Top Banner
لكاتبة : اسم ا روان فؤاد أبوجودة
54

من مرآة الحياة

Jul 25, 2016

Download

Documents

Rawan Abujodah

كُتبت هذه الأحداث بهدف إيقاظ البشرية والإنسانية بخلد كل فرد على هذا الكوكب ، فهي أحداث علمية إنسانية من نسج الخيال ، مستوحاة من مرض ضمور المخيخ والحبل الشوكي ، كتبت السطور والكلمات لإخبار كل مريض بأن الجميع معه ، وأن الحياة لم تنته لحظة معرفته للمرض ، والعكس صحيح فهي بدأت بتلك اللحظة والأمل رفيق كل مريض وتتحدث الكلمات عما يصاحب المرض من أحداث وأعراض ، كما تحمل الصفحات بين ثناياها عدة أفكار وعبر مستوحاة من ظلمات العيش الضنك ، لتخلق أملاً ينعش في أنفسنا روعة ما ذبل ، فشعور الإنسان بأقرانه يرفع الثقل عن قلبه، ويخبره أنه ليس وحيداً ضد هذه الحياة التعيسة . والأحداث عبارة عن قصص وأحداث متشابكة ، فالقصة الأولى تتحدث عن المظاهر الكاذبة والثانية هي مصارعة المرض محورها الأمراض مستعصية الشفاء وتجتمع كلتا القصتين تحت راية الأمل والندم،والمظاهر الفارغة. أرجو أن تصل كل الأفكار بصورة صحيحة وواضحة….
Welcome message from author
This document is posted to help you gain knowledge. Please leave a comment to let me know what you think about it! Share it to your friends and learn new things together.
Transcript
Page 1: من مرآة الحياة

اسم الكاتبة :

أبوجودة روان فؤاد

Page 2: من مرآة الحياة

[1]

Page 3: من مرآة الحياة

[2]

من مرآة الحياة

Page 4: من مرآة الحياة

[3]

روان فؤاد أبوجودة

Page 5: من مرآة الحياة

[4]

: هداءاإل

في هذا العالم ، الى كل إنسان ما زال يمتلك إلى كل إنسان

ضميرا ال يسمح له بانتهاك االنسانية واالعتداء على سعادة

فض مشاعره وتثور عند ذرف اآلخرين ، إلى كل إنسان تنت

وانسكاب الحزن على أمثاله من البشر والكائنات الحية ، الدموع

رين ، وإلى ترهقه ألما وشعورا باآلخإلى كل من يمتلك أعصابا

هانات للبشرية والناس ، ل من يتمرد عليه جنانه عند سماع إك

إلى كل كائن يمكن إطالق كلمة إنسان عليه في زمن خال من

.اإلنسانية

Page 6: من مرآة الحياة

[5]

بسم هللا الرحمن الرحيم

Page 7: من مرآة الحياة

[6]

المقدمة :

السعادة واألمل ال يسقطان مع المطر ، بل هما مشاعر خامة تشكلها

.بيدك لتصنع الغبطة لنفسك ولمن حولك

بهدف إيقاظ البشرية واإلنسانية بخلد كل فرد على كتبت هذه األحداث

علمية إنسانية من نسج الخيال ، مستوحاة من ، فهي أحداثهذا الكوكب

إلخبار كل كتبت السطور والكلمات ضمور المخيخ والحبل الشوكي ، مرض

مريض بأن الجميع معه ، وأن الحياة لم تنته لحظة معرفته للمرض ،

بدأت بتلك اللحظة واألمل رفيق كل مريض وتتحدث والعكس صحيح فهي

الكلمات عما يصاحب المرض من أحداث وأعراض ، كما تحمل الصفحات

أفكار وعبر مستوحاة من ظلمات العيش الضنك ، لتخلق أمال بين ثناياها عدة

، عن قلبه شعور اإلنسان بأقرانه يرفع الثقلنفسنا روعة ما ذبل ، فأينعش في

عبارة عن حداثواأل وحيدا ضد هذه الحياة التعيسة .ويخبره أنه ليس

ألولى تتحدث عن المظاهر الكاذبة قصص وأحداث متشابكة ، فالقصة ا

مع ة هي مصارعة المرض محورها األمراض مستعصية الشفاء وتجتوالثاني

والندم،والمظاهر الفارغة.كلتا القصتين تحت راية األمل

.…وواضحة أرجو أن تصل كل األفكار بصورة صحيحة

وهللا ولي التوفيق

Page 8: من مرآة الحياة

[7]

ليس مجرد مركز اجتماعي رفيع ، وليس بابا لجني " النجاح في الطب

المال فحسب ، النجاح في الطب هو كنز من السعادة ، فالشعور الذي يراود

الطبيب عند عالج مرض مستعصي الشفاء ال يضاهيه شعور ، ان تنقذ

مريضا من المرض كمن منع حوتا من أكل سمكة ، او كمن أطفأ شمعة

ة ن تحرق فراشة كانت محلقة في الهواء ، الطب مهنة نبيلة ، وغايكادت ا

ال الطب كلمة صغيرة ولكنها تحمل معان رفيعة ، تأخذك في سعادة غامرة ،

، الطب أجمل المهن وأطهرها ، فهو قدوة باقي المهن متناهية بين ثناياها

ل براثن المرض هو أعظم إنجاز وأجمل غاية ، هو وأسمى الغايات ، فقت

نهاية التعاسة ، ووالدة حياة أفضل فالمرض مجرد فاصل تعيس يمحوه

.الطبيب الستكمال الحياة التي تخللها المرض لبعض الوقت القصير "

هذا كان خطاب الطبيب أحمد الحاصل على جائزة أفضل طبيب

اء على براثن مرض الرنح النخاعي ضلألعصاب وذلك لنجاحه في الق

المخيخي ، ذلك المرض مستحيل الشفاء ، المرض الذي قضى على العديد

حرمة اإلنسانية ، فحرم طفلة من ع امن األشخاص ، ذلك المرض الذي لم ير

أمها ، حضنعناق أبيها بالقضاء عليه ، المرض الذي اختطف طفلة من

ا من آالمه ، لقد عذب أشخاصا دون المرض الذي لم يرحم صغيرا أو كبير

. االكتراث ، فكان عدو الحياة حبيب الظالم

Page 9: من مرآة الحياة

[8]

وأنه قد يفوت استيقظ أحمد على صوت والدته معلنة بأن الوقت تأخر

سيارته ن بقي نائما ، فاستيقظ واستقبل صباحه ، فركب محاضرته األولى ، إ

حلمه في الصباح ، هل يمكن ان ذ بخواطره تذهب إلى وتوجه الى الجامعة وإ

تكون رؤيا ؟؟ هل يعقل أن يتمكن من التغلب على مرض غلب كل من

صارعه وحاول مواجهته ؟

وصل الجامعة وجلس يصغي بإرهاف إلى أستاذ علم تشريح خاليا

ليس بالعلم "علم األعصاب : عمر الذي اختتم محاضرته قائال .الدماغ د

ها أو حتى أسبابها ء باألمراض التي لم يعلم شفاؤالسهل فهو محفوف وملي

نقاذ روح من شر المرض , ولكن الشىء يقتل محاولة طبيب يعمل بجد إل

, وعليكم كأطباء وعدة المستقبل فالشمس تشرق مهما بلغ عدد حبات المطر

دامكم األشواك , ال قالتجمل بالصبر وعدم فقدان األمل مهما أدمت أالمزهر

التفقدوا أمل التغلب على اآلالم فالمجد والوصول إلى قمم الشفاء تيأسوا ,

خترتم الرقي إلى أول درجة في السلم حة وطالما اار السامقة ليست نزهة أو

في وديان الموت من المتحمسين لرمي أرواحهم - فجر إصفاء الطالب

لشاب بضحكات متقهقرة ناجمة من سذاجة زياد ذلك ا -رينأجل إنقاذ اآلخ

مستهتر ه مغرور بثرائه وفاشل في دراسته ، الذي يقال عنه ومعروف بأن

بحياته , وقال : " في عصرنا ال يضحي الوالد من أجل ولده فكيف يضحي

, ثم أطلق " طبيب بحياته ووقته من أجل مريض شارف على الموت

ضحكات عالية وخرج من القاعة .

من خيبة أمل فهو يظن أن الحياة نظر أحمد إلى زياد بنظرات حزينة نتجت

كانت خيبته بوجود هذه ، خلت من األنانية وأن التضحية هي عنوان األيام

أجود ظنت أن الفئة في المجتمع كخيبة ام ظنت أن طفلها نبيل األخالق و

Page 10: من مرآة الحياة

[9]

ببطانه عت بمظهره الفارغ وعند إمعان النظرالمكارم متجسدة به لكنها خد

عماق .عرفت حقيقة جوهره وسبرت األ

هن أحمد بوقوف زميله آدم الذي وقف واعتذر على ما توقف شرود ذ

فعله زياد بالنيابة عنه ورجى من د.عمر استطراد خطابه معلنا برغبة الجميع

لإلصغاء.

الرقي خترتماحابة صدر وابتسم قائال وطالما عتذار برفتقبل د.عمر اال

حاولوا جاهدين كي تصمدوا وتحاربوا كل المخاطر السلم في درجة أول إلى

جابيات يوالمصاعب في العالج فالطبيب كالمنارة بالنسبة لمرضاه تعكس اإل

العتمة في أقرب واألهم نبراس ينير طريق مظلم وتضيء وتبتلع السلبيات

آمالهم إلى الفؤاد , فكونوا أطباء صالحين ومثابرين , حفظكم هللا يا شعلة

واعلموا أنكم كلما تعمقتم في ، اعب ويا ابتسامات المستقبلتضيء المص

. " الدماغ أدركتم مدى جهلكم وسذاجة غروركم

صفق الجميع وعلت األصوات دليال على اإلعجاب بالخطاب , فارتفعت

الهمم وابتسموا استعدادا لمحاربة المرض فارتجل الجميع على أقدامه واثنوا

حـمد بقي في مقعده جالسا يسبح فكره في على محاضرهم ثم انصرفوا إال أ

مس ، مهما مات د. عمر باله فابتسم وقال : ستشرق الشحلم الصباح وترن كل

ارتجل وخرج من القاعة وإذ هو يسمع صوت ثم ، بلغ عدد حبات المطر

تظهر كل شهر ناديه فصافحه وقال ما بالك كشمس الشتاءصديقه إبراهيم ي

مرة وقد ال تظهر!

ابتسم أحمد لكالم إبراهيم وقال : كل خبي مآله إلى الظهور يا صديقي ,

رد ج والمشاغل تعصف بحياتي فاعذرني وكما تعلم نحن على مشارف التخر

في واهتم لمستقبلك فحياتنا ، ال تكترث يا صديقي لكالمي : إبراهيم مجيبا

ن اعذرني محدودة وعلينا اقتناصها واآل رممدودة بإمكانيات غي هذه المرحلة

Page 11: من مرآة الحياة

[10]

في منزل آدم كما اليوم هو اجتماعنا ال تنس هب لمحاضرتي , ولكنذسأ

.اتفقنا من قبل

يمناها ، وألقى السالم على أبيه ل توجه أحمد الى منزله فحيا والدته وقب

. قائال : اقترب موعد تخرجي و بدأ الحديث جلس معهف

جعلك طبيبا بالطبع يا ولدي لم أنس ذلك ولن أنس ، أدام هللا فرحك و

نتظرت تلك اللحظة لقد ا ربي نبض أصالتهم . جعلكيسطع بين األطباء ،

الحا ، وطبيبا مخلصا وناجحا . طيلة حياتي، ورجوت ربي كي أراك ابنا ص

هو التضحية واذا ن غذاء الشرفاء " إ : وتذكر هذه الكلمات في عملك

، والخداع ، انحرفت يوما عن الصواب وقررت التغذي على الغش والكذب

تشبعهم هذه األفعال الدنيئة ،ن أمثالنا ال أل والجشع واألنانية فستضور جوعا

لن تجد أي أحد في عونك ، واذا في حال نزلت لرغباتك وازداد جشعك و

ير حياتك وأدعو ربي لين . كانت األنانية قوت المجتمع فأنت لست جائعا

ويحقق كل ما تريد وتطلب .

جاهدا لتحقيق دمعت عيناي الوالد وتأثر ابنه فقبل يده وقال أعدك السعي

أهمية سعادة : عيني وسأضع نصبمطالبك ورعاية زهرة نجواك لي ،

. ، و أهمية التحلي باألخالق النبيلة رين وعالجهماآلخ

Page 12: من مرآة الحياة

[11]

قة آدم المطلة على شاطئ في المساء جلس أطباء المستقبل في حدي

عليل م الصوت األمواج الهادئة يقتل الصمت المأتمي ، ورائحة النسي، البحر

اع العطور ، فيخلق أجمل أنو الزئبق ورديزكي الجو ويمتزج مع عبير

نارة ظلمة الليل الدامسة ، واألشجار القمر والنجوم المتأللئة كفيل بإ وضوء

الصغيرة الى روضة تلك المظاهر الحديقة كل الداكنة تجمل الحديقة، فتحول

فسيحة تتجسد فيها كل معاني الجمال والتألق .

براهيم الصحيفة التي كانت ملقاة على الطاولة وقرأ نبأ بصوت التقط إ

مرتفع " انتحار مراهقة بوضع رأسها في حقيبة بالستيكية منعت تدفق

وكانت قد عبرت عن مشاعرها بورقة وضعتها معها ، األكسجين الى رئتيها

أن "ني قائلة فيها : في الحقيبة وقد خط فيها كلمات تحت عنوان خنقني زم

يكرهك من حولك ليس باألمر السهل ، أن يكرهك من حولك يعني أن يتوقف

نبضك دون أن يشعر بك أحد ، دون أن يبدو العالم من بعدك غابة موحشة

عن قلوبنا ، نعم أكره لكن ه كلمة جريئة صعبة ال ترفع الثقلألحدهم ، فالكر

فالتعاسة مخيمة ن أي تعاسة ؟ جوهري على يقين بأن التعاسة مصيري ، لك

بحر قلبي منذ زمن خال ووقت مضى ، الكره يعني العزلة ، جوهر في

وقد أثبتت ، " . الوحدة ، لكن البد والتحمل أو الفرار من هذه الحياة

. "التحريات موتها انتحارا

قال آدم معلقا على تلك الفاجعة : نسب االنتحار تزيد مع أن الحياة في

التحسن بسرعة هائلة ، وكأن العالم يواكب التقدم بتقليل مستخدميه ، طور

مهما بلغت ذروة تعاسة الفرد ال يحق له االنتحار ، فهو من وجهة نظري و

يعصي الخالق فحسب ، وال يزهق روحه وحده ، بل يقتل آخرين معه ، ال

مل يقتل من أحبوه ، ويقتل أمل من عاش على سعادته أو من يشعر باأل

والحبور لوجوده .

Page 13: من مرآة الحياة

[12]

أحمد : ال بد أن أهلها في حال يرثى له ، ال بد أنهم يتحسرون على كل

لحظة تركوها فيها وحيدة دون احتضانها بحب وتقدير، لكن هل يالم األهل

وحدهم على الفاجعة ؟

براهيم : من المؤكد أن حصة اللوم الكبرى من نصيب األهل ، لكن للمجتمع إ

دور كبير في قتل تلك المراهقة فهو لم يوفر لها سبب للبقاء حية ، أو ربما

.هي لم تنظر جيدا لما وفر البارئ لها

أحمد : ما سبب االنتحار يا ترى ؟ هل هو شجار مع العائلة ؟ أم خصام مع

ان البد أن األسباب ال تستحق كل هذا ، ال تستحق قول كلمة صديقة ؟ أيا ك

كره حتى ، بالتأكيد هي لم تعلم ما وفرت لها الحياة ، فالصحة مجرد التمتع

البد انها ، فما بالك بريعان الشباب والعلم وغيرها من النعم ؟ بها يعتبر نعمة

عمر ذا يفيد الماماذا عسانا نقول ؟ ، لكن ، فقدت أمل الحصول على السعادة

لو ضاع األمل ؟

إبراهيم : األمل والسعادة ال ينضبان يا صديقي ، لكنهما تختفيان قليال بفعل

مصاعب الحياة ، وتحتاج الحياة الى نفض مشاعر عالها غبار الزمن من

الوقت واآلخر اليجاد السعادة .

دتها هذه قال آدم وقد تناول قدحا من الشاي : مراهقة تنتحر ! من أين راو

الفكرة ؟ وكيف أيقنت أنها تعيسة ؟

أحمد : التلفاز يا عزيزي التلفاز ، فهو جهاز ان لم يكن بناءا كان خربا هداما

ففكرة االختناق الرهيبة الغريبة والنادرة من نوعها ال يمكن أن تكون نسج

فهي صفحة بيضاء خالية من المشاعر المفجعة والسيئة ، هي خيال مراهقة ،

صحراء ليس فيها شيء سوى الرمال والشيح ، وكل ما فعله ذلك الجهاز هو

إمالء تلك الصفحة البيضاء ، وتزيين الصحراء القاحلة بالواحات والدحنون ،

وعندما واجهت تلك المراهقة الحياة ، أيقنت أن كل هذا لم يكن سوى مجرد

Page 14: من مرآة الحياة

[13]

تحتمل مرارة سراب كاذب ، جرعات مؤقتة خدرت بها نفسها وعند نفاذها لم

حقيقة الحياة ، فأنهت حياتها بالطريقة التي رأتها آالف المرات على ذلك

الجهاز الذي زين حياتها .

إبراهيم : رأي سديد ، وأنا معك في كل كلمة فهي قد حقنت نفسها بجرعات

مؤقتة وزائفة ، أشعرتها بالنقص وتأنيب الضمير عند نفاذها ، ولو أنها

اة ، لعلمت كيف تكافح ، وكيف تقاوم وتتخطى مرارة تعلمت من مدرسة الحي

العيش ، فالسعادة ال تنضب ولكنها تحتاج من يبحث عنها ويجدها في جانب

تلك الجريمة واإلقدام على ذلك لكن ما المشاعر التي دفعتها لتنفذمن جوانبه و

الفعل ؟ .

دس بأن أحمد : لقد أوضحت أنها مشاعر كره ، كره لكل ما ومن حولها ، وح

من حولها يبادلها الشعور ، وال يكن لها سوى الحقد والتعاسة ، وهذا ما

دفعها لالنتحار .

إبراهيم : إذا أقبل كل من شعر بالكره على االنتحار لمات نصف مخلوقات

الكون .

آدم : أتقصد أن نصف المخلوقات إما كارهة أو مكروهة ؟

لكن ينكرون ذلك أو يجهلونه .إبراهيم : ال بل الجميع يكره أو مكروه ،

قال أحمد مداعبا باستعالء : أنا ال أكره وال أعتقد اني مكروه .

فانفجر الجميع ضحكا وقال إبراهيم معلقا : هل هذا نكران أم جهل ؟

وضحك.

بعد وهلة :

آدم متجهم الوجه ، وقال كمن شرد ذهنه بعيدا : لقد أصبحت الحياة صعبة

فرد يسعى خلف مصالحه .جدا ، وأضحى كل

Page 15: من مرآة الحياة

[14]

إبراهيم : هذه الكلمات تذكرني بتلك الجريمة المتوحشة التي كانت من نصيب

( . غني ) السيد غسانرجل األعمال ال

أحمد : تقصد ان تقل فاحش الثراء .

ما شحن االغتيال بالطاقة وجعلها من أشد إبراهيم : نعم، فهذه الصفة هي

قاب األحمر .رغبات أولئك المجرمين وأقصد عصابة الع

آدم وقد عدل جلسته : لقد كانت من الجرائم األشد ذكاءا على اإلطالق .

أحمد : بالتأكيد ، فهم قد وضعوا الفوسفين بداخل علبة زجاجية على مبتسما

بصفتهم جمعية من إحدى ها للسيد جاللشكل زهرة التوليب وقاموا بإهادئ

–نجم عن مراقبة حريصة له –مع علم مسبق جمعيات المحافظة على البيئة

بمحبته الكبيرة لسماع األوبرا في المساء مع ابنته الوحيدة . وفور تشغيل

وبفضل ظاهرة الرنين كسرت التوليب في موعدها المعهود الموسيقى

أو كما اسميه ) القاتل الصامت ( فهو ال – الزجاجية ، وانتشر الفوسفين

وهكذا –يعطي أي إنذار مسبق لضحيته كرائحة أو غيرها إنما يقتل فحسب

قتل رجل األعمال وابنته . تمكن الفوسفين من

خفاء جثمان جريمة عند هذا الحد ، بل قاموا بإآدم : وكما تعلموا لم تقف ال

وا لها مسبقا عملية تجميل قد أجر كانوا –ابنته بحديقة منزله وتركوا فتاة

وهكذا تركوها لتحل محل الفقيدة وتتقمص –مثل القتيلة تبدو جعلتها

ولحسن الحظ قد تولى القضية أذكى ، ترك والدها ما شخصيتها لترث كل

مفتشين المدينة وقام بحلها ومعرفة كل التفاصيل وتحليلها وهكذا فك شيفرات

.الغموض التي أحاطت بالجريمة

: ليت كل مجرم يشغل ذكاؤه بشيء يفيد البشرية , وقد قطب حاجبيه إبراهيم

دا دون ريبــة , ولواستعمل في المسار ججريمة عال فذكاء من خطط لتلك ال

الصحيح لصنع شيئا عظيما يرحم البشريـة من قهر الزمان .

Page 16: من مرآة الحياة

[15]

آدم : لقد مات ضمير اإلنسان منذ أن قتل قابيل هابيل .

: ال يمت ضمير اإلنسان قط , وقد انتابته نوبة غضب وثوران غريبة أحمد

لكن بل يضمر قليال بفعل مجريات الحياة ويرجع لينمو عند رؤية الصواب

إلنسان المعاصر فهو محصن ببساطة ليس من السهل اليوم أن تهز ضمير ا

ع بفعل سد وتصنتتج التي ومحاط بأمنع األجهزة األمنية دفاع أقوياء ,بجنود

الجشع المقيم في سويداء قلبه . لكن شرارة تخبرني بانه ك رغباته وطموحاته

البد ان ينتفض الضمير وال بد أن يعم السالم .

إبراهيم : ما زلت تتحدث عن السالم رغم كل األحداث التي تتخلل حياتنا !

د ا ال ينفي وجواألحداث السلبية في حياتنا ، فهذأحمد : إذا تواجدت بعض

السالم .

آدم : السالم ال يتواجد إال إذا أردناه وحرصنا على تواجده .

إبراهيم : بالفعل ، فلوال الحذر لمات السالم .

التي تسببت بوفاة عائلة بأسرها . المستهترة أحمد أتذكرون تلك الحادثة

آدم : أتقصد حادثة التسمم ؟

السكر في عصير أحمد : نعم ، فقد وضعت الفتاة سم الفئران عوضا عن

وحينما احتارت المباحث ، تلت العائلة بأسرها، وبذلك ق لعائلتها الليمون

بقتل عائلتها لعدم تناولها من العصير ، قاموا واتهمت صانعة العصير

كما –بسجنها وحينما لم يصدقها أحد بأنها فعلت ذلك بمحض الصدفة

دان يقتربان من التطابق تعلمون اللون والقوام للسم والسكر متشابهان ويكا

وألنه وضع بقرب السكر ودون علم الفتاة بوجوده فقد وضعته عوضا عن

وألنها لم تجد سببا للحياة بعدما أمست وحيدة ، انتحرت وهكذا لم –السكر

Page 17: من مرآة الحياة

[16]

يتواجد السالم في محيط تلك العائلة إلهمالهم الحيطة والحذر فأنهوا حياتهم

اطر السماوات ، وهذا ال يمنع األخذ باألسباب .بأنفسهم ، وتبقى األقدار بيد ف

نظر إبراهيم لساعته وقال : لقد مضى على قدومنا أكثر من ساعتين ،

.االنصراف ، قفد تأخر الوقت إنها مشارفة على الحادية عشراعذروني علي

آدم : ما زلنا في أول حديثنا .

االنصراف .أحمد : اعذرنا ولكن أنا أيضا يتوجب علي

بعد غد في حفلة التخرج . –بإذن هللا –آدم : لكم ما تريدون ، ولقائنا

إبراهيم : إن شاء هللا ، مع السالمة .

والساعة بعد منتصف الليل بقليل ، صرخات السيد جالل في منزل زياد

والد زياد تكاد تفتت الحجارة من شدتها والتي أصبحت طقس ال يكتمل مساء

تعاتب زياد على دراسته لألعصاب ، تلك الصرخات المنزل من دونه

مل زياد األب المتسلط ال تطلب سوى تحطيم أورفضه التجارة , صرخات

بأن يصبح طبيبا , تجبره على قبول مجال إدارة أعمال والده ، ليس لها مراد

سوى استمرار النصب واالحتيال على يد ابن المختلس ، فهذه المهنة إرث

ه اد حمله بفخر والسير على خطى أبيعائلي وكنز قومي لهم ، وعلى زي

. ياعتزاز وأجداده

الكره والذل من والده ، نشأ دون أم ، نعم ، فقد قتلها زياد شب على

زوجها حينما دبر لها مكيدة واتهمها باختالس أموال الشركة ، فأصيبت

زوجته بطمعه وحبه للمال ، لت وفاتها على الفور ، وهكذا قتلطة سبببج

Page 18: من مرآة الحياة

[17]

نها أرادت إزاحة الستارة نها أرادت كشف أعماله المشينة ألوكل ذلك أل

وسبر أعماق الحقيقة.

في بيئة يرد فيها الصاع صاعين ، شب على يد رجل ال يعرف زياد نشأ

لعطف ، رجل يمحو كل من يحاول لمسه ، نشأ يتسم بالطمعمعنى الشفقة وا

ه ياته على معاملة الناس بفوقية ألنلية ، فنمت بذرة حنتيجة تربية رأسما

ببساطة يشعر بالدنيوية من قبل آخرين ) والده ( .

ولكن عناد زياد ورغبته في االنعتاق والتحرر دفعته إلى االلتحاق بكلية

تعهد على نفسه أنه الطب ، كلية شفاء األمراض ال نموها رغم أنف أبيه ، و

ويمضي لتحقيقها مهما ذاق من مرارة الطريق .سوف يتمسك بأحالمه

Page 19: من مرآة الحياة

[18]

إنـه يـوم التخرج ، تغريد البـالبل يغرس أمل وغبطة في خـلد كل من

انتظر هذا اليوم ، غاز السعادة انتشر و وباء الفرح عم على الخريجين وكل

من ذلك بسبب حبر رسم و خط على ورقة ختمت لتسمى شهادة ، فتسعد كل

تحسست خالياه ملمسمها بفعل سحر ال يقاوم وهو النجاح .

وتزينت الفتيات بأجمل المالبس ، استيقظ أطباء المستقبل قبل الشمس

ابتسم الشبان للمرآة ، وجهز الجميع نفسه ألهم يوم في حياته ، ليوم تحملوا

ذرف الدموع في سبيله ، فهم سيلمسون بعواطفهم ومشاعرهم حلمهم ،

، ابتسموا استعدادا لدفن لشهادة هي ذلك الحلم الذي لطالما انتظروه طويال ا

الدراسة وبدء مرحلة جديدة ، مرحلة العمل والشقاء والتنفيذ ، مرحلة نقل

العلم إلى أرض الواقع .

اجتمع الجميع في الجامعة ينتظرون النتائج على أحر من الجمر ،

سقط من شدة االزدحام ، يت تفاحة لن توالحشد كثيف لدرجة أنك إذا رم

وقف عميد الجامعة على الجميع متحمس ومتلهف لقطف ثمرة جهده ،

المسرح وبدأ يتالعب بأعصاب طالبه آلخر لحظة يمكن تسميتهم بالطالب

أهم ما في حياتهم ، وبعد عدة تأجيالت -والتي بين يديه – فنتائج تفوقهم

د الذي أبدع بدراسته وفاق كل المعايير بارك لهم جميعا واثنى على أحم

بأبحاثه ، وكان أفضل الطلبة بحصوله على أعلى الدرجات ، فطلب منه

الصعود على المسرح وبدأ خطابه قائال : السالم عليكم زمالئي وشكرا يا

أساتذتي الفاضلين على كل جهد بذلتموه في سبيل إنشاء جيل واع ،

ويقودنا إلى طريق لنا ليحوله إلى معرفة اس يضيء جهشكراألنكم كنتم نبر

الحتضانكم لنا يا نهر العطاء المبتسم فأنتم النجوم ، العلم والمعرفة ، شكرا

وشكرا ألنكم كنتم التي تنير حياتنا وتدلنا على طريق الصواب والنجاح ،

في بوصلة تعطينا أدق تفاصيل الصواب والعلم ، وأعدكم أن أسعى جاهدا

م األهداف النبيلة لمهنة الطب ، وفي سبيل القضاء على آال سبيل إيصال

البشرية ، سأسعى لسيادة الصحة كما سيفعل باقي زمالئي ، فنحن على يقين

Page 20: من مرآة الحياة

[19]

ل قصارى جهدنا في ذتام بأن الطب أرفع المهن التي مارستها البشرية ، وسنب

ثم ابتسم وقال : سبيل طمس معقل المرض وموطن األلم في جسم اإلنسان ،

. ستشرق الشمس مهما بلغ عدد حبات المرض

ابتسم الجمهور و تحمس الطالب لبدء مهمة كل فرد منهم .

فرح الجميع بالشهادات وتراوحت نتائج األصدقاء في المراتب الخمس

األولى ، فزارت الغبطة قلوب الخريجين باستثناء شخص وقف حائرا حول

لم الجميع مع أهله قال يسأل عقله : ،حقيقة إمكانية استفادته من شهادته

باستثنائه ؟ لم حصة حزنه كبيرة في أهم أيام حياته ؟ لم خيمت التعاسة في

بحر قلبه دون الجميع ؟ماذا فعل للزمن حتى يقسو عليه هكذا ؟

باطنه ال ينكر تصرفاته الخاطئة ، لكن الجزاء أكثر مما تخيل وتصورت

الحياة لم تكن عادلة معه أبدا ، العقاب أقسى بكثير من الجريمة ، ناصيته ، ف

كانت فقد سلبت كل أسباب سعادته وطمست كل ما يدعو لالبتسام في نفسه ،

، وتأبى الرحيل ال تتوقف عن طرح تلك األسئلةعواصف خواطر زياد

تاركة بصمة واضحة في هذا اليوم من حياته .

فخرج من الجامعة االحتفال والفرح حامال شهادته ضاال دون غاية تاركا

لترتطم ويسقط على الرصيف ا هو يتعرقل بحصى صغيرة وه أو أمل .

انبجس الدم ت الصخرة عظامها ، اخترقجمجمته بصخرة كسرت جمجته و

من رأسه وخرج كخروج سائال من كأس مقلوبة ، ولكنه ما لبث أن نهض

أعلى ما مكنته قوته رفع اصبع يده اليمنىفي صعوبة بالغة ، وعلى ركبيتيه

، ثم قبل شهادته الواهنة من رفعه وزفر دعاءا التمس فيه الرحمة من بارئه

مودعا لها وكأنه يقول بأنها الشيء الوحيد الذي تركه من بعده ، والشيء

عاش وحيدا الوحيد الذي كان يشعره في حياته بوجود روح تتخلل جسده .

ومات وحيدا .

Page 21: من مرآة الحياة

[20]

، البد نحو الشهادة ربما موته كان رحمة له فهو ال يعلم ماهية نوايا والده

، فهو لم ! أن وفاته كانت رحمة له وخالص من عذاب عاشه طيلة حياته

يذق طعم السعادة في دنياه ، ولم يلمح وميض أمل في ظلمات حياته المأتمية

الدامسة ، وكما ابتدأ حياته تعيسا أنهاها تعيسا .

لب منه بسرعة إلى المشفى وإذ بالطبيب يطعند وصول األنباء لوالده توجه

استالم جثمان ابنه ، انهار الرجل العتيد على ركبتيه وتوسل إالى الطبيب

ندما على كل ما فعل ، جاءت جثة ابنه وها ابنه ، ضرب رأسه بجدار إلعادة

أن المال ال يعني هو يرى أفظع مشاهد حياته في أطول لحظاتها ، لقد أيقن

شيء بلحظة الفناء ، لقد وعى أهمية ابنه ، لقد قدر مقدار حبه له ، على أية

حال مقدار حبه وندمه ال يمكن التعبير عنهما لكنه ندم حين ال ينفع الندم .

ياته ، جفت دموعه من كثرة وشعر بأنه يفقد حالسيد جالل ابنه احتضن

جسد ابنه ، أيقن أن يتبق روح في كما لم ، لم يتبق أي دمع في عينيهالبكاء

مات وهو كاره حياته بسبب أيقن أنه وأخذ معه أسباب السعادة ، ابنه مات

والده ، والده الذي يتحسر على كل لحظة أفناها لبناء تعاسة ابنه ، إنه يتمنى

الموت ، يرغب باستعادة الماضي حتى يصلح أخطاءه ، ولكن فر زمن

عصر السماح . ول والغفران ،

ــــبحياتي و سب عيدوا ليا نه تمنى لو أنه مكانه وبقي يتمتم :وعند دفن اب

تقل ت إال ندمأ على كلمات لمليس الدفن الدموع التي يذرفها لحظة سعادتي.

هو من ناحية علت ، ، وربما يذرف دمعة على أفعال خاطئة ف وأفعال لم تفعل

نادم على ارتكاب الخطأ ومن ناحية أخرى متحسر على عدم فعل الصواب ،

ولحظة وضع ابنه بين ثننايا التراب ، عصف شريط حياته أمام عينيه ،

Page 22: من مرآة الحياة

[21]

فاسترجع ذكرياته ، وندم على ظلم زوجته وعلى خطف السعادة من نفس فلذة

ب في حياته ، وكأن كبده زياد ، هو غارق في معاصيه ، هو لم يفعل الصوا

" . ته كانت تحت عنوان " تعاسة عائلتيغاي

آدم مرتدين السواد في ثيابهم وقلوبهم ، و وقف أحمد وعلى جانبيه إبراهيم

السكون مخيم في المقبرة ، ولكن الندم هائج في نفوس الحاضرين وخاصة

ملتهبا لزراق يبرق ا أعينهم تأبى الرحيل ،أحمد وأصدقائه فالدموع مقيمة في

والحسرة تلومه ، على مشاعره السابقة نحو زياد في عين أحمد وكأنه عقاب

على كل مرة نظروا فيها على كلماته . كما ندم آدم وإبراهيم وأحمد

ظلموا مظلوما ، وقتلوا قتيل الحياة ، ندموا ؛ باستحقار لزياد فبجهلهم للحقيقة

، وأيقنوا أن ذلك ألنهم حكموا عليه من مظهره وتصرفاته السطحية

االستعالء الفارغ لم يكن سوى غالف يغطي به ضعفه ويخفي به حزنه ، لقد

ندموا حين صد قوا أن وراء ابتسامته المغرورة دموع وحزن وأسى ، ولكنهم

ال ينفع الندم أيضا .

ماذا تفيد دموعهم ؟ وماذا ترعى أحزانهم ؟ لقد مات وانتهى وجوده بينهم ،

حتى الوالد ال يضحي من أجل كلمات التي سمعوها منه : " نت آخر الاك

" نعم ، فاألنسان يحكم دوما على المظهر دون سبر الجوهر وهم كانوا ولده

على جهل تام بأن كالمه لم يكن استهزاءا بالطب بل كان ينبع من حزنه

مع والد ، ومن رغبته بالحياة وأساه على أيام أفناها في هذه الدنيا التعيسة

لقد ظلموه أكثر مما يستحق تعيس مثله ، فمعرفتهم بأمر والدته كان . صالح

.متأخرا كمعرفتهم بقسوة والده و جبروته

Page 23: من مرآة الحياة

[22]

بعد مرور ستة أشهر على الوفاة :

ة مرموقة ، أحمد يعمل في أهم المستشفيات في المدينة ، فقد نال مكان

نقاذ البشرية أوال ، وإعالء مكانة أبيه وحصد بذرة عنائه ، واآلن هو يسعى إل

لك في تمابذل كل ما فوالده موظف بسيط في الحكومة ، في المجتمع ثانيا ،

سبيل سعادة عائلته وسعى جاهدا لرفع مكانة ابنه ، واآلن حان موعد بذل

سعادة كما يسعى إلى و ورد المعروف أحمد مجهود في سبيل قضاء الدين

. األخالقية تحقيق وصية أبيهأيضا والديه ، و

الشقراء التي في قسم األعصاب وحيث يعمل أحمد : دخلت أم وابنتتها

عيادته ، عاما 12تي تبلغ من العمر ال دوءيزين وجهها مالمح البراءة واله

تقع تفقد توازنها في اآلونة األخيرة ثم األم قلقة ألن ابنتها كثيرا ما تترنح و

ى أحمد بعض الفحوصات الالزمة واخذ بعض صور على األرض ، أجر

. األشعة ، ثم انصرفت األم وابنتها

الحظ وجود مشكلة في صور وبعد صدور نتائج التحاليل والتدقيق بالصور

مخيخ الفتاة ، وبعد وهلة أيقن أنها مريضة ، اتصل بأمها وطلب منها

عصاب في الحضور . األم على عجلة من أمرها قدمت ، دخلت عيادة األ

، توترت أكثر من مرافعتها األولى أمام لهفة وخوف ، توترت كثيرا

ومن شدة سرعة نبضات قلبها أرادت اقتالعه من مكانه حتى القاضي،

جلست على كرسي بعد طلب أحمد ، بدأ يعرض الصور يتوقف قلقها ،

تك : ابنالطبيعية للمخيخ وقارنها بصور مخيخ ابنتها ، أخذ الصعداء وقال

بل الشوكي أو ما يعرف بالرنح النخاعي مصابة بضمور المخيخ والح

صابة به هي من تمالية اإلحي ، هو مرض وراثي نادر جدا ، فاالمخيخ

شخص الى شخصين لكل مئة ألف شخص ، ويرجع سببه إلى تأذي الخاليا

العصبية وتنكسها أو فقدانها في جزء الدماغ الذي يضبط التنسيق العضلي

Page 24: من مرآة الحياة

[23]

المخيخ ، وكذلك تلف النخاع الشوكي واألعصاب المحيطة التي تربط وأقصد

المخيخ بالعضالت وفي نهاية المطاف الخلية العصبية المدمرة تتالشى .

توقف عن الكالم ثم استطرد يقول :

عضالت ابنتك لن تصلها األوامر بشكل صحيح ، ولن يتحرك جسدها كما

من أمالكها لتتمرد عليها وتعصي تريد وكأن جسدها وعضالتها ستخرج

، مراحل المرض شتى وكثيرة وكل مرحلة ستفوق قسوة ما قبلها .أوامرها

تنهد ثقيلة، ف وها هو ينطق بالفاجعة الكبرى ، هو يهوي على رأسها بفأس

من إيجاد أي عالج الحالي وقال مرض ابنتك ال عالج له ، لم يتمكن الطب

له حتى هذه اللحظة في كل بقاع األرض ، ابنتك مريضة بمرض يستحال

شفاؤه في الوقت الراهن ، وإنما تواجدت بعض العقاقير والتمارين التي

ستساعدها على الحركة أكبر وقت ممكن ، يرجع ذلك الوقت إلى مدى

استجابتها للعالج ومدى رضوخ جسدها للمرض .

بهدوء ما واها ، لم تتمكن من نطق كلمة واحدة ، وبقيت جالسةانهارت ق

ة ، وقفت وكسرت ل مقاومة ضربات فأس الحقيقة ، فجأتحاو قبل العاصفة

، هي كل ما استطاعت الوصول إليه، دمرت كل ما كان تحت متناول يديها

تحاول مقاومة رنين الكلمات في خلدها ، فتضع يديها على رأسها كأنما تمنعه

االنفجار ، هي ترفض الحقيقة ، وتتمرد عليها بالتدمير وتمزيق الورق من

. وغيرها من أعمال الشغب التي تساهم في التهدئة من فزعها

وقف أحمد متابعا دون محاولة التهدئة من روعها ، هو يعلم أن صاعقة كهذه

هو يعي مدى تعاستها وأن حروقها صعبة الشفاء ، كفيلة بافقادها عقلها ،

انتهت سارة وأدركت تهورها ، فتوقفت عن التكسير ثم قالت وهول الموقف .

وكأنما تريد االعتذار وتحاول محو الخطأ دون المساس بكرامتها أو التنازل -

هل يمكن أن اء دواء ، ال بد من وجود العالج .قائلة : لكل د - واألسف

Page 25: من مرآة الحياة

[24]

وى من االستسالم تزودني بأسماء أطباء آخرين الستشارتهم ؟ واعلم أني أق

م الحياة لمتجسد في وأني لجدار متين ال يهتز بفعل ريح عاتية ، ز وإن ح

، دون مرية سأناضل من أجل حياة ابنتي ومن أجل رسم البسمة في قلبي

وجهها .

في هذه ب ابنتك و عدم االنهيار أمامهاأحمد : أنا أشجعك على الوقوف بجان

ة ألفضل أطباء األعصاب فأنا أحبذ ف أزودك بقائمووبالطبع س. األوضاع

لمرضية الواحدة . وأثناء كتابته القائمة طبيب في الحالة ااستشارة أكثر من

، تكاملية وتعاونية بين األطباء الطب مهنةومحاولة تذكر أسماء أطباء قال :

، فهم وإذا أخطأ منهم أحد ساعده اآلخر على النهوض وتصحيح األخطاء

معا وال يستطيع أحد التخلي عن اآلخر. كأعضاء الجسد يعملون

أخذت القائمة وصور األشعة غاضبة وخرجت بسرعة ، و قبل مغادرتها

للمشفى وعلى الرغم من هول الموقف ، وقفت تسترجع األحداث ، فأيقنت

خطأها ، وعلمت أنها حين انفجرت بوجه الطبيب الشاب ، ارتكبت جرما

سوء النتائج .ي يفرض عليه قول أفواجبه اإلنسان

عادت الى عيادته بخطى رصينة فأذن لها بالدخول وبدا عليه القلق من

إتمام اعتذارها أوقفها أحمد عودتها ، فأوضحت له سبب الرجوع و قبل

: ال ألومك فالموقف صعب.وقال

وقللت من روعها ، وأعلمتها أن تلك الكلمات البسيطة جعلت سارة تهدأ ،

يمكن االعتماد عليه بفترة العالج .أحمد طبيب جيد

وعلى الرغم من ثقتها بأن كالم أحمد صحيح خرجت متوجهة الى أول

تقاوم الحقيقة بانفصامها ، فدارت وهامت دوناألطباء في القائمة ، وكأنها

األطباء ونتائجهم ترن في رأسها ، " ال عالج لمرض ابنتك، جدوى ، كالم

بل الشوكي " . ال عالج لضمور المخيخ والح

Page 26: من مرآة الحياة

[25]

توجهت سارة إلى المنزل ويكاد الدمع يحرق وجنتيها، حاولت منع نفسها من

البكاء لكنها لم تستطع ، جلست في مكتبة المنزل الذي تعمل به هي وزوجها

وقالت لنفسها : لم منى ؟ لماذا اختارها المرض ؟ وأخذت تقرأ في أهم

، ولكن دون جدوى .المراجع العلمية والكتب واألبحاث حول المرض

جاء والد منى ، شعر بالريبة لحالة زوجته ، ما بالك تبكين ؟

ال عالج له ، المرض ال يشفى في الوقت الحالي ، ال عالج له . -

والد منى مبتسما بتعجب : أي مرض يا سارة ؟ عن ماذا تتحدثين ؟ -

عزيز ، ابنتنا ستموت . -

لهراء.ماذا ؟ ستموت ! كفي عن هذا ا -

، فال غاضبة : ستموت ، ستموت بمرض الرنح النخاعي المخيخيردت -

لقد سقطت منى على األرض قبل فترة ، فقلقت عليها لذا شفاء له .

لها الفحوصات الالزمة ، واليوم ها إلى المشفى ، وأجريت اصطحبت

ذهبت إلى المشفى بناءا على طلب الطبيب المسؤول عن حالتها

ر المخيخ والحبل الشوكي ، تمالكت وأعلمني أنها مصابة بضمو

أعصابها و استطردت قائلة : ال شفاء من ذلك المرض . لقد استشرت

عدة أطباء في حالتها لكن دون جدوى .

ال بد من وجود عالج . -

لقد استشرت أخصائيين في علم األعصاب ولقد اجمعوا جميعا على -

فعلها لتخفيف نفس الفكرة ، كما أن العقاقير والتدابير التي يتوجب

المضاعفات مكلفة جدا ، ومع ذلك المرض ال شفاء منه على الرغم من

أنه لم يتوغل في جسدها بعد ! .

عزيز منهارا : ماذا ؟ ستموت ؟ ابنتي الوحيدة ستموت ؟ -

انهارا على األريكة يبكيانو

Page 27: من مرآة الحياة

[26]

بعد منتصف الليل بقليل يتحدث مع نفسه قائال: طفلة أحمد في المشفى

بمرض ال عالج له ، إمكانيات الدولة ال تسمح بتوفير حاجات مصابة

طفلة مريضة بهذا المرض ، وحالة األهل المادية ال تساعد . التعاسة

ستكون عنوان هذه المرحلة .

في صباح اليوم التالي ، سارة تسكب الشاي لصاحبة المنزل و ابنتها

دنيا .

التي تعتبرها بمعزة –ا فتساءلت السيدة ليلى عن مكان ابنة خادمته

. -ابنتها دنيا

فأجابتها سارة : هي ما زالت نائمة في غرفتها .

، فتوجهت إلى غرفتها وقامت تجهمم واحمر وجه دنيا وكاد ينفجر

لى بإفساد أجمل فساتينها وأغالها ثمنا ، ثم حملته وذهبت تشتكي إ

، البد أنها ل لههذا الفستان وانظري ماذا حوالدتها قائلة: لقد أعرت منى

! أهملت العناية به

غضبت السيدة ليلى ورمت فنجان الشاي ثم انصرفت متوجهة إلى

حجرتها .

المشاكل كان هذا الحال الشائع في كل صباح عطلة ، دنيا تتسبب في

وتجلس فرحة الستقبال يومها ، فمرة تكسر لمنى وعائلتها ثم تبتسم

تحفة ومرة تفسد حفلة وحتى أنها في إحدى المرات قامت بتمزيق كتب

فهي غاضبة ألن منى قبلت بمنحة –منى المدرسية وإفساد بحثها

وكل تلك األفعال كانت في سبيل نشر –دراسية في ذات مدرستها

التعاسة بعائلة منى .

ألرض وتحت أقدام دنيا ، تفكر بكيفية إخبار سارة تمسح الشاي عن ا

منى باألنباء فهي تعلم أنه من الضروري معرفة منى للحقيقة وذلك

Page 28: من مرآة الحياة

[27]

، ومن ناحية هي قلقة فيما يخص مال العالج، للمباشرة وبدء العالج

وبعد انتهائها من مسح الشاي وجمع الزجاج ، قامت دنيا برمي فنجانها

إذالل ، وحتى الدة منى إذالال فوقتمتع بإذالل وعلى األرض حتى تس

تهين والدة تلك الفتاة المجتهدة والتي يحبها الجميع .

وغسلت وجهها ثم خرجت من قسم الخدم وتوجهت استيقظت منى

للمطبخ حتى تبدأ أعمالها المعتادة في أيام العطل ، فوجدت أباها الذي لم

مها وابتسمت البنتها يسمح لها بفعل شيء وأمرها بالراحة ، ق دمت أ

وسألتها عن حالها ثم طلبت منها الذهاب إلنجاز فروضها حتى ال تشعر

الناجمة عن قلقهما إزاء عالج ابنتهما وتوفير مال بريبة تصرفاتهما

محاولة العالج !

كير د.أحمد سمع خطوات نحوه وإذ هووفي المشفى وأثناء إرهاق تف

وطلب منه الجلوس . يفاجأ بدخول والد زياد فأسرع إلدخاله

لقد تأثرت وتغيرت كثيرا بوفاة ابني ، بدأ والد زياد الحديث قائال :

فأصلحت ذنبوبي وأعدت كل حق لصاحبه وقد فكرت في التبرع بكل ما

في سبيل ما أراده ابني ، في تبقى من ثروتي وجعل الحصة األكبر

بطب سبيل طب األعصاب لذلك قمت ببناء مشفى متطور متخصص

بنفسك وتستلم إدارته وذلك بسبب األعصاب وأرغب أن تشرف عليه

يظن أنك طبيب حب زياد لك والذي استنتجته من قراءة مذكراته ، فهو

رائع وأنك شمعة تنير طريق الطب وروح تعالج اآلالم ، وابتسم مستقبل

وقال يسعدني أن تقبل إدارة هذا المشفى .

جات السعادة وأدنى درجات تأرجحت مشاعر أحمد بين أقصى در

خيبات األمل، فتمنى لو أن زياد حي حتى يرى تلك التغيرات في أبيه

وحتى يستلم إدارة المشفى بنفسه .

Page 29: من مرآة الحياة

[28]

قبل أحمد بإدارة المشفى و أييقن أنه سر كثيرا بما حدث وبهذه األنباء

فكأنه كان غارقا في أعماق المحيط ليجيء والد زياد وينقذه ، لقد أضاء

له طريق أمل عالج المرض ، فما أجمل أن يجتمع المال والطموح معا.

أسرع أحمد بعد انصراف السيد جالل لمهاتفة عائلة السيد عزيز حتى

يعلمه أن مشكلة المال وقلة التقنيات قد حلت و أن عليهما المباشرة

بجلسات العالج وجلسات تدريب ابنتهما حتى تتوازن ويقلل مضاعفات

ر السيد عزيز بهذه األنباء لكن غيمة التعاسة عادت فهو لم المرض ، س

بعد بمرضها ، وامتزجت البهجة واألسى في الكأس وغرق يخبر ابنته

في بحر الحيرة ، فتبددت سعادته وذبلت كما تذبل الزهور .

منى في باحة المدرسة وفجأة يختل توازنها من جديد لتقع على األرض

سقوطها على األرض فهي اليوم كالعادة زرقاء فنظرت إلى السماء بعد

ممتدة بال حدود ومبتسمة لها قائلة : ما زلت إلى اآلن حية .

نقلتها المعلمة إلى عيادة المدرسة وتم تعقيم الجرح البسيط في رأسها

ة ، والبطأ في ردولكن الذي أثار حيرة منى هو عدم استجابة جسمها

مقاومة السقوط وحتى لم تساعدها في منفعلها ، لذلك لم تمنعها يداها

حماية رأسها .

فور خروجها من العيادة توجهت إلى مكتبة المدرسة وبدأت تبحث

عن المرض الذي يسبب لها هذه األعراض ، وإذ هي تصطدم بجدار

الحقيقة ، هي مصابة بالرنح النخاعي المخيخي ، والذي يسبب لها

اختالل التوازن وسبب فقدان العذاب في اآلونة األخيرة ، هو سبب

وزنها وكذلك السبب في عدم تقديرها للمسافات بشكل صحيح .

قبولها في مدرسة " المستقبل " كان سبب سعادتها ، واآلن ما قيمة هذه

السعادة ؟ ما قيمة شهادة سعت لنيلها ؟ مرضها ال شفاء منه مرضها

ى مدرسة ذوي وسيسرق قبولها في المدرسة ، مرضها سينقلها إل قاس

االحتياجات الخاصة ، ودون ريبة ستفقد كل بسمة وكل ضحكة اعتادت

Page 30: من مرآة الحياة

[29]

لقد زرعت مرافقتها ، لقد خيمت التعاسة في قلبها وترفض الرحيل

جذورا يصعب اقتالعها .

اعادت إلى المنزل مثقلة بالهموم بعد نهار متعب وشاق ، و فور فتحه

نى ، فوضعت حقيبتها للباب سمعت دنيا تصرخ و تقول : تعالي يا م

على كرسي وتوجهت لحجرة دنيا التي طلبت منها خدمتها هي

وصديقاتها ، لم تعص منى أمرا و بدأت بتنفيذ أوامرهم وقبل أن تبدل

ثيابها حتى ، وكالعادة أرادت دنيا إهانة منى أمام الجميع فطلبت منها

وقع إحضار وعاء الحلوى الموضوع على الطاولة و بعد حمله مباشرة

ت لالطمئنان على دنيا ، فزعت السيدة ليلى وهب من بين يديها وكسر

وصديقاتها ، فرأت منى في خدمتهن ، وبخت ابنتها وهدأت من روع

منى وأمرتها بالخروج والذهاب لغرفتها من أجل نيل قسط من الراحة

بعد نهار شاق في المدرسة .

نتظارها ، والصمت يخيم فتحت باب حجرتها وإذ هي ترى والديها با

في الغرفة .

بدأت األم الحديث وقالت : نريد إعالمك بشيء مهم يا ابنتي.

منى ببرود : ماذا ؟ أني مصابة بالرنح النخاعي المخيخي ! ، وصرخت

قائلة : أعلم ذلك ، أعلم ذلك .

انهارت منى في حضن أمها باكية ، و قالت أمي لطالما كنت أظن أن

كني اآلن على يقين أنه القدر فقط ، وأعلم أن هللا المرض سوء حظ ل

رحيم بعباده .

، وقالت : الزهور إن تبللت وتعرضت للبرد ضمتها أمها بقوة أكبر

ومصاعب الحياة ، صمدت وأزهرت من جديد ، وأنت أيضا ستكونين

كذلك ، سيكون المرض مجرد مطر يتساقط حتى يساعدك على النمو

س كذلك يا زهرتي ؟؟واستعادة نضارتك ، ألي

Page 31: من مرآة الحياة

[30]

فمن جهة جلس والداها في حيرة من أمرهم ، للنومبعد خلود منى

عملهما ، فإمكانية المدرسة ومطالبتها بنقل منى ، ومن جهة أخرى

وبعد تفكير طويل الموازنة بين جلسات العالج والعمل شبه مستحيلة ،

البقاء ند السيدة ليلى والبحث عن عمل ال يتطلب قررا ترك العمل ع

طيلة الوقت ، حتى لو كان ذي أجر أقل ، حتى لو تطلب مصارعة

الحياة والوقوف أمام صعوباتها العاتية ، فتوجها لغرفة الجلوس بهدف

إعالمها بقرارهما .

فبدأت سارة الحديث قائلة : نود إعالمك بشيء .

: تفضال. ليلى

عزيز : سنترك العمل هنا لضرورات شخصية .

تتحدث بنبرات قاسية ؟؟ وما الذي تقوله ؟ هل حقا ليلى : ما بك

ستتركوني بعد كل تلك السنين ؟

عزيز : أعتذر ولكن هذا ما سيحصل .

ني بعدما ليلى حزينة و بائسة وتتوجه بالكالم لسارة : هل ستتركي

ساعدتيني على تخطي طالقي ؟ هل تعلمين أنك الوحيدة التي وقفت

مواجهة هذا العالم ؟ هل تعلمين أني بعد بجانبي حينما أمسيت وحيدة في

طالقي خلت بأني في جزيرة نائية ومهجورة إلى ان جئت ؟ تنهدت

محاولة منع الدموع من الخروج ثم استطردت مكررة : هل ستتركيني

وحيدة ؟

كانت قد أعدت نفسها مسبقا لهذا – دون أن يرف لها جفن جامدة سارة

نا سنذهب لضرورات شخصية .: نعتذر ولكن سبق أن قل -الكالم

ليلى وقد استجمعت قواها : أال تذكرين أني وقفت بجانبكم يوما ردا

لمعروفك .

عزيز : نحن لم ننس أنك من وقف بجانبنا بعدما تخلت عنا نقابة

المحاماة ، نحن ما زلنا نذكر أنك و أخالقنا هم من ساعدونا على البقاء

Page 32: من مرآة الحياة

[31]

: فنحن أردنا أن -اربد وجهه وأكمل –بعد تلك القضية الملغومة أحياء

حنا ملف قضية االختالس ولكن نفوذ درسا لن ينساه ففت نلقن كل سيء

أقوى من أخالقنا وبهذا حرقت تلك القضية هويتنا كان من قاومناهم

على أمالكنا غرامة على تشويه سمعته و لم يكتف بهذا جالل فحجز

اماة .فحسب بل سلب أغلى ما نملك وهو ممارسة المح

ما حدث في عزيز و كأنها تآزره وقالت : انس سارة شدت على يد

الماضي فما حدث حدث ، وعلينا أن نتخلص بكل ما يربطنا بالماضي

وعلينا االبتسام للمستقبل .

ال أقدر على ليلى : أعتذر إذا كنت قد فتحت جروح الماضي ، لكني بت

كما قلت مسبقا ، ما العيش بدونكم فعشر سنين ليست بوقت قصير ، و

فعلته لم يكن سوى ردا للمعروف وحتى أنه ليس لي فضل عليكم فأنتم

وعزة نفسكم لم تسمح لكم أن تكونوا عالة على رفضتم البقاء دون مقابل

اآلخرين بعكس ما فعلته أنا في فترة طالقي ، مسحت دموعها ثم قالت

متوسلة : أرجوكم ال تتركوني !

بغزارة : نحن ال نملك حق االختيار في الوقت سارة ودموعها تسيل

الراهن .

ليلى : ما هذا الكالم المبهم ؟ ال يحق ألحد سلبكم حرية االختيار !

سارة تصرخ : لقد سلبنا بالفعل

ليلى صارخة أيضا : كفي عن هذا الهراء .

فتحت دنيا الباب وقالت : منذ متى يحق للخدم الصراخ ؟ لقد أفسدتم

نومي .

ا ذلى دون اكتراث لدنيا : ما الذي يحدث ؟ ما الذي حملكم ألخذ مثل هلي

القرار ؟ أنا متأسفة وأعتذر كثيرا إذا كان ذلك بسببي .

عزيز بيأس : إنها منى ، إنها منى .

ليلى : ما بال منى ؟ هل ستتركوني وحيدة بسبب خالف مراهقات ؟

Page 33: من مرآة الحياة

[32]

منه .سارة صارخة : إنها مريضة ، مريضة بمرض ال شفاء

دنيا والدموع في عينيها تحاول جمع شتات أفكارها : ماذا ؟ منى

مريضة ؟ وما ان نطقت بتلك الكلمات حتى أنهارت باكية .

وجود خطأ ، منى بصحة جيدة أنا متأكدة .ليلى : ال بد من

عزيز : لألسف ال يوجد خطأ ، إنها الحقيقة .

أمس الحاجة لبعضنا !ليلى : أستتركونا لهذا ؟ أستتركونا ونحن في

سارة : العالج يقتضي البقاء في المشفى معظم الوقت وهذا يتطلب

بقاءنا معها طويال .

دنيا : ال تكملي كالمك ، ببساطة ال يمكنكم الذهاب وسوف نسعى

لمساندة منى .جاهدين

ليلى : سنقدم كل مساعدة ممكنة ، هل من شيء يمكنني فعله في الوقت

الراهن ؟

الحمدهلل ، ال يوجد مشاكل . سارة :

ليلى أخذت سارة بحضنها وكأنها تشجعها و قالت لها : سيكون كل

شيء على ما يرام .

Page 34: من مرآة الحياة

[33]

في نفس المدينة وتحت السماء ذاتها ، تنظر سندس إلى انعكاس

تجاعيدها في المرآة ، وتطرح على نفسها سؤاال مضمونه : ما الذي

فعلته بنفسي ؟ لماذا أفنيت عمري في الدراسة والعمل ؟ ما الذي جنيته ؟

ببساطة ، أنا اآلن وحيدة تعيسة ، فأنا أمضيت حياتي دون تفكير بالنهاية

ى لقد أدمنت العلم والعمل وواصلت المسير فأوغلت بالكتب والعمل حت

وصلت نقطة الالرجوع ، لماذا سجنت نفسي ؟ لماذا أبعدت نفسي عن

أقاربي وكل من أرادني بجانبه ؟ لماذا تركت وطني و أهلي؟ لماذا ؟

أمن أجل إرضاء غروري ؟ لقد ادعيت أني أريد عالج مرض لم يتمكن

أحد من عالجه ، لكن غايتي كانت نيل االحترام والشهادات والمكانة

. ماذا استفدت من رئاسة اتحاد أطباء حصلت عليها بالفعل الرفيعة التي

على ماذا حصلت سوى تأنيب الضمير و رؤية جثث لم أتمكن القلب ؟

وانهارت باكية . من عالجها ؟

إن أعطاء المناصب اإلنسانية ألناس ال يحملوا سوى األنانية سم

م كالقلم الفارغ فتاك يقتل كل من يجب عالجه . والندم حين ال ينفع الند

ال فائدة من وجوده سوى الثقل و أخذ مكان من يوجد فائدة له ، فقد

أخطأ االتحاد حين أوكل لسندس مهمة الرئاسة لمجرد إدعائها بأنها

طبيبة جيدة ، فهي مخادعة كاذبة لم ترغب سوى بالجاه ، فالمظاهر

الكاذبة ، سيطرت على العقول حتى أصبحت تظن أن كل ما يلمع ذهبا

لقد بات المجتمع يكتفي بالقشور للحكم وهكذا بدأنا رحلتنا في طريق

الفشل ودعمناه بتوكيل سندس منصب مهم ، فصنعنا قدرنا بأنفسنا،

وغذينا قاتل النجاح .

Page 35: من مرآة الحياة

[34]

في الصباح الباكر توجهت منى مع أهلها إلى المشفى لبدء التدريب

ذافيرها لضمان ، اتبعت منى أوامر الطبيب بحوبدء محاربة المرض

سالمتها ، فابتعدت عن البرد وابقت جسدها دافئ لتجنب ذات الرئة، كما

تناولت طعام سهل البلع حتى ال تختنق وتابعت تدريبها باستمرار ،

فتتوجه للمشفى بعد المدرسة وتحاول جاهدة االستفادة من التمارين حتى

ثياب تمتلك حركتها أكبر وقت ممكن ، وفي المنزل تحيك بعض ال

لتمرن أصابعها وتزيد من قوة تقديرها للمسافات ، وإذا مر يوم شاق

تذهب إلى السرير استعدادا ليوم مجتهد في المدرسة . جاء ذلك اليوم

الذي الحظت فيه صعوبة بالغة في السير وغرابة في تحريك ساقيها،

د : تلك الفتاة تمشي كالبطريق تماما، لقحينما سمعت شاب يتقهقر ويقول

صدمت بالواقع المؤلم إنها تتحرك بصعوبة كأن ساقيها لم يعودا ملكها

ولم يعودا قادرين على حملها وها هي تتكأ على الحائط لتتابع سيرها

إلى المدرسة ، والدموع البراقة تبدأ بالسقوط كحبات اللؤلؤ . وعندما

رفعت يدها لمسح دموعها رأت إعالنا خط عليه : " فقط عندما تواجه

يجب أن تكتمل ، عندئذ فقط مشكالتك وتحدياتك وتعتبرها مثل مشاريع

تصبح أقوى بإيمانك وثقتك بنفسك " .

قالت في نفسها : لقد بعث لي القدر هذه اإلشارة حتى ال أتوقف عن

األمل ، حتى أتابع السير . لكنها كانت جاهلة تماما أن المرض القاسي

و األمل الكبير مزيج خطير .

وصلت المدرسة وأمسكت مقبض الباب لفتحه وإذ هي تسمع

يعترضن على وجودها ، قائالت : إن وجود فتاة زميالتها في الصف

في ظروفها يعيق العديد من األنشطة التي تتطلب حركة وغيرها لذا

نطالب بنقلها من من المدرسة ، أو عل األقل إعطائها إجازة ، فلقد تم

، تقليل الحركة ابمرض بالعظام وأنه يتوجب عليهإعالمنا أنها مريضة

. وذلك أمر صعب علينا

Page 36: من مرآة الحياة

[35]

دمت ، هن يتحدثن هكذا دون علم الحقيقة ، تجمدت في مكانها وص

ادمة أكثر وسيقتلنها فكيف لو علموا الصواب ؟ ستكون ردة فعلهن ص

أن يقتلها المرض . جميعهم أبدوا قبل بألسنتهن ك الموجودبسمهن الفتا

معها وقت حضورها واآلن هن يغدرن بها ، لقد سقطت األقنعة تعاطفا

عن وجوههن ، خواطرها مشتتة ، كلماتها مبعثرة ، أصبحت ال تجيد

نطق كلمة ، جف دمعها وراحت تسأل نفسها : هل انتهت الحرب

بخسارتي ؟ ال بد و أنها كانت حرب يتعدى مفهومها منطق وعي قلبي .

دة من دقائق ذلك الخذالن الرهيب أربعمئة لقد ماتت في الدقيقة الواح

ميتة عنيفة ، وأرادت أن تبتعد قبل أن يراها أحد . لكن دنيا استشعرت

بوجودها ، فخرجت مسرعة ، فتحت الباب وإذ هي ترى منى تمشي

مسرعة وتحاول أال يراها أحد ، فركضت نحوها وضمتها إلى

ي نفسك تكبلصدرها،وقالت لها ال تكترثي أليا كان ، ال

بكالمهن،تجاهليهن إنهم الجحيم يا منى .

تصيبنا عادة في أقرب ردت منى : كم من خيبة يخبئها لنا هذا العالم

األشخاص إلى الفؤاد ، لقد ظننتهن صديقاتي ، إني خائفة من إغماض

عيني ، خائفة من صدمة جديدة أكثر من خوفي على عدم استطاعة

فتحهما مجددا.

عودي إلى الصف وتصرفي ظاهرهم فانسي كالمهم ، سعيدة بت إذا كنت -

كأنك لم تسمعي شيئا ، و إذا كنت تريدين الحقيقة فقد منحتيه في الواقع،

لكن كوني على يقين أنك منحت بوصلة تشير إلى الحقيقة فال تتركيها

وتهملي إشاراتها .

يم الذي منحني فرصة منى : لقد خدعت بالمظاهر الكاذبة وأشكر الرح -

عرفة الحقيقة والهداية إلى كشف الباطن .م

أعتذر عن كل إساءة فعلتها في الماضي . -

Page 37: من مرآة الحياة

[36]

ال تكملي لقد نسيت كل شيء ومن اآلن أنت أختي التي لم تلدها أمي -

والتي لطالما تمنيت وجودها ، والتي منحني إياها القدر وقت حاجتي

لها، وقت حاجتي لحضن دافئ يساعدني في أصعب لحظات حياتي ،

أصعب مواقف غدر الزمان ، وطعن الثقة . في

أعربت منى عن وبعد الوصول ابتسمتا وعادتا إلى المنزل معا ،

، استغربت رغبتها في االنتقال إلى مدرسة ذوي االحتياجات الخاصة

العائلة ولكن في النهاية كان لها ما أرادت .

كان التأقلم صعب جدا في بداية األمر ، فكل جديد وتغير في

عادات الحياة يصعب التأقلم معه بسهولة ، لكن الذي هون عليها ضنك

عيشها هو تواجدها في بيئة مليئة بأناس من حالتها وأشخاص يقاومون

صعوبة العيش معها ، وسرعان ما كونت صداقات وحاولت نسيان

بار األيام ، وسرعان ما حصرت تفكيرها باليوم سعيد عاله غ ماض

الذي تحياه ليس أكثر . بمساعدة من صديقاتها مضت األيام بسعادة وما

أسرع األيام فقد مضى عام على دخولها مدرسة ذوي االحتياجات

األيام فحسب بل نما المرض أيضا مع كل يوم ، ولم تمض الخاصة

المرض. دةخال، مر مثقل بنبرة واحدة عميقة : ش

تابع د.أحمد حالتها واستمر بأبحاثه فسافر ووحاول عدة محاوالت، لكن

دون جدوى وها هو يلحظ تطور المرض بشدة لدى منى فهي أصبحت

عاجزة عن السير تماما وعاجزة عن التحكم بأطرافها جيدا ، لذا طلب

القادمة . من أهلها إبقاءها في المشفى طيلة الفترة

اء مفاجئة ، فقد الحظ الجميع تدهور حالتها وحاجتها لم تكن تلك أنب

للبقاء في المشفى ، وخاصة بعد حادثة االختناق األخيرة . وضبت منى

أغراضها بمساعدة من دنيا التي صحبتها مع أهلها إلى المشفى .

Page 38: من مرآة الحياة

[37]

استقبلتها الممرضة المسؤولة عنها ، والتي قامت بتوضيب حجرتها

منى ، بهدف مساعدة دنيا ، وطلبت وتجهيزها ، وأخذت تدفع كرسي

. 13من والدة منى وضع أغراض منى في غرفة رقم

جاء د.أحمد و ألقى التحية على منى وعائلتها وأعلمهم أنه يود أن

بأن المرحلة القادمة صعبة يعرفهم على ضيف ما ، وأخبر والدها سرا

تتحدث ببطأ فحسب ، ولن يكتفي المرض وقت لن، فهي مع الجدا

إفساد مخارج حروفها بل سيتحالف مع الوقت ليسرق قدرتها على ب

رياضة )تنس وكما منعها المرض من لعب وممارسة الكالم كليا ،

الطاولة ( سيمنعها من ممارسة أكثر األشياء التي تحبها وهي الكتابة

والحياكة ، لن تتمكن بعد اآلن من التحكم بجسمها وسيبقى القليل القليل

لتفعله .

لت منى الغرفة وساعدتها الممرضة لالستلقاء على السرير ، فتمنت دخ

لو أنه ضريحها ، تمنت أن تنعم برقاد هادئ ونهائي في ثرى المقبرة ،

فابتسمت وقالت في العجلة الندامة .

قناطير مقنطرة من الدموع ال تكفي للتعبير عن نعم ، ابتسمت رغم أن

حاول إنعاش صدرها .حزنها وتضعضعها ، لكن األمل ما زال ي

هي في حالة وسنى بين التعاسة والغبطة ، بين األمل والخطب الجلل،

موعد الوداع يش مع أنها على يقين ووعي تام بأنحيث تحلم بالع

اقترب، وأن الفراق أصبح أقرب ، فالوداع يا عالم أرهقتني الدموع فيه.

لزيارتنا في أقرب ولم العجلة على الموت ؟ على أية حال سوف يجيء

فرصة ، خرج والدها من الغرفة ليبكي دون علم أحد ، فالحمل الذي

على عاتقه أصبح ثقيال جدا ، وفي أثناء سيره بالرواق ، اصطدم برجل،

اصطدم بذلك الضيف الذي أراد له د.أحمد أن يتعرف على منى ،

ينهم والذي يصادف أنه مؤسس المشفى ، السيد جالل، وما إن تالقت أع

وأصبح لون وجهه أحمرا قانيا عزيز حتى اشتعل الماضي فيها ، فار دم

Page 39: من مرآة الحياة

[38]

األرض عوضا عن إال قليال ، خجل جالل من ماضيه و أراد أن تبتعله

الوقوف أمام عزيز، فهو لم يصطدم برجل ، بل اصطدم بالماضي،

اصطدم بأفضل محام مر في حياته و أكثرهم شرفا على اإلطالق، ذلك

مي الذي أراد أن كشف حقيقة االختالس ، وكانت مكافأة أخالقه المحا

وإنسانيته هي النفي من عالم المحاماة ، العالم الذي تلطخ بدماء أبرياء

بفعل النفوذ .

بدأ جالل الحديث قائال : أهال ، وأعتذر بشأن االصطدام .

انتظر عزيز برهة وقال : ال عليك .

سير لكن جالل أمسك بذراعه وقال: أراد عزيز االنصراف وإكمال ال

أعتذر .

سحب عزيز يده بضرواة وقال غاضبا : لقد قلت ال بأس .

جالل : أعتذر .

عزيز : هل تظن أن تلك الحروف كفيلة للغفران ؟

، إلى وجهي الذي يظهر عالمات انظر إلى حالي ، إلى مالبسي

قتي السنين، لقد انتزعت مني مالي و سمعتي ، علمي وعملي ، و

وعمري ، لقد انتهى كل شيء .

جالل : أعتذر ، أعتذر ، أنا آسف ، أعتذر .

لم يأبه عزيز لتلك الكلمات العطشة للغفران ، لتلك الكلمات الخارجة من

شفاه جالل ، عزيز رجل طيب ال يعرف عنوانا للكره ، ال يحقد وال

والذي يحمل الضغينة في قلبه ، لكن حين يتعلق األمر بماضيه القاسي

دمر مستقبله أيضا ، فليس هناك مكانا للسماح ، ويتحول ذلك القلب

كسر الصخر بفعل الكلمات ؟ هل الطيب إلى صخرة قاسية ، وهل ي

تهتز الصخور بفعل الريح ؟ هو ال يؤمن بثقافة االنتقام لكن يؤمن بمبدأ

الجزاء من جنس العمل وكما تدين تدان ، أراد أن ينصرف لكن قدوم

أحمد منع ذلك .د.

Page 40: من مرآة الحياة

[39]

د.أحمد : أرى أنكم قد تعرفتم .

جالل : ليس جيدا

إذن دعوني أعرفكم على بعضكم البعض ، و اآلن من فضلكم د.أحمد:

اتبعوني .

دخل د.أحمد غرفة منى بعد أن قرع على الباب وتبعه كل من جالل

وعزيز ، صدمت سارة بدخول جالل وظلت محملقة به كأنه شبح ،

معاناة الماضي ال تختفي بفعل الزمن ، بل تبقى كندبة مالزمة لنا فوجوه

. طيلة الحياة

بدد د.أحمد تفحصها النظري وقال : منى ، أود أن أعرفك على السيد

جالل فهو كان متمحس للتعرف عليك ، هو الممول الرئيسي للمشفى،

وكما يصادف أنه والد أعز أصدقائي .

وسررت بمعرفتك .منى بحروف مبعثرة : تشرفت

جالل : وأنا أيضا سررت بالتعرف عليك .

انسحب عزيز من الغرفة بهيئة مريبة وتبعته سارة .

عزيز : ال يمكن أن نعالج ابنتنا بمال هذا الرجل .

سارة : نحن مجبورون على هذا .

عزيز : ال يمكن أن نجبر على فعل شيء.

سارة : المرض يجبرك على فعل كل شيء .

مكررا : ال يمكن أن نجبر على فعل شيء . عزيز

سارة غاضبة : بلى ، هل سنترك فلذة كبدنا تموت أمامنا باسم الكبرياء؟

فليمت الكبرياء إذا كان حيا على حساب صحة منى .

عزيز : لكن ماله لن يشفي منى .

خرج جالل من غرفة منى بعد أن تمنى لها الشفاء العاجل، تبعه د.أحمد

ا عند منى يتبادالن أطراف الحديث كشأن الفتيات.وبقيت دني

Page 41: من مرآة الحياة

[40]

سمع جالل جزء من الحديث ، فقال : أتركوني أكفر عن أخطاء

الماضي ، دعوني أحاول طمس معالم جزء من أفعالي ، ثم إن هذا كان

ليكون مالكم لوال سلبي حق ممارسة المحاماة منكم .

اسمك خلف اسم : أرجوكم اتركوه يفعل ، لقد صعق حينما قرأ د.أحمد

منى وأخبرني الحكاية كاملة ، كما أنه اعتذر لكل من أساء لهم في

الماضي باستثنائكم ، ألنه لم يجد طريقة للوصول إليكم ، لقد تغير السيد

جالل ، فاصفحوا عنه .

سارة ساخطة : أمثاله ال يتغيرون .

د.أحمد : لقد تغير منذ وفاة ابنه .

عزيز : وفاة ابنه ؟

نعم منذ وفاة ابني ، أرجوكم اعفوا عني من أجل زوجتي ، حتى جالل :

ترتاح وال تشعر أنها كانت السبب في تعاستكم ، عزيز، سامحني من

حضنك ، اجعل مكانا للغفران زياد الذي كان يجلس بالساعات في أجل

في قلبك من أجل روح زياد ، إذا عفوتم عني وتركتموني أتكفل بعالج

د سددت جزءا من ديوني لكم .ابنتكم ، أكون ق

وافقت سارة من أجل روح صديقتها ، كما وافق عزيز من أجل زياد

الذي كان يعتبره كابنه ومن أجل العشرة القديمة بين األصدقاء.

سر جالل كثيرا بغفرانهم ووعدهم بالتكفل إلعادتهم إلى نقابة المحاماة .

ي الرواق لتنعم منى خرجت دنيا من غرفة منى ملتحقة باآلخرين ف

كتابا كانت تحمله معها منى برقاد هادئ ، ولتفعل ما يحلو لها فتناولت

وراحت تقرأ بين ثنايا الكتاب .

بعد مضي ما يقارب الساعة ، ذهبت عائلتها إلى المنزل ، ودخل

د.أحمد ليطمئن على مريضته فوجدها على حالها منكبة على الكتاب

ذاته ، فسألها عن فحواه واسمه ، اكتفت منى بإغالق الكتاب وإيضاح

صورة هتلر ، إنه كتاب كفاحي! أو كما اسماه كاتبه " أربع سنين

Page 42: من مرآة الحياة

[41]

لجبن والغباء واألكاذيب " وقالت منى بصعوبة ونصف من الكفاح ضد ا

ولهجة متقطعة : التاريخ يكتبه المنتصرون ، وأنا أردت أن أعرف

حقيقة الطاغية أدولف هتلر بنفسي من لسانه هو .

د.أحمد : أنا أعشق القراءة وأدفن نفسي بين طيات الكتاب باأليام

ن ثنياتها ، وقد والسنون، وال أجد من هو أحن علي منها وأرق قلبا م

، وإنه لمن أكثر الكتب المفضلة عندي فهو يفسر قرأت كفاحي من قبل

ماهية هتلر وحقيقة نواياه ، كلماته ترن في ذهني وإني لمتيم بفقرة يقول

فيها : " أشكر القدر الذي أجبرني على العودة إلى عالم الفقر والخوف،

رأسمالية ألن التجربة أزاحت عن عيوني غشاء نتج عن تربية

صغيرة،عرفت اآلن معاناة اإلنسانية ، وتعلمت التفرقة بين المظاهر

السيرة الذاتية كثيرا ما لكنالفارغة والكائن الموجود في داخلها " .

تكذب ويبقى الصدق خارج معلوماتنا .

هو أراد زعامة ، واستجمعت حروفها بصعوبة بالغة :ابتسمت منى

بذلك نال ذلك . إن أكثر ما يثير فضولي تقترب من التأليه وببساطة

. اآلن أنها نظام حياة طبيعي الكتاب هو كرهه للماركسية مع

ضحك د.أحمد وقال : نعم ، إنها كذلك ولكن ماذا عسانا نقول ال يمكن

فهم الشخصية بسهولة أو تصديق ما نتج قبل أو بعد الحرب ويبقى

هو سار على نهج نظريبيد قلبنا ليختار ما يشاء ومن وجهة الحكم

فهو كان على إيمان تام ميكافيللي وطبق كالمه بحذافيره كباقي الطغاة ،

بحق القوة وليس قوة الحق ، والمحصلة أكثر من ستين مليون قتيل في

أعنف حرب شهدها التاريخ اإلنساني ضد البشرية ، ببساطة إنها حياة

عنه بوضوح. هتلر،فالسالم نهج وطريق لم يرتضيه هتلر بل انحرف

منى بحروف تائهة: السالم كلمة يكتنفها الغموض وفي عنفوان التعاسة

والحيرة ، فهي تقال في زمن تنهك الحريات والحقوق فيه ، تقال بزمن

مدلهم بالخطايا والذنوب .

Page 43: من مرآة الحياة

[42]

أحمد: أنا معك ، فهي كلمة غريبة ومخيفة ، ولطالما أثارت ريبتي في

خلدي ، حتى خطرت لي فكرة لنمو وأثارت الخواطر في ريعان شبابي

السالم وتقبل االختالف ، فاالختالف سنة الحياة ونواميس طبيعية ،

لذلك لطالما راودتني فكرة تتبنى التنوع ، ترتكز على تخصيص قرية

تحت عنوان السالم ، وتحمل بين طياتها من كل قبيلة فرد ومن كل

اة على جماعة شخص ومن كل تخصص فرد ، فتجبرهم ظروف الحي

التعامل مع بعضهم البعض وعلى سماع آرائهم المختلفة ونبذ العنصرية

بجميع أشكالها ، فالطبقية ستزول لحاجة الناس إلى بعضهم وألن حياتهم

ستكون دائرة وكل فرد مهم إلكمالها ، والعنصرية العرقية ستطمس ألن

لثقافية واأهمية كل عرق منهم لن تقل أبدا عن أي عرق آخر ، والدينية

أيديولوجية واحدة ، ببساطة ستكون تلك ستزول ويصبح األفراد ذي

القرية عالم مصغر مثالي خال من كل اآلفات و الجرائم لعدم وجود

جماعات متطرفة ، ببساطة كل فرد سيكون وحيدا من جماعته وبالتالي

تنصره سوى تقبل اآلخر ، وكأنهم في سفينة توشك على الغرق القوة

لتعاون الطاقم والركاب وبالتالي تتحد األيادي مختلفة األعراق وتحتاج

واألصول واألفكار في نفس التيار لضمان النجاة .

منى : فكرة نبيهة ، فهي تنبذ التعصب والتطرف بأشكاله وتساعد

ل الطرف اآلخر هو بمثابة الماء البشرية على النمو والتقدم ، فتقب

ست بصعوبة ، فاصفر وجه د.أحمد والتربة ، انقطع صوت منى وتنف

قلقا ولكنها سرعان ما استعادت عافيتها ولم يشأ د.أحمد مقاطعتها

فأكملت كالمها : هو بمثابة الماء والتربة للنباتات ، فإذا فقدا ، ألغيت

فكرة إيجاد حياة نباتية ، وإذا وجدت تلك العناصر األولية أزهرت

، ثم استطردت قائلة: أعلم أن حديثي النباتات وتفتحت عناوين الحياة فيه

بطيء جدا إلى حد الملل

Page 44: من مرآة الحياة

[43]

د.أحمد : ال تكملي ، أنا متفهم جدا ، وأعلم أنه ليس ذنبك ، وتذكري أنه

كلما أردت الحديث مع أحدهم ، فأنا على رأس قائمة .

وعلمت أن اكتفت منى بتلك الكلمات لتنعش حياتها وتسعدها ، فابتسمت

. صبور في العالج طبيبها طبيب مخلص و

، وأنأحمد بابتسامتها ليعلم أن تلك الطفلة أقوى من المرض واكتفى

ابتسامة مريضته سبب سعادته.

فتحت الممرضة الباب مقاطعة الحديث وطلبت من د.أحمد المجيء،

فاستأذن من منى ، وطلب منها نيل قسط من الراحة ثم انصرف .

توجه د.أحمد إلى غرفته بسرعة شديدة وانهار باكيا ، هو عاجز كليا عن

مع أنها لم تبلغ السادسة عشر مساعدة تلك الطفلة ، هي على حافة الموت

، أقرانها يفكرون بخططهم للمستقبل وهي تفكر بمراسم دفنها في بعد

لديه إمكانيات ضريحها ، هو يشعر في هذه اللحظة أنه ال قيمة لوجوده أبدا ،

ولكنه عاجز عن فعل أي شيء ، هو سيسمح لطيب أن يموت مرة أخرى ،

هو يقع في هاوية الموت ألنه لن يتمكن من رفعها وكذلك غير قادر على

االستمرار بإمساكها ، هو هائم في غابة موحشة وكثيفة ، روحه تناجي ربه ،

ئرا طيلة الليل، هو يكره عجزه وعدم قدرته على معرف الصواب ، وبقي حا

وتذكر مريض السرطان الذي كان يصارع المرض حتى يتمكن من احتواء

طفلته المرتقبة بين ذراعيه ، فقد حاول كثيرا التخلص من المرض، حاول

إيجاد عالج في شتى البالد لقد كان يصارع األلم ليال ، ويصرخ محاوال

ته حتى تتذكر آخر التخلص من المرض، وفي الصباح كان يبتسم بوجه زوج

لحظاتهما معا بسعادة، وكانت هي أيضا تبادله االبتسام حتى يتذكر ابتسامتها

حين توافيه المنية ، وكالهما كان يعلم أن ابتسامتهما مسروقة و مزيفة ، ليس

لها وجود في حياتهما ، لذا حاوال جعلها حقيقة لتصاحبهما حين يحمالن

والت لم ترادفها سوى الفشل ألن الورم طفلتهما ، لكن دون جدوى فالمحا

كان قد تفشى في دماغه ، فلم يتمكن أحد من القضاء على براثن المرض ،

Page 45: من مرآة الحياة

[44]

وفي الرابع من حزيران تسلل المرض كاللص إلى روحه ، وهجم على آخر

زفير ونبضة فتمكن من قتل الجسد ن وهكذا شهد أحمد على وفاة عائلة كاملة

عدم السماح بتكرار ذلك عهد على نفسه بذلك الوقت، وقد ت وهو ما زال طالبا

، راد العائلة تموت العائلة بأسرهاالمشهد مجددا ، فعندما يموت فرد من أف

أمل أو نمجرد لحم يمشي دو الفرد تموت موتا دون وجود ضريح، فيكون

مجرد طفلة لم ة ، وماذا لو كان ذلك الفردساطة غير حي بجداربغاية ، فهو ب

دها وعوضا عن ذلك شاهدت والدتها آالف المرات منهارة فحسب ، تر وال

تلك الطفلة التي فرضت على أمها الوقوف ضد تيار الحياة من أجل البقاء

على قيد الحياة، فمصارعة أنثى ضعيفة للحياة ليست نزهة شواء، بل هي

، معركة دامية، والمرأة قادرة على ذلك إذا سمحت لإلرادة بالمكوث في قلبها

واإلرادة في تلك الحالة استمدت من بكاء طفلتها، والحيرة والخوف على

مستقبل ابنتها شحنتها بطاقة ال تنفذ ، لكن ذلك ال يغير فكرة أن موت األب

تلك ةكان فاجعة ، وكان المرض سارق تمكن من سلب السعادة من حيا

والموت روايتهم ةفالمرض كان بداي رة ، واغتصاب الغبطة في قلوبهم،األس

لما فهذه المرة هي وفاة كان مسطرا في نهاية الرواية. بال د.أحمد تمزق أ

سعادة في تلك العائلة ، أي فقدان لمما يعني وفاة األمل وأي سبب ل الطفلة ،

ما يشحنهم بطاقة الحياة، د.أحمد بالطبع لن يسمح بتكرار تلك المأساة

ه عاصفا بأفكار مخيفة.والظاهرة مجددا بنحو أقسى ، ومضى الليل علي

بعد أن تنفس الضياء بقليل توجه إلى غرفة منى ؛ حتى يطمئن على

مريضته ، وها هو يرى الفاجعة ، هي على الكرسي المتحرك ولكنها ببساطة

ال تتحرك ، وجهها شاحب،هل ماتت؟! هل انتهت رحلتها؟ فاقترب منها

نفس ، إنها حية ترزق ! ووضع إصبعه قرب مجرى نفسها ، يا إلهي إنها تت

الحمد هلل رب العالمين، هي ما زالت على قيد الحياة.

استيقظت منى من نومها وتمنت صباح جميل لطبيبها ، غسلت وجهها

اليائس إال قليال الجلوس. -وطلبت من طبيبها

Page 46: من مرآة الحياة

[45]

فاستجاب لطلبها وابتسم حتى يعلم مرامها .

ي في حياتي وألنك وقفت بجانبي ساعدتن الحديث قائلة : شكرا لك ألنكبدأت

طيلة تلك المدة ، فكنت منارة اهتدي بها، وناقوس أمل وسعادة ، لقد كنت

طبيبا رائعا طيلة فترة العالج يا شمعة أنارت طريق مرضاها وكما تقول

دائما ستشرق الشمس مهما بلغ عدد حبات المطر .

أشكرك أجل شكرا شعر الطبيب بالحماس الشديد وقال لقد ألهمتني ف

خطر في باله خاطرة ، األمل ال على القدرة الحالية ، ، والرهان علىيال جز

فذهب إلى المختبر وهاتف زمالءه في الدراسة وأعلمهم بحاجته إلى

المساعدة، فقدموا مسرعين استجابة لطلبه .

ء منهم من لبما ط تبر تنفيذا ألوامر أحمد ، ونفذ األطباءالعمل في المخ بد

تفاعالت وتجارب أجروها على فأر مصاب بنفس المرض ، فهم على يقين

بأن كلمات أحمد ليست مجرد أوامر يرددها ، بل أسمى من تحريك شفاه، هي

رسالة البشرية ، هي قضية إنسانية متمسكين بها بكل ما يملكون من قوة .

. أما منى ، فقد كانت الليل ، األطباء منهمكين في العمل إليجاد عالج حل

تشعر بقشعريرة وخوف ، وبحاجة ماسة إلى أهلها ، فنقلت جسدها بصعوبة

بالغة إلى الكرسي حتى إنها كادت أن تسقط في إحدى اللحظات ، ثم ضغطت

على زر الكرسي اآللي ) من في وضعها الصحي ال يستعملوا الكرسي

تحكم بأطراف جسدهم المتحرك العادي ألنهم غير قادرين على تحريكه وال

كافة ( لتصل إلى الهاتف الموضوع على المنضدة وبصعوبة شديدة وال

أمسكت الهاتف عهاوكرس ومتناهية رفعت ذراعها وباستعمال إبهامها

تتمرد عليها لكن محاولتها باستعماله باءت في الفشل فأصابعهابضراوة و

جزة دموع له , فهي عاأرادت أن تبكي لكن األلم الكبير الوتأبى الطواعية ,

طلب عن ا عن فعل أي شيء ,إنها عاجزة عن استعمال الهاتف وعاجزةكلي

مساعدة أو صراخ .

Page 47: من مرآة الحياة

[46]

يزة األم , شعرت بابنتها تتألم , شعور غريب ألول مرة استيقظت غر

يراودها لكنها على يقين بأنه قلب الصواب فاتجهت بسرعة إلى المستشفى

حزنها ويأسها , فضمتها وهدأت من روعها بنتها غارقة فياووجدت أن

وخلدتا للنوم سوية .

الشمس الساطعة التي تعيد إلى اإلنسان ال الضوء وحده , -أشرقت الشمس

نافذة المشفى وأخذت أشعة الشمس على –بل حياة جديدة وأمال وبهجة جديدة

الصباحية تداعب وجه منى .

طباء ، نجاح فكرة يمكن تنميتها وفي المختبر وميض أمل يشرق على األ

إليجاد العالج ، وجدان األطباء يرقص فرحا فهم على وشك إنقاذ البشرية

بأسرها من مرض لم يرحم أحدا .

استيقظت سارة وها هي تحاول إيقاظ ابنتها ، تردد اسمها، تالعب

وجنتيها، وها هي تضع راحة يدها أمام وجه ابنتها ، ال نفس ، ال حياة ،

، ومرارا وتكرارا ، فزع األطباء صرخت األم من شدة األلم ، صرخت كثيرا

وتوجهوا إلى الغرفة، لقد ماتت منى ، صعدت روحها الصافية إلى السماء ،

لقد خرجت روحها الئذة بالفرار من موطن األلم والعذاب، لقد انتهت رحلتها

ا في اكتناز اآلالم، يدع أحدا حيا . لقد انتهت مهمتهفي الطريق الذي لن

ت صرح سعادة أم انتهت تعاستها في هذه الدنيا الفانية والمولية فرارا سواء بن

صرح تعاسة .

فنت في تمام الساعة الرابعة عصرا من يوم االثنين الموافق الحادي عشر د

كن رفيقا وحنونا أكثر ، وجاء لحضور ارحمها و من نوفمبر ، فيا نوفمبر

أناس تمنوا مساعدتها فساعدتهم هي باألمل اس من كل بقاع األرض،دفنها أن

يعانون من مرضها ، وكل ما فعلته لهم هو إضاءة األمل في آخرين أشخاص

طريقهم عن طريق الحديث معهم في المشفى أو كتابة رساالت أمل وتشجيع

لباقي المستشفيات.

Page 48: من مرآة الحياة

[47]

ا فهي ترفض أن وبناءا على طلب الفقيدة لم يوضع أي زهرة على ضريحه

يزين الموت في الموت ، وبناءا على رغبتها أيضا قرأ د.أحمد خطابها

: "عيشوا بفرح فربكم -بواسطة جهاز كتابي -األخير علنا والذي كتب فيه

رب كريم ، وافعلوا كل ما مكنتكم قواكم الحالية من فعله ، واجعلوا األمل

أجمل الذكريات ، ويبني أكبر رفيقكم ألنه ينعش روعة ما ذبل ويجدد لكم

مشاعر السعادة، واجمع األصدقاء الصالحين من حولك النهم يهبونك لذة

الحياة ، وابتعد عن رفاق السوء ألنهم ينهون طريق سعادتك ويحيطونك

بأشخاص تشعر معهم بالوحدة وتلك أصعب المشاعر، وتذكر أن رفاق السوء

، واألصدقاء حقا جسدك ي في عرونك بأنك ميت رغم أن الروح تجريش

من حولهم بأنك حي رغم مماتك، فهم يحبونك أكثر مما يشعرونك ويشعرون

تتوقع ويأبوا فراقك . ولكن احذر أن تبدي ضعفك أو حزنك ألي منهما ،

حتى تتجنب بالء شماتة األعداء، حتى تبتعد عن إحزان من علموك معنى

عالم اإلنسانية ، فدع عنك السعادة. وال تحمل الضغينة ألحدهم فهي تشوه م

ذاكرة الطغاة ، وال تكن جمال حقودا . اكتب فالكتابة تساعدك على رفع الثقل

فح ألجل الود القديم وليس عن قلبك . وإذا قسا عليك صديق بجهله فاص

، وتجاهل كل ما يزعجك فلكل شيء جانبان أحدهم سلبي واآلخر ألجله

ا قد يتخيل ويتصور خلدك فاختر ما إيجابي ، والجانبان أقرب لبعضهما مم

حاللك منهما . واألهم من هذا كله ، قدر نفسك واشعر بأهمية ذاتك ، و

اركض خلف حلمك ، ال تسمح له بالفرار من بين يديك ، حقق دها ، أسع

هدفك ، ال تترك غايتك، وافعل ما في وسعك فالغاية تستحق نضالك ، وتذكر

وإذا شعرت بالضيق فتذكر أنه في لطموح ، أنه ال سقف لألمنيات وال حدود ل

لقلب تولد األحالم ، وفي الخيال تتحقق الرغبات ، وفي الحقيقة تدفن ا

الطموحات ، والواقع ال يلبث إال يجلدنا مسبب ألما ، يزداد ضجرا ، يزداد

مآسي ونظن انه ما باليد حيلة و ما بالعين إال البكاء والدموع ، لكن اسبح

يملك طاقة كالرياح تدفعك بالواقع نحو النجاح ".بخيالك فهو

Page 49: من مرآة الحياة

[48]

تنهد أحمد ورفع وجهه ثم أضاف قائال : ستشرق الشمس مهما بلغ عدد

حبات المطر .

كلماتها كيانهم ، فكروا المست ، انهمرت دموع جميع الحاضرين

لتحقيق مرادهم ، وحملوا على عاتقهم على أنفسهم ، وقطعوا عهدابآمالهم

ولية حفر أفكارها في حياتهم .مسؤ

بعد مضي عدة أشهر :

لم يتوقف أحمد عن محاولة عن محاول إيجاد العالج أبدا ، وسعى والدا منى

لنشر أفكارها عن طريق المحاماة . قامت دنيا ببذل وقتها في سبيل نشر

السعادة بين اآلخرين ، وفي سبيل خدمة عالج المرضى ، وتعهدت على

دراسة األعصاب و قتل األمراض العصبية وغيرها ، فالحياة هي بذرة نفسها

ميتة إذا ما أحسن غرسها في التراب والعناية بها تمنح األمل والحياة لشجرة

تحمل مخلوقات شتى ، فكل نبات حي أصله نبات ميت دفن في الماضي .

هذه هي الحياة ، يموت شخص ويولد آخر ال ينتهي الزمن بفعل رغباتنا

من حياة ووقت ومتى آن األوان ظهر كل على حقيقته ، فاغتنم ما وهبت

حتى تحقق هدفا . ال تكن كالقهوة الباردة ال رائحة لها وال طعم يستساغ، بل

كن كالزهر إذا حضر أيقن الجميع قدوم الخير، وأرجوك كم ممتنا وقدر

اة ، وكن حياتك ، وتعرف على المغزى من وجودك وأدرك مهمتك في الحي

على يقين بأن السعادة موجودة إذا أحسنت البحث عنها وتمكنت من توليدها

وإيجادها في أصعب المواقف فالسعادة كنز بيد كل فرد في الحياة ، وكل

Page 50: من مرآة الحياة

[49]

، وال تفقد األمل عند أول محطة للفشل شخص يمكنه استعمال ذلك الكنز ،

من األمس خبرة .واصنع سعادتك من شظايا الفشل ، خذ من اليوم عبرة و

هذه هي مرآة الحياة، وهذا جزء بسيط من انعكاسها، وما زلنا نتعلم من

مدرسة الحياة، ونحاول اقتناص كل فرصة لزرع الخير وبذر السعادة.

Page 51: من مرآة الحياة

[50]

ال تكن ميتا وأنت حي ، و اسع لتكن حيا وأنت ميت.

Page 52: من مرآة الحياة

[51]

Page 53: من مرآة الحياة

[52]

من مرآة الحياة

انعكاسها، من بسيط جزء وهذا الحياة، مرآة هي هذه كل اقتناص ونحاول الحياة، مدرسة من نتعلم زلنا وما

، ونتجنب السعادة وبذر الخير لزرع فرصةاالنعكاسات الكاذبة حتى نرى الحقيقة بوضوح وما

يتوجب علينا االستفادة منها الحياة إال تجربة فانية.وزرع السعادة في خلدنا وخلد اآلخرين

Page 54: من مرآة الحياة

[53]