها من التأكد إمكانية األوىل زاويتني، من فيها ينظر العلمية النظريات لكن هبا.«)2(

Principle أو مبدأ ،Crioterion ونحن نشري يف هذا الشأن إىل نظرية كارل بوبر التي يطلق عليها غالبا مسمى معيار )1(النقض أو التقويض Falsification. وقد عرضها يف كتابه الذي صدر للمرة األوىل عام 1934م، وال تزال أفكاره

حارضة بقوة يف مناقشات فلسفة العلوم. انظر آخر طبعة للكتاب عام 2014م.- Popper ,Karl .The Logic of Scientific Discovery, London and New York: Routlege, 2014.

ة املؤمن فحيث وجدها فهو أحق هبا« حديث رواه الرتمذي وابن ماجه عن أيب هريرة ريض «الكلمة" احلكمة ضال )2(اهلل عنه، وللحديث رواية عن عل بن أيب طالب ريض اهلل عنه أوردها السيوطي يف اجلامع الصغري، وحكم علامء

احلديث أنه ضعيف أو حسن. ولكن ال خالف عىل أن معناه صحيح. انظر:

- الصنعاين، األمري حممد بن إسامعيل بن صالح بن حممد احلسني الكحالين ثم الصنعاين )تويف 1182ه(. التنوير د إبراهيم، الرياض: مكتبة دار السالم، ط1، )1432ه/2011م(، د إسحاق حمم غري، حتقيق: حمم ح اجلامع الص رشقال يف ج8، ص265، برقم )6444(، وفيه رواية أيب هريرة ريض اهلل عنه، وأخرى رواية ابن عساكر عن عل

بن أيب طالب ريض اهلل عنه.

تعليم رؤية العالمالفصل السابع

Page 403: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

402

صحيحة، فتقبل مؤقتا إىل أن تظهر نظرية أفضل منها، وهذا هو املنطق العلمي، والثانية أن النظرية تعمل يف إطار البحث العلمي التجريبي وال تدخل يف نطاق الغيبيات التي ال تخضع للتجريب، فام ثبت عند املسلم صحته من مسائل األحكام الرشعية يف العقائد واملعامالت، وما أخب عنه الدين من قضايا الغيب، نسلم به، مع البحث فيام يتضمنه من حكمة، دون أن ة ما ل النصوص الدينية يف القرآن الكريم أو احلديث النبوي غري ما تحتمل. وليس ثم نحميستدعي أن توضع النظرية العلمية يف مقابل مسألة اعتقادية، أو حكم رشعي، بل األوىل هو

البحث عن وجوه التكامل بني ميداين املعرفة البرشية.

ى يسم ما جمال يف احلديثة املقوالت من كثري من احلذر إىل ملحة حاجة نرى ونحن أن يمكن إذ النبوية؛ السنة أو الكريم القرآن واملوسيقي... يف والعددي العلمي باإلعجاز ، فال يعود الربط بني يقع أصحاب هذه املقوالت يف مشكلتني؛ األوىل: أن نتائج العلم تتغريا يسمح بالتشكيك يف مصداقية النص، واملشكلة النص القرآين والنتيجة العلمية ذا معنى، ممم أو انتقاء أو تذوق شخيص الثانية أن عرض النتيجة العلمية يرافقه يف كثري من األحيان تحكمعنى تحديد يف أو احلساب، يف ومشتقاهتا األلفاظ اعتامد يف أو العلمية املعرفة صياغة يف جسيمة. أخطاء عىل مبنية التوافق إظهار حماولة تكون وقد التوافق، ليظهر القرآين النص

ويكفي بعض التأمل والتدبر يف الكشف عن مثل هذه األخطاء.)1(

نصوص بعض مع أحيانا العلمية واملعرفة العالم رؤية بني الربط جهود وتتداخل الرتاث العلمي والثقايف اإلسالمي. ومن ذلك عىل سبيل املثال أن اجلدل املتصل حول نظرية التطور العضوي يف تفسري نشأة احلياة واإلنسان، تتضمن كثريا من املالحظات واملشاهدات به قال ا مم والوظيفة، التعقيد يف وتدرجها احلية املخلوقات رتب تصف التي امللموسة،

القرآن يف أن الكريم، القرآن يف العددي اإلعجاز مصطلحات استهوهتم الذين والدعاة، الكتاب بعض يزعم )1(واملرأة، وذلك والرجل والقمر، والشمس والنهار، الليل مثل: املتقابالت لبعض العدد متساوية ألفاظ الكريم، غري صحيح. فبعض هذه احلسابات العددية مبنية عىل االنتقاء إلثبات صحة وجهة النظر املحددة سلفا. وبعضها لفظ يعتمدون عندما السنة أيام عدد هو اليوم لفظ ورود مرات عدد أن ذكروا فمثال فاضحة. جهالة عن يعب لكانت و«يومكم« و«يومهم«، «يومئذ«، ألفاظ اعتمدوا ولو العدد 365، ليأيت غريمها، دون و«يوما«، «اليوم«،

النتيجة خمتلفة.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 404: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

403

عدد من علامء اإلسالم مثل ابن خلدون، ومن قبله اجلاحظ، والبريوين، واملسعودي، وابن John Dreper مسكويه، وابن طفيل، والقزويني، وإخوان الصفا.)1( ويبدو أن جون دريبها صياغة لنظرية التطور الذي قال هبا داروين. ودريب اطلع عىل كتابات هؤالء العلامء، فعدهذا هو فيلسوف وطبيب وكيميائي أمريكي، وكان معارصا لداروين تويف 1882م، وانتقد املصادر تقوله ما رفض ولكنه اإلنسان، وأصل الكون أصل عن يقال ملا الكنيسة رفض اليهودية واملسيحية عام مىض من عمر اإلنسان عىل األرض الذي تقدره هذه املصادر ما بني مخسة آالف إىل ستة آالف سنة. ولفت النظر إىل أن املسلمني اتخذوا موقفا خمتلفا، وتحدثوا عن نظرية التطور التي سامها: «النظرية املحمدية لتطور اإلنسان من األشكال الدنيا، تطورا

تدرجييا حتى وصل إىل حالته احلالية يف زمن طويل.«)2(

ونحن ال نرى أن ما كتبه العلامء املسلمون هو دليل عىل التطور الدارويني يف تفسري نشأة والوظيفة، التعقيد يف وتدرجها احلية الكائنات لرتب وصف هو ما بقدر واإلنسان احلياة خلق عن تحدث سبحانه اهلل أن يعلمون فاملسلمون املحسوسة. بخبتنا ذلك نشهد كام السموات واألرض، وأنه جعل هلذه املخلوقات سننا إهلية كونية، ويعلمون أن اهلل سبحانه خلق اإلنسان، ونفخ فيه من روحه، وبني وظيفته يف هذه احلياة، وكل ذلك من الغيب. لكن جس مخ جخ قال سبحانه: ﴿مح لذلك اإلنسان، يشهد خلق ل الناس أحدا من البرشي عىل باجلهد اخللق بدء معرفة إىل فال سبيل ]51 ]الكهف: حص﴾ مس خس حس

بدء عن والتجربة، واملشاهدة بالفكر إليه يصل أن لإلنسان يمكن ما فكل اليقني، سبيل ا ما كان الكون وبدء احلياة فهو من العلم بظاهر احلياة الدنيا، وهو علم يكتنفه القصور. أمبه، ونحاول فهم بام أعلمنا اهلل الغيب يف بدء اخللق أو يف هنايته يف اآلخرة، فنؤمن أمر من

معقوليته من جهة، وقيمته يف حياتنا من جهة أخرى.

ابن خلدون، هامش 287 من اجلزء األول. وقد ذكر فيها أسامء هؤالء، الواحد.يف حتقيقه ملقدمة وايف، عل عبد )1(واستشهد بمقتبسات من نصوصهم يف مسألة ارتقاء الكائنات مع التوثيق. انظر:

- ابن خلدون. املقدمة، مرجع سابق، ج1، ص 413-411.(2) Dreper, John WilliamThe Conflict Between Religion and Science, p.188. Electronic copy

of the book is available at the link:

- https://www.gutenberg.org/files/1185/1185-h/1185-h.htm (Retrieved 7 July, 2020).

تعليم رؤية العالمالفصل السابع

Page 405: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

404

بعض« إىل املوجودات بعض «استحالة إمكانية إىل أملح خلدون ابن فإن ذلك ومع

يتحدث وهو خلدون، ابن أن يف نشك ال لكننا التطور. بمعنى الباحثني بعض ه فرس مما

عن مشاهدات الكائنات املحسوسة، يتحدث كذلك عن الغيب واملالئكة واألنبياء، فرؤيته

وإنما اإلهلي، التدبري إىل تحتاج ال التي الذاتية القوة يعني ال وعجائبها الكائنات لرتب

نة يف طبائع األشياء والسنن الكونية اإلهلية. يتحدث عام وضعه اهلل سبحانه من فطرة مستك

فإذا كانت املشاهدات العلمية تكشف عن دالئل يف التطور، فتلك إرادة اهلل يف خلقه وتدبريه

فيه. ثم إن فكرة ابن خلدون يف نظريته عىل االستحالة هي حماولة فهم قضايا التواصل بني

عال الغيب وعالم الشهادة، مثل تلقي األنبياء وهم من عالم البرش، ما يأتيهم من الوحي عن

اهلل اخلالق سبحانه. املخلوقات من املالئكة وهم من عالم يتلقاه املالئكة. وما طريق عالم

فالنبي طبيعته. إىل عالم كل فيها يعود مؤقته حاالت واملالئكة األنبياء حق يف ذلك وكل

رتب من نجده ما وكل البرشية. حالة عىل يثبت ال والملك الملكية، حالة يف يستقر ال

املخلوقات والتدرج والتواصل هو من الـجبلة التي فطر اهلل هذه املخلوقات عليها.

مستحاثات او بقايا للجيولوجيا دراستنا أثناء يف العلمية رحالتنا يف رأينا وقد

اهلل سبحانه بثها التي املتعاقبة الصخرية الطبقات احلية يف الكائنات fossils من أصناف

عب العصور، ﴿ٱجع مع جغ مغ جف حف خف مف حق مقجك﴾، ]الشورى: 29[ فمن

هذه الدواب املبثوثة ما بقي عب العصور، ومنها ما اختفى، ومنها ما ظهر ول يكن موجودا،

كنا بالتطور، ذلك يفرس الفرنيس األستاذ كان وجوده، وحني اإلنسان يعرف يكن ل أو

نفهم ذلك أن اهلل عز وجل خلق، وال يزال خيلق، خلق هذه الكائنات يف درجات ورتب

من التغري والتنوع والتطور.

بعض معها والدواب وذكر األنعام من اهلل سبحانه ما خلقه الكريم القرآن ذكر وقد

]النحل: 8[؛ يي﴾ ىي مي وجوه االنتفاع هبا، ثم عقب عىل ذلك بقوله سبحانه: ﴿خي

لكم وييرس اآلن، تعلمونه ال مما أخرى أشياء لكم خيلق سبحانه اهلل أن املعنى يكون وقد

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 406: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

405

مما بكثري أكثر واملصالح املنافع أشكال من فيها سيكون ما واالخرتاعات االكتشافات من تعلمونه اآلن من تيسري اخليل والبغال واحلمري لرتكبوها.)1(

املستقبل من سبل أبواب يفتح هلم ما العال للناس من رؤية اهلل سبحانه يبني وبذلك يي﴾: ىي مي ﴿خي تعاىل: قوله عىل تعقيبه يف عاشور ابن يقول واالخرتاع. العلم ما هو فيدخل يف ذلك اآلن، يعلموهنا «و«يخلق« مضارع... ويخلق هلم خالئق أخرى ال جمهولة كانت التي أخرى... أمم عند معلوم وهو للمخاطبني معلوم غري أو معهود غري خالق هو أي للتجديد؛ احلال يف مستعمال املضارع فيكون القرآن، نزول وقت يف للناس ويخلق ... فالذي يظهر يل أن هذه اآلية من معجزات القرآن الغيبية العلمية، وأنها إيماء إىل أن اهلل سيلهم البرش اخرتاع مراكب هي أجدى عليهم من اخليل والبغال واحلمري،... فكل هذه خملوقات نشأت يف عصور متتابعة ل يكن يعلمها من كانوا قبل عرص وجود كل منها. وإهلام اهلل الناس الخرتاعها هو ملحق بخلق اهلل، فاهلل هو الذي أهلم املخرتعني من البرش بام جوا يف سلم احلضارة واقتباس بعضهم من بعض فطرهم عليه من الذكاء والعلم، وبام تدر

إىل اخرتاعها، فهي بذلك خملوقة هلل تعاىل، ألن الكل من نعمته.«)2(

أقىص إىل واالخرتاع واالكتشاف العلم يف يسعى أن املسلم للعقل دعوة وهذه والبامج اخلطط يضع وأن احلقائق، له ف تتكش أن إىل السعي هذا يف يصب وأن طاقته، بقصص االستشهاد ويمكن املنشود. لإلنجاز الالزم بالصب ويتحقق والتجريبية البحثية وشواهد من القرآن الكريم عىل مواقف العلم والتعليم ووضع خطط حل املشكالت، وبناء

الصناعات، وبذل اجلهود التي حتتاج إىل وقت وصب ومعاناة.

ونحن نستطيع أن نتخيل أن نبـي اهلل نوحا عليه السالم قىض وقتا طويال وهو يصب عن اه، ويصب عىل ما كان يعانيه من نصب وهو يصنع السفينة املناسبة للهدف الذي أهلمه اهلل إي

قال سبحانه: ﴿ٱمج جحمح جخ مخ جس حس خس مس حص خص مص جض حض خض مض )1(حط مظ خل مل ىل يل جم حم خم مم ىم يمجن حن خن من ىن ين جه مه

ىه يه جيحي خي مي ىي يي﴾. ]النحل: 8-5[.

ابن عاشور، حممد الطاهر. تفسري التحرير والتنوير. تونس: الدار التونسية للنرش، 1984م، ج 14، ص 111-110. )2(

تعليم رؤية العالمالفصل السابع

Page 407: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

406

القرنني ذا أن نتخيل أن ماء. ونستطيع فيها ليس صنعه سفينة يف أرض الناس من سخرية يأجوج من محايتهم منه طلبوا الذين القوم من مساعديه ه يوج وهو كبريا جهدا بذل قد ومأجوج، ويرسم هلؤالء املساعدين خطة بناء السد الذي يقيهم من إفساد يأجوج ومأجوج، حائط لتشكيل والنحاس احلديد صهر اخلطة وتضمنت اخلطة، تلك تنفيذ عىل يرشف ثم معدين أكثر صالبة وأطول عمرا من أي من احلديد أو النحاس منفردين. ونستطيع أن نتخيل نبي اهلل داود عليه السالم وهو يصنع الدروع املعدنية بدقة متناهية، ﴿ٱىك يك مل ىل

يل اممم﴾. ]سبأ: 11[.

ة من يستطيع أن ينفعه بيشء من العلم، أما نبي اهلل موسى عليه السالم، فحني علم أن ثمحقبا من األعوام، ﴿جف البحث استمر لو املعلم دون توقف، حتى يبحث عن هذا أن قرر ]الكهف: 60[ وبدأ رحلته يف البحث مسافرا، حف خف مف حق مق جك حك خك﴾

]الكهف: 62[ حن﴾. جن يم ىم مم خم حم مبلغه: ﴿جم التعب منه بلغ حتى ووافق عىل رشط املعلم يف الصب عىل ما ال علم له به، حتى يتعلمه ﴿ٱحئ خئ مئ هئ

جب حب خب مب هب جت﴾. ]الكهف: 69[.

بقراءتني سبحانه اهلل ألمر استجابته نتيجة هي املسلم، عند العلمية العالم فرؤية متالزمتني: فقد جاء األمر بقراءة آيات اهلل يف آفاق العالم املشهود، وجاء األمر بقراءة آيات ة يف كتابه. كام نجد ذلك واضحا يف اآليات اخلمس األوىل التي نزلت عىل النبي اهلل الـمتلومن لنوعني مرتني، بالقراءة تأمره وكانت الكريم، القرآن من وسلم عليه اهلل صىل حممد من زن رن مم ام يل ىل ﴿ٱمل اخلالق: اهلل باسم القراءة األول النوع القراءة، نن ىن﴾. ]العلق: 1-2[. والنوع الثاين هو القراءة ملا يكتبه القلم من علم وتعليم: ﴿ٱى ري

زي مي ني ىي يي جئ حئ خئ مئ هئ جب﴾. ]العلق: 5-3[.

القراءة، من النوعني هذين فهم يف واحلارض املايض يف العلامء من كثري اجتهد وقد مم ام يل ىل مل يك ىك ﴿ٱمك املتلوة: القرآنية اآليات بني فميزوا الطبيعة عوالم املخلوقة: العوالم آفاق يف املشهودة واآليات ،]34 ]األحزاب: رنزن﴾

وتنوعها، وعوال االجتامعي البرشي وتعددها، وعوال النفس وأغوارها.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 408: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

407

مئات يف ذكرها وكرر املشهودة لآليات القراءة بيان يف الكريم القرآن فصل وقد املواقع وجاءت بصيغ متعددة منها: ﴿نب ىب...﴾ أو ﴿ام مم رن زن...﴾. ونختار مقطعا واحدا مما ورد يف سورة الروم: ﴿نب ىب يب رت زت مت نت ىت يت رث زث مث نث ىث يث ىف يف ىق يق اك لك مك ىك يك

مل ىليل ام مم رن زن من نن ىن ين ى ري زي مي

ني ىي ييجئ حئ خئ مئ هئ جب حب خب مب هب جت حت

خت مت هتمث حج مج جح مح جخ مخ جس حس خس مس حص

خص مص جض حض خض مض حط مظ جع مع جغمغ جف حف خف مف حق

اهلل آيات يف ع التنو مشاهدة إىل للدعوة نموذج اآليات فهذه ]24-20 ]الروم: مق﴾ واالجتامعية الطبيعية الظواهر يف والتأمل اإلنسان، وخلق واألرض، السموات خلق يف أدوات وإعامل والتعقل، والتعلم التفكر دواعي من وأمثاله كله ذلك واعتبار والنفسية، املسطور النص عىل لتدل القرآن يف )آية( لفظ استعامل هنا ونالحظ واإلحساس. الوعي يف املصحف، وعىل أشياء العالم الطبيعي وظواهره، وعالقات العالم االجتامعي وتغرياته،

وانفعاالت العالم النفيس وخفاياه.

بدء اخللق، ﴿مي للنظر والبحث يف السري يف األرض الكريم إىل القرآن وعندما يدعو النظر ]العنكبوت: 20[ فكأن اهلل سبحانه يلفت مئهئ﴾ خئ حئ جئ يي ىي ني

فيها، مستكشفا التي يسري ما قد جيده اإلنسان يف األرض به عن اخللق، وإىل ما أوحى إىل احلياة آثار ولريى ،Fossils واملستحاثات واآلثار البقايا يف وباحثا املتنوعة، للمخلوقات القديمة وصورها املنقوشة أو املتحجرة. وباملثل عندما يدعو القرآن الكريم اإلنسان إىل رؤية ه اإلنسان إىل رؤية آيات اهلل يف اآلفاق ويف األنفس؛ أي علوم الكون وعلوم النفس، فإنه يوجللعالم تقوم عىل التكامل بني علوم العالم املادي يف ظواهره املحسوسة، وما خفي من عالم األشياء الدقيقة، وما عظم من اآلفاق يف أقطار الساموات واألرض، من جهة، وعلوم الوحي يف له ويحم للمعرفة، مصادر ليستعملها اإلنسان يف والوعي اإلدراك أدوات تستفز التي

النهاية مسؤولية هذا االستخدام ونتائجه، من جهة آخرى.

تعليم رؤية العالمالفصل السابع

Page 409: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

408

يف القطعية األحكام عن لنا يكشف الكريم. القرآن يف اآليات نوعي يف التأمل إن بعض املسائل كام تبينها «اآليات املسطورة«، لكن هذه اآليات املسطورة نفسها تلح عىل فهم البرشي، وطوايا التاريخ املادي، وأحداث العالم آفاق تتبعها يف املنظورة« وعىل «اآليات التي تحكم وجود األشياء وتغرياهتا القوانني والسنن النفس اإلنسانية، من أجل اكتشاف والرتبوية، النفسية والعلوم االجتامعية، والعلوم الطبيعية، للعلوم يؤسس مما وأحداثها،

وسائر أنواع العلوم.

«يدعو ويوضح ابن قيم اجلوزية مسألة التكامل بني نوعي اآليات القرآنية، وأن اهلل سبحانه عباده يف القرآن إىل معرفته من طريقني: أحدمها: النظر يف مفعوالته، والثاين: التفكر يف آياته وتدبرها؛ ىف يث ىث ﴿ٱنث األول:كقوله: فالنوع املعقولة. املسموعة آياته وهذه املشهودة، آياته فتلك القرآن. يف كثري وهو ...»]190 عمران: ]آل ىك﴾ مك لك اك يق ىق يف

كثري وهو ]29 ]ص: ﴾ ﴿ كقوله: والثاين أيضا...فمفعوالته من أدل يشء عىل صفاته، وصدق ما أخبت به رسله عنه، فاملصنوعات ق اآليات املسموعات، منبهة عىل االستدالل باآليات املصنوعات... قال تعاىل: شاهدة تصد﴿مغ جف حف خف مف حق مق جك حك خك لكمك﴾ ]فصلت: 53[؛ أي: إن

ة حق، ثم القرآن حق؛ فأخب أنه ال بد أن يرهيم من آياته املشهودة ما يبني هلم أن آياته املتلورسوله؛ صدق عىل والباهني الدالئل من أقام بام ه، خب ة صح عىل شهادته، بكفاية أخب

فآياته شاهدة بصدقه، وهو شاهد بصدق رسوله بآياته.«)1(

ابن قيم اجلوزية، أبو عبداهلل حممد بن أيب بكر )تويف751ه(. الفوائد، حتقيق حممد عزير شمس، مكة املكرمة: دار عال )1(الفوائد للنرش والتوزيع. ط1، 1429ه، ص 28-29. )بترصف(

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 410: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

409

خاتمةن الرؤية العلمية للعالم. وإن إن رؤية العالم الدينية يف املنظور اإلسالمي ال بد أن تتضمن رؤية دينية للعالم، تقود إىل خشية العلامء هلل سبحانه؛ الرؤية العلمية للعالم ال بد أن تتضمالناس بالعلامء، فإن سياق تلك اخلشية هو العلوم فحني حرص اهلل سبحانه من يخشونه من والفلك واحليوان والنبات والكيمياء الفيزياء علوم من اليوم نعرفه بام والكونية الطبيعية عدد بعد سبحانه هلل العلامء خشية إىل اإلشارة جاءت وقد واجليولوجيا. اجلوية واألرصاد الناس، وإرسال أرزاق السموات واألرض، وخلق ثت عن خلق الكونية، تحد من اآليات الرياح بالسحاب وإحياء األرض بالنبات، وخلق اإلنسان من تراب وجعل الناس أزواجا، وتقدير احلمل والوضع والتناسل وتقدير اآلجال واألعامر، واختالف مذاق املاء يف البحار، ألوان واختالف والقمر، الشمس وتسخري والنهار، الليل وإيالج مسخرات، من فيها وما الثمرات مما تنبته األرض من ماء السامء، واختالف ألوان اجلبال وطبقاهتا، واختالف ألوان

الناس والدواب واألنعام...

النظر والتفكر والتأمل واالعتبار، وهو دعوة إىل وهذا السياق املتواصل هو دعوة إىل والكائنات املادة علوم من والتجربة، املشاهدة بطول اإلنسان، يكتشفه ما وتدوين تسجيل توظيفه من قوانني وسنن، وما يمكن يتصل بسلوكها وظواهرها من احلية، وما احلية وغري مصالح وفوائد لإلنسان املستخلف فيها. وبعد كل ذلك جاء قوله سبحانه: ﴿جس حس خس الكونية املسائل العلم هبذه اكتسبوا من العلامء هم فهؤالء ]فاطر: 28[. خص﴾. حص مس

هلذه احلق التعلم وأن العموم. وجه عىل العلامء وسائر اخلصوص، وجه عىل إليها املشار املسائل سوف يقود أصحابه إىل خشية اهلل عز وجل.

ر الفرتاض أي تناقض بني الدين والعلم، وال بني املتخصصني ولذلك ال نجد أي مبهبام واملعتمدين عىل حقائقهام. فالعالم احلق هو الذي يجمع الرؤيتني، وقد كان العلامء من كل األديان والـملل يستطيعون هذا اجلمع إىل حد كبري، لكن التوسع اهلائل يف املعرفة، جعل من

تعليم رؤية العالمالفصل السابع

Page 411: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

410

املتعذر عىل العالم الفرد أن يحيط بام يلزم هلذا اجلمع، فأصبح التكامل يف جهود املتخصصني باملعرفة الدينية، واملتخصصني باملعرفة العلمية أمرا رضوريا، ويتم هذا التكامل باحلوار بني الفريقني، والعمل املشرتك بينهام، فكل فريق يتعلم من الفريق اآلخر، والفريقان معا قادران

عىل فهم ما ال يستطيع أي منهام فهمه منفردا.

يعزز ما أهدافها يف تضع اإلسالمية املجتمعات يف العلوم تدريس مناهج كانت وإذا أهداف يكون من أن الواجب كذلك من فإن إليه، ه به ووج أخب وما باهلل سبحانه اإليمان تدريس العلوم معرفة طبيعة العلم وحدوده، إضافة إىل ما ال خالف فيه من اكتساب املعرفة ذلك توظيف عىل والتدرب واالستقصاء، والبحث التفكري عمليات يف الكافية واملهارة والنهوض والتقدم التنمية برامج يف الفاعل واإلسهام الفردية، احلياة يف العلم تطبيقات يف

احلضاري.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 412: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

411

الخاتمة

اآلن وقد وصل القارئ الكريم يف رحلته مع املؤلف إىل هذا املدى، فقد آن للمؤلف أن يستميح القارئ عذرا إن لم يجد ما كان يبحث عنه، أو إن وجد نقصا أو تقصريا أو خطأ، أو شيئا من املشقة يف بعض مراحل هذه الرحلة، فذلك ما تيرس للمؤلف من جهد واجتهاد، ويسأل اهلل أن يكتب له أجر املحاولة. فاملوضوع كام آمل أن يكون قد تبني للقارئ أنه ليس أن بذلك وأعني الالحب. الطريق حمطات من حمطة هو وإنما الرحلة، يف النهائية املحطة املوضوع ليس تخصصا حمددا من التخصصات املألوفة التي يشعر القارئ أنه اكتسب ما كان يطلبه فيه وتحقق له الغرض منه. واملؤلف سيكون يف غاية السعادة إذا ولدت قراءة الكتاب عند القارئ رغبة يف االهتامم باملوضوع، ومواصلة البحث فيه، أو أثارت لديه أسئلة لم يجد يف الكتاب إجابات عنها، فواصل السعي بحثا عن إجابات وعن أسئلة أخرى، ألم نقرأ يف

: «العلم خزانة ومفتاحها السؤال«؟! تراثنا، ونشهد يف حياتنا أن

ر، وعلم كان موضوع هذا الكتاب «رؤية العالم« وتبني لنا أن الرؤية هي وعي وتصووعمل، وأن العالم هو الكائنات املخلوقة احلية واجلامدة؛ ومنها اإلنسان فردا ومجاعة، وذكرا وأنثى، وشعوبا وأمما، وثقافات وحضارات؛ وأن رؤية العالم هي تصورات عن وجود هذه وموته، وحياته وجهله، وعلمه ووظيفته، اإلنسان وطبيعة ومصريها، أصلها يف الكائنات ه طريقة بناء نظام حياته، وتوج ه. وهي تصورات ومعتقدات تعني اإلنسان يف وخريه ورشيف العالم« «رؤية مصطلح اخرتنا أننا ومع وعالقاته. مشاعره وتصوغ وسلوكه، تفكريه يف استعامال واألكثر املقصودة، الداللة إىل األقرب ألنه نظرا الكتاب؛ ملحتويات عرضنا متعددة مصطلحات يف حارض املفهوم أن نوضح أن علينا كان فقد املعارصة، الكتابات

أخرى، أرشنا إليها يف مواقعها.

أو ديني، مصدر من بلغه ما عىل للعال رؤيته بناء يف يعتمد يزال وال اإلنسان وكان يسود يف جمتمعه من ما ب يترش األحيان كثري من ولكنه يف أو بحث علمي. فلسفي تفكري

Page 413: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

412

هذه د تعد ومع والعالقات. املشاعر وأنواع والسلوك، التفكري وأنامط التصورات تلك من وليس البرشية. املجتمعات يف فها تعر يمكن التي العالم رؤى د تتعد عها وتنو املصادر السهل أن نتحدث عن أي فرد أو مجاعة أو جمتمع دون رؤية للعالم. سواء أكانت رؤية العالم هذه رصحية واضحة بنيت بصورة واعية، أم كانت خفية تم ترشهبا دون وعي وإدراك، وقد يكون وضوح رؤية العالم بصورة يسهل التعبري عنها، أو يحتاج خفاؤها إىل قدر من البحث

والتحليل للكشف عنها.

هبا بطريقة تدرجيية دون وعي، هي واإلشارة إىل أن رؤية العالم قد يتم اكتساهبا أو ترشمهمة، مسألة الوعي« هذا بأمهية «الوعي إن قلنا ولذلك معياريه، وليست وصفية مسألة ق بكرامته ليس يف فهم اإلنسان لنفسه وميوله ومواقفه وحسب، وإنما يف سعي الفرد للتحق

اإلنسانية، واإلسهام يف النهوض بمجتمعه.

باهلل اإليمان رأسها عىل يقوم العنارص من جمموعة ن تتضم اإلسالمية العالم ورؤية الواحد اخلالق املدبر لشؤون خملوقاته، واالعتقاد بأن اهلل سبحانه خلق اإلنسان ليكون خليفة يف األرض للعبادة والعمران، وأنه سبحانه أرسل الرسل واألنبياء هلداية البرش إىل ما أراده هلم من مصالح ومنافع، وأن اإلنسان مسؤول عن سعيه يف هذه الدنيا، وأن حسابه عىل هذا متطلبات لتلبية ماديا عمرانا يتضمن األرض يف العمران وأن اآلخرة، يف سيكون السعي البرشي االجتامع متطلبات لتلبية معنويا وعمرانا ،... وتجارة، وصناعة زراعة من احلياة من أمن وحرية وعدالة،... وكل ذلك يحتاج إىل السعي املتواصل يف ميادين املعرفة والعلم، ترقية صور االجتامع اإلنساين يمر هبا اإلنسان يف التي واالستفادة من اخلبات والتجارب

والعمران البرشي.

ونحن نرى أن رؤية العالم اإلسالمية هبذه الصورة من البساطة والوضوح كانت هي السائدة يف املجتمعات اإلسالمية يف معظم مراحل التاريخ اإلسالمي، وهي ال تزال األكثر املستوى عىل حارضة تزال وال كانت املشكلة لكن املجتمعات، هذه يف وانتشارا حضورا )الثيولوجي(، وهو حمض تصور الكالمي- النظري- االعتقاد الرؤية؛ أي األول من هذه

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 414: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

413

اآلخرين، املستويني بحضور إال وفاعليتها أثرها الرؤية هذه تستكمل وال للعالم، ذهني فاملستوى الثاين هو التطبيق العمل السلوكي بصورة من االلتزام الفكري )األيديولوجي(، مع التساوق هو الثالث واملستوى معه، التعامل من صورة يستوجب العالم من وموقف ما وهو )اإلمبيقي(، الواقع يف الفاعلة القوى بناء طريق عن واملكان الزمان متطلبات يستدعي بناء خطة لتغيري العالم جلعله بيئة أفضل حلياة اإلنسان، كام أوضحنا ذلك يف الفصل

الثاين، والفصل الرابع من الكتاب.

وإذا كانت رؤية العالم اإلسالمية هبذه الصورة من البساطة والوضوح، أكنا بحاجة إىل العالم األخرى؟! ولم بذلنا جهدا كبريا يف حماولة الكشف عن تمثالت احلديث عن رؤى رؤى العالم يف املعتقدات والفلسفات املختلفة، ويف العلوم واملجاالت املعرفية املختلفة، ويف تصبغ تكاد التي للعولمة الطاغية الثقافة ويف املختلفة، واملجتمعات اجلامعات ممارسات

عاملنا املعارص؟!

لقد كان عرضنا ملفهوم رؤية العالم وحضوره يف الكتابات املعارصة وألوان اخلطاب، رؤى يف ع والتنو د التعد وتبني املعارصة، الثقافات فهم يف تحليل وحدة استعامله وأمهية العالم التي تستند إليها هذه الثقافات، جزءا من اإلجابة عن تلك األسئلة؛ فليس من السهل وللمرجعيات فيه، الفاعلة للقوى وإدراكنا له فهمنا دون املعارص الواقع مع نتعامل أن ة، ي الفكرية هلذه القوى، وليس من السهل كذلك أن يتم ذلك التعامل، بحكمة وكفاءة وند

دون االستناد إىل رؤيتنا للعالم، وجعلها مفهومة وواضحة لكل من نتعامل معه.

د يف رؤية العالم، ألسباب ختتص بالدين أو الفلسفة أو وقد تبني لنا أن مالحظة التعدالعلم، ل يكن يعني بالرضورة اختالفا كليا بني رؤية وأخرى، فبعض الرؤى تشرتك يف بعض العنارص، وتختلف يف عنارص أخرى، مثلام أن األديان تشرتك يف عنارص وتختلف يف أخرى، ومثلام نجد مشرتكات بني الدين والفلسفة، وبني الدين والعلم، وبني الفلسفة والعلم. وقد تصلح هذه املشرتكات أساسا لقدر من التعاون والتعايش بني اجلامعات أو بني املجتمعات،

اخلامتة

Page 415: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

414

بناء فطرية يف والتعدد ظاهرة فاالختالف للعالم، الكلية رؤيته أحدها عن يتنازل أن دون الكون، ويف الوجود البرشي.

يف املطاف هناية يكون لن معني موضوع يف مؤلف أو باحث مه يقد جهد أي إن ثم ذلك املوضوع، فليس للعلم يف أي موضوع حد ينتهي إليه، والعالم الذي يصل إىل قدر من ف العلم يف موضوع اهنمك يف بحثه، ووصل إىل بعض اجلديد من العلم فيه، قادر عىل تعرالثغرات التي ال تزال مفتوحة فيه. ويأبى اهلل أن تكون اإلحاطة بالعلم لغريه سبحانه. فعند حديثنا عن رؤية العالم عند ابن خلدون مثال أرشنا إىل قيمة مقارنة هذه الرؤية برؤى غريه من علامء املسلمني، وهذه املسألة ليست حمض مسألة تارخيية تراثية، وإنما هي مسألة مهمة يف تطوير منهج تعامل العقل املسلم مع األمور، وهو منهج مفتوح للبناء والتطوير، يقودنا يف هذا التطوير جمموعة من المعالم، أحدها خبة الرتاث اإلسالمي وعلامئه يف التعامل مع مستجدات الزمان واملكان والتفاعل من متطلبات الواقع، والبحث يف التكامل بني خبات العلامء من املدارس الفكرية املختلفة يف التعبري عن منهج العقل املسلم بصورة إمجالية، قد ال

نجدها عند آحاد العلامء.

ألسباب فيها، العالم رؤية حضور يف للنظر االجتامعية العلوم اخرتنا قد كنا وإذا تختص بأمهية العلوم االجتامعية يف الواقع املعارص للمجتمعات اإلسالمية، فإن رؤية العالم يف العلوم العلمية والتقانية تأخذ يف تقديرنا أمهية كبرية كذلك، ألن هذه العلوم وتطبيقاهتا التقانية املعارصة أصبحت تشكل مالمح احلضارة البرشية املعارصة. فكيف تلتقي أو تختلف رؤى العالم يف العلوم الطبيعية يف املجتمعات البرشية املعارصة، ويف املجتمعات اإلسالمية

عىل وجه التحديد؟

األنثروبولوجيا علم وهو االجتامعية العلوم من واحد عن نتحدث أن اخرتنا وقد السياسة ميداين لكن العالم، رؤية بدراسات مبارشة صلة من العلم هلذا ملا املعارصة، بام أصبح اليوم املحلية والعاملية متخامن الساحات فيهام من ممارسات يف يتم واإلعالم وما

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 416: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

415

هذين يف الفاعلة القوى عند العالم لرؤية حصل الذي فام احلقيقة«، بعد ما «عالم يسمى ة صور مرشقة لبعض القوى يمكنها أن تعطي املجتمعات البرشية شيئا من امليدانني، وهل ثم

األمل باخلروج من هذا العبث؟

وعندما حتدثنا عن رؤية العالم التي متثلها ظاهرة العولمة يف املجتمع املعارص، جئنا عىل املعارص، العالم يف والثقافية الفكرية الساحة عىل تتواىل تزال ال التي التغريات بعض ذكر الفلسفتان تحمالنه من رؤية بعد احلداثة، وما كانت هاتان وال سيام يف ميدان احلداثة وما أية ندري فال احلداثة«، –بعد بعد «ما عرص يف تدخلنا أخذت التي التغريات ا أم للعالم، رؤية للعالم سوف تحملها هذه التغريات إليها؟ وتشتد احلاجة إىل دراسة هذا املوضوع، إذا ة إىل ما بعد احلداثة كانت عىل حساب بعض إنجازات احلداثة، ولم تكن د تحققنا من أن الر

حلوال ملشكالت احلداثة.

عن يكشف فإنه العالم، رؤية لتعليم خصصناه الذي الكتاب من األخري الفصل أما رؤية تطوير إىل مبارشة تتوجه رائدة، تعليمية بعض مشاريع البحث عن إىل املاسة احلاجة العالم اإلسالمية يف جمتمعاتنا. ونحن ندرك أن كل العوامل املؤثرة يف بيئة التعليم هلا أثرها يف تكوين رؤية العالم، وينصب كثري من االهتامم عىل املنهاج الدرايس وأداء املدرس، ال سيام يف مواد الدين والعلوم الطبيعية، وما يكون بينهام من تكامل أو تناقض يف بنية املادة التعليمية أو يف طريقة العرض واتجاهات املدرسني، مع أن الثقافة السائدة يف مؤسسات التعليم، التي تتمثل أحيانا يف نظام اإلدارة واملناخ النفيس واالجتامعي، ربام تكون ذات أثر أكب من املناهج واملدرسني يف بناء ما تحمله هذه الثقافة من رؤية للعالم. فكيف يمكن تشكيل هذه الثقافة

لتحقيق األثر اإليجابي املنشود؟

فربام الخاتمة، هذه مادة فيها وردت التي الصيغة من القارئ يستغرب ال أن أرجو يشعر أن مكان هذه األسئلة يف مقدمة الكتاب وليس يف خاتمته. لقد ركزنا يف املقدمة عىل القارئ دافعية زيادة يف أمال وأهدافها، فصوله وموضوعات وأمهيته، الكتاب موضوع

اخلامتة

Page 417: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

416

أمام املدى نفتح أن نود نا فإن الخاتمة أما يف هذه اهلادفة. الواعية بالقراءة واهتاممه الكريم القارئ لتعزيز ما قد أدركه من أمهية املوضوع بمزيد من األسئلة واملسائل الفكرية والعملية، ليس الكتساب مزيد من الوعي والعلم وحسب، وإنما لاللتزام العمل بام يتطلبه هذا الوعي،

ثم ملواصلة السعي يف تغيري الواقع، وترقيته، وتحسينه، ﴿يي جئ حئ خئ﴾.

نسأل اهلل السداد يف القول والعمل، واحلمد هلل رب العالمين.

رؤية العالم: حضور وممارسات يف الفكر والعلم والتعليم

Page 418: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

417

املراجعأوال: املراجع العربيـة

جريدة األحداث، إنجلز وابن خلدون"، "املاركسية واملهدية واإلسالم: إبراهيم. إبراهيم، عبد اهلل عل -1.(https://bit.ly/371Uoxq)

2- األمحدي، عل بن حسن بن حسني. "تصور مقرتح ملتطلبات تطوير مناهج العلوم الطبيعية للمرحلة الثانوية يف ضوء األهداف اإلسرتاتيجية لرؤية اململكة العربية السعودية 2030 من وجهة نظر املتخصصني يف

تعليم العلوم"، جملة العلوم الرتبوية، املجلد )30(، العدد )3(، )1439ه/2018م(.3- إخوان الصفا. رسائل إخوان الصفاء وخالن الوفاء، بريوت: دار صادر، ط3، 2011م.

ط2، والتعليم، الرتبية وزارة عامن: والتقويم، للمناهج العام اإلطار املدرسية. والكتب املناهج إدارة -42013م.

5- إدارة املناهج والكتب املدرسية. اإلطار العام والنتاجات العامة واخلاصة )العلوم( ملرحلة التعليم األسايس، عامن: وزارة الرتبية والتعليم األردنية، ط2، 2013م.

6- أركون، حممد. الفكر األصويل واستحالة التأصيل، ترمجة: هاشم صالح، بريوت: دار الساقي، 1999م.7- األشعري، أبو احلسن عل بن إسامعيل. مقاالت اإلسالميني واختالف املصلني، حتقيق حممد حميي الدين

عبد احلميد، صيدا-بريوت: املكتب العرصية، 1990م.منهج البحث االجتامعي بني الوضعية واملعيارية، هرندن، فريجينا: املعهد العالمي 8- أمزيان، حممد حممد.

للفكر اإلسالمي، ط4، 2008م. 26 اإلثنني يوم الصادر العدد اإللكرتونية، النسخة القطرية، الوطن جريدة احلميد. عبد األنصاري، -9

ترشين ثاين )نوفمب( 2019م. 10- أنور، يارس. العلامنيون واإلسالميون حماولة لفض االشتباك )مالمح املرشع احلضاري(، القاهرة: شمس

للنرش والتوزيع، 2011م.11- إيزوتسو، توشيهيكو. اهلل واإلنسان يف القرآن: علم داللة الرؤية القرآنية للعامل، ترمجة: هالل حممد اجلهاد،

بريوت: املنظمة العربية للرتمجة، ط1، 2007م.12- البازعي، سعد. الرواية بني الرؤية واأليديولوجيا، جريدة الرشق األوسط، )األربعاء 3 مجادى اآلخرة

1438ه/1 مارس 2017م(.للفكر اإلسالمي ودار العاملي املعهد املنهجية اإلسالمية، هرندن والقاهرة: فؤاد وآخرون. باشا، أمحد -13

السالم، ط1، 2010م.

Page 419: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

418

14- باقادر، أبو بكر. انثروبولوجيا اإلسالم، بريوت: دار اهلادي، 2005م.

15- باقادر، أبو بكر. ورشيق، حسن. األنثروبولوجيا يف الوطن العريب، دمشق وبريوت: دار الفكر ودار الفكر املعارص، )1433ه/2012م(.

16- البخاري، أبو عبد اهلل حممد بن إسامعيل. صحيح البخاري، حتقيق: مصطفى البغا، دمشق وبريوت: دار ابن كثري والياممة للطباعة والنرش والتوزيع، ط1، )1423ه/2002م(.

كواالملبور: حضاري، منظور من دراسة والتجديد: اإلسالمية الكونية الرؤية العزيز. عبد برغوث، -17اجلامعة اإلسالمية العاملية بامليزيا، 2006م.

18- البوسوي، إسامعيل حقي بن مصطفى. تفسري روح البيان، دمشق: دار الفكر، )د. ت.(.

19- بوالسليو، نبيل. »األيديولوجي يف الرواية اجلزائرية/ رواية الويل الظاهر يعود إل مقامه الزكي-نموذجا«، جملة البحوث والدراسات اإلنسانية، العدد )8(، 2014م.

تبني جملة الفلسفي"، الفكر تاريخ لقراءة أداة إجرائية العال بوصفه إىل الرؤية الطيب. "مفهوم 20- بوعزة، ،)8( العدد ،)2( املجلد السياسات، ودراسات لألبحاث العريب املركز والثقافية، الفكرية للدراسات

ربيع 2014م.

العلمي املركز عامن: الشوربجي، منار ترمجة: واإلسالميون، مرص خوف بال إسالم ريموند. بريك، -21للدراسات السياسية، ط2، 2009م.

معهد املعريف-حالة النموذج أزمة يف دراسة األمريكية: البحث ومراكز اإلسالميون بالل. التليدي، -22واشنطن ومعهد كارنيجي، بريوت والرياض: مركز نامء للبحوث والدراسات، 2014م.

23- التهانوي، حممد عل. كشاف اصطالحات الفنون والعلوم، حتقيق: رفيق العجم وعل دحروج، بريوت: مكتبة لبنان، 1996م.

24- تيبس، يوسف. التصورات العلمية للعامل: قضايا واجتاهات يف فلسفة العلم املعارصة. اجلزائر وبريوت: ابن النديم للنرش والتوزيع ودار الروافد الثقافية، 2014م.

25- تيلوين، مصطفى. مدخل عام يف األنثروبولوجيا، بريوت واجلزائر: دار الفارايب ومنشورات االختالف، 2011م.

26- ابن تيمية، أمحد بن عبد احلليم. اقتضاء الرصاط املستقيم ملخالفة أصحاب اجلحيم، حتقيق نارص بن عبد الكريم العقل، الرياض: دار إشبيليا للنرش والتوزيع، ط2، )1419ه/1998م(.

العرب "ندوة علمية"، عامن: مركز دراسات الرشق اإلسالميون واملسيحيون أبو جابر، كامل )حمرر(. -27األوسط، 2013م.

28- اجلاحظ، أبو عثامن عمرو بن بحر بن حمبوب. كتاب احليوان، حتقيق: عبد السالم هارون، القاهرة: مطبعة مصطفى البايب احللبي، ط2، 1965م.

املراجع

Page 420: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

419

29- جب، هاملتون. "األساس اإلسالمي للنظرية السياسية البن خلدون" جملة مدرسة الدراسات الرشقية، املجلد )7(، ج1. نقال عن: الشكعة، مصطفى. األسس اإلسالمية يف فكر ابن خلدون ونظرياته، القاهرة:

الدار املرصية اللبنانية، 1986م.

دار عامن: والليرباليني، والعلامنيني اإلسالميني وعود يف مقال النهائي: اخلالص يف فهمي. جدعان، -30الرشوق، 2007م.

31- اجلرجاين، عل بن حممد السيد. معجم التعريفات، حتقيق ودراسة: حممد صديق املنشاوي، القاهرة: دار الفضيل، 2004م.

32- جريدة الرشق األوسط الدولية، العدد )10118(، بتاريخ 11/8/ 2006م.

الكتب أسامي عن الظنون كشف احلنفي. الرومي القسطنطيني اهلل عبد بن مصطفى خليفة، حاجي -33والفنون، اعتنى به: حممد رشف الدين بالتقايا، بريوت: دار إحياء الرتاث العريب، )د. ت.(.

34- حافظ، رشيف. "يف تركيا إسالميون علامنيون.. ولدينا أيضا"، جريدة اليوم السابع املرصية، اجلمعة 12 نوفمري، 2010م.

صحيح برشح الباري فتح العسقالين. حجر بن عل بن أمحد الدين شهاب الفضل أبو حجر، ابن -35البخاري، بريوت: دار إحياء الرتاث العريب، ط4، 1988م.

36- ابن حجر، أبو الفضل شهاب الدين أمحد بن عل بن حجر العسقالين. فتح الباري برشح صحيح اإلمام أيب عبد اهلل حممد بن إسامعيل البخاري. حتقيق ومراجعة: شعيب األرناؤوط وآخرون، دمشق: الرسالة

العاملية، ط1، )1434ه/2013م(.

ابن حزم رسائل العلوم"، يف: أبو حممد عل بن أمحد بن سعيد األندليس. "رسالة يف مراتب ابن حزم، -37األندليس، حتقيق: إحسان عباس، بريوت: املؤسسة العربية للدراسات والنرش، ط1، 1987م.

الظاهرة الغربية يف الوعي احلضاري: أنموذج مالك بن نبي، سلسلة كتاب 38- بن احلسن، بدران بن مسعود. األمة )73(، الدوحة: وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية، الدوحة، )رمضان 1420ه/ ديسمب 1999(.

العربية باللغة الصادرة اإلنتاجات مقاربة العريب: العامل يف االجتامعية العلوم اهلل. عبد محودي، -39 )2000-2016م(، بريوت: املرصد العريب للعلوم االجتامعية، 2018م.

40- حنفي، ساري. "أسلمة وتأصيل العلوم االجتامعية: دراسة يف بعض اإلشكاليات". جملة املستقبل العريب، العدد )451(، أيلول/ سبتمب 2016م.

41- حنفي، ساري. "فهم اإلسالم السيايس: مسار بحث حول اآلخر املسلم 2016-1973م"، جملة املستقبل العريب، ضمن باب كتب وقراءات، العدد )463(، أيلول/ سبتمب 2017م.

42- اخلطيب، حممد كامل. تكوين الرواية العربية: اللغة ورؤية العامل، دمشق: وزارة الثقافة السورية، 1990م.

املراجع

Page 421: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

420

43- ابن خلدون، عبد الرمحن بن حممد. تاريخ ابن خلدون: العرب وديوان املبتدأ واخلرب يف ايام العرب والعجم األفكار بيت الرياض: الكرمي، صهيب أبو حتقيق: األكرب، السلطان ذوي من عارصهم ومن والرببر

الدولية، )د. ت.(.

44- ابن خلدون، عبد الرمحن بن حممد. رحلة ابن خلدون. حتقيق وتعليق: حممد بن تاويت الطنجي، بريوت: دار الكتب العلمية، 2004م.

45- ابن خلدون، عبد الرمحن بن حممد. مقدمة ابن خلدون، حتقيق: عل عبد الواحد وايف، القاهرة: هنضة مرص للطباعة والنرش والتوزيع، ط4، 2004م.

46- خليل، عامد الدين. "ابن خلدون"، يف: من أعالم الرتبية العربية اإلسالمية، الرياض: مكتب الرتبية العريب لدول اخلليج. املجلد )4(، 1989م.

47- خليل، عامد الدين. ابن خلدون إسالميا، بريوت: املكتب اإلسالمي، 1983م.

48- خليل، عامد الدين. أصول تشكيل العقل املسلم، دمشق وبريوت: دار ابن كثري، ط2، 2017م.

49- خليل، عامد الدين. "مشكلة الرؤية الكونية يف املرسح الغريب املعارص"، يف: فوىض العامل يف املرسح الغريب املعارص، دمشق: دار ابن كثري، ط1، 2007م.

الكتاب دار األبياري، بريوت: إبراهيم العلوم، حققه: مفاتيح بن يوسف. بن أمحد 50- اخلوارزمي، حممد العريب، ط2، 1989م.

https://) ،51- الدمنهوري، أمحد سعد. اإلسالميون: ظهور املصطلح وحماولة للتحديد. موقع طريق اإلسالم.(ar.islamway.net

52- دياب، حممد حافظ. اإلسالميون املستقلون: اهلوية والسؤال، القاهرة: املجلس األعىل للصحافة، 2010م.

53- الذوادي، حممود. "أضواء عىل مفهوم الطبيعة البرشية يف الفكر اخللدوين"، يف: الفكر االجتامعي اخللدوين: املنهج واملفاهيم واألزمة املعرفية، بريوت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2004م.

54- الرابطة املحمدية للعلامء )املغرب(. القرآن الكريم ورؤية العامل: مسارات التفكري والتدبري، أعامل الندوة التي نظمتها الرابطة يف يونيو 2014م، الرباط: الرابطة املحمدية للعلامء، ط2، أبريل 2019م.

55- الرازي، أبو بكر فخر الدين حممد بن عمر. التفسري الكبري "مفاتيح الغيب"، دمشق: دار الفكر، ط1، 1981م.

56- ربيع، حامد. "فقه السياسة يف فلسفة ابن خلدون االجتامعية"، يف: أعامل مهرجان أبن خلدون، القاهرة: املركز القومي للبحوث االجتامعية واجلنائية، 1962م.

بدايات، صحيفة وآمال"، وعود من بقي عام والثورة والسلطة االجتامعي "احللم عل. ال، الرج -57.(https://www.bidayatmag.com/node/412) ،مرص، العدد )6(، صيف 2013م

https://www.cia.gov/) هشيم الرتاجعات، منشور يف صورة كتاب إلكرتوين، 58- الرشيد، عبد اهلل بن نارص. .(library/abbottabad-compound/0B/0B62831082590D4BC69C4A04A9521E50_haseem.pdf

املراجع

Page 422: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

421

اإلسالم حركات أنموذجا". األردن البملانية: السيايس اإلسالم حركات "جتارب حممد. رمان، أبو -59البدور وجواد احلمد. عامن: مركز الواقع واملستقبل، مراجعة وتنسيق: بكر السيايس يف الوطن العريب:

دراسات الرشق األوسط، 2015م.

املجلة: جملة القاهرة: غنيم، سعيدة ترمجة: احلديثة"، السياسة رائد خلدون "ابن فرانتز. روزنتال، -60العدد )20(، السنة )2(، للكتاب(، العامة املرصية اهليئة الرفيعة، )جملة شهرية تصدرها الثقافة سجل

أغسطس)آب( 1958م.

61- الريسوين، أمحد. فقه الثورة: مراجعات يف الفكر السيايس اإلسالمي، القاهرة: دار الكلمة للنرش والتوزيع، 2013م.

62- الزرنوجي، برهان الدين. تعليم املتعلم طريق التعلم، اخلرطوم: الدار السودانية للكتب، ط1، 2004م.

63- أبو زهرة، حممد. "ابن خلدون والفقه والقضاء". يف: أعامل مهرجان ابن خلدون، القاهرة: املركز القومي للبحوث االجتامعية واجلنائية، 1962م.

64- أبو زيد، سمري. العلم والنظرة العربية إىل العامل، بريوت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2009م.

116-( العدد املعارص، العريب الفكر وهيدغر"، هيكل بني باحلداثة الفلسفي "الوعي حممد. سبيال، -65117(، 2001-2000م.

66- السجستاين، أبو داود سليامن بن األشعث. سنن أيب داود. الرياض: بيت األفكار الدولية، 1999م.

نامء دورية أنموذجا"، الغزايل املعريف: مدونة بالتكامل العال الرؤية إىل الدين. "عالقة 67- بن رساي، نرص لعلوم الوحي والدراسات اإلنسانية، العدد )1(، خريف 2016م.

خلدون، أبن مهرجان أعامل يف: خلدون"، ابن عند املعرفة "سوسيولوجية شحاته. حسن سعفان، -68القاهرة: املركز القومي للبحوث االجتامعية واجلنائية، 1962م.

69- أبو سليامن، عبد احلميد. أزمة اإلرادة والوجدان املسلم: البعد الغائب يف مرشوع إصالح األمة، دمشق: دار الفكر، 2005م.

70- أبو سليامن، عبد احلميد. أزمة العقل املسلم. هرندن، فريجينيا: املعهد العاملي للفكر اإلسالمي، 1991م.

71- أبو سليامن، عبد احلميد. الرؤية الكونية احلضارية القرآنية: املنطلق األساس لإلصالح اإلنساين، هرندن: املعهد العاملي للفكر اإلسالمي، والقاهرة: دار السالم، 2009م.

72- سمعان، سمري وآخرون. العرب يف مناهج التعليم اإلرسائيلية. عامن: مركز دراسات الرشق األوسط، 2004م.

الرصاع عىل اإلسالم: األصولية واإلصالح والسياسات الدولية، بريوت: دار الكتاب 73- السيد، رضوان. العريب، 2004م.

املراجع

Page 423: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

422

74- السيد، عزمي طه. حقيقة العامل عند فيلسوف العرب وفالسفة اليونان: مقارنة بني آراء الكندي وأفالطون وأرسطو، األردن - إربد: عال الكتب احلديث، 2015م.

75- ابن سينا، أبو عل احلسني بن عبد اهلل. "الرسالة األوىل يف الطبيعيات من عيون احلكمة"، يف: تسع رسائل يف احلكمة والطبيعيات، القاهرة: دار العرب للبستاين، ط2، 1989م.

جديد، منظور من املدريس املنهج اخلتم. وعثامن، حممد. راشد والكثريي، حممد. إبراهيم الشافعي، -76الرياض: مكتبة العبيكان، 1996م.

77- الرشقاوي، محدي عبد اهلل. علم مقارنة األديان يف الرتاث الفكري اإلسالمي: منهجا وقضايا، بريوت: دار الكتب العلمية، 2017م.

78- شقري، صالح. والعطواين، هيثم توفيق. "إشكالية النقد التارخيي عند ابن خلدون"، جملة جامعة ترشين للبحوث والدراسات العلمية، سلسلة اآلداب والعلوم اإلنسانية، املجلد )37(، العدد )2(، 2015م.

اللبنانية، املرصية الدار القاهرة: ونظرياته، خلدون ابن فكر يف اإلسالمية األسس مصطفى. الشكعة، -791986م.

80- الشامس، عيسى. مدخل إىل علم اإلنسان )االنثروبولوجيا(، دمشق: احتاد الكتاب العرب، 2004م.

81- الشوكاين، حممد بن عل بن حممد. أدب الطلب ومنتهى األرب، حتقيق ودراسة: عبد اهلل حييى الرسحيي، بريوت وصنعاء: دار ابن حزم ومكتبة اإلرشاد، 1998م.

82- صالح، هاشم. جيل كيبل "أكب مثقف عريب"، جريدة الرشق األوسط، رقم 14602 تاريخ 20 نوفمب 2018م.

83- صالح، ياسني احلاج. أساطري اآلخرين: نقد اإلسالم املعارص ونقد نقده، بريوت: دار الساقي، 2011م.

84- الصدر، حممد باقر. فلسفتنا، بريوت: دار التعارف للمطبوعات، ط9، )1430ه/2009م(.

85- صديق خان، أبو الطيب حممد صديق خان بن حسن بن عل ابن لطف اهلل احلسيني البخاري القنوجي. أبجد العلوم، إعداد وفهرسة عبد اجلبار زكار، دمشق: وزارة الثقافة واإلرشاد القومي، 1978م.

غري، ح اجلامع الص 86- الصنعاين، األمري حممد بن إسامعيل بن صالح بن حممد احلسني الكحالين. التنوير رشد إبراهيم، الرياض: مكتبة دار السالم، ط1، )1432ه/2011م( د إسحاق حمم حتقيق: حمم

87- طاش كبي زاده، أمحد بن مصطفى. مفتاح السعادة ومصباح السيادة يف موضوعات العلوم، بريوت: دار الكتب العلمية، ط1، 1985م.

88- الطاهر، عبد اهلل. نظرية الثورة من ابن خلدون إىل ماركس، بريوت: املؤسسة العربية للدراسات والنرش، 1979م.

القرآن، حتقيق: بشار عواد تأويل البيان عن الطربي: جامع تفسري أبو جعفر حممد بن جرير. الطبي، -89معروف وعصام فارس احلرستاين، بريوت: مؤسسة الرسالة، ط1، )1415ه/1994م(.

املراجع

Page 424: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

423

90- طعيمة، رشدي. حتليل املحتوى يف العلوم اإلنسانية: مفهومه وأسسه واستخداماته، القاهرة: دار الفكر العريب )سلسلة املراجع يف الرتبية وعلم النفس، الكتاب التاسع عرش(، 2008م.

91- طه، عل حممود. ديوان عيل حممود طه، القاهرة: هنداوي، 2012م.مؤسسة الرباط: خطايب، حممد ترمجة: ومقاصدها، خلفياهتا اللغوية: السياسة جيمس. طوليفصون، -92

الغني للنرش، 2007م.93- ابن عاشور، حممد الطاهر. تفسري التحرير والتنوير، تونس: الدار التونسية للنرش، 1984م.

املرصية، الكتب دار مطبعة القاهرة: الكريم، القرآن أللفاظ املفهرس املعجم فؤاد. حممد الباقي، عبد -941364ه.

العلوم الرتبوية، املجلد )2(، العدد جملة املنهج من منظور جديد"، 95- عبد احلليم، أمحد املهدي. "أهداف )1(، )1398ه/1978م(.

وزارة الدوحة: ،)6( األمة كتاب سلسلة احلضاري، والتغيري اإلسالمية املذهبية حمسن. احلميد، عبد -96األوقاف والشؤون اإلسالمية، )1404ه/1984(.

العربية الشبكة بريوت: الدين، عن األخالق لفصل االئتامين النقد الدهرانية: بؤس طه. الرمحن، عبد -97لألبحاث والنرش، 2014م.

99- عبد الفتاح، سيف الدين. "تنظري السنن: قراءة يف نامذج سننية لدى ابن خلدون" ورقة قدمت إىل ندوة: عبد الرمحن ابن خلدون: قراءة معرفية ومنهجية، التي عقدها املعهد العاملي للفكر اإلسالمي بالتعاون مع

قسم علم االجتامع بجامعة عني شمس يف أغسطس عام 2000م. 100- عبد الفتاح، سيف الدين. العوملة واإلسالم رؤيتان للعامل، حترير: منى أبو الفضل ونادية حممود مصطفى،

ط1، القاهرة: دار الفكر، 2009م.يف النظرية السياسية من منظور إسالمي: منهجية التجديد السيايس وخربة 101- عبد الفتاح، سيف الدين. الواقع العريب املعارص، هرندن، فريجينيا: املعهد العاملي للفكر اإلسالمي، سلسلة الرسائل اجلامعية رقم

)25(، 1998م.يف: يف عامل عبد منظور معريف"، التحيز من فقه أساسية حول "مقدمات الدين. الفتاح، سيف عبد -102الوهاب املسريي: حوار نقدي حضاري. حترير: أمحد عبد احلليم عطية، القاهرة: دار الرشوق، 2004م.

القاهرة: التقدميون: عن وجه آخر للفكر والسياسة يف إيران، اإلسالميون النارص، وليد حممود. 103- عبد مركز األهرام للدراسات السياسية، ط1، 2008م.

104- ابن عريب، حميي الدين حممد بن عل. الفتوحات املكية، حتقيق: عبد العزيز سلطان املنصوب، القاهرة: املجلس األعىل للثقافة، ط1، 2013م.

105- عصفور، جابر. رؤى العامل: عن تأسيس احلداثة العربية يف الشعر، الدار البيضاء: املركز الثقايف العريب، ط1، 2008م.

املراجع

Page 425: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

424

للنرش األكاديميون عامن: التطبيقي، النقد يف مقاالت العامل: ورؤية العريب املثقف حييى. أمحد عل، -106والتوزيع، والرمال للنرش والتوزيع، 2018م.

107- عل، سعيد إسامعيل. "إشكالية التحيز يف التعليم"، يف: إشكالية التحيز-رؤية معرفية ودعوة لالجتهاد، حترير: عبد الوهاب املسريي، هرندن، فريجينيا: املعهد العاملي للفكر اإلسالمي، ط2، 1997م.

فلسفة الرتبية: رؤية حتليلية ومنظور إسالمي. هرندن 108- عل، سعيد إسامعيل. وفرج، هاين عبد الستار. والقاهرة: املعهد العاملي للفكر اإلسالمي ودار الفكر العريب، 2009م.

109- عل، نبيل. الثقافة العربية وعرص املعلومات: رؤية ملستقبل اخلطاب الثقايف العريب، سلسلة عال املعرفة )265(، الكويت: املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب، 2001م.

العربية الدار مكتبة القاهرة: تربوية، واقتضاءات ثقافية إضاءات املجتمعي: اإلصالح حامد. عامر، -110للكتاب، 2006م.

111- عامرة، حممد. نحو فلسفة إسالمية معارصة، يف "أبحاث ندوة: نحو فلسفة إسالمية معارصة"، واشنطن: املعهد العاملي للفكر اإلسالمي، ص 1989م.

التأصيل اإلسالمي لنظريات ابن خلدون، سلسلة كتاب األمة )50(، الدوحة: 112- عويس، عبد احلليم. وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية، 1416م.

113- غانم، إبراهيم البيومي. حالة علم االجتامع يف العامل العريب: رؤية نقدية بنائية، الكويت: مركز هنوض للدراسات والنرش، 2019م.

114- الغزايل، أبو حامد حممد بن حممد. إحياء علوم الدين، بريوت: دار ابن حزم، ط1، 2005م.

115- الغزايل، أبو حامد حممد بن حممد. معيار العلم يف املنطق، رشحه: أمحد شمس الدين، بريوت: دار الكتب العلمية، 2013م.

العزة واجلالل، حتقيق: مجيل إىل ذي واملوصل الضالل، املنقذ من بن حممد. أبو حامد حممد الغزايل، -116صليبا وكامل عياد، ط7، بريوت: دار األندلس، 1967م.

117- الفارايب، أبو نرص حممد بن حممد بن طرخان. إحصاء العلوم، حتقيق: عل بو ملحم، بريوت: دار ومكتبة اهلالل، ط1، 1996م.

118- الفاروقي، إسامعيل راجي. التوحيد: وجتلياته يف الفكر واحلياة، ترمجة: السيد حممد السيد عمر، هرندن: املعهد العاملي للفكر اإلسالمي، 2016م.

صياغة العلوم االجتامعية صياغة إسالمية، سلسلة رسائل إسالمية املعرفة 119- الفاروقي، إسامعيل راجي. رقم )5(، هرندن والرياض: املعهد العاملي للفكر اإلسالمي والدار العاملية للكتاب اإلسالمي، 1995م.

120- أبو الفتوح، عبد املنعم. "اإلسالم اإلصالحي: إيضاح املناطق الرمادية"، نرشة اإلصالح العريب، املجلد )4(، العدد )6(، يوليو 2006.

املراجع

Page 426: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

425

121- أبو الفضل، منى. "املنظور احلضاري يف دراسة النظم السياسية العربية: التعريف بامهية املنطقة العربية"، جملة إسالمية املعرفة، السنة )3(، العدد )9(، )صفر- ربيع األول 1418ه/ يوليو 1997م(.

122- أبو الفضل، منى. "نحو منهاجية للتعامل مع مصادر التنظري اإلسالمي"، يف: املنهجية اإلسالمية والعلوم للفكر الرابع العاملي املؤمتر ومناقشات "بحوث العابدين، زين الطيب حترير: والرتبوية، السلوكية اخلرطوم"، وجامعة واشنطن يف اإلسالمي للفكر العاملي املعهد بني بالتعاون عقد الذي اإلسالمي

)20-15 مجادى األوىل 1407ه/ 20-15 يناير 1987م(.123- الفالح، فخري. معايري البناء للمنهاج وطرق تدريس العلوم، عامن: دار يافا العلمية للنرش والتوزيع،

2013م.124- قطب، سيد. خصائص التصور اإلسالمي ومقوماته، القاهرة: دار الرشوق، 1997م.

أعقاب يف احلكم وحتديات اإلسالميون )حمررون(. جواد واحلمد، عصام. والبشري، حامد. قويس، -125الثورات العربية، عامن: مركز دراسات الرشق األوسط، 2012م.

126- ابن قيم اجلوزية، أبو عبد اهلل حممد بن أيب بكر. الفوائد، حتقيق: حممد عزير شمس، مكة املكرمة: دار عال الفوائد للنرش والتوزيع. ط1، 1429ه.

127- ابن كثري، احلافظ أبو الفداء إسامعيل بن عمر الدمشقي. البداية والنهاية، ط7، بريوت: مكتبة املعارف، )1408ه/1988م(.

الكويت: اخلليج، دول يف للرتبية العامة األهداف وثيقة للرتبية. العامة األهداف وثيقة تطوير جلنة -128مكتب الرتبية العريب لدول اخلليج، 2003م.

من طائلة أرباحا العاملية والرشكات احلكوماتت جتني كيف الكوارث: رأساملية أنتوين. لوينشتاين، -129 ،)478( العدد املعرفة عال سلسلة احلميد، عبد أمحد ترمجة: البرشية، ومصائب احلروب ويالت

الكويت، املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب، نوفمب 2019م. اإلنجلو مكتبة القاهرة: االجتامعي، التامسك آليات املجتمع: وقضايا االجتامعية النظرية عل. ليلة، -130

املرصية، 2015م.131- ابن ماجه، أبو عبد اهلل حممد بن يزيد بن ماجه القزويني. سنن ابن ماجه، الرياض: بيت األفكار الدولية،

1999م.مفهوم اإلبداع الفني يف الشعر: رؤى النقاد العرب يف ضوء علم النفس والنقد األديب 132- املجايل، جهاد.

احلديث، عامن-األردن: دروب للنرش والتوزيع، ط1، 2016م.133- جملة تفكر، العدد )1(، املجلد )11(، )1432ه/2011م(.

134- جممع اللغة العربية. املعجم الوسيط، القاهرة: دار الرشوق الدولية، ط4، 2004م.وبريوت: الدوحة وجتارب، الديمقراطي:اجتاهات احلكم ونظام اإلسالميون املؤلفني. من جمموعة -135

املركز العريب لألبحاث ودراسة السياسات، 2013م.

املراجع

Page 427: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

426

ط2، العبيكان، الرياض: وحتديث، تأصيل العلوم: تدريس اهلل. عبد بن إبراهيم املحيسن، -136)1428ه/2007م(.

137- مراد، حممد حلمي. "أبو االقتصاد ابن خلدون"، يف: أعامل مهرجان أبن خلدون، القاهرة: املركز القومي للبحوث االجتامعية واجلنائية، 1962م.

138- مرحبا، حممد عبد الرمحن. جديد يف مقدمة ابن خلدون، بريوت: منشورات عويدات، 1989م.

القومي املركز القاهرة: خلدون، ابن مهرجان أعامل واجلنائية. االجتامعية للبحوث القومي املركز -139للبحوث االجتامعية واجلنائية، 1962م.

النامذج - اإلصالح، ديب: مركز التاريخ - التعليم الديني: 140- مركز املسبار للدراسات والبحوث. جدل املسبار، 2015م.

141- املركز الوطني لتطوير املناهج. اإلطار العام واخلاص للعلوم ومعايريها ومؤرشات أدائها. عامن: املركز الوطني لتطوير املناهج، 2019م.

صهيب أبو به اعتنى مسلم، صحيح النيسابوري. القشريي احلجاج بن مسلم احلسني أبو مسلم، -142الكرمي، الرياض: بيت األفكار الدولية، ط1، 1998م.

صحيح مسلم، عناية: أبو قتيبة نظر حممد الفاريايب، 143- مسلم، مسلم بن احلجاج القشريي النيسابوري. الرياض: دار طيبة للنرش والتوزيع، )1426ه/2006م(.

144- املسريي، عبد الوهاب )حمرر(. إشكالية التحيز: رؤية معرفية ودعوة لالجتهاد. هرندن: املعهد العاملي للفكر اإلسالمي، الطبعة الثانية، 1996م.

البذور واجلذور والثمر: سرية غري ذاتية وغري موضوعية، الفكرية يف رحلتي 145- املسريي، عبد الوهاب. القاهرة: اهليئة العامة لقصور الثقافة، 2000م.

146- مشوش، صالح بن طاهر. علم العمران اخللدوين وأثر الرؤية الكونية التوحيدية يف صياغته، هرندن، فريجينيا: املعهد العاملي للفكر اإلسالمي، )1433ه/2012(.

147- مصطفى، نادية )إعداد وحترير(. ببليوغرافيا يف املنظور احلضاري اإلسالمي وقضاياه: خربة مركز احلضارة للدراسات السياسية، يف جتديد العلوم االجتامعية: بناء منظور معريف وحضاري: الفكرة واخلبة، حترير

نادية مصطفى، القاهرة: مركز احلضارة للدراسات السياسية، ودار البشري للثقافة والعلوم، 2016م.

148- مصطفى، نادية حممود )حمررة(. موسوعة العالقات الدولية يف عامل متغري: منظورات ومداخل مقارنة، القاهرة: مركز احلضارة للدراسات السياسية ودار البشري للثقافة والعلوم، 2016م.

التعليم العاملي: رؤية التعليم العايل والتحدي احلضاري: قراءة يف أعامل مؤمتر 149- مصطفى، نادية حممود. العربية واملنظمة )إيسسكو( والثقافة والعلوم للرتبية اإلسالمية املنظمة نظمته دويل مؤمتر مستقبلية، للرتبية والعلوم والثقافة )أليكسو( بالتعاون مع مؤسسة الفكر العريب يف بريوت 27-26/ 9/ 2005م.

املراجع

Page 428: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

427

150- مصطفى، نادية حممود. التواصل بني اجلامعات والتبادل العلمي والطاليب يف خدمة االنفتاح عىل اآلخر، ورقة مقدمة إىل ندوة: تعزيز ودمج احلوار يف اإلسالم يف مناهج التعليم، القريوان، تونس: 12-14/

10/ 2009م.

تقديم: مقارن، حضاري منظور اإلسالمي: التاريخ يف الدولية العالقات حممود. نادية مصطفى، -151والعلوم، للثقافة البشري ودار السياسية للدراسات احلضارة مركز القاهرة: البرشي، طارق

)1436ه/2015(.

التحول املعريف 152- مصطفى، نادية حممود. "بناء املنظور احلضاري يف العلوم االجتامعية واإلنسانية"، يف: الفكر احلضاري ألعالم أبو الفضل، سلسلة قراءة يف والتغيري احلضاري: قراءة يف منظومة فكر منى األمة )2(، حترير: نادية مصطفى وسيف الدين عبد الفتاح وماجدة إبراهيم، القاهرة: مركر احلضارة

للدراسات السياسية ودار البشري للثقافة والعلوم، 2011م.

153- مصطفى، نادية. "مسار علم العالقات الدولية بني جدال املنظورات الكبى واختالف النامذج املعرفية"، يف: العالقات الدولية يف عامل متغري: منظورات ومداخل مقارنة، حترير: نادية مصطفى، القاهرة: مركز

احلضارة للدراسات السياسية، توزيع: دار البشري للثقافة والعلوم، 2016م.

معاونية طهران: اخلاقاين، املنعم عبد حممد ترمجة: التوحيدية، الكونية الرؤية مرتىض. املطهري، -154العالقات الدولية يف منظمة اإلعالم اإلسالمي، 1989م.

155- مقري، عبد الرزاق. الدولة املدنية: رؤية إسالمية، اجلزائر: دار اخللدونية للنرش والتوزيع، 2015م.

العدد )37-38(، املعرفة، جملة إسالمية الغريب"، الرتبوي الفكر "التحيز يف 156- ملكاوي، فتحي حسن. 2004م.

،)42-43( العدد املعرفة، إسالمية جملة االجتامعية"، والعلوم العال "رؤية حسن. فتحي ملكاوي، -157)خريف 2005م-وشتاء 2006م(.

لصانعي دليل التعليم: خالل من العنيف التطرف منع والثقافة: والعلوم للرتبية الدولية املنظمة -158السياسات، باريس: اليونسكو،2018م.

ط6، صادر، دار بريوت: العرب، لسان مكرم. بن حممد الدين مجال الفضل أبو منظور، ابن -159)1417ه/1997م(.

العمران علم نحو التأسيس: إىل النقد من العريب العامل يف االجتامع علم احلليم. عبد مهورباشه، -160اإلسالمي، هرندن، فريجينا: املعهد العاملي للفكر اإلسالمي، 2018م.

161- املوسوعة العربية العاملية، الرياض: مؤسسة أعامل املوسوعة للنرش والتوزيع، ط2، 1999م.

162- امليالد، زكي. نحن والعامل: من أجل جتديد رؤيتنا إىل العامل، الرياض: مؤسسة الياممة الصحفية، سلسلة كتاب الرياض رقم )128(، 2005م.

املراجع

Page 429: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

428

163- النبهان، حممد فاروق. الفكر اخللدوين من خالل املقدمة، بريوت: مؤسسة الرسالة، ط1، ص 1998م.164- النجار، عبد املجيد. مراجعات يف الفكر اإلسالمي، تونس: دار الغرب اإلسالمي، ط1، 2008م.

جملة قضايا إسالمية معارصة، العدد 165- نرص، سيد حسني. "الرؤية الكونية التوحيدية والعلم احلديث"، )18(، 2002م.

القاهرة: ابن خلدون، أعامل مهرجان ابن خلدون"، يف: السياسة عند املعز. "فلسفة 166- نرص، حممد عبد املركز القومي للبحوث االجتامعية واجلنائية، 1962م.

167- هنار، حازم )حمرر(. اإلسالميون ونظام احلكم الديمقراطي: اجتاهات وجتارب. الدوحة وبريوت: املركز العريب لألبحاث ودراسة السياسات، 2013م.

الفكر اإلسالمي املعارص، جملة إسالمية املعرفة: جملة الذايت يف فقه املراجعات"، التحرير. "النقد 168- هيئة املجلد )24(، العدد )94(، )1439ه/2018(.

169- اليونسكو. إعادة التفكري يف الرتبية والتعليم: نحو صالح مشرتك عاملي، باريس: منظمة األمم املتحدة للرتبية والعلوم والثقافة، 2015م.

بالرتبية للقرن احلادي املعنية اليونسكو الدولية يف اللجنة املكنون: تقرير الكنز التعلم ذاك اليونسكو. -170والعرشين "تقرير ديلور"، باريس: منظمة اليونسكو، 1996م.

ثانيا: املراجع األجنبيـة: 1- Abdel-Fadil, Mona. "The Politics of Affect: the Glue of Religious and Identity Conflicts in

Social Media", Journal of Religion, Media and Digital Culture, Vol..8 issue 1,2019. 2- Abu Al Fadl. Mona. "Paradigms in Political Science Revisited", American Journal of Islamic

Social Sciences, (AJISS), Vol. 6, No. 1, 1989.3- Abul-Fadl, Mona M. "Contemporary Social Theory: Tawhidi Projections", American Journal

of Islamic Social Sciences, vol. 11, no. 3, 1994.4- Acikgenc, Alparslan. Islamic Science: Towards a Definition, Kuala Lumpur: International

Institute of Islamic Thought and Civilization (IIITC), 1996.5- Acikgenc, Alparslan. Islamic Scienctific Tradition in History, Kuala Lumpur: Penerbit IKIM,

2012.6- Al-Attas, Syed Muhammad Naquib. Prolegomena to the Metaphysics of Islam: An Exposition

of the Fundamental Elements of the Worldview of Islam, Kuala Lumpur: ISTAC, 1995. 7- Al-Attas, Syed Muhammad Naquib. Prolegonema: to the Metaphysics of Islam, Kuala

Lumpur: International Institute of Islamic Thought and Civilization (ISTAC), 2001.8- Arrows, Four. & Block, Walter. Differing Worldviews in Higher Education: Two Scholars

Argue Cooperatively about Justice Education. Rotterdam, Holand: Sense Pulishers, 2010.9- Arthur, James. et al. Research Methods and Methodologies in Education, 2nd. ed., London:

SAGE Publications Ltd, 2017.

املراجع

Page 430: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

429

10- Babbie, Earl. The Practice of Social Research, Belmont, CA: Wadsworth Publishing; 13th ed., 2012.

11- Baron, Jonathan. Thinking and Deciding, London and New York: Cambridge University Press, 2007.

12- Bavinck, Herman. Christian Worldview, translated by Nathaniel Sutanto & James Eglinton & Cory C. Brock, Wheaton, Ill.: Crossway, 2019.

13- Belt, David Douglas. The Political Utility of Islamophobia: How the U.S. Right Used Islam after 9/11 as a new Field of Domestic Politics, Annapolis, MD: David Belt Productions, 2019.

14- Bertrand, J. Mak. Re-Thinking worldview, Wheaton, Ill. Crossway books, 2007.15- Biro, Babor. The Economic Thought of Michael Polanyi, Routledge Studies in the History

of Economics, London and New York: Routledge; 1st Ed., (August 5, 2019).16- Brisson, Thomas. "Western and Non-Western Views of the Social and Behavioral Sciences:

De-Westernizing the Social and Behavioral Sciences", in: International Encyclopedia of the Social & Behavioral Sciences, Editor-in-Chief: James D. Wright, 2nd Ed., Amsterdam, Holland: Elsevier, 2015.

17- Burnett, D. Graham. "A View from the Bridge: The Two Cultures Debate, Its Legacy, and the History of Science", Daedalus, vol. 128, no. 2, 199.

18- Chiareli, Antonio A. "Christian Worldview and the Social Science", in: Shaping A Christian Worldview: The Foundation of Christian Higher Education, eds. David S. Dockery and Gregory Thornburry. Nashville, TN: Broadman & Holman Publishers, 2002.

19- Chung, Paul Seungoh. God and the Crossroads of Worldview, Notre Dame, IN: University of Notre Dame Press, 2016.

20- Corduan, Winfried. Neighboring Faiths: A Christian Introduction to World Religions, Downers Grove, Ill.: InterVarsity Press (Academic); 2nd Ed., 2012.

21- Dalin, Per. "Developing the Twenty-First Century School: A Challenge to Reformers" in: David Hopkins (ed.). The Practic and Theory of School Improvement (International Handbook of Educational Change), Dordrecht, The Netherlands: Springer Academic Publishers, 2005.

22- Darrow, Miller. Discipling Nations: The Power of Truth to Transform Cultures, Edmonds, WA: YWAM Publishing, 2018.

23- De Boer, Tjitze J. The History Of Philosophy In Islam, Translatef by Edward R. Jones. Charleston, SC.: Nabu Press, 2012.

24- De Witt, Annick. "Understanding Our Polarized Political Landscape Requires a Long, Deep Look at Our Worldviews", Scientific American, June 28, 2016.

25- Deardorff, Darla K. & Smith, Lily A. Arasaratnam (eds). Intercultural Competence in Higher Education: International Approaches، Assessment and Application, Internationalization in Higher Education Series, London & New York: Routledge, 1st ed., 2017.

26- Dewitt, Richard. Worldviews: An Introduction to the History and Philosophy of Science, Cornwall, UK: Blackwell Publishing, 2nd Ed., 2010.

27- Dhanrajgir, Nikhil. "From Dissociated Hegemony towards Embedded Hegemony", Journal of Scinec and World Affairs, Utrecht University, the Netherlands, Vol. 1, No.2 , 2005.

املراجع

Page 431: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

430

28- Dockery, David. & Thornbury, Gregory Alan (eds.). Shaping A Christian Worldview: The foundation of Christian Higher Education. Nashville, Tennessee: Broadman and Holman Publishers, 2002.

29- Dodd, Carley H. Worldview in Intercultural Communication: Intercultural Communication Core:Theories, Issues, and Concepts, Hoboken, NJ: John Wiley & Sons, Inc., 2017

30- Dolejšiová, Ditta Trindade. (ed). Innovation, Values and Polices in Global Education, Dublin, Republic of Ireland: Global Education Network Europe (GENE), 2018.

31- Duignan, Brian. Encyclopedia Britannica, last updated sept 20, 2019. 32- Durdella, Nathan. Qualitative Dissertation Methodology: A Guide for Research Design and

Methods, London: Sage Pub. Ltd. 2019.33- Ecklund, Elaine Howard & Scheitle, Christopher. "Religious Communities, Science,

Scientists, and Perceptions: A Comprehensive Survey", A paper presented at the Annual Meeting of the American Association for the Advancement of Science, February 16, 2014.

34- El-Aswad, El-sayed. Muslim Worldviews and Everyday lives, Lanham, New York: Altamira, Division of Rowman and Littlefield Pub. Inc. 2012.

35- Emerson, Steven. American Jihad: The Terrorists Living Among, New York: The Free Press, 2002.

36- Engebreston, Kathleen. et al. (eds). International Handbook of Inter-religious Education Springer, 2010.

37- Europe-wide Global Education Congress, Maastricht, The Netherlands, Nov. 15-17th 2002. Europe Strategy Framework in Europe to the Year 2015.

38- Evanoff, Richard. Worldviews and Intercultural Philosophy, Dialogue and Universalism, 26 (4), 2016.

39- Faure, Edgar. Learning to be: The world of education today and tomorrow, Paris: Unesco، Seventh impression, August 1982.

40- Fisher, Max. "When a Phrase Takes on New Meaning: Radical Islam Explained", The New York Times, June 16, 2016.

41- Framing Islam as a threat: The use of Islam by some U.S. Conservatives as a Platform for Cultural Politics in the Decade after 9/11. A dissertation submitted to the faculty of Virginia Polytechnic Institute and State University in partial fulfillment of the requirements for the degree of Doctor of Philosophy In Planning, Governance & Globalization, granted Sept. 19, 2014.

42- Freire, Paulo. Pedagogy Of The Oppressed, Translated by: Myra Bergman Ramos With an Introduction by Donaldo Macedo, New York and London: The Continuum International Publishing Group Inc., 2000.

43- Friebe, Cord. et al. The Philosophy of Quantum Physics, Cham, Switzerland: Springer, 2018.

44- Geertz, Clifford. The Interpretation Of Cultures: Selected Essays, New York: Basic books, 2017.

45- Gertz, Bill. "U.S. lacks direction, cohesion in war of ideas", Washington times, Oct. 30, 2003.

املراجع

Page 432: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

431

46- Godawa, Brian. Hollywood Worldviews: Watching Films With Wisdom and Discernment, Downers Grove, IL: InterVarsity Press, 2002.

47- Godawa, Brian. Hollywood Worldviews: Watching Films With Wisdom and Discernment, Downers, Ill: InterVasity Press, 2002.

48- Goldberg, Jonah. In Defense of Ideology, National Review, Oct. 22, 2018. 49- Goldberg, Jonah. The Tyranny of Clichés: How Liberals Cheat in the War of Ideas, New

York: Sentinel; Reprint edition, 2013.50- Griffioen, Sander. & Marshall, Paul. & Mouw, Richard (eds.). Stained Glass: Worldviews and

Social Science, Christian Studies Today, Lanham, Md.: University Press of America, 1989.51- Guach, Hugh G. Jr. Science, Worldviews and Education, In: Science, Worldviews and

Education, Edited by Michael R. Mathews, London: Springer Science &Business Media Inc., 2006.

52- Hargreaves, Andy. et al. (eds). International Handbook of Educational Change, Dordrecht, The Netherlands: Springer Science+Business Media, 1998.

53- Hargreaves, Andy. et al. (eds). Second International Handbook of Educational Change, Springer International Handbooks of Education (23), ), Dordrecht, The Netherlands: Springer Science + Business Media BV, 2010.

54- Haviland, William. et al. The Essence of Anthropology, 4th Ed. Boston, MA: Cengage Learning, 2016.

55- Heilbron, Johan. & Gingras, Yves. "The Globalization of European Research in the Social Sciences and Humanities: A Bibliometric Study", in The Social and Human Sciences in Global Power Relations, London and New York: Palgrave Macmillan, 2018.

56- Heilbron, Johan. & Sora, Gustavo. & Boncourt, Ghibaud (Eds). The Social and Human Sciences in Global Power Relations, London and New York: Palgrave Macmillan, 2018.

57- Hewitt, Doug. A Clash of Worldviews: Experiences from Teaching Aboriginal Students, Theory into Practice, vol 39, 2000.

58- Hiebert, Paul G. Transformong Worldviews: An Anthropological Understanding of how People Change. Grand rapids, MI.: Baker Academic, 2008.

59- Hill, Carol. A Worldview Approach to Science and Scripture, Grand Rabbits, MI.: Kregel Academic, 2019.

60- Hulme, Mike. Why we Disagree about Climate Change: Understanding controversy, Inaction and Opportunity, Cambridge and New York: Cambridge University Press. 2009.

61- Hurd, Elizabeth Shakman. "Political Islam and Foreign Policy in Europe and the United States", Foreign Policy Analysis, 3, 2007.

62- Immorth, John P. "Humanityies and its Literature", in Encyclopedia of Liberary and Information Science, Edited by: Miriam Drake, New York: Marcel Dekker Inc., 2003

63- Irwin, Robert. Ibn Khaldun: An Intellectual Biography, Princeton, New Jersey: Princeton University Press, 2018.

64- Irzik, Gurol & Nola, Robert. "Worldviews and their Relation to Science", Science and Education, 2009.

املراجع

Page 433: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

432

65- Kalberg, S. "The Past and Present Influence of World Views: Max Weber on a Neglected Sociological Concept". Journal of Classical Sociology, Vol. 4, Iss. 2, 2004.

66- Kalberg, Stephen. "The Past and Present Influence of World Views: Max Weber on a Neglected Sociological Concept", The Journal of Classical Sociology, vol. 4,no. 2, 2004.

67- Kant, Immanuel. Critique of Judgment, Translated and Introduction by Werner S. Pluhar. Indianapolis: Hachett Publishing, 1987.

68- Kearney, Michael. Worldview, Navato, CA: Chandler and Sharp, 1984.69- Khan, M. Mugtedar. Islam and Good Governance: A political Philosophy of Ihsam. New

York: Palgrave Macmillan, 2019.70- Kilzer, E. & Ross, E. J. Western Social Thought, Milwaukee: The Bruce Publication

Company, 1954.71- Kirby, Alan. Digimodernism: How New Technologies Dismantle the Postmodern and

Reconfigure Our Culture, London & New York: Continuum, 1st ed., 2009.72- Kivunga, Charles. & Kuyini, Hamed Bawa. Understanding and Applying Research

Paradigms in Educational Contexts, International Journal of Higher Education, Vol. 6, No. 5; 2017.

73- Kooij, Jacomijn. De Ruyter, Doret. & Miedema, Siebren. Worldview: the Meaning of the Concept and the Impact on Religious Education, Religious Education (Journal of the Religious Education Association), Volume 108, 2013.

74- Kramer, Martin. Coming to Terms: Fundamentalists or Islamists? Middle East Quarterly, Vol. 10, no. 2, 2003.

75- Kreber, Carolin. Different Perspectives on Internationalization in Higher Education, New Direvtions for Teaching and Learning, vol. 2009, Issue 118، Summer 2009.

76- Kuhn, Thomas. The Structure of Scientific Revolution, 2nd Enlarged Edition, Chicago: University of Chicago Press, 1970.

77- Kuhn, Thomas. The Structure of Scientific Revolutions. Chicago: University of Chicago Press, 4th Ed, 2012 (The 50th Anniversary Edition).

78- Lean, Nathan (Author) and Esposito, John (Foreword). The Islamophobia Industry: How the Right Manufactures Fear of Muslims, London: Pluto Press. 2012.

79- Levinson, David. & Ember, Melvin (eds). Encyclopedia of Cultural Anthropology, New York: Henry Holt and Co, 1996.

80- Lindemann, Bob. Pedagogy For Christian Worldview Formation: A Grounded Theory Study Of Bible College Teaching Methods, Ed.D dissertation, George Fox University, Oregon USA, April 2016.

81- Lowy, Michael & Sayre, Robert. Romanticism Against the Tide of Modernity, translated from French by Catherine Porter, London: Duke University Press, 2001.

82- MacGillivray, Alex. A Brief History of Globalisation: The Untold Story of Our Incredible Shrinking Planet, London: Robinson: 2006.

83- Macy, Deborah & Ryan, Kathleen & Springer, Noah. How Television Shapes our Worldview: Media Representations of Social trends and Change, New York: Lexington Books, 2014.

املراجع

Page 434: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

433

84- March, Andrew. Political Islam, The Annual Review of Political Science, 2015.85- Matthews, Michael R. (ed.). International Handbook of Research in History, Philosophy

and Science Teaching, New York and London: Springer, 2014.86- Mauro, Karina. "The Realistic Method as a Mechanism of Attenuation of the Actor’s

Presence in Theatre and Cinema", Revista Brasileira de Estudos da Presenca (Brasilian Journal of Contemporary Studies), Vol.7, No. 3, 2017.

87- Mazaffari, Mehdi. What is Islamism? History and Definition of a Concept, Totalitarian Movements and Political Religions, Vol. 8, No. 1.

88- McDermott, Terry. Perfect Soldiers: The 9/11 Hijackers: Who They Were, Why They Did It, New York: HarperCollins. 2005.

89- McGrath, Simon & Gu, Qing. Routledge Handbook of International Education and Development, London & New York: Routledge, 1st ed., 2017.

90- McLean, Iain. What is Social Science? The British Academy Site, 20 Nov 2018. 91- Michael, George. Steven Emerson: Combating Radical Islam Defeating Jihadist Terrorism

Middle East Quarterly, Winter 2010.92- Miller, Raymond C. International Political Economy: Contrasting World Views, New York:

Routledge, 2008.93- Morales, Kathy Lynn. An Instrument Validation far a Three-Dimensional Worldview

Survey Among Undergraduate Christian University Students Using Principal Components Analysis, Ed. D Dissertation, Liberty University Lynchburg, Virginia, USA, June 2013.

94- Morgan, D.L. "Paradigms lost and pragmatism regained: methodological implications of combining qualitative and quantitative methods", Journal of Mixed Methods Research, Vol. 1, No. 1, 2007.

95- Mowle, Thomas S. Worldviews in Foreign Policy: Realism, Liberalism, and External Conflict, New York: JohnWiley and sons, 2003.

96- Murphy, Dan & La Franchi, Howard. "Special Briefing: How Radical Islamists see the World", Christian Science Monitor, August 2, 2005.

97- Nash, Ronald. Worldviews in Conflict: Choosing Christianity in a World of Ideas. Grand Rapids, MI: Zondervan Publishing House, 1992.

98- Naugle, David K. WorldView: The History of A Concept, Grand Rapids, MI: William Eerdmans Publishing Co, 2002.

99- Nisbet, Robert. Encyclopedia Britanica, Electronic version, Social Science, Last Updated Nov. 28, 2019.

100- Nye, Mary Jo. Michael Polanyi and his Generaion: The Origin of Social Construction of Scientific Knowledge. Chicago and London: The University of Chicago Press, 2011.

101- Peters, Michael A. The Humanist Bias in Western Philosophy and Education, Educational Philosophy and Theory, vol. 47, Iss. 11, 2015.

102- Peterson, Michael & VanArragon, Raymond (Editors) Contemporary Debates in Philosophy of Religion, Hoboken, NJ: Wiley-Blackwell: 2019.

103- Pojman, Louis & Rea, Michael. Philosophy of Religion: An Anthology, Stamford, CT, USA: Cengage Learning, 2014.

املراجع

Page 435: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

434

104- Polanyi, Michael. Personal Knowledge: Towards a Post-Critical Philosophy, Chicago: University of Chicago Press, 1962.

105- Polanyi, Michael. The Tacit Knowledge, Now York: Doubleday, 1966.106- Popper, Karl. The Logic of Scientific Discovery, London and New York: Routlege, 2014.107- Proctor, douglas. & Rumbley, Laura. (eds.) The Future Agenda for Internationalization in Higher

Education: Next Generation Insights into Research, Policy, and Practice, Internationalization in Higher Education Series, London & New York: Routledge, 1st ed., 2018.

108- Qiang, Zha. Internationalization of Higher Education: towards a conceptual framework, Policy Futures in Education, vol. 1, no 2، 2003.

109- Rao, S. Srinivasa. and Sing, Smriti. "Max Weber’s Contribution to the Sociology of Education: A Critical Appreciation", Contemporary Education Dialogue, vol. 15, no. 1, 2018.

110- Restivo, Sal. The Sociological Worldview, Oxford, UK: Basil Blackwell, 1991. 111- Ridenour, Fritz. So What’s the Difference: A look at 20 Worldviews, Faiths and Religions

and How they Compare to Christianity. Bloomington MN.: Bethany House Publishers; (Updated and Expanded Edition), 2014.

112- Rosand, Eric. "In strategies to counter violent extremism, politics often trump evidence", Brookings Institution, May 6, 2019.

113- Rousseau, David & Billingham, Julie. "A systematic Framework for Exploring Worldviews and its generalization as a Multi-Purpose Inquiry framework", Molecular Diversity Preservation International, Basel, Switzerland, 2018.

114- Rusbult, Craig. Critical Thinking in Public Schools and the Potential Dangers of Worldview Education.

115- Rusbult, Craig. Worldview Education in Public Schools: Is it Balanced and Neutral? 116- Savelieva, Irina. Two-Faced Status of History: Between the Humanities and Social

Sciences, Series: Humanities WP BRP 83/HUM/ 2015, Moscow: National Research University Higher School of Economics. 2015.

117- Schilders, Mariska. et al. "Worldviews and evolution in the biology classroom", Journal of Biological Education, vol. 43, Issue 3, 2009.

118- Schlitz, Marilyn Mandala. & Vieten, Cassandra. & Miller, Elizabeth M. Worldview Transformation and the Development of Social Consciousness, Journal of Consciousness Studies, Vol. 17, No. 7–8, 2010.

119- Schultz, K. Developing an instrument for assessing student biblical worldview in Christian K-12 education, (Doctoral dissertation), Available from ProQuest Dissertations and Theses database, (UMI No. 3534997), 2013.

120- Shah, Vikas. "Theatre, Performance and Society", Thought Economics: Journal of Intellectual Capita, 18th May 2016.

121- Shakeel, M. Danish & Wolf, Partick. Does Private Islamic Schooling Promoe Terrorism? An Analysis of the Educational Background of Successful American Homegrown Terrorists, University of Arkansas, College of Education & Health Professions, Education Reform EDRE Working Papers, 2017.

املراجع

Page 436: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

435

122- Sire, james W. Naming the Elephant: Worldview as a Concept, Downers Grove, IL: InterVarsity, 2004.

123- Sire, James W. The Universe Next Door: A Basic Worldview Catalogue, Downers Grove, IL: InterVasity Press Academic, 5th Ed., 2009.

124- Sire, James, W. The Universe Next Door: A Basic Worldview Catalogue, Downers, IL: InterVasity Press, 4th Ed., 2004.

125- Slife, Brent & O’Grady, Kari & Kosits, Russell. The Hidden Worldviews of Psychology’s Theory, Research and Practice, New York and London: Routledge, Taylor and Francis Group, 2017.

126- Smart, Ninian. Worldviews: Crosscultural Explorations of Human beliefs, New Jersey: Prentice Hall, 2000.

127- Smart, Ninian. Worldviews: Crosscultural Explorations of Human Beliefs. New Jersey: Prentice Hall. 2000.

128- Sproul, R. C. Lifeviews: Understanding the Ideas That Shape Society Today, Grand Rapids, MI.: F.H. Revell, 1998.

129- Srisa-an, Wichit. Global Education for Asia in the Twenty-first Century, Asia-Pacific Journal of Cooperative Education, vol. 3, no.1, 2002.

130- Stanford Encyclopedia of Philosophy. "Albert Camus", Substantive revision, April 10, 2017.

131- Steger, Manfred B. Globalization: A Very Short Introduction, 4th Ed., Oxford: Oxford University Press, 2017.

132- Stuart, Parker. Reflective Teaching In The Postmodern World: A Manifesto of Education in Postmodernity, London: Open University Press, 1997.

133- Toynbee, Arnold. A Study of History, London: Oxford University Press, 1935.134- Ucan, Ayse demirel. Improving the Pedagogy of Islamic Religious Education in Secondary

Schools: The Role of Critical Religious Education and Variation Theory. New York and London: Routledge, 2020.

135- UNESCO. World Social Science Report 2010: Knowledge Divides, Paris: International Social Science Councel and UNESCO Publishing, 2010.

136- UNESCO. World Social Science Report 2016: Challenging Enequalities: Pathways to a Just World. Paris: UNESCO Institute of Development Studies, 2016.

137- Usborne, David. "Musharraf: US Threatened to Bomb Pakistan", The Independent, Sept 22, 2006.

138- Vakili-Zad, Cyrus. Collision of consciousness: Modernization and Development in Iran, Middle Eastern Studies, Vol. 32, no.3, July 1996.

139- Van Dijk, Ludger & Withagen Rob. "The Horizontal Worldview: A Wittgensteinian Attitude Towards Scientific Psychology", Theory and Psychology, Vol. 24, Issue 1, 2014.

140- Vanner, Robin & Bichet, Martha. The Role of Paradigm Analysis in the Development of Policies for a Resource Efficient Economy, Sustainability, Basel, Switzerland: Multidisciplinary Digital Publishing Institute, vol. 8, issue 645, 2016.

املراجع

Page 437: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

436

141- Vidal, Clement. The Beginning and the End: The Meaning of Life in a Cosmological Perspective, New York: Springer International Publishing, 2014.

142- Wallerstein, Immanuel. et al. (eds). Open The Social Sciences: Report of the Gulbernkian Commission on the Restructuring of the Social Sciences. Stanford, CA: Stanford University Press, 1996.

143- Wellman, James K. Evangelical vs. Liveral: The Clash of Christian Cultures inn th eApcific Northwest. New York: Oxford University Press, 2009.

144- Wierzbicka, Anna. Semantics, Culture, and Cognition: Universal Human Concepts in Culture-Specific Configurations, 1st Ed., New York and London: Oxford University Press, 1992.

145- Wilkens, Steve & Sanford, Mark. Hidden Worldviews: Eight Cultural Stories That Shape Our Lives, Downer Grove, Ill.: InterVarsity Press, 2010.

146- Wit, Hans De. et al. (eds).The Globalization of Internationalization: Emerging Voices and Perspectives, Internationalization in Higher Education Series, London & New York: Routledge, 1st ed., 2017.

147- Witt, Annick Hedlund-de. Worldviews and the Transformation to Sustainable Societies: An Exploration of the Cultural and Psychological Dimensions of our Global Environmental Challenges, Ph.D. Dissertation, Universiteit Amsterdam. Netherlands, 2013.

148- Yussen, Steve. "The publication Gap: Western Bias", in Educational Psychology Journal, College of Education and Human Development (CE-HD VISION 2020 BLOG), Posted Apr 22، 2016.

149- Ziolkowski, Theodore. The Sin of Knowledge, Princeton, NJ: Princeton University Press, 2000.

ثالثا: املواقع اإللكرتونيـة:1- http://nama-center.com/Projects/Details/492- http://shc.stanford.edu/what-are-the-humanities 3- http://www.acrseg.org/411744- http://www.alwatan.com.kw/arb5- http://www.al-watan.com/Writer/id/13910 6- http://www.iifa-aifi.org/4883.html 7- http://www.iifa-aifi.org/5201.html 8- http://www.ikhwanonline.com/SectionsPage.asp?SectionID=2149- http://www.meforum.org/54110- http://www.project2061.org/publications/sfaa/online/chap1.htm. 11- http://www.project2061.org/publications/sfaa/online/sfaatoc.htm. 12- https: //cehdvision2020.umn.edu/blog/western-bias-educational-psychology 13- https: //glasgowguardian.co.uk/2016/09/21/western-bias-in-education/14- https://ar.islamway.net/article/16137/-اإلسالميون-ظهور-املصطلح-وحماولة-التحديد

املراجع

Page 438: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

437

15- https://ar.islamway.net/page/101/من-نحن 16- https://ar.wikipedia.org/wiki/تصنيف:حركات_انفصالية 17- https://bit.ly/2OE6K62 18- https://bit.ly/2Oog0MJ 19- https://bit.ly/2qNFN8h 20- https://bit.ly/2Xntzku.21- https://bit.ly/331IgvY22- https://bit.ly/371Uoxq23- https://blogs.ams.org/matheducation/2019/05/06/the-crisis-in-american-education 24-https://blogs.scientificamerican.com/guest-blog/understanding-our-polarized-political-land-

scape-requires-a-long-deep-look-at-our-worldviews25- https://gulfnews.com/opinion/op-eds/the-macron-worldview-1.2025102 26- https://iep.utm.edu/nietzsch27- https://inservice.ascd.org/why-global-education-matters 28- https://jes.ksu.edu.sa/en/node/6133#29- https://network.asa3.org30- https://network.expertisefinder.com/searchexperts?query=Islamis 31-https://ocufa.on.ca/conferences/2019-worldviews-conference-democracy-at-risk-reflect-

ing-on-the-future-of-higher-education-and-media-in-a-post-truth-world/32- https://plato.stanford.edu/entries/aristotle 33- https://plato.stanford.edu/entries/nietzsche34- https://plato.stanford.edu/entries/weber35- https://sites.google.com/site/amnaunv/3-1 36- https://stanford.io/30rIee937- https://tammam.org/45-42-16- 14-11-2010-425/من_اإلعالم.html 38- https://thoughteconomics.com/theatre-performance-and-society39- https://worldviewintelligence.com/clash-of-worldviews-at-the-heart-of-cultural-conflict40- https://www.aaas.org41- https://www.aaas.org/programs/project-206142- https://www.aclu.org/issues/womens-rights. Retrieved43- https://www.asa3.org/ASA/education 44- https://www.asa3.org/ASA/education/views/balance.htm 45- https://www.asa3.org/ASA/education/views/dangers.htm 46- https://www.bbc.com/arabic/interactivity-38386203 47- https://www.bbc.com/news/world-us-canada-52905408 48- https://www.bidayatmag.com/node/41249- https://www.britannica.com/science/anthropology50- https://www.britannica.com/topic/church-and-state51- https://www.britannica.com/topic/humanities

املراجع

Page 439: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

438

52- https://www.britannica.com/topic/modernity 53- https://www.britannica.com/topic/postmodernism-philosophy 54- https://www.britannica.com/topic/social-science 55-https://www.brookings.edu/blog/order-from-chaos/2019/05/06/in-strategies-to-counter-

violent-extremism-politics-often-trumps-evidence56- https://www.cia.gov/library/abbottabad-compound/0B/0B62831082590D4BC69C4A04A

9521E50_haseem.pdf57- https://www.coe.int/t/dg4/intercultural/concept_EN.asp58- https://www.elmogaz.com/print~29249 59-https://www.encyclopedia.com/philosophy-and-religion/philosophy/philosophy-terms-and-

concepts/worldview-philosophy60- https://www.ft.com/content/3148a4c6-7c51-11e7-9108-edda0bcbc92861- https://www.gutenberg.org/files/1185/1185-h/1185-h.htm62- https://www.hafryat.com/ar/blog/اإلسالميون-املستقلون-خمطط-أم-مرحلة؟ 63- https://www.investopedia.com/ask/answers/020915/when-did-globalization-start.asp. 64- https://www.isesco.org.ma/ar/charter-of-isesco65-https://www.jts.org.jo/sites/default/files/qnwn_ltrby_wltlym_rqm_3_lsn_1994_wtdylth.pdf66- https://www.meforum.org/4683/islam-vs-islamism 67- https://www.meforum.org/campus-watch/9263/militant-about-islamism68- https://www.merriam-webstldmer.com/dictionary/Islamism69- https://www.middleeasteye.net/opinion/why-do-they-hate-us-how-west-creates-its-own-enemies70- https://www.nationalgeographic.org/article/global-network71- https://www.nationalreview.com/corner/conservatism-in-defense-of-ideology/72- https://www.newworldencyclopedia.org/entry/Herodotus 73- https://www.newworldencyclopedia.org/entry/Social_sciences74-https://www.nytimes.com/2016/06/17/world/when-a-phrase-takes-on-new-meaning-radi-

cal-islam-explained.html75- https://www.nytimes.com/2019/05/30/world/europe/merkel-harvard-speech.html 76- https://www.projects-alecso.org/_page_id_1045.html 77-https://www.scielo.br/scielo.php?pid=S2237-26602017000300523&script=sci_

arttext&tlng=en. 78- https://www.theatlantic.com/international/archive/2018/04/emmanuel-macron-trump/55894179- https://www.thebritishacademy.ac.uk/blog/what-social-science80-https://www.washingtonpost.com/wp-srv/nation/specials/attacked/transcripts/bushad-

dress_092001.html81- https://www.wfrt.net/WP/cotil/pep3.htm - 36k

املراجع

Page 440: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

439

أإبراهيم )عليه السالم(: 30، 35.

االحتاد األورويب: 365، 366، 367، 368.االحتاد السوفييتي: 327، 382.

اجتامع برشي: 205، 284، 304، 309، 311، 412. ،179 ،176 ،153 ،148 ،102 أيلول: 11 أحداث

.382 ،246 ،192إحصاء العلوم )كتاب(: 200.

أخالق: 11، 26، 38، 46، 55، 61، 71، 73، 80، 87، ،128 ،123 ،119 ،118 ،117 ،100 ،99 ،91 ،241 ،235 ،229 ،228 ،216 ،200 ،172 ،129 ،356 ،335 ،313 ،308 ،286 ،284 ،273 ،245.393 ،381 ،379 ،378 ،375 ،374 ،373 ،370

أخالقيات عاملية: 80.إدراك: 10، 21، 27، 30، 31، 32، 33، 39، 40، 41، ،66 ،63 ،53 ،49 ،48 ،46 ،45 ،44 ،43 ،42 ،246 ،220 ،216 ،174 ،114 ،88 ،76 ،71 ،292 ،290 ،283 ،276 ،273 ،267 ،262 ،250 ،304 ،302 ،299 ،298 ،297 ،296 ،294 ،293 ،407 ،396 ،395 ،391 ،388 ،375 ،351 ،310

.413 ،412اإلدرييس، حممد بن حممد: 239، 293.

أرثوذكسية: 375.أرسطو: 54، 122، 200، 275، 285، 295.

إرهاب: 79، 87، 148، 149، 150، 156، 158، 175، ،192 ،191 ،182 ،181 ،180 ،178 ،177 ،176

.383 ،382 ،377 ،376 ،337 ،336 ،193األزهر: 176، 178، 181، 252، 377.

إسبانيا: 177.اسبوزيتو، جون: 148، 153.

استبدادية: 218. ،308 ،292 ،290 ،289 ،284 ،257 ،9 استخالف:

.320استدالل: 113، 250، 291،408.

استغراب: 103، 191.استقراء: 16، 21، 97، 113، 211، 310، 330، 337،

.394 ،354استهالكي: 72، 80، 83، 91، 187، 260، 337، 340،

.352اإلسالم واحلكم الرشيد )كتاب(: 109.

،253 ،252 ،209 ،116 ،113 ،112 املعرفة: إسالمية .254

،139 ،138 ،137 ،135 ،110 ،80 ،14 إسالميون: ،150 ،149 ،148 ،147 ،145 ،143 ،141 ،140 ،158 ،157 ،156 ،155 ،154 ،153 ،152 ،151 ،166 ،165 ،164 ،163 ،162 ،161 ،160 ،159 ،174 ،173 ،172 ،171 ،170 ،169 ،168 ،167 ،187 ،186 ،185 ،183 ،181 ،179 ،177 ،175

.194 ،193 ،192 ،191 ،190 ،189 ،188اإلسالميون واملسيحيون العرب )كتاب(: 166، 167.األشعري، أبو احلسن: 68، 155، 280، 288، 291.

إصالح فكري: 261.أصولية إسالمية: 179.

إطار مرجعي: 50، 113، 115، 344.إعجاز علمي: 402.

إعالن عامن: 190.اغرتاب: 340.

أغلو، أمحد داود: 116.افرتاضات: 10، 62، 79، 84، 132، 172، 218، 229،

.389 ،387 ،258 ،257 ،240 ،236أفكار: 10، 16، 33، 42، 47، 50، 52، 59، 60، 62، ،98 ،94 ،93 ،92 ،90 ،88 ،87 ،86 ،79 ،63 ،144 ،143 ،141 ،138 ،124 ،123 ،122 ،117 ،193 ،188 ،187 ،184 ،176 ،156 ،151 ،150

الكشاف

Page 441: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

440

،236 ،235 ،229 ،228 ،217 ،216 ،214 ،208 ،278 ،277 ،274 ،260 ،248 ،241 ،240 ،237 ،330 ،326 ،318 ،314 ،302 ،286 ،285 ،279 ،371 ،367 ،356 ،355 ،354 ،351 ،346 ،334

.401 ،397 ،388 ،386 ،385 ،377 ،373أفالطون: 25، 122، 200، 274، 275، 285.

،168 ،167 ،144 ،143 ،129 ،110 ،67 أقليات: .380 ،189 ،187 ،178

إمبيقي: 54، 121، 220، 242، 249، 413.أمة استجابة: 145.

أمة دعوة: 145.أنثروبوجيا: 9، 15، 44، 85، 120، 131، 195، 199، ،239 ،238 ،237 ،234 ،226 ،221 ،206 ،204.414 ،330 ،311 ،244 ،243 ،242 ،241 ،240

أنساق متقابلة: 257.إنسان اقتصادي: 219، 242.

إنسان سلوكي: 242، 243.إنسانيات: 197، 198، 206، 207، 208، 213، 221،

.233 ،224 ،223االنفجار الكبري: 122.

االنقالب الصناعي: 222.االنقالب الكوبرنيكي: 55.

،172 ،171 ،143 ،116 ،87 ،80 ،61 ،56 أوروبا: ،234 ،231 ،229 ،228 ،222 ،216 ،213 ،208

.333 ،326 ،275 ،243 ،235أورومتوسطية: 343.

إيتمولوجي: 47.أيديولوجيا: 46، 57، 58، 59، 60، 86، 87، 88، 95، ،180 ،177 ،155 ،152 ،151 ،128 ،121 ،106 ،352 ،348 ،336 ،319 ،283 ،241 ،234 ،193

.413 ،374 ،373أيزوتسو، تشيهيكو: 33، 34، 45، 47، 48، 67.

إيطاليا: 177.ب

البازعي، سعد: 106.باطنية: 73.

بايبس، دانيال: 149، 153.

بحث تربوي: 62، 352.بحث نوعي: 102.

بريسون، توماس: 209.برش: 9، 10، 12، 17، 21، 28، 29، 32، 33، 34، 41، ،68 ،66 ،59 ،58 ،56 ،53 ،52 ،50 ،45 ،42 ،99 ،93 ،88 ،82 ،81 ،79 ،77 ،76 ،70 ،69 ،128 ،125 ،124 ،122 ،121 ،120 ،118 ،107 ،169 ،162 ،161 ،160 ،143 ،133 ،132 ،130 ،215 ،205 ،200 ،199 ،193 ،187 ،184 ،174 ،240 ،232 ،230 ،226 ،223 ،221 ،217 ،216 ،259 ،255 ،252 ،251 ،250 ،249 ،248 ،246 ،276 ،273 ،270 ،269 ،268 ،267 ،264 ،263 ،290 ،289 ،285 ،284 ،283 ،282 ،280 ،278 ،302 ،301 ،300 ،299 ،297 ،296 ،295 ،294 ،319 ،311 ،309 ،308 ،307 ،305 ،304 ،303 ،333 ،332 ،328 ،327 ،326 ،325 ،323 ،320 ،355 ،354 ،352 ،343 ،339 ،336 ،335 ،334 ،369 ،364 ،363 ،362 ،361 ،360 ،359 ،356 ،400 ،397 ،396 ،393 ،389 ،385 ،378 ،374 ،413 ،412 ،408 ،406 ،405 ،404 ،403 ،402

.414البرشي، طارق: 116، 160، 162.

بطليموس: 124، 293.البنا، حسن: 179.

البنك الدويل: 212، 329.بنيوية: 105، 130، 165، 238، 246.

بوذية: 122، 337.بوالين، مايكل: 216، 217، 219، 220، 226.

بريتراند، ماك: 91، 92.بريوقراطية: 61.

تتاريخ األفكار: 117، 371، 397.

تاريخ الفلسفة اإلسالمية )كتاب(: 274.تاريخ املفاهيم: 52.

تبعية: 13، 54، 244، 323، 340، 341، 352. ،281 ،274 ،223 ،222 ،207 ،180 ،57 جتريبي:

.405 ،402 ،400 ،392 ،391 ،387 ،304

الكشاف

Page 442: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

441

،236 ،234 ،199 ،188 ،151 ،93 ،89 ،52 حتيز: .394 ،353 ،352 ،351 ،350 ،347 ،342 ،321

تدافع: 13، 70، 194، 236، 237، 318.تسخري: 66، 69، 71، 257، 259، 308، 409.

تشومسكي، نعوم: 337. ،214 ،207 ،201 ،200 ،197 ،110 العلوم: تصنيف

.303 ،301 ،263 ،49 ،48 ،47 ،46 ،43 ،42 ،12 ،11 ،10 ،9 تصور: ،107 ،82 ،79 ،69 ،67 ،66 ،62 ،58 ،56 ،50 ،127 ،126 ،124 ،122 ،114 ،111 ،110 ،108 ،188 ،186 ،181 ،173 ،162 ،151 ،144 ،132 ،246 ،242 ،241 ،223 ،222 ،215 ،214 ،203 ،276 ،267 ،262 ،259 ،258 ،257 ،254 ،251 ،411 ،395 ،391 ،378 ،371 ،366 ،304 ،302

.412تطبيع: 372.

،176 ،163 ،154 ،150 ،149 ،119 ،61 تطرف: ،192 ،191 ،190 ،185 ،182 ،181 ،180 ،179

.382 ،379 ،377 ،376 ،245 ،230 ،193تعليم العلوم: 15، 199، 357، 374، 375، 384، 385،

.399 ،395 ،394 ،392 ،388 ،386 ،344 ،342 ،341 ،249 ،232 ،17 جامعي: تعليم

.399 ،359 ،352 ،345 ،179 ،178 ،177 ،176 ،135 ،15 ،14 ديني: تعليم ،357 ،342 ،341 ،216 ،183 ،182 ،181 ،180.384 ،382 ،381 ،380 ،377 ،376 ،375 ،371 ،370 ،360 ،359 ،357 ،323 ،15 العال: رؤية تعليم

.415 ،399 ،383 ،380 ،377تعليم عاملي: 342، 344، 366، 367، 368.

تعليم كاثوليكي: 180.تعليم مدريس: 101، 349.

تغري مناخي: 101، 360. ،160 ،156 ،128 ،124 ،123 ،117 تقدم: 53، 83، ،277 ،260 ،234 ،323 ،227 ،218 ،193 ،186

.410 ،385 ،377 ،346 ،341 ،333 ،296تكامل معريف: 12، 110، 254، 286.

متكني: 31، 63، 66، 69، 72، 75، 101، 151، 250،

،379 ،374 ،368 ،366 ،263 ،262 ،259 ،253.393 ،384

تنافس: 13، 50، 55، 56، 81، 86، 87، 88، 91، 95، .391 ،377 ،348 ،333 ،208 ،175 ،143 ،118

توحيد: 12، 43، 56، 58، 67، 68، 71، 74، 81، 88، ،235 ،228 ،225 ،129 ،121 ،109 ،108 ،107 ،284 ،277 ،268 ،263 ،258 ،257 ،255 ،251

.383 ،368 ،298 ،290 ،286ث

،49 ،48 ،45 ،44 ،41 ،33 ،25 ،15 ،12 ،11 ثقافة: ،91 ،89 ،86 ،85 ،72 ،63 ،61 ،58 ،57 ،52 ،133 ،132 ،126 ،124 ،118 ،99 ،98 ،95 ،221 ،204 ،201 ،187 ،181 ،176 ،170 ،143 ،249 ،245 ،242 ،241 ،240 ،236 ،234 ،226 ،329 ،328 ،326 ،320 ،283 ،271 ،262 ،257 ،352 ،347 ،346 ،345 ،341 ،339 ،338 ،337 ،382 ،369 ،368 ،367 ،366 ،364 ،359 ،354

.415 ،413 ،392 ،386 ،385 ،383ثيولوجي: 66، 121، 224، 412.

ججامعة أركنساس: 180.

جامعة القاهرة: 17، 64، 112، 116، 117، 254.جامعة الوحدة: 248.

جامعة تايلر: 102.

جامعة تورنتو: 98.جامعة هارفارد: 149.جدعان، فهمي: 159.

،97 ،87 ،74 ،73 ،68 ،65 ،61 ،46 ،15 ،9 جدل: ،167 ،158 ،154 ،148 ،127 ،115 ،103 ،101 ،207 ،200 ،197 ،185 ،181 ،177 ،175 ،172 ،270 ،265 ،259 ،247 ،231 ،223 ،219 ،218 ،329 ،328 ،325 ،296 ،283 ،281 ،280 ،271 ،392 ،391 ،389 ،380 ،379 ،377 ،355 ،341

.402جدل نقدي: 223.

مجاعة املسلمني )حركة(: 185.مجاهريية: 11.

الكشاف

Page 443: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

442

اجلمعية األمريكية لتقدم العلوم: 385، 386، 387، 389، .391

اجلنود املثاليون )كتاب(: 179.اجلهاد األمريكي )كتاب(: 149.

جهاديون: 152، 168.جولبريغ، جونا: 59، 60.

جريتز، كليفورد: 241، 242.ح

،102 ،101 ،95 ،91 ،83 ،80 ،61 ،60 حداثة: 35، ،161 ،133 ،130 ،129 ،125 ،123 ،108 ،105 ،335 ،334 ،333 ،245 ،235 ،234 ،227 ،172

.415 ،393 ،378 ،347 ،346 ،337 ،299 ،292 ،151 ،45 ،36 ،21 ،14 نبوي: حديث

.402 ،381احلرب العاملية األوىل: 233.

احلرب العاملية الثانية: 231، 233، 326. ،337 ،336 ،193 ،182 ،87 اإلرهاب: عىل احلرب

.383 ،382 ،107 ،89 ،80 ،70 ،60 ،14 ،12 ،9 حركة، حركات: ،148 ،137 ،135 ،129 ،124 ،123 ،114 ،113 ،163 ،162 ،159 ،158 ،157 ،155 ،152 ،151 ،178 ،175 ،172 ،171 ،170 ،169 ،168 ،167 ،190 ،189 ،188 ،187 ،185 ،184 ،183 ،179 ،318 ،310 ،301 ،294 ،264 ،224 ،214 ،194 ،346 ،345 ،344 ،338 ،332 ،326 ،325 ،319

.396 ،394 ،373 ،372 ،364حركة النهضة )تونس(: 157.

احلزب اجلمهوري: 130.احلزب الديمقراطي: 130.

حزب العدالة والتنمية )تركيا(: 157، 168، 169.ابن حزم، عل بن سعيد: 39، 42، 201، 202.

،112 ،87 ،80 ،73 ،72 ،65 ،61 ،48 ،17 حضارة: ،214 ،204 ،161 ،160 ،123 ،117 ،116 ،115 ،285 ،282 ،263 ،254 ،251 ،246 ،239 ،236.414 ،405 ،370 ،369 ،368 ،324 ،297 ،296

حكمة نظرية: 201.حلزونية: 64، 220.

حوكمة: 180، 182.خ

،67 )كتاب(: ومقوماته اإلسالمي التصور خصائص .276 ،222

ابن خلدون، عبد الرمحن: 12، 13، 15، 41، 202، 204، ،268 ،267 ،265 ،248 ،239 ،210 ،206 ،205 ،276 ،275 ،274 ،273 ،272 ،271 ،270 ،269 ،284 ،283 ،282 ،281 ،280 ،279 ،278 ،277 ،292 ،291 ،290 ،289 ،288 ،287 ،286 ،285 ،300 ،299 ،298 ،297 ،296 ،295 ،294 ،293 ،309 ،308 ،307 ،305 ،304 ،303 ،302 ،301 ،317 ،316 ،315 ،314 ،313 ،312 ،311 ،310

.414 ،404 ،403 ،320 ،319 ،318د

دار اإلسالم: 145، 147.دار احلرب: 147.دار العهد: 147.دار الكفر: 147.

داروين، تشارلز: 124، 127، 295، 403.داروينية اجتامعية: 124.

دافعية: 71، 72، 74، 415.دهرانية: 378.

،100 ،87 ،82 ،65 ،64 ،60 ،50 ،17 ،13 دولية: ،171 ،161 ،147 ،118 ،117 ،116 ،115 ،112 ،212 ،211 ،207 ،204 ،185 ،181 ،175 ،172 ،340 ،329 ،328 ،327 ،258 ،253 ،232 ،214.399 ،385 ،383 ،382 ،365 ،362 ،350 ،345ديمقراطية: 110، 129، 130، 152، 154، 155، 159، .365 ،362 ،192 ،189 ،187 ،169 ،167 ،163

ذذرية: 335.

رالرابطة املحمدية للعلامء: 112.

راديكايل: 149، 150، 154، 155، 163.الرازي، فخر الدين: 40، 41.

،330 ،328 ،327 ،325 ،219 ،213 ،61 رأساملية: .337 ،336

الكشاف

Page 444: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

443

ابن رشد، أبو الوليد حممد بن أمحد: 12، 275، 290.رقمية: 346.

رواية عربية: 105.روح القوانني )كتاب(: 296.

،101 ،88 ،76 ،71 ،70 ،41 ،25 ،11 روح، روحي: ،177 ،161 ،152 ،149 ،127 ،125 ،120 ،108 ،242 ،241 ،235 ،216 ،206 ،192 ،185 ،183 ،289 ،282 ،281 ،274 ،263 ،260 ،257 ،255 ،339 ،330 ،300 ،299 ،298 ،295 ،292 ،291 ،373 ،370 ،369 ،367 ،365 ،362 ،361 ،356

.403 ،395 ،386 ،379 ،378روستيفو، سال: 279.

رؤية العال اإلسالمية: 14، 19، 22، 50، 57، 58، 66، ،112 ،108 ،107 ،103 ،102 ،73 ،72 ،68 ،67 ،250 ،249 ،248 ،247 ،245 ،199 ،186 ،141 ،277 ،276 ،263 ،261 ،259 ،258 ،256 ،251

.415 ،413 ،412 ،401 ،384 ،362 ،319رؤى العال اخلفية: 91.

رؤى العال والعلوم االجتامعية )مؤمتر(: 227.رؤية دينية للعال: 121، 129، 361، 375، 409.

رؤية العال التكاملية: 129.رؤية علمية للعال: 392.

،372 ،249 ،128 ،125 ،102 للعال: مسيحية رؤية .373

رؤية العرص اجلديد: 372. ،225 ،175 ،114 ،109 ،107 إسالمية: كونية رؤية

.277 ،258رؤية قرآنية: 48.

زالزرنوجي، برهان الدين: 40.

سسارتر، جون بول: 99.ستيجر، مانفرد: 326.

سلفي: 67، 151، 157، 162، 168.أبو سليامن، عبد احلميد: 71، 74، 108، 256.

سامرت، نينيان: 373.سميث، آدم: 242.

سنة: 17، 23، 38، 42، 43، 58، 67، 68، 146، 156، ،312 ،311 ،307 ،292 ،291 ،290 ،288 ،285

.402السنة واجلامعة: 280، 288.سوسيولوجيا: 210، 272.سوسيولوجية املعرفة: 272.

،103 ،100 ،90 ،81 ،50 ،49 ،15 ،11 ،10 سياسة: ،156 ،153 ،151 ،137 ،132 ،130 ،128 ،114 ،204 ،200 ،188 ،185 ،172 ،166 ،165 ،157 ،265 ،260 ،254 ،244 ،237 ،221 ،216 ،206 ،297 ،287 ،276 ،273 ،272 ،271 ،270 ،268 ،329 ،316 ،315 ،314 ،313 ،311 ،307 ،305 ،377 ،363 ،355 ،344 ،343 ،342 ،341 ،337

.414 ،393 ،383 ،379 ،378سيبناتيك: 131.

سري، جيمس: 95، 102، 130، 277.سرية نبوية: 146، 147.

ابن سينا، احلسني بن عبد اهلل: 12، 201، 216.ش

الشبكة األوروبية للتعليم العاملي: 367.رشيعتي، عل: 165.

شهادة: 12، 15، 38، 69، 91، 92، 178، 179، 263، .404 ،300 ،298 ،289 ،278

الشوكاين، حممد بن عل: 41، 42.ص

صحوة إسالمية: 138، 161.رصاع: 13، 55، 56، 58، 79، 81، 86، 87، 93، 100، ،237 ،193 ،175 ،171 ،145 ،144 ،124 ،117

.373 ،367 ،333 ،280 ،275 ،240صليبية: 275.

صورة كلية: 46، 76، 94، 132، 188.الصني: 123، 325، 326، 329، 330، 346.

ططالقاين، سيد: 165.

طبيعة: 10، 16، 21، 34، 39، 54، 56، 57، 58، 81، ،122 ،121 ،120 ،111 ،109 ،108 ،96 ،86 ،159 ،145 ،142 ،141 ،133 ،132 ،126 ،124

الكشاف

Page 445: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

444

،200 ،199 ،198 ،183 ،178 ،174 ،169 ،164 ،224 ،223 ،220 ،218 ،217 ،216 ،207 ،205 ،242 ،241 ،238 ،235 ،234 ،232 ،228 ،226 ،256 ،255 ،254 ،252 ،249 ،248 ،246 ،245 ،282 ،277 ،270 ،269 ،267 ،262 ،260 ،259 ،308 ،307 ،304 ،301 ،299 ،296 ،292 ،283 ،360 ،336 ،335 ،334 ،333 ،332 ،310 ،309 ،390 ،388 ،387 ،386 ،378 ،373 ،362 ،361.411 ،410 ،407 ،406 ،397 ،396 ،394 ،392

ظظاهرة: 14، 21، 32، 43، 63، 67، 81، 84، 85، 90، ،176 ،171 ،168 ،128 ،118 ،117 ،113 ،101 ،212 ،208 ،199 ،195 ،190 ،179 ،178 ،177 ،273 ،272 ،262 ،258 ،236 ،235 ،230 ،215 ،325 ،314 ،310 ،309 ،303 ،295 ،276 ،274 ،347 ،345 ،344 ،337 ،335 ،328 ،327 ،326

.415 ،413 ،400 ،354 ،351 ،350 ،349ع

،181 ،162 ،161 ،160 ،149 ،117 إسالمي: عال .382 ،376 ،370 ،260 ،247 ،225 ،224 ،192

عبد احلميد، حمسن: 58.عبد الرمحن، طه: 378.

،116 ،115 ،112 ،65 ،60 الدين: سيف الفتاح، عبد .311 ،254 ،236 ،117

عبده، حممد: 160.عب-ثقافية: 58.

عثامين: 115.عدمية: 83، 95، 102، 125.

ابن عريب، حميي الدين حممد بن عل: 40، 41.عرص التنوير: 60، 61، 206.

العطاس، حممد النقيب: 57، 67، 107، 250، 276. ،53 ،48 ،47 ،42 ،41 ،40 ،39 ،31 ،29 ،28 عقل: ،109 ،99 ،86 ،84 ،74 ،73 ،70 ،69 ،68 ،63 ،178 ،146 ،143 ،125 ،124 ،123 ،122 ،114 ،220 ،217 ،215 ،203 ،201 ،199 ،193 ،188 ،257 ،255 ،251 ،250 ،249 ،242 ،239 ،236 ،295 ،294 ،292 ،291 ،290 ،283 ،280 ،278

،351 ،344 ،334 ،318 ،304 ،301 ،299 ،298 .414 ،405 ،401 ،397 ،388 ،378 ،367 ،361 ،132 ،131 ،100 ،95 ،17 ،15 ،9 االجتامع: علم ،229 ،226 ،221 ،214 ،213 ،206 ،205 ،204 ،279 ،271 ،255 ،253 ،249 ،247 ،243 ،237

.332علم اإلنسان: 15، 195، 216، 237، 238، 239، 240،

.304 ،301 ،299 ،253 ،244 ،243علم السياسة: 114، 221، 237، 254، 272، 305.

علم العدد: 201، 202. ،252 ،224 ،202 ،121 ،73 ،66 ،58 الكالم: علم

.302 ،291 ،259علم الكون: 251، 407.

علم املقادير: 301.علم املنطق: 201، 202، 235، 301.

علم النظم: 100.علم النفس: 9، 81، 95، 100 132، 198، 206، 221،

.351 ،332 ،276 ،271 ،243 ،237 ،226علم داللة القرآن: 34، 48.

علامين، علامنية: 49، 67، 94، 110، 120، 140، 154، ،167 ،165 ،164 ،163 ،159 ،158 ،157 ،156 ،273 ،249 ،228 ،206 ،172 ،171 ،169 ،168

.393 ،384 ،379 ،378 ،377 ،333 ،279 ،254 ،250 ،248 ،239 ،205 ،71 ،68 ،9 عمران: ،289 ،284 ،283 ،282 ،270 ،268 ،267 ،257 ،314 ،312 ،311 ،305 ،304 ،297 ،296 ،290

.412 ،408 ،320 ،319

العوا، حممد سليم: 160، 162. ،66 ،42 ،41 ،40 ،39 ،38 ،29 ،28 ،27 ،25 عوال: ،278 ،270 ،259 ،219 ،123 ،76 ،71 ،70 ،69 ،361 ،338 ،307 ،304 ،292 ،291 ،289 ،283

.406 ،363 ،161 ،138 ،133 ،118 ،60 ،57 ،52 ،15 عوملة: ،323 ،321 ،318 ،262 ،237 ،208 ،175 ،170 ،331 ،330 ،329 ،328 ،327 ،326 ،325 ،324 ،343 ،341 ،340 ،339 ،337 ،335 ،333 ،332 ،366 ،355 ،353 ،351 ،349 ،347 ،345 ،344

الكشاف

Page 446: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

445

.415 ،413غ

غاليلو: 55، 394.غانم، إبراهيم البيومي: 213، 214.

،110 ،40 ،39 ،12 حممد: بن حممد حامد أبو الغزايل، .286 ،202

الغزايل، حممد )الشيخ(: 160.غزو استعامري: 61.

غوش، هيو: 387. ،76 ،69 ،57 ،42 ،40 ،38 ،28 ،25 ،15 ،12 غيب: ،270 ،265 ،263 ،259 ،255 ،248 ،133 ،118 ،299 ،298 ،291 ،289 ،288 ،279 ،278 ،277 ،402 ،400 ،387 ،375 ،333 ،329 ،309 ،300

.405 ،404 ،403ف

الفارايب، أبو نرص حممد بن حممد: 200، 201. ،255 ،254 ،252 ،251 ،107 إسامعيل: الفاروقي،

.256فاينانشال تايمز )صحيفة(: 104.

فرضية: 33، 294، 392.فساد: 13، 38، 70، 180، 246، 342، 406.

فضاء إلكرتوين: 168. ،115 ،114 ،113 ،112 ،65 ،64 منى: الفضل، أبو

.257 ،254 ،295 ،264 ،236 ،82 ،81 ،77 ،71 ،69 فطرة: 39،

.404 ،309فقه املراجعات: 89، 90.

فقه املعامالت: 204، 214، 224، 251.فقه املواطنة: 144، 146.

فالحون: 44، 157، 310.فلسفة: 11، 12، 26، 46، 47، 48، 49، 50، 51، 52، ،97 ،82 ،81 ،77 ،74 ،73 ،67 ،64 ،58 ،54 ،120 ،111 ،110 ،109 ،108 ،103 ،102 ،99 ،129 ،127 ،126 ،125 ،124 ،123 ،122 ،121 ،200 ،183 ،181 ،177 ،166 ،133 ،132 ،130 ،217 ،216 ،215 ،206 ،204 ،203 ،202 ،201 ،231 ،230 ،226 ،224 ،223 ،222 ،221 ،220

،252 ،251 ،247 ،246 ،241 ،240 ،235 ،234 ،302 ،286 ،285 ،280 ،275 ،274 ،272 ،253 ،361 ،351 ،346 ،344 ،342 ،337 ،333 ،312 ،392 ،391 ،386 ،377 ،376 ،375 ،372 ،371

.413 ،401 ،399 ،394فيب، ماكس: 228، 229.

فيدال، كليمنت: 127، 128.ق

،29 ،28 ،27 ،25 ،23 ،21 ،19 ،14 الكريم: القرآن ،49 ،45 ،43 ،42 ،38 ،36 ،34 ،33 ،31 ،30 ،277 ،113 ،112 ،109 ،108 ،68 ،59 ،58 ،405 ،404 ،402 ،401 ،399 ،381 ،378 ،292

.408 ،407 ،406قريش، قرشية: 25، 286، 316.

القرضاوي، يوسف: 160، 161.قطب، سيد: 66، 179، 222.القنوجي، صديق خان: 203.

قوانني كونية: 311.قيم، قيمة، قيمي: 12، 46، 47، 49، 60، 61، 62، 69، ،99 ،92 ،89 ،87 ،85 ،83 ،80 ،79 ،73 ،70 ،127 ،123 ،119 ،114 ،113 ،111 ،108 ،101 ،178 ،174 ،167 ،161 ،146 ،133 ،130 ،129 ،217 ،214 ،206 ،198 ،192 ،189 ،188 ،182 ،242 ،241 ،236 ،234 ،233 ،231 ،229 ،226 ،260 ،257 ،256 ،254 ،253 ،251 ،250 ،249 ،330 ،329 ،328 ،319 ،311 ،295 ،277 ،264 ،355 ،346 ،344 ،343 ،342 ،340 ،339 ،338 ،366 ،364 ،363 ،362 ،361 ،360 ،359 ،356 ،395 ،383 ،381 ،377 ،376 ،371 ،369 ،368

.414 ،408 ،403 ،401 ،398 ،396ك

كامو، ألبريت: 99.كانط، إيامنويل: 53، 124، 125، 228، 250، 378.

كسبية: 303.كسل ذهني: 178.

الكندي، يعقوب بن إسحق: 12، 285..403 ،394 ،380 ،372 ،123 : كنيسة، كنيس

الكشاف

Page 447: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

446

الكواكبي، عبد الرمحن: 155.كواالملبور: 167.

كوبرنيكوس: 124، 216، 394.كوردوان، واينفرد: 102.

،226 ،220 ،218 ،217 ،115 ،62 توماس: كون، .227

كولونيالية: 243.ل

،33 ،27 ،26 ،25 ،23 ،21 ،19 ،16 ،14 ،10 لغة: ،66 ،59 ،53 ،52 ،51 ،50 ،49 ،47 ،45 ،42 ،114 ،106 ،105 ،104 ،103 ،97 ،89 ،87 ،72 ،193 ،191 ،190 ،178 ،177 ،152 ،132 ،125 ،236 ،235 ،209 ،208 ،202 ،201 ،199 ،198 ،286 ،281 ،272 ،260 ،253 ،251 ،244 ،243 ،344 ،343 ،342 ،338 ،337 ،332 ،326 ،302

.379 ،366 ،364 ،362

لوينشتاين، أنتوين: 336، 337. ،330 ،327 ،240 ،219 ،159 ،151 ،128 ليبالية:

.381 ،380 ،376 ،340م

ماثيوز، مايكل: 386.مارش، أندرو: 151، 152.

ماركس، كارل: 59، 228، 274، 279.ماركسية: 240، 241، 279، 372، 373، 374.

ماسرتخيت: 366.مالكي، مالكية: 280، 284، 288.

مثالية: 105، 122، 123، 174، 228، 235، 240.مثقف: 16، 17، 105، 129، 145، 149، 170، 318،

.397أبو املجد، أمحد كامل: 162.

جممع الفقه اإلسالمي الدويل: 382، 383.حمتوى فكري: 99، 256.

مدارس فكرية: 13، 15، 67، 68، 80، 176، 383، 414.مذاهب فكرية: 223، 359.

مرجعية: 12، 13، 14، 17، 21، 46، 65، 77، 81، 97، ،130 ،127 ،125 ،120 ،113 ،107 ،106 ،104 ،225 ،218 ،214 ،201 ،187 ،169 ،146 ،132

،274 ،269 ،264 ،258 ،256 ،250 ،245 ،228 ،375 ،347 ،342 ،338 ،333 ،332 ،311 ،293

.399 ،394 ،384 ،379 ،376 ،111 ،93 السياسات: ودراسة لألبحاث العريب املركز

.167 ،154املركز الفرنيس لدراسات الرشق األوسط: 171.

املركز الكاثوليكي للدراسات: 190.مسترشق: 148، 237، 274، 284.

،130 ،128 ،125 ،120 ،102 ،92 ،91 مسيحية: ،372 ،337 ،326 ،277 ،275 ،256 ،249 ،150

.403 ،387 ،379 ،375 ،373مشرتك إنساين: 73.

،161 ،156 ،149 ،130 ،116 ،112 ،90 مرشوع: ،194 ،189 ،187 ،186 ،184 ،167 ،165 ،164 ،254 ،253 ،252 ،243 ،234 ،228 ،225 ،220

.388 ،387 ،364 ،343 ،301 ،258مصطفى، نادية: 17، 65، 112،115، 116، 258، 328،

.343 ،342املطهري، مرتىض: 108، 277.

،217 ،203 ،200 ،127 ،114 ،108 ،57 معايري: ،345 ،341 ،339 ،338 ،329 ،301 ،277 ،264

.398 ،397 ،396 ،386 ،372معتزلة: 74، 281، 291.

،82 ،76 ،62 ،55 ،54 ،48 ،47 ،45 ،10 معتقدات: ،129 ،122 ،114 ،101 ،94 ،91 ،85 ،84 ،83 ،237 ،229 ،224 ،221 ،220 ،182 ،142 ،132 ،318 ،285 ،283 ،276 ،274 ،262 ،241 ،239 ،374 ،373 ،372 ،371 ،360 ،344 ،340 ،336

.413 ،411 ،393 ،388 ،386 ،380 ،160 ،131 ،127 ،126 ،92 ،82 ،33 معلومات: ،348 ،345 ،338 ،337 ،330 ،299 ،259 ،246

.398 ،384 ،366 ،354 ،350 ،117 ،116 ،113 ،17 اإلسالمي: للفكر العاملي املعهد

.258 ،253 ،252املعهد امللكي للدراسات الدينية: 166.

مقصد: 95، 263، 302، 303، 381.امللل والنحل: 58.

الكشاف

Page 448: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

447

اململكة املتحدة: 348، 349.مملوكي: 115.

مناظرة: 26، 214.منتدى: 148، 149، 167.

،342 ،197 والثقافة: والعلوم للرتبية اإلسالمية املنظمة .369

املنظمة العربية للرتبية والثقافة والعلوم: 342، 386، 369.منظمة جماهدي خلق: 165.

منظور: 26، 49، 50، 57، 64، 65، 76، 80، 87، 95، ،175 ،132 ،117 ،116 ،115 ،114 ،113 ،112 ،339 ،333 ،328 ،263 ،258 ،254 ،250 ،249

.409 ،408 ،384 ،342منظومة: 47، 60، 65، 70، 83، 86، 101، 113، 115، .363 ،343 ،342 ،340 ،260 ،254 ،251 ،214

منهاج خفي: 359. ،223 ،222 ،206 ،189 ،111 ،96 ،70 ،33 منهج: ،281 ،279 ،276 ،275 ،269 ،236 ،235 ،226 ،367 ،354 ،339 ،315 ،311 ،310 ،292 ،285 ،394 ،391 ،384 ،381 ،378 ،376 ،373 ،370

.414 ،401 ،395منهج سنني: 311.

منهج علمي: 111، 376، 378، 391، 395، 401.منهجية إسالمية: 113، 258، 259.

املودودي، أبواألعىل: 179.مؤسسات اجتامعية: 61، 176.

مؤسسات الدولة: 139.موسوعة: 52، 60، 99، 123، 204، 206، 228، 238،

.326 ،241املوسوعة البيطانية )كتاب(: 60، 206، 240، 379.

موسى )عليه السالم(: 28، 34، 406.مريكل )املستشارة األملانية(: 103.

ميكانيكا الكم: 230، 231.ن

ناش، رونالد: 372.ابن نبي، مالك: 117.

،231 ،124 ،91 ،61 ،56 ،55 ،54 ،49 ،33 نسبية: .393 ،381 ،372

نظام تعليمي: 181.نظام عاملي: 79، 175، 328.

نظرية: 26، 53، 54، 55، 62، 66، 84، 86، 91، 111، ،127 ،125 ،124 ،123 ،117 ،115 ،114 ،112 ،210 ،203 ،201 ،200 ،199 ،167 ،159 ،142 ،232 ،331 ،230 ،227 ،219 ،218 ،217 ،216 ،271 ،264 ،259 ،258 ،257 ،248 ،235 ،234 ،295 ،285 ،284 ،283 ،280 ،279 ،275 ،274 ،393 ،392 ،390 ،389 ،384 ،381 ،337 ،329

.403 ،402 ،401نقد احلكم )كتاب(: 53، 250.النقد الدويل )صندوق(: 329.

،110 ،64 ،63 ،62 ،59 ،57 ،50 ،46 ،10 نموذج: ،217 ،186 ،159 ،121 ،117 ،115 ،114 ،113 ،335 ،320 ،314 ،286 ،267 ،226 ،220 ،218

.407 ،378 ،350

هناية التاريخ: 79، 327. ،261 ،211 ،165 ،139 ،17 ،12 حضاري: هنوض

.410 ،267نوجل، ديفيد: 53، 218، 371.

نيتشه، فريدريك: 123، 228، 229، 235.ه

هندوسية: 337.هويدي، فهمي: 160، 162.

هيبت، بول: 331، 335.

هيل، كارول: 126، 127.و

واشنطن بوست )صحيفة(: 149، 192.واقع، واقعية: 9، 10، 13، 15، 57، 58، 60، 61، 63، ،90 ،89 ،86 ،82 ،77 ،76 ،74 ،73 ،67 ،64 ،114 ،111 ،108 ،107 ،106 ،99 ،98 ،95 ،144 ،139 ،138 ،129 ،122 ،121 ،117 ،115 ،167 ،165 ،161 ،160 ،158 ،147 ،146 ،145 ،199 ،198 ،197 ،194 ،186 ،185 ،178 ،174 ،232 ،227 ،222 ،221 ،220 ،215 ،211 ،210 ،257 ،256 ،253 ،248 ،245 ،242 ،241 ،233 ،310 ،298 ،297 ،295 ،294 ،282 ،267 ،262

الكشاف

Page 449: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

448

،350 ،349 ،342 ،335 ،318 ،316 ،315 ،314.414 ،413 ،387 ،381 ،354

،45 ،44 ،43 ،33 ،32 ،23 ،12 ،9 وجودية: وجود، ،76 ،71 ،69 ،68 ،60 ،58 ،51 ،49 ،47 ،46 ،97 ،95 ،90 ،89 ،88 ،85 ،84 ،82 ،81 ،80 ،118 ،114 ،108 ،107 ،106 ،102 ،101 ،99 ،130 ،128 ،127 ،125 ،122 ،121 ،120 ،119 ،180 ،169 ،161 ،159 ،156 ،155 ،144 ،133 ،224 ،222 ،213 ،209 ،207 ،202 ،197 ،188 ،251 ،249 ،245 ،243 ،242 ،241 ،240 ،235 ،283 ،279 ،278 ،276 ،270 ،269 ،265 ،262 ،297 ،296 ،294 ،293 ،292 ،290 ،289 ،288 ،351 ،327 ،316 ،309 ،308 ،304 ،303 ،298 ،375 ،374 ،373 ،371 ،368 ،361 ،360 ،359 ،390 ،389 ،687 ،386 ،383 ،381 ،379 ،378 ،4.8 ،405 ،404 ،401 ،400 ،393 ،392 ،391

.413 ،411 ،95 ،90 ،76 ،70 ،59 ،58 ،21 ،17 ،12 ،9 وحي:

،225 ،221 ،163 ،152 ،146 ،133 ،121 ،108 ،398 ،303 ،301 ،300 ،277 ،276 ،263 ،251

.407 ،404 ،376 ،373 ،352 ،302 ،180 ،144 ،105 وسيلة:

.383 ،157 ،153 ،150 ،128 األمريكية: املتحدة الواليات ،252 ،248 ،233 ،227 ،208 ،192 ،176 ،171 ،352 ،350 ،349 ،347 ،344 ،329 ،327 ،326

.398 ،382 ،379 ،372 ،371 ،365 ،353ي

اليابان: 122، 177، 330، 346.يساري: 151.

يقني: 31، 202، 298، 321، 347، 348، 349، 350، .410 ،408 ،403 ،400 ،393

يوسف )عليه السالم(: 30، 31.يوناين: 25، 54، 56، 73، 74، 200، 201، 239، 326. ،345 ،214 ،212 ،211 ،182 ،181 ،80 يونسكو:

.350 ،349

الكشاف

Page 450: غلاف رؤية العالم - International Institute of Islamic Thought

المعهد العالمي للفكر اإلسالمي

تربوي وأستاذ جامعي أردين، حصل عىل دكتوراه يف الرتبية العلمية وفلسفة العلوم اجلامعة يف الرتبوي النفس علم يف وماجستري األمريكية، ميشجان والية جامعة يف األردنية، ودبلوم عايل يف تدريس العلوم يف جامعة ردينغ الربيطانية، وبكالوريوس يف الكيمياء واجليولوجيا يف جامعة دمشق. عمل يف التعليم املدريس واجلامعي مدة ثالثني غ للعمل الفكري منذ عام 1996م. يعمل حاليا باحثا يف المعهد العالمي عاما، ثم تفر

للفكر اإلسالمي. وهو عضو جممع اللغة العربية األردين.

صدر له يف السنوات األخرية مجموعة من الكتب، منها: منهجية التكامل المعريف، والبناء الفكري، وأربعة التربوية. وتجلياتها المقاصدية القيم ومنظومة اإلسالمي، الرتبوي والفكر الرتاث موضوع يف مجلدات

[email protected] :البريد اإللكرتوين

هذا الكتاببة تتجىل بوضوح يف األبعاد السياسية يعاين الواقع العريب واإلسالمي من أزمة مركواالقتصادية واالجتامعية، لكن من اخلطأ أن نتجاهل البعد الفكري والثقايف الكامن يف هذه األزمة، وهو البعد الذي يتمثل يف رؤيتنا ألنفسنا وللعالم من حولنا. وقد أصبح األمر الواقع؛ لذلك الفكرية احلالة تفرس التي املفاهيم واحدا من العالم رؤية مفهوم به، املبارشة الصلة ذات واملصطلحات واملفاهيم املفهوم ذلك دراسة يستدعي الذي

.ياته يف األبعاد واملجاالت األخر وفهم جتل

ويتفق معظم الباحثني يف موضوع رؤية العالم عىل أن التصورات واملعتقدات التي تستقر يف صور اإلدراك ويته ه عن وتعرب املجتمع أفراد بني أفقيا ومتتد مشرتكة، تصورات تصبح تلقائية بطريقة البرشي والسلوك ث من جيل إىل جيل عموديا، لتعرب عن استمرار اهلوية واالنتامء يف املجتمع عرب الزمن. ومع ر وانتامئه، وقد تولكنه أصبح موضوعا مطروقا يف اإلعالم الفلسفة والدين والعلم، ميادين بدأ يف أن استخدام هذا املصطلح

ز أمهية دراسته يف السياق املعارص. والسياسة والتعليم واألدب والفن، وغري ذلك، مما يعز

وقد اجتهد املؤلف يف تأصيل مفهوم رؤية العالم بمرجعية قرآنية، ويف تناول الطرق التي حيرض فيها هذا املفهوم، وما يتصل به من ممارسات يف الفكر البرشي املعارص، وميادين العلوم املختلفة، وبرامج التعليم.

9 781565 648302

ISBN 978-1-56564-830-2