This document is posted to help you gain knowledge. Please leave a comment to let me know what you think about it! Share it to your friends and learn new things together.
Transcript
... إهداء
.. إلى مالك حداد
.. أقسم بعد استقالل الجزائر أال يكتب بلغة ليست لغته ابن قسنطينة الذي
وأول , ومات متأثرا بسلطان صمته ليصبح شهيد اللغة العربية .. فاغتالته الصفحة البيضاء . وقهرا وعشقا لها كاتب قرر أن يموت صمتا
... وإلى أبي
. كتابه... له أخيرا هذا الكتاب فيقرأ, من يتقن العربية "هناك"عساه يجد
أحالم
الفصل األول
: ما زلت أذكر قولك ذات يوم ."كل ما لم يحدث واألدب ھو. الحب ھو ما حدث بیننا"
: بعد ما انتھى كل شيء أن أقول, يمكنني الیومإنھا . دث على فجیعتنا إذن فما اكبر مساحة ما لم يح ھنیئا لألدب
. تصلح الیوم ألكثر من كتاب ... وھنیئا للحب أيضا
ما أجمل ... يحدث ما أجمل الذي لم... فما أجمل الذي حدث بیننا
. الذي لن يحدث
عن حیاتنا إال عندما كنت اعتقد أننا ال يمكن أن نكتب, قبل الیوم . نشفى منھا
نتألم مرة أن دون, عندما يمكن أن نلمس جراحنا القديمة بقلم . أخرى
حقد ودون, دون جنون, عندما نقدر على النظر خلفنا دون حنین
أن اذھب للبحث عنه في , الذي حدث فال كان ممكنا يومھا بعد كل
كان وال .ألشتري قصتي من بائع مقابل ورقه نقدية, المكتبات وكأن , ممكنا أيضا أن أتجاھله وأواصل حیاتي وكأنني لم اسمع به
. يعنیني تماما أمره ال
الم أكن متحرقا إلى قراءة بقیة القصة؟
. دون أن أعرف فصولھا األخیرة, انتھت في غفلة مني قصتك التيأنا الذي . بعدما كنت شاھدھا األول ,تلك التي كنت شاھدھا الغائب
دائما في الشاھد والشھید. انون الحماقات نفسهح ب ق. ,كنت . قصة لم يكن فیھا من مكان سوى لبطل واحد
فتركته ھنا . يعد بإمكاني الیوم أن أقرأه لم.. ھا ھوذا كتابك أمامي
أستعین , موقوتة يتربص ي قنبلة, على طاولتي مغلقا كلغز الذاكرةواستفزاز ... بحضوره الصامت لتفجیر منجم الكلمات داخلي
.
عنوانه الذي اخترته بمراوغه .. كل شيء فیه يستفزني الیوم ونظرتك المحايدة التي . وابتسامتك التي تتجاھل حزني ..واضحة
. الكثیر عنك ال يعرف, تعاملني وكأنني قارىء . حتى اسمك.. كل يء
فھو مازال يقفز إلى الذاكرة ,وربما كان اسمك األكثر استفزازا لي . تقفز حروفه الممیزة إلى العین قبل أن
عزف على آلة واحدة .. الذي اسمك سمع كموسیقى ت قرأ وإنما ي ال ي
.واحد من أجل مستمعوھو فصل من قصة مدھشه كتبتھا , كیف لي أن أقرأه بحیاد
الذي تقاطع يوما؟ وكتبھا قدرنا, الصدفة
. يقول تعلیق على ظھر كتابك إنه حدث أدبيضع علیه حزمة من األوراق التي سودتھا في لحظة أ وأقول وأنا
..ھذيانفما أعجب ما . تصمت إلى األبد أيھا الرجل أو.. حان لك أن تكتب "
"! يحدث ھذه األيام
ويزحف لیل قسنطینة نحوي من , البرد الموقف يحسم.. وفجأةبدوري تحت غطاء وانزلق, غطاءه فأعید للقلم. نافذة للوحشة
. الوحدة
الذي يشبھھا اللیل, دركت أن لكل مدينة اللیل الذي تستحقمذ أقررت , ويعري في العتمة ما تخفیه في النھار, والذي وحده يفضحھا
. أتحاشى النظر لیال من ھذه النافذة أن
, وتفضح للغرباء أسرارھا ,كل المدن تمارس التعري لیال دون علمھا . حتى عندما ال تقول شیئا
.أبوابھا دوحتى عندما توصيحدث لبعضھن أن يجعلننا نستعجل قدوم , وألن المدن كالنساء
... ولكن. الصباح
"soirs, soirs.que de soirs pour un seul matin .."
ورحت اردده على " ھنري میشو"ھذا البیت للشاعر كیف تذكرت .. نفس ب كثر م لغة " أمسیات كم من مساء لصباح واحد .. أمسیات" كنت أتوقع منذ سنین تراني.. ومتى تراني حفظته؟ , ف تذكر هكی
لن يكون لھا سوى صباح واحد ؟, أمسیات بائسة كھذه
بعض الشيء في ذاكرتي عن القصیدة التي اخذ منھا ھذا أنقب .. "الشیخوخة"وإذا بعنوانھا , البیت
فیخیفني اكتشافي فجأة وكأنني أكتشف معه مالمح وجھي
بلیل طويل واحد تزحففھل . الجديدة . الشیخوخة ھكذا نحونا حقادون , ونسیر ببطء ,وبعتمة داخلیه تجعلنا نتمھل في كل شيء
اتجاه محدد؟
الشیخوخة أم من أيكون الملل والضیاع والرتابة جزءا من مواصفات
مواصفات ھذه المدينة ؟
الوطن بأكمله ھو الذي أم ترى.. تراني أنا الذي ادخل الشخوخة خل الیوم سن الیأس الجماعي؟يد
على جعلنا نكبر ونھرم , القدرة الخارقة ألیس ھو الذي يملك ھذه ؟ وأحیانا في بضعة أسابیع فقط, في بضعة اشھر
ك شبابي, قبل الیوم لم أكن اشعر بثقل السنین وكان , كان حبوكانت باريس مدينه , التي ال تنضب مرسمي طاقتي الشمسیة
ولكنھم . د أن يھمل مظھره في حضرتھايخجل الواح, أنیقةوجاؤوا بي ... وأطفأوا شعلة جنوني , طاردوني حتى مربع غربتي
. حتى ھنا
ولم يعد في , اآلن نحن نقف جمیعا على بركان الوطن الذي ينفجر وننسى نارنا , أن نتوحد مع الجمر المتطاير من فوھته إال, وسعنا الوطن . تلك األناقة واللیاقةكل الیوم ال شيء يستحق... الصغیرة
! نفسه أصبح ال يخجل أن يبدو أمامنا في وضع غیر الئق
في العمر الذي يكون فیه اآلخرون قد , ال أصعب من أن تبدأ الكتابة .قول كل شيء انتھوا من
شيء شھواني وجنوني ... الكتابة ما بعد الخمسین ألول مرة .المراھقة شبیه بعودة
, شبیه بعالقة حب بین رجل في سن الیأس, شيء مثیر وأحمق . وريشة حبر بكر
! والثانیة عذراء ال يرويھا حبر العالم... األول مرتبك وعلى عجل, مجرد استعداد للكتابة فقط, ما كتبته حتى اآلن سأعتبر إذن
. حملت منذ سنین بملئھا لھذه األوراق التي... وفائض شھوة
. ربما غدا ابدأ الكتابة حقايكون .... األشیاء الھامة في حیاتي بتاريخ ما حب دائما أن ترتبطأ
. غمزة لذاكره أخرى
وأنا استمع إلى األخبار ھذا المساء , الفكرة من جديد أغرتني ھذهأن غدا سیكون أول , بالزمن واكتشف، أنا الذي فقدت عالقتي
الكتاب ؟ھذا ألبدأ به, فھل يمكن لي أال أختار تاريخا كھذا... نوفمبر
سنه على انطالق الرصاصة األولى لحرب 34غدا ستكون قد مرت
ومثل ذلك من , ويكون قد مر على وجودي ھنا ثالثة أسابیع, التحرير ... دفعه من الشھداء الزمن على سقوط آخر
عه بنفسي وادفنه ھنا .كان احدھم ذلك الذي حضرت ألشی
.. تغیرت األھداف , رتغیرت الصدو, وآخر رصاصه, بین أول رصاصه . وتغیر الوطن
. ولذا سیكون الغد يوما للحزن مدفوع األجر مسبقاوال من , وال من استقباالت, عسكري لن يكون ھناك من استعراض
.... تبادل تھاني رسمیه . ونكتفي بزيارة المقابر ... سیكتفون بتبادل التھم .الوطن معال أريد أن أتقاسم حزني . غدا لن ازور ذلك القبر
. وكبرياء صمته, أفضل تواطؤ الورق
أنني قد اكتب أخیرا شیئا واشعر.. كل شيء يستفزني اللیلة ..لن أمزقه كالعادة, مدھشا
بعد كل ھذه السنوات إلى , التي تعود بي فما أوجع ھذه الصدفة
بتوقیت , انتظاري ألجد جثة من أحبھم في, للمكان نفسه , ھنا . الذاكرة األولى
يستدرجني إلى دھالیز .مربكا... يستیقظ الماضي اللیلة داخلي
. الذاكرةذاكرتي ھذا ھل يمكن لي أن أقاوم, ولكن, فأحاول أن أقاومه
المساء ؟ .. أغلق باب غرفتي واشرع النافذة
...وإذا النافذة تطل علي. غیر نفسي أحاول أن أرى شیئا آخرقسنطینه ملتحفه زحف نحويوت, تمتد أمامي غابات الغاز والبلوط
وكل تلك األدغال والجروف والممرات السرية التي , مالءتھا القديمة, يوما اعرفھا والتي كانت تحیط بھذه المدينة كحزام أمان كنت
إلى القواعد السرية , وغاباتھا الكثیفة ,فتوصلك مسالكھا المتشعبة . أخرى ومغارة بعد ,وكأنھا تشرح لك شجرة بعد شجره, للمجاھدين
.الصمود تؤدي إلى, إن كل الطرق في ھذه المدينة العربیة العريقةوإن كل الغابات والصخور ھنا قد سبقتك في االنخراط في صفوف
. الثورة ... ھنالك مدن ال تختار قدرھا
... أال تستسلم, الجغرافیا كما حكمت علیھا, فقد حكم علیھا التاريخ . دائما ولذا ال يملك أبناؤھا الخیار
أن أشبه ھذه المدينة حد التطرف ؟ فھل عجب
واخترت أن , الطرق ذات يوم منذ أكثر من ثالثین سنه سلكت ھذه
تكون تلك الجبال بیتي ومدرستي السرية التي أتعلم فیھا المادةوكنت ادري انه لیس من بین . الوحیدة الممنوعة من التدريس
ون مختصرا بین المساحة قدري سیك وان, خريجیھا من دفة ثالثه . والموت.. الفاصلة بین الحرية
، لنذھب دون خوف ذلك الموت الذي اخترنا له اسما آخر أكثر إغراء
. لشيء آخر غیر حتفنا وكأننا نذھب, وربما بشھوة سريه
اسم؟ وكیف لماذا نسینا يومھا أن نطلق على الحرية أيضا أكثر من في مفھومھا األول ؟.... اختصرنا منذ البدء حريتنا
وينام ويأخذ كسرته معنا على , يمشي إلى جوارنا كان الموت يومھا
والسعادة المبھمة التي .. تماما مثل الشوق والصبر واإليمان. عجل . ال تفارقنا
, األيام تعود قاسیه دائما وكانت.. كان الموت يمشي ويتنفس معنا
يتوقع احد ذين لم يكنال, ال تختلف عما سبقتھا سوى بعدد شھدائھاأن تكون , أو لم يكن يتصور لسبب أو آلخر.. موتھم على الغالب
. ومفجعه إلى ذلك الحد.. قريبه إلى ذلك الحد , بالذات ھم, نھايتھم . أكن قد أدركته بعد وكان ذلك منطق الموت الذي لم
عنھم ما زلت اذكرھم أولئك الذين تعودنا بعد ذلك أن نتحدث
أن الجمع في ھذه الحالة بالذات، لیس اختصارا للذاكرة وك. بالجملة . لحقھم علینا وإنما,
كان ھناك . كان كل واحد منھم شھیدا على حده.. لم يكونوا شھداء . وكأنه جاء خصیصا للشھادة, استشھد في أول معركة من
بعدما , المسروقة إلى أھله بیوم واحد وھناك من سقط قبل زيارته . لھا واإلعداد, ع في دراسة تفاصیلھاقضى عدة أسابی
. لیموت متزوجا.. وھناك من تزوج وعاد .ولم يعد... لكي يتزوج وھناك من كان يحلم أن يعود يوما
األتعس ھم إن , لیس الذين يموتون ھم التعساء دائما, في الحروب . ومعطوبي أحالم, يتامى, أولئك الذين يتركونھم خلفھم ثكالى
بعد آخر، وقصة بعد أخرىھذه اكتشفت ، شھیدا ..الحقیقة باكرانفسھا، أنني ربما كنت الوحید الذي لم واكتشفت في المناسبة
لقد كان وه لم إن الذي مات أب"ذلك المثل الشعبي على حقم ."يتیم وحده الذي ماتت أمه.. يتیت
، وكنت أعي ذلك بعمق في كل لحظة فالجوع إلى . وكنت يتیما
مخیف وموجع، يظل ينخر فیك من الداخل ويالزمك الحنان، شعور .بأخرى حتى يأتي علیك بطريقة وبطريقة أو
أكان التحاقي بالجبھة آنذاك محاولة غیر معلنة للبحث عن موت
ارجأجمل خ تلك األحاسیس المرضیة التي كانت تمألني تدريجیا على كل شيء؟ حقدا
الثورة تدخل عامھا الثاني، ويتمي يدخل شھره الثالث، ولم كانت
أية لحظة بالذات أخذ الوطن مالمح أعد أذكر اآلن بالتحديد، فيواالنتماء األمومة، وأعطاني ما لم أتوقعه من الحنان الغامض،
ف .له المتطر
المبروك منذ من حینا بسیدي" سي الطاھر"وربما كان الختفاء بضعة أشھر، دور في حسم القضیة، واستعجالي في أخذ ذلك
فلم يكن يخفى على أحد أنه انتقل إلى مكان .القرار المفاجئھناك مع سري في الجبال المحیطة بقسنطینة لیؤسس من
.آخرين إحدى الخاليا األولى للكفاح المسلح
اللیلة لیزيد من ارتباكي، ومن منكما "سي طاھر"من أين عاد اسم .استدرجني لآلخر؟
، وعلى بعد شارعین مني شارع مازال وھل غاب.. من أين عاد حقا يحمل اسمه؟
."االسم سلطة"ھناك شيء اسمه
وھناك أسماء عندما تذكرھا، تكاد تصلح من جلستك، وتطفئ كأنك تتحدث إلیھا بنفس تلك الھیبة تتحدث عنھا و تكاد. سیجارتك
.وذلك االنبھار األول
لم تقتله العادة وال . ھیبته عندي) سي طاھر(ظل السم .. ولذاالسجن المشترك، وال سنوات النضال، المعاشرة، ولم تحوله تجربة
كیف تحیط فالرموز تعرف. إلى اسم عادي لصديق أو لجار دائماي، الذي يفصل بین العادي نفسھا بذلك الحاجز الالمرئ
.والممكن والمستحیل، في كل شيء واالستثنائي، ..له ھا أنذا أذكره في لیلة لم أحجزھا
من سیجارة أخیرة، يرتفع صوت المآذن معلنا وبینما أسحب نفسا
ومن غرفة بعیدة يأتي بكاء طفل أيقظ صوته أنحاء كل . الفجر صالة ..البیت
فال الرضع، ألنھم يملكون وحدھم حق وأحسد األط فأحسد المآذن،الحیاة حبالھم الصوتیة، الصراخ والقدرة علیه، قبل أن تروض
.وتعلمھم الصمت
سنواته األولى في تعلم النطق، يقضي اإلنسان"ال أذكر من قال ."!الصمت وتقضي األنظمة العربیة بقیة عمره في تعلیمه وكان يمكن للصمت أن يصبح نعمة في ھذه الل یلة بالذات، تماما
فالذاكرة في مناسبات كھذه ال تأتي بالتقسیط، وإنما .كالنسیان .ال تدري من المنحدرات تھجم علیك شالال يجرفك إلى حیث
في وكیف لك لحظتھا أن توقفھا دون أن تصطدم بالصخور، وتتحطم زلة ذكرى؟
وھا أنت ذا، تلھث خلفھا لتلحق بماض لم تغادره في الواقع، .تسكنھا ألنھا جسدك بذاكرةو
.جسدك المشوه ال غیر
من منبر إلى آخر، بحجة أو بأخرى، وتدري أن ھناك من يلھثون اآلن فیه كانوا طرفا بالموجة الجديدة، عساھم يلحقون. لیدينوا تاريخا
.فال تملك إال أن تشفق علیھم. قبل أن يجرفھم الطوفان لتوه من مستنقع.. للةأتعس أن يعیش اإلنسان بثیاب مب ما .. خارجا
!انتظار أن تجف وأال يصمت قلیال في
.اللیلة) سي طاھر(صامت يأتي .الشھداء صامت ك ا يأتي .كعادته.. امتا
.وھا أنت ذا مرتبك أمامه كعادتك
الخمس عشرة سنة التي تفصلكما، أكبر من عمر لقد كانت دائما
بحد. السنوات بحد ذاتھا، لرجل كان يجمع ذاتھ كانت عمرا ا، ورمزااختلط بجمعیة إلى جانب الفصاحة التي كان يتمیز بھا كل منھي فصاحة .. العلماء، ودرس في قسنطینة، فصاحة أخرى
.الحضور
ويعرف كیف . يعرف متى يبتسم، ومتى يغضب) سي طاھر) كان كیف يصمت وكانت الھیبة ال تفارق وجھه وال .يتكلم، ويعرف أيضا
مختلفا لمالمحه تلك االبتسامة الغامضة التي كانت تعطي تفسیرا .كل مرة
الناس أولئك وقلیل من.. إن االبتسامات فواصل ونقاط انقطاع"
*."الذين ما زالوا يتقنون وضع الفواصل والنقط في كالمھم ). سي طاھر(كان موعدي النضالي األول مع ) الكديا( سجن في
بعد آخر، يدري الذي) سي طاھر(وكان استدرجني إلى الثورة يوما
على وربما كان. أنه مسؤول عن وجودي يومھا ھناك يشفق سراا( سنواتي الست عشرة، على طفولتي المبتورة، وعلى التي ) أم
، كان ويعرف ما يمكن أن تفعله بھا تجربة اعتقالي يعرفھا جیدا .األول
لمن يريد سماعه ولكنه كان يخفي : عني كل شفقته تلك، مرددا ."لقد خلقت السجون للرجال"
وقتھا، ككل سجون الشرق الجزائري يعاني ) الكديا(سجن وكانمت فیھا 1945ماي 8مظاھرات فجأة من فائض رجولة، إثر التي قد
متمثال في دفعة طیف وضواحیھا أول عربون للثورة،قسنطینة وسة آالف من الشھداء سقطوا في مظاھرة واحدة، أولى من عد
اآلالف من المساجین الذين ضاقت بھم الزنزانات، مما وعشراتحماقاتھم، وھو يجمعون لعدة أشھر جعل الفرنسیین يرتكبون أكبر
زنزانات يجاوز يبین السجناء السیاسیین، وسجناء الحق العام، ف عدد نزالئھا العشرين معتقال .أحیانا
الثورة تنتقل إلى مساجین الحق العام الذين وھكذا، جعلوا عدوى
باالنضمام إلى وجدوا فرصة للوعي السیاسي، ولغسل شرفھمومازال . الثورة التي استشھد بعد ذلك من أجلھا الكثیر منھم
بتكريم ووجاھة القادة اآلن على قید الحیاة، يعیش بعضھم حتىل التاريخ بإعادة سجل التاريخیین لحرب التحرير، بعدما تكف
السجناء بینما وجد بعض. لعذريته األولى.. سوابقھم العدلیةفرصة للتعرف على _ في تلك الحماقة االستعمارية _ السیاسیین للتشاور والتفكیر في أمور الوطن بعض، ووقتا والتخطیط .. كافیا
.رحلة القادمةللم
عندما أذكر تلك التجربة، تبدو لي لكثافتھا ودھشتھا، وكأنھا ..الیوملم تدم بالنسبة لي سوى ستة أشھر رغم أنھا. أطول مما كانت
آخرين لصغر قضیتھا ھناك قبل أن يطلق سراحي أنا واثنین. فقطا .سننا وألنه كان ھناك من يھمھم أمرھم، أكثر من
، ألجد ث وھكذا عدت إلى دراسیا انوية قسنطینة، بعدما أخلفت ھاما
واألدب الفرنسي في البرنامج نفسه وكتب الفلسفة نفسھا ..انتظاري
بین، بین وحدھم بعض رفاق الدارسة كانوا ما يزالون ضمن المتغی .مساجین وشھداء
أن تتخرج منھا أول أغلبھم طلبة في الصفوف العلیا التي كان مقررا .ثقفین والموظفین الجزائريین المفرنسیندفعة من الم
ذلك شرفھم، أولئك الذين راھن البعض على خیانتھم، فقط وكان
والثقافة الفرنسیة، في مدينة ال يمكن ألحد ألنھم اختاروا الثانويات .وھیبتھا في القلوب والذاكرة فیھا أن يتجاھل سلطة اللغة العربیة،
بوافھل عجب أن يكون من بین الذين سجن بعد تلك وا وعذ
المظاھرات، الكثیر منھم، ھم الذين كانوا بحكم ثقافتھم الغربیة .وفائض أحالم.. سیاسي مبكر، وبفائض وطنیة يتمتعون بوعي
تنتھي لصالح فرنسا والحلفاء، أن والذين أدركوا، والحرب العالمیة
لم تكن حربھم، وأنھم فرنسا استعملت الجزائريین، لیخوضوا حربا دفعوا آالف الموتى في معارك ال تعنیھم، لیعودوا بعد ذلك إلى
.عبوديتھم
في الزنزانة نفسھا ) سي الطاھر(كان في مصادفة وجودي مع بحد ذاته، وتجربة نضالیة ظلت تالحقني لسنوات شيء أسطوري
ر قدري بكل تفاصیلھا، وربما كان لھا بعد لك فھناك رجال . أثر في تغی .م تكون قد التقیت بقدركعندما تلتقي بھ
في كل شيء، وكأنه كان يعد نفسه ) سي الطاھر) كان استثنائیا
.رجل منذ البدء، لیكون أكثر من
كان فیه شيء من ساللة طارق بن زياد، . لقد خلق لیكون قائدا الطارق، وأولئك الذين يمكنھم أن يغیروا التاريخ بخطبة واألمیر عبد
.واحدة
بوه وسجنوه لمدة ثالث سنوات يعرفون ونوكان الفرنسی الذين عذسیأخذ بثأره ) سي الطاھر) ولكنھم كانوا يجھلون أن . ذلك جیدا
منھم بعد ذلك بسنوات، ويصبح الرأس المطلوب بعد كل عملیة .يقوم بھا المجاھدون في الشرق الجزائري
، لیضعني مع أن يعود القدر بعد عشر.. أي صدفة سنوات تماما
ة) سي طاھر( !في تجربة كفاحیة مسلحة ھذه المر
.وفي شھر أيلول بالذات، التحقت بالجبھة ..1955 سنةستكون الحاسمة، وكنت في كان رفاقي يبدأون سنة دراسیة
.عامي الخامس والعشرين أبدأ حیاتي األخرىلم يسألني عن . لي فاجأني وقتھا) سي طاھر(استقبال أذكر أن
ة تفاصیل خا لم يسألني حتى كیف . دراستي صة عن حیاتي أوأيظل . إلیه أخذت قرار التحاقي بالجبھة، وال أي طريق سلكت ألصل
يتأملني قبل أ، يحتضنني بشوق وكأنه كان ينتظرني ھناك منذ .سنة
:قال ثم !..جئت -
:وأجبته بفرح وبحزن غامض معا !جئت -
، يكون مو) الطاھر سي( كان ى في فرحته؛ ھكذا أحیانا حت جزا معه في حزني .أيضا فكنت موجزا
ا( سألني بعدھا عن أخبار األھل، وأخبار بالتحديد، فأجبته أنھا) أم
وأعتقد أنه فھم كل شيء، فقد قال وھو . توفیت منذ ثالثة أشھر :شبیه بالدمع يلمع في عینیه يربت على كتفي، وشيء
.رحمھا هللا، لقد تعذبت كثیرا - إلى حیث ال أدري م ذھب فيث ..تفكیره بعیدا
والتي رفع بھا أمي بعدھا حسدت تلك الدمعة المفاجئة في عینیه،يبكي ) سي الطاھر(فلم يحدث لي أن رأيت . إلى مرتبة الشھداء
. الشھداء من رجاله سوى وتمنیت طويال بعد ذلك أن أمدد جثمانا .رة في عینیهموتي بدمعة مكاب بین يديه، ألتمتع ولو بعد
أتفانى في ألكل ھذا تقلصت عائلتي فجأة في شخصه، ورحت
على رجولتي أ , إثبات بطولتي له، وكأنني أريد أن أجعله شاھدا على أنني لم أعد أنتسب إلى أحد غیر ھذا على م تي؛ شاھدا
المرأة كانت أمي، وأخ الوطن، وأنني لم أترك خلفي سوى قبر امرأة ستصبح أمهيصغرني اختار له أبي .مسبقا
ة، وكأنني أتحداه أو كنت ألقي بنفسي على الموت في كل مر
رفاقي الذين تركوا خلفھم كأنني أريد بذلك أن يأخذني بدل .أوالدھم وأھلھم ينتظرون عودتھم
ويسقط آخرون، وكأن الموت قرر أن وكنت كل مرة أعود أنا ..يرفضني
ناجحة اشتركت فیھا، قد بدأ ةبعد أكثر من معرك) سي طاھر(وكان في المھمات الصعبة، ويكلفني يعتمد علي بالمھمات تدريجیا
ورفعني . األكثر خطورة، تلك التي تتطلب مواجھة مباشرة مع العدوإلى رتبة مالزم ألتمكن من إدارة بعض المعارك وحدي، بعد سنتین
.يقتضیھا كل ظرف وأخذ القرارات العسكرية التي
التي تھا فقط أتحول على يد الثورة إلى رجل، وكأن الرتبةبدأت وق .وطفولتي.. كنت أحملھا قد منحتني شھادة بالشفاء من ذاكرتي
تلك الطمأنینة النفسیة التي ال وكنت آنذاك وقد بلغت أخیرا سعیدا .الضمیر تمنحنا إياھا سوى راحة
قدر كان لم أكن أعي أن طموحاتي ال عالقة لھا بالمكتوب وأن الفي ذلك الوقت الذي كنت أعتقد فیه أن ال شيء بعد يت بص بي
.السابق الیوم يمكن أن يعیدني إلى حزني
" باتنة"وجاءت تلك المعركة الضارية التي دارت على مشارف ..كل يء تقلب وما
فقد فقدنا فیھا ستة مجاھدين، وكنت فیھا أنا من عداد الجرحى سرى رصاصتان، وإذا بمجرى حیاتي يتغیر اخترقت ذراعي الی بعدما
الجرحى الذين يجب أن ينقلوا على فجأة، وأنا أجد نفسي من ضمن
العالج بالنسبة ولم يكن. وجه السرعة إلى الحدود التونسیة للعالج. سوى بتر ذراعي الیسرى، الستحالة استئصال الرصاصتین.. لي
نقاش فقط، حول كان ال. ھناك من مجال للنقاش أو التردد ولم يكننسلكھا حتى تونس، حیث كانت الطرق اآلمنة التي يمكن أن .القواعد الخلفیة للمجاھدين
..آخر وھا أنذا أمام واقع
ھا ھو ذا القدر يطردني من ملجأي الوحید، من الحیاة والمعارك
ويخرجني من السرية إلى الضوء، لیضعني أمام ساحة اللیلیة،وشرفة .. ساح لألل فقط .للحیاةأخرى، لیست للموت ولیست
من. أتفرج منھا على ما يحدث في ساحة القتال فلقد بدا واضحاة ثانیة) سي طاھر(كالم .يومھا، أنني قد ال أعود إلى الجبھة مر
أن يحافظ على نبرته ) سي طاھر(األخیر، حاول في ذلك الیوم
ولكن . دةقبل معركة جدي الطبیعیة، وراح كما كان يودعني كل مرةني لتحمل معركتي مع .القدر ھذه المرة كان يدري أنه يعد
على غیر عادته، ربما ألنه لیس ھناك من .. غیر أنه كان موجزا
وربما ألنه كان يتكبد يومھا .. خاصة تعطى في ھذه الحاالت تعلیماتمعركة واحدة عشرة من خیرة رجاله أكبر خسارة بشرية ويفقد في
جانب، قیمة وكان يدري، والثورة مطوقة من كل. بین جرحى وقتلي .كل مجاھد وحاجة الثورة إلى كل رجل على حدة
..ذلك الیوم ولم أقل له شیئا
مرة أخرى .كنت أشعر، لسبب غامض، أنني أصبحت يتیما
كانت كنت أنزف، وكان ألم ذراعي . دمعتان قد تجمدتا في عیني إلى جسدي كله، غصة . ر ف حلق غ ةويستق ينتقل تدريجیا
.والخوف من المجھول.. الخیبة واأللم
بین كانت األحداث جديدا تجري مسرعة أمامي، وقدري يأخذ منحىوھو يعطي تعلیماته (سي طاھر(ساعة وأخرى، ووحده صوت
حیث كان، لیصبح صلتي الوحیدة مع .العالم األخیرة، كان يصل إلي
حضوره األخیر، عندما جاء يتفقدني وبرغم ذلك، مازلت أذكر تماما سفري بساعة، ووضع ورقة صغیرة في جیبي وبعض األوراق قبل
:وكأنه يودعني سرا النقدية، وقال وھو ينحني علير لك أن تصل إلى ھناك" د أتمنى أن تذھب لزيارتھم حین.. لقد ق
ا(تشفى وتسلم ھذا المبلغ إلى لتشتري به ھدية للصغیرة، ) أم أن تقوموأود فقد .. بتسجیلھا في دار البلدية لو استطعت ذلك أيضا
."..زيارتھم يمر وقت طويل قبل أ، أتمكن من لیضیف شبه مرتبك وھو يلفظ وعاد بعد لحظات وكأنه نسي شیئا
..ألول مرة ذلك االسم
لھا.. لقد اخترت لھا ھذا السم .." سجلھا متى استطعت ذلك وقب عل.. عني ا(ى وسلم كثیرا "..(أم
وأنا في لحظة سمعته.. كانت تلك أول مرة سمعت فیھا اسمكنزيف بین الموت والحیاة، فتعلقت في غیبوبتي بحروفه، كما يتعلق
..في لحظة ھذيان بكلمة محموم ..كما يتعلق رسول بوصیة يخاف أن تضیع منه
.غريق بحبال الحلم كما ي علق .بین ألف األلم ومیم المتعة كان اسمك
فكیف لم أحذر اسمك الذي ولد . والم التحذير ..تشطره حاء الحرقةكیف لم أحذر . الحرب وسط الحرائق األولى، شعلة صغیرة في تلك
يحل ضده ويبدأ بـ ھذا كیف لم أحذر. األلم واللذة معا " أح"اسماالجمع كاسم ھذا الوطن، وأدرك منذ البدء أن الجمع _ االسم المفرد
!یقتسمل خلق دائما
:الوصیة بین االبتسام والحزن، يحدث الیوم أن أستعید تلك لھا عني" وأضحك من القدر، وأضحك من نفسي، ومن غرابة.." قب
.المصادفات
ثم أعود وأخجل من وقار صوته، ومن مسحة الضعف النادرة التي، رجال غلفت جملته تلك، ھو الذي كان يريد أن يبدو أمامنا دائما
ال ھموم لهمھیب ..سوى ھموم الوطن، وال أھل له غیر رجاله ا
ه رجل ضعیف؛ يحن ويشتاق وقد يبكي ولكن، في لقد اعترف لي أن دائما الرموز أن تبكي. حدود الحیاء، وسرا . وقا فلیس من حق
تراه لم يحن إلیھا، ھي العروس التي لم .. إنه لم يذكر أمك مثال .مسروقة من العمر وتركھا حامال بھا غیر أشھر يتمتع
لماذا ال ينتظر بعض الوقت لیرتب ولماذا ھذا االستعجال المفاجئ؟
؟ قضیة غیابه أليام، ويقوم ھو نفسه بتسجیلك
ولماذا أنا.. لقد انتظر ستة أشھر، فلماذا ال ينتظر أسابیع أخرى ..بالذات
أي قدر جعلني أحضر إلى ھناك بتوقیتك؟
ھذا السؤال، دھشت له وآمنت على فسيكلما طرحت
.بالمكتوبأن يھرب لیوم أو برغم مسؤولیاته) سي طاھر(فقد كان بإمكان
ولم تكن قضیة عبور الحدود بحراستھا المشددة. لیومین إلى تونسالمكھرب ) خط موريس(ودورياتھا وكمائنھا لتخیفه، وال حتى اجتیاز
دود التونسیة الجزائرية من والممتد بین الح والمفروش باأللغام،بعد ثالث مرات، وھو رقم البحر إلى الصحراء، والذي اجتازه فیما
قیاسي بالنسبة لعشرات المجاھدين الذين تركوا جثثھم على .امتداده
لالنضباط، واحترامه للقوانین ھو الذي خلق ) سي طاھر(أكان حب
أنه أب ذلك الشعور بالقلق بعد میالدك، وھو يكتشف عاج عنده زا، ولم يتمكن حتى من تسجیلھا؟ منذ شھور لطفلة لم يمنحھا اسما
منه إن ھو لم أم كان يخاف، ھو الذي انتظرك طويال، أن تضیعي يرسخ وجودك وانتسابك له على ورقة رسمیة علیھا ختم رسمي؟
يتشاءم من وضعك القانوني ھذا، ويريد أن يسجل أحالمه في أكان
وأن القدر لن يعود .. تحولت إلى حقیقة أكد من أنھادار البلدية، لیت كاآلخرين لیأخذھا منه، ھو الذي كان حلمه في النھاية أن يصبح أباية؟ بعد محاولة زواج فاشلة لم يرزق منھا ذر
في أعماقه يفضل لو كان مولوده ) سي الطاھر(إذا كان وال أدري
ا حاول أن يتحايل على فیما بعد، أنه أدري فقط، كما علمت.. صبی احتیاطیا لصبي،متجاھال احتمال القدر وأن يترك قبل سفره اسما
بعقلیة عسكرية، وبھاجس . مجيء أنثى وربما فعل ذلك أيضافقد كانت أحاديثه وخططه العسكرية تبدأ .. دون أن يدري وطني
بتلك الجملة التي دھا غالبا ما سمعته يرد الزمنا رجال يا "كثیرا "..ماعةج
ومتفائال في كل شيء في (سي طاھر(إذن، لھذا كان يبدو سعیدا
..تلك الفترة
ر الرجل الصلب أصبح أكثر مرونة وأكثر دعابة في أوقات .فجأة تغی .فراغه
داخله، ويجعله أقرب إلى اآلخرين، شيء ما كان يتغیر تدريجیا ألوضاعھم الخاصة .وأكثر تفھما
بسھولة أكثر تسريحات لزيارة خاطفة عضفقد أصبح يمنح البلقد . نفسه يقومون بھا إلى أھلھم، ھو الذي كان يبخل بھا على
لمستقبل جاھزا ة المتأخرة، التي جاءت رمزا رته األبو ..أجمل غی
.كانت أنت .. معجزة صغیرة لألمل
سأهبك "داد الجمل المكتوبة بخط مميز مأخوذة عن تواطؤ شعري من روايتي مالك ح * .رصيف األزهار لم يعد يجيب" و" غزالة
..طلع صباح آخر وھا ھو ذا النھار يفاجئني بضجیجه االعتیادي، وبضوئه المباغت
عني، فأشعر أنه يختلس شیئا الذي يدخل النور إلى أعماقي غصبا .مني
.أكره ھذا الجانب الفضولي والمحرج للشمس.. اللحظة في ھذهقصتي معك شريط مصور أخاف أن .عنك في العتمةأريد أن أكتب
..السرية يحرقه الضوء ويلغیه، ألنك امرأة نبتت في دھالیزي ..ألنك امرأة امتلكتھا بشرعیة السرية
.كل الستائر، وأغلق نوافذ غرفتي ال بد أن أكتب عنك بعد أن أسدل
األوراق المكدسة يسعدني في ھذه اللحظة منظر.. ورغم ذلك فقد أھديتھا. والتي مألتھا البارحة، في لیلة نذرتھا للجنون أمامي،
..لك مغلفة بصورة مھذبة في كتاب
..وأدري
ك تكرھین األشیاء بة جدا أدري أن ك أنانیة جدا .. المھذ وأن ال .. وأن .وجسدك أنت.. أنت شيء يعنیك في النھاية، خارج حدودك
دتي .ولكن قلیال من الصبر سی
ي أمامك ذاكرتي األخرى ثم.. خرى فقطصفحات أ صفحات . أعر وجنونا ..وشھوة.. أخرى ال بد منھا، قبل أن أمألك غرورا . وندما
مات أيضا .. فالكتب كوجبات الحب أعترف وإن كنت.. ال بد لھا من مقدلیست مشكلتي اآلن بقدر ما يربكني البحث عن " المقدمات"أن
.القصة منطلق لھذه
ن أبدأ قصتي معك؟من أية بدايات، تبدأ مع النھايات غیر المتوقعة ومع ولقصتك معي عد
.مقالب القدرث؟ أعن طفلة.. وعندما أتحدث عنك كانت تحبو عمن تراني أتحد
أم عن صبیة قلبت بعد خمس وعشرين سنة .. يوما عن قدمي امرأة تكاد تشبھك، أتأملھا على غالف كتاب أنیق أم عن.. حیاتي؟.. أتراھا حقا :وأتساءل" .. منعطف النسیان"عنوانه أنت
وعندما أسمیك فبأي اسم؟
رى أدعوك بذلك االسم الذي أراده والدك، وذھبت بنفسي تالذي ألسجله نیابة عنه في سجالت البلدية، أم باسمك األول، ذلك
حملته خالل ستة أشھر في انتظار اسم شرعي آخر؟ .."حیاة"
إنه أحد أسمائك . لیس ھذا اسمك على كل حال.. ذاھك سأدعوكك به إذن مادام ھذا.. فقط االسم الذي عرفتك به، واالسم فألسمین
وغیر اسمك غیر المتداول على األلسنة،. الذي أنفرد بمعرفتهل على صفحات الكتب والمجالت، وال في أي سجالت المسج
.رسمیة
نحته لتعیشي ولیمنحك هللا االسم الذي الحیاة والذي قتلته أنا م آخر، ومن حقي أن أحییه الیوم، ذات يوم، وأنا أمنحك اسما رسمیا
نادك رجل قبلي .يه ألنه لي ولم ي
اسمك الطفولي الذي يحبو على لساني، وكأنك أنت منذ خمس لفظته، عدت طفلة تجلس على ركبتي وكلما. وعشرين سنة
ال .. أفھمهوتعبث بأشیائي وتقول لي كالما .لك لحظتھا كل خطاياك فأغفر
..كلما لفظته تدحرجت إلى الماضي، وعدت صغیرة في حجم دمیة .وإذا بك ابنتي
ھل أقرأ كتابك ألعرف كیف تحولت تلك الطفلة الصغیرة إلى امرأة؟ أنك لن تكتبي عن طفولتك ني أعرف مسبقا وال عن سنواتك .. ولكن
.األولى
اكرة الفارغة بالكلمات فقط، وتتجاوزين الجراح تملئین ثقوب الذ أنتسر تعلقك بي؛ أنا الذي أعرف الحلقة بالكذب، وربما كان ھذا
ات المفقودة من عمرك، وأعرف ذلك األب الذي لم تريه سوى مرقلیلة في حیاتك، وتلك المدينة التي كنت تسكنینھا وال تسكنك،
تھا دون عشق، وتمشین وتجیئ وتعاملین ◌ ◌ ین على ذاكرتھا أزق .دون انتباه
وأنا الذي تعلقت بك .. تعلقت بي لتكتشفي ما تجھلینه أنت التي
لحبنا أن يدوم؟ أكان.. ألنسى ما كنت أعرفه ممكنا
في قصتنا من البدء حتى) سي طاھر(كان ثالثا ع دما ال طرفا بغیابه، فھل أقتله مرة ثانیة ألتفر بك؟ دنتحدث عنه، كان بیننا حاضرا
ى بعد ربع قرن، وما.. آه لو تدرين لو تدرين ما أثقل حمل الوصايا، حت
أوجع الشھوة التي يواجھھا أكثر من مستحیل وأكثر من مبدأ فال !اشتھاء ... يزيدھا في النھاية إال
..كان السؤال منذ البداية
ذاكرتي، وألغي عمره من م) سي طاھر(كیف لي أن ألغي نا فرصة والدة طبیعیة؟عمري، ألمنح ح ب
سیبقى وقتھا، لو أخرجتك من ذاكرتنا المشتركة ما الذي.. ولكن وحولتك إلى فتاة عادية؟
فوق العادة كان والدك فوق العادة.. رفیقا .وقائدا في حیاته وفي موته فھل أنسى ذلك؟ .كان استثنائیا
والم يكن من المجاھدين الذين ركبوا الموجة األخیرة، لضمنوال كان من . وأبطال المعارك األخیرة) 62(مستقبلھم، مجاھدي
فاجأھم الموت في قصف عشوائي، أو شھداء المصادفة، الذين .في رصاصة خاطئة
ومن عجینة العربي بن مھیدي، كان من طینة ديدوش مراد،ينتظرون ومصطفى بن بولعید، الذين كانوا يذھبون إلى الموت وال
.أن يأتیھم
وسؤالك الدائم يعید السمه ھیبته.. أنسى أنه والدكفھل حیا؟ وشھیدا
ك حد الجنون ...ويبقى صدى سؤالك مائال . فیرتبك القلب الذي أحب "..حدث ي عنه"
. فال أسھل من الحديث عن الشھداء.. سأحدثك عنه حبیبتي كخاتمتھم تاريخھم ونھايتھم تغفر لھم ما . جاھز ومعروف مسبقا .أخطاء يكونوا قد ارتكبوا من يمكن أن
..(سي طاھر(سأ دثك عن
. تاله تاريخ آخر يصادر األحیاء فوحده تاريخ الشھداء قابل للكتابة، ومافھناك .. تلقائیا وسیكتبه جیل لم يعرف الحقیقة ولكنه سیستنتجھا
.عالمات ال تخطئ على عتبات االستقالل) سي طاھر(مات شيء في يده ال. طاھرا
ال ش ء .. ال شيء في جیوبه غیر أوراق ال قیمة لھا. یر سالحهغ .سوى وسام الشھادة على أكتافه
..الرموز تحمل قیمتھا في موتھايحملون قیمتھم في رتبھم ووحدھم الذين ينوبون عنھم،
ة، وما مألوا به جیوبھم على عجل من حسابات وأوسمتھم الشرفی .سرية
ق، ومنن القصف المركز لدشرة ست ساعات من الحصار والتطويلیتمكن قتلته من نشر صورته على صفحات جرائد الغد بأكملھا
قة"أحد المخربین و كدلیل على انتصاراتھم الساحقة على " الفال ..الذين أقسمت فرنسا أن تأتي علیھم
لقوة عظمى، كانت أكان حقا موت ذلك الرجل البسیط انتصارا
!بأكملھا؟ لجزائرستخسر بعد بضعة أشھر ا
، دون أن يتمتع بالنصر وال بقطف1960استشھد ھكذا في صیف .ثماره
ھا ھو رجل أعطى الجزائر كل شيء، ولم تعطه حتى فرصة أن ..جواره يرى ابنه يمشي إلى
.أو يراك أنت ربما طبیبة أو أستاذة كما كان يحلمك ذلك !الرجل كم أحب
ة األربعین لذي كان يخفي خلف صرامته الكثیر بحنان ا.. بجنون أبو
الحنان، بأحالم الذي صودرت منه األحالم، بزھو المجاھد الذي من بعد الیوم أدرك وھو يرى مولده .األول، أنه لن يموت تماما
ات القلیلة التي كان يحضر فیھا إلى تونس مازلت أذكر المر .لزيارتكم خلسة لیوم واحد أو لیومین
لسماع آخر األخبار، وتطورات یهوكنت وقتھا أسرع إل فا متلھن سه تى ال وأنا أجھد نفسي في الوقت. األحداث على الجبھة
أسرق منه تلك الساعات القلیلة النادرة، التي كان يغامر بحیاته .برفقة عائلته الصغیرة لیقضیھا
.أعرفه كنت أندھش وقتھا، وأنا أكتشف فیه رجال آخر ال
ابتسامة وكلمات أخرى، وبجلسة يسھل له فیھا رجل بثیاب أخرى، ب .ركبته طوال الوقت لمالعبتك إجالسك على
الشحیح كل كان يعیش كل لحظة بأكملھا، وكأنه يعتر من الزمن
، ساعات يعرفھا قطرات السعادة؛ وكأنه يسرق من العمر مسبقا من الحنان زادك لعمر كامل معدودة؛ ويمنحك .مسبقاوكان حضر لیشھد .1960ته فیھا، في يناير سنة كانت آخر مرة رأي
، فقد "ناصر"أھم حدث في حیاته؛ لیتعرف على مولوده الثاني بكر كانت رزق يوما يومھا لسبب غامض تأملته . أمنیته السرية أن ي
ثته.. كثیرا وفضلت أن أتركه لفرحته تلك، ولسعادته .. قلیال وحدلي إنه عاد إلى الجبھة لوعندما عدت في الغد، قی. المسروقة
لمدة أطول أنه سیعود قريبا .على عجل مؤكدا ..يعد ولم
بعد ) سي طاھر(فقد استشھد . انتھى بعد ذلك كرم القدر البخیلة ثانیة بضعة أشھر دون .أن يتمكن من رؤية ابنه مر
.تدخلین عامك الخامس كان ناصر آنذاك ينھي شھره الثامن، وأنت
يموت ويولد كل يوم 1960صیف وكان الوطن في وتتقاطع .بركانا ..مع موته ومیالده، أكثر من قصة، بعضھا مؤلم وبعضھا مدھش
كما جاءت قصتي التي تقاطعت يومھا معك وبعضھا يأتي .متأخرا وحولت مسار حیاتي بعد عمر بأكمله، قصة فرعیة، كتبت مسبقا
..الجنوني بحكم شيء قد يكون اسمه القدر، وقد يكون العشق
ذاك الذي يفاجئنا من حیث ال نتوقع، متجاھال كل مبادئنا وقیمنا .السابقة
؛.. والذي يأتي متأخرا في تلك اللحظة التي ال نعود ننتظر فیھا شیئا .وإذا به يقلب فینا كل شيء
الكالم، أن فھل يمكن لي الیوم، بعدما قطعت بیننا األيام جسور، كما عشتھما أقاوم ھذه الرغبة الجن ونیة لكتابة ھاتین القصتین معا
.لسماع ذلك االسم انتفضت إلى تلك الفتاة التي صافحتني بحرارة ال تخلو من ونظرت مدھوشا
..شيء من الغرورتفحصتھا وكأنني أكتشف وجودھا، ثم عدت ألتأملك عساني أجد
لدھشتيمالمحك جواب في .ا ..عبد المولى.... عبد المولى
..جواب لتلك المصادفة وراحت الذاكرة تبحث عن .كنت أعرف عائلة عبد المولى جیدا
استشھد منذ اكثر من ) سي طاھر(أحدھما .إنھما أخوان ال أكثر فقط وبنتا .عشرين سنة، وترك صبیا
ه الیوم تزوج قبل االستقالل، و قد يكون ل) سي الشريف) واآلخر ..عدة أوالد وبنات
تلك التي حملت اسمھا وصیة من )... سي الطاھر(منكما ابنة فمنأبیھا في دار البلدية، لتسجیلھا ونبت عن.. الجبھة حتى تونس
في سجل الوالدات؟ رسمیالتھا نیابة عن أبیھا، وال عبتھا ودللتھا من منكما تلك الصغیرة التي قب
نیابة عنه؟ أنت؟ ...امن م كم
ك أنت ال.. وبرغم بعض الخطوط المشتركة لمالمحكما، كنت أشعر أن .تلك
أو ھكذا كنت أتمنى، وأنا أحلم قبل األوان بقرابة ما تكون جمعتني .بك
ب إلي لوجھك المحب وأندھش لھذه المصادفة، وأجد فجأة تبريرا .، نسخة أكثر جاذبیة)سي طاھر(كن نسخ عن لقد. سبقا
.كنت أنثى
تكوني أنت الطفلة التي رأيتھا آلخر مرة في أيعقل أن.. ولكنرحت أطمئن علیكم غداة االستقالل، عندما) 1962(تون سنة
كالعادة، وأتابع بنفسي تفاصیل عودتكم إلى الجزائر؟ بعدما اتصل من قسنطینة، لیطلب مني بیع ذلك البیت ) سي الشريف) بي
) سي الطاھر(والذي اشتراه ة لوجوده،الذي لم يعد ھناك ضرورب إلیه أسرته الصغیرة، عندما أبعدته ة سنوات لیھر فرنسا منذ عد
عن الجزائر في الخمسینیات، بعد عدة أشھر من السجن قضاھا .السیاسي بتھمة التحريض
كم كان عمرك وقتھا؟
خالل .. إلى ھذا الحد وكبرت.. أيعقل أن تكوني تغیرت إلى ھذا الحد !عشري سنة؟
بعمرك، وربما رحت أتأملك مرة أخرى، وكأنني أرفض أن أعترفأرفض أن أعترف بعمري وبالرجل الذي أصبحته منذ ذلك الزمن
.الیوم غابرا الذي يبدو لي
الزمن وإلى ھذه القاعة في ھذا.. ما الذي أوصلك إلى ھذه المدينة وھذا الیوم بالذات؟
..عال ة ه بك يوم انتظرته طويال لسبب ال ..ألف حساب لم تكوني ضمنه وحسبت له
عت فیه كل المفاجآت إال أن تكوني أنت .مفاجأتي وتوق
فجأة أذھلني اكتشافي، وخفت من مواجھة عینیك اللتین كانتا فقررت أن أطرح سؤالي . بشيء من الدھشة ارتباكي تتابعان
قد مت لي األخرى التي بالمقلوب، وأنا أواصل حديثي مع الفتاة كنت أعرف أنني إذا عرفتھا سینحل اللغز، وأعرف تلقائیا . نفسھا
.أنت .. من من مافقد كان إلحداكما اسم أعرفه منذ خمس وعشرين سنة، وعلي
.أتعرف على صاحبته فقط أن
:سألتھا المولى؟ ھل لديك قرابة بسي الشريف عبد -
:أجابت بسعادة وكأنھا تكتشف أن أمرھا يعنینيعلیه الحضور الیوم بسبب وصول وفد من لقد تعذر.. إنه أبي -
ثنا عنك كثیرا .. الجزائر البارحة أثار فضولنا لمعرفتك وقد. لقد حدرنا أن نأتي مكانه الیوم لحضور االفتتاح !لدرجة قر
األول أنھا لم . كالم تلك الفتاة على تلقائیته يحمل لي جوابین كان
.(سي الشريف(تخلف تكن أنت، والثاني سبب
، أم كنت الحظت غیابه وتساءلت عن سببه، ھل كان المانع شخصیا أم تراه كان لسبب ما يتحاشى الظھور معي؟.. سیاسیا
تقاطعت منذ سنین عندما دخل دھالیز اللعبة كنت أدري أن طرقنا. الصفوف األمامیة السیاسیة، وأصبح ھدفه الوحید الوصول إلى
كن بإمكاني أن أتجاھل وجوده معي في المدينة ورغم ذلك لم ي من شبابي وطفولتي .نفسھا .وكان بعض ذاكرتي.. فقد كان جزءا
محض، كان الشخصیة الجزائرية الوحیدة ولذا، وألسباب عاطفیة
.التي دعوتھا
منذ لم ألتق به منذ عدة سنوات، ولكن أخباره كانت تصلني دائما ن، قبل سنتین، ملحقا ی الجزائرية، وھو منصب ككل في السفارةع
من الوساطة واألكتاف"الخارجیة"المناصب .العريضة ، يتطلب كثیرا
أن يشق طريقه إلى ھذا المنصب ) سي الشريف(وكان بإمكان بماضیه فقط، وباسمه الذي خلده سي الطاھر وألھم منه بمفرده لضما ولكن يبدو أن الماضي لم يكن. باستشھاده ن كافیا
..للوصول الحاضر، وكان علیه أن يتأقلم مع كل الرياح
خطر ببالي كل ذلك، وأنا أحاول بدوري أن أتأقلم مع كل المفاجآتواالنفعاالت التي ھزتني في بضع لحظات، والتي كانت بدايتھا
فإذا .. فتاة جمیلة تزور معرضي ال غیر أنني وددت أن أسلم على !بي أسلم على ذاكرتي
..األولى معك إلى دھشتيوعدت
إلى تلك. إلى كل التفاصیل األولى التي لفتت نظري إلیك منذ البدءلقد كان ھناك أكثر من . اللوحة بالذات التي توقفت طويال أمامھا
وأنت ت ال .. تأملینھارحت أتأملك مرتبكا وتقولین لرفیقتك كالما .شيء منه يصلني
ما الذي أوقفك أمامھا؟لوحتي األولى لم تكن أجمل ما في القاعة من لوحات، كانت
..وتمريني األول في الرسم فقطحاضرة في معرضي ولكنني أصررت ھذه المرة، على أن تكون
.صغیرةاألھم ھذا، ألنني اعتبرتھا برغم بساطتھا، معجزتي المنذ خمس وعشرين سنة، وكان مر على بتر ذراعي رسمتھا
.الیسرى أقل من شھركانت محاولة للحیاة فقط، . لإلبداع وال لدخول التاريخ لم تكن محاولة
يرسم تلمیذ في امتحان للرسم رسمتھا كما. والخروج من الیأس لیجیب على ورقة األستاذ :منظرا
."إلى نفسك ارسم أقرب منظر"
إنھا الجملة التي قالھا لي ذلك الطبیب الیوغسالفي الذي قدم معبعض األطباء من الدول االشتراكیة إلى تونس، لمعالجة الجرحى
على عملیة بتر ذراعي وظل يتابع الجزائريین، والذي أشرف .تطوراتي الصحیة والنفسیة فیما بعد
ة، وھو يسألني كل مرة أزوره فیھا عن اھتماماتي الجديد كان
.المستمر يالحظ إحباطي النفسي لیحتفظ بي الطبیب في مستشفى، وال كنت معافى لم أكن مريضا
.ألبدأ حیاتي الجديدة بمعنى الكلمة
في الوقت لذلك الوطن وغريبا نفسه؛ كنت أعیش في تونس، ابنا في الوقت نفسه وتعیسا في الوقت نفسه؛ سعیدا ومقیدا .حرا
كنت كرة صوف . ذي رفضه الموت ورفضته الحیاةال كنت الرجل
يجد رأس الخیط الذي فمن أين يمكن لذلك الطبیب أن.. متداخلة يحل به كل عقدي؟
ة، وھو يكتشف ثقافتي، ھل كنت أحب وعندما سألني ذات مر
ك بقشه قد الكتابة أو الرسم، تمسكت بسؤاله وكأنني أتمس الو تنقذني صفة الطبیة التي كان يعدھا من الغرق، وأدركت فورا .لي
:قالات على إن - العملیة التي أجريتھا علیك، أجريت مثلھا عشرات المر
، وإذا كانت العملیة جرحى كثیرين فقدوا في أو ذراعا الحرب ساقاشخص إلى آخر، حسب ال تختلف، فإن تأثیرھا النفسي يختلف من خاصة حسب مستواهو.. عمر المريض ووظیفته وحیاته االجتماعیة
ف يعید النظر في نفسه كل يوم، ويعید النظر الثقافي، فوحده المثقر شيء في حیاته في عالقته مع ..العالم ومع األشیاء كلما تغی
ت بي أكثر من . ھذا المیدان لقد أدركت ھذا من تجربتي في لقد مرقتك قد أخل بعال حالة من ھذا النوع، ولذا أعتقد أن فقدانك ذراعك
وعلیكم أن تعید بناء عالقة جديدة مع العالم من خالل. بما ھو حولك ..الكتابة أو الرسم
قیود علیك أن تختار ما ھو اقرب إلى نفسك، وتجلس لتكتب دون
وال تھم نوعیة تلك الكتابات وال مستواھا . كل ما يدور في ذھنكداة ترمیم الكتابة في حد ذاتھا كوسیلة تفريغ، وأ المھم.. األدبي ..داخلي
قادر على أن يصالحك .. الرسم فارسم وإذا كنت تفضل الرسم أيضا
ر في رت مع األشیاء ومع العالم الذي تغی نظرك، ألنك أنت تغی ..وأصبحت تشاھده وتلمسه بید واحدة فقط
إنني أحب الكتابة، وأنھا .. أجیبه ذلك الیوم بتلقائیة وكان يمكن أن
طوال حیاتي، سوى ، مادمت لماألقرب إلى نفسي أفعل شیئا إلى الكتابة .القراءة التي تؤدي تلقائیا
بمستقبل كان يمكن أن أجیبه كذلك، فقد تنبأ لي أساتذتي دائما !الفرنسي في األدب.. ناجح
ولھذا أجبته دون تفكیر، أو ربما بموقف اكتشفت فیما بعد أنه كان :في أعماقي جاھزا
..أفضل الرسم -
..قبل الیوم لم تقنعه جملتي المقتضبة فسألني إن كنت رسمت ."..ال: "قلت
شي ارسم أحب .. إذن ابدأ برسم أقرب شيء إلى نفسك: "قال ."..إلیك
:وعندما ودعني قال بسخرية األطباء عندما يعترفون بعجزھم بلباقة
."!فقد ال تكون في حاجة إلي بعد الیوم.. ارسم "
أريد أن أخلو لنفسي بین تلك رفتي م رعا عدت يومھا إلى لجدران مستشفى الحبیب " الجداران البیضاء، التي كانت استمرارا
الذي كان حتى ذلك الوقت، المكان الذي أعرفه األكثر في" ثامر .تونس
رحت يومھا أتأمل تلك الجدران على غیر عادتي، وأنا أفكر في كل .. كل وجوه من أحب . عد الیومأن أعلق علیھا من لوحات ب ما ي كن
.تركته خلفي ھناك كل ما.. كل األزقة التي أحب
، وربما لم أنم الطبیب كان صوت ذلك. نمت في تلك اللیلة قلقاكنت أستعیده ". ارسم"يحضرني بفرنسیته المكسرة لیوقظني
فتعبر ". ارسم"يودعني وھو يشد على يدي داخل بدلته البیضاء،. سورة للقرآن جسدي وأنا أتذكر في غفوتي أول قشعريرة غامضة
" اقرأ"يوم نزل جبرائیل علیه السالم على محمد ألول مرة فقال له من الرھبة فسأله اقرأ "فقال جبريل " ماذا أقرأ؟.. "النبي مرتعدا
وعندما . يقرأ علیه أول سورة للقرآن وراح" باسم ربك الذي خلقوما . ما مع يرتعد من ھول انتھى عاد النبي إلى زوجته وجسده
."...دثريني.. دثريني"كاد يراھا حتى صاح
وبرعشة ربما كان . برجفة الحمى الباردة كنت ذلك المساء أشعراللقاء الذي كنت سببھا توتري النفسي يومھا، وقلقي بعد ذلك
بسبب ذلك الغطاء. أعرف أنه آخر لقاء لي مع الطبیب وربما أيضاغطائي الوحید في أوج الشتاء القارس، والذي الخفیف الذي كان
.البخیل غیره لم يمنحني مستأجري
الصوفیة" البطانیة"وتلك . وكدت أصرخ وأنا أتذكر فراش طفولتيالتي كانت غطائي في مواسم البرد القسنطیني، كدت أصرخ في
.." دثريني.. قسنطینة دثريني.. "لیل غربتي ولكن لم أقل شیئااي . البائس قسنطینة وال لصاحب الغرفةلیلتھا، ال ل احتفظت بحم
صعب على رجل عائد لتوه من الجبھة، أن يعترف. وبرودتي لنفسي ..حتى لنفسه بالبرد
أوراق انتظرت فقط طلوع الصباح ألشتري بما تبقى في جیبي من
ووقفت كمجنون على . نقدية ما أحتاج إلیه لرسم لوحتین أو ثالث ..في قسنطینة" لحبالا قنطرة"عجل أرسم
، ألقف بتلقائیة ألرسمه أكان ذلك الجسر أحب شيء إلي حقا
وكأنني وقفت ألجتازه كالعادة؟ أم تراه كان أسھل شيء للرسم فقط؟ ..أدري ال
أدري أنني رسمته مرات ومرات بعد ذلك، وكأنني أرسمه كل مرة .وكأنه أحب شيء لدي كل مرة .ألول مرة
كثیر من عمر اللوحة التي أسمیتھا دون خمس وعشرون سنة،
لوحة لشاب في السابعة والعشرين من عمره، ". حنین"التفكیر .وبحزنه وبقھره كان أنا بغربته
قرن ولكن بربع.. وھا أنا ذا الیوم، في غربة أخرى وبحزن وبقھر آخر
وقلیل من .. إضافي، كان لي فیه كثیر من الخیبات والھزائم الذاتیة .االستثنائیة اتاالنتصار
على ھا أنا الیوم أحد كبار الرسامین الجزائريین، وربما كنت أكبرھم
اإلطالق؛ كما تشھد بذلك أقوال النقاد الغربیین الذين نقلت .على بطاقات دعوة االفتتاح شھادتھم بحروف بارزة
خريف في غرفة نبي صغیر نزل علیه الوحي ذات... ھا أنا الیوم
.بتونس" باب سويقة"ي شارع صغیرة بائسة، ف وكیف ال وال كرامة لنبي في وطنه؟.. كالعادة ھا أنا نبي خارج وطنه
" ظاھرة"العاھة أن يكون ظاھرة فنیة؟، كیف ال وقدر ذي"ھا أنا ولو بفنه؟ وأن يكون جبارا
..ھا أنا ذا
ذلك الطبیب الذي نصحني بالرسم ذات مرة؟ والذي فأين ھوالیوم؟ إنه الغائب الوحید في حتاج إلیه بعد ذلكصدقت نبوءته ولم ا
فیھا ھذه القاعة الشاسعة التي لم يسبق ألي عربي أن عرضلیرى ماذا فعلت بید " كابوتسكي"أين ھو الدكتور . لوحا ه قبلي
..واحدة ماذا فعل بیدي األخرى ذلك !الذي لم أسأله يوما
) 57تونس (مھا وجوار تاريخ رس لوحتي األولى،" حنین"وھا ھي
وضعته تما ا كما. توقیعي الذي وضعته ألول مرة أسفل لوحة، 1957أسفل اسمك، وتاريخ میالدك الجديد، ذات خريف من سنة
لك في دار ..البلدية ألول مرة وأنا أسج
بالي ومن منكما حبیبتي؟ سؤال لم يخطر على.. من منكما طفلتي ..اللوحة ألول مرة ذلك الیوم، وأنا أراك تقفین أمام تلك
_ تكبرينھا ..لوحة في عمرك وتصغرك في .. ببضعة أيام_ رسمیا .الواقع ببضعة أشھر ال غیر
مرة يوم أمسكت بفرشاة ألبدأ معھا .. كانت بدايتي مرتین لوحة
أنت أمامھا، وإذا بي أدخل في ومرة يوم وقفت.. مغامرة الرسم ...مغامرة مع القدر
بمواعید وعناوين ال أھمیة لھا، وضعت دائرة حول على مفكرة مألى، وكأنني أريد أن أمیزه عن بقیة 1981نیسان : الیوم تاريخ ذلك
سنواتي الماضیة ما يستحق قبل ذلك الیوم، لم أجد في. األيام .التمیز
ال تست ق فقد كانت أيامي مثل أوراق مفكرتي مألى بمسودات كي ال أ. الذكر تركھا بیضاء، فقد كان اللون األبیضوكنت امألھا غالبا
عندما يكون على مساحة ورق .يخیفني دائما
. فیھا ما يستحق الدھشة ثماني مفكرات لثماني سنوات، لم يكنغربة .جمیعھا صفحة واحدة لمفكرة واحدة ال تاريخ لھا سوى الغربةكنت أحاول أن أختصرھا بعملیة حسابیة كاذبة، تتحول فیھا
مفكرات ال غیر، مازالت مكدسة في خزانتي ثماني السنوات إلىتواريخھا المیالدية أو مسج ة ال حسب... الواحدة فوق األخرى
.االختیارية إنما حسب أرقام سنوات ھجرتي.. الھجرية
أضع دائرة حول تاريخ ذلك الیوم، وكأنني أغلق علیك داخل تلك
ضوئي إلى كأنني أطوقك وأطارد ذكراك لتدخلي دائرة . الدائرة .األبد
كنت أتصرف عن حدس مسبق، وكأن ھذا التاريخ سیكون منعطفا
وكنت أعي وقتھا . يديك للذاكرة؛ كأنه سیكون میالدي اآلخر على أن الوالدة على يدك كالوصول إلیك أمر لن يكون .سھال تماما
يشھد على ذلك غیاب رقمك الھاتفي وعنوانك من تلك الصفحة
فھل كان من . ل في النھاية سوى تاريخ لقائكتحم التي لم تكنلقائنا األول أو صدفتنا المنطقي أن اطلب منك رقم ھاتفك في
تبدو وبأي مبرر وبأية حجة سأفعل ذلك، وكل األسباب.. األولى تلك ملفقة عندما يطلب رجل من فتاة جمیلة رقم ھاتفھا؟
.. ماع إلیكفي التحدث واالست.. الجلوس إلیك كنت أشعر برغیة في
ولكن كیف أقنعك .عساني أتعرف على النسخة األخرى لذاكرتيبذلك؟ كیف أشرح لك في لحظات أنني أعرف الكثیر عنك، أنا الرجل
تقابلینه ألول مرة، والي تتحدثین إلیه كما نتحدث بالفرنسیة الذيفال أملك إال أن أجیبك بنفس كالم الغرباء ..للغرباء بضمیر الجمع
..بالجمع
على لساني، وكأنني أتحدث لك بلغة ال كانت الكلمات تتعثر يومھاا.. أعرفھا عن عشرين سنة أن أيعقل بعد. بلغة ال تعرف شیئا
..أصافحك وأسألك بلغة فرنسیة محايدة
- Mais comment allez-vous mademoiselle?
:فتردين علي بنفس المسافة اللغوية
- Bien.. je vous remercie..
.تلك التي عرفتك طفلة تحبو.. وتكاد تجھش الذاكرة بالبكاءترتعش ذراعي الوحیدة وھي تقاوم رغبة جامحة الحتضانك، تكاد
..افتقدتھا وسؤالك بلھجة قسنطینیة ؟..واشك -
ي.. آه واشك كیف أنت أيتھا ..أيتھا الصغیرة التي كبرت في غفلة منيا طفلة تلبس ذاكرتي، وتحمل . نيالزائرة الغريبة التي لم تعد تعرف
كان ألمي؟ في معصمھا سوارا
سي (مالمح أتأملك وأستعید. دعیني أضم كل من أحببتھم فیكفما أجمل أن يعود الشھداء . في ابتسامتك ولون عینیك) الطاھر
ما أجمل أن تعود أمي في سوار بمعصمك؛ ويعود . طلتك ھكذا في !ھي أنت.. أن تكوني أنت أجملوما . الوطن الیوم في مقدمك
..أتدرينرغب في .. الجمال إذا صادف اإلنسان شيء جمیل مفرط في)
(..البكاء .ومصادفتك أجمل ما حل بي منذ عمر
ة واحدة كیف أشرح لك ونحن وقوف تتقاسمنا األعین .. كل ھذا مر واألسماع؟
إلیك دون أن أدري كیف أشرح لك أنني كنت أنني كنت.. مشتاقا انتظرك دون أن أصدق ذلك؟
.نلتقي وأنه ال بد أن ..أجمع حصیلة ذلك اللقاء األول. فیھا أنا أكثر مما تحدثت أنت تحدثت. ربع ساعة من الحديث أو أكثرأستبقیك كنت في الواقع أحاول أن. حماقة ندمت علیھا فیما بعد
.نسیت أن أمنحك فرصة أكثر للحديث. بالكلمات
وأنا كنت على استعداد .. غفك با فن أكتشفكنت سعیدا. للجدل لمناقشتي طويال في كل لوحة، كان كل شيء معك قابال
ا أنا فكنت لحظتھا ال أرغب سوى في الحديث عنك وحده . وأم .شھیتي للكالم وجودك كان يثیر
وألنه لم يكن في الوقت متسع ألسرد علیك فصول قصتي
تین أو ثالث عن عالقاتي مع قصتك، اكتفیت بجمل المتقاطعةوعن لوحة قلت إنك أحببتھا، ..وعن طفولتك األولى.. القديمة بأبیك
!وقلت لك إنھا توأمك
تركت بین . وكثیر من الذكاء.. االقتضاب اخترت جملي بكثیر من من نقط االنقطاع بثقل الصمت الذي لم إلشعارك.. الكلمات كثیرا
.تمأله الكلمات
في يوم واحد على فق ورقتي الوحیدة معكلم أكن أريد أن أن
.عجل كنت أريد أن أوقظ فضولك لمعرفتي أكثر، لكي أضمن عودتك لي
ھنا طوال فترة "وعندما سألتني . ثانیة ھل ستكون موجوداأول امتحان معك، وأنا أجعلك أدركت أنني نجحت في" المعرض؟
عالقة ولكنني قلت بصوت طبیعي ال. تفكرين في لقائي مرة ثانیة :له بزالزلي الداخلیة
أضفت وأنا أكتشف ثم.." سأكون ھنا بعد الظھر في أغلب األحیان"
عنھا :أن جوابي قد ال يشجعك على زيارة قد أكون غائبااألرجح أن أكون ھنا كل يوم، فستكون لي مواعید كثیرة مع ومن"
."..واألصدقاء الصحافیین
ولكنني لم أكن في الواقع .كان في ذلك الكالم شيء من الحقیقة للبقاء طوال الوقت في المعرض كنت فقط أحاول أال . مضطرا
.ما أجعلك تعودين عن قرارك لسبب :قلت وأنت تتحدثین لي فجأة بطريقة األصدقاء القدامى
إنه الیوم الذي ال .. المعرض يوم االثنین القادم قد أعود لزيارة".. لیوم عن فضول فقطا في الحقیقة أنا حضرت. دروس لي فیه
."..ويسعدني أن أتحدث إلیك أكثر
تدخلت ابنة عمك، وكأنھا تعتذر، وربما تتحسر ألنھا لن تكون طرفا :في ذلك اللقاء
لن يمكنني أن .. األكثر مشاغل بالنسبة لي إنه الیوم.. خسارة" في يوم ثم التفت نحوي ." آخر أرافقك، ولكن قد أعود أنا أيضا
:سائلة "ينتھي المعرض؟ متى" :قلت ."..أي بعد عشرة أيام ..نیسان 25في "
:صاحت "..سأجد فرصة للعودة مرة أخرى.. عظیم" .الصعداء تنفست
المھم أن أراك مرة واحدة على انفراد، وبعدھا سیصبح كل شيء .أسھل
.تزودت منك بآخر نظرة، وأنت تصافحینني قبل أن تنسحبي
..دعوة لشيء ما كان في عینیك
..كان فیھما وعد غامض بقصة ماوربما نظرة اعتذار .. المحبب كان فیھما شيء من الغرق اللذيذ
.بسببھما مسبقة عن كل ما سیحل بي من كوارث بعد ذلك
وكنت أعي في تلك اللحظة، وذلك اللون األبیض يولیني ظھره لیختلط بأكثر من .. بشال شعره األسود لتفا ويبتعد عني تدريجیاوانتھى .. لم أرك بعد الیوم، فقط أحببتك ون، أنني سواء رأيتك أمل
.األمر
عند .. ئت غادرت القاعة إذن مثلما يشق الطريق انبھارا ضوءا في انسحابه كما في.. مروره .قدومه متألقا
.وذيال من مشاريع األحالم.. يجر خلفه أكثر من قوس قزح
الذي أعرفه عنك؟ ما
أعدتھما على نفسي بعد ذلك عدة مرات، ألقنع.. ثةشیئان أو ثال كذاك الذي يضيء في " جما م نبا "نفسي أنك لم تكوني عابراويختفي قبل أن يتمكن الفلكیون من مطاردته األمسیات الصیفیة،
!"النجم الھارب" ..بمنظارھم، والذي يسمونه في قوامیس الفلك اريس وأزقتھا المتشعبةلن تھربي مني، وتختفي في شوارع ب.. ال
أعرف على األقل أنك تعدين شھادة ما في . بھذه السھولةفي السنة األخیرة للدراسة، وأنك المدرسة العلیا للدراسات، وأنك
في في باريس منذ أربع سنوات، وتقیمین عند عمك منذ عین معلومات قد تكون ھزيلة، ولكنھا تكفي . باريس أي منذ سنتین
.طريقة يةللعثور علیك بأ
كانت األيام الفاصلة بین يوم الجمعة ويوم االثنین تبدو طويلة وكأنھاوكنت بدأت في العد العكسي منذ تلك اللحظة التي . ال تنتھي
أعد األيام الفاصلة بین يوم الجمعة ويوم غادرت فیھا القاعة، رحتھا فتبدو لي أربعة. االثنین معة أيام، ثم أعود وأختصر الج تارة أعد
فتبدو الذي كان على وشك أن ينتھي، واالثنین الذي سأراك فیه،لي المسافة أقصر وأبدو أقدر على التحمل، إنھا يومان فقط ھما
.واألحد السبت
فتبدو لي ثالث لیال كاملة، ھي الجمعة.. ثم أعود فأعد اللیالي طولھا، كیف سأقضیھا؟ والسبت واألحد، أتساءل وأنا أتوقع مسبقا
قه من قبل ويحضرني ذلك البیت :الشعري القديم الذي لم أصد
ال أعد اللیالیا وقد*** أعد اللیالي لیلة بعد لیلة عشت دھرا
، عندما نبدأ في استبدال مقايیسنا ترى أھكذا يبدأ الحب دائما الخاصة، بالمقايیس المتفق علیھا، وإذا بالزمن فترة من العمر، ال
عالقة لھا بالوقت؟
جاءت. تدخل القاعة" كاترين"في ذلك الیوم، سعدت وأنا أرى داخل فستان أصفر . أنیقة كما كنت أتوقع. متأخرة كما كنت أتوقع
:قالت وھي تضع قبلة على خدي. كفراشه ناعم، تطیر داخله الطريق كالعادة في كان ھناك ازدحام في.. لقد وصلت متأخرة -
.مثل ھذا الوقت وكانت المواصالت . لباريس كن الضاحیة الجنوبیةكا ت كاتر ن تس
باريس تتضاعف في نھاية األسبوع، في تلك الطرقات الرابطة بینكنت أعرف . وضواحیھا، والتي لم يكن ذلك السبب الوحید لتأخرھا
اللقاءات العامة، أو تكره كما استنتجت أن تظھر معي في أنھا تكرهبعض معارفھا وھي مع رجل يراھا ربما تخجل أن. األماكن العامة
!عربي، يكبرھا بعشر سنوات، وينقصھا بذراع عن كانت في بیتي أو بیتھا، بعیدا تحب أن تلتقي بي، ولكن دائما
عن العیون، ھنالك فقط كانت تبدو تلقائیة في األضواء، وبعیدالنتناول وجبة غداء ويكفي أن ننزل معا . مرحھا وفي تصرفھا معي
لمجاور، لیبدو علیھا شي من االرتباك والتصنع، في المطعم اھا الوحید أن نعود إلى البیت ويصبح .ھم
ما يكفینا من األكل وھكذا تعودت عندما تحضر أن أشتري مسبقا
كان .لم أعد أناقشھا وال أقترح علیھا شیئا . لقضاء يوم أو يومین معا ذلك أوفر وأكثر راحة لي، فلماذا كل ھذا الجدل؟
من العادة وھي تمسك ذراعي وتلقي الت كاترين بصوت أعلىق
:جمیعا نظرة على اللوحات المعلقة التي كانت تعرفھا .أيھا العزيز.. رائع كل ھذا.. برافو خالد، أھنئك -
ما، كانت تتحدث ھذه المرة وكأنھا تريد أن يعرف تعجبت شیئا .ھذا القبیلأو أي شيء من .. حبیبتي اآلخرون أنھا صديقتي أو
ر سلوكھا فجأة، ھل منظر ذلك الحشد من الشخصیات ما الذي غی أم أنھا اكتشفت في ھذا.. الفنیة والصحافیین الذين حضروا االفتتاح
دون أن تدري، وأن المكان، أنھا كانت منذ سنتین تضاجع عبقرياكانت تضايقھا في ظروف أخرى، تأخذ ھنا ذراعي الناقصة التي
فن ال عالقة له بالمقايیسبعدا فريدا الجمالیة؟ یا
اكتشفت لحظتھا، أنني خالل الخمس والعشرين سنة التي عشتھا .واحدة، لم يحدث أنني نسیت عاھتي إال في قاعات العرض بذراع
كانت فیھا العیون تنظر إلى اللوحات، في تلك اللحظات التي
األولى أو ربما في السنوات. وتنسى أن تنظر إلى ذراعيوقتھا كان للمحارب ھیبته، ولمعطوبي الحروب شيء .. لالستقالل
كانوا يوحون باالحترام أكثر مما يوحون . الناس من القداسة بین بتقديم أي. بالشفقة .شرح وال أي سرد لقصتك ولم تكن مطالبا
.تفسیر كنت تحمل ذاكرتك على جسدك، ولم يكون ذلك يتطلب أي
، أنت تخجل من ذراع بدلتك الفارغ الذي تخفیه..الیوم بعد ربع قرنبحیاء في جیب سترتك، وكأنك تخفي ذاكرتك الشخصیة، وتعتذر
.لھم عن ماضیك لكل من ال ماضي
تفقدھم . تفسد على البعض راحتھم. يدك الناقصة تزعجھم .شھیتھم .الزمن لك، إنه زمن لما بعد الحرب لیس ھذا
. المنتفخة والبطون.. خمةللبدالت األنیقة والسیارات الف ولذا كثیرا ما تخجل من ذراعك وھي ترافقك في المیترو وفي المطعم وفي
تشعر أن الناس . المقھى وفي الطائرة وفي حفل تدعى إلیهة أن .تسرد علیھم قصتك ينتظرون منك في كل مر
تخجل الشفاه كل العیون المستديرة دھشة، تسألك سؤاال واحدا
."كیف حدث ھذا؟: "من طرحه
بیدك الفريدة الذراع ويحدث أن تحزن، وأنت تأخذ المیترو وتمسك :العبارة ثم تقرأ على بعض الكراسي تلك. المعلقة للركاب
."..أماكن محجوزة لمعطوبي الحرب والحوامل"
ة، من بقايا شھامة، تجعلك . لك ال لیست ھذه األماكن شي من العز .واحدة بید تفضل البقاء واقفا معلقا
إنھا أماكن محجوزة لمحاربین غیرك، حربھم لم تكن حربك،
.كانت على يدك وجراحھم ربما .فغیر معترف بھا ھنا.. أما جراحك أنت
..عجیبة ھا أنت أمام جدلیة
روحك وتنتمي لوطن، . تعیش في بلد يحترم موھبتك ويرفض جوالجرح في وأنت الرجل.. فأيھما تختار. ويرفضك أنت يحترم جراحك
التي لیس ھذا الجسد المعطوب وأنت الذاكرة المعطوبة.. آن واحد سوى واجھة لھا؟
كنت أھرب منھا . السابق أسئلة لم أكن أطرحھا على نفسي في
.الدائم بالعمل فقط، والخلق المتواصل، وذلك األرق الداخلي
وكأنه يواصل كان داخلي شيء ال ينام، شيء يواصل الرسم دائمابي لیوصلني إلى ھذه القاعة، حیث سأعیش أليام رجال لركضا
بذراعین، أو باألحرى ..رجال فوق العادة عاديااألشیاء ويعید عجن تضاريس. رجال يسخر من ھذا العالم بید واحدة
.بید واحدة
للفرجة وھا ھوذا جنوني معلق.. ھا أنا ذا في ھذه القاعة إذنوال .. ن وتفسره األفواه كیفما شاءتتتفحصه العیو. على الجدرانأبتسم، وبعض تلك التعلیقات المتناقضة تصل أملك إال أن
لـ. مسمعي :"كونكور" وأتذكر قوال ساخرا مث لوح في.. ال شي يسمع الحماقات األكثر في العالم" ."!متحف
وكأنھا تتحدث لي وحدي ھذه المرة :جاء صوت كاترين خافتاأرى ھذه اللوحات وكأنني ال أعرفھا، إنھا ھنا تبدو إنني ..عجیب - ..مختلفة
:وأنا أواصل فكرة سابقة كدت أجیبھا
مثل.. إن للوحات مزاجھا وعواطفھا أيضا " إنھم . األشخاص إنھا تماما
"!يتغیرون أول ما تضعینھم في قاعة تحت األضواء .ھذا ولكنني لم أقل لھا
ك كالعادة فرأيت.. أردت أن أرى أختك"يقول مطلعھا ."..أم !عاش من شافك.. ع السالمة يا سیدي -
وأعترف برغم خیبتي أنه . يحتضنني ويسلم علي بحرارة قالھا وھو .أسلم علیه مثل تلك المرة لم يحدث أن شعرت بسعادة وأنا
م لي ذلك الصديقوقبل أ ن أسأله عن أخباره قال وھو يقد :المشترك الذي كان يرافقه
؟ - شفت شكون جبتلك معاي
:دھشة إلى أخرى صحت وأنا أنتقل من ..واش ھاذ الطلة.. أھال سي مصطفى واش راك -
:بمودة وھو يحتضنني بدوره قال ش؟كیفا لو كان ما نجیوكش ما نشوفوكش وإال.. واش آسیدي -
ز وأسأله بدوي عن أخباره وإن كنت أدري أن في .رحت أجاملهالشريف له وفي مبالغته في تكريمه دلیال على أنه مرافقة سي
.اإلشاعات مرشح لمنصب وزاري ما كما تقول
:عاتبني سي الشريف بود أحسسته صادقا دون أن تفكر في أيعقل أن.. يا أخي - نسكن ھذه المدينة معا
ة واحدة؟زيار .وعنواني معروف عندك أنا ھنا منذ سنتین. تي مر
ل سي مصطفى لیضیف بتلمیح سیاسي بین المزاح :والجد تدخ ؟..وإال كیفاش ھاذا الغیبة.. واش راك مقاطعنا -
:بصدق أجبته
ولكن لیس من السھل على شخص سكنته الغربة أن .. ال أبدا -
ئة "قة في الحقی.. ھكذا ويعود يجمع أشیاءه المنفى عادة سی ..عادة سیئة ھنا وقد أصبحت لي أكثر من" يتخذھا اإلنسان
وتشعب بنا الحديث في مواضیع أخرى تطرقنا إلیھا.. ضحكنا عبورا
..ومجاملة فقطيقومان وكان ال بد أن يتوقفا بعد ذلك أمام إحدى اللوحات وھما
ى ألفھم سر زيارة سي مصطف. بجولة لمشاھدة المعرض. يريد أن يشتري لوحة أو لوحتین مني لمعرضي، والتي تعود لكونه
:قال ك بدأت الرسم يوم ..أريد أن أحتفظ منك بشيء للذكرى - أال تذكر أن
ى لوحاتك في تونس؟ مازلت أذكر حت ا معا لقد كنت أول .. األولى كن ھل نسیت؟.. من أريته لوحاتك وقتھا
شعرت . لحظتھا لو أستطیع ذلك كنت أتمنى وكم.. ال لم أنس
..الفترة بشيء من اإلحراج وھو يستدرجني لتلك
لي ولسي الشريف منذ أيام مشتركا كان سي مصطفى صديقاكان ضمن المجموعة التي كانت تعمل تحت قیادة فقد. التحرير
من الجرحى. سي الطاھر الذين نقلوا معي للعالج بل، وكان واحداثالثة أشھر في المستشفى عاد بعدھا إلى تونس، حیث قضى
الجبھة، لیبقى حتى االستقالل في صفوف جیش التحرير، إلى .ويعود برتبة رائد
وكنت في الماضي أكن . يومھا بشھامة وأخالق نضالیة عالیة كان
وودا رصیده عندي. كبیرين له احتراما كلما امتأل .. ثم تالشى تدريجیاوأكثر من عملة، مثله مثل من سبقوه ريقةرصیده اآلخر بأكثر من ط
بتقسیم إلى تلك المناصب الحلوب التي تناوب علیھا البعض ..مدروس للولیمة
رفیق فقد كان. ولكن كان أمره ھو بالذات يعنیني ويحزنني
وكان بیننا تفاصیل صغیرة جمعتنا في .. سالحي لسنتین كاملتین .تتجاھلھا للذاكرة رغم كل شيء أن الماضي وال يمكن
، تلك ضة لعل أكثر تلك التفاصیل تأثیرا المصادفة التي جعلت الممر
بھا، في تونس تعطیني وأنا أغادر المستشفى ثیابه التي وصلام ة أي .والتي جف علیھا دمه منذ عد
تعريفه التي تكاد ال تقرأ، من آثار كان في جیب سترته يومھا بطاقة
ولكنه .. فیما بعد فظت بھا ألعیدھا إلیهوالتي احت. بقع الدم علیھا عاد بعد ذلك إلى الجبھة دون أن يدري حتى أنھا كانت في حوزتي،
إلى مكان ال يحتاج فیه . وربما دون أن يسأل عنھا فقد كان ذاھبا .تعريف إلى بطاقة
عثرت مصادفة على تلك البطاقة ضمن أوراقي 1973سنة
للرحیلآنذاك أجمع أشیائي وكنت. القديمة ..استعدادا
إلیه، فقد كنت أدري أن تلك ترددت بین أن أحتفظ بھا أو أعیدھاأواجھه ولكنني كنت أريد أن. الھوية لم تعد في الواقع ھويته
.دون أي تعلیق.. بالذاكرة
المنفى أن أنھي عالقاتي وربما كنت أريد كذلك وأنا على أبواب من بلد إلى آخر، وكأنني 1975بتلك البطاقة التي رافقتني منذ
ھو وأشیاءه خارج الذاكرة ..أنھي عالقاتي بالوطن، وأضعه أخیرا
مصطفى وأنا أخرج من جیب سترتي تلك يومھا دھش سي .البطاقة وأضعھا أمامه، بعد ست عشرة سنة
أم أنا؟.. الذي ارتبك لحظتھا أھو كان ا ملتص شعرت فجأة وأنا أنفصل عنھا أنني أعطیته شیئا
مني، ربما ذراعي األخرى، أو أي شيء كان لي ..بصدري؛ شیئا !أنا كان
وفي احتضانه لي بذلك .. ولكنني وجدت آنذاك في فرحته عزائي ما بإمكانیة العنفوان األول ، مكافأة للذاكرة ووھما الذي جمعنا يوما
.داخله إيقاظ ذلك الرجل اآلخر
لقد . وحة لي وأتأملهھا ھو سي مصطفى بعد سنوات، يتأمل ل علیه؟".. اآلخر" مات فیه الرجل فكیف راھنت يوما
لوحة لي؛ وربما كان في ھذه اللحظة، ال شيء يعنیه سوى امتالك
أن يدفع أي ثمن مقابلھا فمن المعروف عنه أنه ال يحسب. مستعدا في ھذه الحاالت، مثله مثل بعض السیاسیین واألثرياء كثیرا
شاعت وسطھم عدوى اقتناء اللوحات جدد الذينالجزائريین ال
، وإنما بالفن بعقلیة جديدة للنھب الفنیة، ألسباب ال عالقة لھا غالبا .وبھاجس االنتساب للنخبة.. الفني أيضا
سخاء معي أنا بالذات، لألسباب نفسھا التي وربما كان أكثر
له .تجعلني الیوم أكثر رفضار يفاخر ) أكواريل(البطاقة المھترئة، لوحة أن يستبدل بتلك لقد قر
!ولو بعد ربع قرن.. باأللوان المائیة فھل يتساوى الدم.. بھا
الشريف دون أن يأخذا سعدت بعدھا وأنا أتخلص منه ومن سي ودون أن أتنازل عن ذلك المبدأ الذي حدث أن جعت.. على خاطرھما
ناك من يولدون ھ. فال يمكن لي أن آكل من الخبز الملوث. بسببه !التي ال شفاء منھا تجاه كل ما ھو قذر ھكذا بھذه الحساسیة
خشیة .. أنتھي منھما بسرعة أريد أن. كنت في الواقع على عجل
.أن تأتي في تلك اللحظة ويكونا ھناك بین األحاسیس التي استدرجتني إلیھا سي وكنت قلقا ومبعثرا
س قدومك، الذي ھاج وبین.. مصطفى بعد كل تلك السنوات .بعده ال أثناء ذلك وال.. ولكنك لم تأتي.. أرھقني انتظاره منذ أيام
من أين ھجمت علي كل تلك الكآبة بعد ذلك؟
بخطى مثقلة، محبطة، إلى البیت، بعدما وإذا بقدمي تقودانني .الجارف كانتا قد حملتاني إلى ھنا، على أجنحة الشوق
ة أخرى .تعودي؟ لو انتھى ذلك المعرض ولم.. ماذا لو لم أرك مر
ماذا لو كان حديثك عن زيارتك المحتملة مجرد مجاملة، أخذتھا أنا الجد؟ مأخذ
كیف يمكن لي وقتھا أن أطارد نجمك المذنب الھارب؟
اھا سي الشريف وھو يودعني وحدھا تلك البطاقة التي أعطاني إي من األمل في فقد كنت أ. نفسي كانت تبعث شیئا عرف أخیرا
ھاتفي األرقام السرية التي توصلني إلیك، فنمت وأنا أخطط لمبررولكن الحب عندما يأتي ال يبحث له عن مبرر، وال . قد يجمعني بكولذا ما كدت في الیوم التالي أدخل القاعة وأجلس .. موعدا يأ ذ له
.حتى رأيتك تدخلین في الصالون ألطالع جريدتي،
بك كنت تتقدمین نحوي، .وكان الزمن يتوقف انبھارا
قبل ذلك الیوم وكان أن .. الحب الذي تجاھلني كثیرا قد قرر أخیرا .. نونا يھبني أكثر قصصه
الثالث الفصل
..إذن التقینا :قالت ..يوم آسفة، أتیت متأخرة عن موعدنا.. رحبا - :قلت .عمرب قد جئت متأخرة عن العمر.. ال تأس ي - :قالت كم يلزمني إذن لتغفر لي؟ - :قلت !يعادل ذلك العمر من عمر ما -
.وجلس الیاسمین مقابال لي
أقل حبیبتي.. على عجل يا ياسمینة تفتحت أقل.. عطرا !عطرا
.ھو عطر الوطن.. أيضا لم أكن أعرف أن للذاكرة عطرا
جلس الوطن وقال بخجل :مرتبكا يعیشك؟.. ماء عندك كأس -
.وتفجرت قسنطینة ينابیع داخلي
ودعي لي مكانا .. فكل ھذا الحنین لك ..ارتوي من ذاكرتي سیدتي ..ھنا مقابال لك
حتسى، على .مھل، قھوة قسنطینیة أحتسیك كما ت
.. نفسه لم يكن لنا الظمأ. وزجاجة كوكا جلسنا.. أمام فنجان قھوة .الحديث ولكن كانت لنا الرغبة نفسھا في
:قلت معتذرة
ي يتحدث لشخص على أنا لم - أحضر البارحة، ألنني سمعت عم
ل زيارتي لك إلى الھاتف ويتفق معه على زيارتك، ففضلت أن أؤج ..الیوم حتى ال ألتقي بھما
أمامه أجبتك وأنا أتأملك بسعادة :من يرى نجمه الھارب أخیرا
..خفت أال تأتي أبدا - :أضفت ثم آخر، إن األشیاء التي - ا اآلن فیسعدني أنني انتظرتك يوما أم
!تأتي متأخرة دائما نريدھا
تراني قلت وقتھا أكثر مما يجب قوله؟
عند ا قلت .. الصمت بیننا وارتباك االعتراف األول ساد شي من :فضولي وكأنك تريدين كسر الصمت، أو إثارة
أتدري أنني أعرف الكثیر عنك؟ -
ومتعجبا قل :ت سعیدا وماذا تعرفین مثال؟ -
:أجبت بطريقة أستاذ يريد أن يحیر تلمیذه ..كثیرة قد تكون نسیتھا أنت أشیاء -
:قلت لك بمسحة حزن مشكلتي في الواقع أنني ال . نسیت شیئا ال أعتقد أن أكون -
!أنسى
ادمة أع ساعتھا كل عواقبه الق أجبتني بصوت بريء، وباعتراف لم : لي
ا أنا فمشكلتي أنني أنسى - ر.. كل يء أنسى.. أم البارحة .. تصو
أسبوع ومنذ. مثال نسیت بطاقة المیترو في حقیبة يدي األخرىنسیت مفتاح البیت داخل البیت، وانتظرت ساعتین قبل أن يحضر
.إنھا كارثة.. الباب أحد لیفتح لي
:قلت ساخرا إذن ألنك تذكرت م - !ھذا وعدناشكرا
:أجبت باللھجة الساخرة نفسھا ال بد أن تعلم أنني أكره .. موع فقط كان احتمال.. لم يكون موعدا -
األشیاء .. ألتزم به أكره أن أجزم بشيء أو.. الیقین في كل شيءما تبقى.. األجمل، تولد احتماال .كذلك ورب
فقلت وكأنك شعرت بإھانة من .. أسمع رددتھا وكأنني ال أصدق ما :مسحة العجب أو الشك في صوتي
..لي أول رواية منذ سنتین لقد صدرت -
:سألتك وأنا أنتقل من دھشة إلى أخرى لغة تكتبین؟ وبأي -
:قلت ..بالعربیة - !بالعربیة؟ -
:دھشتي، وربما أسأت فھمھا حین قلت استفزتك وال .. العربیة ھي لغة قلبي كان يمكن أن أكتب بالفرنسیة، ولكن -
.األشیاء نحن نكتب باللغة التي نحس بھا.. يمكن أن أكتب إال بھا ..ولكنك ال تتحدثین بغیر الفرنسیة - ..العادة إنھا -
:قلتھا ثم واصلت تأمل اللوحات قبل أن تضیفي التي نتحدث بھا ألنفسنا ولیست تلك التي نتحدث اللغة.. المھم -
!بھا لآلخرين
من الترتیب في رحت أتأملك ، وأنا أحاول أن أضع شیئا مدھوشا ..أفكاري
ھذه المصادفات، في مصادفة واحدة؟ وكل ل أيمكن أن تجتمع
وأحالمي الوطنیة األولى، ..ھذه األشیاء التي كانت قناعاتي الثابتة ابنة سي.. وأن تكون ھذه المرأة ھي أنت.. في امرأة واحدة
في حیاتي، لما تصورت أكثر رت لقاء مدھشا الطاھر ال غیر؟ لو تصو من ھذا إنه قدر عجیب، أن تتقاطع إنھا أكثر من مصادفة، .إدھاشا
.قرن طرقنا على ھذا النحو، بعد ربع
:أعادني صوتك إلى الواقع وأنت تتوقفین عند إحدى اللوحات ، ألیس كذلك؟ أنت - قل ما ترسم وجوھا
:وقبل أن أجیبك قلت سأغیر عاداتك بعد .. نتحدث إلى بعض إال بالعربیة لن.. اسمعي -
..الیوم
:ةبالعربی سألتني ھل ستقدر؟ -
:أجبتك ..عاداتي معك ألنني سأغیر أيضا ... سأقدر -
أجبتني عندئذ بفرح سري المرأة اكتشفت فبما بعد أنھا تحب :األوامر
رني فقط لو . وأحب إصرارك.. فأنا أحب ھذه اللغة.. سأطیعك - ذك
.ونسیت حدث :قلت !ألنك لن تنسي ذلك.. لن أذكرك -
وأنا أجعل تلك اللغة التي . تھا أجمل الحماقاتلحظ وكنت أرتكب آخر في قصتنا المعقدة كان لي معھا أكثر من صلة عشقیة، ..طرفا
:عدت ألسألك بالعربیة منذ قلیل؟ عم كنت تتحدثین - :قلت تمثل كنت أعجب أال يوجد في معرضك سوى ھذه اللوحة التي -
نسائیا ؟.. وجھا أال ترسم وجوھا :قلت ثم انتقلت إلى موضوعات أخرى كنت في فترة أرسم - في . وجوھا
به المساحات الرسم، كلما تقدم عمر الفنان وتجربته، ضاقت .الصغیرة وبحث عن طرق أخرى للتعبیر
.. الوجوه التي أحبھا حقا في الحقیقة أنا ال أرسم أرسم فقط شیئاأو قطعة .. وب امرأةم ث طرفا .. تماوج شعرھا.. طلتھا.. يوحي بھاھا تلك . نفارقھا تلك التفاصیل التي تعلق في الذاكرة بعدما. من حلی
فالرسام لیس مصورا .. التي تؤدي إلیھا دون أن تفضحھا تماما يطارد الواقع إن آلة تصويره توجد داخله، مخفیة في .. فوتوغرافیا
ذاكرته نفسه، ولھذا ھو ال يرسم بعینیه، وإنما ب مكان يجھله ھو .وبأشیاء أخرى.. وخیاله
وعیناك تنظران المرأة يطغى شقار شعرھا على اللوحة وال قلت
:حمرة شفتیھا غیر البريئتین يترك مجاال للون آخر سوى ؟ لماذا رسمت لھا لوحة واقعیة.. وھذه المرأة إذن - إلى ھذا الحد
:ضحكت وقلت ..بواقعیة ھذه امرأة ال ترسم إال - ؟"اعتذار"ا أسمیت لوحتھا ولماذ- ..لصاحبتھا ألنني رسمتھا اعتذارا -
ة قد ألغت ي قلت فجأة بلھجة فرنسیة وكأن غضبك أو غیرتك السر :اتفاقنا السابق
. قا فاللوحة جمیلة.. أتمنى أن يكون قد أقنعھا ھذا االعتذار -
:ثم أضفت بشيء من الفضول النسائي !الذنب الذي اقترفته في حقھا ولكن ھذا يعود إلى نوع -
ة رغبة في أن أقص علیك قصة تلك اللوحة، في لم أكن أشعر بأيكنت أخاف أن يكون لتلك القصة تأثیر سلبي على . لقائنا األول
فحاولت أن أتھرب من تعلیقك الذي . أو على نظرتك لي عالقتنا،التوضیح، وأتجاھل عنادك في يستدرجني بحیلة إلى مزيد من
.وقوف طويال أمام تلك اللوحة بالذاتال
يمكن أن تقاوم فضول أنثى تصر على معرفة شيء؟ ھل.. ولكن
:أجبتك
ما، تكشف عن جانب من عقدي لھذه اللوحة - قصة طريفة شیئا
ما لھذا .السبب ورواسبي القديمة، وھي ھنا رب
ورحت أقص ألول مرة قصة تلك اللوحة التي رسمتھا ذات يوم، مرة، كما أفعل بین الحین واآلخر، إحدى جلسات دما حضرتبع
يدعوني ھناك بعض الرسم في مدرسة الفنون الجمیلة، حیثامین، أللتقي أصدقائي األساتذة، كما يفعلون عادة مع بعض الرس
.بالطلبة والرسامین الھواة
وبینما كان .كان الموضوع ذلك الیوم ھو رسم موديل نسائي عار لبة متفرغین لرسم ذلك الجسد من زواياه المختلفة، كنت جمیع الطر في قدرة ھؤالء على رسم جسد امرأة بحیاد أنا أفك مدھوشا
، وبنظرة جمالیة ال غیر، أو جنسي طبیعیا وكأنھم يرسمون منظرا .مزھرية على طاولة، أو تمثاال في ساحة
فقد كنت . الواضح، أنني كنت الوحید المرتبك في تلك الجلسة من
عارية ھكذا تحت الضوء تغیر أوضاعھا، تعرض أرى، ألول مرة، امرأةالعیون؛ وربما في جسدھا بتلقائیة، ودون حرج أمام عشرات
ولكن ريشتي التي تحمل. محاولة إلخفاء ارتباكي رحت أرسم أيضا رواسب عقد رجل من جیلي، رفضت أن ترسم ذلك الجسد، خجال أو
آخر، لم يكن في النھاية سوى بل راحت.. كبرياء ال أدري ترسم شیاانتھت تلك الجلسة، وعندما.. وجه تلك الفتاة كما يبدو من زاويتي
وارتدت تلك الفتاة التي لم تكن سوى إحدى الطالبات ثیابھا، وقامتبجولة كما ھي العادة لترى كیف رسمھا كل واحد، فوجئت وھي
قالت بلھجة فیھا . وجھھا أرسم سوى تقف أمام لوحتي، بأنني لمأھذا : "ألنوثتھا شيء من العتاب وكأنھا ترى في تلك اللوحة إھانة
اه؟ من: " قلت مج مال " كل ما ألھمتك إي ال، لقد ألھمتني كثیراالدھشة، ولكني أنا أنتمي لمجتمع لم يدخل الكھرباء بعد إلى
ل. دھالیز نفسه الضوء، امرأة أشاھدھا عارية ھكذا تحت أنت أوفرشاتي تشبھني، إن. فاعذريني.. رغم أنني رجل يحترف الرسم
أن تتقاسم مع اآلخرين امرأة عارية حت في .. إنھا تكره أيضا ."!رسم جلسة
كنت تستمعین إلي مدھوشة، وكأنك تكتشفین في فجأة رجال آخر
كان في عینیك فجأة شي جديد، نظرة . عنه ج تك لم تح ثكد، غامضة ما، شيء ربما سببه غیرة نسائیة من من اإلغراء المتعم
امرأة مجھولة، سرقت في يوم ما اھتمام رجل لم يكن حتى اآلن بالنسبة إلیك .مھما
ذ بذلك الموقف العجیب الذي لم أتعمده أن كنت. رحت أتلذ سعیدا
تثیر فیك الغیرة ھذا الصمت المفاجئ، وھذه الحمرة الخفیفة التي فاحتفظت . وجعلت عینیك تتسعان بغضب مكبوتوجنتیك، علت
ھذه الحادثة تعود لسنتین، وأن لم أخبرك أن.. لنفسي ببقیة القصةأن أقدم صاحبتھا لیست سوى كاترين، وأنه كان علي فیما بعد
آخر لدرجة أنھا لم تفارقني .. لجسدھا اعتذارا يبدو أنه كان مقنعا !الحین منذ ذلك
ن السخرية، ذلك المنعطف الذي أخذته عالقتنا أذكر الیوم بشيء م
ثتك عن تلك اللوحة فجأة ! عجیب ھو عالم النساء حقا .. بعدما حدوأنت تكتشفي تلك العالقة السرية كنت أتوقع أن تقعي في حبي،
لوحة في عمرك وفي". حنین"التي تربطك بلوحتي األولى أخرى، تعبر وإذا بك تتعلقین بي بسبب لوحة أخرى المرأة. ھويتك !خطأ الذاكرة
.انتھى موعدنا األول عند الظھر
كنت . ربما غدا .. مرة أخرى كان عندي إحساس ما إنني سأراك
ھناك كثیر كان. أشعر أننا في بداية شيء ما، وأننا كلینا على عجل في النھاية نحن. من األشیاء التي لم نقلھا بعد، بل إننا لم نقل شیا
ا، عن سذاجة أو عن ذكاء، . بحديث محتمل أغرينا بعضنا فقط كن عندما سألتني نمارس اللعبة نفسھا ، ولذا لم أتعجب كثیرا معا
:وأنت تودعینني ؟ ھل ستكون ھنا - ◌ صباحا غدا
:قلت لك بسعادة من ربح الرھان .طبعا - :قلت
، سیكون لنا - في الوقت نفسه تقريبا سع أكثر سأعود إذن غدا مت ..لقد مر الوقت بسرعة الیوم دون أن ننتبه لذلك. لحديثل . كنت أدري أن ال مقیاس للوقت سوى قلبینا. أعلق على كالمك لم
من ولذا فالوقت ال يركض بنا أيضا إال عندما يركض بنا القلب الھثاوجدت في كالمك ولذا.. فرحة إلى أخرى، ومن دھشة إلى أخرى
ي بفرح مشترك سر ر.. اعترافا .توقعت أن يتكر
عك عند باب القاعة أذكر أنني قلت :لك يومھا وأنا أود .أقرأك أريد أن.. ال تنسي كتابك غدا - :قلت مت جبة أتتقن العربیة؟ - :قلت .سترين ذلك بنفسك ..طبعا - : لت ..سأحضره إذن -
ب ثم أضفت بابتسامة ال :تخلو من كید نسائي محب !المتعة لن أحرمك من ھذه.. ت تصر على معرف يمادم -
وانغلق الباب خلف ابتسامتك تلك، دون أن أفھم ما كنت تعنیه .بالتحديد
وبقیت عند عتبة . نفسه.. ذھبت بالغموض الضبابي الذي جئت بهالباب الزجاجي، أتأملك تندمجین بخطى المارة وتختفین مرة ذلك
ترانا التقینا .. بشيء من الذھولأتسال و أنا.. أخرى كنجم ھارب !حقا؟
***
..التقینا إذن .أخطأوا".. الجبال وحدھا ال تلتقي"الذين قالوا
، لتتصافح دون أن تنحني أو تتنازل عن والذين بنوا بینھا جسورا في.. شموخھا .قوانین الطبیعة ال يفھمون شیئا
وعندما ال یة الكبرى،الجبال ال تلتقي إال في الزالزل و الھزات األرض .تتصافح، وإنما تتحول إلى تراب واحد
..التقینا إذن
، وحدثت الھزة األرضیة التي لم تك متوقعة، فقد كان أحدنا بركانا .وكنت أنا الضحیة
جرف كل شيء في . امرأة تحترف الحرائق يا ويا جبال بركانیا
.تم كت به طريقه، وأحرق آخر ما
كل تلك األمواج المحرقة من النار؟ وكیف لم أحذرمن أين أتیت ب .تربتك المحمومة، كشفتي عاشقة غجرية
في كیف لم أحذر بساطتك وتواضعك الكاذب، قديما وأتذكر درسا
تواضع الجبال البركانیة ال قمم لھا؛ إنھا جبال في: "الجغرافیة فھل يمكن للھضاب أن تفعل كل ھذا؟.." ھضبة
رنا من ذلك النھر المسالم الذي يخدعنا الشعبیةكل األمثلة تحذ
العود الصغیر الذي ال نحتاط وذلك. ھدوؤه فنعبره، وإذا به يبتلعنا .وإذا به يعمینا.. له
". يؤخذ الحذر من مأمنه"من لھجة أكثر من مثل يقول لن بأكثرالحماقات، فال ولكن كل تحذيراتھا لن تمنعنا من ارتكاب المزيد من
كبرت. طق للعشق خارج الحماقات والجنونمن وكلما ازددنا عشقا .حماقاتنا
تعرف أنك عاشق عندما تبدأ في التصرف ضد) "برنارد شو(ألم يقل "!مصلحتك الشخصیة
صقلیة وكانت حماقاتي األولى، أنني تصرفت معك مثل سائح يزوركان النائم ، ويصلي لیستیقظ البر)إتنا(ألول مرة، فیركض نحو بركان
، على مرأى من السواح بعین واحدة من نومه، ويغرق الجزيرة نارا .والدھشة.. الفوتوغرافیة المحملین باآلالت
أجمل من وتشھد جثث السواح التي تحولت إلى تراب أسود أنه ال
بركان يتثاءب، ويقذف ما في جوفه من نیران وأحجار، ويبتلع .في بضع لحظات المساحات الشاسعة
بجاذبیة مغناطیسیة ما بشيء.. وأن المتفرج علیه يصاب دائما
شبیه بشھوة اللھب، يشده لتلك السیول النارية، فیظل منبھرايتذكر في ذھول كل ما قرأه عن قیام الساعة، يحاول أن. أمامھا
!قیام ساعته ..وينسى بحماقة عاشق، أنه يشھد ساعتھا
.. أحببتك حتى الھالك؛ وأشتھیكيشھد الدمار حولي الیوم، أنني قت جاك بريل عندما قال . االحتراق األخیر حتى ھناك أراض "وصد
". ال يمنحك نیسان في أوج عطائه محروقة تمنحك من القمح ماالسنوات ونیسان ھذه. وراھنت على ربیع ھذا العمر القاحل
.العجاف
جرف من حولي كل شيء أن .. يا بركانا على أزايدألم يكن جنونافأنقل بیتي عند .. جنون السواح والعشاق، وكل من أحبوك قبلي
عند أقدام براكینك، وأجلس بعدھا وسط سفحك، وأضع ذاكرتي .ألرسمك.. الحرائق
أرفض االستعانة بنشرات األرصاد الجوية، أن.. ألم يكن جنونا
عنك أكثر مما والكوارث الطبیعیة، وأقنع نفسي أنني أعرف، وأن ما . يعرفون نسیت وقتھا أن المنطق ينتھي حیث يبدأ الحب .عنك ال عالقة له بالمنطق وال بالمعرفة أعرفه
.والتقینا.. التقت الجبال إذن
.قرن من الصفحات الفارغة البیضاء التي لم تمتلئ بك ربع .التي أنفقتھا في انتظارك ربع قرن من األيام المتشابھة
ل لقاء على ركبتي بین رجل كان أنا، وطفلة تلعبربع قرن على أو .كانت أنت
ربع قرن على قبلة وضعتھا على خدك الطفولي، نیابة عن والد لم .يرك
ة ذراعه، وفي أنا الرجل المعطوب الذي ترك في المعارك المنسی
..المغلقة قلبه المجن
لم أكن أتوقع أن تكوني المعركة التي سأترك علیھا جثتي،واللوحة البیضاء التي .. لتي سأنفق فیھا ذاكرتيوالمدينة ا
ارة مثلك.. لتبقى عذراء ستستقیل أمامھا فرشاتي، تح ل في . وجب .لونھا كل األضداد
.لم أعد أدري كیف حدث كل ھذا؟
كان الزمن يركض بنا من موعد إلى آخر، والحب ينقلنا من شھقة
.إلى أخرى، وكنت أستسلم لحبك دون جدلتقف في وجه وربما كان حتفي، فھل من قوة.. قدري كان حبك القدر؟
ا نلتقي في تلك ، كن القاعة نفسھا كان لقاؤنا يتكرر كل يوم تقريبا
في ساعات مختلفة من النھار، فقد شاءت المصادفات أن يصادف وكنت تملكین ما يكفي من الوقت . الربیع المدرسیة معرض عطلة
.دوام جامعي ك أي ف م ي ن ل. لزيارتي كل يوم
كان علیك فقط أن تتحايلي على اآلخرين بعض الشيء، وربما على .عمك أكثر، حتى ال ترافقك لسبب أو آلخر ابنة
، كنت أتساءل كل مرة وأنا أودعك مرددا ترانا ": إلى الغد"تلقائیا
وربما ألنني كنت .نرتكب أكبر الحماقات ويزداد تعلقنا ببعض كل يوم، كنت أشعر أنني تحمل وحدي مسؤولیة ذلك الوضع أكبرك سن ا .الشاذ وانحدارنا السريع والمفجع نحو الحب العاطفي
كنت أحاول الوقوف في طريق ذلك الشالل الذي كان ولكن عبثا
يجرفني إلیك بقوة حب في الخمسین، بجنون حب في الخمسین، .بشھیة رجل لم يعرف الحب قبل ذلك الیوم
وينحدر بي إلى أبعد نقطة يجرفني بشبابه وعنفوانه،كان حبك
تلك التي يكاد يالمس فیھا العشق، في آخر.. في الالمنطق ..المطاف، الجنون أو الموت
العمیقة داخلي، وكنت أشعر وأنا أنحدر معك إلى تلك المتاھاتإلى تلك الدھالیز السرية للحب والشھوة، وإلى تلك المساحة
سلم األغوار البعیدة التي لم تطأھا امرأة قبلك، أنني أنزل أيضا، وأنني أتنكر دون أن أدري لتلك المثل التي آمنت بھا القیم تدريجیا
بأكمله أن أساوم .علیھا بتطرف، ورفضت عمرا
ال يتجزأ، ولم يكن ھناك في لقد كانت القیم بالنسبة لي شیاوكنت .. األخالق فرق بین األخالق السیاسیة، وبقیة قا وسي من
ر .لواحدة ألقنعك بأخرى أعي أنني، معك، بدأت أتنك آنذاك ..تساءلت كثیرا
أنفرد بك في جلسة شبه بريئة، تراني كنت أخون الماضي، وأنا
في قاعة تؤثثھا اللوحات والذاكرة؟ن عرفت من رجال، وأكثرھم نخوة ومروءة، تراني أخون أعز م
وأكثرھم شجاعة ووفاء؟
. سي الطاھر قائدي ورفیقي وصديق عمر بأكمله تراني سأخونته األخیرة؟.. الوحیدة فأدنس ذكراه وأسرق منه زھرة عمره ووصی
ثك عن الماضي أيمكن أن أفعل كل ذلك باسم الماضي، وأنا !أحد
، في تلك الجلسات التي.. ولكن أسرق منك شیئا كنت أكنت حقا
ثك فیھا طويال عنه؟ .أحد ، كانت ھیبة اسمه.. ال . حاضرة في ذھني دائما لم يحدث ھذا أبدا
كانت جسرا . كانت تربطني بك وتفصلني عنك في الوقت نفسه في الوقت نفسه ..وحاجزا
أن أفتح . ذاكرتي وكانت متعتي الوحیدة وقتھا، أن أودعك مفاتیح
ة، ألقرأھا أمامك صفحة أننيوك. صفحة.. لك دفاتر الماضي المصفر .أكتشفھا معك وأنا أستمع لنفسي، أقصھا ألول مرة
كنت أنا الماضي . بطريقة مخیفة كنا نكتشف بصمت أننا نتكامل
والذي أحاول أن الذي تجھلینه، وكنت أنت الحاضر الذي ال ذاكرة له،لتني السنوات من ثقل .أودعه بعض ما حم
ومثقال كب كنت فارغة كإسفنجة، .حروكنت أنا عمیقا
..رحت تمتلئین بي كل يوم أكثر
، وأنني كنت أجھل ساعتھا أنني كنت كلما فرغت امتألت بك أيضا من الماضي، وإذا بنا . حولتك إلى نسخة مني كلما وھبتك شیا
وأزقة مشتركة، وأفراحا نحمل ذاكرة مشتركة، طرقا وأحزانا معطوبي حرب، وضعتنا . مشتر ة كذلك ا معا األقدار في فقد كن
.ترحم، فخرجنا كل بجرحه رحاھا التي ال
في األعماق و جرحك خفیا بتروا ذراعي، لقد. كان جرحي واضحا.. وأخذوا من أحضانك أبا.. اقتلعوا من جسدي عضوا . وبتروا طفولتك
.وتمثالین محطمین داخل أثواب أنیقة ال غیر.. أشالء حرب كنا
ثك عن أبیك طلبت أذكر ذلك الیوم الذي . فیه مني ألول مرة، أن أحدبھذه .. لزيارتي من البدء واعترفت بشيء من االرتباك، أنك جئت
شي من.. كان في صوتك شيء من الحزن المكابر. النیة فقط .المرارة التي اكتشفتھا فیك ألول مرة
:قلت أبي لشارع كبیر، وأن أحمل ثقل اسمه ما فائدة أن يمنح اسم -
ما فائدة . الیوم يردده أمامي المارة والغرباء عدة مرات فيالذي ذلك إذا كنت ال أعرف عنه أكثر مما يعرفون، وإذا كان ال يوجد بینھم
؟ ثني عنه حقا شخص واحد قادر على أن يحد : لت لك م عج ا
عنه ع ك م ال؟ ألم يحدثك - :قلت أمامي، يأتي كالمه وعندما يحدث أن يذكره.. عمي ال وقت له لھذا -
وكأنه أقرب لخطبة تأبینیة يتوجه بھا لغرباء يستعرض أمامھم مآثرأخیه، وال يتوجه فیھا إلي لیحدثني عن رجل ھو أبي قبل كل
..شي
أعرفه عن أبي، لیس تلك الجمل الجاھزة لتمجید الذي أريد أن مناسبة عن الجمیع؛ وكأن األبطال والشھداء، والتي تقال في كل
نسخة طبق الموت سوى فجأة بین كل الشھداء، فأصبحوا جمیعا .األصل
عن أفكاره أخطاءه.. بعض تفاصیل حیاته.. يھمني أن أعرف شیئا
ال أريد أن أكون ابنة . ھزائمه السرية.. طموحاته السرية.. وحسناتهأريد أن أكون ابنة لرجل عادي . بدعة يونانیة ألسطورة، األساطیر
ففي حیاة كل رجل خیبة ما .وبضعفه، بانتصاراته وبھزائمهبقوته في انتصار آخر .وھزيمة ما، ربما كانت سببا
..شيء من الصمت بیننا ل
رحت أبحث عن الحد . كنت أتأملك وأغوص في أعماق نفسي، وال . بین ھزائمي وانتصاراتي الفاصل ا لم أكن في تلك اللحظة نبی
مین ما في أعماقك من دمار .وأنت ترم :قلت أشعر أنني ابنة لرقم فقط، رقم بین ملیون ونصف يحدث أن -
أو أصغر، ربما كتب اسم ربما كان بعضھا أكبر. ملیون رقم آخر أرقامبعضھ لمأساة ا بخط أكبر أو أصغر من خط آخر، ولكنھا جمیعا
.ما
:وأضفت ، ھذا ال يعني - كبیرا لقد أورثني . شیئا أن يكون أبي أورثني اسما
مأساة في ثقل اسمه، وأورث أخي الخوف الدائم من السقوط، بھاجس الفشل، وھو االبن الوحید للطاھر عبد والعیش مسكونا
في الدراسة وال في الحیاة، ي لیس من حقه أن يفشلالمولى الذ والنتیجة، أنه تخلى عن. ألنه لیس من حق الرموز أن تتحطم
دراسته الجامعیة وھو يكتشف عبثیة تكديس الشھادات، في زمن ربما كان على حق، فالشھادات ھي . الماليین يكدس فیه اآلخرون
.ةمحترم آخر ما يمكن أن يوصلك الیوم إلى وظیفة
لقد رأى أصدقاءه الذين تخرجوا قبله، ينتقلون مباشرة إلى البطالة ر أن ينتقل إلى التجارة أو . إلى موظفین برواتب وأحالم محدودة، فقر
رأيه، إال أنه يحزنني أن يتحول أخي وھو في ورغم أنني أشاطره
شبابه، إلى تاجر صغیر يدير محال وشاحنة وھبتھا له عز تجاريايت قع له ال أعتقد أن أبي كان. ئر كامتیاز بصفته ابن شھیدالجزا
!مستقبال كھذا
:قاطعتك في محاولة لتخفیف تذمرك لك مستقبال كھذا إنه لم - لقد ذھبت أبعد من أحالمه؛ . يتوقع أيضا
كان رجال يقدس العلم . ومبادئه إنك الوريثة لكل طموحاتهلھا بالخرافات بجزائر ال عالقة والمعرفة، ويعشق العربیة، ويحلم
إنك ال تعین أن . والعادات البالیة التي أرھقت جیله وقضت علیهالیوم ھذا الحظ االستثنائي، في وطن يمنحك فرصة أن يكون لك
فة، يمكنھا ..الدراسة والعمل وحتى الكتابة تكوني فتاة مثق
:أجبت بشيء من السخرية تي أو بعلمي، ولكن الكتابة شي آخر مدينة للجزائر بثقاف قد أكون -
نكتب لنستعید ما أضعناه وما سرق نحن. لم يمن به أحد عليل أن تكون لي طفولة عادية.. خلسة منا وحیاة عادية، أن كنت أفض
يكون لي أب وعائلة كاآلخرين؛ ولیس مجموعة من الكتب وجزمة لكل الجزائر، ووحدھا. الدفاتر من الكتابة ولكن أبي أصبح ملكا
ي أحد ولن يأخذھا.. أصبحت ملكي !من
أحزنني، ولكنه لم . مألني بأحاسیس متناقضة. أذھلني كالمكإنھا . إن امرأة ذكیة ال تثیر الشفقة. إلى حد الشفقة علیك يوصلني
تثیر اإلعجاب حتى بك، بجرحك . في حزنھا دائما وكنت معجباي كنت .ھذا الوطن المكابر، بطريقتك االستفزازية في تحد
كنت . تشبھینني أنا الذي كنت أرسم بید ألستعید يدي األخرىل لو بقیت رجال عاديا بذراعین اثنتین، ألقوم بأشیاء عادية أفض
ال تتأبط غیر الرسوم يومیة، وال أتحول إلى عبقري بذراع واحدة، .واللوحات
وال وال نبیا راف لم يكن حلمي أن أكون عبقريا ومرفوضا فنانا لم . ضا
ولكن كان حلمي أن تكون لي زوجة وأوالد،. أجاھد من أجل ھذاالقدر أراد لي حیاة أخرى، فإذا بي أب ألطفال آخرين وزوج للغربة
أحالمي لقد.. والفرشاة .بتروا أيضا :قل لك
أعماقنا ھو لنا ولن تطوله يد إن ما في.. لن يأخذ أحد منك الكتابة -
.أحد : لت سوى الفراغات المحشوة ولكن لیس في أعماقي شيء -
بنشرات األخبار، وبكتب ساذجة لیس بیني.. بقصاصات الجرائد .وبینھا من قرابة
:ثم أضفت وكأنك تودعینني سرا
تي أكثر من أي شخص آخر أتدري لماذا كنت - وأكثر .. أحب جد
ي؟ إنھا الوحیدة التي كانت تجد الوقت مت عا من حتى من أم، وكأنھا.. لتح ثن ع كل شيء كانت تعود إلى الماضي تلقائیا
وال تطرب .. تأكل الماضي.. كانت تلبس الماضي. ترفض الخروج منه .أغانیه سوى لسماع
كانت تحلم بالماضي في زمن كان اآلخرون يحلمون فیه
ثني عن أبي دون أن أطلب منھا ذلك، ولذا. بالمستقبل ما تحد كثیراوكانت ال تتعب من . العابر فقد كان أجمل ما في ماضیھا األنثوي
ذلك كانت تفعل. الحديث عنه، كأنھا تستعیده بالكلمات وتستحضره.. بحسرة األم التي ترفض أن تنسى أنھا فقدت بكرھا إلى األبد
كان . لي عنه أكثر مما تقوله أم عن ابنھا ولكنھا لم تكن تقول ھو االبن.. األروعھو .. الطاھر ھو األجمل الذي لم يجرحھا يوما البار
.بكلمة
تي كما لم تبك ا"سألتھا . وما يوم االستقالل بكت جد لماذا .. أمأنتظر كنت في الماضي: "قالت" تبكین وقد استقلت الجزائر؟
االستقالل لیعود لي الطاھر، الیوم أدركت أنني لم أعد أنتظر ."شیئا
ة التييوم مات أبي لم تز تي كما في قصص الثورة الخیالی غرد جد
وقفت في وسط الدار وھي تشھق بالبكاء . قرأتھا فیما بعديا .. يا وخیدتي: " بحزن بدائي وتنتفض عارية الرأس مرددة
اني لمن خلیتني.. سوادي ."أطراف نروح علیك.. آه الطاھر أحن
أتفرج وكانت أمي تبكي بصمت وھي تحاول تھدئتھا، وكنت أنا أنني أبكي رجال لم أره سوى علیھما وأبكي دون أن أفھم تماماات .أبي رجال كان.. مر
ا الزھرة( لماذا كان ذكرك لـ في تلك العواطف) أم يثیر دائما
الغامضة، التي كانت جمیلة ودافئة قبل ذلك الیوم، والتي أصبحت البكاء؟ فجأة موجعة حد
تني بقدر ما أحببتھامازلت أذكر مالمح تلك ا لعجوز الطیبة التي أحب
كان لتلك . والتي قضیت طفولتي وصباي متنقال بین بیتھا وبیتنا، اكتشفت بعدھا أنھا طريقة المرأة طريقة واحدة في الحب
ك باألكل،. مشتركة لكل األمھات عندنا فتعد من أجلك إنھا تحبلك بالحل ويات، وبالكسرة طبقك المفضل وتالحقك باألطعمة، وتحم
.الذي انتھت لتوھا من إعداده والرخسیس
للمطبخ، ولذا كن لقد كانت تنتمي لجیل من النساء نذرن حیاتھن ، يھبن فیھا من جملة ما يھبن يعشن األعیاد واألعراس كولیمة حب
وحنانھن وجوع سري لم يجد له من تعبیر آخر خارج.. فائض أنوثتھن .األكل
وأكثر من .. في الوقع يطعمن كل يوم أكثر من مائدة لقد كن
اس" وينمن كل لیلة دون أن ينتبه أحد إلى جوعھن المتوارث .."تر فقط، يوم وجدت نفسي اكتشفت ھذه الحقیقة..من عصور مؤخرا
ما وفاء لھن عن حب امرأة تعیش على األكل_ رب الجاھز، وال عاجزا !ولیمة لھا غیر جسدھا
خدوش طفولتي ك وأنا أھرب من تلك الذكريات ھربي منسألت
:البعیدة كیف عاشت بعد.. وأمك - ثیني عنھا أبدا وفاة سي إنك لم تحد
الطاھر؟ : لت ما كانت في.. لقد كانت قلیلة الحديث عنه - أعماقھا تعتب على رب
..لرجل الذين زوجوھا منه، فقد كانوا يزفونھا لشھید ولیس
نشاطه السیاسي، وتدري أنه سیلتحق كان تعر ف مسبقاة، ولن يزورھا إال بالجبھة بعد ي الزواج، وسیدخل في الحیاة السر
، فلماذا ھذا خلسة بین الحین واآلخر، وقد ال يعود إلیھا إال جثمانا؛ كان في الجو رائحة الزواج إذن؟ ولكن كان ال بد لذلك الزواج أن يتم
المولى، ھا فخورين بمصاھرة الطاھر عبدفقد كان أھل. صف ة ماوال بأس أن تكون أمي زواجه الثاني . صاحب االسم والثروة الكبیرة
وربما كانت جدتي تعرف أنه خلق لیستشھد . القادمة أو أرملتهة فراحت تزور األولیاء والصالحین ذري عة باكیة البنھا أخیرا .. متضر
يوم كان به طالبة آنذاك أن يكون ت حب ىتماما كما كانت تزور سابقاا ..مولودھا صبی
:سألتك ھذه القصص؟ من أين تعرفین كل - :قلت بأ ي لم تصور أنھا يوم كانت حبلى. ومن أمي أيضا .. منھا ھي -
بقسنطینة، حتى إنھا كادت تلده ) سیدي محمد الغراب(تفارق مزار به) محمد الطاھر( سمته ولذا.. ھناك ( ثم سمت عمي . .تباركا
به أيضا ) محمد الشريف بعدھا عرفت أن نصف رجال تلك ..تباركا وأن أھل تلك المدينة يولون.. المدينة أسماؤھم ھكذا كبیرا اھتماما
.لألسماء، وأن معظمھم يحمل أسماء األنبیاء أو األولیاء الصالحینیني بالسیدة المن" السیدة"وھكذا كادت تسم ة التي كانت تباركا وبی
كل مرة محملة بالشمع والسجاد والدعوات، تزورھا في تونسربما سمعت به، ). الفاياش سیدي عمر(متنقلة بین ضريحھا ومزار
من كل شيء تماما وھو ما.. ذلك الولي الذي كان يعیش عارياجعل السلطات التونسیة تقوم بربط قدمه إلى سلسال حديدي
د أن يفعل عاريا حتى ال يغادر البیت وھكذا كان يعیش .. كما تعو، يدور ويصرخ وسط غرفة فارغة، إال من النساء الالتي مقیدا
وأخريات لمجرد اكتشاف .. يتسابقن لزيارته، بعضھن للتبارك بهولفضول النساء الملتحفات بـ .. المعروضة للفرجة رجولته
.!الكاذبة والمتظاھرات بالحشمة) السفساري(
.. حكا◌ س لتك ض .وھل زرته أنت؟ -
: لت لقد زرته بعد ذلك مع كل واحدة منھن على انفراد؛ وزرت .. طبعا -
، المرأة التي كدت أحمل اسمھا، لوال أن "المنوبیة السیدة"أيضافي " حیاة"وقررت أن تسمیني أمي أنقذتني من تلك الكارثة،
.اختیار اسمي ألخیر فيانتظار مجيء أبي، الذي يعود إلیه القرار ا
ف القلب عند ھذا االسم تعثر. وركضت الذاكرة إلى الوراء.. توق وفاجأك سؤالي :اللسان وھو يلفظ ھذا االسم بعد ربع قرن تماما
؟"حیاة"أناديك ھل يسعدك أن - ..قلت مت جبة !ألیس أجمل؟ ..أال يعجبك اسمي الحقیقي.. لماذا - :قلت بت وقتھا كیف خطر.. إنه حقا أجمل - اسم كھذا في حتى إنني تعج
كنت أسمعه ألول مرة ولم يكن في حیاته آنذاك ما . بال والدكیك .. باسم جمیل كھذا يمكن أن يوحي وبرغم ذلك أحب أن أسم
الذي يعرف الیوم ھذا ألنني قد أكون الوحید مع والدتك" حیاة"، لیذك . االسم االستثنائیة، رك بعالقتناأريد أن يكون بیننا ككلمة سر
.طفلتي بطريقة ما.. وبأنك أيضا : لت .. حكت من فترة الثورة، ولذا أنت تشعر برغبة في أتدري - أنك لم تخرج أبدا
حركیا وكأنك ستدخلني . حتى قبل أن تحبني أن تعطیني اسماة مھمة تراك تعد.. بذلك في العمل السري لي؟ أي
تراك بدأت . تك التي فاجأتني بواقعیتھاضحكت بدوري لمالحظ
ھذا الحد؟ تعرفینني إلى :قلت
ة المبتدئة أنه ال بد من أكثر - لنكلف . من اختبار اعلمي أيتھا الثوري بمھمة فدائیة ولذا سأبدأ في مرحلة أولى بدراستك، ومعرفة. أحدا !استعدادتك الخاصة
***
أحسست لحظتھا، أن الوقت قد أ ، ألقص علیك أخیرا صبح مناسبااألخیر في الجبھة، ذلك الیوم الذي لفظ فیه سي قصة يومي
يودعني ويكلفني إذا ما الطاھر اسمك أمامي ألول مرة، وھو .عنه وصلت إلى تونس على قید الحیاة أن أقوم بتسجیلك نیابة
سد وتلك اللیلة التي عبرت فیھا الحدود الجزائرية التونسیة، بج
د لنفسي بھذيان الحمى، اسمك الذي محموم وذراع تنزف، وأنا أردوكأنه اسم لعملیة أخیرة كلفني بھا أصبح وسط إجھادي ونزيفي،
حلمه سي الطاھر، كنت أريد أن أحقق طلبه األخیر، وأطارد رسمیا شرعیا ال عالقة له بالخرافات.. الھارب، فأمنحك اسما
..واألولیاء
لیوم الذي وقفت فیه ألول مرة أدق باب بیتكم في شارعأذكر ذلك اأذكر تلك الزيارة بكل تفاصیلھا وكأن ذاكرتي كانت . التوفیق بتونس ما .سیكتب لي معك، فأفرغت مساحة كافیة لھا تقرأ مسبقا
انتظرت أمام بابكم في ذلك الیوم الخريفي من شھر أيلول،
ا ا(الحديدي األخضر، قبل أن تفتح الباب بعد لحظات بدت) لزھرةأم ..لي طويلة
آخر مازلت أذكر تلك الشھقة في نظرتھا، كأنھا كانت تنتظر شخصا
.غیري
صت معطفي الرمادي الحزين توقفت مدھوشة أمامي، تفحتوقفت عند ذراعي الوحیدة التي تمسك . الشاحب ووجھي النحیل
تبئ ألول مرة الفارغة التي تخ علبة الحلوى، وذراع معطفي األخرى
.بحیاء داخل جیب معطفياغرورقت عیناھا بالدموع، وراحت تبكي وقبل أن أنطق بأية كلمة
ر حتى في دعوتي إلى دخول .البیت دون أن تفك
لھا بالشوق الذي.. بشوق السنوات التي لم أرھا فیھا.. انحنیت أقبلني إياه ابنھا ا(وبشوق .. حم د بعد سنتی) أم ن ونصف التي لم أتعو
..فجیعتھا على ا الزھرة؟ - واشك أم
..بدورھا زاد بكاؤھا وھي تحتضنني وتسألني ؟..واش راك يا ولدي -
بلقائي، أم حزنا على حالتي، وعلى ذراعي التي أكان بكاؤھا فرحاابنھا أكانت تبكي ألنھا توقعت أن ترى.. تراھا مبتورة ألول مرة
قد.. ورأتني دق ھذا الباب، ودخل حامال في يده أم فقط ألن أحداما لم يدخله رجل منذ شھور؟ البھجة، من األخبار، لبیت رب وشیئا
..يا ولدي جوز جوز.. ع السالمة -
وتمسح دموعھا ثم أعادت وھي. قالتھا وھي تشرع باب الدار أخیرابصوت عال كإشارة موجھة ألمك التي .." جوز..جوز"تسبقني
ولم أر غیر ذيل ثوبھا يسبقني، ع ھذه الكلمات،ركضت عند سما .ويختفي خلف باب مغلق على عجل
بدوالي العنب التي تتسلق جدران حديقته .. البیت أحببت ذلك
.سوداء على وسط الدار الصغیرة، وتمتد لتتدلى عناقید ثريات
كامرأة شجرة الیاسمین التي ترتمي وتطل من السور الخارجي، بجدران بیتھا، وراحت تتفرج على ما يحدث في فضولیة ضاقت ذرعاأو جمع ما تبعثر من الیاسمین .. المارة بقطف زھرھا الخارج، لتغري
منه، فتبعث معھا الطمأنینة، ورائحة الطعام التي تنبعث.. أرضا .ودفء غامض يستبقیك ھناك
ا الزھرة(سبقتني :غرفة تطل على وسط الدار مرددة إلى) أم ..اقعد.. يا ولدياقعد -
تأخذ مني علبة الحلوى وتضعھا على الصینیة قالتھا وھي
.خشبیة النحاسیة المستديرة والموضوعة على مائدة
على ذلك المطرح الصوفي حتى ظھرت أنت وما كدت أجلس أرضاالغرفة صغیرة كدمیة، وحبوت مسرعة نحو العلبة البیضاء في طرف
ا (وقبل أن أتدخل أنا كانت . حھاوفت تحاولین سحبھا إلى األرض أم: مكان آخر وھي تقول قد أخت منك العلبة وذھبت بھا إلى) الزھرة
.. وعالش عییت روحك يا خالد يا بني.. يعطیك الصحة يا ولیدي" ."..يكفینا وجھك
یاحة الخشبیة، الموضوعة ثم عادت ونھرتك، وأنت تتجھین نحو الش
ة صغیرة فوق كانون، على والتي كانت ثیابك الصغیرة شكل قبوعندھا حبوت تحوي في خطوتین .. جف البیضاء منثورة فوقھا كي
.بي مترددتین، ويداك الصغیرتان أمامك تستنجدان
لحظتھا شعرت بھول ما حل بي، وأنا أمد نحوك يدي الفريدة في عن التقاطك بیدي الوحیدة . لإلمساك بك محاولة لقد كنت عاجزا
.لمالعبتك دون أن تفلتي مني وضعك في حجريالمرتبكة، و
أن يكون لقائي األول بك ھو امتحاني األول وعقدتي ألیس عجیبااألولى، وأن أنھزم على يدك في أصعب تجربة مررت بھا منذ
!..من عشرة أيام ال أكثر.. الذراع الواحدة أصبحت رجل
ا الزھرة(عادت ینة"وبصحن بصینیة القھوة) أم :"الطم الطاھر؟ واش راه.. قل لي يا خالد يا ابني وراسك -
كان في سؤالھا مذاق .. قالتھا قبل أن تجلس حتى على المطرحة السؤال الذي يخاف الجواب وفي. الدمع فرحت .. حلقھا غص
وأنه اآلن في منطقة أخبرتھا أنني كنت تحت قیادته. أطمئنھا ر ھذه األيام،الحدود وأن صحته جیدة ولكنه ال يستطیع الحضو
.لصعوبة األوضاع ولمسؤولیاته الكثیرة
العدو قرر أن يطرق لم أخبرھا أن المعارك تشتد كل يوم، وأنالمناطق الجبلیة، ويحرق كل الغابات، حتى تتمكن طائراته من
وأنه تم إلقاء القبض على مصطفى بن بولعید، .. تحركاتنا مراقبة
دين، وأن ثالثین منھم قد والمجاھ ومعه مجموعة من كبار القادةمج وعة من صدر في حقھم الحكم باإلعدام، وأنني أتیت للعالج مع
..الجرحى والمشوھین الذين مات اثنان منھم قبل أن يصال
ر لقد قال لھا منظري أكثر مما تتحمله امرأة في سنھا، فرحت أغیاألوراق النقدية التي أرسلھا معي أمددتھا بتلك.. مجرى الحديث
ھدية، ي الطاھر، وطلبت منھا حسب وصیته أن تشتري لك بھاس لتسجیلك، بذلك االسم الذي اختاره لك، ووعدتھا أن أعود قريبا
ا الزھرة بصعوبة، وبشي من الدھشة، ولكن دون والذي رددته أم .بالنسبة لھا صفة القداسة فقد كان لما يقوله سي الطاھر. تعلیق
وجئت فجأة ث يعنیك، فتسلقت ركبتيوكأنك انتبھت فجأة أن الحدي
لتجلسي في حجري بتلقائیة طفولیة، ولم أتمالك لحظتھا احتضانك ، وكأنني أضم الحلم الذي أضعت من .. الوحیدة بیدي ضممتك إلي
أخاف أن يھرب مني وتھرب معه أحالم أجله ذراعي الثانیة؛ كأنني .ذلك الرجل الذي لم يسعد بعد باحتضانك
وسط دموعي وفرحتي وألمي وكل تناقضي، نیابة عن أقبلك رحت
أوالدھم منذ التحقوا بالجبھة، ونیابة سي طاھر وعن رفاق لم يروايحتضنون فیھا عن آخرين، ماتوا وھم يحلمون بلحظة بسیطة كھذه،
.بدل البنادق، أطفالھم الذين ولدوا وكبروا في غفلة منھم
لك نیابة عني نسیت . أبكي أمامك نیابة عني وأن.. يومھا أن أقبنسیت . سأتحول إلیه على يدك بعد ربع قرن نیابة عن الرجل الذي
ل جوار اسمك اسمي مسبقا .. ذاكرتك مسبقا وأن أطلب.. أن أسجاد السنوات .. وأعوامك القادمة مسبقا أن أحجز عمرك، وأوقف عد
وأنت تدخلین شھرك .. كان يركض بي نحو السابعة والعشرين الذي !لسابعا
أستبقیك ھكذا على حجري إلى األبد، تلعبین وتعبثین نسیت أن ال .وال تفھمینه.. أفھمه وبأشیائي، وتقولین لي كالما
د، لم تقاطعیني مرة واحدة، وأنا أقص علیك تلك القصة بإيجاز متعم
.وأترك تفاصیلھا المتشعبة ليفیه ألكتب الذي وقفت 1957 أيلول 15توقفت فقط عند ذلك الیوم
.على سجل رسمي اسمك النھائي
توضیحي، وال علقت يومھا بكلمة واحدة، لم تسألیني أي سؤالة لم يقصھا علیك أحد قبلي ال أحد وجد في تلك ربما ألن. على قص
.القصة ما يستحق التوقف
بذھول، وبصمت مخیف وراحت غیوم مكابرة تحجب .استمعت إلي ن أمامي ألول مرة، أنت التي ضحكت معيكنت تبكی.. نظر ك عني
.في ذلك المكان نفسه كثیرا الحقیقة الموجعة، ترانا أدركنا لحظتھا، أننا كنا نضحك لنتحايل علىله في الوقت نفسه؟ على شيء ما كنا نبحث عنه، ونؤج
كنت أود لحظتھا، لو احتضنتك.. نظرت إلیك خلف ضباب الدمعولكنني . أحضن امرأة، كما لم أحضن حلما بذراعي الوحیدة، كما لم
جبلین .. وبقیت في مكانك، متقابلین ھكذا بقیت في مكاني،وكثیر من الغیوم .. والشوق مكابرين، بینھما جسر سري من الحنین
.التي لم تمطر
اللوحة، وكأنني تذكرت استوقفتني كلمة جسر، وتذكرت تلك،الفصل األھم من قصة، كنت أرويھا لك ور بما أرويھا لنفسي أيضا
.سؤال تبعتني دونقلت لك وأنت تنتظرين مدھوشة ما . وقفت أمام تلك اللوحة
:سأقوله يوم رأيتك تقفین أمام ھذه اللوحة، في ذلك الیوم األول، .. أتدرين -
بین ھذه اللوحة شعرت أن بینك و. جسدي سرت قشعريرة في منھا،. قرابة ما أجھلھا ولذا أتیت ألسلم علیك ولكنني كنت متأكدا
.أو صوابه.. عساني أكتشف خطأ حدسي :متعجبة قلت في حدسك؟ - وھل كنت مصیبا
:قلت المكتوب على ھذه اللوحة؟ ألم تالحظي التاريخ -
..أجبت وأنت تبحثین عنه أسفلھا ..ال - :قلت
أنت تكبرين ھذه اللوحة. قريب من تاريخ میالدك الرسميإنه _ !إنھا توأمك إذا شئت . بأسبوعین فقط
:قلت مدھوشة
!ھذا عجیب كل.. عجیب -
:نظرت إلى اللوحة وكأنك تبحثین فیھا عن نفسك، فقلت قنطرة الحبال؟ ألیست ھذه -
:أجبتك رابة األخرى الق وھذه ھي. إنھا قسنطینة.. إنھا أكثر من قنطرة -
.التي تربطك بھذه اللوحة ..معك يوم دخلت ھذه القاعة، دخلت قسنطینة -لت في طلتك - خ وفي سوار كنت .. في لھجتك.. في مشیتك.. د
.تلبسینه :فكرت قلیال ثم قلت -
أن ألبسه في بعض".. المقیاس"تعني .. آ - - يحدث أحیانا .ولكنه ثقیل يوجع معصمي.. المناسبات
:لتق ا"لقد ل سته . دائما ألن الذاكرة ثقیلة - عدة سنوات متتالیة،ولم " أم !إنھا العادة فقط ..ماتت وھو في معصمھا. تشك ن قله
كنت .كان في صوتي حسرة، ولكن لم أقل لك شیئا . لم أعتب علیكولذا اختصر األثواب العربیة . تنتمین لجیل يثقل علیه حمل أي شيء
واختصر الصیغة . عصرية من قطعة أو قطعتین بالقديمة بأثواواختصر . على عجل والحلي القديمة، بحلي خفیفة تلبس وتخلع
ة، واسم التاريخ والذاكرة كلھا بصفحة أو صفحتین في كتب مدرسی ..اسمین في الشعر العربي أو
إال في لن أعتب علیك، نحن ننتمي ألوطان ال تلبس ذاكرتھاوسرعان ما تخلعھا عندما تطفأ . أخبار وأخرى المناسبات، بین نشرة
رون، كما تخلع امرأة أثواب زينتھا األضواء، .وينسحب المصو
:لم تتعم يه قلت وكأنك تعتذرين عن خطأ ھذا؟ أيسعدك.. إذا شئت سألبس ذلك السوار من أجلك - ما، رغم تلقائیته، وربما . فاجأ ي كالمك شیئا كان الموقف جزينا
بحزنمضح كان .كا
أنت . كنت ھنا أعرض علیك أبوتي، وكنت تعرضین علي أمومتكالتي كان يمكن أن تكون ابنتي، والتي أصبحت دون أن الفتاة !أمي.. تدري
أجیبك لحظتھا بكلمة واحدة، أختصر فیھا كل وكان يمكن أن
أشعر به تجاھك من تناقضات موقفنا ذلك، وأختصر فیھا كل ما آخر. وجامحة ..عواطف متطرفة .ولكنني قلت شیئا
:قلت أن تلبسیه من أجلك أنت - .يسعدني ذلك، ويسعدني أيضا
من الماضي الذي تبحثین عنه، ال بد أن تعي أنك لن تفھمي شیئاقسنطینة بعاداتھا وال من ذاكرة أب لم تعرفیه، إذا لم تفھمي
طاقةإننا ال نكتشف ذاكرتنا ونحن نتفرج على ب. وتلتحمي بھا .أو لوحة زيتیة كھذه.. بريدية
.بھا نحن نكتشفھا عندما نلمسھا، عندما نلبسھا ونعیش
لقد . ھذا السوار مثال، لقد أصبحت عالقتي به فجأة عالقة عاطفیة لألمومة دون أن أدري كان في اكتشفت ھذا يوم . ذاكرتي رمزا
سیس وتظل كل تلك األحا. تلبسیه رأيتك تلبسینه، وكان يمكن أال.. اآلن ھل تفھمین. التي فجرھا داخلي نائمة في دھالیز النسیان
؟ في حاجة إلى أن نوقظھا أحیانا أن الذاكرة أيضا
كنت.. كم كنت أحمق كان نائما دون أن أدري، أوقظ داخلي ماردالك في حمى جنوني من. منذ سنین . فتاة إلى مدينة وكنت أحو
ة، وتتلقین كلماتي كما يتلقى وكنت تستمعین لي بانبھار تلمیذفي جلسة تنويم مغنطیسي، تعالیمه وأوامره من منوم شخص .يفعل به ما يشاء
يومھا قدرتي على ترويضك، وعلى السیطرة على نارك اكتشفت .المحرقة
رت في سري أن .. شامخة، عريقة.. أحولك إلى مدينة شاھقة وقر
.القراصنة عمیقة، لن يطأھا األقزام وال
..حكمت علیك أن تكوني قسنطینة ما .بالجنون وكنت أحكم على نفسي
***
أطول ذلك الیوم وقتا ات النفسیة، وافترقنا مثقلین.. قضینا معا بالھزفة، التي عشناھا خالل أربع ساعات مشحونین باالنفعاالت المتطر
، قلنا الكثیر، وسط دموعنا المكابرة أحیا. الحديث المستمر من نا أخرى ووسط صمتنا المخیف .أحیانا
ربما ألنني رأيتك تبكین ألول مرة كنت أحتقر الناس. كنت سعیدا
وفي الحالتین ھم . أو منافقون.. الذين ال دموع لھم، فھم إما جبابرة .االحترام ال يستحقون
.كنت المرأة التي كنت أريد أن أضحك وأبكي معھا .الیوم اكتشفته ذلك وكان ھذا أروع ما
. الساخرة تذكرت لقاءنا األول، الذي بدأناه دون تخطیط بالتعلیقات يقوم أقصر طريق ألن تربح امرأة ھو أن: "يومھا تذكرت مثال فرنسیا
..، وقلت ھا أنذا ربحتھا دون جھد"تضحكھا
يشجع على الربح السريع، الیوم اكتشفت حماقة ذلك المثل الذي
التي التي ال يھم أن تبكي بعدھا المرأة وعلى المغامرات العابرة .قد ضحكت في البداية
..لم أربحك بعد نوبة ضحكتك التي كانت ربحتك يوم بكیت أمامي وأنت تستمعین إلى قص
تلك اللوحة بتأثر ثم في تلك اللحظة التي تأملت فیھا. قصتي أيضا ي، أو . واضح ما على وشك أن تضعي قبلة على خد وكنت رب
ك لم تفعلي.. لحظة حنان مفاجئ حضنیني فيت .ولكن
وكأننا نخاف أن تتحول تلك وافترقنا مثل العادة، ونحن نتصافح، .النائمة القبلة العابرة على الخد، إلى فتیلة تشعل البراكین
ا نفھم بعضنا بصمت متواطئ كان . كان حضورك يوقظ رجولتي. كن
وعیناك كانت تجردانني . يستفزني ويستدرجني إلى الجنون عطرك . زنا من سالحي حتى عندما تمطران
من أين جئت به؟ أي لغة كانت .. آه صوتك كم كنت أحبه.. وصوتك
..أي موسیقى كانت موسیقاك لغتك؟
يمكن أن كنت دھشتي الدائمة، وھزيمتي المؤكدة، فھل كان ا تكوني ابنتي، أنت التي لم يكن يمكن في المنطق أن تكوني شی
.با نسبة لي آخر غیر ذاك
ورحت أقاومك بحواجز وھمیة أضعھا بیننا كل مرة، كما توضع حواجز خلقت للتحدي وربح الرھان . في ساحة سباق، ولكنك كنت فرسا
.مرة واحدة، بنظرة واحدة كنت تقفزين علیھا جمیعا
ھنا ھناك، ..كانت نظراتك تتسكع فوقي، تتوقف أحیانا وأحیانا .تھي عند عیني أو زر قمیصي المفتوح كالعادةلتن
:تتأملینني أكثر قلت مرة وأنت وشعره.. من سم ته.. شيء م ق مته. فیك شيء من زوربا -
ق .ربما كنت فقط أكثر وسامة منه. الفوضوي المنس
:أجبتك
تضیفي كذلك، أنني في سنه، وفي جنونه وتطرفه، وأن يمكن أن -
م حزنه ومن انتصاراته التي من.. ن وحدتهفي أعماقي شیئا إلى ھزائم .تتحول دائما
:قلت مت جبة أتحبه؟... أتعرف عنه كل ھا -
:أجبت ..ربما - :قلت أتدري أنه الرجل الذي أثر أكثر في حیاتي؟ -
رت إما أنك. أدھشني اعترافك من الرجال فك أو .. لم تعرفي كثیرا من الكت :واصلت بحماسة وقبل أن أقول شیئا . بلم تقرئي كثیرا
عالقته العجیبة بتلك.. يعجبني جنونه وتصرفاته غیر المتوقعة -
في الحرب والعبادة، وتعجبني .. فلسفته في الحب والزواج.. المرأةھا أكثر طريقته في أن أتذكر قصة الكرز، . يصل بأحاسیسه إلى ضد
وقرر أن ى من ولعه به بأن يأكل منه يشف يوم كان يحب الكرز كثیراأه.. كثیرا حتى يتقی كانت . كفاكھة عادية بعد ذلك أصبح يعامله. كیرا
.تستعبده تلك طريقته في أن يشفى من األشیاء التي يشعر أنھا :قلت ..ال أذكر ھذه القصة - :قلت رقصته تلك وسط ما يسمیه بالخراب الجمیل؟ إنه وھل تذكر -
إنه . وفجائعه حد الرقص اإلنسان بخیبتهشيء مدھش أن يصل ، فلیست كل الھزائم في متناول ز في الھزائم أيضا فال . الجمیع تمی
بد أن تكون لك أحالم فوق العادة، وأفراح وطموحات فوق العادة،
ھا بھذه الطريقة لتصل ..بعواطفك تلك إلى ضد
لخراب ا"أن أجد في ذلك وبدل. كنت أستمع إلیك بانبھار وبمتعة الذي كنت تصفینه لي بحماسة، ما يمكن أن يثیر مخاوفي" الجمیل
من نزعة سادية، أو مازوشیة ما قد تسكنك، رحت أنقاد لجمال :من التفكیر فكرتك فقط، وأقول دون كثیر
لم أكن أدري أنك تحبین_ ثم أضفت_ . جمیل ما تقولین.. صحیح -
!زوربا إلى ھذا الحد :قلت ض حكة يوم قرأتھا . القصة كثیرا لقد أربكتني ھذه.. ف لك بشيءسأعتر -
كنت أريد أن أحب رجال . شعرت بشيء من الغبطة والحزن معا ، ولھذا ستطاردني .. كھذا أو أكتب رواية كھذه، ولم يكن ذلك ممكنا
.منھا بطريقة أو بأخرى ھذه القصة حتى أشفى
:قلت ساخرا من - الشبه بیني وبینه، فقد تحققین يسعدني إذن أن تجدي شیئا
..األمنیتین معا
بة وقلت تأملتني بشيء من الشیطة :المحب .معك أريد أن أحقق إحدى األمنیتین فقط -
ھما وأضفت قبل أن :أسألك أي .لن أكتب عنك شیئا - ؟..لماذا.. آ - نحن نكتب الروايات لنقتل .. أريد قتلك، أنا سعیدة بك أل ي ال -
علینا خاص الذين أصبح وجودھماألش نحن نكتب لننتھي .. عبئا ..منھم
لألدب وقلت لك ونحن " اإلجرامیة" يومھا ناقشتك طويال في نظرتك
:نفترق أن أطلع على - جريمتك "أو .. روايتكم األولى أيمكنني أخیرا
!؟"األولى
:ضحكت وأجبت ق جنائي أو طر شرط.. طبعا - ف في تلك أال تتحول إلى محق
!القصة أنني لن أكون تراك كنت تتنبئین بما - ينتظرني، وتدرين مسبقا
بعد اآلن محايدا .معك قارا
ين نحوي . التالي أحضرت لي تلك الرواية في الیوم قلت وأنت تمد :الكتاب
من المتعة في قراءتھا أتمنى أن تجد - ..شیئا
:قلت مازحا !اياك متعتيضح وأتمنى أال يفسد عدد -
:أجبت باللھجة نفسھا !الجماعیة فأنا أكره المقابر.. اطمئن.. ال -
..كیف نسیت ھذه الجملة األخیرةتك الجديدة ھذه، التي تروج لھا عندما أتذكرھا اآلن، أقتنع أن قص
ما كان المجالت والجرائد، لن تكون سوى ضريح فردي لبطل واحد ربا بمیتةفم.. وربما كان أنا.. زياد !كھذه؟ ن ترى المحظوظ من
على ھذا السؤال، وعلى أسئلة أخرى وحده كتابك قد يحمل جوابا .تطاردني
لماذا يثیر كل ما تكتبیه لدي أكثر من سؤال؟ ولماذا أشعر.. ولكن
أنني طرف في كل قصصك الواقعیة والوھمیة، حتى تلك التي كتبتھا قبلي؟
علیك، أو ألنك يوم أھديتني ألنني أتوھم أن لي حقا ترى تاريخیا
تضعي علیه أي إھداء، وقلت ذلك التعلیق كتابك األول ذاك، لم :المدھش الذي لم أنسه
ا الذين نحبھم فمكانھم لیس في .. للغ باء فقط إننا نخط إھداء " وأم ."..صفحات الكتاب الصفحة البیضاء األولى، وإنما في
رحت أركض. ألتھمه في سھرتین يومھا أسرعت إلى ذلك الكتاب
من صفحة إلى أخرى، وكأنني أبحث عن شيء ما غیر الذي الھثا مثال حتى قبل أن عن شيء قد تكونین. أقرأه كتبته لي مسبقا
.تكن ق تنا عن شيء ما قد يكون يربطنا من خالل قصة لم. نلتقي
، ولكن ألیس في الحیاة مصادفات مد ھشةأدري أن ذلك كان جنونا، وبقیت 1957كتلك اللوحة التي رسمتھا ذات أيلول من سنة
بل إنھا كانت أنت؟.. كا ت لك تنتظرك ربع قرن دون أن أنھا
ذاك، سوى لم تخ ئ ل في كت بك.. وكان ذلك محض أوھامة غیرة جنونیة من . مرارة وألم وغیرة حمقاء، ذقت نارھا ألول مر
بحیاتك رجل من ورق، ، .. قا قد يكون مر خیالیا وقد يكون مخلوقا .الصفحات فقط أثثت به فراغ أيامك وبیاض
ولكن أين ھو الحد الفاصل بین الوھم والواقع؟ لم تجیبیني مرة
.. رحت تعمقین حیرتي بأجوبة أكثر غموضا .. واحدة عن ذلك السؤال :قلت ا الكتابة ھو ما نكتبه ال غیر، فوحدھ.. المھم في كل ما نكتبه إن -
ا الذين كتبنا عنھم فھم حادثة وھي التي.. ھي األدب ستبقى، وأمثم واصلنا .. أو آلخر أناس توقفنا أمامھم ذات يوم لسبب .. سیر
.الطريق معھم أو بدونھم :قلت طة إلى ھذا ولكن ال يمكن أن - تكون عالقة الكاتب بملھمه مبس
..نه م ين له ب يءإ ..إن الكاتب ال شيء دون من يلھمه. الحد
..قاطعتني ھو أجمل " إلزا"عن عیون " أراغون" إن ما كتبه.. ؟..مدين له بماذا -
قب ني عن وما كتبه نزار.. التي ستشیخ وتذبل" إلزا"من عیون
علیه أن " بلقیس"ضفائر أجمل بالتأكید من شعر غزير كان محكومابتسامة واحدة وما رسمه لیونارد ديفانشي في ا.. ويتساقط يبیض
ابتسامة ساذجة للمونولیزا، وإنما للجوكاندا، أخذ قیمته لیس فيمتناقضة، في قدرة ذلك الفنان المذھلة على نقل أحاسیس
فمن ھو .. وابتسامة غامضة تجمع بین الحزن والفرح في آن واحد بالمجد إذن؟ المدين لآلخر
للھرب من كان حديثنا يأخذ منحى آخر ربما أردته أنت في محاولة
:فأعدت علیك السؤال بصیغة أكثر مباشرة. الحقیقة أم ال؟ ..ھل مر ھذا الرجل بحیاتك - :وقلت.. ضحكت وفي . جريمة 60 أكثر من" أغاتا كريستي"إن في روايات .. عجیب -
ولم يرفع أي . من القتلى روايات كاتبات أخريات أكثر من ھذا العددكل تلك الجرائم، أو يطالب قارئ صوته لیحاكمھن على مرة
أن تكتب. بسجنھن قصة حب واحدة، لتتجه كل أصابع ويكفي كاتبةدلیل على أنھا االتھام نحوھا، ولیجد أكثر من محقق جنائي أكثر من
ھذه القضیة. قصتھا أعتقد أنه ال بد للنقاد من أن يحسموا يوما، فإما أن يعترفوا أن للمرأة خیاال يفوق خی ال الرجال، وإما أن نھائیا
!جمیعا يحاكمونا
:قلت. ضحكت لحجتك التي أدھشتني ولم تقنعني يحسم النقاد ھذه القضیة، دعیني أكرر علیك سؤاال في انتظار أن -
؟ ھل مر ھذا الرجل.. لم تجیبیني عنه بحیاتك حقا
:قلت وأنت تعبثین بأعصابي ..الكتاب المھم أنه مات بعد ھذا - نك قادرة على أن تقتلي الماضي ھكذا بجرة قلم؟أل.. آ - :وأنت تواصلین مراوغتك قلت ؟ - لنصنع أضرحة.. أي ماض ..ألحالمنا ال غیر نحن قد نكتب أيضا
كان في أعماقي شعور ما بأن تلك القصة كانت قصتك، وأن ذلك
.وربما بجسدك أيضا .. الرجل قد مر بحیاتك
أكاد أكتشف أشیاءه . تبغه ر رائحةكنت أكاد أشم بین السطو ..من سم ته.. في كل فقرة شيء منه. مبعثرة بین صفحات كتابك
ومن اشتھائك الفاضح .. من أنفاسه.. من ضح ته.. من مذاق قبلته ..له
أم أنت التي أبدعت في وصفه؟ أم تراه .. ي حب ك حق تراه أبدع، محض اختراع نسائي، كسته لغتك صنعت لھا بعد رجولة وأحالما
جمیال أطالع ذلك وأنا، بأي منطق رحت. على م اسه.. ذلك ضريحاب . الكتاب، في زي عاشق متنكر ببدلة شرطي أخالق وإذا بي أنق
وأبحث بین الفواصل، عساني أكتشفك متلبسة بقبلة بین الكلمات .اسمه ھناك ھنا، أو أكتشف األحرف األولى من.. ما
تذكرت أنك في باريس من أربع سنوات، وأنك. .ذھب تفكیري بعیدا ن في باريس، أي منذ سنتین فقط ی فماذا . تقطنین عند عمك منذ ع
كل الفترة التي كنت فیھا بمفردك؟ تراك فعلت قبل ذلك في
ومتعبا اعترفت لك في ما .. مثلك أرھقني كتابك ذاك، كان ممتعارت منذ قرأتك وأ أكون نني أشك في أنبعد، أن عالقتي بك قد تغی
على الصمود بعد الیوم لسالح الكلمات.. قادرا .فأنا لم أكن مھیأ :فقط وكأن األمر ال يعنیك تماما لت !كان علیك أال تقرأني إذن -
:بحماقة أجبتك ..لفھمك ثم أنا ال أملك طريقة أخرى. ولكنني أحب أن أقرأك -
:أجبت ھكذاأنت لن تفھم شیئ.. مخطئ - على الكاتب إنسان يعیش.. ا
خین . حافة الحقیقة، ولكنه ال يحترفھا بالضرورة ذلك اختصاص المؤر من الكذب .. في الحقیقة يحترف الحلم إنه.. ال غیر أي يحترف نوعا
ب يكذب بصدق مدھش، أو ھو والروائي الناجح ھو رجل. المھذة .كاذب يقول أشیاء حقیقی
أعذب الكذب كان كذبك، وأكثره .. التفكیر ثم أضفت بعد شيء من
كذلك ب بعد ذلك. ألما أنت لن . في ذاكرتك قررت يومھا أال أنقوربما ألنه . ربما ألنك أنثى تحترف المراوغة. تبوح ل بشيء
االعتراف لیس .ھناك من شي يستحق
الطفلة التي كنت تريدين فقط أن توھمیني أنك لم تعودي تلك. كنت فارغة، وكان كذبك في مساحة فراغك.. واقعفي ال. عرفتھا
تعلقك بي، ولماذا كنت تطاردين ذاكرتي باألسئلة، وإال ما سر لماذا كل تلك الشراھة وتسدرجینھا للحديث عن كل شيء؟
وما للمعرفة، كل تلك الرغبة في مقاسمتي ذاكرتي وكل ما أحببت أكانت الذاكرة عقدتك؟.. كرھت من أشیاء
***
من أسبوعین ال بد لمعرضي أن ينتھي، لننتبه أننا نعرف بعضنافكیف فرغنا من ذاكرتنا . فقط، ولیس منذ أشھر كما كان يبدو لنا
، أن في ب عة أيام؟ كیف تعلمنا في بضع ساعات قضیناھا معا واحد؟ نحزن ونفرح ونحلم بتوقیت
ھذا وكیف يمكن لنا أن نغادر.. كیف أصبحنا نسخة من بعضنا
من ذاكرتنا؟ كیف المكان، الذي ؟ وھو الذي وضعنا لعدة ..أصبح جزءاوالمكان، في قاعة شاسعة، يسكنھا أيام، خارج حدود الزمان
والجنون؟ الصمت ويؤثثھا الفن، وربع قرن من المعاناة
ا لوجة وسط عدة لوحات أخرى .كندة األلوان، رسمتھا الم كنا لوحة متقلبة األطوار، متعد صادفة يوما
بوضعي الجديد ذاك وأنا وكنت أتلذذ. ثم واصلت رسمھا يد األقدار .أكثر أتحول من صاحب ذلك المعرض، إلى لوحة من لوحاته ال
لم يحدث، مثل تلك المرة، أن شعرت بحزن وأنا أرفع تلك اللوحات
على الجدران، لوحة بعد أخرى، وأجمعھا في الصناديق المعلقةام آخر،ألترك القاعة بحزنه وبفرحه .. سیأتي بلوحاته فارغة لرس
تي .وبقصص أخرى ال تشبه قص
.أيامي معك كنت أشعر أنني أجمعفجأة، توقفت يدي وھي على وشك أن ترفع تلك اللوحة التي
.لآلخر تركتھا
لم يكن على مساحتھا . تأملتھا مرة أخرى، شعرت أنھا ناقصةمعلق نحو األعلى بحبال يعبرھا من طرف إلى آخر، سوى جسر
ذكرت ولعه بقسنطینة، وتعلقه بذكراھا، ھو الذي لم يعد إلیھا أبدا
الجالیة الیھودية مع أھله، ومع فوج من 1959منذ غادرھا سنة في بلد آخر .التي كانت تريد أن تبني لھا مستقبال آمنا
ة في بیته، دون أن يصر على أن يسمعني يحدث أن زرته مر لك للمطربة جديدا وھي تغني " سیمون تمار"الیھودية شريطا
حات القسنطینیة بأداء وبصوت مدھش، مرتدية المالوف والموشذلك الثوب القسنطیني الفاخر، الذي أھدوھا إياه في أول عودة لھا
.يزين غالف شريطھا والذي.. ھناك
خبرني روجیه أن سیمن ماتت مقتولة على يدمنذ بضعة أشھر أ .زوجھا في إحدى نوبات غیرته، فقد كان يتھمھا بحب رجل عربي
.. ثم أضاف بمرارة ما.." ال أدري.. "أجابني.. قا سألته إن كان ذلك ."قسنطینة أدري أنھا كانت تحب"
كان يحبھا وكان حلمه السري أن يعود إلیھا ولو مرة.. وروجیه أيضاواحدة، أو يأتیه أحد على األقل بثمرة واحدة من شجرة التین التي
..غرفته والتي كانت في حديقة بیته منذ أجیال كانت تطال نافذة
وأنا أستمع إلیه، وكنت أشعر بمزيج من السعادة واإلحراج معاربع قرن يقص علي بلھجته القسنطینیة المحببة التي لم يطمس
!لقاتلة.. ھا، شوقه إلى تلك المدينةمن البعد أي نبرة فی
إحراجي كل ما قام به روجیه لمساعدتي منذ سنوات، وكان يزيدفقد كان له من الصداقات .عندما وصلت إلى باريس ألستقر فیھا ل علي من كثیرا _ دون أن أطلب منه_والوساطات، ما يمكن أن يسھ
.المعامالت والمشكالت التي تواجه رجال في وضعي
تعد ولو مرة واحدة لزيارة قسنطینة؟ أنا ال لماذا لم"ذات مرة سألته في ذلك الحي أفھم خوفك، إن الناس مازالوا يعرفون أھلك
ما يخیفني لیس أال "أذكر وقتھا أنه قال لي .." ويذكرونھا بالخیر.. وتلك األزقة.. الناس ھناك، بل أال أعرف أنا تلك المدينة يعرفني
."..بیتي منذ عشرات السنین ذي لم يعدوذلك البیت ال
وأنھا .. ھناك دعني أتوھم أن تلك الشجرة مازالت: "ثم أضاف كل سنة، وأن ذلك الشباك مازال يطل على ناس كنت تعطي تینا
.. وذلك الزقاق الضیق مازال يؤدي إلى أماكن كنت أعرفھا ..أحبھمرة بواقع اإلطالق ھو مواجھة الذاك إن أصعب شيء على.. أتدري
"..مناقض لھا
مكابرة، فأضاف بشيء من المزاح كان في عینیه يومھا لمعة دموع
أن لو حدث وغیرت رأيي، سأعود إلى تلك المدينة معك، أخاف" ."..أواجه ذاكرتي وحدي
لم يطرح معي ھو الذي_ الیوم، وبعد عدة سنوات، أذكر كالمه فجأة
_ذلك الموضوع بعد ذلك أبدا في التحايل علىتراه نجح ح ذاكرته؟ قا
وماذا لو كان على حق؟ يجب أن نحتفظ بذكرياتنا في قالبھا األول األولى وال نبحث لھا عن مواجھة اصطدامیة مع الواقع وصورتھا
المھم في ھذه .. كواجھة زجاجیة يتحطم بعدھا كل شيء داخلنا .الحاالت إنقاذ الذاكرة
كاترين أنقذني بطريقة وشعرت أن ھاتف أقنعني ذلك المنطق،
.ارتكابھا غیر مباشرة من حماقة كنت على وشك
لن يكون لتلك اللوحة أية قیمة تأريخیة بعد الیوم، إذا أضفت إلیھا ھناك ھنا، أو طمست فیھا شیئا ستصبح لوحة لقیطة .. شیئا
رة عندئذ أن نكون أجمل؟ وھل يھم.. لذاكرة مزو
ذلك ال بد فكرت أنه رغم. نت بیدينظرت إلى خشبة األلوان التي كا بھذه األلوان وبھذه الفرشاة العصبیة التي كانت .. أن أفعل شیئا
.مثلي لحظة الخلق الحاسمة تترقب
ة لم تخطر .ببالي وفجأة وجدت الحل في فكرة بسیطة ومنطقی
رفعت تلك اللوحة عن خشبات الرسم، ووضعت أمامھا لوحة بیضاء دون تفكیر، قنطرة أخرى، بسماء أخرى، بواد ورحت أرسم جديدة،
.آخر وبیوت وعابرين
ھذه المرة، أتوقف عند كل التفاصیل وأكاد أبدأ بھا، وكأن أمر رحتالنھاية، بقدر ما تعنیني الحجارة الجسر لم يعد يعنیني فيتبعثرت أسفله، وتلك النباتات التي. والصخور التي يقف علیھا
وتلك الممرات السرية . األعماق) عفونةأو (مستفیدة من رطوبة منذ أيام . حفرتھا خطى اإلنسان وسط المسالك الصخرية التي
من الجسر العجوز الذي ال وحتى الیوم، في غفلة) ماسینیسا( 700يمكن له في شموخه الشاھق، أن يرى ما يحدث على علو
!من أقدامه متر
ول لإلنسان الذيألیس التحايل على الجسور ھو الھدف األزلي األ والقمم؟.. يولد بین المنحدرات
وأدھشني أدھشتني ھذه الفكرة التي ولدت في ذھني مصادفة؛أكثر، كون ھذه التفاصیل التي تشغلني الیوم بإلحاح، لم تكن تلفت
.ربع قرن، يوم رسمت ھذا الجسر نفسه ألول مرة انتباھي منذ
ب ترى ألنني كنت في بدايتي الخطوط العريضة األولى، محكومايتجاوز رغبتي في لألشیاء كأي مبتدئ، وأن طموحي آنذاك، لم يكن
ورفع أثقال التحدي بید _ أو إدھاش نفسي_ إدھاش ذلك الدكتور واحدة؟
ألحد.. وإنني الیوم بعد ذلك العمر أريد. لم يعد يعنیني أن أثبت شیئا
وقت فقط أن أعیش أحالمي السرية، وأن أنفق ما بقي لي من لیس في .. علیھا في الماضي ترفا كان الجواب.. في طرح أسئلةالمجاھد ذلك المناضل أو.. وال في متناول. متناول الشباب
ه نت ..المعطوب الذي ك
ربما ألن الوقت آنذاك لم يكن للتفاصیل، بل جماعیا كانت وقتا .نعیشه بالجملة، وننفقه بالجملة
للقضايا . والتضحیات الكبرى.. والشعارات الكبرى ..الكبرى كان وقتا
الھوامش أو الوقوف عند ولم يكن ألحد الرغبة في مناقشة .التفاصیل الصغیرة
!الثورات أم حماقة.. تراھا حماقة الشباب
من اللیل كبیرا .أخذت مني تلك اللوحة، كل أمسیة األحد، وقسما
وأنا أرسم، وكأنني كنت أسمع ص وت الدكتور ولكنني كنت سعیداارسم أحب شيء "لي بعد ذلك العمر يعود لیقول" كابوتسكي"
."إلى نفسك .باالرتباك نفسه وھا أنا أطیعه وأرسم اللوحة نفسیھا،
في الرسم مرينا كان. ولكن ما رسمته ھذه المرة، لم يكن تمرينا
.في الحب
أرسم. أنت بكل تناقضك. كنت أشعر أنني أرسمك أنت ال غیرنسخة أخرى من لوحة . أكثر تعاريج.. سخة أخرى عنك أكثر نضجا ن
.كبرت معك بل وربما بشھوة . أرسم تلك اللوحة بشھیة مدھشة للرسم كنت
..ورغبة سرية ما !شھوتك تتسلل يومھا إلى فرشاتي، دون أن أدري؟ فھل بدأت
***
. ماما في الیوم التالي، جاءني صوتك في الساعة التاسعة
.جاء شالل فرح، وشجرة ياسمین تساقطت أزھارھا على وسادتيأكتشف صوتك على الھاتف، وأنا في فراشي بعد لیلة مرھقة كنت
لني قبلة صباحیة شعرت أنه يشرع. من العمل .نوافذ غرفتي، ويقب ؟.ھل أيقظتك - !أنت منعتني البارحة من النوم ال أكثر.. توقظیني ال أنت لم -
:المزاح والجد جزائرية بینقلت بلھجة ..إن شاء هللا خیر.. عالش - :قلت ..حتى ساعة متأخرة من اللیل ألنني رسمت - وما ذنبي أنا؟ - !يا ملھمتي.. الملھم ال ذنب لك سوى ذنب -
صحت فجأة بالفرنسیة كعادتك عندما تفقدين السیطرة على :أعصابك
- ah.. non!
:ثم أضفت !لھا من كارثة معك يا.. لم ترس ني أتمنى أنك - وأين ھي الكارثة إن كنت قد رسمتك؟ -
:عصبي واصلت بصوت أأنت مجنون؟ تريد أن تحولني إلى لوحة تدور بھا القاعات من -
!أخرى، يتفرج علیھا كل من يعرفني؟ مدينة إلى
من فرط سعادتي، كنت أشعر برغبة صباحیة في مشاكستك، ربما مثلوربما ألنن ، وال أعرف كیف أكون سعیدا .اآلخرين ي مجنون حقا
:قل لك ة - توقفنا أمامھم إن الناس الذين بلھموننا ھم أناس.. أما قلت مر
فإن أكون . ذات يوم لسبب أو آلخر، وأنھم لیسوا سوى حادثة سیر في طريقي ال غیر رسمتك ال ، سوى أنني صادفتك يوما !يعني شیا
إننا ال .. واقفة مثال أمام ضوء أحمر بعدما صادفتني مرة على رصیف، !معروف ھذا.. أو ما نحبه.. نرسم سوى ما يثیرنا
تراك كنت تستدرجینني إلى ذلك االعتراف، وتدورين حوله، أم كنت
قي زعمي بأنني ال أدر من لكنني وجدت في . ي ذلكالحماقة لتصدذلك الخیط الھاتفي الذي كان يفصلني تلك الفرصة الصباحیة، وفيبني منك في آن واحد .لمصارحتك مناسبة.. ويقر
:قلت ك - !.لنفترض إذن أنني أحب
ولكنك . الكلمات علیك، وأتوقع عدة أجوبة لكالمي كنت أنتظر وقع :قلت بعد حظة صمت
!لم أسمعأنني .. إذن ولنفترض -
..أدھشتني إذا كنت تجیدين ذلك أقل أو أكثر مما " التصريح" لم أفھم تماما
وأنت توقعت، أم أنك كعادتك تتالعبین بالكلمات بمتعة مدھشة،إلى .. تدرين أنك تلعبین بأعصابي ال غیر، وتقذفینني من سؤال
تناقشنا طويال في عنوان مكان آمن يمكن أن نشرب فیه قھوة، أو .فیه وجبة الغداء معا نتناول
.ولكن باريس ضاقت بنا
وكنت ال أرتاد غیر . األماكن التي يرتادھا الطلبة كنت ال تعرفین غیر
نلتقي في أحد المقاھي قررنا أن. المقاھي القريبة من حیي .ورة لبیتي والتي تقدم وجبات غداءالمجا
.إحدى حماقاتي الكبرى وكنت أقترف
لذاكرتي مجاورا لعنوان لم أكن أعرف وقتھا أنني أختار عنوانا تماما
.بیتي، وأنني بذلك سأمنح الذكريات حق مطاردتي
. اآلن، كیف أصبح ذلك المقھى العنوان الدائم لجنوننا لم أعد أذكر يشبھنا،وكیف أصبح تدريج د أن يختار لنا زاوية جديدة یا بعدما تعو
شھرين من السعادة كل مرة، تتالءم مع مزاجنا المتقلب، خالل ..المسروقة
وحسب ساعات كنا نلتقي ھناك في أوقات مختلفة من النھار،
.دراستك وبرنامج أعمالي
كل صباح في الساعة التاسعة، وأنت تعودت أن تطلبیني ھاتفیافق كل صباح على برنامج لك الیوم. طريقك إلى الجامعةفي ونت
.الذي لم بعد لنا فیه في النھاية من برنامج سوانا
بعد آخر ك، أصطدم بالحجارة كنت أتدحرج يوما نحو ھاوية حب. أحبك ولكنني كنت. والصخور، وكل ما في طرقي من مستحیالتآثار الخدوش على وال أنتبه إلى آثار الجراح على قدمي، وال إلى
وكنت أواصل . قبلك إناء بلور ال يقبل الخدش ضمیري الذي كان .العشق الجنوني نزولي معك بسرعة مذھلة نحو أبعد نقطة في
ك على األقل حتى تلك الفترة . وكنت أشعر أنني غیر مذنب في حب فیھا بحبك، بعدما أقنعت نفسي أنني ال أسيء التي كنت مكتفیا
.الحب إلى أحد بھذا
كانت تكفیني تلك . وقتھا لم أكن أجرؤ على أن أحلم بأكثر من ھذاالجارفة التي تعبرني ألول مرة، بسعادتھا المتطرفة العاطفة
..أخرى وحزناه المتطرف أحیانا , أحیانا
.كان يكفیني الحب متى بدأ جنوني بك؟
ترى أفي ذلك الیوم .. التاريخ وأتساءل يحدث أن أبحث عن ذلك
الذي انفردت بك فیه الذي رأيتك فیه ألول مرة؟ أم في ذلك الیوم .مرة؟ ألول مرة؟ أم في ذلك الیوم الذي قرأتك فیه ألول
.. أم ترى يوم وقفت فیه بعد عمر من الغربة، ألرسم فیه قسنطینة
!مرة كأول
.ترى يوم ضحكت أم يوم بكیتثت .صمت أم عندما.. أعندما تحدمت أنك أمي؟.. ت ابنتيأعندما أصبح !أم لحظة توھ
.التي أوقعتني؟ أي امرأة فیك ھي
فقد كنت شبیھة بتلك الدمیة . كنت معك في دھشة دائمةوھذه تخفي . الخشبیة التي تخفي داخلھا دمیة أخرى الروسیة
!واحدة دمیة أصغر، وھكذا تكون سبع دمى داخل
ا بك تأخذين في بضعة وإذ. كنت كل مرة أفاجأ بامرأة أخرى داخلكوإذا بي محاط بأكثر من امرأة، يتناوبن علي . مالمح كل النساء أيام
ھن جمیعا في حضورك وفي غیابك، .فأقع في حب
ك بطريقة واحدة؟ أكان يمكن لي إذن أن أحب .كنت م ينة.. امرأة لم تك ني
مالمحھن؛ مختلفات في أعمارھن وفي. مدينة بنساء متناقضات؛ نساء من قبل ف ث ؛ في خجلھن وفي جرأتھن یابھن وفي عطرھن
.إلى أيامك أنت جیل أمي
.نساء كلھن أنت
ابتلعتني كما تبتلع المدن بعدما. عرفت ذلك بعد فوات األوان .المغلقة أوالدھا
..مدينة تسكنني منذ األزل كنت أشھد تحولك التدريجي إلى
يوم مالمح ت ت خذين وما ب دكنت أشھد تغیرك المفاجئ، وأن
ا" من القطیفة، في لون ثیاب ، تمشین وتعودين على جسورھا، "أم .رةالذاك فأكاد أسمع وقع خلخالك الذھبي يرن في كھوف
.لألعیاد أكاد ألمح آثار الحناء على كعب قدمیك المھیأتین
على" تساء"كنت ألفظ التا . وكنت أنا أستعید لھجتي القديمة معك
.الطريقة القسنطینیة
النساء في كما لم يعد الرجال ينادون" ياال"كنت أناديك مدلال .قسنطینة
قسنطینة دون ي ورثتهبذلك النداء الذ" يا أمیمة"كنت أناديك بحنین
.غیرھا، عن أھل قريش من عصور
سالحي األخیر، أعترف لك وكنت، كنت عندما يجردني عشقك من على طريقة عشاقنا نك يعن بو.. نشتیك"مھزوما ي ."!زوالتي اختصروھا منذ زمان " أشتھیك"تلك الكلمة التي كان أصلھا
.ال غیر معناھا األصلي، وتتحول إلى كلمة ود لتخفي
تعترف بالشھوة وال تجیز الشوق؛ إنما فقسنطینة مدينة منافقة، ال
على صیتھا، كما تفعل المدن تأخذ خلسة كل شيء، حرصا .العريقة
اق ..الزانین أيضا .. ولذا فھي تبارك مع أولیائھا الصالحین !والسر
عي البركات، يد ، وال شیخا ا ، وال كنت ولی اركني لتب ولم أكن سارقا .قسنطینة
ام؛ بتطرف وحماقة ، أحبك بجنون رس رسام، كنت فقط، رجال عاشقا
خلقك ھكذا كما يخلق الجاھلیون آلھتھم بیدھم، ثم يجلسون .القرابین لھا لعبادتھا، وتقديم
ي ینه في حب !وربما كان ھذا، أكثر ما كنت تحب
:قل لي ذات يوم
ام ني رس مدھشة قرأت عن. كنت أحلم أن يحب . الرسامین قصصا
بین كل المبدعین إنھم مفاجئ .. إن جنونھم متطرف. األكثر جنوناقال عن الشعراء مثال أو عن ال ي به في ش ء. ومخیف ما ي
.. دالي... غوغان ..دوالكروا.. لقد قرأت حیاة فان غوغ. الموسیقیین ال أتعب أنا. بیكاسو وآخرين كثیرين لم يبلغوا ھذه الشھرة.. سیزان
امین .من قراءة سیرة الرس
فھم في الواقع شھرتھم ال تعنیني بقدر ما يعنیني . تقلبھم وتطر عندما يعلنون. تھمني تلك اللحظة الفاصلة بین اإلبداع والجنون
وحدھا تلك اللحظة . فجأة خروجھم عن المنطق واحتقارھم له التأمل واالنبھار ، فھم يفعلون ذلك ل تستحق ينا أحیانا مجرد تحد
.حیاتھم وتعجیزنا بلوحة لیست سوى
تھم في إنتاجھم وھنالك . ھنالك مبدعون، يكتفون بوضع عبقري، بنفس العبقرية، فیتركون آخرون، يصرون على توقیع حیاتھم أيضا
..للتكرار أو التزوير لنا سیرة فريدة، غیر قابلة
أظنوال. أعتقد أن مثل ھذا الجنون ينفرد به الرسامون أن شاعرايمكن أن يصل إلى ما وصل إلیه فان غوغ مثال في لحظة يأس
..عندما قطع أذنه لیھديھا إلى غانیة واحتقار للعالم،أذكر اسمه، والي أو ما فعله ذلك الرسام المجھول الذي لم أعد
شنق نفسه، بعدما علق في سقف غرفته، لوحة المرأة التي
ف أحبھا والتي د معھا على . ي رسمھاقضى أياما وھكذا توح مرة.. طريقته .واحدة ووقع لوحته وحیاته معا
: لت
على ت ذيب إن ما يعجبك في النھاية، ھو قدرة الرسامین الخارقة -
.ألیس كذلك؟.. أنفسھم، أو على التمثیل بھا
:أجبت ولكن ھنالك لعنة ما تالحق الرسامین دون غیرھم؛ وھنالك ..ال -
فكلما زاد عذابھم وجوعھم وجنونھم، زاد .ة ال تنطبق إال علیھمجدلیخیالیة، وكأن حتى إن موتھم يوصلھا إلى أسعار. ثمن لوحاتھم
.علیھم أن ينسحبوا لتحل ھي مكانھم
.رأيك لم أناقشك في
أعرفه، ولكن فاجأني .منك رحت أستمع إلیك وأنت ترددين كالما
. حبینني الحتمال جنوني، أو لشيء آخرلم أتساءل يومھا، إن كنت تتك الالشعورية تحويلي إلى لوحة ثمینة أدفع ثمنھا وال أن تكون نی
.من حط مي
، من قیمة أية لوحة سأرسمھا كیفما كان، ھل سیزيد عذابي حقا جنوني؟ تحت تأثیر جوعي أو نوبة
اديةوأين تبدأ النزعة الس.. أين يبدأ الفن ترى؟.. اكتفیت بالتساؤل
عند اآلخرين؟
وإنما كنت أعتقد أن ھذه الجدلیة ال عالقة لھا باإلبداع وال بالفن، .بطبع اإلنسان ال أكثر
اآلخرين، ونعتقد، يحلو لنا أن نسمع عذابات. نحن ساديون بفطرتنا
.عن أنانیة، أن الفنان مسیح آخر جاء لیصلب مكاننا
قد تبكینا، ولكنھا لن قصته . يحزننا و يسعدنا في آن واحد عذابه أو تمنعنا من النوم، ولن تدفعنا إلى إطعام فنان آخر، يموت جوعا
أمامنا تتحول جراح اآلخرين إلى بل إننا نجد من الطبیعي أن. قھرا .نفسه قصیدة نغنیھا، أو لوحة نحتفظ بھا، وقد نتاجر بھا، للسبب
على الرسامین دون غیرھم؟ صر حقا فھل الجنون ق
بین كل المبدعین، وكل المسكونین بھذه ھو قاسما ألیس مشتركاة في الخلق؟ الرغبة المرضی
، فالذي عاديا ال يمكن بحكم منطق اإلبداع نفسه، أن يكون إنسانابمقايیس عادية للكسب . عادي بأطوار عادية وبحزن وفرح
.للسعادة والتعاسة.. والخسارة
مفاجئ، لن يف إنه إنسان متقلب، ھمه أحد ولن يجد أحد مبررا .لسلوكه
ثتك فیه عن .زياد كان ذلك أول يوم حد :قلت كان يدرس في الجزائر - فلسطینیا كان سعیدا . لقد عرفت شاعرا
بدخله البسیط كأستاذ لألدب العربي، بحزنه وبوحدته؛ مكتفیاین وبغرفته الجامعیة حتى ذلك الیوم . الصغیرة، وبديوانین شعري
نت أحواله المادية، وحصل علىالذ شقة وكان على وشك ي تحسھا بجنون، والتي قبل أھلھا الزواج من إحدى طالباته التي أحب أخیرا
.تزويجھا منه
ر فجأة أن يتخلى عن كل شيء، ويعود إلى بیروت لیلتحق عندما قر ..بالعمل الفدائي
حاولت إقناعه بالبقاء ك، وإصراره على تل لم أكن أفھم حماقته. عبثا
أن يحقق أحالمه . الرحیل عندما أوشك أخیرا وكان يجیب ساخراد.. أحالم أي " .. أنا ال أريد أن أقتل داخلي ذلك الفلسطیني المشر
."..شيء أمتلكه من قیمة فعندھا لن يكون ألي
يبوح ويضیف وھو ينفث دخانه على مھل وكأنه يختفي خلفه كيأو إذا شئت ال أريد أن أقیم .. د أن أنتمي المرأةال أري.. ثم: "لي ب ر
ھنالك سجون لم تخلق . أخاف السعادة عندما تصبح جبرية ..فیھا ."..للشعراء
ته تزورني راجیة أن أقنعه بالبقاء، وأنه وكانت الفتاة التي أحب
، لم تكن . حتفه المؤكد مجنون ذاھب إلى الموت وإلى ولكن عبثا
المفاجئ، بل إنه في تطرفه.. ئه بالب اءھناك حجة واحدة إلغرا .أصبح يجد في حججي ما يزيده إغراء بالرحیل
أذكر أنه قال لي يومھا بشيء من السخرية، وكأنه يعطیني درسا
:في الحیاة إنه . المكان ونحن في قمة نجاحنا ھناك عظمة ما، في أن نغادر"
."!االستثنائیین والرجال.. الفرق بین عامة الناس
من كھذا، ھو أقل جنونا رسام سألتك إن كنت تعتقدين أن شاعرا قطع أذنه؟
علیه واستبدل بحیاته. لقد استبدل براحته شقاء لم يكن مرغما علیه ، دون أن يكون مجبرا .موتا
ولیس ومكرھا لقد أراد أن يذھب إلى الموت مكابرا إنھا . مھزوما
شیئا ھزم، وھو طريقته في أن يھزم مسبقا .الموت ال ي
:سألتني بلھفة ھل مات؟ - :قل لك أو على األقل مازال على قید الحیاة حتى تاريخ .. يمت إنه لم.. ال -
بھا في رأس السنة، أي منذ ستة بطاقته األخیرة التي بعث إلي .أشھر تقريبا
ذھبت إلیه ساد بیننا شيء من الصمت، وكأن ..أفكارنا معا
:قل لك غیر مباشر - في مغادرتي الجزائر؟ معه أتدرين أنه كان سببا
يسكنوننا، تعلمت أنه ال يمكن أن نتصالح مع كل األشخاص الذينوأمام ھذا االختبار فقط . وأنه ال بد أن نضحي بأحدھم لیعیش اآلخر
إلى ما نعتقد أنه األھم نكتشف .. طینتنا األولى، ألننا ننحاز تلقائیا .غیر ن الوأنه نح
:الخیبات أجبتك وتنھیدة تسبقني، وكأنھا تفتح أبواب صدر أوصدته ولكنني مثل ذلك الصديق، أكره الجلوس .. قد ال تقنعك أسبابي -وأكره خاصة أن يحولني . القمم التي يسھل السقوط منھا على
.آخر ال يشبھني رسي أجلس علیه إلى شخصمجرد ك
لقد كنت بعد االستقالل أھرب من المناصب السیاسیة التي عرضت، والتي كان الجمیع يلھثون للوصول إلیھا .علي
أن أقوم فیه بشيء من كنت أحلم بمنصب في الظل يمكن
ولذا عندما. التغیرات دون كثیر من الضجیج ودون كثیر من المتاعبنت ك مسؤول عن النشر والمطبوعات في الجزائر، شعرت أنني عی
قضیت كل سنوات إقامتي في تونس فقد. خلقت لذلك المنصبالقديمة كجزائري ال في تعلم العربیة والتعمق فیھا، وتجاوز عقدتي
وأصبحت، في بضع سنوات، . يتقن بالدرجة األولى سوى الفرنسیةجبتي من القراءة بإحدى الثقافة، ال أنام قبل أن أبتلع و مزدوج .اللغتین
حتى إنني كدت في فترة ما أنتقل . بالكتب ومع الكتب كنت أعیش
الرسم، كان في نظر البعض من الرسم إلى الكتابة، خاصة أن بالشذوذ الثقافي، وعالمة من عالمات الترف الفني، آنذاك، شبیھا
.التي ال عالقة لھا بظروف التحرير
بالكلمات ائر بعدھا، كنتعندما عدت إلى الجز .ممتلئا كذلك بالمثل والقیم، وألن الكلمات لیست محايدة، فقد كنت ممتلئا
ر العقلیات والقیام بثورة داخل العقل الجزائري الذي ورغبة في تغی .فیه الھزات التاريخیة شیئا لم تغیر
لحلمي الكبیر الذي ال یه ولم يكن الوقت مناسبا أريد أن أسم
بعدھا لم تعد ھاتان الكلمتان مجتمعتین أو". ثورة الثقافیةال" عندنا .متفرقتین تعنیان شیئا
رتكب عن حسن نیة بدأت التغیرات فلقد. كانت ھناك أخطاء كبرى ت
. المتاعب سبب لي ديوانه عند صدوره بعض شعرت أن ھناك شیئا
له .من الزيف الذي لم أتحم
فضح أنظمة دموية قذرة، مازلنا باسم الصمود ما الذي يمنعني من، نصمت على جرائمھا؟ ولماذا نا أن ننتقد ووحدة الصف من حق
أنظمة دون أخرى حسب النشرات الجوية، والرياح التي يركبھا بواخرنا؟ بطانق
ھل أغیر وظیفتي. بدأ شيء من الیأس والمرارة يمألني تدريجیا في ألستبدل بمشكالتي مشاكل أخرى، وأصبح ھذه المرة طرفا
لعبة أخرى؟
ست وجمعت من أحالم طوال سنوات غربتي ماذا أفعل بكل ما كداألربعین، وبذراعي المبتورة، ونضالي، وماذا أفعل بسنواتي
األخرى؟ وبذراعي
العنید الذي يسكنني، ويرفض أن ماذا أفعل بھذا الرجل المكابريعیش ويتعلم يساوم على حريته، وبذلك الرجل اآلخر الذي ال بد أن
.ويتأقلم مع كل كرسي.. الجلوس على المبادئ
.وقد اخترت... أحدھما لیحیا اآلخر كان ال بد أن أقتل
في .حیاتي كان لقائي بزياد منعطفا
اكتشفت بعدھا أن قصص الصداقة القوية، كقصص الحب العنیفة، ما .تبدأ بالمواجھة واالستفزاز واختبار القوى كثیرا
قوية وبذكاء وحساسیة فال يمكن لرجلین يتمتع كالھما بشخصیة وتعودا على.. مفرطة، رجلین حمال السالح في فترات من حیاتھما
.ن تصادملغة العنف والمواجھة، أن يلتقیا دووذلك التحدي المتبادل .. األول وكان ال بد لنا من ذلك االصطدام
.لنفھم أننا من طینة واحدة
صديقي الوحید الذي أرتاح إلیه حقا بعدھا أصبح زياد .تدريجیا، نتحدث كان نلتقي عدة مرات في األسبوع، نسھر ونسكر معا
، نشتم الجم عن الفن یع ونفترقطويال عن السیاسة، وكثیرا .سعیدين بجنوننا
كان عمره ثالثین سنة، وديوانین، ما يقارب. 1973كنا في سنة
ین قصیدة، وما يعادلھا من األحالم المبعثرة .الست
من الخیبات، وكان عمري بعض اللوحات، قلیال من الفرح وكثیرالت بینھا منذ ، تنق االستقالل، بشيء من الوجاھة، وكرسیین أو ثالثا
.وبمذاق غامض للمرارة.. بسائق وسیارة
عاد إلى . رحل زياد بعد حرب أكتوبر بشھرين أو ثالثة ذات يوم، فیھا قبل بیروت لینضم إلى الجبھة الشعبیة التي كان منخرطا
.قدومه إلى الجزائر
ترك . والتي كان ينقلھا من بلد إلى آخر ترك لي كل كتبه المفضلة من الذكريات، لي فلسفته في الحیاة، وتلك الصديقة التي وشیئا
لتسأل عن أخباره، تلك التي كان يرفض أن كانت تزورني أحیانا .لھا، وكانت ترفض أن تنساه يكتب
:قلت وأنت تخرجین من صمتك الطويل لم يكتب لھا؟ ولماذا - :قلت يريد أن تنساه وربما كان.. ربما ألنه كان يكره التحرش بالماضي - آخر غیروتت .قدره زوج بسرعة، كان يريد لھا قدرا
:سألتني وھل تزوجت؟ - :قلت أخبارھا منذ عدة سنوات، ومن األرجح أن لقد فقدت.. ال أدري -
ولكن ال أعتقد . الجمال لقد كانت على قدر كبیر من. تكون تزوجتأن أن تكون قد نسیته، من الصعب على امرأة عرفت رجال مثل زياد
..تنساه
في أفكارك .شعرت في تلك اللحظة، أنك ذھبت بعیدا بدأت تحلمین به؟ تراك كنت قد
وأنا تراني قد بدأت يومھا باقتراف حماقاتي، الواحدة تلو األخرى،
أرد بعد ذلك على أسئلتك الكثیرة حوله، بأجوبة تثیر فیك فضول في آن واحد؟ األنثى والكاتبة
، و ثتك عن قصائده كثیرا كما عن ديوانه األخیر، الذي كتب قصائدهحد
أو عوا حبیبا يطلق بعضھم الرصاص في األعراس والمآتم لیشی . ريبا
اسمه الشعر، ويقسم أنه لن يكتب بعد كان قديما ع صديقا ھو يشی
.بسالحه الیوم سوى
كان فقط يفرغ رشاشه . في الواقع، لم يكن ذلك الرجل يكتب .ي وجه الكلماتوثورة ف المحشو غضبا
في بعد ا ل ي د يثق.. كان يطلق الرصاص على كل شيء حوله
!شيء
!كم كان زياد مدھشا .. آخ
، وأنني كنت أحمق ال بد أن أعترف الیوم أنه كان حقا كان . مدھشا ..تلتقي ال بد أن أحدثك عنه وأنا أتوھم أن الجبال ال
الشاعرية؟لماذا كنت أحدثك عنه بتلك الحماسة، وبتلك
أريد التقرب إلیك به، وأقنعك من خالله أن لي قرابة سابقة أكنت
بذلك في عینیك؟ بالكتاب والشعراء، فأكبر
أم كنت أصفه لك في صورته األجمل، ألنني كنت أعتقد حتى ذلك ..الیوم أنني أشبھه، وأنني كنت أصف لك نفسي ال غیر
..ولكن ..ربما كان كل ھذا حقا
، أن تكتشفي العروبة في رجال استثنائیین، كما لم كنت أريد أيضا
.األمة تنجب ھذه
رجال ولدوا في مدن عربیة مختلفة، ينتمون إلى أجیال مختلفة، لھم قرابة ما بأبیك واتجاھات .. سیاسیة مختلفة، ولكنھم جمیعا
..وعروبته بوفائه وشھامته، بكبريائه
.األمةجمیعھم ماتوا أو سیموتون من أجل ھذه تنغلقي في قوقعة الوطن الصغیر، وأن تتحولي إلى كنت ال أريد أن
.مدينة واحدة منقبة لآلثار والذكريات، في مساحة
وكل عربي ترك خلفه كل . فكل مدينة عربیة اسمھا قسنطینةلیموت من أجل قضیة، كان يمكن أن يكون اسمه شيء وذھب
..الطاھر .به وكان يمكن أن تكون لك قرابة
كنت أريد أن تمألي رواياتك بأبطال آخرين أكثر واقعیة، أبطال .مراھقتك السیاسیة، ومراھقتك العاطفیة تخرجین معھم من
لما .. عرفت رجاال مثل زياد لو"_ بحماقة_ألم أقل لك ذلك الیوم
أبطال ولما كنت في حاجة إلى خلق" زوربا"أحببت بعد الیوم أبطال جاھزون بفوقون خیالھنالك في ھذه األمة . وھمیین ."..الكتاب
لم أكن أتوقع يومھا أن يحصل كل الذي حصل، وأن أكون أنا الذي
إلى منقب يبحث بین سطورك عن آثار زياد، سیتحول ذات يوما أحببت أكثر، ولمن بنیت ضريحك األخیر، وروايتك ويتساءل من من
..األخیرة أم له؟.. ألي
ي جأةفي ذلك الیوم، وضعت ف وقلت بلھجة جزائرية . قبلة على خد
:ونحن على وشك أن ننھض للذھاب "..انحبك ..خالد "
وكان . توقف كل شيء لحظتھا حولي، وتوقف عمري على شفتیكلك يمكن وقتھا ألف أحبك .. أو أرد علیك بألف.. أن أحتضنك، أو أقب
.أخرىوقلت دھشتي، وطلبت من النادل قھوة أخرى، ولكنني جلست من
:لك أول جملة خطرت آنذاك في ذھني "لماذا الیوم بالذات؟ "
:أجبتني بصوت خافت إنھا أول مرة منذ ثالثة أشھر تحدثني .ألنني الیوم أحترمك أكثر -
أكن أتصور أنك لم. اكتشفت الیوم أشیاء مدھشة. فیھا عن نفسك ا عنعادة يأتي الفنانون ھنا بحث. حضرت إلى باريس لھذه األسباب
لم أتوقع أن تكون تخلیت عن كل شيء . الشھرة أو الكسب ال أكثر ..الصفر ھنا ھناك، لكي تبدأ من
لكالمك حا :قاطعتك مصح
ن ن ال.. لم أبدأ من الصفر - عندما نسلك طريقا نبدأ من الصفر أبدا
.من قناع تي أنا بدأت. إننا نبدأ من أنفسنا فقط. جديدا
ا ندخل مرحلة أخرى من عالقتنا، وأنك عجینة تأخذشعرت يومھا أنن .فجأة كل قناعاتي، وشكل طموحاتي وأحالمي القادمة
اد تقول تذكرت جملة قرأتھا يوما :في كتاب عن الرسم ألحد النق
ة عن نفسه إن الرسام ال يقدم لنا من خالل لوحته" . صورة شخصی
عن نفسه ويكشف لن ا الخطوط العريضةإنه يقدم لنا فقط مشروعا ."لمالمحه القادمة
.وكنت أنت مشروعي القادم
كنت أريدك األجمل، . ومدينتي القادمة كنت مالمحي القادمة، .أريدك األروع
آخر، لیس آخر، لیس قلبي، كنت أريد لك وجھا ، وقلبا وجھي تماماجسدي وروحي وبصمات أخرى، ال عالقة لھا بما تركه الزمن على
.ت زرقاءمن ب ما
ذات يوم يومھا عرضت علیك بعد شيء من التردد، أن تزوري .مرسمي، ألريك ما رسمته في األيام األخیرة
أن تقبلي عرضي فقد كنت أحرص . دون تردد أو خوف وكنت سعیدا وكنت قررت أن ألغي ذلك. على أال تسیئي الظن بي العرض نھائیا
.إذا ما ضايقك
رضولكنك فاجأتني وأنت تص علیھا زيارة مدينة یحین بفرح طفلة ع :لأللعاب
أن أزوره... أو - !رائع يسعدني حقا لتخبريني أن عندك ساعتین وقت في الیوم التالي، طلبتني ھاتفیا
.خاللھما الظھر، يمكنك أن تزوريني
.ورحت أحلم، أسبق الساعات، وأسبق الزمن.. وضعت السماعة
سأجلس إلى لن يالحقنا نادل . جوارك، ولیس مقابال لك أخیرا أخیرااد المقھى، وال عیون الغرباء لن تالحقنا عیون. بطلباته وخدماته رو
.من المارة
يمكننا ونفرح، دون أن يكون من شاھد أن نتحدث، أن نحزنأخیرا .على تقلباتنا النفسیة
، وأنا أجھل أنني أشرع رحت من فرحي أشرع الباب لك مسبقا
.قلبي للعواطف والزوابعبك إلى ھنا، أن أفتح لك عالمي السري أن آتي.. أي جنون كان
.البیت اآلخر، أن أحولك إلى جزء من ھذا
تي في انتظارك، والذي قد يصبح جحیميھذا البیت الذ ي أصبح جن .بعدك
وأحمق كأي عاشق ال ھذا؟ أم كنت سعیدا ◌ أكنت عندئذ أعي كل موعده القادم؟ يرى أبعد من
ال أريد غیر إطالعك على لوحتي.. تساءلت بعدھا إن كنت حقا
ة للجنون.. األخیرة ي .وعلى حديقتي السر
رسمتھا لھا اعتذارا ألنني ذات لوحة التيتذكرت كاترين، وتلك ال آخر غیر وجھھا، عن أن أرسم شیئا بینما كان يوم، كنت عاجزا
اآلخرون يتسابقون في رسم جسدھا العاري، المعروض للوحي .الجمیلة في قاعة للفنون
..تذكرت يوم عرضت علیھا أن تزورني ألريھا تلك اللوحة
بعد ذلك في عالقة غیر أتوقع أن تكون تلك اللوحة ا لم لبريئة، سببا
.سنین بريئة دامت
ألیس في دعوتي لك لزيارة مرسمي، شيء من قلة التعقل، الستدراج الظروف ألشیاء أخرى؟ ورغبة سرية
وھي تستسلم تراني كنت أفعل ذلك، وأنا أستعید جملة كاترين،
لي في ذلك المرسم، وسط فوضى اللوحات المرسومة، واللوحات كئة على الجدران، وتقول لي بإشارة متعمدة البیضاء :المت
..بالحب ھذا مكان يغري -
:فأجبتھا بشيء من الواقعیة ..الیوم لم أكن أعرف ھذا قبل -
فھل كان مرسمي يغري بالحب؟ أم أن في كل مكان للخلق جاذبیة بالجنون؟ ما تغري
.ولن تكونیھا. .ولكن، ورغم ھذا كنت أدري أنك لم تكوني كاترين
..فبیننا من الحواجز ما لن يحطمه أي جنون
الزيارة، أستعید ذلك الیوم، الیوم، بعد ست سنوات على تلكاته النفسیة .المتقلبة وكأنني أعیشه مرة أخرى، بكل ھز
، يسبقك عطرك )لماذا أبیض؟(ھا أنت تدخلین في فستان أبیض
.لمصعد ويھرول أمامكيسبقك القلب إلى ا. الطابق العاشر إلى
لماذا (وإذا بي أصافحك .. على خدك ھا أنا أكاد أضع قبلة .(أصافحك؟
لماذا (فتأتي الكلمات بالفرنسیة أسألك ھل وجدت البیت بسھولة
بالفرنسیة؟ ة أو) أيضا ي جرأة أكثر، داخل تراني كنت أبحث عن حر تلك اللغة الغريبة عن تقالیدي وحواجزي النفسیة؟
.األريكة جلست تلكعلى
:قلت وأنت تلقین نظرة عامة على غرفة الجلوس !إنه رائع ومؤثث بكثیر من الذوق. أتصور بیتك ھكذا لم أكن -
:سألتك تتصورينه إذن؟ كیف كنت -
:أجبتني .وبأشیاء أكثر.. بفوضى - : احكا قل لك رة، بأشیاء كثیرة مب - عثرة لست في حاجة إلى أن أسكن شقة مغب
امین. نانا ألكون أنا مسكون . إنھا فكرة أخرى خاطئة عن الرسإنھا طريقتي الوحیدة، في . بالضرورة بالفوضى، ولكنني ال أسكنھا
.وضع شيء من الترتیب داخلي
الشقة الشاھقة، ألن الضوء يؤثثھا وھو كل ما يلزم لقد اخترت ھذهبالضوء ولعبة بالفوضى وإنما للرسام، فاللوحة مساحة ال تؤثث
.الظل واأللوان
.ودعوتك للخروج إلى الشرفة فتحت نافذتي الزجاجیة الكبیرة، :قلت
من . الذي يربطني بھذه المدينة انظري ھذه النافذة، إنھا الجسر - .المتقلبة ھنا، من شرفتي أتعامل مع سماء باريس
كل صباح تقدم لي باريس نشرتھا النفسیة، فأجلس ھنا في
.ألتفرج علیھا وھي تنقلب من طور إلى آخر فةالشر
أن أرسم أمام ھذه النافذة، ويحدث أن أجلس في يحدث كثیرابدموع الخارج ألتفرج على نھر السین، وھو يتحول إلى إناء يطفح
.مدينة تحترف البكاء
منه في آن يحلو لي الجلوس ھنا على حافة المطر قريبا ومحمیا .ستدرجني ألحاسیس متطرفةمنظر المطر ي. واحد
"لیشعر أنه في عنفوان الشباب عند نزول المطر إن اإلنسان "
، نظرت إلى السماء وكأنك :تصلین لتمطر، وقلت بالعربیة عندئذ وأنت؟ ..إن المطر يغريني بالكتابة -
."وأنا يغريني بالحب" وكنت على وشك أن أجیبك
.ة زرقاء كسماء حزيرانكانت صافی. السماء نظرت طويال إلى
.ألنني تعودت أن أراھا رمادية كان زرقتھا تضايقني فجأة، ربما
لو تواطأت معي وربما ألنني تمنیت في سري، لو أمطرت لحظتھا؛ .ورمتك إلى صدري عصفورة مبللة
من كل .ھذا ولم أقل لك شیئا
.نقلت نظرتي من السماء إلى عینیك
.شعرت أنني أتعرف علیھما .لضوءكنت أراھما ألول مرة في اأجمل من كانتا أفتح من العادة، وربما. ارتبكت أمامھما كأول مرة
.العادة
شي من. كان فیھما شيء من العمق والسكون في آن واحد ..البراءة، والمؤامرة العشقیة
الجواب تراني أطلت النظر إلیك؟ سألتني بطريقة من يعرف
: سبقا ي ھكذا؟لماذا تنظر إل -
.كموسیقى عزف منفرد كان صوتك بالعربیة يأتي
:وجدت الجواب في قصیدة، حفظت مطلعھا ذات يوم
عیناك غابتا نخیل ساعة السحر القمر أو شرفتان راح ينأى عنھما
:سألتني مدھوشة
؟ - !عجیب. أتعرف شعر السیاب أيضا :في جواب مزدوج قلت ."أنشودة المطر"أعرف -
تلك اللحظة بالذات، وكأنني أصبحت ك ربما أحببتني أكثرعرت أناب أيضا .في نظرك السی
فیھا ببیت شعر، أو بمقولة ما باللغة العربیة، وككل مرة أفاجئك
:سألتني ھذا؟ متى قرأت -
:أجبتك ھذه المرة عزيزتي سوى القراءة - اآلخرين تعد ثروة. أنا لم أفعل شیئا
.. أنا رجل ثري كما ترين. وثروتي بعناوين الكتبباألوراق النقدية، كما نھبوا كل ما وقعت علیه .. كل ما وقعت علیه يدي قرأت تماما .!يدھم
وأنت تحدقین في ذلك الجسر الحجري الرمادي، الذي بعدھا قلت
:استثنائیة يجري تحته نھر السین بزرقة صیفیة ك على نھر أنت محظوظ بھذا المنظر، جمیل أن تطل شرفت -
اسم ھذا الجسر؟ السین، ما :قلت أن . إنه جسر میرابو - قد خلد ھذا الجسر "أبولینیر" اكتشفت أخیرا
يبدو أنه كان. في قصائده، عثرت على بعضھا منذ أيام في ديوان لهإن الشعراء مثل الرسامین لھم عادة ال تقاوم في تخلید . مو عا به
بعضھم خلد ضیعة مجھولة، وآخر . عبروه بحب كل مكان سكنوه أو، وثالث مدينة عبرھا مصادفة، وإذا به يقع في مقھى كتب فیه يوما
.حبھا إلى األبد
:سألتني الجسر؟ وھل رسمت أنت ھذا - :أجبتك متنھدا - ونخاف أال وإنما.. ألننا ال نرسم بالضرورة ما نرى.. ال - ما رأيناه يوما
مدن عمره في رسم) دوالكروا(ذا قضى وھك. نراه بعد ذلك أبدا عمره في رسم ) أطالن(مغربیة لم يسكنھا سوى أيام، وقضى
.قسنطینة ھي.. مدينة واحدة
لم أكن أعي ھذه الحقیقة قبل أن أقف منذ شھرين في ھذه الغرفةمقابال لھذه النافذة، ألرسم بشيء من التوتر االستثنائي لوحتي
.األخیرة آخر . جسر میرابو ونھر السین عیناي تريان كانت ويدي ترسم جسرا
آخر لمدينة .أخرى وواديا
ال .. وعندما انتھیت، كنت رسمت قنطرة سیدي راشد ووادي الرمال .وإنما ما يسكننا.. وأدركت أننا في النھاية ال نرسم ما نسكنه .غیر
:بلھفة سألتني ھل يمكن أن أرى ھذه اللوحة؟ -
:مرسميقلت وأنا أقودك إلى
.طبعا -
رحت تنظرين . وقفت أمام تلك الغرفة الشاسعة المألى باللوحات بدھشة طفل في إلى الجدران، وإلى ما اتكأ من اللوحات أرضا :باالنبھار نفسه ثم لت. مدينة سحرية قبل.. كم ھو رائع كل ھذا - ..الیوم أتدري؟ لم يحدث أن زرت مرسما
."الیوم لم يحدث أن زارته امرأة قبلك، قبلو" كنت أود أن أقول لك
ولكن لوحة كاترين المستندة على الجدار ذكرتني بمرور امرأة :ذھب فكري عندھا بعض الوقت عندما قلت فجأة. ھنا أخرى من
ثتني عنھا؟ وأين ھي اللوحة التي - حد
على أخذتك إلى الطرف اآلخر للقاعة، كانت اللوحة ما تزال منتصبةات الرسم، وكأنھا تلغي بوضعھا الممیز ذاك، كل اللوحات خشب
.حولھا األخرى المبعثرة
ھنالك . ھنالك عالقة عشقیة ما بین أي رسام ولوحته األخیرةعاطفي صامت، لن يكسره سوى دخول لوحة عذرا أخرى تواطؤ
.إلى دائرة الضوء
ن الكاتب ال يعرف كیف يقاوم النداء الموجع للو فالرسام مثلاإلبداعي كلما وقف أمام مساحة األبیض، واستدراجه إياه للجنون
.بیضاء
اللون األبیض وإغراء كل كیف إذن، ما زلت أقاوم منذ شھرين تحدي اللوحات التي أشھرت في وجھي بیاضھا؟
بعد لوحتي ھذه، وفضلت أن أبقیھا ولماذا، رفضت أن أرسم شیئا
أنھا كانت سیدتي، وسیدة اھكذا على الخشبات نفسھا، ألشھد لھجدار كل ما حولي من لوحات، وكأنني أرفض أن أحیلھا إلى ركن أو
.كما تحال عشیقة عابرة
تعطنیه حتى وھي التي أعطتني من النشوة، ما لم.. أيمكن ذلك
النساء؟
!الوطن مع.. ألنه لم يحدث قبلھا أن مارست الحب رسما .. ربما
:قلت وأنت تتأملینھا ولكنھا تختلف عنھا، في "حنین"ھا مشابھة للوحتك األولى إن -
وخاصة في األلوان الترابیة الخام التي.. الكثیر من التفاصیل .وحیاة أكثر.. استعملتھا، إنھا تعطیھا نضجا
:إلیك قلت وأنا أنقل نظري منھا
.إنھا أنت .. لقد بعثت فیھا الحیاة - أنا؟ - الھاتف، لقد سھرت البارحة حتى يوم قلت لك على أتذكرين -
اتھمتني يومھا بالجنون وخفت أن .ساعة متأخرة من اللیل ألرسمك ولن. أكون قد فضحت مالمحك يعرف أحد ال تخافي، لن أرسمك أبدا .أيضا إن للفرشاة شھامة. أنك عبرت حیاتي ذات يوم
:وأضفت
ت، أن ولست امرأة، وكلما رسمت قسنطینة رسمتك.. أنت مدينة
..ووحدك ستعرفین ھذا
:كاترين قلت فجأة وأنت تشیرين بنظرة من عینیك إلى لوحة وھي؟ -
عناد كان في سؤالك شيء من عناد األطفال وأنانیتھم، وشيء من .النساء وغیرتھن
:قلت وأنا أرفع تلك اللوحة من األرض ؟ ھل تزعجك - .ھذه اللوحة حقا
:أجبت بشيء من الكذب الواضح
..ال -
وأنا أشعر أنني قادر في تلك اللحظة على أن أرتكب أي واصلت :جنون
..أمامك إذا شئت سأتلفھا -
:صحت !ال، أأنت مجنون -
:قلت بھدوء بالنسبة لي.. جنونا لست - إنھا امرأة . وھذه اللوحة ال تعني شیئا
الضحك، أو على األرجح برغبة في الحزن، وأنا شعرت برغبة في .لألشیاء أكتشف ذلك المنطق العجیب
كان من حقي إذن أن أوقع الرموز واللوحات التي لیس بینھا وبینك وأما أنت فلیس في وسعي أن أضع أسفل رسمك . شبه من
أحببتھا، لن يقترن اسمي بك ولو أنت المرأة الوحیدة التي. يتوقیع مرة واحدة، حتى في أسفل لوحة؟
وھناك أنت . يشترون توقیعي فقط، ولیس لوحاتي ھناك إذن الذين
.توقیع التي تريدين لوحتي دون
المجنون العنید الذي يرفض ھذا المنطق الجديد .. وھنالك أناأن يحولك إلى لوحة لقیطة، ال نسب ويرفض باسم الحب لألشیاء،
اھا. لھا وال صاحب .أية ريشة وأي رسام يمكن أن تتبن
رك صمتي :قلت شبه معتذرة.. حی ترسمني؟ ھل يزعجك أن -
:قلت ساخرا األصل عن كنت أكتشف فقط مرة أخرى، أنك نسخة طبق.. ال -
ولكن آخرين وضعوا . وطن ما، وطن رسمت مالمحه ذات يوم لمثل ھذه . انتصاراتي ئھم أسفلإمضا ھنالك إمضاءات جاھزة دائما
من يكتب التاريخ، وھنالك فمن األزل، كان ھنالك. المناسبات دائما .للتزوير من يوقعه، ولذا أنا أكره اللوحات الجاھزة
تراك فھمت كل ما قلته لك لحظتھا؟
ك . السیاسي بدأت أشك فجأة في وعیك في لقد كان كل ما يھم
.النھاية، ھو موضوع لوحتك ال غیر
:تغادرين المرسم قلت وأنت إلى أتدري أننا لن نلتقي لمدة شھرين؟ سأسافر األسبوع القادم -
..الجزائر
:صحت وأنا أستوقفك في الممر تقولین؟ أحق ما -
:قلت عطلتي الصیفیة مع والدتي في - أنا أقضي دائما وال . الجزائر طبعا
لن يبقى أحد ھنا .. أعود األسبوع القادم مع عمي وعائلته بد أن .باريس في
أمسكت بذراعك وكأنني أمنعك من . وقفت مذھوال وسط الممشى :وسألتك بحزن الرحیل،
؟..وأنا - ب بعض الشيء أعتقد أننا. سأشتاق إلیك كثیرا .. أنت - إنه .. سنتعذ
.بسرعة ولكن سنحتال على الوقت لیمر . فراقنا األول
:ثم أضفت بلھجة من يريد أن يحل مشكلة، أو ينتھي منھا بسرعة سنب ى على .. يمكنك أن تكتب لي أو تطلبني ھاتفیا .. ال تحزن -
.اتصال .حافة البكاء كنت على
وكنت أنت تزفین لي ذلك . كطفل أخبرته أمه أنھا ستسافر دونهابي يغريك وكأن عذ. بشي من السادية التي أدھشتني الخبر،
.بش ء ما
ثوبك كطفل وأجھش بالبكاء؟ ھل أمسك بأطرافعلى ھل أتحدث إلیك ساعات، ألقنعك أنني لن أقدر بعد الیوم
العیش بدونك، وأن الزمن بعدك ال يقاس بالساعات وال باأليام، أدمنتك؟ وأنني
لصوتك عندما يأتي على الھاتف؟ كیف أقنعك أنني أصبحت عبدا
، لتناقضك لضحكتك عبدا ، لطلتك، لحضورك األنثوي الشھيعبد لمدينة أصبحت أنت، .التلقائي في كل شي وفي كل لحظة
.لذاكرة أصبحت أنت، لكل شي لمسته أو عبرته يوما
الحزن يھجم علي فجأة، وأنا واقف ھكذا في ذلك الممر أتأملك كان .يصدق بذھول من ال
بحثت . م يحدث أن كنته يوما وكنت قريبة مني حد االلتصاق، كما ل
مالمحك عن شيء يفضح لي في تلك اللحظة عواطفك؛ في .لكنني لم أفھم شیئا
عطرك الذي كان يخترق حواسي ويشل عقلي، ھو الذي أتراه
كنت أعي فقط أنك بعد لحظات جعلني عندئذ ال أتعمق في البحث؟ .ستكونین بعیدة، بقدر ما كنت ساعتھا قريبة
.ھك نحويوج رفعت
لم أعد أذكره ة. كنت أريد أن أقول لك شیئا ولكن قبل أن أقول أيكلمة، كانت شفتاي قد سبقتاني وراحتا تلتھمان شفتیك في قبلة
ذراعي الوحیدة تحیط بك كحزام، وتحولك وكانت. محمومة مفاجئة .في ضمة واحدة إلى قطعة مني
البحر، ثم قلیال بین يدي كسمكة خرجت لتوھا من انتفضت
.استسلمت إلي كان شعرك الطويل الحالك، ينفرط فجأة على كتفیك شاال غجريا
بشراسة العشق أسود، ويوقظ رغبة قديمة إلمساكك منه،بینما راحت شفتاي تبحثان عن طريقة تتركان بھا توقیعي . الممنوع
للحب على .شفتیك المرسومتین مسبقا ..كان ال بد أن يحدث ھذا
الظالل على عینیك، والحمى على شفتیك بدل لتي تضعینأنت ا
وجه أنوثتك؟ ھا ھي أحمر الشفاه، أكان يمكن أن أصمد طويال في ، سنواتي الخمسون تلتھم شفتیك، وھا ھي الحمى تنتقل إلي
في قبلة قسنطینیة المذاق، جزائرية االرتباك وھا أنا .أذوب أخیرا
ب.. حرائقك ال أجمل من باردة تلك الشفاه . ل الغربة لو تدرينباردة ق .بارد ذلك السرير الذي ال ذاكرة له. الدفء الكثیرة الحمرة والقلیلة
ئ رأسي في .دعیني أتزود منك لسنوات الصقیع دعیني أخب
في حضنك. عنقك .أختبئ طفال حزيناالھارب لحظة واحدة، وأحلم أن كل ھذه دعیني أسرق من العمر
.لي.. حرقةالمساحات الم، !قسنطینة فاحرقیني عشقا
ات توت نضجت على مھل تین شفتاك كانتا، كحب جسدك . شھی عبقا
.ياسمین تفتحت على عجل كان، كشجرةوالحواجز عمر من العقد. عمر من الظمأ واالنتظار.. جائع أنا إلیكعمر من الرغبة ومن الخجل، من القیم الموروثة، ومن . والتناقضات
.عمر من االرتباك والنفاق. المكبوتة الرغبات
.على شفتیك رحت ألملم شتات عمريواستیقظ الرجل . قبلة منك اجتمعت كل أضدادي وتناقضاتي في
رفیق أبیك الذي قتلته طويال مراعاة .لرجل آخر، كان يوما .رجل كاد يكون أباك
لدت ومت .قتلت رجال وأحییت آخر. في وقت واحد على شفتیك و
ھل توقف الزمن لحظتھا؟ بین عمرينا، ھل ألغى ذاكرتنا بعض الوقت؟ ھل سوى أخیرا ..ال أدري
أدريه، أنك كنت لي، وأنني كنت أريد أن أصرخ كل الذي كنتقف "لسان فاوست على" غوته"لحظتھا كما في إحدى صرخات
."!ما أجملك.. أيھا الزمن
. يتآمر علي كالعادة. كالعادة كان يتربص بي. ولكن الزمن لم يتوقفارتباكك، وكنت بعد لحظات تتأملین ساعتك في محاولة إلخفاء
.وتذكیري بضرورة عودتك إلى الجامعة
.أخیرة الستبقاك عرضت علیك فنجان قھوة في محاولة من الترتیب في مظھرك، قلت وأنت أمام المرآة تضعین شیئا
:شعرك وتعیدين جمعه وتصففین ◌ إذا أمكنأفضل ش - باردا ..یئا تعمدت أال أستعجل في . الصالون وذھبت إلى المطبخ تر تك في
.قبلي على شفتیك العودة، وكأنني فجأة أخجل من آثار
وعندما عدت بعدھا، كنت أمام المكتبة تلقین نظرة على عناوين، . الكتب، وتقلبین بعضھا صغیرا ثم سحبت من أحد الرفوف كتابا
:إلى غالفه نت تنظ ينسألتني وأ ثتني - عنه؟ ألیس ھذا الديوان لصديقك الشاعر الذي حد
في ذلك الموضوع مخرجا :الرتباكي أجبتك بسعادة وأنا أجد أخیرا تجدينه على الرف .. نعم - .نفسه ھناك ديوان آخر له أيضا :قلت .الیوم ھل اسمه زياد الخلیل؟ لقد سمعت ھذا االسم قبل - تقرئین. رأيتك تتأملین طويال صورته على ظھر الكتاب. الكتاب لبت
:ثم لت.. بعض السطور أقرأھما أفضل أن. أيمكن لي أن أستعیر منك ھذين الديوانین؟ -
.على مھل ھذا الصیف، فلیس لي ما أطالعه
:بحماقة أجبتك بحماسة، أو ن سیتركانأنا واثق أن ھذين الديوانی.. طبعا، إنھا فكرة جیدة -
ستجدين أشیاء رائعة خاصة في الديوان . تأثیرھما على كتاباتك .إنه أجمل ما كتب زياد". القادم مشاريع للحب "األخیر
كنت وقتھا في .رحت بسعادة تخفین الكتابین في حقیبة يدك
تھا .سعادة طفلة تعود إلى بیتھا بلعب أحب
، لم أكن أعي ن بعد ذلك لعبتك في ذلك الحین، أنني سأكو طبعا على مجرى األخرى، وأن ھذين الكتابین سیتركان تأثیرھما أيضا
.قصتنا
وجھك العادي ومالمحك .الطبیعیة كنت تستعیدين تدريجیا بك ي لم تمر حقیقة؟ فھل كان ذلك تمثیال أم. وكأن زوبعة حب
حاولت أن أنسى خیبتي معك، أمام تلك اللوحة التي كانت السبب
أن أخفف من خیبتك. زيارتك فياألول .حاولت أيضا :قلت ..تسلیتي في ھذا الصیف سأرسمك، ستكون لوحتك -
:ثم أضفت دون أية نیة خاصة
مرة أخرى لتجلسي أمامي، حتى أتمكن من يجب أن تزوريني -
.مالمحك أو تعطیني صورة لك أنقل عنھا. رسمك
لديك :قلت وكأن الجواب كان جاھزا سع من لم - أمامي مت الوقت ألعود إلیك ھذه األيام، ولیس يبق
الموجودة على يمكنك أن تستعین بصورتي. في حوزتي أية صورة .ظھر كتابي، في انتظار أن أعود
، إذا كان في جوابك أعترف أنني لم أفھم في ذلك الحین أيضا
أنك كنت شيء من التلمیح لي بأنك لن تعودي إلى ھذا البیت، أم جیبیني بتلقائیة بريئة ال أكثر؟ت
ین علي أن أرسمك؟ ألست أنت التي كنت تلح فلماذا حولت ھذه اللوحة إلى قضیة شخصیة أنا وحدي معني بھا؟
. كنت أدري أنني في جمیع الحاالت سأرسمك. أناقشك كثیرا لم
، وربما ألنني ال أعرف كیف ربما ألنني ال أعرف كیف أرفض لك طلبا .رسما لصیف دون استحضارك ولوسأقضي ا
ي، ووعدتني بلقاء ذھبت ذلك الیوم بعدما وضعت قبلتین على خد
بعد قبلتنا أن نتصافح لم. قريب ..يعد ممكنا
ر في ما قد تغی بعد الیوم كنت أعي أن شیئا عالقتنا، ولم يعد ممكنايعود إلى قلب لذلك المارد الذي انطلق فجأة من أعماقنا، أن
.زجاجة التي أغلقناھا علیه ألسابیع كاملةال
معك في بضع لحظات من الحب إلى كنت أعي أنني أنتقل من العاطفة البريئة إلى الشھوة، وأنه سیكون من. العشق
الصعب، بعد الیوم، أن أنسى مذاق قبلتك، وحرارة جسدك .الملتصق بي للحظات
؟ أم خمس .. دامت قبلتنا تلك كم دقائق للجنون ال دقیقتین؟ ثالثا
غیر؟
تفعل تلك الدقائق القلیلة كل الذي حل بي بعد ذلك؟ أيمكن أن
خمسین سنة من عمري؟ أيمكن أن تلغي خمس دقائق،
ذكرى وكیف لم أشعر بعدھا بأي إحساس بالندم، بأي خجل تجاه
سي الطاھر؟ أنا الذي كنت أقترف يومھا أول خیانة بالمفھوم .للخیانة األخالقي
.لم يكن في قلبي سوى الحب.. ال
بالعشق، سعیدا . بالشھوة، بالجنون كنت ممتلئا فلماذا . كنت أخیرا ستوصلني إلى التعاسة؟ أفسد سعادتي بالندم، بالتساؤالت التي
ولم يكن .." نقترفه الندم ھو الخطأ الثاني الذي" ال أذكر من قال
تسلل منھا شيء في القلب مساحة أخرى ولو صغیرة، يمكن أن ي .الحب آخر غیر؟
.ألم يكن كل ذلك جنونا
إلى ذلك الحد، وأنا أدري كیف سمحت لنفسي أن أكون سعیدا في النھاية، سوى بضع دقائق للفرح أنني لم أمتلك منك شیئا
من العمر للعذاب؟.. المسروق، وأن أمامي متسعا
الفصل الرابع
والوحدة التي أحالتني في أيام . ولىكان لرحیلك مذاق الفجیعة األلوحة يتیمة على جدار، تحضرني جملة تبدأ بھا رواية إلى مرتبة
..أحببتھا يوما إني ألرى المؤلف فیبدو . فھو عظیم بقدر ما أنا وحید! هللا ما أعظم" "..لي كل حة
فما . أنا في عزلتي ووحدتي، ذلك المؤلف وتلك اللوحة معا وكنت على جداره، في انتظارك ذلك الكون الذيأكبر وأبرد !كنت معلقا
والعاطفیة في الوقت كنت أدخل بعدك منحدرات الخیبات النفسیة كل . نفسه وأعیش ذلك القلق الغامض، الذي يسبق ويلي دائما
بجردة ألفراحي وخیباتي. لي معرض .وكنت أقوم تلقائیایة مختصة غیر صحافة فرنس لم تھتم به. انتھى معرضي إذا
.وبعض المجالت العربیة المھاجرة. كالعادة
أن أقول إنه حصل على تغطیة إعالمیة كافیة، وأن ولكن يمكن .فني عربي في باريس الذين كتبوا عنه أجمعوا على أنه حدث
.وحدھا الصحافة الجزائرية تجاھلته، عن إھمال ال غیر، كالعادةوكأنھما . بطريقة مقتضبةجريدة ومجلة أسبوعیة واحدة، كتبتا عنه
.الصفحات، ولیس من قلة المواد الصحافیة تعانیان فعال من قلة
الذي وعدني بالحضور إلى بینما لم يحضر ذلك الصديق الصحافي،لة معي بالمناسبة باريس لقضايا شخصیة، وإلجراء مقابلة مطو
ورغم أنني رجل غیر مولع باألضواء، والجلوس لعدة ساعات . نفسھانفسي، فإنني كنت أتمنى أن تتم تلك لى صحافي لحديث عنإ
من الحديث مطوال إلى الشخص الوحید المقابلة، ألتمكن أخیرا .القارئ الجزائري.. الذي كان يعنیني حقا
لیخبرني أنه اضطر للبقاء في الجزائر، لتغطیة عبد القادر طلبني
األيام، ألسباب ازدھرت ھذه مھرجان ما من أحد المھرجانات التي .وآخرون.. غامضة يعلمھا هللا
ھناك من مقارنة بین مھرجان أو ملتقى لیس.. ولم أعتب علیه
وبین أي معرض رسمي، يتم إعداده واإلنفاق علیه بالعملة الصعبة .مھما كان اسم صاحبه، والسنوات التي أخذتھا منه تلك اللوحات
.افة الجزائريةالنھاية ال يمكن حتى أن أعتب على الصح في
للوحات الفنیة من متعة أو ترفیه ماذا يمكن أن يقدم معرضاالنتحار، للمواطن الجزائري الذي يعیش على وشك االنفجار، بل
وال وقت له للتأمل أو التذوق، والذي يفضل على ذلك مھرجاناويغني فیھا حتى الفجر، .. ويصرخ.. يمكن أن يرقص). الراي) ألغنیة
الشعبیة المشبوھة، ما تجمع في جیبه ى تلك األغانيمن قا عل ؟"لیبیدو" من دينارات، وما تراكم في جسده من
، والتي كعملتنا" الثروة"تلك يدري الوحیدة التي يملكھا شبابنا حقا
.للبؤس.. أين ينفقھا خارج األسواق السوداء
.غیره بعضھم أدرك ھذا قبل
الفراغ والبؤ1969سنة س الثقافي الذي كان يعیشه ، وفي عزأحدھم في بضعة أيام، أكبر مھرجان عرفته الجزائر الوطن، اخترع
، دعیت إلیه قارة "اإلفريقي األول المھرجان"وإفريقیا، كان اسمه في شوارع _ أحیانا عارية_وقبائل إفريقیة بأكملھا لتغني وترقص
!الجزائر لمدة أسبوع كامل على شرف الثورة . أنفقت وقتھا، على مھرجان للفرح ظل األول واألخیر ینكم ن الي
محاكمة قائد تاريخي كان أثناء وكانت أھم إنجازاته التعتیم علىب رجاله في الجلسات المغلقة الثورة باسم.. ذلك، يستجوب ويعذ
.نفسھا
ودون أن تكون لي صداقة ما بذلك القائد، الذي كان اسمه الطاھر، وال أي عداء أيضا وقائدا مجاھدا خاص لذلك الحاكم الذي كان يوما
، بدأت وأصبحت أحذر . أعي لعبة السلطة، وشراھة الحكم أيضا تخفي .. والمؤتمرات األنظمة التي تكثر من المھرجانات إنھا دائما
ما .!شیئا
ذلك الحین، ويولد أول فھل ھي مصادفة أن تبدأ مشكالتي من ا؟مذاق للمرارة في حلقي يومھ
بعد أشھر، اعتذر لي بأسف صادق، عندما التقیت بذلك الصديق
.ووعدني أال يفوت معرضي القادم
على وقلت ربت :كتفه ضاحكا التاريخ ولكن. بعد أيام لن يذكر أحد اسم ذلك المھرجان.. ال يھم -
!سیذكر اسمي ال محالة ولو بعد قرن
:الجد قال لي بمزاح ال يخلو من أنك مغرور؟ أتدري -
:أجبته . فنحن ال نملك الخیار يا صاحبي" محقورا " أنا مغرور لكي ال أكون -
فقدنا غرورنا وكبريائنا، إننا ننتمي إلى أمة ال تحترم مبدعیھا وإذا !ستدوسنا أقدام األمیین والجھلة
؟ تساءلت بعدھا أأكون حقا مغرورا
إال لحظةاكتشفت بعد شيء من التفكیر، أنني ال أكون أقف مغرورا
كم بلزمني من الغرور . أمام لوحة بیضاء وأنا ممسك بفرشاةوأفض بكارتھا، وأتحايل على ارتباكي بفائض لحظتھا ألھزم بیاضھا فرشاتي؟ رجولتي، وعنفوان
..ولكن
حتى ما أكاد أنتھي منھا، وأمسح يدي من كل ما علق بھا من ألوان، وأنا أكتشف أنني أرتمي على األريكة المجاورة، وأتأملھا مدھوشا
..كان يعرق وينزف أمامھا الوحید الذي
!مخیف وأنھا أنثى عربیة تتلقى ثورتي ببرود وراثي
قت .. ولذا، حدث في لحظات انھیاراتي وخیباتي الكبرى أن مزوألقیت بھا في سلة المھمالت، بعدما أصبح وجودھا إحداھن
.يضايقني
السذاجة والبرودة بحیث تخلق عندك عقدة ھنالك لوحات ھي من !ولیس فقط عقدة إبداع.. رجولة
وربما لن يتوقع ضعفي وھزائمي . ذلك، لن يعرف أحد ھذا ورغم
.السرية أحد
لن يروا غیر انتصاراتي، معلقة على الجدران في إطار فاآلخرون في ركن من مرسمي وأما سالل المھمالت،. جمیل فستبقى دائما .ي، بعیدة عن األضواءوقلب
أو علیه فالذي يجلس أمام مساحة بیضاء للخلق، ال بد أن يكون إلھا
.أن يغیر مھنته
؟ أنا الذي حولني حبك إلى مدينة إغريقیة، لم يبق منھا أأكون إلھا غیر األعمدة الشاھقة المتآكلة األطراف؟ قائما
كل يوم؟ لھل يفید شموخي، وملح حبك يفتت أجزائي من الداخوكلمات تركتھا لي .. وال شي سوى رقم ھاتفي مستحیل.. شھران لھا .الفرشاة تجف
.وإذا بالصمت يصبح لوني المفضل
.والكتابة كما أردتھا أنت كنت أدرى جدلیة الرسم
. تقتلینھا بالكلمات كنت تفرغین من األشیاء كلما كتبت عنھا، وكأنك
، وكأنني أبعث الحیاة فيوكنت كلما رسمت امتألت بھا أكثر بھا، وأنا أعلقھا من جديد . تفاصیلھا المنسیة وإذا بي أزداد تعلقا
.الذاكرة على جدران
، بعدما أسكنتك أن أرسمك، ألیس يعني أن أسكنك غرف بیتي أيضا قلبي؟
ولكنني اكتشفت لیال بعد آخر . حماقة قررت في البدء أال أرتكبھا .قراري عبثیة
ن اللیل ھزيمتي؟لماذا كا
ألن للفن طقوس الشھوة أألنني كلما خلوت بنفسي خلوت بك، أم
لیال في ذلك الزمان الخارج عن ..الزمن السرية التي تولد غالبا والخارج عن القانون؟
تلغیه العتمة في ذلك الحد الذي.. على حافة العقل والجنون
..والفاصل بین الممكن والمستحیل ..كنت أقترفك
.بشفتي حدود جسدك كنت أرسم
.أرسم برجولتي حدود أنوثتك ..الفرشاة أرسم بأصابعي كل ما ال تصله
ر.. وأزرعك وأقطفك.. بید واحدة كنت أحتضنك وأعريك وألبسك وأغی
.تضاريس جسدك لتصبح على مقايیسي ..يا امرأة على شاكلة وطن
قايیسك دعیني بید واحدة أغیر م. بطولة أخرى امنحیني فرصةة ومقايیسك.. للرجولة ومقايیسك للحب كم من األيدي ! للذ
وتركت أظافرھا .. كم من األيدي تتالت علیك! احتضنتك دون دفء .وآلمتك خطأ.. وأحبتك خطأ. عنقك، وإمضاءھا أسفل جرحك على
. شیخوختي يخاف علي من العتمة، يخاف علي من وحدتي ومن
قھا . دون استشارتيفیعیدني إلى الطفولة يصد يقص علي قصصاي لي أغنیات ينام لسماعھا األطفال .األطفال .يغن
رى أكان يكذب؟ ھل تكذب األمھات ؟ ت أيضا
!ھذا ما ال يصدقه األطفال
جنوني؟ ما الذي أوصلني إلى
.ھذا؟ وھل تفعل القبل كل . ترى قبلتك المسروقة من المستحیل
ولم أصدقأذكر أنني قرأت عن ق ..بل غیرت عمرا
لنیتشه فبلسوف القوة والرجل الذي نظر طويال كیف يمكن
واحدة، سرقھا مصادفة في للجبروت والتفوق أن يقع صريع قبلةمن المرأة التي أحبھا أكثر "Lou " زيارة سیاحیة إلى معبد، صحبة
ل فیھا " أبولینیر" كان أحدھم . كاتب وشاعر في عصرھا الذي تغز في اسمھا المطابق طويال وبكاھا أمام ھذا الجسر نفسه، واجدا
السم الذئب دلیال قاطعا على قدره معھا؟ "Loup " بالفرنسیة تماما
أن تصحب معك عندما تزور امرأة ال تنس"القائل ) نیتشه(أما ، وبدون إرادة" العصا حتى إن . فقد كان أمامھا رجال محطما، ضعیفالم تترك ھذه المرأة أمام ابني سوى اختیار من بین " الت ي ما أمه
."!أو يصبح مجنونا .. أو ينتحر.. يتزوجھا إما أن: ثالثة
أخجل من ضعفي معك، وأنا فھل. يوم أحب" نیتشه"كان ھذا حال للقوة، ولست شمشون الذي فقد شعره وقوته لست فیلسوفا
األسطورية بسبب قبلة؟
على أندم علیھا، أنا الذي بدأ عمريھل أخجل من قبلتك، وھل شفتیك؟
ھل انتحر أم . من امرأة لم يتزوجھا" نیتشه"ال أدري كیف شفي
مجنونا؟ أصبح
أدري فقط، أنني قضیت شھرين وسط تقلبات نفسیة متناقضة، يشبه الجنون، ذلك الجنون الذي كان يغريك، كدت أالمس فیھا شیئا
، وتعتبرينه الصك الوحید الذي يشھد وكنت تتغزلین لي به كثیرا .للفنان بالعبقرية
الیوم، بعد كل تلك السنوات، أنني وصلت سأعترف لك.. فلیكن
إلى ذلك الحد المخیف من .الالعقل معك يوما اللعبة التي لم تكوني قد فقط، أم ألھديك ال شعوريا أكان عشقا
.هذلك الرجل المجنون الذي تحلمین ب: علیھا بعد حصلت
وقتھا، أن استعدت .قصت مع فص فصال حدث كثیرا
مرة يبدو لي حبك. كنت كل مرة أقع على استنتاجات متناقضة منذ . قصة أسطورية أكبر منك ومني مسبقا ربما كان مقدرا شیئا
.(سیرتا(قسنطینة مدينة تدعى كانت.. قرون، منذ
رته وأغراك جنونه ذاك ومرة أتساءل، ماذا لو كنت رجال استوقفتك بقص ما؟
تحلمین بارتكابھا في ماذا لو كنت مجرد ضحیة لجريمة أدبیة ما، كتاب قادم؟
فیك، فأذكر أنني "اإلجرامي"ثم فجأة تطغى طفولتك على الجانب
نسخة عن والدك وأنني بسبب قبلة حمقاء نسفت إلى . كنت أيضا .ذاك الجسر السري الذي كان يجمعنا األبد
نومي وأتجه إلى وأستیقظ من. ك، كنت أقرر االعتذار منكآنذا من أين: أجلس طويال أمام لوحتك البیضاء وأتساءل. مرسمي
أبدأك؟
. أتأمل طويال صورتك، على ظھر روايتك التي أھديتنیھا دون إھداء لوجھك . أن وجھك ال عالقة له بالصورة أكتشف فكیف أضع عمرا
عنك نسخة دون أن أخونك؟ أنقلكیف . الجديد والقديم معا
العجیب ، ذلك الرسام)لیوناردو دافنشي( أتذكر وسط ارتباكي على أن يرسم بیده الیمنى ويده الیسرى باإلتقان الذي كان قادرا
لیمنحھا الخلود والشھرة؟ وبأي ) الجوكندا(تراه رسم بأي يد. نفسه أنا؟ يد يجب أن أرسمك
ترسم إال بالید الیسرى، تلك التي لم تعد ماذا لو كنت المرأة التي ال
يدي؟
وأجلس ألتفرج علیك . خطر ببالي مرة أن أرسمك بالمقلوب
سرك عساني أكتشف فربما كانت ھذه الطريقة الوحیدة . أخیرا .لفھمك
. تلك للوحة مقلوبة في معرض فكرت حتى في إمكانیة عرض
."أنت"سیكون اسمھا
يعجبون بھا، دون أن يتعرف أحدھم دوق. سیتوقف أمامھا الكثیرون .تماما علیك
!النھاية؟ ألیس ھذا ما تريدين في
***
أكثر من أسبوع، وأكثر من نشرة جوية قبل أن يأتي صوتك ذات مر :صباح دون مقدمات
كیف أنت؟ -
:وارتبك الكالم. يتوقع ھدية صباحیة كتلك اندھش القلب الذي لم وينك؟ -
ل لي كان صوتك يبدو أو ھكذا خی ولكنك أجبتني بضحكة . قريبا :أعرف مراوغتھا
!تحزر حاول أن -
:أجبتك كمن يحلم ھل عدت إلى باريس؟ -
:وقلت ضحكت جئت ھنا منذ أسبوع ألحضر زواج . أنا في قسنطینة.. أي باريس -
ني عنك ماذا . وقلت ال بد أن أطلبك من ھنا.. القريبات إحدى طم
تسافر إلى أي مكان؟ ألم.. الصیف تفعل في ھذا
:اختصرت عذابي في بضع كلمات قلت كیف لم تتصلي بي حتى اآلن؟.. جد تعب ..إنني متعب -
شیخ يطلب منه فقلت وكأنك طبیب سیكتب وصفة لمريض، أو :كتابة حجاب أو تعاويذ سحرية
أنت ال . يجب أن تعذرني.. ريبا وهللا سأكتب لك.. سأ تب لك -
لن سه في إن الواحد ال يخلو. تدري كم الحیاة ھنا مزعجة وصعبة ..حتى الكالم على الھاتف مغامرة بولیسیة. ھذه المدينة ولو لحظة
وماذا تفعلین؟ - حتى. أنتقل من بیت إلى آخر، ومن دعوة إلى أخرى.. ال ش ء -
..المدينة لم أتجول فیھا على قدمي، لقد عبرتھا بالسیارة فقط
ھاما أضفت وكأنكثم :تذكرت فجأة شیئا جسورھا ال إن أجمل ما في قسنطینة،. أنت على حق.. أتدري -
..لقد ذكرتك وأنا أعبرھا. غیر
ولكنني سألتك " تحبینني؟ ھل"كنت أود تلك اللحظة لو سألتك :بحمافة .ھل تحبینھا؟ -
الصمت، وكأنني طرحت علیك سؤاال أجبتني بعد شيء من :التفكیر يستدعي ..أحبھا ربما بدأت - :قلت ..شكرا -
عینیه لینظر إلى ويفتح.. المرء يفتح شباكه لینظر إلى الخارج وما النظر سوى تسلقك الجدار الفاصل بینك وبین.. الباطن ."..الحرية
. لت سیجارة صباحیة على غیر عادتيفي ذلك الصباح، أشع
شرفتي أمام فنجان قھوة، أتأمل نھر السین، وھو وجلست على .میرابو يتحرك ببطء تحت جسر
ني ذلك الصباح دون مبرر . كانت زرقته الصیفیة الجمیلة، تستفز
.فجأة بالعیون الزرق التي ال أحبھا تذكرني
على ھذا النھر؟ العداء أعلنت.. أترى ألنه ال نھر في قسنطینة
.عجل كنت فجأة على. نھضت دون أن أكمل سیجارتي
. عفوك أيھا الجسر التاريخي. عفوك أيھا النھر الحضاري.. فلیكن آخر غیر ). أبولینیر(صديقي عفوك سأرسم جسرا ھذه المرة أيضا .ھذا
بك، بصوتك القادم من ھناك، لیوقظ من كنت ھذه المرة ممتلئا .ينة داخليجديد تلك المد
وكان داخلي شيء ما . أكن قد لمست الفرشاة من ثالثة أشھر ألم
كل تلك األحاسیس . بأخرى على وشك أن ينفجر بطريقة أو والعواطف المتضاربة، التي عشتھا قبل رحیلك وبعده، والتي
.تراكمت داخلي كقنبلة موقوتة
.وكان ال بد أن أرسم ألرتاح أخیرا
أرسم بیدي الموجودة وبتلك . أصابعيملء .. ملء يدي أرسمبتناقضي وجنوني وعقلي، بذاكرتي أرسم بكل تقلباتي،. المفقودةإال من حتى ال أموت قھرا ذات صیف، في مدينة فارغة. ونسیاني
.السواح والحمام
.سیدي راشد وھكذا بدأت ذلك الصباح لوحة لقنطرة جديدة، قنطرة
أنني أبدأ أغرب تجربة رسم فيلم أكن أتوقع يومھا وأنا أبدأھا، حیاتي، وأنھا ستكون البداية لعشر لوحات أخرى، سأرسمھا في
لسرقة ساعات قلیلة من النوم، أنھض شھر ونصف دون توقف، إال بشھیة جنونیة للرسم مخطوفا .منھا غالبا
يصعب إيقافه كانت .األلوان تأخذ فجأة لون ذاكرتي، وتصبح نزيفا
لوحة حتى تولد أخرى، وما أنتھي من حي حتى ما كنت أنتھي منحتى تصعد من داخلي يستیقظ آخر، وما أكاد أنتھي من قنطرة،
..أخرى
، جسرا .. كنت أريد أن أرضي قسنطینة حجرا .. حیا .. جسرا ..حجرا، كما يرضي عاشق جسد امرأة لم تعد له .حیا
بفرشاتي، وكأنني أعبر كنت أعبرھا ذھابا ل . ھا بشفاھيوإيابا أقب
وكنت أسعد وذلك القمیص يلتصق بي، بعد ساعات من االلتحام .بھا
ونحن في ممارسة الحب كما في ممارسة . العرق دموع الجسد
. وال من أجل أية لوحة. جسدنا من أجل أية امرأة ال نب يالرسم، .الجسد يختار لمن يعرق
أن تكون قسنطینة، ھي اللوحة التي بكى لھا وكنت سعیدا .جسدي
من الصیف، كنت ما أزال أتوقع رسالة منك، في ذلك الشھر األخیر
من القوة والحماسة اللتین افتقدتھما خالل الشھرين تعطیني شیئا .عندما فاجأتني رسالة من زياد. ماضیین لغیابكال حتى قبل أن كانت رسائله القادمة من بیروت تدھشني دائما
.أفتحھا
مرة، كیف وصلت ھذه الرسالة إلى ھنا؟ من أي كنت أتساءل كليكون قد كتبھا؟ أي مخیم أو من أية جبھة، تحت أي سقف مدمر
یھا حتى تصل ھنا، صندوق أودعھا، وكم من ساعي بريد تناوب عل بالحي السادس عشر بباريس؟.. صندوق بريدي داخل
بحب خاص تذكرني بزمن حرب التحرير، كانت. كنت أعاملھا دائما
.يوم كنا نبعث الرسائل ألھلنا مھربة تحت الثیاب وكم من الرسائل ! من الرسائل لم تصل، وماتت مع أصحابھا كم
.لح ألكثر من روايةقص تص ھنالك. وصلت بعد فوات األوان
.السنة آخر رسالة لزياد كانت تعود لما يقارب
، كان يحدث أن يكتب لي ھكذا دون مناسبة، رسائل مطولة أحیانایھا وموجزة أخرى، كان يسم ."إشعار بالحیاة"أحیانا
التي يريد أن يخبرني بھا فقط أنه في البدء ضحكت لھذه التسمیة
.مازال على قید الحیاة
فقد كان . صمته الطويل، وانقطاع رسائله بعدھا أصبحت أخاف .يحمل لي احتمال إشعار بشيء آخر
المرة، كان يريد أن يخبرني أنه قد يحضر إلى باريس في بداية ھذه مني لیتأكد من وجودي في باريس وأنه ينتظر. أيلول سريعا جوابا
.في ھذه الفترة .نيوأسعدتني وأدھشت.. رسالته فاجأتني
كدت أذكره ما.. طويل عمر ھذا الرجل"ذھب تفكیري إلیك وقلت ثم تساءلت تراك قرأت أشعاره؟ وھل أعجبتك؟ ". معك حت حضر
فعلك إذا قلت لك إنه سیحضر إلى باريس، أنت وماذا سیكون رد اھتماما بقصته؟ التي خفت أن يكون قد مات، وأبديت
.كذلك ید توازني تدريجیا وكنت أستع. كان الصیف ينسحب تدريجیا
كان ال بد أن أرسمھا ألخرج . لقد أنقذتني تلك اللوحات من االنھیار .تلك المطبات الجنونیة التي وضعت علیھا قدمي معك من من كن قد أو ربما لم . ولكن لم يكن ذلك يعنیني. وزني فقدت كثیرا
أنسى أن إلى اللوحات، و أكن وقتھا ألنتبه له، بعدما أصبحت أنظر .أنظر إلى نفسي في مرآة
وزن في أيام، ھو الذي ربحته من كنت أعتقد أن الذي خسرته من
ولذا كان يحلو لي أن أتأمل نزيفي. مجد إلى األبد وجنوني معلقا .إحدى عشرة لوحة لم تعد تكفیھا جدران البیت: أمامي
اتي تعلقي بھا، كذلك، لكوني كنت أدري وأنا أضع فرش وربما جاء
قد تمر عدة أشھر قبل أن أشعر برغبة آلخر مرة وأنا أنتھي منھا، أنه .جديدة في الرسم
.وارتحت.. من ذاكرتي فقد كنت فرغت مرة واحدة
وكنت سعیدا أو ربما في حالة ترقب. كنا على أبواب أيلول .للسعادة
كانت. كنت أنتظر الخريف كما لم أنتظره من قبل.. ستعودين أخیرا
اللوازم . یاب الشتوية المعروضة في الواجھات تعلن عودتكالث .المحالت، تعلن عودتك المدرسیة التي تمأل رفوف
كانت تحمل كلھا.. والتقلبات الجوية.. والريح، والسماء البرتقالیة
.حقائبك
..ستعودين
.مع المحافظ المدرسیة مع النوء الخريفي، مع األشجار المحمرة،
..ستعودين
زحمة السیارات، مع األطفال العائدين إلى المدارس، معمع .مواسم اإلضرابات، مع عودة باريس إلى ضوضائھا
.مع المطر.. الغامض مع الحزن
.مع نھايات الجنون.. مع بدايات الشتاء
يا .. يا طمأنینة العمر المتعب.. يا معطفي الشتوي.. لي ستعودين .الثلجیة أحطاب اللیالي
ال تھیئ"كیف نسیت تلك المقولة الرائعة ألندريه جید . ؟أكنت أحلم
كیف نسیت نصیحة كھذه؟!" أفراحك
. األعاصیر والدمار تأتي وترحل وسط. كنت في الواقع امرأة زوبعة لي لغیري وبردا .كنت معطفا
.بدل أن تدفئني كنت األحطاب التي أحرقتني
.كنت أنت
..وكنت أنتظر أيلول إذن
بصدق مطلق ر عودتكأنتظ ماذا تريدين مني . لنتحدث أخیرا
وما اسم قصتنا ھذه؟ ..ومن أكون أنا بالنسبة إلیك. بالتحديد
.أخطأت مرة أخرى
.كان وقتا لجنون آخر .لم يكن الوقت للسؤال وال للجواب
..زياد وجئت، زوبعة صادفت زوبعة أخرى، اسمھا. كنت أنتظر األمان
.وكانت األعاصیر
. خمس سنوات بباريس لم يتغیر زياد منذ آخر مرة رأيته فیھا، منذ، أكثر رجولة مع العمر، من ذلك الوقت ربما أصبح فقط أكثر امتالء
يوم . في مك بي 1972الذي زارني فیه ألول مرة في الجزائر سنة بوزن فارعا .أقل، وربما بھموم أقل أيضا كان شابا
بف المتمرد الذي لم يتعود وقمیصه. وضوية مھذبةمازال شعره مرتبا
أو زرين بزر دائما على ربطة عنق، مفتوحا وصوته. يوما الممیز دفئا، حتى عندما يقول أشیاء عادية ، يوھمك أنه يقرأ شعرا فیبدو. وحزنا
.وكأنه شاعر أضاع طريقه وأنه يوجد خطأ حیث ھو
يصل بعد إلى وجھته أنه لم في كل مدينة قابلته فیھا، شعرت .النھائیة، وأنه يعیش على أھبة سفر
على حقائبه كان حتى عندما لم . يجلس على كرسي يبدو جالسا
حیث كان، وكأن المدن مرتاحا التي يسكنھا محطات ينتظر يكن يوما ال يدري متى يأتي .فیھا قطارا
.كله وربما احتله.. نوافذ ھذا البیت، واحتل غرفة من غرفه
إلى عاداتنا القديمة التي دنا تلقائیا تعود إلى خمس سنوات، ع .زارني ألول مرة في باريس عندما
وتحدثنا في جلسنا. رحنا من جديد إلى المطاعم نفسھا تقريبا ر منذ ذلك الحین ، فال شي تغی لم ي قط . الموضوعات نفسھا تقريبا
عربي واحد من تلك األنظمة التي كان زياد يراھن على نظام لزال سیاسي ھنا أو ھناك، ز لم يحدث أي . سقوطھا منذ عرفته
ر خريطة ھذه األمة .لیغی
ولكن من تراه . للزالزل والرمال المتحركة وحده لبنان أصبح وطنا سیبتلع في النھاية؟
وكان . السؤال الذي حاولنا أن نتنبأ به بأكثر من جواب كان ھذا ھو
في القضیة الفلسطینیة، وفي النقاش يصب في النھاية دائما لبنان، صائلھا، والمعارك التي حدثت بین عناصرھا فيخالفات ف
والتصفیات الجسدية التي راح ضحیتھا أكثر من اسم فلسطیني .الخارج في
كان حديث زياد ينتھي كالعادة بشتم تلك األنظمة التي تشتري بالدم الفلسطیني، تحت أسماء مستعارة كالرفض مجدھا
غضبه بكل النعوت فینعتھا في فورة. والمواجھة.. والصمود .مرة الشرقیة البذيئة، التي أضحك لھا وأنا أكتشف بعضھا ألول
ار قاموسھم الخاص، الذي تفرزه ثورتھم أن لكل ثو وأكتشف أيضا
الخاصة، فأستعید بحنین، مفردات أخرى لزمن آخر ومعايشتھم .وثورة أخرى
د، والتي األسبوع ھو أجمل األيام التي قضیتھا مع زيا ربما كان ھذاأذكر غیرھا، حتى ال أشعر حاولت بعد ذلك ولعدة سنوات أال
بالمرارة وال بالحسرة على كل ما عشته بعدھا عن خطأ أو عن .صواب
بي من ألم من غیرة ومن صدمات، وأنا أضعكما ذات يوم .. كل ما مر
لوجه، دون أية مقدمات أو توضیحات خاصة ھكذا ..وجھا ى غد: "له لت ."..ال بد أن أعرفك علیھا.. صديقة كاتبة ا معسنتغد
على طريقته الخاصة وھو قال. لم يبد علیه اھتمام خاص بكالمياألدب أنا أكره النساء عندما يحاولن ممارسة: " يعود لقراءة جريدته
عن ممارسات أخرى ، .. تعويضا أتمنى أال تكون صديقتك ھذه عانساصبر لي على ھذا النوع من ف نا ال.. الیأس أو امرأة في سن
"!النساء
!وأبتسم.. فكرته رحت أتعمق في. لم أجبه
للغداء في ذلك المطعم: "على الھاتف قلت لك .. نفسه تعالي غدا "..فأنا أحمل لك مفاجأة ال تتوقعینھا
: لت "ألیس كذلك؟ ..إنھا لوحتي"
"!إنھا شاعر.. ال: "أجبتك بعد شيء من التردد
*** ..تقیتما إذنال
:أيضا ويمكن أن أقول ھذه المرة والذين بنوا بینھا. الذين قالوا وحدھا الجبال ال تلتقي أخطأوا"
في قوانین لتتصافح دون أن تنحني، ال يفھمون شیئا جسورا .الطبیعة
وعندھا ال . تلتقي إال في الزالزل والھزات األرضیة الكبرى الجبال ال ."واحد ترابتتصافح، بل تتحول إلى
فأين العجب، إذا كنت ھذه المرة.. وكان كالكما بركانا .. التقیتما إذن
أنا الضحیة !أيضا
..مازلت أذكر ذلك الیوم
في وصلت متأخرة بعض الشيء، وكنت مع زياد قد طلبنا مشروبا ..انتظارك
..ودخلت
ثني عن شيء ما عندما صمت فجأة، وتوقفت عیناه كان زياد يحد
.المطعم علیك وھو يراك تجتازين باب
مین نحونا في ثوب أخضر.. فاستدرت بدوري نحو الباب ..ورأيتك تتقد .أنیقة، مغرية، كما لم تكوني يوما
ا وبقیت أنا من دھشتي .وقف زياد لیسلم علیك وأنت تقتربین من .كان من الواضح أنه لم يتوقعك ھكذا. السا
..أخیرا ھا أنت ذي
رني إلى ذلك الكرسي، وكأن تعب كل ما يسم أحسست أن شیئاالماضیة، وكل عذابي بعدك قد نزل علي فجأة، ومنع األسابیع
.رجلي من الوقوف
؟!أھذه أنت حقا .. ذي أخیرا ھا أنت
مت نفسك لزياد، وقبل أن أفكر في تعريفكما ببعض، كنت قد قدفك ب :نفسه عندما قاطعته قائلةوكان ھو بدوره على وشك أن يعر
ألست زياد خلیل؟.. دعني أحزر -
قبل أن يسألك :ووقف زياد مدھوشا عرفت؟ كیف -
استدرت نحوي عندئذ وكأنك تكتشفین وجودي ھناك، فوضعت
ھین الحديث إلیه قبلتین على ي وقلت وأنت توج :خد ..الرجل أنت تملك شبكة إعالن قوية في شخص ھذا - صین مالمحيثم سأ :لتني وأنت تتفح الذي حدث لك في ھذه العطلة؟ ما.. لقد تغیرت بعض الشيء -
ل زياد لیقول ساخرا :تدخ إنه لم يفعل .. عشرة لوحة في شھر ونصف لقد رسم إحدى -
غیر ھذا أعتقد أنني لو .. ينام نسي حتى أن يأكل ونسي أن. شیئا وإعیاء لم أحضر إلى باريس لمات ھذا الرجل الذ ي أمامك جوعا
!كما لم يعد الرسامون يموتون الیوم.. وسط لوحاته
بشيء من الذعر، وكأنك كنت تخافین وبدل أن تسألیني سألت زياد :صورتك أن أكون قد رسمت إحدى عشرة نسخة من
ماذا رسم؟ -
ھھا إلي :أجابك زياد بابتسامة وج من . .ال شيء سوى قسنطینة.. رسم قسنطینة لقد - وكثیرا
..الجسور
وتجلسین صحت وأنت تسحبین :كرسیا إنني عائدة.. أرجوكم ال تحدثوني عن قسنطینة مرة أخرى.. ال - توا
إنھا الوصفة المثالیة لكي ينتحر المرء أو .. إنھا مدينة ال تطاق. منھا ! جنونا يصبح
ھت كالمك إلي :ثم وج المدينة؟ متى تشفى أنت من ھذه -
"!منك يوم أشفى"كان يمكن أن أقول لك لو كنا على انفراد
:ولكن زياد أجاب ربما نیابة عني ولھذا .. ولھذا نحن نرسم.. آنستي نحن ال نشفى من ذاكرتنا يا - ..ولھذا يموت بعضنا أيضا .. نحن كتب
في كل شيء.. زياد رائع وشاعرا .كان مدھشا
دون جھد .ويغري دون جھد. دون جھد ويكرهويحب . كان يقول شعرا
أستمع لما وال". أنت جزائرية إذن؟"كنت أنظر إلیه وھو يسألك .تقولینه له
وأنني لم بدا لي في تلك اللحظة أن الحديث كان يدور بینكما فقط،
.أقل كلمة واحدة منذ قدومك
فقط في تلك الجلسة الغريبة .للقدر كنت طرفا
.في تفاصیلك عن شرح لما حل بي وأبحث.. كنت أنظر إلیك
"ما ھو أجمل شيء فیك؟: " وما سألتك
.ابتسمت بإيماء غامض ولم تجیبي للرغبة. تكوني األجمل، كنت األشھى لم !فھل ھناك من تفسیر
..أيضا ربما كان زياد يشبھك
اكتشفت ذلك مع مرور األيام، وأنا أنظر إلیكما وأنتما تتحدثان أمامي .ةكل مر
شي من السحر الغامض فیه من الجاذبیة التي ال عالقة .. كان أيضابل .. وكانت فكرة تشابھكما أو تطابقكما ھذه تزعجني. بالجمال لھا
ھتني إلى تدھور . األولى وأزعجتني ربما من اللحظة عندما نبة وتألق صحتي وشحوب لوني، بینما كنت أراكما أمامي في صح
.مثیر للغیرة
وأنا أكتشف أنني لست.. أت الغیرة تتسلل إلي اللحظةترى بد
سوى شبح بینكما، ووجه حشر خطأ في لوحتكما الثنائیة؟
ھي يومھا ب ن ولذا لم . أنني وصلت إلى تلك الحالة بسببك لم تت تعتذري لي، بل وأكثر من ذلك كنت تتحدثین إلیه.. قلیال إلي .وكثیرا
:قل له ؛ لقد اعد ي "مشاريع للحب القادم" األخیر لقد أحببت ديوانك -
ما على تحمل ھذه العطلة البائسة مقاطع منه ھنالك. شیئا ..حفظتھا لفرط ما أعدت قراءتھا
:زياد ورحت تقرأين أمام دھشة
ص بي الحزن ال تتركیني لحزن المساء" ترب
سأرحل سیدتي الیوم بابك قبل البكاء أشرعي
ر بي للبقاءفھذي المنافي تغر انتظار وھذي المطارات عاھرة في
"...تراودني للرحیل األخیر
ألول .مرة كنت أستمع إلیك تقرئین شعرا
كان في صوتك موسیقى آللة لم تخلق بعد أتعرف علیھا ألول مرة فإذا بھا عزف لشيء .. نبرتك التي خلقت في البدء للفرح في حزن
.آخر
ھول، وكأنه فجأة يجلس خارج إلیك بشيء من الذ وكان زياد يستمع .الزمن وخارج الذاكرة
قرر أن يجلس على شيء آخر غیر حقائبه لیستمع إلیك كأنه .أخیرا
يقرأ بقیة تلك القصیدة وكأنه يقرأ لك طالعه ال راح.. وعندما سكت :غیر
وطن ومالي سواك "
رصاصة عشق بلون كفن.. وتذكرة للتراب
وال شيء غیرك عندي "!لعمر قصیر .. مشاريع ح
شعرت أن شحنة من الحزن المكھرب وربما الحب.. في تلك اللحظة
قد سرت بیننا، واخترقتنا نحن الثالثة .المكھرب أيضا
به كنت.. كنت أحب زياد كنت أشعر أنه يسرق مني كلمات . مبھورا ..أيضا الحزن، وكلمات الوطن، وكلمات الحب
.كما كان يحلو له أن يقول كان زياد لساني، وكنت أنا يده
! عا .. أنك أصبحت قلبنا.. أشعر في تلك اللحظة وكنت
***
.كان يجب أن أتوقع كل الذي حدث
يمكن أن أوقف انجرافكما بعد ذلك؟ فھل كان
بذلك العالم الفیزيائي الذي ، ثم يصبح كنت شبیھا يخترع وحشا عن السیطرة علیه .عاجزا
بل وكتبتھا فصال . قصتكما بیدي أنني صنعتكنت أكتشف بحماقة
.أبطالي فصال بغباء مثالي، وأنني عاجز عن التحكم في
كیف يمكن أن أضع أمامك رجال يصغرني باثنتي عشرة سنة، ، وأحاول أن أقیس نفسي به أمامك؟ ويفوقني وإغراء حضورا
نع التي كانت تجمعكما بتواطؤ، وأم كیف يمكن أن أفك صلة الكلمة
تحفظ أشعاره عن ظھر قلب؟ كاتبة أن تحب شاعرا
بعد من حبه الجزائري السابق، وكیف أقنعه ھو الذي ربما لم يشفأنت التي جئت لتوقظي الذاكرة، وتشرعي نوافذ أال يحبك النسیان؟
الذي كان .. أتیت بكما ألضعكما أمام قدركما وكیف.. كیف حدث ھذا
قدري !أيضا
:مساءال قال لي ذلك ، فربما بدأت.. إنھا رائعة ھذه الفتاة - ال أذكر أنني قرأت لھا شیئا
ولكنني أعرف ھذا . الكتابة بعدما غادرت الجزائر حسب ما فھمت .. قرأته في مكان ما لقد سبق أن.. االسم علي .إنه لیس غريبا
:قلت له وقتھا
ارع في إنه اسم لش. تقرأ ھذا االسم وإنما سمعته فقط أنت لم -
الذي استشھد أثناء ) عبد المولى الطاھر(الجزائر يحمل اسم أبیھا .الثورة
.يقول شیئا وضع زياد جريدته ونظر إلي دون أن
في تفكیره .أحسسته ذھب بعیدا
يكشف كل الھوامش المثیرة للقائكما في تلك تراه بدأ أيضا
يب وكل التفاصیل العجیبة التي ال يمكن أن.. الظروف قى محايدا أمامھا؟
.شعرت برغبة في الكالم عنك أكثر
كدت أخبره أنك ابنة . أحدثه عن سي الطاھر كنت على وشك أن
تي. قائدي وصديقي أنت . العجیبة معك كدت أقص علیه حتى قصالتي كان يمكن أن تكوني ابنتي، قبل أن تصبحي فجأة بعد ربع
!حبیبتي قرن
. وتصادفھا مع میالدك) حنین(لى كدت أحكي له قصة لوحتي األووسبب تدھور صحتي وجنوني .. لوحاتي األخیرة وعالقتھا بك وقصة ..األخیر
.سر قسنطینة كدت أشرح له
ذ بحمله مت ألحتفظ بسرك لي كما نحتفظ بسر كبیر نتلذ وحدنا؟ أص
.أكان لحبك نكھة العمل السري ومتعته القاتلة؟
ف له دون أن أدري أنك حبیبتي، ھو أعتر أنم تراني كنت أخجل أن
والذي تقاسمت معه كل شيء؟ الذي لم أخجل منه يوما
قتسم، قررت منذ البدء أن تكوني ألحدنا خلق لی ..أألنك حب لم ي فقط؟
أعن صداقة أو حماقة، كنت أريد أن أمنحه فرصة حبك الذي قد ه من السعادة المسروقة من المو يكون حب ت األخیر، وأياما
وفي كل مدينة؟.. حین المحتمل الذي كان يتربص به في كل
زيارة ماذا جاء زياد يفعل في باريس؟ من الواضح أنه لم يأت فيربما جاء لیقوم ببعض االتصاالت السرية، يلتقي ببعض . سیاحیة ..يعطي تعلیمات ال أدري يتلقى أو.. الجھات
ما شیئا على الھاتف، اعیدهكان يتحاشى أخذ مو. ولكنه كان قلقا
.وكان ال يغادر البیت بمفرده إال نادرا
أي كان ھناك . سؤال حول سبب زيارته لباريس ولم أطرح علیه يوماأحترم أسرار شيء من بقايا فترة كفاحیة في حیاتي، تجعلني
.اآلخرين عندما يتعلق ذلك بقضايا نضالیة
سرنا وصمتنا ولھذا نقلنا . يحترم صمتي كنت أحترم سره، وكان .حتى قصتنا المشتركة معك
ما بیني وبینك؟ أكان بحدسه المفرط يتوقع شیئا
وجود حب ملتھب كھذا أم تراه أمام تظاھري بالالمباالة، لم يتوقع .في أحشائي
على رؤوس وكیف يمكن أن يتوقع ذلك، وأنا أنسحب تدريجیا
لمزيد من التو سع؟األصابع، ألترك له المجال تدريجیايتحدث إلیك ويدعوك إلى . أدعه يجیب على الھاتف نیابة عني كنت
يوم زرت البیت بعد ذلك ألول مرة ربما كان أكثر .األيام وجعا
تقلین من رحت تن. للوحاتي لتنتبھي إلیھا كان ال بد أن ينبھك زياد
يستوقفك ذلك الممر، لم. غرفة إلى أخرى وكأنك تعبرين غرف بیتك على عقب .وال ذكرى قبلة قلبت حیاتي رأسا
، أم عندما فتحت أكانت تلك ، ) خطأ؟(اللحظة ھي األكثر ألما بابا
فوقفت أمام ذلك الباب نصف ". زياد ھذه غرفة" قلت لك وض حا كل مما قضیته من وقت أمام المفتوح، لحظات بدت لي أطول
.لوحاتي مجتمعة
:نفسھا قلت وأنت تعودين إلى الصالون وتجلسین على تلك األريكة كان يكفي .. جنون ھذا.. ال أفھم أن تكون رسمت كل ھذه الجسور -
..اثنتان لوحة أو
أعن قناعة أم عن لیاقة تطوع زياد لیجیبك نیابة عني، بعدما الحظ ، وقع :والحظ تلك الخیبة التي أفقدتني صوتي كلماتك علي
لقد حكمت علیھا من النظرة .. اللوحات أنت لم تتأملي ھذه -
ھنالك . تشابھت وفي الرسم، اللوحات ال تتطابق وإن.. األولىال د ن ) الكود(شيء شبیه بـ .. أرقام سرية تفتح لغز كل لوحة
يوصله إلینا عنه للوصول إلى ذلك اإلشعار بشيء ما يريد أن البحث ..صاحبھا
الشھیرة، ) العبي الورق(بنفس ھذه السرعة أمام لوحة لو مررت
أمام طاولة، ولما انتبھت إلى لما الحظت سوى العبین جالسینأراد أن إن ما. كونھما يمسكان بأوراق بیضاء يخفیانھا على بعض
للعبة الورق بل مشھد من التزوير " سیزان"ينق ه لنا لیس مشھداوربما المتوارث مادام أحد الالعبین أكبر من الثاني .. علیه لمتفقا
. نا
:يواصل زياد كالمه قاطعته قائلة وقبل أن أم أن .. في الرسم ھل أنت خبیر أيضا .. من أين تعرف كل ھذا -
عدوى خالد انتقلت إلیك؟
:وقال ضحك زياد واقترب منك بعض الشيء
إنه ترف لیس في متناول .. إلطالقلیس ھذا میدان خبرتي على ا -
أنا ال أعرف غیر قلة . بل إن جھلي في الفن سبفاجئك.. مثلي رجلوفي .. أعمالھم عن طريق المصادفة قلیلة من الرسامین اكتشفت
الحديثة التي ولكنني أحب بعض المدارس.. الكتب المختصة غالبا ..تطرح أسئلة من خالل أعمالھا
أحب الفن . المحترمة ال تھزني والجوكندةالفن للفن ال يقنعني،
الذي يضعني في مواجھة وجودية مع نفسي، ولھذا أعجبت .إنھا أول مرة يدھشني فیھا حقا .. بلوحات خالد األخیرة
د مع ھذا الجسر لوحة بعد أخرى في فرح ثم في حزن لقد توح
كامال متدرج حتى العتمة، وكأنه عاش يتوقیته يوما ..أو عمرا
من الجسر سوى شبحه البعید في اللوحة األخیرة ال يظل بادياكل شيء حوله يختفي تحت الباب فیبدو . تحت خیط من الضوء، عالمة ال ركائز تشد . استفھام معلقة إلى السماء الجسر مضیئا
ه على يمینه وال على يساره، أعمدته إلى أسفل، ال شيء يحد !كجسروكأنه فقد فجأة وظیفته األولى
أم بداية اللیل؟ أتراه يحتضر أم يولد مع أترى بداية الصبح عندئذ
كال سر ل حة بعد خیط الفجر؟ إنه السؤال الذي يبقى معلقا بلعبة الظل والضوء المستمر، بالموت والبعث أخرى، مطاردا
ألن أي شيء معلق بین السماء واألرض ھو شيء يحمل المستمر، .موت معه
لم يخطر تع إلىكنت أسم ، وربما اكتشفت شیئا زياد مدھوشا .اللوحات ببالي لحظة رسم كل ھذه
أحق ما قاله؟
مني من المؤكد أن زياد كان يتحدث عن لوحاتي مث كل . خیرا
مدھشة ألعمال فنیة قمت بھا أنت النقاد الذين يعطونك شروحا نت فنا ا بساطة، دون أية تساؤالت فلسفیة، فیضحكونك إذا بكل
ك ال تھم وبسیطا دة في الفن صادقا وقد . الرموز والنظريات المعق، إذا كنت مثل وجنونا الكثیرين الذين يأخذون أنفسھم يمألونك غرورا
.قبل كان في تحلیل زياد حقیقة ھامة أدھشتني ولم أنتبه لھا من
قد كنت أعتقد وأنا أرسم تلك الجسور أنني أرسمك، ولم أكن في ل
عن وضعي المعلق . أرسم سوى نفسي الواقع كان الجسر تعبیرا ومنذ األزل علیه قلقي ومخاوفي ودواري دون كنت أعكس. دائما
.أن أدري
.يوم فقدت ذراعي ولھذا ربما كان الجسر ھو أول ما رسمت
ر في حیاتي منذ ذلك فھل تعني كل ھذه الجسور، أن ال شيء تغی الحین؟
وقد كان يمكن . ولكن لیس ھذا كل شيء.. ربما كان ھذا ھو األصح
رمز الجسر بأكثر من طريقة لزياد أن ولكن من .. يفلسف أيضاالمعروفة، ألن رموزنا تأخذ المؤكد أنه لن يذھب أبعد من الرموز
ثنايا يكن يعرف كل بعدھا من حیاتنا فقط، وزياد في النھاية لم .ذاكرتي
!الجسور ولم يكن زار تلك المدينة التي تعرف وحدھا سر
، قرأت عنه أنه قضى عدة يابانیا معاصرا تذكرت حین ذاك رساما
ئل مرة لماذا . وھو ال يرسم سوى األعشاب سنوات وعندما سويوم .. العشب فھمت الحقل يوم رسمت: "قال.. األعشاب دائما
."..الحقل أدركت سر العالمفھمت
.عالمه.. مفتاحه الذي يفتح به لغز العالم كل . وكان على حق
وألبرتو مورافیا يوم فھم .ھمنغواي فھم العالم يوم فھم البحر الرغبة، والحالج يوم فھم هللا، وھنري میلر يوم فھم الجنس،
.وبودلیر يوم فھم اللعنة والخطیئة
ته، عندما كان يجلس ارة العالمتراه فھم حق.. وفان غوغ وسادي معصوب الرأس أمام تلك النافذة التي لم يكن يرى .. منھا محموما
اد الشمس الشاسعة فال يملك أمام إرھاقه إال أن غیر حقول عب لوحة لمنظر فسه؟ يرسم أكثر من
ألن يده المحمومة لم تكن تقدر على رسم أكثر من تلك الزھور .البسیطة الساذجة
وإنما كان يواصل الرسم برغم ذلك، ال لیعیش من لوحاته.. ولكنه
.لینتقم لھا ولو بعد قرناألرقام القیاسیة ألم يقل ألخیه تلك النبوءة التي حطمت بعدھا كل
سیأتي يوم يفوق فیه ثمن ): "عباد الشمس(في ث ن ل حة ."حیاتي ثمن.. لوحاتي
؟ھل : تساءلت وأنا أصل إلى ھذه الفكرة .الرسامون أنبیاء أيضاكل ش ء مع ق يح ل م ته "أربط ھذه الفكرة بتعلیق زياد ثم رحت
"..معه
ة نبوءة تحمل كل اللوحات التي رسمتھا وإذا بي أسأل نفسي، أيت أم میالد تلك في درجة متقدمة من الالوعي والجنون؟ و أم
من المدينة؟ أصمود جسورھا المعلقة منذ قرون في وجه أكثر في دمار نشرة ة؟ أم سقوطھا جمیعا جوية وأكثر من ريح مضاد
التي ال يفصل فیھا بین اللیل والنھار ھائل مفاجئ، في تلك اللحظة !التاريخ غفلة.. سوى خیط باھت للغفلة
كنت تحت تأثیر تلك الرؤية المذھلة، عندما جاء صوتك لینتزعني من
.ھواجسي
ھین حديثك إلي :قلت وأنت توج أنك لم تزر قسنطینة منذ عدة إن من حسن حظك.. أتدري خالد -
تريد أن يوم. وإال لما رسمت من وحیھا أشیاء جمیلة كھذه.. سنوات عن الحلم.. تشفى منھا علیك أن تزورھا فقط !ستكف
، لم أكن أدري بقتل طبعا آنذاك، أنك ذات يوم ستتكلفین شخصیا
.قسنطینة مكرھا د حتى أعتابذلك الحلم، وتوصلیني في ما بع
سابقا جاء ھذه المرة أيضا ل زياد لیقول كالما .كالنبوءة.. لوقته تدخ
ب :قال بشيء من العتاب المھذ ھنالك أحالم نموت على . قتل حلم ھذا الرجل؟ لماذا تصرين على -
ولو بوھمه ..يدھا، دعیه سعیدا
. د تھمك بالدرجة األولىتعلقي على كالمه، وكأن أحالمي لم تع لم :سأل ه فقط ما ھو حلمك؟.. وأنت -
:قال ..ربما مدينة ما أيضا - الخلیل؟ ھل اسمھا -
:قال مبتسما أسماء أحالمنا.. ال - ننتسب لھا وال.. نحن ال نحمل دائما
.اسمي الخلیل ومدينتي اسمھا غزة ومنذ متى لم تزرھا؟ - ..ذ خمس عشرة سنة تماما أي من.. منذ حرب حزيران -
:ثم أضاف الذي يحدث لخالد الیوم، كان يقنعني في الماضي يوم يضحكني -
ا في الجزائر بالزواج والعیش لم يكن يفھم أن . ھناك نھائیا كنوھا ھو .تطاردني تلك المدينة إلى درجة إخراجي من كل المدن ونا اآلن يصل إلى كالمي من تلقاء نفسه، ويصبح بدوره مس
.بھا بمدينة، مطاردا
ثني عنھا أي مرة .. العجیب أنه لم يحد وكأنه لم يكن يولیھا اھتماماھنالك أشیاء شبیھة بالسعادة ال ننتبه لوجودھا إال بعدما . قبل من
!نفتقدھا
أنني كنت .. كان ذلك ما حدث لي ربما فقد كنت أعي تدريجیا معك قبل تلك العطلة وقبل أن .. وقبل مجيء زياد.. الصیفیة سعیدا
األطراف كل يتحول حبنا من عشق ثنائي عنیف إلى حب مثلثزواياه متساوية، ومن لعبة شطرنج يحكمھا العبان متقابالن، ويمأل
فیھا كل المربعات السوداء والبیضاء، بقانون المد والجزر الحبنجلس حولھا نحن الثالثة، بأوراقنا العشقي، إلى لعبة طاولة،
ل علیھا أسماء الذين طلبوني ال ذي وصل أثناء غیابي وبورقة سج خالل .تلك األيام ھاتفیا
كنت أدري أنني لن أجد اسمك. أمسكتھا دون أن ألقي علیھا نظرة
.فیھا
عن سفرتي وأخباري العامة، .. ثم راح يسألني عن المعرضالتطورات السیاسیة بشيء من القلق، الذي ويحدثني عن آخر
.آلخر ه بارتباكه لحظتھا أمامي لسبب أوفسرت
كنت أستمع إلیه وأنا أتفقد بحواسي ذلك البیت كما في خرافة عن الغول الذي م األجواء بحثا كان كلما عاد إلى بیته، راح يتشم
..مغارته أثناء غیابه إنسان قد يكون تسلل إلى
إحساس غامض كان يؤكد لي. كنت أشعر أنك مررت بھذا البیت .ذلك، دون أن أجد في الواقع حجة تثبت لي شكوكي
ة؟ ◌ يعقل أن تمر عشرة أيام دون أن ھل.. ولكن ھل تھم الحج
التقیتما ھل وأين يمكن أن تلتقیا في مكان غیر ھذا؟ وإذا.. تلتقیا ستكتفیان بالحديث؟
يعبد اللھب وكان زياد عاشقا .. كنت من ما لل بريت !مجوسیا
المرأة التي أنت.. أن يصمد طويال في وجه نیرانك فھل كان يمكن؟ يحلم الرجال أن يحترقوا بھا ولو وھما
عن فرح ما، عن سعادة ما أجد فیھا رحت أبحث في مالمح زياد
.الحجة القاطعة على أنك كنت له .على وجھه أي شعور خاص، غیر القلق ولكن لم يبد
:فجأة حدثني عنك قال
غداءنا األخیرمنھ لقد طلبت - لنتناول معا ..ا أن تأتي غدا :الدھشة صح بشي من لماذا األخیر؟ -
:قال ..األحد ألنني س سافر - ولماذا األحد؟ -
. عا قلتھا وأنا أشعر بشيء من الحزن والفرح
:أجاب زياد لم كن .كنت أنتظر فقط عودتك ألسافر.. ألنني يجب أن أعود -
أن أبق كامال وال بد . ى ھنا أكثر من أسبوعینمقررا لقد قضیت شھرا ..أعود أن
:ثم أضاف بشيء من السخرية .الباريسیة قبل أن أتعود على الحیاة -
كان تراك أنت الحیاة الباريسیة التي كان يخاف أن يتعود علیھا؟ تراه فلم يعد يھرب مرة أخرى من حب آخر أم أن مھمته قد انتھت أخیرا
الرحیل؟ مامه غیرأ
مر يوم السبت وسط مشاغل عودتي، وانشغال زياد بترتیب .سفره تفاصیل
ولكن كان يوم األحد . حاولت أن أتحاشى الجلوس إلیه ذلك المساء
لوجه نحن الثالثة في ذلك الغداء يتربص وجھا بنا ويضعنا أخیرا .الحاسم
رتھا على . قابلتني بحرارة لم أتوقعھا يومھا طريقتي بأنھا فس
على طبق من ). باالمتنان أو ربما(شعور بالذنب، ألم أقدم لك حبا !بیتي؟.. شعر على طاولة ھي
وكأنك .. شكرتني على رسائلي، وأبديت إعجابك بأسلوبي ثم
.إنشائیا أستاذة قدم لھا تلمیذ نصا
ثت زياد عنھا وربما أريته أزعجني شكرك العلني، وشعرت أنك حد .أيضا إياھا
عندما واصلت :كنت على وشك أن أقول شیئا
إلى ھذا الحد؟ .. ھناك تمنیت لو كنت معك - ھل غرناطة جمیلة حقا
بیت غارسیا لوركا في ألیس ).. خوانتا فاكیروس) وھل زرت حقا ..ھذا اسم ضیعته كما قلت؟ حدثني عنه
مث وجدت في طريقتك في بدء الحديث معي من الھوامش، شیئا یرا
.أيضا للدھشة، وربما للتفكیر
ت بنا، وبعد عشرة أھذا كل ما وجدت قوله بعد كل الزوابع التي مر من الجحیم الذي عشته وحدي؟ أيام
يو ا عن ال أدري كیف خطر عندئذ في ذھني شھد لفیلم شاھدته
..حیاة لوركا :قل لك لوركا؟ أتدرين كیف مات - : لت ..باإلعدام- :قلت وكان يمشي .. شاسع وقالوا له امش وضعوه أمام سھل.. ال -
دون أن يفھم تم ما ما عندما أطلقوا خلفه الرصاص، فسقط میتا .الذي حدث له
يتوقعه، فلم يكن لوركا يخاف الموت، كان. إنه أحزن ما في موته
على األقدام كما نذھب لموعد مع صديق ولكن .. ويذھب إلیه مشیا !فقط أن تأتیه الرصاصة من الظھر رهكان يك
رفع عینیه . الصدر شعرت آنذاك أن زياد تلقي كلماتي كرصاصة في
ولكنه صمت .نحوي، أحسسته على وشك أن يقول شیئا
.بعضنا دون كثیر من الكالم كنا نفھم
علي أكثر فقد كان. ندمت بعدھا على إيالمي المتعمد له إيالمه يعزعشته ن ھذا أقل ما يمكن أن أقوله له بعد كل ماولكن كا. من ألمك
.من عذاب بسببه
.وربما كان أكثره أيضا
وجبة صمت مربك تتخلله أحیانا أحاديث تحول غداؤنا فجأة إلىوربما .. لترطیب الجو مفتعلة، كنت تخترعینھا أنت بفطرة نسائیة
.ولكن عبثا . للمراوغة
ولم يعد ھناك من أمل . سر بینناانك كان ھناك شيء من البلور قد .لترمیمه
:سألتك بعدھا
ستأتین معي لنرافق زياد إلى المطار؟ ھل -
:أجبت قد ألتقي بعمي ھناك، إذ أنه .. إلى المطار ال يمكن أن أذھب.. ال-
ثم إنني أكره . الجزائرية يحدث أن يمر بمكتب الخطوط الجويةألن ا في ذين نحبھم ال نودعھم،ال. وأكره مراسیم الوداع.. المطارات
.ولیس لألحبة.. لقد خلق الوداع للغرباء. الحقیقة ال نفارقھم تلك إحدى طلعاتك العجیبة المدھشة كقولك السابق مثال كانتللغرباء وأما الذين نحبھم فھم جزء من نحن ال نكتب إھداء سوى"
"..األولى الكتاب ولیسوا في حاجة إلى توقیع في الصفحة
ولماذا الوداع؟
ھل ھناك من ضرورة لوداع آخر؟
كنت أراك طوال وجبة الغداء تلتھمینه بنظراتك وال تأكلین شیا
.سواه
تتوقفان طويال عند كل . تودعان جسده قطعة قطعة كانت عیناكلزمن لن يبقى لك فیه .. عدة شيء فیه، وكأنك تختزنین منه صورا
.سوى الصور
لي، أو ألن كلماتي ى نظراتك، ربما مراعاةوكان ھو يتحاش وجعلته يحول. ورغبة األكل كذلك.. الموجعة أفقدته رغبة الحب
.نظراته الحزينة إلى أعماقه وإلى ما بعد السفر
عنكما، كخیبتي وكنت أنا ال أقل حزنا ا وفردي . ولكن حزني كان فريداتكما كموقفي من قص .بةالعجی متشعب األسباب غامضا
فقد كنت أطمع في . وربما زاده رفضك مرافقتي إلى المطار توترا بك عودتك معي ألفھم منك دون كثیر من . على انفراد ألخلو أخیرا
على محو تلك األيام من ذاكرتك، األسئلة، إلى أي مدى كنت قادرة ..والعودة إلي دون جروح أو خدوش
إلیه كنت أدري أن . وربما جسدك أيضا . قلبك قد أصبح منحازا
أنك في النھاية ستعودين وأعتقد. ولكنني كنت أثق بمنطق األيام، ألنه لن يكون ھناك سواي وحنینك ..وألنني ذاكرتك األولى.. إلي
.األول ألبوة كنت أنا نسخة أخرى عنھا
.وأنتظرك فرحت أراھن على المنطق
..رحل زياد
.تي األولى قبلهبیتي وعادا ورحت أستعید تدريجیا
ولكن بمرارة غامضة على وجوده فقد كنت تعودت. كنت سعیدا
معي، وكنت أشعر بشيء من الوحدة المفاجئة وھو يتركني وحدي .لتلك األيام الرمادية، والسھرات الطويلة المدھشة لموسم الشتاء؛
.فجأة كما امتأل به وفرغ البیت منه.. رحل زياد
بة التي قد تشھد على مروره من ھنا،لم يبق سوى تلك الحقی
والتي تركھا أسفل الخزانة بعدما جمع فیھا أوراقه وأشیاءه، والتي عندي مشروع عودة محتملة، قد تكونین أنت أحد رأيت في بقائھا
.أسبابھا
سعادتي كانت تفوق حزني، وأنني كنت ولكن البد أن أعترف أن .منه ت الفارغأشعر أنني أستعیدك وأنا أستعید ذلك البی
بحضورك بطريقة أو كنت أشعر أن ھذا البیت سیمتلئ أخیرا
صحیح أنك لم تر بعد تلك.. ولكنك لم تزر الجزائر منذ عدة سنوات .. - ..ال بد أن تتعرف علیھا.. المركبات الثقافیة والتجارية الجديدة
..أجبه ولم
ال أدريكنت أراه يتدحرج أمامي من سلم القیم، غباء أو ت .واطؤا
وكل ما " المنشآت.. "فاح فظ لنفس بم سمعت عن تلكنیت على العموالت جاورھا من معالم وطنیة ب حجرا ◌ حجرا
وصغارا اق كبارا مرأى من على.. والصفقات، وتناوب علیھا السر لتلك.. الشھداء الذين شاء لھم حظھم أن يكون مقامھم مقابال
.الخیانة
و رجال شبه بسیط، لوال بدلته...) سي( ھا ھو إذن األنیقة يبدو طیباوحديثه الذي ال يتوقف عن مشاريعه القريبة والبعیدة، التي .. جدا
بباريس وبأسماء أجنبیة مشبوھة، تبدو مخجلة في فم تمر جمیعھا .ضابط سابق
أم ظاھرة .. تراه ظاھرة ثقافیة في عالم العسكر ..ھا ھو إذن ..الم الثقافةع كر ة في ع مذ شاع وباؤه " الزواج المنافي للطبیعة"أن أم طبیعیا أصبح رمزا !قیادة أركان عربیة في أكثر من" رسمیا "
من ذلك كان الجمیع يتملقونه، ويجاملونه، عساھم يلحسون شیئا من العملة الصعبة، في زمن العسل الذي كان يتدفق بین يديه نھرا
..والجفاف القحط نت أتساءل طوال تلك السھرة، ماذا كنت أفعل وسط ذلك وك
العجیب؟ المجلس
لي مع نادرا كنت أتوقع أن تكون تلك الدعوة، أو على األقل موعدا .الوطن، أستعید فیه مع سي الشريف ذكرياتنا البعیدة
من تلك ناب عنه جرحه، ووجھه . السھرة ولكن الوطن كان غائبا .الجديد المشوه
عن مشاريع .. فیھا بالفرنسیة نتحدث.. ھرة في فرنساك نت س
فھل ..بتمويل من الجزائر.. سیتم معظمھا عن طريق جھات أجنبیة؟ !حصلنا على استقاللنا حقا
...) سي(كان فقط. انتھت تلك السھرة في حدود منتصف اللیل
وله ارتباطات ومواعید صباحیة .وربما لیلیة أيضا .. متعبا اتالمال ال إن ل في فتح شھیتنا ألكثر من ملذ .سريع الكسب، يعج
ذلك المساء وكان يمكن أن لقد كنت في الواقع محط . أكون سعیدا ..التعمق فیھا اھتمام الجمیع ألسباب لم أشأ
الذي ...) سي(بل ربما كنت النجم الثاني في تلك السھرة مع
نه كان أن الدعوة كانت على شرفه، وأنني دعیت لھا، أل فھمت في سھراته بالفنانین دلیال على ولعه يحب أن يكون محاطا
!وذوقه غیر العسكري.. باإلبداع
ومجامال والواقع أنه كان وأنه حدثني يومھا عن آرائه الفنیة .. لطیفابل . الرسامین الجزائريین بالذات في مجاالت مختلفة، وحبه لبعض
، إنه يحسد سي الشريف على ت وأنني إذا لك اللوحة،وقال مازحا كنت آخذ معي لوحة حیث أذھب، فسیدعوني إلى بیته عند زيارتي
..للجزائر
.ضحكت من مزاحه
بما فیه الكفاية بعد ذلك ألكون على حافة البكاء، ولكنني كنت حزينا وأنا أنفرد بنفسي ذلك المساء في سريري، وأتساءل أي حماقة
أوصلتني إلى ذلك البیت؟
ألمح حتى أتوقعه بیتك، وإذا بي أدخله وأغادره دون أنبیت كنت
.عن عا مك.. طرف ثوبك، وھو يعبر ذلك الممر الذي كان يفصلني
.. توقعتك أنت، وكانت كاترين. الیوم التالي، دق الھاتف في صباح :قالت ..وأجمل األماني لك.. صباحیة قبالت -
:وقبل أن أسأل عن المناسبة أضافت
.القديس الذي يبارك العشاق) السان فالنتان(م عید الیو .. -ماذا تريد أن أتمنى لك .. أبعث إلیك بطاقة فكرت أن أطلبك بدل أن
أصوم - ي ھذه.. طبعا في التواصل .. المدينة إنھا طريقتي في تحد
.ومع الذاكرة.. مع الوطن كان في . لم أكن أتوقعك ھكذا ال أدري لماذا. تعجب لكالمك
.مظھرك شيء ما يوھم بتحررك من كل الرواسب :أبديت لك دھشتي قلت عندما قضیة ال كیف تسمي الدين رواسب، إنه قناعة؛ وھو ككل قناعاتنا -
..تخص سوانا
في ھذه القضايا عاطفة اإليمان كالحب. ال تصدق المظاھر أبداإنھا طمأنینتنا . ا الدائمة إلى أنفسناسرية نعیشھا وحدنا في خلوتن
وھروبنا السري إلى العمق لتجديد .. درعنا السرية السرية، .بطرياتنا عند الحاجة
ما يكونون قد أما الذين يبدو علیھم فائض من اإليمان، فھم غالبا
الداخل لیعرضوا كل إيمانھم في الواجھة، أفرغوا أنفسھم من !ألسباب ال عالقة لھا با
!أجمل كالمك يومھا ما كان
كان يأتي لیقلب ثنايا الذاكرة، ويوقظ داخلي صوت المآذن في
.صباحات قسنطینة
كتاتیب في) المؤدب(كان يأتي مع الصلوات، مع التراتیل، مع صوت فأعود إلى الحصیر نفسه أجلس علیه باالرتباك . قسنطینة القديمةتلك اآليات التي لم نكن أردد مع أوالد آخرين الطفولي نفسه،
ا ننسخھا على ذلك اللوح ونحفظھا كیف ما نفھمھا بعد، ولكننا كن من تتربص وتلك العصا الطويلة التي كانت". الفاالقة"كان، خوفا
.بأقدامنا لتدمیھا عند أول غلطة
.لم أصم من سنین كان يأتي لیصالحني مع هللا، أنا الذي
ضني ضد ھذه المدينة التي تسرقكان يصالحني مع الوطن، ويحر .ومن الذاكرة.. مني كل يوم مساحة صغیرة من اإليمان
أيقظت مالئكتي وشیاطیني في الوقت كنت يومھا المرأة التي
.نفسهساحة يتصارع الخیر ثم راحت تتفرج علي بعدما حولتني إلى
!دون رحمة.. والشر فیھا
***
.ئكةللمال كان النصر.. في ذلك العام
قررت أن أصوم وقتھا ربما بتأثیر كالمك، وربما أيضا للھروب منك إلى ."العبادة درعنا السرية"أما قلت . هللا
..إذن قلت سأحتمي من سھامك باإليمان
وأنسى حتى وجودك .. رحت أحاول أن أنساك وأنسى قطیعتك
.نفسھا معي في المدينة
بین الرھبة . لدينیةكم من األيام قضیتھا في تلك الغیبوبة اضه على ..والذھول أحاول بترويض جسدي على الجوع أن أرو
.الحرمان منك أيضا
أستعید سلطتي على حواسي التي تسللت إلیھا، كنت أريد أن .وحدك وأصبحت تتلقي أوامرھا منك
أنا، مكانته األولى كنت أريد أن أعید لذلك الرجل الذي كان يوما
.وقیمه التي أعلنت علیھا الحرب.. مبادئه.. هحرمت.. ھیبته .قبلك
ذلك بعض الشيء ولكنني لم أنجح في أعترف أنني نجحت في .نسیانك أبدا
وأنا أكتشف أنني كنت أثناء ذلك أعیش .كنت أقع في فخ آخر لحبك
.بتوقیتك ال غیر
.وأصوم وأفطر معك. اإلفطار معك كنت أجلس إلى طاولة
ر وأمسك عن األك الرمضانیة، ل معك، أتناول نفس أطباقكأتسحر بك .ال غیر.. وأتسح
د معك في كل سوى التوح .شي دون علمي لم أكن أفعل شیئا
..إذن كان كل شيء يؤدي إلیك. كنت في النھاية كالوطن
ه وبصمته ك متواصال حتى بصد .مثله كان حب
.بإيمانه وبفكره مثله كان حبك حاضرا
؟فھل العبادة تواصل أيضا
***
وھا أنا أنزل من طوابق سموي العابر، وأتدحرج . انتھى رمضانذلك الشھر الذي كنت أملك أكثر من مبرر .فجأة نحو حزيران
.للتشاؤم منه
، ذكريات موجعة أخرى 67عدا حزيران فقد كان في ذاكرتي مابع ه في الذي قضیت 71ارتبطت بھذا الشھر، آخرھا حزيران
للتحقیق والتأديب، يستضاف فیه بعض الذين لم يبتلعوا سجن ..بعد ألسنتھم
أما أول ذكرى مؤلمة ارتبطت بھذا الشھر فكانت تعود إلى سجن
في قسنطینة مع مئات المساجین إثر (الكدية( الذي دخلته يومامحاكمتنا في بداية حزيران أمام حیث تمت 1945مظاھرات ماي
.محكمة سكرية
،أي حز ؟ يران كان األكثر ظلما وأية تجربة كانت األكثر ألما
الذي أوصلتني أصبحت أتحاشى طرح ھذه األسئلة، منذ الیوم .أجوبتي إلى جمع حقائبي ومغادرة الوطن
الوطن الذي أصبح سجنا لزنزانته؛ ال اسم رسمیا ال عنوان معروفا
قا لسجنه؛ وال تھمة واضحة لمساجینه، والذي ، أصبحت أ د إلیه فجرا بمجھولین، يقودانني إلى وجھة مجھولة معصوب العینین محاطا
.شرف لیس في متناول حتى كبار المجرمین عندنا. أيضا
بحماسه وعنفوانه وتطرف أحالمه أنه ھل توقعت يوم كنت شابا دني فیه جزائري مثلي سیأتي بعد ربع قرن، يوم عجیب كھذا، يجر
عتي وأشیائي، لیزج بي في زنزانة وحتى من سا.. من ثیابية) المرة فردية ھذه( ..زنزانة أدخلھا باسم الثورة ھذه المر
دتني !من ذراعي الثورة التي سبق أن جر
ر من ذلك الشھر أكثر من سبب وأكثر من ذكرى كانت تجعلني أتطی السنوات الذي .قضم الكثیر من سعادتي على مر
أكثر، لیرد على تشاؤمي بكل بالقدرتراني في ذلك العام تحرشت
واحد؟ تلك الفجائع المذھلة التي حلت بي في شھر
أم فقط، كان ذلك ھو قانون الفجائع والكوارث التي ال تأتي سوى ي تیجبھا شعرة"واحدة دفعة وكي تروح تقطع .. كي تج
."السالسل
ة الحیاة، التي يكفي لمصادفة رفیعة كشعرة أن كانت تلك عبثی .تتوقعه تأتیك بالسعادة والحب والحظ الذي لم تكن
عندما تنقطع تلك الشعرة الرفیعة، فھي تكسر معھا كل .. ولكن
أنھا أقوى من أن السالسل إلیھا، معتقدا التي كنت مشدودا !تكسرھا شعرة
أنتبه إلى أن لقاءك ذات يوم، بعد ربع قرن من النسیان، قبلھا لم
كشعرة التي عندما جاءت جرت معھا الرفیعةكان تلك المصادفة األحالم، سعادة العالم بأكمله، وعندما رحلت قطعت كل سالسل
.وسحبت من تحتي سجاد األمان
سنوات، تعود الیوم لتكسر تلك الشعرة التي ھا ھي ذي وبعد ست ، بعدما اعتقدت أنني في آخر أعمدة بیتي، وتھد السقف علي
في من الضريبة لینساني القدر بعض دفعت ما يك 82حزيران قائم في حیاتي، يمكن أن أخاف الوقت، بعدما لم يبق شيء واحد
..علیه من السقوط
:األولى في قانون الحیاة كنت أجھل حین ذاك المادة ."غیر ال.. إن مصیر اإلنسان إنما ھو خالصة تسلسالت حمقاء"
***
الیأس القاتل، ، ومذاقطعم المرارة الغامضة 82كان لبداية صیف ة واحدة .عندما يجمع بین الخیبات الذاتیة القومیة مر
ص فقد جاء اجتیاح . بي ھذه المرة من طريق آخر كان قدري يترب
وإقامتھا في عاصمة إسرائیل المفاجئ لبیروت في ذلك الصیف،وأكثر من .. على مرأى من أكثر من حاكم.. لعدة أسابیععربیة ة طوابق في سلم الیأس.. عربي ملیون .جاء ينزل بي عد
انفرد صغیرا فقد . بي وقتھا وغطى على بقیة األخبار أذكر أن خبرا
مات الشاعر اللبناني خلیل حاوي منتحرا ة، احتجاجا بطلقات ناري ذي كان جنوبه وحده، والذي رفضعلى اجتیاح إسرائیل للجنوب ال ..أن يتقاسم ھواءه مع إسرائیل
قبل، ألم كان لموت ذلك الرجل الذي لم أكن قد سمعت به من
ز فريد المرارة .ممی
يحتج به سوى موته يكتب ..فعندما ال يجد شاعر شیئا وال يجد ورقا .علینا عندھا يكون قد أطلق النار أيضا .. علیه سوى جسده
..قلبي طوال تلك األيام عند زياد ذھب
يقول كان وقتھا ". الشعراء فراشات تموت في الصیف" :كان قديما
بالروائي الیاباني بطريقة الذي" میشیما"مولعا أيضا مات منتحرا على خیبة أخرى ..أخرى احتجاجا
الموت في : "من وحي أحد عناوين میشیما تراه قالھا يومھا
بسرد قائمة فكرة مسبقة مادام يدافع عنھا ، أم أنھا"الصیف بأسماء الشعراء الذين اختاروا ھذا الموسم لیرحلوا؟
إلیه آنذاك، وأحاول أن أقابل نظرته التشاؤمیة للصیف كنت أستمع
بشيء من السخرية، خشیة أن ينقل : فأقول له مازحا . عدواه إلي عشرات األسماء لشعراء" يموتوا لم يمكنني أن أسرد علیك أيضا
."!في الصیف
من يموتون بین صیفین .. طبعا : "فیضحك ويرد فال " !ھناك أيضا ."!وحماقتھم.. يا لعناد الشعراء: "أملك إال أن أجیبه
ورحت أتساءل فجأة أين يمكن أن يكون في . الذاكرة عاد زياد إلى ھذه األيام؟
شوارع في أي شارع، وكل ال.. في أية جبھة ..في أية مدينة
للموت؟ مطوقة، وكل المدن مقابر جاھزة
منذ رحل لم تصلني منه سوى رسالة واحدة قصیرة، يشكرني فیھا فماذا تراه . منذ ثمانیة أشھر.. كان ذلك منذ رحیله. ضیافتي على
الحین؟ أصبح منذ ذلك
علیه حتى اآلن وسط المعارك . لم أكن قلقا فقد عاش دائماكان رجال يخافه الموت أو يحترمه، . وائيوالقصف العش والكمائن،
.بالجملة فلم يشأ أن يأخذه
ورحت أتشاءم . وبرغم ذلك كانت عاطفة غامضة ما توقظ مخاوفي .وموت ذلك الشاعر منتحرا .. أتذكر كالمه عن الصیف وأنا
؟ ماذا لو لم ماذا لو كان الشعراء يقلدون بعضھم في الموت أيضا
ون لو كانوا مثل حیتانيكونوا فراشات فقط؟ البالین الضخمة يحب في المواسم نفسھا ذاتھا؟ على الشطآن.. الموت جماعیا
. فأنا برغم كل شيء ال أريد أن أكره زياد الیوم. مبالند وبدأت أشعر
.ال أستطیع ذلك وھا أنا صغیر أمامه . منحه الموت حصانة ضد كراھیتي وغیرتي لقد
.وأمام موته
إلدانته، سوى كلماته القابلة ألكثر من تأويل ھا أنا . ال أملك شیئا تأويلھا األسوأ؟ فلماذا أصر على
لشبھات، وأنا أدري أنه شاعر يحترفلماذا أطارده بكل ھذه ا
االغتصاب اللغوي، نكاية في العالم الذي لم يخلق على قیاسه، بل
فھل أطلق النار علیه بتھمة الكلمات؟ .ربما خلق على حسابهفھل أحاسبه . األشجار وال قدر له سوى قدر.. لقد ولد ھكذا واقفا
ه؟.. حتى على طريقة موته وعلى طريقة حب
.عرفته واقفا ن أننيوأذكر اآل
أبديت أذكر ذلك الیوم الذي زارني فیه في مكتبي ألول مرة، عندماله بعض مالحظاتي عن ديوانه، وطلبت منه أن يحذف بعض
.القصائد
صمته، ثم نظرته التي توقفت بعض الوقت عند ذراعي أذكر في المبتورة، قبل أن يقول تلك الجملة التي كانت بعد ذلك سببا
لي سیدي، رد ..ال تبتر قصائدي: "قال لي. ییر مجرى حیاتيتغ "..سأطبعه في بیروت. ديواني
أصفعه بیدي الثانیة غیر لماذا قبلت إھانته يومھا، دون رد؟ لماذا لم
المبتورة وأرمي له بمخطوطه؟
األشجار ووحدتھا، في زمن كانت فیه أألنني احترمت فیه شجاعة أول ريح؟ األقالم سنابل تنحني أمام
غادرني.. عرفت زياد واقفا .وواقفا
.ھذه المرة ولكن دون أي تعلیق. أما مخطوط تركني كأول مرة
.صمتھا والیوم... تواطؤ الغابات_ منذ ذلك الحین_لقد أصبح بیننا
ورحت أقلب ذلك الدفتر . فجأة استیقظت داخلي بقايا مھنة سابقةوإذ بحماس مفاجئ يدب في . رصفحاته وأتصفحھا بعیني ناش وأعد
.وقرار جنوني يسكنني. األحاسیس قلبي ويغطي على بقیة
" األشجار"أسمیھا سأنشر ھذه الكتابات في مجموعة شعرية، قد آخر قد أعثر علیه أثناء".. مسودات رجل أحبك"أو .ذلك أو عنوانا
آخر ال أن أمنحه عمرا . أن تصدر ھذه الخواطر األخیرة لزياد.. المھم من القدر الذي يطاردھم كما .. فیه صیف فھكذا ينتقم الشعراء دائما
..الفراشات يطارد الصیف
لون إلى دواوين شعر فمن يقتل الكلمات؟. إنھم يتحو
***
..أدري أنقذني دفتر زياد من الیأس دون أن
فقد حدث في . مشروع منحني مشاريع أليام كانت فارغة من أيأن قضیت ساعات بأكملھا وأنا أنسخ قصیدة، أو أبحث عن تلك األيام
تلك الخواطر والمقاطع عنوان ألخرى، وأحاول ترتیب فوضى .المبعثرة، لوضعھا في سیاق صالح للنشر
ة ..ومرارة معا كنت أشعر بلذ
ة االنحیاز للفراشات، وبعث الحیاة في كلمات وحدي أملك حق لذ
.لخلود في كتابوأدھا في مفكرة، أو منحھا ا
..ومرارة أخرى
التنقیب في أوراق شاعر مات، والتجول في دورته الدموية، مرارةعالمه المغلق السري دون في نبضه وحزنه ونشوته، ودخول
تصريح وال رخصة منه، والتصرف نیابة عنه في االختیار وفي .اإلضافة والحذف
كنت أملك صالحیة كھذه أو عي أنه لسبب؟ ومن يمكن أن يد ..أحقا
آلخر موكل بمھمة كھذه؟
على الحكم بالموت على كلمات اآلخرين، ويقرر ولكن من يجرؤ أيضا االستحواذ علیھا وحده؟
اب نكھة كنت أدري في أعماقي، أنه إذا كان لموت الشعراء والكت
حزن إضافیة، تمیزھم عن موت اآلخرين، فربما تعزى لكونھميتركون على طاولتھم ككل المبدعین، رؤوس وحدھم عندما يموتون
.ومسودات أشیاء لم تكتمل رؤوس أحالم،.. أقالم
.يحزننا بقدر ما.. ولذا فإن موتھم يحرجنا
أما الناس العاديون، فھم يحملون أحالمھم وھمومھم ومشاعرھم
إنھم يلبسونھا كل يوم مع ابتسامتھم، وكآبتھم، وضحكتھم، .فوقھم .معھم أسرارھم وأحاديثھم، فتموت
في البدء، كان سر زياد يحرجني، قبل أن يستدرجني إلى البوح،
.بكتاباته تخلق عندي رغبة ال تقاوم للكتابة وإذا
التي كنت أشعر أن كلماته ال رغبة كانت تزداد في تلك المراتالنصف ربما ألنه كان يجھل. تطال أعماقي، وأنھا أقصر من جرحي
.ي كنت أعرفھا وحدياآلخر للقصة، تلك الت
الكتاب؟ متى ولدت فكرة ھذا
، في بإرث زياد الشعري ترى في تلك الفترة التي قضیتھا محاصرااللقاء غیر المتوقع لي مع األدب والمخطوطات التي انفصلت ذلك
منذ عدة سنوات في الجزائر؟.. وظیفتي عنھا منذ انفصالي عن
دينة حجز لي القدر نفسه م أم في لقائي غیر المتوقع اآلخر، مع معھا؟ متأخرا موعدا
لوجه مع قسنطینة، دون أكان يمكن لي أن أجد نفسي وجھا
وجنون سابق إنذار، دون أن تنفجر داخلي الدھشة، شالالت شوق ..وخیبة
!إلى حیث أنا.. فتجرفني الكلمات
الفصل الخامس
مازلتاتف ذلك المساء بتوقیت عندما رن الھ.. أذكر ذلك السبت العجیب
.األخبار نشرة
كان سي الشريف على الخط بحرارة وشوق أسعداني في البداية،
.من رتابة صمتي اللیلي ووحدته وأخرجاني
بحد ذاته والصلة الوحیدة التي ظلت تربطني كان صوته عندي عیدات كل الطرق الموصلة إلیك .بك، بعدما سد
احتمال لقاء بك بطريقة أو إنه . به وكنت أستبشر خیرا يحمل دائما
.بأخرى ..لي أكثر من ھذا ولكنه ھذه المرة كان يحمل
األخیرة، راح سي الشريف يعتذر أوال عن انقطاعه عني منذ سھرتنا
بسبب مشاغله الكثیرة، وزيارات المسؤولین التي ال تتوقف إلى :يضیف قبل أن.. باريس
لقد علقت لوحتك في الصالون .. ةإنني لم أنسك طوال ھذه الفتر"
.. أتقاسم معك البیت وأصبحت أتدري، لقد تركت التفاتتك تلك أثرا في نفسي، وخلقت لي وكل مرة ال بد أن .. أكثر من حاسد كبیرا
."الشباب أشرح لآلخرين صداقتنا وعالقتنا التي تعود إلى أيام
..یككنت أستمع له وكان القلب قد ذھب بحماقة على عجل إل
يكفي أن أعرف أن تلك المكالمة تأتي من بیت أنت فیه، ألعود كاناق وحماقاتھم عاش ا مبتد ا بكل .انفعاالت العش
:سألني ولكن صوته أعادني إلى الواقع عندما أتدري لماذا طلبتك اللیلة؟ إنني قررت أن أصحبك معي إلى -
سأھديك سفرة لقد أھديتني لوحة عن قسنطینة وأنا ..قسنطینة ..إلیھا
: تعجبا صحت لماذا قسنطینة؟.. قسنطینة -
:بشرى قال وكأنه يزف لي
..لحضور عرس ابنة أخي الطاھر -
.التفكیر ثم أضاف بعد شيء من
لقد حضرت افتتاح معرضك منذ شھور مع ابنتي. ربما تذكرھا .. - ..ناديا
اجز عن أن شعرت فجأة أن صوتي انفصل عن جسدي، وأنني ع
.واحدة أجیب بكلمة
أيمكن للكلمات أن تنزل صاعقة على شخص بھذه الطريقة؟
عن اإلمساك بسماعة؟ أيمكن للجسد أن يصبح إثر كلمة، عاجزا واحدة يحدث في لحظات كھذه، أن ..أتذكر فجأة أنني أملك يدا
وحلست مجاورا .علیه سحبت بقدمي كرسیا
فقطع ذھولي.. ي وحدوث شيء ماوربما الحظ سي الشريف صمت : ائال كھذا؟ لقد جاء ذكرك منذ أيام .. يا خ يا - ما الذي يخیفك في سفرجلسة مع بعض األصدقاء في األمن، وأكدوا لي أنه ال توجد أية في
لقد . بإمكانك أن تزور الجزائر متى شئت تعلیمات في شأنك، وأن منذ مجیئك، وال بد أ تعود إلى الجزائر ولو في نتغیرت األمور كثیرا
ستس فر معي .. إنني أتحمل مسؤولیة عودتك.. زيارة خاطفة فما الذي يقلقك إلى ھذا الحد؟.. حسابي وعلى
بشعرت أن قسنطینة أخذت ف جأة مالمحه، وأنھا أخیرا جات ترح .بي
.. قرمیدھا.. غیر حجارتھا. وھل كان حسان غیر تلك المدينة نفسھا وأزقتھا وذاكرتھا؟.. ومدارسھا وجسورھا
.ھنا ولد، وھنا تربى ودرس، وھنا أصبح مدرسا لم يغادرھا إال نادرا .في زيارات قصیرة إلى تونس أو إلى باريس
ارتي من سنة إلى أخرى، لكي يطمئن علي لزي كان يحضر
ما ف ئت ت بر ولیشتري بالمناسبة بعض لوازم عائلته التيوكأن حسان قرر أن يتحمل بمفرده مسؤولیة عدم اندثار . وتتضاعف
العائلة، بعدما يئس من تزويجي وأدرك بعد محاوالت إغراء اسماللوحات التي ما عدا تلك .. و ال بنون فاشلة، أنه لن يكون لي بنات
.تنفرد بحمل اسمي
ب المظھر، والذي أكتشف الیوم، أن ھذا الرجل الفارع القامة، المھذ بحماسة األساتذة وعنادھم وتكرارھم، وكأنه يواصل يتحدث دائما .ال غیر.. حديثه لتالمیذه ولیس لآلخرين، ھو أخي
!أجھل ھذا؟ ال أكنت
أن أشعر! والفرحة.. الخیبةولكن في ھذا الیوم االستثنائي األلم و
قرابته بي تصبح األرض الصلبة الوحیدة التي يمكن أن أقف علیھا الداخلیة، والصدر الوحید الذي كنت لوال الكبرياء، وسط زالزلي
.اللحظة بكیت علیه في تلك
ات أن انتظرته أنا في .. عشر سنوات حدث خاللھا في بعض المر .(أورلي الدولي) مطار
أشعر وكنت. وأنا المنتظر.. كان ھو القادم. دوار معكوسةكانت األ
آنذاك أنني أقوم بواجب عائلي لست ملزما به، ولكن كنت أحرص " األخ الكبیر"تلك إحدى فرصي القلیلة أللعب دور فقد انت. علیه
في أدائه ذلك الدور. بكل مسؤولیاته وواجباته . الذي لم أوفق دائماان، حسانفقد عشت في الواقع د عن حس بعیدا الذي كنت ائما
مني بالحیاة زن الجارف الح ولكن ألنني وصلت بذلك. لیس تمسكا
العمیق الذي اجتاحني منذ وطئت ھذه المدينة، إلى عاطفة .أخرى غامضة تطرفة
.لقد وصلت بمرارتي وخیبتي حد الطمأنینة والسعادة المبھمة
تعلمت أن أسخر من استفزاز األشیاء لي، وأقابل تلك فلقد .التھكم المر المواجھة مع الذاكرة بشيء من
عن الجنون في مدينةألم آت ھنا إثر قرار تكاد جنوني، ربما بحثا
بھذه اللعبة الموجعة، وأحرص على ! تحترفه ذ سرا ولذا بدأت أتلذدة أن أعیش صدماتي ة متعم فربما كانت خیبتي الیوم مع . بمازوشی
.القادمة ھذه المدينة، ھي منجم جنوني وعبقريتي
ان بداية وبرغم ذلك قررت فجأة أن أھرب من ذلك الجسر الذي ك . وما جنوني
رت منه، أن الذي أولعت به طويال وحولته إلى ديكور فجأة تطی .بعدما أحطت نفسي بأكثر من نسخة منه لحیاتي،
كنت تلك السفوح أيكون ذلك اإلحساس جاءني، وأنا ألمح من حیث مرشوشة بشقائق النعمان وأزھار .. الجبلیة التي كانت يوما
ممرات الخضراء، والتي كان أھل قسنطینة المنثور بین ال النرجسمحملین بما أعدته النساء .. الربیع الستقبال يأتون إلیھا كل سنةتبدو الیوم والتي.. وحلويات وقھوة" براج"لتلك المناسبة من
حزينة، وكأن أزھارھا غادرتھا لسبب غامض؟
الذي يعود فجأة إلى ) محمد الغراب سیدي(أم تراه منظر مزار في. اكرةالذ كتاب تاريخي عن وإذا بي أستعید ما قرأته عنه مؤخرا
.فتعبرني قشعريرة غامضة. قسنطینة
أدري اللعنة التي الحقت صالح باي أكبر ماذا لو الحقتني دون أنھو الذي كان بايات قسنطینة على اإلطالق بسبب ھذا الجسر؟ المختلفة التي يريد أن يختم إنجازاته المعمارية الھائلة، وإصالحاته
وھبھا لتلك المدينة، بإصالح جسر القنطرة، اللسان الترابي الوحید المدينة بالخارج، والجسر الوحید الذي صمد من بین الذي كان يربط
.خمسة جسور رومانیة
صالح (أسطورة شعبیة، إن ھذا الجسر كان أحد أسباب ھالك تقول ..المفجعة ونھايته) باي
عون)ي محمدسید(فقد تل وقه ، أحد األولیاء الذين كانوا يتمتوعندما سقط رأس الرجل الولي على األرض، تحول . بشعبیة كبیرة
نحو دار صالح باي الريفیة التي جسمه إلى غراب، وطار متوجھا إياه. كانت على تلك السفوح بنھاية ال تقل قسوة وال ولعنه واعدا
عن نھاية الولي الذي قتله .ظلما من كان من صالح فما را باي إال أن غادر بیته وأراضیه إلى األبد، تطی
.المدينة ذلك الغراب، واكتفى بداره في، "سیدي محمد الغراب"ھكذا أطلق الناس على ذلك المكان اسم
قرنین مزار المسلمین والیھود في قسنطینة، يأتونه في لیبقى بعدكامل يرتدون خالله لقضاء أسبوع نھايات األسبوع وفي المواسم،
متوارثة جیال عن وردية، يؤدون بھا طقوسا مون له ثیابا جیل، فیقدون في المیاه الدافئة لبركته الصخرية حیث ذبائح الحمام، ويستحم
ال غیر، " العروق"كانت تستحم السالحف، ويعیشون على شرب بدائیة، في حلقات جماعیة يؤدونھا في واالستسالم لنوبات رقص
."الفقیرات" على وقع بندير.. لھواء الطلقا
ولكن قسنطینة، لم تحقد على بايھا الذي وھبھا الكثیر من الوجاھة .والرفاھیة
.بین القاتل والقتیل.. سوت فقط بطیبة أو بجنون
أشھر مزار ولي قسنطیني على ) محمد الغراب سیدي(صن ت من . ول اإلطالق، في مدينة يحمل كل شارع فیھا اسم
حكمھا، اسم صالح باي وحده، وخلدت من بین واحد وأربعین باياأجمل أشعارھا، وغنت فجیعة موته في أجمل أغنیة فكتبت فیه
.. مع مالءات نسائھا السوداء ومازالت تلبس حداده حتى الیوم. رثاء !دون أن تدري
..ھذه ھي قسنطینة
ھا ال فرق بین تھا، ال مقايیس لعنتھا ورحمتھا، ال حاجز بین حب وكراھی .معروفة لمنطقھا
.الخلود لمن تشاء، وتنزل العقاب بمن تشاء تمنحيحسم موقفه منھا، فمن عساه يحاسبھا على جنونھا، ومن عساه
أو كراھیة أو براءة .. حبا كل دون أن يعترف أنھا تحمل في.. إجراماھا؟ الحاالت ضد
***
أكثر في دينة، كنت أتورطفي كل يوم كنت أقضیه في تلك الم
ذاكرتھا، فرحت أبحث في سھراتي مع حسان، وأحاديثنا الجانبیة حتى ساعة متأخرة من اللیل الطويلة، التي عن .. تمتد بنا أحیانا
.وصفة أخرى للنسیان
ذلك الجو العائلي الذي افتقدته طويال عن طمأنینة أخرى أبحث في .خارج فضائھابیت العائلي الذي أعرفه ويعرفني، تأثیر في ذلك ال كان لوجودي
تي في تلك األيام كان سندي السري الذي لم وربما. على نفسیدھالیز لقد كنت أعود إلیه كل لیلة، وكأنني أصعد نحو. أتوقعه
من جديد ..طفولتي البعیدة، ألصبح جنینا
منذ ثالثین أختبئ في جوف أم وھمیة، مازال مكانھا ھنا فارغا .سنة
يوم أقام عندي لبضعة أشھر يحدث في تلك اللیالي أن أذكر زياد،د له عقد إيجار .البیت في الجزائر، عندما رفض مستأجره أن يجد
تعودت وقتھا أن أترك له سريري، وأنام على فراش آخر وضعته
.في غرفة أخرى على األرض أنني أفع ل ذلكوكان زياد يحتج ويشعر بشيء من اإلحراج، معتقدا
.مج ملة له
وكنت أوكد له كل مرة، أنني اكتشفت بفضله أنني أسعد أكثر فقد كان ذلك الفراش األرضي يذكرني . على األرض بالنوم
سنوات، على ذلك المطرح بطفولتي وبنومي إلى جوار أمي لعدةكانت بل وتلك األيام التي. الصوفي الذي ما زلت أذكر لونه األزرق
ا(تخصصھا كل خريف، لغسل الصوف وتجديد تلك المطارح )أم .األثاث األساسي لغرفة نومي الصوفیة التي كانت
یت لو طلبت من عتیقة أن تضع لي في المستقبل على تمن فراشا
كما تفعل مع أوالدھا الذين ينامون في الغرف األرض، تمامافراش أرضي مشترك يوحي بالدفء والرغبة األخرى، على
تثیر غیرتي وحنیني تحت أغطیته الصوفیة الجمیلة التي باالنزالق لم أعد أدري لبعده، إن كنت عشته حقا لته أم.. لزمن .تخی
ولكن أيعقل أن أطلب ھذا الطلب من عتیقة؟ ھي التي أعطتني
ة الستقبال الضیوف، أجمل غرف بیتھا، غرفة نومھا العصرية المعد
؟للحب ..أكثر منھا لقضاء لیال زوجیة لجنوني ھذا فقد . لو فعلت ھذا فلربما أحرجتھا، ولما وجدت تفسیرا
في سھرتنا، وتحاول أن تستنجد بي، كانت عتیقة تشارك أحیانا قادما من باريس، ألقنع أخي بالتخلي عن بصفتي رجال متحضرا
. في العیش ھذا البیت العربي القديم، وھذه الطريقة المتخلفة ..كل األشیاء التي كانت تبدو في نظري جمیلةوتكاد تعتذر لي عن
.ونادرة
وألنني لم أكن أملك القدرة على إقناعھا برأيي، وال الجرأة علىمعاكسة رأيھا، كنت أكتفي باالستماع إلى نقاشھا مع حسان، ذلك
إلى شجار قبل أن تنسحب ھي النقاش الذي يكاد يتحول أحیانا :رإلى النوم، ويعلق حسان شبه معتذ
على التلفزيون، ) داالس(يمكن أن تقنع امرأة تشاھد مسلسل ال"
كھذا وتحمد ال بد أن يوقفوا ھذا المسلسل، .. هللا أن تسكن بیتا محترما ."..وحیاة أفضل ..ماداموا عاجزين عن منح الناس سكنا
.وأعجب بفلسفته في الحیاة. كنت أحسد قناعة حسان
فإذا . علیك أن تنظر إلى من تحتك لكي تكون سعیدا : "يقول كان
ونظرت لمن لیس في يده شيء، كان في يدك قطعة رغیف، ونظرت لمن. ستسعد وتحمد هللا في وأما إذا رفعت رأسك كثیرا
فقط" كعك"يدھم قطعة وتتعس.. فأنت لن تشبع، بل ستموت قھرا ."!باكتشافك
لبیاته وھكذا ففي نظر حسان أن العیش في بیت كھذا برغم كل س مزعجة، بتفاصیلھا الصغیرة التي تجاوزھا العصر، التي تبدو أحیانا
بل وعشرات اآلالف الذين لم . آالف الناس يظل أفضل مما يعانیه كھذا يسكنونه بمفردھم مع واسعا بل . أوالدھم وزوجتھم يجدوا بیتا
ما يتقاسمون مع أھلھم وأقاربھم، الشقة الضیقة التي تكون كثیرا .لعائلتین لعدة سنوات بیتا
..ھكذا كان حسان
نظرة عمودية، فقد تعلم كل ما تعلمه لقد كانت نظرته إلى األشیاء" ."..في صباه على سبورة بالحائط
إلى عقلیته كموظف وكان سعیدا بتلك النظرة التي قد تعود أيضا !األحالم ومحدود.. محدود الدخل
م يمكن أن يحلم أستاذ للعربیة ب يقضي يومه في شرح النصوص ف.. وسرد سیرة الكتاب والشعراء القدامى على تالمیذه األدبیة،
من الوقت وتصحیح أخطائھم النحوية واإلنشائیة، وال يجد متسعاأخطاء أكبر ترتكب لشرح ما كان يحدث أمامه، وتصحیح_ أو الجرأة_
على مرأى منه باسم كلمات خرجت فجأة من اللغة، لتدخل .الشعارات والمزايدات؟ قاموس
.كان في أعماق حسان مرارة غامضة تبدو على كل تفاصیل حیاته .ولكنه كان يحتفظ بھا لنفسه
في مشكالت وغارقا ة من الواضح أنه كان متعبا أوالده الست
وزوجته الشابة التي تحلم بحیاة أخرى غیر حیاة قسنطینة أو باألحرى كان يحلم ھو فلم يكن يجرؤ على الحلم، وأما. المغلقة
.. لیحصل على ثالجة جديدة آنذاك بالعثور على شخص يتوسط له !ال غیر
وأنا أكتشف أننا لم عندما عرفت أمنیته البسیطة الصعبة، حزنت
نكن متخلفین عن أوربا وفرنسا فقط، كما كنت اعتقد، وإال لھانا علیه م. وبدا منطقیا .. األمر نذ نصف قرن لقد كنا متخلفین عما كنا. وأكثر .تحت االستعمار يوم كن
.وأحالمنا أكبر.. يومھا كانت أمنیاتنا أجمل
تتأمل وجوه الناس الیوم وأن تسمع أحاديثھم وأن تلقي يكفي أن
.ذلك نظرة على واجھات المكتبات لتفھمر األحالم يصد ا وطنا مع كل نشرة أخبار إلى كل شعوب.. يومھا كن
.العالم
ر من الجرائد والمجالت والكتب ما وكانت ھذه المدينة بمفردھا تصدره الیوم المؤسسات الوطنیة ال نوعا ال .وال عدا .. تصد
والشعراء والظرفاء والكتاب، .. المفكرين والعلماء يومھا كان لنا من وغرورا .بعروبتنا ما يمألنا زھوا
ي خزانة، إذ لم يعدلم يعد أحد يشتري الجرائد لیحتفظ بھا ف.. الیوم
.في الجرائد ما يستحق الحفظ
لقد أصبح البؤس .ولم يعد أحد يجلس إلى كتاب لیتعلم منه شیئا
ح كتابا .الثقافي ظاھرة جماعیة، وعدوى قد تنتقل إلیك وأنت تتصفا " على صواب في ذلك العھد، وكان الواحد من لقد كانت الكتب دائما
يتكلم كما ."..الكتبتتكلم فصیحا
تقلص ولذا. مثلھا مثل الجرائد.. والیوم أصبحت الكتب تكذب أيضا وماتت فصاحتنا، منذ أصبح حديثنا يدور فقط حول المواد .. صدقنا
!المفقودة االستھالكیة
عندما قلت يومھا ھذا الكالم لحسان، ظل يتأملني بذھول وكأنه لم ينتبه له من قبل اكتشف :من الحسرة ثم قال بشيء.. شیئا
صغیرة ال عالقة لھا بقضايا العصر لقد خلقوا لنا.. صحیح - . أھدافا
للبعض الحصول على وانتصارات فردية وھمیة، قد تكون بالنسبةأو قد تكون الحصول على .. شقة صغیرة بعد سنوات من االنتظار
وال أحد ! أو حتى دوالیبھا فقط.. أو التمكن من شراء سیارة ثالجة،واألعصاب لیذھب أكثر من ھذا، ويطالب متسع من الوقتعنده
..بأكثر من ھذا
ھموم الحیاة الیومیة المعقدة التي تحتاج أھلكتنا.. نحن متعبون إلى وساطة لحل تفاصیلھا العادية فكیف تريد أن نفكر في .دائما
نا الحیاة ال .. غیر أشیاء أخرى، عن أي حیاة ثقافیة تتحدث؟ نحن ھملقد تحولنا إلى أمة من النمل، تبحث عن قوتھا .. دا ھذا ترفوما ع
..ال أكثر فیه مع أوالدھا وجحر تختبئ
:سألته بسذاجة الناس؟ وماذا يفعل -
:قال مازحا والبعض ..والبعض يسرق.. البعض ينتظر.. ؟ ال ش ء..الناس -
اآلخر ينتحر، ھذه مدينة تقدم لك االختیارات الثالثة بالمبررات !والحجة نفسھا ..نفسھا
وانتابتني فجأة قشعريرة.. يومھا خفت على حسان من تلك المدينة
.مبھمة
:وكأنني أسأله أي الوصفات الثالثة أختار.. سألته دون تفكیر وتخرج معھم؟.. وھل لك أصدقاء ھنا تلتقي بھم -
يسعد الھتمامي المفاجئ بكل أجابني وكأنه يعجب لسؤالي، أو :حیاتهتفاصیل
ما عدا ھذا .. الثانوية لي أصدقاء معظمھم مدرسون معي في -
لقد فرغت قسنطینة من أھلھا، ورحلت كل العائالت.. لیس لي أحد .القديمة التي عرفناھا
تس قر في وراح يسرد علي أسماء عائالت كبیرة ھاجرت أو راحت
ظمھم جا مع.. العاصمة أو في الخارج، لتترك تلك المدينة آلخرين .المدن الصغیرة المجاورة من القرى و
والتي قبل أن يضیف تلك الجملة التي لم تستوقفني ساعتھا،
:أخذت بعد ست سنوات كل أبعاد القدر األحمق، قال المدينة األصلیون، ال يزورونھا سوى في لقد أصبح سكان ھذه -
!أو في المآتم.. األعراس
:أنه تذكر شیئا أعلق على كالمه، أضاف وك وقبل أن من المؤكد أنه سیأتي بعد .. الطاھر سأعرفك على ناصر ابن سي -
بطولك وبضخامتك، لقد أصبح رجال .. سترى. غد لحضور زواج أختهر أن يستقر في قسنطینة . وھو يتردد علي منذ بضعة أشھر، منذ قر
لقد رفض حتى منحة إلى . الوحید الذي قام بھجرة معاكسة إنهعندما سألته لماذا لم يسافر .. ھذا ال أحد يصدق! تصور.. الخارج
إن سافرت أال أخاف: "مثل اآلخرين ويھرب من ھذا البلد، قال لي ."..كل أصحابي الذين سافروا لم يعودوا.. أعود أبدا
أكتشف ھذا التطرف الذي يذكرني بك، وكأنه سمة ضحكت وأنا
يث الذي كان يؤدي إلیك الحد وشعرت برغبة في إطالة ذلك. عائلیة ..أو بأخرى.. بطريقة :سألته
اآلن؟ وماذا يفعل - وشاحنة يعودان علیه - لقد أعطوه بصفته ابن شھید محال تجاريا في مواصلة . كبیر بدخل ، يفكر أحیانا مترددا ولكنه مازال ضائعا
أخرى غ للتجارة دراسته، ثم أحیانا والحقیقة أنني عاجز . في التفردراسته العلیا، ألنه فمن المؤسف أن ينقطع إنسان عن. عن ن حه
ومن ناحیة أخرى، لم تعد.. سیظل يشعر بذلك النقص طوال حیاته تفید الشھادات الیوم في شيء حسب قوله، وھو يرى شبابا
لون في بشھادات علیا عاطلین عن العمل، وآخرين جھلة يتنق.. للعلم لیس ھذا زمنا .. سیارات مرسیدس ويسكنون فیالت فخمة
طارة فكیف يمكن أن تقنع الیوم صديقك أو حتى .. إنه زمن الش ..لقد اختلت المقايیس نھائیا . في المعرفة؟ تلمیذك بالتفاني
:قلت لحسان
ھل .. اإلنسان ما ھو ھدفه الحقیقي في الحیاة المھم أن يعرف
؟وتوازنه الداخلي أم المعرفة.. المال ھو مشكلته األولى
:رد حسان مازحا ال أحد . حن شع نص مخ ل ..؟ عن أي توازن تتحدث..توازن -
إن المشكل ..وال ماذا ينتظر بالتحديد.. فینا يدري ما يريد بالضبطالحقیقي ھو ھذا الجو الذي يعیشه الناس، وھذا اإلحباط العام
إنه يفقدك شھیة المبادرة والحلم والتخطیط ألي .لشعب أكملهالجاھلون وال البسطاء وال وال.. فال المثقفون سعداء. مشروعإذا كنت ماذا يمكن أن تفعل بعلمك.. قل لي يرحم والديك. األغنیاء
د في منصبه ج يعمل تحت إشراف مدير جاھل، و ستنتھي موظفا.! لكثرة معارفه وعرض أكتافه.. معرفته، وإنما مصادفة لیس لسعة
سوى أن تدفعھا .. ثال الك في قسنطینةوماذا يمكن أن تفعل بأمو.. عمولة لتحصل على شقة غیر صالحة للسكن في معظم األحیان
بھا يغني فیه أو ؟ أما إذا كان كل ما تملكه ال "الفرقاني"تقیم عرسا" شراب قھوة"فیبقى أمامك أن تدفعھا .. ألف دينار يتجاوز العشرين
لیبیع جوازات سفر آخر، لمسؤول محلي يختبئ خلف أي موظف وھكذا يمكنك أن تؤدي فريضتك وتحجز لك غرفة صغیرة. إلى الحج !بعدما ضاقت بك الدنیا.. في اآلخرة
: حت عج ا
تقول.. واش - ؟!ھل يبیعون جوازات سفر إلى الحج بملیونین ..أحقا الحجاج كل عام بسبب تكالیفھم ألن الحكومة حددت عدد.. طبعا -
عدة عملة الصعبة، بعدما اكتشفت أن معظمھم يسافرالباھظة بالوإال . مرات ألسباب ال عالقة لھا بالحج، وإنما ألغراض تجارية محض
دون أن كیف تفسر أن يكون بعضھم قد حج ست مرات أو سبعا على سلوكه وأخالقه؟ أنا يكون ذلك واضحا أعرف حاجا
للترافیكال تفارق الخمرة بیته، وأعرف آخر متف" سوكارجي" رغاھؤالء .. وتغییر العملة الصعبة في األسواق السوداء".. البزنیس"و
يمكنھم أن يحصلوا على عشرين . عام للحج مازالوا يسافرون كلالمبلغ ألقوم بتأدية وأما أنا فمن أين لي ھذا. ألف دينار بسھولة
الشھر؟ فريضتي، ودخلي ال يتجاوز األربعة آالف دينار في
:نا أنتقل من دھشة إلى أخرىقلت له وأ الحج؟ ھل تنوي.. عالش - ؟ لقد عدت إلى الصالة منذ سنتین .. ولم ال.. طبعا - ألست مسلما
كیف يمكن أن تصمد أمام كل ھذا . إيماني ألصبحت مجنونا ولوالوحدھا التقوى تعطیك القدرة على المنكر وھذا الظلم دون إيمان؟
النتیجة صل جمیع الناس إلى ھذهلق تو: انظر حولك.. الصمودوربما الشباب أكثر من غیرھم ألنھم الضحیة األولى في ھذا
نفسه أصبح يصلي منذ عاد إلى قسنطینة، وحتى ناصر.. الوطنوهللا يا ! عدوى أيضا ..ربما لھذا السبب وربما ألن الدين كالكفر
حتى لو رأيتھم يوم الجمعة يتجھون إلى المساجد باآلالف.. خالدلوقفت معھم تصلي .. وتفیض بھم الشوارع.. تضیق بھم جدرانھا
!لماذا دون أن تتساءل
لم أجد شیئا أعلق به على كالم حسان في تلك السھرة العجیبة، . طالت بنا حتى الثانیة صباحا التي فقد كان حسان سعیدا
ببدء العطلة الصیفیة التي تسمح له بالسھر بوجودي، وسعیدا .باعدتنا ث إلي طويال بعد كل ھذه السنوات التيوالتحد
ويعري أمامي ھذا الوطن الذي كنت كسوته حنینا .. فتركته يتحدث وجنونا .وعشقا
أكان يخاف علي من خیبتي،ويخشى أن يفقد فرحة عودتي إلیه
عن الحديث وإلى ھذا الوطن مرة أخرى، عندما كان يتوقف أحیاناكأن يستدرجني مثال بطريقة غیر آخر؟لینتقل بي إلى موضوع
بالتوبة، وكأن ويغريني. مباشرة إلى الدين وإلى التقوى واإليمان .وجودي في فرنسا بحد ذاته قد أصبح ذنبا وكفرا
.حسان؟ أھذا ھو
لم أمنع نفسي ساعتھا من االبتسام وأنا أتذكر أنني أحضرت له
..زجاجتي ويسكي كالعادة معيألخصھا، أن حاولت أن. وأنا في فراشي عن ذنوبي تساءلت لیلتھا
فلم أجدھا أكبر من ذنوب غیري، بل وربما وجدتھا أقل.. أحصرھا ..بدرجات
لیس الفضیلة تجنب الرذيلة، الفضیلة في أال: "ال أذكر من قال
!تشتھیھا
.لم أكن رجال فاضال .. وأعتقد أنني بھذا المفھوم فقطكان لحبك . وأال أبدأ رذيلتي معك.. ال بد أال أشتھیك أنت فقد كان
بھا، والتي كنت أنزلق طعم المحرمات والمقدسات التي يجب تجن .نحوھا دون تفكیر
في قصتي معك، أن تكون المبررات لقد كان األمر المدھش حقا
أعدل عن التي جعلتني أحبك، ھي التي كان يجب أن تجعلنيأكثر من مرة في .. ا ربما كنت أحبك وأعدل عن حبكولھذ. حبك
.نفسه كل مرة وبالتطرف. الیوم
في النھاية ھنا، سوى البحث عن حد لھذا المد وأنا ال أفعل شیئا .والجزر العاطفي الذي أعیشه معك كل لحظة
ال يمكن أن يقرر بمفرده كنت أدري أن العاشق مثل المدمن، كل يومالشفاء من دائه، وأنه مثل أكثر نحو ه يشعر أنه ينزل تدريجیا
ولكنه ال يمكن أن يقف على رجلیه ويھرب، مادام لم يصل . الھاويةنقطة في الجحیم، ويالمس بنفسه قعر الخیبة والمرارة إلى أبعد .القصوى
في ..تلك اللیلة وكنت سعیدا
تلك السعادة الغامضة المرة، ألنني كنت أدري أن كل شي سوف الیومین القادمین، وأنني بطريقة أو بأخرى سأنتھي فييحسم
.منك
السھرة منھمكة في إعداد نفسھا كانت زوجة حسان في تلكالحمام، ثم للحدث الھام، ولمرافقة الموكب النسائي في الغد إلى
.إلى لیلة الحنة
بھمومھا النسائیة، وكانت كثیرة الحركة ومشغولة عنا وعن أوالدھافي حقیبتھا من ثیاب للحمام، حیث ستستعرض وبما ستأخذهلیتظاھرن .. العادة كل شيء حتى ثیابھن الداخلیة النساء مثل
لیقنعن أنفسھن فقط، أنھن أو.. بغناھن الكاذب في معظم األحیان مثل تلك مازلن برغم كل شيء قادرات على إغراء رجل، تماما
لنھا بحسد س.. العروس التي يرافقنھا .ري والتي يتأم
تبدأ طقوس.. فلیكن وينتھي ذلك الزمن الذي سرقناه .. أفراحك غدا
.من الزمن
.انتظار غدك أجمل األحالم إذن سیدتي في
!أيھا الحزن.. ولتصبح على خیر
***
بي في ويرمي.. يوقظني الحب المضاد في ھذا الصباح الصیفي .الشوارع
من حديث عتیقة الذي قررت حال استیقاظي أن أھرب من البیت، و
ينقطع عن مراسیم الحفل، وعن أسماء الشخصیات والعائالت اللتحضر ذلك الحدث الذي لم تشھد الكبیرة التي جاءت خصیصا .قسنطینة مثله منذ سنوات :لتواصل حديثھا ولكنھا لحقت بي حتى الباب
منذ شھر.. يقال إنھم حضروا كل شيء من فرنسا.. على الك -
لو رأيت جھاز العروس وما لبسته .. تنقل لوازم العرس والطائرةوواحد يوانس .. واحد عايش في الدنیا"قال لك ..يا حسرة.. البارحة
"!..فیه
:الباب، وكأنني أغلق بعنف أبواب قلبي أجبتھا وأنا أغلق خلفي ويمكنھم أن يجلبوا إلیه كما . أيضا البلد لھم والطائرات.. ما علیھش -
!ما شاؤوا أخذوا منه
أين أھرب؟ .سواي.. أنا أوصدت الباب خلفي، وإذا ال شي أمامي ھا
أفواج المارة الذين يجوبون الشوارع رمیت بخطاي دون تفكیر وسط .ھكذا كل يوم دون جھة محددة
تملك الخیار بین أن تمشي، أو تتكئ على جدار، أو أنت.. ھنا
على .. ون أمامكيتكئ تجلس في مقھى لتتأمل الذين يمشون أو ..حائط الرصیف المقابل
..رحت أمشي
حول ھذه المدينة الصخرة، شعرت في لحظة ما، أننا نطوف جمیعا
نفعل بغضبنا، ماذا يجب أن نفعل ماذا يجب أن.. دون أن ندري تماما جیوبنا وعلى من نرمي ھذا الحصى الذي امتألت به.. ببؤسنا
.الفارغة
لى بالرجم في ھذا الوطن؟ من؟ ذلك الجالس فوق من األو أم أولئك الجالسون فوقنا؟.. الجمیع
األصفار تدور حول " ..حضرني لحظتھا عنوان رواية لمالك حداد
."نفسھا
لكل ھذه الدوائر التي تمنیت لو أنني قرأتھا، عساني أجد تفسیرا .تحولنا إلیھا
في تونس مل لج ثم قادتني أفكاري إلى مشھد شاھدته يوما
، )سیدي بوسعید(مغمض العینین، يدور دون توقف في ساحة .أمام متعة السواح ودھشتھم لیستخرج الماء من بئر
لیتوھم أنه استوقفني يومھا عیناه اللتان وضعوا علیھما غمامة
، ويموت دون أن يكتشف أنه كان يدور في يمشي إلى األمام دائما حول.. مفرغة حلقة !نفسه وأنه قضى عمره دائرا
يكاد ينتھي من دورة حتى يبدأ ترانا أصبحنا ذلك الجمل الذي ال الیومیة؟ أخرى تدور به بطريقة أو بأخرى حول ھمومه الصغیرة
من الوعود بغد أفضل، رى ھذه الجرائد التي تحمل لنا أكیاسا ت
سوى رباط عینین، يخفي عنا صدمة الواقع وفجیعة الفقر لیست مرة يتربص بنصف ھذا الشعب؟ ي أصبح ألولوالبؤس الحتمي الذ
مستقیم ال تراني لم أعد أعرف المشي إلى األمام في خط.. وأنا
إلى الوراء إلى ھذا الوطن الذاكرة؟.. يعود بي تلقائیا
.. الوطن وھذا من أين له ھذه القدرة الخارقة على لي !وأصفار ..المستقیمات، وتحويلھا إلى دائرة
.ة سیاج دائري يحیط بي من كل جانبھا ھي الذاكر
وفي كل اتجاه أسلكه . أضع قدمي خارج البیت تطوقني أول ما ..البعیدة تمشي إلى جواري الذكريات
أبحث عن المقاھي .. فأمشي نحو الماضي مغمض العینین
التي كان لكل عالم أو وجیه مجلسه الخاص فیھا، القديمة تلك.. الحجري وتقدم بالجزوة قحیث كانت تعد القھوة على الوجا .عنده كان يكفیه شرف وجودك. ويخجل نادل أن يالحقك بطلباته
في ذلك الزمن كان البن باديس المقھى الذي كان يتوقف عنده،
.(مقھى بن بامینة(كان اسمه . طريقه إلى المدرسة وھو في
حیث كان مجلس بلعطار وباشتارزي (مقھى بو عرعور(وكان ھنالك وأنا أمر بھذاوحیث ك .الطريق نت ألمح أبي أحیانا
أين ذلك المقھى ألحتسي فیه ھذا الصباح فنجان قھوة نخب
ذكراه؟
سوى بأسماء رواده؟ كیف كیف أعثر على مقھى لم يكن كبیراھذا الزمن الذي كبرت فیه المقاھي وكثرت، لتسع بؤس في.. أجده
ناس؟كوجوه ال وإذا بھا متشابھة وحزينة. المدينة
حتى تلك الھیبة التي كانت سمة أھل . لم يعد يمیزھا شيء قسنطینة، ◌ ، أصبح نادرا وذلك الشاش والبرنس المتألق بیاضا الیوم .وباھتا
د لتلك ربما كان أول ما لفت نظري ذلك الصباح، ذلك الزي الموح
ذلك اللون القاتم . بحزن غامض المدينة التي تستیقظ كما تنام .والمشترك بین الجنسینالمتدرج
بمالءاتھن السوداء التي ال يبدو منھا شيء سوى النساء ملفوفات .عیونھن
الرمادية أو البنیة التي ال تختلف عن لون والرجال في بدالتھم
والتي يبدون. وال لون شعرھم.. بشرتھم وكأنھم اشتروھا جمیعا .عند خیاط واحد
ضوء، أو لون زاه لفستان أو وقلما كان يبدو من بین الحشود نقطة
.لبدلة صیفیة
تلك المدينة، بعیون رسام ال تلفت تراني كنت أنظر ذلك الصباح إلىأم تراني .نظره سوى األلوان، ويكاد ال يرى سواھا في كل شيء
كنت أراھا فقط بعیون الماضي وخیبة الحاضر؟
الرجال الضائعین مثلي في تلك رمیت بنفسي وسط أمواج .أشبھھم شعرت ألول مرة أنني بدأت. دينةالم
محمال ببؤسي .. أمشي ساعات في الشوارع كما يمشون .اآلخر وبؤسي الجنسي.. الحضاري
في لون شعرنا ولون بدلتنا . ھا نحن نتشابه فجأة في كل شيء
.لضائعة على األرصفةأحذيتنا وخطانا ا وجر
؟ .نتشابه في كل شيء، وأنفرد وحدي بك ولكن ھل يغیر ذلك شیئا
تخلفي دون حبك الذي استدرجني حتى ھذه المدينة، أعادني إلىرمى بي وسط ھذه الجموع الرجالیة، التي تسیر ببطء . علمي
الصیفیة، دون وجھة محددة، ودون أن تدري ماذا تحت الشمسالمحمومة في النھار، شعة التي تختزنھا األجسادتفعل بتلك األ
في اللیل ا .الفردية في الملذات.. وتنفقھا األيدي البائسة سر
أخرى .تتوقف فجأة خطواتي أمام جدران بیت ال يشبه بیوتا
وكان لھا ثالثة أبواب . يرتادھا الرجال" دار مغلقة"كانت أكبر ھنا .مختلفة تؤدي إلى شوارع وأسواق
مغلقة مشرعة، مدروسة لیتسلل إلیھا ل قد كانت في الواقع دارا
.من أية جھة، ويخرجوا منھا من أية جھة أخرى الرجال
من المدن والقرى كان الرجال يؤمونھا من كل صوب، ھربا
.المجاورة، التي ال ملذات فیھا وال نساء من كل المدن وكانت النساء الجمیالت والبائسات، يأتین أيضا
المصفرة، التي ال يخرجن منھا المجاورة لیختفین خلف ھذه الجدراناأليتام إال عجائز لینفقن ثروتھن في الصدقات والحسنات، وتطھیر
.في موسم توبتھن األخیرة
!..ورجولته ھنا أنفق أبي ثروته
أحاول أال أتوقف عند ذلك البیت االستثنائي، الذي كان لعدة سنوات .، وربما موتھا قھرا سبب حزن أمي السري
نشوتي سر السرية، وأحالمي المكبوتة وكان لعدة سنوات أيضا
خو ا من أيام صباي، يوم كنت أحلم به وال أجرؤ على دخوله، ربما بمغامراتي ألنني كنت مكتفیا أن ألتقي بأبي ھناك، وربما أيضا
المسروقة فوق السطح تارة، أو في غرف المؤونة التي العابرة ..قلما يفتحھا أحد
" البیت"لم يعد أبي ھناك لیمنعني احتمال وجوده في ھذا الیوم
.من الدخول
كما لقد رحل بعدما ترك تاريخه بامتیاز خلف ھذه الجدران، تماما .على أيامه يفعل أي فلسطیني ثري ومحترم
ل ألم تكن جدتي تقول وقتھا لتعلم أمي الصبر، وتعودھا على تقب
ز على أكتافھم.. إن ما يفعله الرجال: "یانة بفخرالخ تلك ."!طر
ز على جسد وكان أبي يطر ووشما ا(مغامراته جرحا دون أن ) أم .يدري
..لست أدري "البیت"ماذا أصبح ھذا
قال إنھم أغلقوه وربما ظل له باب واحد فقط بعدما أغلقت أبوابه.. يھذه المدينة، أو األخرى، في إطار سیاسة تقلیص الملذات في
لعشرات المساجد التي نبتت على صدر ھذه الصخرة، احتراماالناس بمزايا والتي يرتفع صوتھا مجتمعة مرات في الیوم، لیذكر
..اإليمان والتوبة
المدينة، أقف في الحد وكنت في تلك اللحظة، كمعظم رجال ھذه
النداء يتجاذبني إلى أسفل. الفاصل بین شھوة الجسد وعفة الروحويسمو .. حیث تحلو الخطايا.. السري لتلك الغرف المظلمة الشبقیة
النداء اآلخر، لتلك المآذن التي افتقدت طويال بي إلى أعلى ذلكإلى الصالة، فیخترق بقوته تكبیرھا، ورھبة آذانھا الذي كان يدعو
.دھالیز نفسي، ويھزني ألول مرة منذ سنوات كھذه المدينة، وبدأت أعي بضعة أيام رجال لقد أصبحت في مزدوجا
ومدن . باألضداد من مدن بريئة أن لیس في ھذا العالم المسكون .فاجرة
..فقط وأخرى أقل نفاقا .. ھنالك مدن منافقة
وقسنطینة أكثر . وحرفة واحدة.. ولیس ھناك من مدن بوجه واحد
.وتناقضا .. وجوھا المدن
ثم تردعك بالقوة نفسھا. ھا ھي مدينة تستدرجك إلى الخطیئة .التي تستدرجك بھا
شيء ما في ھذه المدينة.. كل شيء ھنا دعوة مكشوفة للجنس
صباحاتھا الدافئة .. قیلوالتھا التي ال تنتھي: يغري بالحب المسروقطرقاتھا المعلقة بین . الموحش المفاجئ ولیلیھا.. الكسلىمنظر جبل الوحش وما ..أنفاقھا السرية الموبوءة الرطوبة.. الصخور
المغارات وكل تلك.. غابات الغار والبلوط.. حوله من ممرات متشعبة .واألنفاق المختبئة
المتوارثة ھنا علیك أن تكتفي بالتفرج على عادات النفاق.. ولكن
من أجیال، وتتحاشى النظر إلى ھذه المدينة في عینیھا حتى ال !وترتبك ..تربكھا
ة فالجمیع ھنا يعرفون أن خلف شوارعھا الواسعة تختبئ األزق
الملتوية، وقصص الحب غیر الشرعیة، واللذة التي تسرق الضیقةالسوداء الوقور، تنام الرغبة وتحت مالءتھا.. على عجل خلف باب الرغبة التي تعطي نساءھا تلك المشیة. المكبوتة من قرون
لك البريق ، ذ)العجار(القسنطینیة المنفردة، وتمنح عیونھن تحت .النادرالنساء ھنا منذ قرون، على حمل رغبتھن كقنبلة موقوتة، تعودت
من كبتھا إال في األعراس، عندما ال تنط ق. مدفونة في الالوعييستسلمن تستسلم النساء لوقع البندير، فیبدأن الرقص وكأنھن
يحركن المحارم يمنة ويسرة على . للحب، بخجل ودالل في البدايةفتستیقظ أنوثتھن المخنوقة تحت ثقل ثیابھن ".. لزنداليا" وقع
.وصیغتھن .إغرائھن المتوارث يصبحن أجمل في
.الحب تھتز الصدور وتتمايل األرداف، ويدفأ فجأة الجسد الفارغ من
ويتواطأ البندير الذي . تشب فیه فجأة الحمى التي لم يطفئھا رجل مع الجسد المحموم، فت تسخنه زيد الضربات فجأة النساء مسبقا
النساء، وتتطاير خصالت شعرھن، وتنفك ضفائر. قوة وسرعةولذة في وينطلقن في حلبات الرقص كمخلوقات بدائیة تتلوى وجعا
حفلة جذب وتھويل، يفقدن خاللھا كل عالقة بما حولھن، وكأنھن أجسادھن، من ذاكرتھن وأعمارھن، ولم يعد يمكن خرجن فجأة من
.السابق إلى ھدوئھنأحدا أن يعیدھن
وطقوس العذاب، يدري الجمیع أنه ال يجب .. وكما في طقوس اللذةضربات البندير، وال قطع وقعھا المتزايد، قبل أن تصل النساء وقف
ولذتھن، ويقعن على األرض مغمى علیھن، إلى ذروة ال شعورھنوالعطر تمسكھن نساء من خصورھن، وترشھن أخريات بالريحة
إلى وعیھن.. ه المناسباتالجاھز لھذ .حتى يعدن تدريجیا
في قسنطینة.. النساء الحب ھكذا تمارس ما ھ !و
وقبلت صفقتھا بلیلة حب وھمیة،.. قسنطینة التي أغرتني .السرية، مقابل شيء من النسیان
منعطف يتربص بي جرح؟ وفي كل.. فأين النسیان قسنطینة
ھل الحنین وعكة صحیة؟
.قسنطینةمريض أنا بك بتھا للشفاء، فقتلتني الوصفة كان .موعدنا وصفة جر
المسموح بھا في ھذه الحاالت؟ تراني تجاوزت معك جرعة الشوقبائع لم أشترك في صیدلیة جاھزة في طريق، ألرفع دعوى على
.األقدار الذي وضعك في طريقي ..مقايیسي لقد صنعتك أنا بنفسي، وقست كل تفاصیلك على
..من تناقضي، من اتزاني وجنوني، من عبادتي وكفريأنت مزيج .وكل عقد عمري. طھارتي وخطیئتي أنت
.ال ش ء.. الفرق بینك وبین مدينة أخرى
كنت فقط المدينة التي قتلتني أكثر من مرة لسبب مناقض لعلك .كل مرة.. لألول
الفاصل بین جرعة الشفاء وجرعة الموت ھذه المرة؟ فأين الحدبتلع دفعة واحدة، الخیبة، تصبح الذاكرة وفي مواسم ي مرا مشروبا
حتسى على ي مشتركا مھل؟ بعدما كان حلما
.بھا ھنا تبدأ الذاكرة المشتركة، وشوارع يسكنھا التاريخ وينفرد .بعضھا مشیتھا مع سي الطاھر وأخرى مع آخرين
اه وھا أنذا أتوحد بخط. تذكر عبوره وشوارع.. ھنا شارع يحمل اسمه لم نكمله معا .وأواصل طريقا
ويملؤني فجأة شعور . العروبة معي من حي إلى آخر تمشي
.غامض بالغرور
.تنتمي لھذه المدينة، دون أن تحمل عروبتھا ال يمكن أن
ي والعنفوان زھو ووجاھة وقرون.. العروبة ھنا .من التحد بعد وكلمته تحكم ھذه المدينة حتى) ابن باديس(مازالت لحیة
.موته
على . مازال يتأملنا في صورته الشھیرة تلك كئا وقاره، مت ملتحیالنا إلیه بعده يده، .يفكر في ما أ
النشید غیر الرسمي .ومازالت صرخته التاريخیة تلك بعد نصف قرن
.الذي نحفظه جمیعا .. الوحید
العروبة ينتسب وإلى*** شعب الجزائر مسلم أو قال مات فقد كذب *** من قال حاد عن أصله
رام المحال من الطلب *** له أو رام إدماجا
.نمت لم.. صدقت نبوءتك لنا يا ابن باديس
تنا للحیاة فماذا نفعل أيھا العالم الفاضل؟. فقط ماتت شھی كیف يموت شعب يتضاعف كل عام؟. أحد توقع لنا الموت يأسا ال
ح قد اقترب وبك الصبا *** يا نشء أنت رجاؤنا
مذ جز لم يعد يترقب الصباح،.. ذلك النشء الذي تغنیت به
وال .. إنه يترقب البواخر والطائرات. الشمس أيضا .. الجالسون فوقنا .بالھرب يفكر سوى
أمام كل القنصلیات األجنبیة تقف طوابیر موتانا، تطالب بتأشیرة .الوطن حیاة خارج
بحت فرنسا ھي التي ترفضنا، أص. دار التاريخ وانقلبت األدوارالمحال من "ھو .. إلیھا ولو أليام" فیزا"على وأصبح الحصول
!"الطلب
.فوحدھا اإلھانات تقتل الشعوب. قھرا متنا.. لم نمت ظلما
كان يكفي . قسنطینة في زمن ما كنا نردد ھذا النشید في سجن أن ينطلق من زنزانة واحدة، لتردده زنزانات أخرى، لم يكن
.سیاسیین مساجینھا
اكتشفنا مصادفة ھناك . كان لكلماته قدرة خارقة على توحیدنا .الواحد صوتنا
ترتعد الجدران لصوته واحدا قبل أن ترتعد أجسادنا تحت. كنا شعبا .التعذيب
مذ . أم أصبح ھناك صوت يعلو على الجمیع.. ھل بح صوتنا الیوم
ھذا الوطن لبعضنا فقط؟ أصبح
***
الشارع، وألتقي بعد ولدت كل ھذه األفكار في ذھني وأنا أعبر ذلك أراھا من الداخل 37 .سنة مع جدران سجن كنت يوما
آخر لمجرد أننا ننظر إلیه من الخارج، ولكن ھل يصبح السجن شیئا
الذاكرة الیوم، وھل يمكن لذاكرة أن وھل يمكن للعین أن تلغي تلغي أخرى؟
من" الكديا"كان سجن .ذاكرتي األولى التي لن تمحوھا األيام جزءا
قدمي على الوقوف، فأدخله وھا ھي الذاكرة تتوقف أمامه وترغم
مع خمسین ألف 1945من جديد كما دخلته ذات يوم من سنة .ماي الحزينة الذكر 8ألقي علیھم القبض بعد مظاھرات سجین
، قیاسا .يومھاإلى الذين لم يدخلوه وكنت أكثر حظا
ت الشرق خمسة وأربعون ألف شھید سقطوا في مظاھرة ھزاطة .الجزائري كله بین قسنطینة وسطیف وقالمة وخر
. لشھداء الجزائر وكانوا أول دفعة رسمیة جاء استشھادھم سابقا .لحرب التحرير بسنوات
أنساھم؟ ھل
أأنسى أولئك الذين دخلوه ولم يخرجوا منه، وظلت جثثھم في
التعذيب؟ وأولئك الذين ماتوا بأكثر من طريقة للموت، رفاقنا غرف وحدھم؟ الذين اختاروا موتھم
وكانت له . كان مجرد عامل في البناء. ھنالك إسماعیل شعالل
وكان أول من . وأرشیفه السري" حزب الشعب"وثائق مھمة حفظالذين دقوا باب غرفته الصغیرة تلقى زيارة االستخبارات العامة
."افتح..البولیس"لشاھقة صارخین ا
ورمى . فتح نافذته الوحیدة.. يفتح إسماعیل شعالل الباب وبدل أنه في وديان قسنطینة بنفسه على وادي الرمال، لیموت ھو وسر
.العمیقة
إسماعیل دون دموع، أيمكن الیوم، وحتى بعد نصف قرن، أن أذكر يب؟ھو الذي مات حتى ال يبوح بأسمائنا تحت التعذ
الذي كانت صرخات تعذيبه ) عبد الكريم بن وطاف(صوت وھنالك
يخترق ويبعث فیه الشحنات تصل حتى زنزانتنا، خنجرا جسدنا أيضابیه. الكھربائیة نفسھا ويصفھم وصوته يشتم بالفرنسیة معذ
یین والقتلة بین صرخة.. بالكالب والنازي .وأخرى فیأتي متقطعا
"criminels.. assassins.. salauds.. nazis"
.باألناشید الحماسیة والھتاف فیرد علیه صوتنا
.ويصمت صوت بن وطاف
أقرب صديق إلى سي الطاھر، أحد رجال (بالل حسین(وھنالك .التاريخ المجھولین، وأحد ضحاياه
ارا كان لم يكن رجل علم ولكن على يده تعلم جیل بأكمل . بالل نج
قر ) سیجي راشد(القائم تحت جسر لهفقد كان مح. الوطنیة .االجتماعات السرية
إلى ثانوية أذكر أنه كان يستوقفني بمحله متجھا وأنا أمر
سريا أو" األمة"قسنطینة، فیعرض علي قراءة جريدة .منشورا
لالنخراط في ."حزب الشعب"وكان خالل سنتین يھیؤني سیاسیایداني، كان ال بد لكل عضو أن يمر ويضعني أمام أكثر من امتحان م
ويبدأ نشاطه في . االنخراط في الحزب به قبل أن يؤدي قسم .إحدى الخاليا التي كان يحددھا بالل
. ذلك المحل الذي ال أثر له الیوم، كان يلتقي القادة السیاسیون في
كما ) راشد سیدي(وعندما انطلقت تلك المظاھرة من فوق جسر خطط لھا بالل ألسباب تكتیكیة، يسھل معھا تجمع المتظاھرين ثم
أدھشت القوات . كل الطرقات المؤدية للجسر تبعثرھم منلقي كانو. الفرنسیة بدقتھا ونظامھا غیر المتوقع بالل أول من أ
ب للعبرة.. القبض علیه يومھا .ومن عذ
. قضى سنتین في السجن والتعذيب. كغیره ولم يمت بالل حسین .ترك فیھما جلده على آالت التعذيب
أذكر حتى أن يضع قمیصا أنه ظل لعدة أيام عاري الصدر، عاجزا
طبیب بجراحه المفتوحة، بعدما رفض على جلده، حتى ال يلتصق .المستشفى تحمل مسؤولیة عالجه
علیه بالنفي والرقابة المشددة ثم خرج وعاش بالل . محكوما حتى حسین مناضال في المعارك مطاردا المجھولة، مالحقا
في عامه الواحد. االستقالل 27والثمانین في ولم يمت إال مؤخرا .، في الشھر نفسه الذي مات فیه ألول مرة1988ماي
من المال والبنین تما ، وأعمى، ومحروما .بائسا
بوه اعترف قبل موته ببضعة أشھر لصديقه الوحید، أنھم عندما عذ .األبد تعمدوا تشويه رجولته، وقضوا علیھا إلى
..وأنه في الواقع مات منذ أربعین سنة
أنصاف المسؤولین لمرافقته إلى مثواه يوم وفاته، جاء حفنة من
بماذا كانأولئ. األخیر يعیش، وال لماذا ال ك الذين لم يسألوه يوما .أھل له
الرسمیة، دون أدنى ثم عادوا إلى سیاراتھم.. مشوا خلفه خطوات
.شعور بالذنب
سنة كاملة، بحیاء لم يكن أحد يعرف سره الذي احتفظ به أربعین .رجل من جیله ومن طینته
الكتمان؟ فھل كان يستحق ذلك السر، كل ذلك
..كان بالل حسین آخر الرجال في زمن الخصیان
..زمن عمیت فیه البصائر وكان المبصر في
فھل أنسى بالل حسین؟
***
..(الكديا(ھا ھوذا سجن
أتأمله كما مزعجا نتأمل جدران سجن أول، دخلناه كما ندخل حلما
.لم نكن مھیأين له
آخر، ك مرت ◌ ان جالدوه ھذه سنوات كثیرة، قبل أن أدخل سجنايكن له من عنوان معروف، لیعرف طیف ولم. المرة جزائريین ال غیر
ا( ھنا في الماضي، طريقه إلي فیأتیني كما كانت تأتي لزيارتي) أم ..باكیة متضرعة لكل حارس
مؤلمة، وأخرى مدھشة كم ن صص).. الكديا(ھا ھوذا سجن
.ثورة ثائر، ألكثر منعرفھا ھذا السجن، الذي تناوب علیه أكثر من
عاد . 1945ماي 8أي عشر سنوات بالضبط بعد أحداث .. 1955سنة للصدارة، بدفعة جديدة لسجناء استثنائیین كانت ھذا السجن
.استثنائیا فرنسا تعد لھم عقابا
كان ثالثون من قادة. المعدة النتظار الموت.. 8في الزنزانة رقم ظرون موثقین، تنفیذ الحكم باإلعدام الثورة ورجالھا األوائل، ينتبن بولعید والطاھر الزبیري ومحمد اليفا علیھم، بینھم مصطفى
.وآخرون وإبراھیم الطیب رفیق ديدوش مراد وباجي مختار للموت يومھا، حتى أن حالق مساجین الحق كان كل شيء معدا
الشھید القائد مصطفى بولعید في الصباح، أنھم غسلوا العام، أخبر ."نفذوا" المقصلة باألمس، وأنه حلم أنھم
ن بالنسبة لمصطفى بن بولعید، وكانت ھذه الكلمة تحمل معنیی
وكان شرع مع ).. الكديا(يعد منذ أيام خطة للھرب من الذي كانسري تحت األرض، أوصلھم في رفاقه منذ عدة أيام، في حفر ممر
من دوا الحفرفأعا. المرة األولى إلى ساحة مغلقة داخل السجن .جديد، لیصلوا بعد ذلك إلى خارج السجن
المغرب، وبین الساعة السابعة ، بعد صالة1955نوفمبر 10يوم
آخرون والثامنة مساء بالتحديد، كان نصطفى بولعید ومعه عشرة، وقاموا بأغرب عملیة ھروب من )الكديا(من رفاقه، قد ھربوا من
.سوى إلى المقصلة.. يغادرھا أحد ذلك الیوم زنزانة لم
وا معه، شھداء بعد ذلك سقط القائد مصطفى بولعید وبعض من فرروا في معارك أخرى ال تقل شجاعة عن عملیة فرارھم، فتصد
برحیلھم كتب التاريخ الجزائري، وأھم الشوارع والمنشآت .الجزائرية
ذ حكم اإلعدام، في من ظلوا بالزنزانة، دون أن يتمكن بینما ف وا من ن
.الھروب
يبق الیوم من السجناء األحد عشر الذين ھربوا من الكديا، ولمومات الرجال الثمانیة والعشرون .سوى اثنین على قید الحیاة
كان ، لقدر أن يكون الذين جمعتھم الزنزانة رقم ثمانیة يوما .. مقررا .واحدا
كرتي، ذا كلما وقفت أمام الجدران العالیة لھذا السجن تبعثرتوشعرت . وذھبت ألكثر من وجه، ألكثر من اسم، وألكثر من جالد
أبواب سجون أخرى مازالت مغلقة على أسرارھا، برغ ة ي فتح يرد دين من واحدا وا بھا دون أن تجد كاتبا .مر
وقتھا كنت أحسد ذلك الرفیق الذي جمعتني به زنزانة ھنا لبضعة
.أسابیع
وربما كان ياسین. غر معتقلین سیاسیین أنا وھو، أص.. كنا آنذاك .يصغرني ببضعة أشھر
فقط .كان عمره ستة عشر عاما
ي، فقد رفضوا أن يطلقوا ورغم أنھم أطلقوا سراحي لصغر سن
يحلم . شھرا أربعة عشر) الكديا(وبقي في سجن . سراح ياسینوبامرأة تكبره بعشر سنوات، كانت في السادسة .. بالحرية
!"نجمة"وكان اسمھا .. عمرھا من والعشرين
الدراسة، راح وبینما عدت أنا بعد ستة أشھر من السجن إلى ."نجمة"ياسین يكتب بعد عدة سنوات رائعته
في ذلك اللیل . التي ولدت فكرتھا األولى ھنا تلك الرواية الفجیعة،
.واألحالم الوطنیة الكبرى الطويل، وفي مخاض المرارة والخیبة دائما أذكر أن بالرفض. ياسین كان مدھشا وبرغبة كان مسكونا
.في التحريض والمواجھة
نستمع إلیه، ونجھل وكنا. ولذا كان ينقل عدواه من سجین إلى آخر الجزائر، وأننا نشھد میالد شاعر سیكون) لوركا(وقتھا أننا أمام
، اكبر ما أنجب ھذا الوطن من مواھب .يوماياسین في منفاي اإلجباري ألتقي بكاتب مرت عدة سنوات، قبل أن
.اآلخر بتونس .يتغیر اكتشفت بفرح ال يخلو من الدھشة أنه لم
مازال يتحدث بذلك الحماس نفسه، وبلغته الھجومیة نفسھا، معلنا .كل من يشتم فیھم رائحة الخضوع لفرنسا أو لغیرھا الحرب على
قابلیة البعض اإلھانات المھذبة، وضد لقد كانت له حساسیة ضد
!الفطري.. لالنحناء
محاضرة في قاعة كبرى بتونس، عندما راح فجأة كان يومھا يلقي .التونسیة بالتحديد يھاجم السیاسیین العرب، والسلطات .ولم يستطع أحد يومھا إسكات ياسین
بعدما قطعوا علیه صوت المیكروفون، فقد ظل يخطب ويشتم حتى .القاعة ناس على مغادرةوأطفأوا األضواء لیرغموا ال
يومھا دفعت في جلسة تحقیق مع البولیس ثمن حضوري في
."..آ ياسین.. تعیش"وھتافي على ياسین الصف األمامي
ولكن بعض من كان . صفقوا لم ينتبه أحد وقتھا إلى وجوه من .وإعجابا ..يعنیھم األمر انتبھوا إلى يدي الوحیدة المرفوعة تأيیدا
فقدر صاحبھا أن يكون. فت البعد اآلخر للید الواحدةيومھا اكتش
، ألنه في جمیع الحاالت ورافضا !عاجز عن التصفیق.. معارضا
من يقاوم مطر الكذب الجمیل؟ ..ولكنقھا حتى نحرج النشرات لكن . الجوية ھنالك أكاذيب نحاول أن نصد
من يجفف دمع السماء؟.. عندما تنھطل األمطار داخلنا
ة، وكنت أعرف ذلك في الواقع .كنت امرأة ساديھتلر ابنة في ھذا لو خ ف: "أذكر ذلك الیوم الذي قلت لك فیه
."!لكنت ابنته الشرعیة.. العالم
ار واثق من قوته ضحكة.. ضحكت. ضحكت يومھا وعلقت . حاكم جب
حبك، أنا ال أدري ما الذي أوصلني إلى: "أنا بسذاجة الضحیةأيمكن بعد ھذا العمر أن أقع في حب .. الھارب من حكم الجبابرة
."!..طاغیة امرأة
مدھش أنت عندما " :ثم قلت بعد شيء من الصمت.. ابتسمت فجأةر في أكثر من موضوع للكتابة تتحدث، ھذه .. تفج سأكتب يوما ."..الفكرة
!صحیح أنھا تصلح لرواية.. ذات يوم اكتبیھا إذن
ملجئي الوحید، ألنسى خیبتي في ذلك الصباح، كانت الخمرة .معك
ونافذة تطل على المآذن في تلك الغرفة التي يؤثثھا سرير فارغ، جسور، وطاولة فارغة من لوازم الرسم، لم أجد لي من طوقوال
نجاة سوى بضع أوراق وأقالم فقط، وزجاجة ويسكي أحضرتھا فأحضرتھا . في حقیبتي تنتظر لحسان قبل أن يتوب، ومازالت
ونخب.. ورحت أشرب ذلك الصباح نخب زياد وسي الطاھر .قسنطینة
الصفحة، دون كثیر فكتبت أعلى. تذكرت مسرحیة أعجبت بھا يوما
."كأسك يا قسنطینة"التفكیر من
لي في ھذه المدينة التي وضحكت لھذا الدور الذي كان جاھزا .تمنع عنك الخمرة، وتوفر لك كل أسباب شربھا
أنني كنت أخط خالصة خیبتي كلمتین قد لم أكن أدري وقتھا،
لھذا الكتاب، الذي ربما ولدت .افكرته يومھ تصلحان عنواناي ھذه المدينة .الكاذب وھذا الوطن.. كانت بي رغبة لتحديك وتحد
. نخب ذاكرتك التي تحترف مثله النسیان.. رفعت كأسي المآلى بك
.عینیك اللتین خلقتا لتكذبا نخب
.الدموع نخب بكائي العاجز عن.. نخب فرح اللیلة الجاھز للبكاء إلى ھا أنت . العبادةأنت التي صالحتني مع هللا، وأعدتني يوما
..تحلین دمي، وتطلقین علي رصاص الغدر.. لیلة جمعة تخونینني
يا ترى ..فلماذا ال أسكر الیوم !من أكثرنا كفرا
وحزني كانت مشروب فرحي. في الواقع، لم تكن الخمرة ھوايتيففي كل مرة شربت . ولذا ارتبطت بك وبتقلباتك الجنونیة. التطرف
.ما في قصتنا التي ال تنتھي لحدث فیھا كنت أؤرخ
. وأرتكب جنوني األخیر ..وھا أنا أفتح على شرفك زجاجتي األخیرة ألنني سأغسل يدي منك. فال أعتقد أنني قد أسكر بعد الیوم
عك على طريقتي.. الیوم .وأشی
ھذه اللحظة وحده أمر ناصر يعنیني اآلن، أخیك الذي يصلي فيینسى مثلي، أنھم سیتناوبون على في أحد مساجد ھذه المدينة، ل
..وأن ھناك من سیتمتع بك في غفلة منا.. اللیلة ولیمتك
!ال غیر ..كنت أسكر نخبه.. في الواقع
..إيه ناصر .وھذه المدينة.. وأنت.. أنا
تتلذذ " سادية"مدينة . معنا في التطرف والجنون مدينة تواطأتتنا كما تضع سلحفاة ووضع .حبلت بنا دون جھد. بتعذيب أوالدھا
بحرية أوالدھا عند شاطئ وتمضي دون اكتراث، لتسلمھم لرحمة ..األمواج والطیور البحرية
روا.. إفكروا" في ذلك " الفكرون" يقول.." وإال هللا ال يجعلكم تفك
.المثل الشعبي وھو يتخلى عن أوالده
.نبحث عن قدرنا بین الحانات والمساجد ..وھا نحن بال أفكار
حتى ال تھرب، قلبوھا قلبوھا. ھا نحن سلحفاة تنام على ظھرھا ..في محاولة انقالب على المنطق
في المدن العريقة، حیث نولد ونموت فكم يشبه المیالد الموت !وسط مجرى الھواء والرياح المضادة
!أكبر يتم السالحف في ھذه المدينة وما
أكتب أمام تلك الطاولة عندما جاء حسان بعد ذلك، وفاجأني جالسا
وظل . وأمامي زجاجة ويسكي نصف فارغة، كاد يشھق من العجب، أو ينظر وكأنني بفتح تلك الزجاجة أخرجت له ماردا إلي مدھوشا
أطلقته في ا .البیت جن
:حاولت أن أمازحه فسألته بسخرية تر زجاجة كھذه قبل الیوم؟ ألم.. لماذا تنظر إلي ھكذا -
أمامي، وذھب بھا ن أي رغبة في المزاح أخذ الزجاجة منولكنه دو لم يكن .يصلني إلى المطبخ، وھو يسب ويتحدث لنفسه كالما
وعندما عاد قال لي بنبرة فیھا شيء من الیأس وبقايا من متاعب
:ناصر خذة وأنتما واحد التي يصلي.. يا أخي واش بیكم - وواحد.. البالد مت مل معا م؟كیفاش نع.. التي سكر
عدة سنوات توقف سمعي عند ذلك التعبیر الذي لم أسمعه منذخذة" أو تشھد حدثا .. والذي يعني أن البالد قائمة قاعدة" البالد مت
، والذي ھو في الواقع تعبیر جنسي محض .استثنائیا
قدرة ھذه المدينة على زج الصور ابتسمت وأن أكتشف مرة أخرى ..مدھشة لك ببراءةوذ. الجنسیة في كل شيء
:رفعت عیني نحوه وقلت له بشيء من السخرية المرة
.. والبعض يسكر.. البعض يصلي.. الجزائر يا حسان ھذه ھي -
!"..البالد ياخذوا في"واآلخرون أثناء ذلك
.النقاش ولكن حسان لم يبد على استعداد للتمادي معي في
ربما ألنه بعد ذلك الوقت الذي قضاه في إق ناع ناصر لم يعد قادرا :فقال وھو يقاطعني. المزيد من المناقشة على .. وتطیر عنك ھذه السكرة سأذھب ألحضر لك القھوة، حتى تفیق -
. سنوات إن الناس ينتظروننا ھناك وبعضھم لم يرك منذ. ثم نتحدث !يجب أال تذھب إلیھم في ھذه الحالة
:سألته عندما عاد بعد لحظات بالقھوة
ماذا فعلت مع ناصر؟ -
:قال وقت العشاء إرضاء لخاطري فقط، لقد وعدني أنه سیمر ھناك -
ال أفھم . عال وبرغم ذلك أشك في أن يحضر. ولكنه لن يمكث طويال وال يمكن أال.. إنه ال يملك سوى أخت واحدة في النھاية.. عناده ھذا
.يقف في عرسھا أمام الناس
!جنون
. حسب تعبیر حسان لقھوة حتى يطیر سكري،كنت أحتسي تلك ا، وأنا أستمع أو جنونا ولكن كنت أشعر في الواقع أنني أزداد سكرا
.إلیه
كتلك اللحظة التي سألته فیھا عن سبب مقاطعة ناصر لھذا نا إلى أكثر من موضوع العرس، وإذا .بالحديث يجر
:قال
من اسم يعتقد أنه استفاد فھو. إنه على خالف مع عمه - كثیرا
وھذا . وأوالده سي الطاھر، وأنه قلما اھتم بمصیر زوجة أخیهة ومطامع سیاسیة محض .. العرس ال ھدف له غیر أسباب وصولی
وأخالقیا فھو ضد . اختیار عمه لھذا العريس السیئ الصیت سیاسیاث عن العموالت التي يتقاضاھا في صفقاته فالجمیع يتحد
.. الجزائريات وعن عشیقاته.. اته في الخارجوعن حساب.. المختلفة إضافة إلى كون ھذا الزواج زواجه الثاني، وأن له أوالدا . واألجنبیات
..يقارب عمرھم عمر عروسه الجديدة
:سألته ؟ وھل تجد أنت ھذا الزواج - طبیعیا
:قال بمنطق من المؤكد أنه. ال أدري بأي منطق تريد أن أحكم علیه -
إنه لیس أول زواج من ھذا النوع، ولن . ندنا زواج طبیعياألشیاء عین ھنا أكثر من عشیقة ..يكون األخیر . إن لمعظم الرجال المھم
زوجاتھم وأوالدھم، لیتزوجوا من وكلھم تخلوا بطريقة أو بأخرى عن وأكثر جماال وثقافة من إنك ال .. األولى عروس جديدة أصغر عمرا
دنا زادوا له نجمة على أكتافه، من أن يزيدتستطیع أن تمنع رجال عنامرأة في بیته، أو تمنع رجال حصل على منصب جديد لم يحلم به،
.عن فتاة أحالمه من أن يبدأ في البحث
:وأضاف بالضرورة القضاء أنا حاولت فقط أن أقنع ناصر أن عمه لم يقصد -
بل إن أي شخص سواه كان . على مستقبل أخته بھذا الزواجب بھذه إنھا الطريقة .. ويسعى إلیھا الھثا .. المصاھرة سیرح
مرة واحدة، ويوفر علیھا الوحیدة لیحل مشكالته ومشكالت ابنته من المتاعب ..كثیرا
:سألته وخطبھا منك ھذا الرجل، أكنت زوجته منھا؟ لو ان لك نت -
:قال يمارسه بعضھم الحرام ھو ما .. الزواج حالل ولم ال؟ إن.. طبعا -
أو أخته لتحضر .. زوجته كأن يرسل أحدھم ابنته أو. بطرق عصريةة أو رخصة لمحل تجاري نیابة عنه، له ورقة من إدارة، أو تطلب شق
بال مقابل لقد خلق البسطاء . وھو يعلم أن ال أحد ھنا يعطیك شیئا.. ھات امرأة.. أخرى للتداول ويقضون بھا حاجاتھم بأنفسھم عملة
!ذ ما تش ءوخ
:بذھول تمتمت أحق ما تقول؟ -
:أجاب .. وفي العاصمة بالذات.. مدينة إنه ما يحدث اآلن في أكثر من -
على شقة حیث يمكن ألي فتاة تمر بمكتب ما في الحزب أن تحصل، ويعرف اسم من يوزع .. أو خدمة أخرى والجمیع يعرف العنوان طبعا
شعارات على الشعب والخدمات على النساء وال الشققالالتي يدخلن ھناك لتفھم يكفي أن ترى منظر الفتیات.. بالتساوي
..كل يء :سألته بھا؟ ومن أدراك -
:قال متذمرا ھناك منذ من؟ لقد سمعته بأذني وشاھدته بعیني يوم ذھبت -
في الحزب موظفا عساه يساعدني .. بضعة أشھر ألقابل صديقاحتى البواب لم يكلف نفسه .. تصور. تعلیمسلك ال في الخروج من
رحت أشرح.. مشقة الحديث إلي له أنني قادم من قسنطینة وعبثاوعندما ..وحدھن النساء كن جديرات بالعناية ھناك. لھذا الغرض
ري اش"أبديت تذم أجابني بشيء من العصبیة، " لألخ الفرأو .. لحزبیةالزائرات موظفات في االتحادات ا أن معظم" التشناف"و
كلمات المجاملة والتھاني والشكر .األخیر تبادلنا جمیعا
زوجك على أن يعطیني رقم ھاتفه فيتبادلنا عنا ويننا، بعدما أصر
.البیت وفي المكتب في حالة ما احتجت إلى شيء
.المسبق وقراره.. وانصرفنا كل بوھمه
عندما عدت إلى البیت بعد ذلك، نظرت طويال إلى تلك البطاقة التي سھا طوال الطريق بشيء من الذھول كنت ومذاق ساخر .. أتحس
قلبي إلى جیبي تحت اسم ورقم أنك انتقلت معھا منوك. للمرارة .ھاتفي جديد
، أو التعمق.. ودون كثیر من التردد في التفكیر، قررت أن أمزقھا فورا
على أن ينتھي كل مادمت أملك القدرة على ذلك، ومادمت مصمما، وكما أصبحت أريد أنا.. شيء ھنا في قسنطینة كما أردت يوما
.الیوم
***
ھاتفك فجأة ما الذي كنت تريدينه ذلك المساء؟ عندما جاء لیخرجني من دوامة أفكاري وأحاسیسي المتناقضة؟
ھناك امرأة تريد أن تتحدث : "الھاتف وقال حین مد حسان نحوي
.أنت توقعت كل شيء إال أن تكوني.." إلیك
:سألتك بدھشة ألم تسافري بعد؟ - : لت لقد وھبتني .. أردت أن أشكرك على اللوحة.. بعد اعة سنسافر -
..سعادة لم أتوقعھا : ك قلت لقد أعدت لك لوحة كانت جاھزة لك منذ خمس.. أنا لم أھبك شیئا -
وأما أنا فلي . إنھا ھدية قدرنا الذي تقاطع يوما .. وعشرين سنة ..تعجبك، سأقدمھا لك ذات يوم فیما بعد ھدية أخرى أتوقع أن
أحد السمع إلیك أو بصوت خافت وكأنك تخافین أن يسترق لت :يسرق منك تلك الھدية
ستھديني؟ ماذا - :قلت .لنفترض أنني سأھبك غزالة.. إنھا مفاجأة - :مدھوشة لت !إنه عنوان كتاب - :قلت عندما . عندما نحب فتاة نھبھا اسمنا .ألنني سأھبك كتابا .. أدري -
سأ تب من . نھبھا كتابا ..وعندما نحب كاتبة. طفال نحب امرأة نھبھا .أجلك رواية
شي من .. واالرتباك أحسست في صوتك بشيء من الفرح
ثم قلت فجأة بنبرة عشقیة لم أعھدھا. الدھشة والحزن الغامض :منك أتدري ھذا؟.. أحبك.. خالد -
وحزني، ونبقى ھكذا لحظات وانقطع صوتك فجأة، لیتوحد بصمتي :قبل أن تضیفي بشيء من الرجاء. دون كالم
لماذا ال تجیب؟.. قل شیئا ..خالد -
:قلت لك بشي من السخرية المرة ..األزھار لم يعد يجیب ألن رصیف - ھل تعني أنك لم تعد تحبني؟ -
:غائب أجبتك بصوت
بالتحديد - !نفسه إنه عنوان لرواية أخرى للكاتب.. أنا ال أعني شیئا من األرجح أن يكون ھذا آخر ما قلته . ذا قلت لك بعدھا، ال أذكرما .قبل أن أضع السماعة، ونفترق لعدة سنوات لك
*** ."ھنا فم أعد.. ال تطرقي الباب كل ھذا الطرق"
ال تحاولي أن تعودي إلي من األبواب الخلفیة، ومن ثقوب الذاكرة،ة، ومن الشبابیك ا .لتي أشرعتھا العواصفوثنايا األحالم المطوي
..تحاولي ال
لم كن لك : يوم وقعت على اكتشاف مذھل. فأنا غادرت ذاكرتيذاكرة يحمل . لي، وإنما كانت ذاكرة مشتركة أتقاسمھا معك الذاكرة
.نلتقي كل منا نسخة منھا حتى قبل أن
.فلم يعد لي باب.. ال تطرقي الباب كل ھذا الطرق سیدتي لجدران يوم تخلیت عنك، وانھار السقف علي وأنا تخلت عني ا لقد
ب أشیائي .المبعثرة بعدك أحاول أن أھر
.فال تدوري ھكذا حول بیت كان بیتي
لقد سرق كل شيء . تدخلین منھا كسارقة ال تبحثي عن نافذة .المغامرة مني، ولم يعد ھناك من شيء يستحق
..ال تطرقي الباب كل ھذا الطرق الموجع
ھاتفك يدق في كھوف الذاكرة الفارغة دونك، ويأتي الصدى موجعا
.ومخیفا
الوادي بعدك، كما يسكن الحصى جوف أال تدرين أنني أسكن ھذا
؟"وادي الرمال"
لي سیدتي ..إذن تمھ
لي وأنت تمرين على جسور قسنطینة فأية زلة قدم سترمیني . تمھھنا عندي لتتحطمي وأي سھو منك سیرمیك. الحجارة بسیل من
.معي
في عطر أمي وفي خوف أمي .. ثیاب أمي يا امرأة متنكرة في .. لي
أنا مثلھا بین صخرتین وبین معلق. كجسور قسنطینة.. متعب أنا .رصیفین
األمھات أنت، وأحمق العشاق أكذب.. ؟ ولماذا..فلماذا كل ھذا األلم
أنا؟
أنا ال أسكن ھذه ..اآلخرال تطرقي أبواب قسنطینة الواحد بعد .إنھا ھي التي تسكنني.. المدينة
وحدي أنا .. ھي لم تحملني مرة ال تبحثي عني فوق جسورھا،
.حملتھا
ي، وتأتني الھثة جديد، وأغنیة _بخبر قديم ال تسألي أغانیھا عن ..كانت تغنى للحزن فصارت تغنى لألفراح
و ما نعطیو صالح*** العرب قالوا قالوا" وال مال
"..باي البايات ما نعطیو صالح*** قالوا العرب ھیھات
.قوله أعرف عن ظھر قلب ما قاله العرب، وما لم يجرؤوا الیوم على
كان . ثوب حدادك األول حتى قبل أن تولدي" صالح"كان .. وأدريته األخیرة.. قسنطینة آخر بايات آخ يا .. يا حمودة: "وكنت أنا وصی
."..آه.. آه.. الدار هللا ي يولیدي تھا
أي دار توصیني بھا؟.. أي دار يا صالح
سرقوا . وشاھدت دارك فارغة من ذاكرتھا) سوق العصر) لقد زرتبوا ممراتھا وعبثوا .حتى أحجارھا، وشبابیكھا الحديدية خر
كھذا .أطبقھا ھات وصاياك العشر وأنا. لن أمنحك مبررا
قي وصايا نبي، . نظرت إلیك طويال يومھا كنت أجمل من أن تطبولكن كان فیك نور . لتعالیم السماويةأن تحملي ثقل ا أضعف من
بذرة نقاء لم أكن أريد أن ..داخلي لم أشھده في امرأة قبلك ..أتجاھلھا
فینا؟ ألیس دور األنبیاء البحث عن بذور الخیر
:قلت واسمعیني - لقد جئتك بالوصیة.. دعي الوصايا العشر جانبا
..الحادية عشرة فقط
:ضحكت وقلت بشيء من الصدق !أقسم أنني سأتبعك.. النبي المفلس ھات ما عندك أيھا -
كوني : "وأقول لك .لحظتھا شعرت برغبة في أن أستغل قسمكوكنت دون أن أدري قد . ولكن لم يكن ذلك كالم نبي.." لي قط
فرحت أبحث في ذھني .. أمثل أمامك الدور الذي اخترته لي بدأت :قلت.. ألول مرة يباشر وظیفته عن شيء يمكن أن يقوله نبي
بالضرورة بغرور، ولكن لیس.. احملي ھذا االسم بكبرياء أكبر -
ھل تعین ھذا؟.. أنت وطن بأكمله. بوعي عمیق أنك أكثر من امرأةم ھذا زمن حقیر، إذا لم ننحز فیه .. لیس من حق الرموز أن تتھش
ال تنحازي . في خانة القاذورات والمزابل إلى القیم سنجد أنفسنا سوى.. يء سوى المبادئلش ألن في .. ضمیرك ال تجاملي أحدا
!النھاية ال تعیشین مع سواه :قلت !فقط؟ ..أھذه وصیتك لي - :قلت مین.. ال تستھیني بھا - ..إن تطبیقھا لیس سھال كما تتوھ
..ستكتشفین ذلك بنفسك ذات يوم
.. المفلس كان ال بد أال تسخري يومھا من وصیة ذلك النبي !..وتستسھلیھا إلى ھذا الحد
.على ذلك اللقاء، ذلك الوداع. السفر مرت ست سنوات على ذلك
حاولت منذ عودتي، أن .حاولت خاللھا أن ألملم جرحي وأنسى من الترتیب في قلبي أن أعید األشیاء على مكانھا. أضع شیئا
ر، دون أن أكسر مزھرية، دون أن أ ر األول، دون ضجیج وال تذم غیالقیم القديمة التي تكدس الغبار علیھا مكان لوحة، وال مكان
.داخلي منذ زمن
.إلى الوراء، دون حقد وال غفران أيضا حاولت أن أعید الزمان يجعلنا بسعادة عابرة، نكتشف نحن ال نغفر بھذه السھولة لمن.. الأدنى دون ونغفر أقل، لمن يقتل أحالمنا أمامنا. كم ك ا تعس ء ق له
.شعور بالجريمة
.وال لھم.. ولذا لم أغفر لك
واخترت . أتعامل معك ومع الوطن بعشق أقل حاولت فقط أن .الالمباالة عاطفة واحدة نحوكما
يحدث ألخبارك أن تصلني عن طريق المصادفة، وأنا أستمع كان
وعن صفقاته .. صعوده المستمر إلى من يتحدث عن زوجك، عن .المجالس لعلنیة التي تشغل أحاديثوشؤونه السرية وا
تارة في جريدة، وتارة في وكان يحدث ألخبار الوطن أن تأتیني أيضا
وتارة عندما زارني حسان بعد ذلك آلخر مرة . مجالس أخرى ..وعدته بھا لیشتري تلك السیارة التي
وكل مرة، كنت أواجه كل ما أسمعه بالالمباالة نفسھا التي ال يمكن
.ھا سوى الیأس األخیرأن يولد
أصبح . وجوده بدأت أتعلق بحسان فقط، وكأنني اكتشفت فجأةى لي في ھذا العالم، أمره وحده يھمني بعدما وعیت أنه كل ما تبق
اكتشفت تلك الحیاة البائسة التي كان يعیشھا، والتي كنت وبعدما .إلى قسنطینة أجھل كل شيء عنھا قبل زيارتي
بانتظامأصبحت أطلبه ھاتفی وعن أسأله عن أخباره وعن األوالد،. ا
البیت الذي كان ينوي أن يقوم فیه ببعض اإلصالحات، والذي وعدته ل .بمصاريف ترمیمه وتجديده أن أتكف
يحدثني تارة كان. كانت معنوياته تنخفض وترتفع من ھاتف إلى آخر
ه عن بعض مشاريعه، وعن بعض االتصاالت التي يقوم بھا لیتم نقل .ثم يعود ويفقد فجأة حماسه.. العاصمة إلى
:مكالمته كنت أعرف ذلك عندما يسألني في آخر
متى س أت يا خ لد؟ -
إشارة ضوئیة تطلب النجدة أشعر عندئذ أنه باخرة تغرق، وتبعث .مني
قد أزوره في وبرغم ذلك، كنت أسايره فقط، وأعده كل مرة أننيأعماقي أنني أكذب، وأنني قطعت وكنت أعرف في . الصیف القادم .الوطن حتى إشعار آخر الجسور مع
القطار يسیر كان. في الواقع، أصبحت عندي قناعة بانعدام األمل
معھا أن نفعل شیئا .. في االتجاه المعاكس، وبسرعة لم يكن ممكنا .شيء، غیر الذھول وانتظار كارثة االصطدام أي
أن أدري في اتجاه آخر دونوأمضي .. وكنت أحزم حقائب القلب
، في االتجاه المعاكس للوطن .أيضا
. بالنسیان رحت أؤثث غربتي آخر لي، وطنا أصنع من المنفى وطنا، علي أن أتعود العیش .فیه ربما أبديا
مع .. أقمت عالقات طبیعیة مع نھر السین. بدأت أتصالح مع األشیاء
تقابلني من تلك النافذة، مع كل المعالم التي كانت.. میرابو جسر .معاداة لھا دون سبب والتي كنت أعیش في
ات. اخترت لي أكثر من عشیقة عابرة .. الجنونیة أثثت سريري بالملذ
بنساء كنت أدھشھن كل مرة أكثر، وأقتلك بھن كل مرة أكثر، حتى .منك في النھاية لم بق يء
وإضرابه عن نسي ھذا الجسد شوقه لك، نسي تطرفه وحماقاته تك الوھمیة كل .لذة ما عدا لذ
.األولى تعمدت أن أفرغ النساء من رموزھن
، فقد كذب ..من قال إن ھناك امرأة منفى، وامرأة وطنا والذاكرة لیست الطريق الذي يؤدي . مساحة للنساء خارج الجسد ال
يمكنني أن أجزم .. طريق واحد ال أكثر في الواقع ھنالك. إلیھن !بھذاالیوم
ال بد أن ◌ ..أقوله لك الیوم اكتشفت شیئا
وھم نخلقه. ممارسة خیالیة ال أكثر. الرغبة محض قضیة ذھنیة
لشخص واحد، ونحكم علیه بالروعة لحظة جنون نقع فیھا عبیدا .عالقة له با منطق المطلقة لسبب غامض ال
..رغبة تولد ھكذا من شيء مجھول، قد يعیدنا إلى ذكرى أخرى
..لكلمة، لوجه آخر.. عطر رائحة أخرىل
الجسد، من الذاكرة أو ربما رغبة جنونیة تولد في مكان آخر خارجوإذا بك من الالشعور، من أشیاء غامضة تسللت إلیھا أنت ذات يوم،
.األروع، وإذا بك األشھى، وإذا كل النساء أنت
يوم قتلت قسنطینة في داخلي أفھمت لماذا قتلتك ؟تلقائیا
.سريري ولم أعجب يومھا وأنا أرى جثتك ممدة في
.لم تكونا في النھاية سوى امرأة واحدة
ھذا الكتاب إذن؟ وسأجیبك أنني أستعیر لماذا كتبت لي: ستقولین .كتاب ال غیر طقوسك في القتل فقط، وأنني قررت أن أدفنك في
رائحة فللحب بعد الموت،. فھناك جثث يجب أال نحتفظ بھا في قلبنا
د الجريمة ع ، خاصة عندما يأخذ ب .كريھة أيضا
قررت . واحدة في ھذا الكتاب الحظي أنني لم أذكر اسمك مرة .الذكر ھنالك أسماء ال تستحق. ھكذا أن أتركك بال اسم
.. ، وربما كان لھا اسم آخر"حیاة"لنفترض أنك امرأة كان اسمھا
؟ فھل مھم اسمك حقا
غیر قابلة للتزوير، ألن من حقھم علینا أن وحدھا أسماء الشھداءكما من حق ھذا الوطن علینا أن نفضح . نذكرھم بأسمائھم كاملةعلى دماره، وثروتھم على بؤسه، مادام ال من خانوه، وبنوا مجدھم .يوجد ھناك من يحاسبھم
أؤكد لك سیدتي تلك . إشاعة ما إن ھذا الكتاب لك ستقول.. وأدري
.اإلشاعة
عن أشیاء أخرى، إن ھذا نقاد يمارسونسیقول النقد تعويضا .بمقايیس األدب الكتاب لیس رواية، وإنما ھذيان رجل ال علم له
.إلیھا يوما :قلت أھبھا لك، . بعد الیوم، أنا عائد إلیھا للحنینلم يعد ھناك من ضرورة -
رين الفن، وأنھا معك لن ..تضیع ألنني أدري أنك تقد
:قالت كاترين وصوتھا يأخذ نبرة جديدة لحزن وفرح غامض .. بھا جمیعا سأحتفظ - شیئا فلم يحدث لرجل أن أھداني يوما
..كھذا
تحت نظرة أخیرة على جسدھا المختبئ د قلت وأنا ألقي اما :األثواب الخفیفة الفضفاضة
..يحدث المرأة قبلك أن منحتني غربة أشھى ولم -
:قالت اعلم أنك .. وتشتاق إلى إحدى ھذه اللوحات أخاف أن تندم يوما -
عندي .ستجدھا دائما :قلت ..فنحن في جمیع الحاالت نندم على شيء ما.. ربما سیحدث ذلك -
:جدية الموقف اكتشفت تقاطعني وكأنھا
- Mais ce n'est pas possible .. ھكذا ال يمكن أن نفترق! كاترين - لقد حكم علینا التاريخ أال . دعینا نفترق على جوع.. أوإنك . ألكث م سبب.. وال نحب بعضنا تماما.. ن بعض مام نشبع
علقي على جدرانك ذاكرتي، .. نسخ مني تملكین الیوم أكثر من فیھا لقد كنت أيضا .. لو كانت ذاكرة مضادةحتى و !طرفا
.ال تفھم كاترين لماذا كل ھذه الرموز الیوم
الحديث الغامض الذي لم أعودھا علیه؟ ولماذا ھذا
جسدھا يخرج عن . يفھم وربما فھمت، ولكن جسدھا كان يرفض أن
يطالب دائما . جسدھا موظف فرنسي يحتج دائما. الموضوع دائما .يفرط في حرية التعبیر، في حرية اإلضراب.. مزيدبال
..ولكن
سآتي بالكلمات التي ستشرح لھا حزني؟ من أين
، إن من أين سآتي بالصمت الذي سیقول لھا دون أن أقول شیئاحسان ھناك في مدينة أخرى، ينتظرني في ثالجة، وأن أوالده
.يعد لھم غیري الستة لماردتین، والصقیع الذي يزحف نحوي كیف أشرح لھا سر قدمي الب
تقدمت بي الساعات، وكلما راحت يداھا تفتحان أزرار قمیصي كلما .العادة بحكم.. دون انتباه
..لیس لي شھیة للحب، اعذريني.. كاترين - وماذا تريد إذن؟ - .أريد أن تضحكي كالعادة - لماذا أضحك؟ - .ألنك عاجزة عن الحزن - وأنت؟ - ..حزني مؤجل فقط كالعادة. ر أن تذھبي ألحزنوأنا سأنتظ - ؟.لي ھذا الیوم ولماذا تقول - ..وألنني سأرحل بعد ساعات.. ألنني متعب - ..لقد ألغوا كل الرحالت إلى الجزار. تسافر ولكن ال يمكنك أن -ال بد أن أسافر الیوم . تقلع سأذھب، وأنتظر في المطار أول طائرة -
..يھناك من ينتظرن. أو غدا
.." أخي الوحي يا كاترين.. لقد مات أخي: "لھا كان يمكن أن أقول .أبكي أمام أحد يومھا فقد كنت في حاجة إلى أن. وأجھش بالبكاء
على ذلك معھا فالحزن ..لعلھا عقدة قديمة. ولكن لم أكن قادرا
وطنیة ..قضیة شخصیة، قضیة أحیانا
. ل حديثي كالعادةأواص وقررت أن. ولذا احتفظت بجرحي داخلي الصمت الیوم. ولكن لیس الیوم. لعلني في يوم آخر سأخبرھا بذلك
.أكبر
.شعرت فجأة أنني أسأت للفراشات :قلت كانت قصتنا جمیلة، ألیس كذلك؟ كانت معقدة بعض لقد.. كاترين -
، لقد. ولكنھا جمیلة برغم ذلك.. الشيء كنت المرأة التي كانت دائماما وربما سینجح الفراق في تحقیق. ون حبیبتيعلى وشك أن تك
..عجزت كل سنوات القرب ھذه من تحقیقه ھل ستحبني عندما نفترق؟ - لقد . إنه منطق األشیاء. من المؤكد أنني سأفتقدك كثیرا .. ال أدري -
ر عاداتي. من عادة كان لي معك أكثر ..وال بد لي بعد الیوم أن أغی
وھل ستعود؟ - . ال بد أن أتعلم اآلن الوجه اآلخر للنسیان.. ل مدة طويلةقب لیس -
لیس ..سھال أن نجتاز الجسر الذي سیفصلنا عنھا الغربة أم أيضا الجسور؟ لماذا تحیط نفسك بكل ھذه.. خالد - ھناك أناس ولدوا ھكذا. أنا أحملھا داخلي.. أنا ال أحیط نفسي بھا -. بین وصیفین وطريقین وقارتین جاؤوا إلى العالم . على ج ر م لق
لدوا وسط مجرى الرياح المضادة، وكبروا وھم يحاولون أن يصالحوا وفي الحقیقة دعیني أبوح .. ھؤالء ربما كنت من. بین األضداد داخلھم
كراھیتي لكل وأكرھھا. اكتشفت أنني ال أحب الجسور. ك بس ھذا تركت لك كل ول. شيء له طرفان، ووجھتان، واحتماالن، وضدان
.اللوحات ھذه
ولكن لست في شجاعة . كنت أود إحراقھا، راودتني ھذه الفكرةار لباخرته في معركة حربیة، يظل . زياد طارق بن ربما ألن إحراق بح
..للوحاته في لحظة جنون أسھل من إحراق رسامالعودة وبرغم ذلك، أريد أن أحرقھا حتى أقطع على قلبي طريق
.إلى الخلف
.االتجاھین ال أريد أن أقضي حیاتي، وأنا أسلك ھذا الجسر في ..أريد أن أختار لقلبي مسقطه األخیر
الجالسة فوق صخرة، وكأنني أفتحھا أريد أن أعود إلى تلك المدينة ..اسمه كما فتح طارق بن زياد ذلك الجیل، ومنحه. من ج يد
يخ قطعت عالقتي بالتار. منذ غادرتھا أضعت بوصلتي ..ووقفت سنوات على نقطة استفھام، خارج خطوط .وبالجغرافیة
.الطول والعرض
؟ أيھما أمامي وأيھما ورائي؟ أين يقع البحر وأين يقف العدوأمامي سوى زورق وال شيء.. وال شيء وراء البحر سوى الوطن
..وال شي بینھما سواي.. الغربةقلیمیة سوى الحدود اإل على من أعلن الحرب وال شيء حولي
للذاكرة؟
..شیئا نظرت إلي كاترين، ولم تفھم
ضحیة سوء فھم وقصر نظر ◌ فاف رقنا كما. لقد كانت عالقتنا دائما
دون أن نحب .. التقینا منذ أكثر من قرن، دون أن نعرف بعضنا حقا بتلك الجاذبیة الغامضة نفسھا ولكن.. عضنا ت اما .دائما
***
:وقلت ."ھو كل ما لم يحدث واألدب.. ا حدث بینناالحب ھو م"
..نعم ولكن
أخرى، ال عالقة لھا بالحب بین ما حدث وما لم يحدث، حدثت أشیاء .وال باألدب
ووحده . سوى الكلمات فنحن في النتیجة، ال نصنع في الحالتین
.حبره مادمنا.. ويكتبنا كیفما شاء. الوطن يصنع األحداث
وھا أنا أعود إلیه مذھوال .. حظر التنفسغادرت الوطن في زمن ل .آخر لحظر التجول في زمن
أتذكر وأنا أواجه وحدي ھذه المرة مطار تلك المدينة الملتحفة قاله حسان منذ ست سنوات واستوقفتني كلماته بالحداد كالما
.واضح دون سبب
لقد أصبحوا ال يأتونھا . إن قسنطینة فرغت من أھلھا األصلیین: "قال ."في األعراس و في المآتم وىس
لھذه المدينة ھا أنا أصبحت إذن االبن الشرعي.. يذھلني اكتشافي مرتین .التي جاءت بي مكرھا
فما الفرق بین االثنین؟ لقد .ومرة ألدفن أخي.. مرة ألحضر عرسك
.العرس مات أخي في الواقع مثلما مت أنا منذ ذلك
..قتلتنا أحالمنا
.الكبیرة بعدوى األحالم الفارغةھو ألنه أصیب
حداد.. وأنا ألنني غادرت وھمي .أحالمي ولبست نھائیا
يسألني جمركي عصبي في عمر االستقالل لم يستوقفه حزني فراح يصرخ في وجھي، بلھجة من أقنعوه .. استوقفته ذراعي وال
ما في حقائب غربت أننا نغترب فقط لنغنى، وأننا شیئا ..نانھرب دائما بماذا تصرح أنت؟ -
.ولكن لم يقرأني.. جسدي ينتصب ذاكرة أمامه كان
ا يحدث للوطن أن يصبح .أمیة بحقائب أنیقة كان آخرون لحظتھا يدخلون من األبواب الشرفی
.دبلوماسیة
وكانت يداه تنبشان في حقیبة زياد المتواضعة، وتقعان على حزمة :ة بعیني تجیبه لحظتھافتكاد دمعة مكابر.. األوراق من ..ابني يا.. أصرح بالذاكرة -
وأجمع مسودات ھذا الكتاب المبعثرة في حقیبة، .. ولكنني أصمت .ورؤوس أحالم.. أقالم رؤوس
1988 تموز_ باريس
:الكتاب على غالف
ألحالم مستغانمي، وأنا جالس أمام ) الجسد ذاكرة(قرأت رواية .بیروت احة في فندق سامرالند فيبركة السب
لي أحالم من تحت الماء من قراءة الرواية، خرجت بعد أن فرغتكسمكة دولفین جمیلة، وشربت معي فنجان قھوة األزرق
..وجسدھا يقطر ماء ما أدوخ أمام رواية من الروايات وسبب .روايتھا دوختني وأنا نادرا
خة أن النص الذي قرأته و ني إلى درجة التطابق، فھو يشبھ الد.. وشھواني مجنون، ومتوتر، واقتحامي، ومتوحش، وإنساني ،
طلب مني أن أوقع اسمي . وخارج على القانون مثلي ولو أن أحدالما ترددت .. الرواية اإلستثنائیة المغتسلة بأمطار الشعر تحت ھذه
..لحظة واحدة
.. دون أن تدري) تكتبني(كانت أحالم مستغانمي في روايتھا ھل.. الورقة البیضاء، بجمالیة ال حد لھا لقد كانت مثلي تھجم على
...له جنون ال حد .. وشراسة ال حد لھا
بحر الحب، وبحر الجنس، .. الرواية قصیدة مكتوبة على كل البحوراإليديولوجیة، وبحر الثورة الجزائرية بمناضلیھا ومرتزقیھا، وبحر