Top Banner
78

سياتى عصير الكتب

Apr 07, 2016

Download

Documents

 
Welcome message from author
This document is posted to help you gain knowledge. Please leave a comment to let me know what you think about it! Share it to your friends and learn new things together.
Transcript
Page 1: سياتى عصير الكتب
Page 2: سياتى عصير الكتب

ســـيأتي...

دينا نسريين

جميع الحقوق محفوظة©

ISBN-13: 978-1495320378 : رقم اإليداعISBN-10: 1495320375

تصميم الغالف : دينا نسريني

Page 3: سياتى عصير الكتب

جدل كثري دار حول فكرة النشر اإللكرتوني أو ما يسمى اليب دي إف

للقراء وجهة نظر حترتم

للكتاب وجهة نظر حترتم

و ما بني هؤالء و هؤالء جيش من التجار و القراصنة يستنزفون الطرفني

أعرتف حبق كل قارئ أن يستمتع بإبداع كاتبه املفضل

و أعرتف حبق كاتب بذل من وقته و جهده و عواطفه الكثري و يف أوقات كثرية من » حتويشة عمره«

أمتنى أن يأتي يوم يدرك فيه كال الطرفني حجم املؤامرة اليت زج هبما يف وسطها

يل يف رواييت أمل حقوق شرعية و قانونية لن أتنازل عنها و سأحارب يف سبيلها

و للقراء يف موهبيت حق و نصيب أمتنى أن توفيه جمموعيت هذه

سيأتي كتاب إلكرتوني شرعي و قانوني أهديه لكم بكل احلب و الود

دمتم لنا .. فبدونكم ال طائل من موهبتنا

أهديكم ...

سيأتي ...

Page 4: سياتى عصير الكتب

إهداء خاص جملموعة عصري الكتب الثقافية

شكر واجب من جمموعة حروف و

الكثري من هذه القصص كتبت يف بيئة مسابقات ثقافية, نشأت يف كل

جمموعة 313 األدبيتني و هلما كل الشكر على ذلك.

فكرة نشر هذه اجملموعة جاءت من أعز األصدقاء و الزمالء.. الكاتب الرائع حممد

عصمت ..دوما أدين لك بالكثري و الكثري شكرا.

النقطاع التيار الكهربائي الدائم فوائد, و لصوت القنابل و الرشاشات إهلام , و للخوف من

املوت رغبة و إصرار على االستمرار يف احلياة , لألسف البالغ كثريون هم من أشكرهم على

هذه امليزات األدبية .. شكرا .

Page 5: سياتى عصير الكتب

إلهـــــــــام

Page 6: سياتى عصير الكتب

استلت قلم الحبر, و بدأت توجه طعناتها بسرعة لصفحات الدفتر البيضاء, تشحذ

سنه بطرف دواة الحبر الحمراء, و تتابع الكتابة بثورة عارمة, كان الدم يسيل على السطور

بمعاناة ... وجوه كثيرة و كلمات أكثر اختلطت في مخيلتها ... الدم غطى كل المالمح

بقسوة ... رجعت إلى الخلف و أسندت ظهرها إلى الكرسي, عقدت ما بين حاجبيها و

أخذت تتأمل جراج الورق لدقائق, فيما أخذت ترتشف رحيق معاناتها بسكون؛

اصطفت الذكريات في مخيلتها, اختارت أحدها بدقة, و رمته في خضم عتمة نفسها

خنجرا شق حاجز الوهم ..

»خللي بالك من نفسك .. عشان خاطري«

يرحلون ... كلهم يرحلون, يرمون بكلماتهم التافهة لتقعقع على أرض الوحشة الفارغة

كعملة معدنية مزيفة ... و يرحلون .

أغمضت عينيها بعنف, فتحتهما, و عادت تنشب أفكارها في الورق, تصوغ اآلهات,

اآلهة إثر اآلهة, ترسم موت كل من آلمها و جرحها يوما, في لوحة فنية ال مثيل لها .

يقتربون ... يزرعون اآلمال في بستان أحالمها, و حين تورد حبا و سحرا, يحرقون كل

شيء ... و بعبارة كـ : »انيت طبعا مقدرة ظرويف« يرحلون .

تالحقت الكلمات و األفكار, و تالحقت معها أنفاسها و هي تلطخ الصفحة بألوان

معاناتها .

Page 7: سياتى عصير الكتب

أشبعت غريزة االنتقام, رمت جثث ذكرياتها جانبا, و على رأس الصفحة خطت برشاقة

إسما صارخا لقصيدتها .

وضعت القلم جانبا ... دفنت وجهها بين يديها, و تعالى صوت النحيب ...

هربت قطرات دمعها من بين كفيها, تسللت بهدوء حزين, لتتهاوى على صفحة مجلة,

لتستقر على مقابلة صحفية أجراها أحدهم معها, استقرت تحديدا على سطر, يطرح فيه

خط النسخ سؤاال ملونا أنيقا :

» يتساءل قراؤك عن مصدر إهلامك, من أين تأتني بتلك املشاعر الفياضة لتبدعي قصائدك العبقرية ?«

تبتسم السطور بدبلوماسية, و هي تمتص دموعها ... بصمت .

Page 8: سياتى عصير الكتب

دعوة إلى العشاء

Page 9: سياتى عصير الكتب

فتح الباب الزجاجي برشاقة ...

- تفضلي يا حبيبتي

منحته ابتسامة سعادة و هو واقف على الباب, تعلو وجهه ابتسامة الجنتل مان, لكم

يهوى إسعاد قلبها الرقيق؛ بسمتها سر وجوده و فرحتها تحمله إلى سحب من السعادة

الوردية, دخل إلى المطعم ..

- طاولة الثنين لو سمحت .

تقدمه النادل مختارا له طاولة هادئة بجوار النافذة.

- ما رأيك يا حبيبتي, مناسبة ؟

- ممتازة طبعا .

جلس بهدوء, ثم وضع حامل هاتفه المحمول على الطاولة, و ثبت فيه الجهاز بعناية,

ثم اغترف نظرة قاتلة من عينيها الواسعتين, و بالكاد أحجم عن النظر لشفتيها, فهو في

مكان عام, و عندما نتكلم عن شفتيها, فنظرة فحسب لن تكون كافية بالنسبة له !

- أحبك يا ملكتي.

Page 10: سياتى عصير الكتب

- أحبك يا ملكي, و ملك قلبي و روحي...

بضعة دقائق مرت و هما غارقان في مناجاة صامتة, و بين العينين بحور من الغزل,

و جداول من األمل.

سحب عينيه من عينيها و هو يطلق تنهيدة سعيدة..

- قائمة الطعام لو سمحت .

نظر له النادل نظرات غريبة, ثم أحضر له القائمة بضمت.

- ستختارين أنت لي وجبتي كما اتفقنا.

- طبعا! أتل علي الخيارات .

- بيتزا ..

- طبعا ال..

- اسكالوب ..

- ال, االسكالوب مقلي و دسم جدا .

- دجاج تيكا باألعشاب ..

Page 11: سياتى عصير الكتب

ابتسمت له برضى

- نعم, هذا هو الطلب المناسب .

قلب شفته بامتعاض, و اصطنع الحزن, قهقهت للنظرة المسرحية على وجهه..

- حسنا.. حسنا, إطلب البيتزا !

انفرجت أساريره و رسم على شفتيه ابتسامة عريضة, سرعان ما تقلصت و هي تستدرك

بسرعة ..

- بيتزا بالخضار طبعا !

- ويل لمن ولى شؤونه المرأة !

رفعت حاجبها باستنكار فضحك ..

- ماذا ستأكلين انت ؟

- قلت لك, سآكل ما تآكل يا روحي .

أشار للنادل و حدد له طلبه و عاد لالستغراق في جمالها, شعرها الحريري كسالسل

من عتم هاربة من ليلة يتغنى بها العشاق و الشعراء, شعر يتغندر على أكتاف .. آآآه من

أكتافها! عض على شفته و حاول العودة مسرعا إلى عينيها, لكن كمين شفتيها اقتنصه

Page 12: سياتى عصير الكتب

فاشتعل قلبه نارا و هو يرتمي على حدود طالء الشفاه القرمزي, كانت قد تزينت خصيصا

للمناسبة, مختارة لون طالء الشفاه الذي تدرك تماما أنه يفقده صوابه , تململ في جلسته

..

- أهناك ما يضايقك يا حبيبي ؟

- إممم تقريبا ..

نظر لها نظرة ذات مغزى, أدركت معناها على الفور فعضت على أناملها بخجل, أنامل

رقيقة كريش حمامة بيضاء شاردة من غابة مسحورة .

- لم تقل ما هي المفاجأة ؟

سألته في محاولة لتغيير مجرى الصمت, ضرب على جبينه بخفة..

- كدت أنسى ! ..

أشار للنادل مجددا و سلمه قرص سي دي ..

- أتسمح بتشغيل هذه األغنية لو سمحت ؟

هز النادل برأسه و انسحب بصمت, دقائق و انطلق اللحن الهادئ في أرجاء المكان

«I wanna grow old with you

I wanna die lying in your arms.…«

Page 13: سياتى عصير الكتب

أتسمحين لي بهذه الرقصة ؟

أومأت برأسها بسعادة, أغمضت عينيها و أغمض عينيه, و غرق كل منهما في أحضان

اآلخر في رقصة سلو هادئة ساحرة...

«A thousand mile

Between us now

It causes me

To wonder why« ..…

قطع لحظتهما الحلوة وصول الطعام, فتح عينيه و أمسك بزجاجة صلصة الطماطم...

- ماذا تفعل ! اتركها من يدك بسرعة !

- القليل فقط أرجوك !

رفعت ذقنها رافضة بعناد, برقت في عينيه نظرة تمرد و رفع حاجبه في عزم, أدركت

بأن العناد سيجعلها تخسر أكثر, فتراجعت..

- فقط القليل !

- حاااااضر ...

قالها و هو يفرغ محتويات الزجاجة بأكملها على القرص الساخن..

Page 14: سياتى عصير الكتب

- هذا ليس بقليل أيها المخادع! حسنا سأخاصمك .

رفع نظرة ماجنة إليها و قال لها و عيناه تذوبان عشقا ..

أألنك فانتة الفاتنات, تستغلين حبي لك ؟

احمرت وجنتاها من حرارة نظراته و كلماته, فيما انهمك هو في التهام وجبته بشهية

جمة, فمنذ قرر أن يتبع حمية غذائية, و هي تؤازره بأصعب الطرق و أشدها, حتى أنها

صممت على أن ترافقه في كل مرة يخرج فيها لتناول الطعام خارج المنزل, حيث اكتشفا

متعة جديدة في االستغراق بوجبة ممتعة سويا, عاد ليتأمل عينيها الداكنتين بعشق, لكم

يهواها! قرأت عبارات الحب في عينيه فترجمتهما على الفور...

- أحبك يا أغلى حبيب في الدنيا...

أرسلت له قبلة عبر األثير, مد يده ليلمس شاشة هاتفه المحمول, ليتلقى القبلة بطرف

أصابعه و يرفعها إلى شفتيه بحب, ابتسمت له بخجل من خالل الشاشة الصغيرة, رد لها

القبلة برقة واضعا طرف أصابعه على موقع شفتيها على الشاشة, أغمض عينيه مجددا, و

حلم بيوم لقائهما سويا... على أرض الواقع ... ال على األثير...

- أحبك أكثر!

قالها و تنهد, و عاد للغرق في بحر عينيها الساحرتين.

Page 15: سياتى عصير الكتب

ولــــــــيمة

Page 16: سياتى عصير الكتب

جفت حبات العرق الباردة على صدغيه, و خف اختالج جسده, ذابت التأوهات

الخافتة, و توقف صوت الطرق المنتظم في رأسه, كل شيء على ما يرام اآلن ... كل

شيء على ما يرام !

كان جوعه قد امتد على مدى أسبوعين كاملين, لكنه اآلن قد عثر على فريسته و لن

يجوع مجددا, تقلص وجهه في تكشيرة ألم ... جيد .. األلم جيد .. فهو يذكره بأنه ما

زال حيا .

لم يكن لديه الكثير من المساحة ليتحرك, لكنها كانت كافية ليغير وضعه إلى جلسة

القرفصاء, اآلن يمكنه أن يلتهمها! أغمض عينيه محاوال أن يقتل آخر قطرة من إنسانية

في روحه, و إن كان عذاب األسبوعين الماضيين كفيال بخنقها تماما... أنشب فكيه فيها

يمزقها بأسنانه تمزيقا؛ طعمها ألذ بكثير مما كان يتوقع! في البداية كان يبتلعها ابتالعا,

لكن... و بعد بضعة قضمات, بات يلوكها بتلذذ, إنها ألذ من أفخر ما تذوق في أشهر

المطاعم التي كان قد اعتاد ارتيادها, وليمة ال يستحق تذوقها إال هو.

بدأ يتلمظ بشهوة و هو يتناولها بنهم, و نقاط الدم تتساقط من أشداقه, لتختلط مع

مياه المجاري التي كانت تتسرب بهدوء تحته ..

فجأة سمع أصواتا كثيرة تنادي, أصوات حجارة تتدحرج, و بدأ النور يتسرب إليه قويا

مختلفا عما تآلفت عليه عيناه .. اتسعت حدقتا عينيه في رعب, و أطل الجنون من عينيه,

Page 17: سياتى عصير الكتب

و هو يحاول أن ينبش األرض ليخفيها عن أعينهم ... أذرع كثيرة امتدت إليه لتخطفها منه!

.. ال .. ال .. إنها لي! لي أنا فقط .. ابتعدوا !!!

قيل بأنهم وجدوه بعد أسبوعين من انهيار منزله, محصورا تحت األنقاض, صارخا كحيوان

ثائر, رافضا أي محاولة لمساعدته, و قال أحد من وجدوه أنهم ما كانوا ليعثروا عليه لوال

صرخته و هو يقطع يده اليسرى .. ليأكلها .. الجوع كافر!.

Page 18: سياتى عصير الكتب

اإلختراععمل مشترك مع الرائع محــــــمد عصمت

Page 19: سياتى عصير الكتب

حك ذقنه الطويلة بظهر يده و هو يلقي نظرة أخيرة على خط البيانات المتحرك بسرعة على

الشاشة ...

نعم .. الصيغة صحيحة !

البيانات ال تخطئ !

لقد فعلها هذه المرة !

بدأت ابتسامة رضى ترتسم على وجهه, و لمع في عيونه بريق ال يعرفه إال المخترعون, يضع

يده على زر التشغيل بحركة مسرحية ... اآلن... و بضغطة زر واحدة, سيتغير العالم بأسره!

لقد وصل لالختراع األكبر منذ بدء البشرية ... كل من سخر منه .. كل من .. ...

ماذا ؟!!.. لم يحدث شيء!! يضغط مرة أخرى .. و ثانية و ثالثة ... ال شيء يحدث!!

يضرب على اآللة الغبية بكلتا قبضتيه و يصرخ بجنون

- لماذا .. لماذا .. لماذا!!

يراجع أوراقه بجنون, ثم يبدأ بتقطيعها و رميها في كل مكان. - لقد أخفقت .. لقد أخفقت!!

يعلقه, الطويل, األبيض معطفه يخلع البداية؛ من يبدأ مجددا أن عليه بيأس, رأسه يطرق

Page 20: سياتى عصير الكتب

يحمل سلسلة مفاتيح على شكل رأس آينشتاين و يتجه نحو باب المعمل, ينظر وراءه

نظرة يائسة أخيرة, يطلق زفرة طويلة و يفتح الباب و .....

بعينيه فيه يحملق األرض, لمستوى ليصل برأسه ينزل و جدا, الطويلة رقبته يحني

الضخمتين... حراشف, رقبة طويلة, عينان دائريتان صفراوان واسعتان, جسم ضخم ...

تتسارع دقات قلبه بجنون, ال شك في ذلك! إنه أمام ديناصور ..! صوت صرخة بدائية

مفزعة تجعله يقفز من مكانه و يدخل بسرعة طابقا الباب وراءه بعنف, يعمل مفتاحه في

األقفال الخمسة على الباب بسرعة ... واحد .. إثنان .. صراخ الديناصور يعلو مرة أخرى

... ثالثة .. أربعة أقفال .. و فيما يقفل القفل الخامس يسمع صوت خطوات عمالقة

تبتعد عن الباب .

- ما الذي حدث؟! كان من المفروض أن..... !

يحاول أن يلملم أوراقه المتناثرة على أرض المعمل, يقرأ فيها بسرعة...

من ليس هناك, أو هنا رقما نسيت أنني من بد ال أخطأت!؟ أين .. أخطأت أين -

المفترض حدوث هذا!

يدور في معمله في دوائر ال متناهية و هو يقرأ و يقرأ و يقرأ .. ال شيء هنا, و ال هنا ,

و ال هنا! يطلق صرخة غضب هائلة و هو يركل الجهاز بقدمه ركلة قوية سرعان ما يندم

عليها, ماذا لو .. لم يتمكن من العودة ..! يمسح بيده على سطح اآللة كأنما ليراضيها .

- أنا آسف .. أنا آسف .. إنه خطأي و ال بد .....

Page 21: سياتى عصير الكتب

بصورة كاريكاتيرية األشعث شعره معه يقفز يقفز, تجعله الخارج من جديدة صرخة

مضحكة,. يضع األوراق جانبا, و يتجه نحو النافذة بحذر, يبعد الستارة الرمادية قليال,

ال شك في ذلك, لقد عاد آالفا من السنين إلى الوراء .. بدأ دماغه يعالج المعلومات

بسرعة فائقة .. أرض قاحلة, سراخس كثيرة, أشجار الصنوبر منتشرة في كل مكان, و

الديناصور الضخم الذي حملق فيه منذ بضعة دقائق, غالبا من فصيلة البالتيوصور... أم

كان أيورابتور؟

باألرض ملتصقة القرمزية السماء يرى هو و ضخمة, سريالية لوحة أمام بأنه أحس

البرتقالية, فيما شكلت األشجار على جانب الصورة إطارا باهتا لمشهد مروع... إتسعت

عيناه برعب

- ما الذي فعلته ! لقد قضيت على الحضارة اإلنسانية كلها بضغطة زر!

أخذ يفكر و الحسرة تأكل قلبه, لن يذهب بعد العمل إلى المقهى الصغير في آخر

الشارع, و ينظر خلسة إلى النادلة الجميلة, و هي تقدم له كعكة القرفة إلى جانب كوبه

الشهي من الكابتشينو, لن يلقي تحية الصباح على العجوز القاطنة في الشقة األرضية,

لن يعود إلى شقته و يداعب أذني عم دافنشي المزغبتين الصغيرتين و هو يقدم له قطعة

جبن لذيذة, لن يجد له فأرة من نسل حسن يتزوجها, و يخلفان سبعة فئران زهرية صغيرة

.... لن .. ولن ..و لن ..

- ما الذي فعلته!!

أخذ و الجهاز إلى عاد نوبة غضب جديدة, إلى بسرعة تحول بهلع, نفسه خاطب

Page 22: سياتى عصير الكتب

يصرخ فيه..

- لماذا فعلت هذا .. لماذا ؟!

جلس على األرض إلى جانب الجهاز المعدني, حضنه و دخل في نوبة من البكاء ...

في الخارج, و بينما كان غارقا في نوبة من األفكار اليائسة وسط بحور من الحيرة, بدأ

جسدان باالرتجاج بعنف فوق سطح المعمل, صوت الضحكات يكاد يعلو, إال أنهما

الثاني يتداركان الموقف بصعوبة, أحدهما أحمر الوجه من كثرة الضحك, فيما يحاول

الوقوف مترنحا كالسكير وسط ضحكاته الخافتة, نظر له زميله و قال من بين ضحكاته

بالعصر الجليدي, تاني قولي ... هانزله الزرار - إنزل بص عليه, أول ما يضغط على

هاجننهولك !

ضحكات أخرى تهرب من بين شفاههما, إال أنهما يكظمانها بصعوبة بالغة قبل أن يسأل

أحدهما اآلخر

- إنت هاتقوله إيمتى إننا خلصنا جهاز الهولوجرام و جربناه عليــ ...

لم يستطع إنهاء الجملة من كثرة الضحك, ضغط زميله على الزر الذي أمامه, فارتفع

صوت معركة صاخبة غطت على ضحكاتهما التي أطلقا لها العنان, و هما يتأمالن الشارع

المليء بالسيارات المتوقفة أمام المعمل و عيناهما تدمعان من الضحك.

Page 23: سياتى عصير الكتب

ســـــــــــــارة

Page 24: سياتى عصير الكتب

لم تكن فاتنة الجمال, عينان بنيتان عاديتان, بشرة حنطية, شفتان زهريتان, شعر أسود

متوسط الطول, ال هو بالناعم كجدول ماء عذب, و ال هو باألجعد ليسرح على أكتافها

بتمرد؛ لم يكن جسدها رائع الجمال, فككل النساء الشرقيات كان لها انحناءاتها و كان

لها عيوبها, لكنها كانت يوما تدعى سارة ! ..

عندما كانت تدعى سارة... كان يقول لها بأن السحر يترقرق في مقلتي عينيها اللوزيتين,

و بأن الغرام يجن عندما تتراقص الضحكة على شفتيها الخالبتين الناضجتين كحبتي كرز,

ال يقوى على الصبر حتى يلتهمها ...

عندما كانت سارة ... كان يقول بأن شعرها األسود ليل تسهر عيناه الولهتين فيه, فتلهمانه

أحلى األشعار, حتى أنه و على ديوانه األول نقش اسمها بحروف من ذهب : » إىل سارة« كان يقول بأن نساء الدنيا ال يساوين نظرة من عيون سارة, و بأن هواها منتهى األحالم ..

ما دام الشعر ليال و ضوؤه العينين ما دام الخد أمال, و الحلم شفتين

ما دام الحزن يستحي أمام الدمعتين فالحب يا حبيبتي قدر على قلبين

تلك كانت أول قصيدة كتبها لها .. عندما كانت تدعى سارة.

كانت سارة -كما يقول- حورية من الجنان, كانت مالكا و شيطان, كانت الدنيا كلها

Page 25: سياتى عصير الكتب

تطوف في فلك سارة ...

ذلك.... عندما كانت تدعى سارة .

انحدرت دمعتها و هي تراقبه من بعيد, اآلن ما عادت تدعى سارة ... استبدل إسمها

بألقاب كثيرة » الحكومة », »أم العيال«, »أم احمد«, » يا ولية »... ضاع اسم سارة

وسط زحمة األسماء و الواجبات ... اليوم .. ما عادت سارة ...

همس شيئا في أذن تلك الفاتنة, و هو يمضي لها نسخة من ديوانه الجديد, خطت يداه

اإلهداء بسرعة على غالف الكتاب ... إلى سارة ..

نعم .. هي ما عادت سارة ... لم تعد سارة منذ أن ابتعد عنها ليبحث عن سارة جديدة .

Page 26: سياتى عصير الكتب

ســـــيأتي...

Page 27: سياتى عصير الكتب

أدخلت مفاتيحها في قفل الباب .. أدارتهم دورة كاملة لتضمن سالمة المنزل في غيابها

.. لم تسمع صوتا خلفها يجعلها تستدير باسمة .. جرت قدميها على درجات السلم

ببطئ .. سيأتي .. أجل سيأتي

خرجت من مدخل عمارتها كظل شاحب .. اقتحمتها اشعة الشمس بقسوة .. هربت منها

دمعة سريعة .. مسحتها باقتضاب .. ال مكان للدموع .. سيأتي ..

حاولت أن تبتلع فيض الدموع السابح في روحها و تغطيه بستارة من أمل .. كانت تدري

جيدا أنه زائف ... سيأتي .. سيأتي .. سيأتي .. طفقت تردد الكلمة في رأسها ليترافق

ايقاعها مع صوت كعب حذائها على االسفلت البارد .. انسابت االطياف امام عينها ..

يدها ترتعش في كفه و تتوج اذنها همساته .. » أنا اتنفس اسمك , ال تتركيني , أحبك ..

أحيك .. أحيك ! » غزا صوته الدافئ خيالها أغمضت عينها للحظات في محاولة الن

تستحضر طيفه من اعماقها عبثا حاولت .. تداخلت الصور و االصوات .. صوت بوق

سيارة مارة اوقظها و شتيمة خصها بها السائق ... يا ليته فعلها .. يا ليته فعلها .. هزت

راسها كانما لتوقظ نفسها من حلم .. ال .. ال .. لن تموت .. هو سيأتي ... سيأتي ..

سيأتي .. تدحرجت اآلالم على خدها معلنة االستسالم .. جيد أنها ترتدي نظارة شمسية

..

»لم اتجاه, من كل تلفها الشفقة نظرات بهدوء, يومها بدأت و مكتبها إلى دخلت

تشفقون علي؟ هو قادم أال تدرون! هو عائد إلي!«

Page 28: سياتى عصير الكتب

غرقت, أو أغرقت نفسها بين أوراقها, و ما بين الكومة و الكومة, كانت ترفع عينيها لباب

المكتب... »لم يأت بعد« و لكأن الفراغ في إطار الباب كل مرة كان يغلف روحها

بصقيع من الخيبة و الهوان.

» أنا شهرزاد حياته, أنا حبيبته ..لن يتركني هكذا! سيعود إلي..«

إليها أنه هو من أرسله ابتسمت بهدوء, ها هو طيفه يزورها, ال بد أغمضت عينيها و

يستصبرها برهة حتى يجيء إليها محمال بباقات من الورد األزرق, و الحب, صوته الدافئ

يحتضنها بوله, أصابعه تقترب من وجنتها لتقطف دمعة شاردة .. »أتحزنين و أنا حبيبك

؟! ها قد عدت إليك, أتخيلت يوما أن حبيبك سيتركك هكذا بال سبب ؟!«

مدت أصابعها لتلمس الخواء, شالل ألم انسكب في داخلها, ارتعشت أوصالها, فتحت

أجفانها ببطئ .. »ليس هنا« ... أغمضت عينيها مجددا, علها تلمحه في ظلمة تالفيف

أمانيها, هيهات! فقد رحل الطيف و بقيت لوحدها .

رشفت رشفات عصبية سريعة من فنجان قهوة وضعه أحدهم أمامها, ليس هو من وضعه,

هو يعلم أنها ال تحب القهوة . ابتلعت المشروب الساخن ابتالعا, عله يحرق الشفاه

التي طالما تغزل بها, عله يحرق حنجرتها التي نادته مرارا و لم يسمع, عله يحرق فؤادها

الدامي, الذي ملت نزيفه المستمر .

ال .. ال .. لن يتركها هكذا بال سبب ! سيعود إليها, هو يدري كم هي تحبه, و هو يحبها

أكثر, سيتعذب مثلها, لن يحتمل ألم الفراق .... سيعود!

Page 29: سياتى عصير الكتب

عادت ألوراقها, تختلس كل برهة نظرات يائسة إلطار باب فارغ, انتهى يوم آخر طويل

مليء بالترقب؛ أسرعت خطواتها و هي تتجه لباب الشركة, هو ينتظرها هناك و ال بد, كان

قلبها يرتعش كطير يلفظ أنفاسه األخيرة .. »لم يات بعد... ال بد أن زحام الطريق أخره«.

وقفت تتبادل مع إحدى زميالتها حديثا ال لون له و ال طعم, ليغطي على تكات الدقائق

على عقرب ساعتها, تعتذر زميلتها بخجل, قفد فرغ الحوار من كل إمكانيات الحروف,

عليها أن تعود لمنزلها ... صوت ضربات كعبها على األسفلت كان رتيبا قاسيا مترافقا

بالتسبيح اليومي: ».. سيأتي .. سيأتي .. سيأتي .. سيأتي ..«.

وصلت لباب عمارتها, أجالت عينيها في كل زاوية من زوايا الشارع, ال .. ليس هناك ..

و ال هنا .. و ال .. و ال .. و ال ...

صعدت درجات السلم باستكانة, أدخلت المفتاح في ثقب الباب, أدارته دورة و نصف,

دخلت, تأكدت من انه ليس على السلم وراءها, أغلقت الباب .. لم يأت .. لم يأت ...!

صرخة حيوان جريح بدرت من حنجرتها, تالحقت خطواتها نحو حجرتها, ارتمت على

السرير, انقضت على وسادتها و أشبعتها بصرخاتها المكتومة, صرخات اختلج لها جسدها

بعنف, سيل الدموع غطى على كل شيء إال صورته التي غاصت في الظالم بهدوء ..

استيقظت صباح اليوم التالي ..

Page 30: سياتى عصير الكتب

سيأتي ....

الكت بضعة لقيمات على عجالة, ارتدت ثيابها, تأنقت في ملبسها, لبست كعبا عاليا كما

يحب, »سيأتي اليوم و يراها جميلة له« خرجت من باب الشقة, أدارت المفاتيح دورة

كاملة, جرت قدميها على درجات السلم ببطئ .. سيأتي .. سيأتي اليوم .

Page 31: سياتى عصير الكتب

رائحة الياسمينمن ســـــــــــوريا ....

Page 32: سياتى عصير الكتب

رائحة الياسمين التصقت بالنسمات الهاربة من شق صغير فتحه في نافذة السيارة, في

الوقع, التصقت بها بإصرار مستفز جعله يكز على أسنانه غضبا, فمنذ أزهر الياسمين هذا

العام و هو يحاول تجاهله, أغلق النافذة بحزم و عيناه مثبتتان على الطريق أمامه, ليس

للياسمين مكان في حياته بعد اآلن, و لماذا! .. لماذا يزهر الياسمين في غيابها ! .. هي

لم تعد هنا اآلن, ليقدم لها منه أساور جدلها بصبر ليفوز ببسمة تشرق على ثغرها, هي

لم تعد هنا اآلن .. لم تعد هنا, لتقرأ له سورة يس بخشوع .. ليست هنا, لتحميه بأدعيتها

و صلواتها .. ليست هنا, ليذوب عشقا في نظرة عينيها القلقتين . . لكم كانت تخشى

... أن يرحل و يتركها .. ربما .. لهذا السبب .. تركته و رحلت بسرعة!

صورة شعرها األسود الطويل تأبى أن تفارق مخيلته, لم يكن قد سبق له .. أن شاهد

شعرها, يومها .. يومها فقط, رأى ضفيرتها ... كانت طويلة طول ليالي شوقه للخصالت

الناعمة, تلك الخصالت التي خبأت بين ثنياتها كل أحالمها و أمانيها, لكنها ... كانت

لتفترش تبعثرت الخصالت بخوف العنبري, في حين بالدم برماد األلم, مشبعة ملوثة

اإلسفلت الشاحب, لمس إحدى تلك الخصل كان حلما بعيدا طالما تمناه, لكنه يومها

... لم يقدر ...! لم .. لم يقوى على لمسها... !

شارعان فقط, كانا يفضالن بيته عين بيتها, عالمه عن عالمها, شارعان .. يفصالن الغنى

عن الفقر, البذخ عن البساطة, و الحياة .. عن الموت .. فلسبب ما, تأبى القذاف و

القنابل »الطائشة« أن تدوس بعض المناطق, و كذلك... يأبى أن يزورها لقب » شهيد«.

لهجة كريهة انتشلته من بحر آالمه, بطريقة اوتوماتيكية و حركة متعجرفة, ضغط زر فتح

Page 33: سياتى عصير الكتب

الصندوق الخلفي للسيارة, في حين تراقص على شفتيه أثر ضحكة ساخرة ...

- وين رايح ؟

- عشغلي .

- معك تصريح ؟

أبرز التصريح, نعم تصريح, فسوق المدينة المغطى بات \ منطقة عسكرية .. على األقل

.. سيكون اليوم ..

خبطة من يد الكائن الكريه على ظهر السيارة, منحته تصريحا آخر ليكمل طريقه, ابتلع

حفنة من الشتائم و مضى, لم يكن المكان بعيدا, أوقف السيارة داخل المستودع, و

لمعة عينيه للسيارة أظهرت في االمامية الحديدية وراءه, األضواء الستارة ليغلق ترجل

انتصار, عاد لمقعد السيارة, و قام بتنفيذ اإلشارة الضوئية, اقترب منه يحيى باسما

اليوم رح نحرر الجامع األموي . -

اهلل محيي الجيش الحر .. -

اتجه نحو السيارة و كشف عن مخبئه الجهنمي, خمسة صناديق من الذخائر, هو فقط

كان الوحيد الذي بإمكانه تمرير كل هذه الكمية من الذخائر من تحت أنف شبيحة األسد

...

Page 34: سياتى عصير الكتب

و قبل أن يبدأ بإفراغ الصناديق أمسك بيد يحيى

متل ما اتفقنا ؟ -

يا قيس! كبر عقلك ! -

تراجع للخلف و نظر له بتحد و غضب ...

خلص! ال تعصب علينا! بس ما تقول ما نصحتك. اللي متلك ما بيقدر يتعامل -

مع ساحة معركة .

إنت شو خصك أخي؟ عمبقلك بقدر, و بعدين الحامي اهلل ! -

هز يحيى رأسه بضعف, و ردد خلفه بصوت خافت يعتريه القلق

الحامي اهلل .

ضبابية معطرة بأثر بسيط من رائحة الياسمين, كانت كل المشاهد بين تلك اللحظة و

اللحظة التي وجد نفسه فيها يهتف بأعلى صوته:

- اهلل أكبر .. اهلل أكبر .. اهلل أكبر ...

كان صوته يحاول أن يغطي على صوت طلقات المدفع الرشاش في يده, كانت تحاول

أن تمحي اللون األحمر الذي غطى كل شيء, و لسبب خفي تذكر “أنا ال أحب اللون

Page 35: سياتى عصير الكتب

األحمر !” ... رائحة الياسمين تسللت إليه من بين كل روائح البارود و الدم و التراب,

لتعيد له صوت ضحكتها الندية, ارتفع الصوت بداخله حتى غطى على كل األصوات,

اإلغراء كان أقوى من قدرته على المقاومة, أغلق عينيه للحظات ليسرق فيها صورة لها,

رسمها خياله في عتمة ذاته .. “أنا هنا ألجلها .. ألجل فاتن و كل أحالمها, ألجل سوريا

.. ال .. ألجلها فقط .. ألجل فاتن ...”

قيس ! الاأ قيس !! -

رن صوت يحيى في أذنيه, مع طنين مزعج, و دوار خفيف بدأ يعتريه, شيء لزج غطى

أصابعه, لزج دافئ, أحمر .. بصعوبة فتح عينيه باحثا عن مصدر الرائحة, و على بعد

يحس يكن لم فقط, خطوات بضعة نفسه, على تحامل ضالته, وجد خطوات بضعة

بالرصاصات المنهالة من كل جانب, و صوت يحيى بات بعيدا جدا, كأنه آت من عالم

آخر, أخيرا .. وصل! مد يده المضرجة بالدماء, و قطف زهرة, ال بأس .. واحدة هذه

المرة تكفي, المهم أنه لن يذهب إليها خاوي اليدين .. أطبق قبضته على الزهرة الثمينة,

توقف عن اللهاث, و تهاوى على األرض, اآلن .. اآلن فقط فهم لماذا .. الزال يزهر

الياسمين ..

في ذلك اليوم .. تم تحرير المسجد األموي ...

و في ذلك اليوم .. في مكان ما من عالم آخر .. زينت فاتن ضفيرتها السوداء الطويلة

بزهرة ياسمين بيضاء ..

و ايضا في ذلك اليوم .. لمس قيس خصالت شعرها الحريري ... ألول مرة .

Page 36: سياتى عصير الكتب

عروســـــــــــــــتيمن مـــــــــــــصر ....

Page 37: سياتى عصير الكتب

أدخل يده في كم القفطان, عدلت بهية وضع القفطان على كتفيه, و نفضت عن ظهره

حبات غبار غير مرئية, حمل سبحته و نظر لها قائال:

- روحي جهزيها .

تحاشت نظراته و قالت له و عيناها على االرض

- البت لسا صغيرة يا أبو محمد .

لف السبحة على يده و رد عليها بنبرة عصبية:

- يا ولية هو انتي هتفهمي أكتر من الشرع!. أكتر من القانون؟ !!

تابعت بهية بصوت خافت و هي تهرول لتفتح له باب الغرفة:

- بس دي لسا مش عارفة حاجة! مش عارفة يعني إيه جواز, مش عارفة يعني إيه دنيا .

أشاح بوجهه و هو خارج و قال:

- هو يفهمها و يعلمها على إيده, و يخليها تشوف الدنيا زي ما هو عايز.

استوقفته بنبرة مترجية:

Page 38: سياتى عصير الكتب

- دي لسا عيلة !

استدار و قال لها بلهجة آمرة :

- قومي انتي جهزيها, و أما يقعد معاها هيعرف هي عيلة و اال أل !

ماتت الكلمات على شفتيها, ما من شيء يقال, فقد استقر رأيه على أن يزوجها, و ما من

شيء تقوله أو تفعله ليغير األمر.

)) البت مالهاش غير بيت عدلها (( صدى صوت الحاجة والدتها في رأسها, الصوت

الذي سمعته ألول مرة و الحاجة تفك ضفائرها, و تسرح شعرها .. أربعون عاما و هي

تحاول أن تصدق هذه الجملة, أربعون عاما, و هي تغالب في داخلها شياطين الـ«ماذا لو

» ... ماذا لو !! .. ماذا لو !!

غالبت دمعتها و أطلقت تنهيدة حارة, و توجهت لغرفة البنات, كانت سعاد جالسة على

سريرها تلعب بدمية قديمة, في حين كانت دمية فاطمة جالسة بكبرياء في مكانها المعتاد

على الطاولة أمامها, كان النور الخافت ينعكس على ضفائر طفلتها البريئة, في حين كانت

تغلق الدرج بسرعة لتخفي شيئا كانت تحمله, و تمسك القلم و تضع رأسها في كراس

الواجب.

لن تفك هذه الضفائر! ستقصها! لن تترك لها خصالت شعر طويلة تلعب بها, و تخفي

فيها مخاوفها و خيبتها, الشعر القصير سيمنحها جرأة كالفتيات الالتي تراهن على التلفاز,

سيمنحها القوة لتدافع عن نفسها.

Page 39: سياتى عصير الكتب

انتبهت على نظرات سعاد و فاطمة إليها و هي واقفة أمام الباب تتأمل:

- تعالي يا بت

و أشارت لفاطمة بيدها

- بخلص الواجب أهوه ياما .

- ال سيبي الواجب و تعالي عاوزاكي .

التقت نظرات فاطمة و سعاد بقلق, وضعت القلم داخل الكراس و أغلقته ثم تبعت أمها

مسرعة .

فتحت األم باب حجرتها و أدخلتها برقة

- ادخلي يا حبيبتي .

استغربت فاطمة الحنان المفاجئ في صوت أمها

-مالك ياما ؟ )لمحت دمعة في زاوية عين أمها الخفية ( إنتي بتعيطي ! و ربنا خلصت

مذاكرة و ربنا مش فاضل غير الواجب بس! )صمتت لثوان ثم استطردت( مش هعمل

كده تاني خالص !

لم ترد بهية, بل استدارت نحو ابنتها و غمرتها بحضن قوي و قلبها يهتف » يا بنتي يا

Page 40: سياتى عصير الكتب

حبيبتي ده انتي تسع سنين بس ... تسع سنين ! »

و تذكرت الحاجة والدتها, و تذكرت المشط و قلم الروج و قزازة البارفان الفرنساوي و

علبة البودرة الذهبية, رسمت ذات الضحكة المصطنعة على وجهها, الضحكة التي سبق

و رأتها على وجه والدتها...

- انتي بقيتي عروسة يا حبيبتي .

نظرت لها فاطمة باستغراب, و آالف األسئلة تموج في خاطرها, لكن قبل أن تبوح بأي

منهم, سحبتها والدتها من يدها و أجلستها على الكرسي

-تعالي هنا هزوقك, النهاردة في حد مهم جايلك .

- تزوقيني ؟!!

لم تصدق فاطمة أذنيها, فمنذ أسبوع فقط »رنها باباها علقة موت« ألنها خطت شفاهها

بقلمها األحمر و هي تلعب مع أختها سعاد لعبة األم و ابنتها.

تارة, بأصابعها و تارة, بالفرش تعمل بدأت و علبا كثيرة, األم أخرجت بعيد درج من

إلى تتحول الطفولية المالمح بدأت و أخرى على وجه طفلتها, تارة الكحل بأقالم و

مالمح مسخ .. و بين الفينة و األخرى ترمق المقص على الطاولة بنظرة تصميم, سأقص

ضفائرها, ال بد من أن أقص ضفائرها, ال بد من أن تصبح مثلهن!

أما فاطمة فكانت تنظر إلى المرآة في ذهول, و األلوان البراقة تغطي وجهها, أحست

Page 41: سياتى عصير الكتب

بالسعادة و هي ترى سمار سحنتها يتحول الى لون جيري أبيض, أحست بالجمال و هي

ترى األحمر على وجنتها, و بعد عدة لمسات من أمها احست بأنها تشبه هيفاء وهبي,

أو حتى نانسي, ال ينقصها إال الشعر الطويل المفرود مدت يدها إلى ضفائرها لتحلها, أمسكت بهية بيد ابنتها بقوة و همت بأن تقول شيئا, لكن أبو محمد دخل الغرفة مزمجرا

- هاه خلصتوا و اال لسا؟ الراجل مستني في الصالون !

- أهوه خلصت ياخويا فاضل أسرحلها شعرها بس ...

رمى األب ابنته بنظرة ناقدة ثم قال:

- ال هاتيها كده خالص.

تدفن تتركها لن أن تقص ضفائرها! بهية, يجب المجنونة في ذهن تتابعت األصوات

مشاعرها في خصالت شعرها لن ... لن .. و على الرغم من البركان في داخلها لم يصدر منها إال صوت ضعيف:

- بس يا بو محمد ..

- هاتيها بقولك !

أسقط في يدها, فاستدارت قبل أن يلمحوا الدموع التي طالما حبستها تنهمر على وجهها:

- روحي مع أبوكي يا فاطمة, أنا شوية و أحصلكو .

سحب األب فاطمة من يدها دون أن ينظر لها, و سار بها حتى وصال إلى الصالون؛

Page 42: سياتى عصير الكتب

النجفة الكبيرة كانت تتألأل باألضواء, و الغرفة كانت تفوح برائحة الطيب, هذه الرائحة

تعرفها, كانت دوما تشمها و هي تمر أمام مكتبة الشيخ أمين و هي في طريقها للمدرسة,

أمين هو فالشيخ إذا المذهبة, البيضاء الكنبة على بنفسه جالسا أمين الشيخ و رأت الضيف المهم ... قطع والدها أفكارها و هو يدفعها من ظهرها :

- أنا في األوضة اللي جنبكو ..

و أغلق الباب, أجالت فاطمة عينيها في الغرفة المحرمة, لم يسمح لها من قبل أن تدخل

الجدار على و ذهبية, بخيوط مطرزة الفاتحة سورة علقت الحائط على الغرفة؛ هذه

المقابل ساعة قديمة خشبية جميلة, و على األرض بساط ملون, كيف يضع حذاءه على شيء بهذا الجمال ..!

- ما تيجي تقعدي يا عروسة .

لم تكد تصدق نفسها » سعاد هتتفرس! طول عمرها هتموت و تقعد في األوضة دي«,

آخر من جلس من إخوتها في هذه الغرفة كانت هبة, و كان ذلك قبل أن تلبس فستان

الفرح األبيض و تسافر إلى السعودية ..

سارعت بالجلوس على أقرب كرسي منها, كانت تريد أن تجلس قبل أن يأتي والدها و يعنفها و ينهرها, لكن الشيخ أمين ضحك ضحكة غريبة, و ربت على الكنبة قربه و قال:

- ال تعالي هنا .

»هو بيبصلي كده ليه ! أكيد عشان ماما زوقتني و بقيت حلوة هو فرحان بيا » قامت

و مشت برؤوس أصابعها على البساط الجميل كي ال تتلفه, و جلست على الكنبة قربه,

Page 43: سياتى عصير الكتب

اقترب منها حتى كاد أن يلتصق بها, و على وجهه تعبير غريب, لعق شفاهه و الجوع يطل

من عينيه الداكنتين, و سألها بصوت مبحوح:

- هاه رأيك إيه فيا ..

ما هذا السؤال الغريب ! تململت فاطمة في جلستها و أشاحت بنظرها, فعلى الرغم من

سعادتها بالزواق و باألوضة الحلوة و البساط الجميل, لكن شيئا غير مريح جثم على

صدرها, ربما كانت رائحة العطر الوخازة التي غرق بها الشيخ أمين نفسه, ابتعدت عنه قليال فضحك ضحكة قصيرة و قال:

- بتتكسفي ليه بس! أمال لما تيجي معايا هتعملي إيه ؟

- آجي معاك ؟

- آه تيجي معايا, أنا هاخدك بيتنا الخميس الجاي إن شاء اهلل.

نفس النظرة الغريبة, أحست فاطمة بحنين لدميتها التي جلبتها لها أختها هبة من السعودية

في زيارتها لمصر السنة الماضية, كانت دمية جميلة جدا, أحلى من كل دمى صديقاتها,

أحلى حتى من دمية هبة القديمة, أمسكت ضفيرتها و أخذت تلعب بها بعصبية.

-مالك يا قطة ؟

- أقدر أجيب عروستي معايا ؟

تذكرت فاطمة عروسة أختها هبة, و أمها ترميها في الكرار لتمتأل باألتربة و يأكلها العث...

Page 44: سياتى عصير الكتب

- عروسة إيه بس! ده انتي اللي هتبقي عروستي.

نظرة قاتمة مألت عينيها, في حين تململ الشيخ حسن في جلسته و سحب نفسا عميقا,

قطع الصمت دخول والدها إلى الغرفة, و نظرة منه إلى وجه الشيخ أمين مألت وجهه

بابتسامة عريضة و قال بصوت راض:

- هاه, نقول مبروك ؟

فوقف الشيخ أمين و مد يده آخذا بيد والدها

- نقرا الفاتحة بقى.

انفجر والدها ضاحكا و قال له:

- اهلل! ده انت مستعجل أوي على كده !

دخلت والدتها و سحبتها من يدها إلى المطبخ, لتحملها صينية الشربات و تدخلها إلى

»عريسها« كما سمته, لكنها كانت تتحرك بطريقة آلية و صورة عروسة هبة المهترئة ال

تفارق خيالها, و هي تقدم العصير, و هي جالسة, و هي تودعه, و هو يضغط على يدها,

و حتى حين عانقتها أمها مرة أخرى .. » عروستي الحلوة مش هتروح الكرار«

لم تفهم منه شيئا, كانت تريده أن يصمت و يدعها جلس والدها و كلمها كالما كثيرا

تذهب لتحضن دميتها, و أخيرا ربت على رأسها و أمرها ان تذهب و تنام, فأمامها غدا

مشوار للخياطة..

Page 45: سياتى عصير الكتب

- مش هروح المدرسة ؟

- أل بقى مدرسة إيه !

لم تحزن فاطمة فهي ال تحب المدرسة, المدرسات يضربنها دوما و الدروس صعبة,

لكنها تريد أن تحضن دميتها, خرج والدها من الغرفة و تبعته والدتها, رجعت إلى

غرفتها, كانت سعاد قد نامت, اقتربت من الدرج , فتحته و أخرجت الفستان الذي

كانت قد أخفته عندما دخلت أمها, أمسكت اإلبرة و تابعت عملها عليه و رأسها

مليء بالصور و األفكار, و نظراتها تحير ما بين الثوب و بين عروستها, و بعد بضعة

له جميال, أبيض ثوبا حجرها, كان على الثوب نشرت و الخيط, قطعت دقائق

كشاكش على أطرافه و أكمامه, و قد أضافت على طرفه فيونكة جميلة أخذتها من

ثوب قديم لها .

سحبت العروسة و ألبستها الثوب الجديد, أحست بوخز في قلبها, لن تتمكن من أن

تلعب معها في فستانها الجديد الجميل, و همست بصوت خافت:

- مش هخليهم يحطوكي في الكرار زي عروسة هبة . أمسكت شعر الدمية و جعلته

على هيئة ضفيرتين, أخدتها ووضعتها على السرير, إلى جانب أختها سعاد, اتجهت

إلى المرآة, حلت ضفائرها و ابتسمت ابتسامة خافتة, أطفأت النور, وخلدت للنوم .

Page 46: سياتى عصير الكتب

وحي البحرعمل مشترك مع الزميل القدير سراج الدين البدوي

Page 47: سياتى عصير الكتب

أجال نظرة حائرة في البحر الهائج، فيما كان قلبه يرقص بهدوء على إيقاع ألمه الحزين:

ال لن أعود لها بعد كل ما قالته، مستحيل..!

مشى بخطوات تائهة, هائما بوجهه على الرمال التي طالما لعبا عليها... هنا بنيا قصرا من

الرمل و أودعا فيه حلما أزليا ببيت وطفل، و مستقبل مليء بالسعادة األبدية، هنا جلسا

يعدان نجوم ليلة صافية كسماء عشقهما، وهنا تشاطرا آيس كريم واحد، كانت خدعة

ماكرة ليصل إلى رحيق شفتيها؛ نظر إلى األمواج المتالطمة, لكم يتمنى أن تسحبه واحدة

منها وتضربه ضربة تلو ضربة تلو ضربة, حتى يستيقظ من وهمه، حتى يدرك أنه ال حب..

ال... في هذه الدنيا المادية جدا، القاسية جدا، ال وجود لكلمة حب.

محاولته من الرغم وعلى باستهتار، األمواج به تتالعب بصره مستوى على لمع شيء

لصرف النظر عنه؛ إال أنه لمع كالبرق، وكأنما يناديه ليخترق ظالم ألمه بتحد و إصرار،

لم يتمكن من تجاهل النداء فنزل بثيابه لمقابلة األمواج حتى وصل الماء إلى كتفيه، كانت

زجاجة، بل زجاجتين تتراقصان سويا على سيمفونية جنون البحر، سحبهما ليجد كال منهما

مختومة، دقق النظر فيهما جيدا، نعم.. رسالتان كل واحدة في زجاجة، هذا ما كان قد

حصل عليه.

عاد إلى الشاطئ وقبع بهدوء ليتفحص محتواهما، األولى كانت أكبر قليال، مختومة بغطاء

فضي مزركش بنقوش شرقية جميلة، فتحها على مهل, و أخرج منها ورقة صفراء قديمة،

ترك الزجاجة تنسحب من يده بخجل حتى استقرت بهدوء على الرمال، الرسالة كانت

Page 48: سياتى عصير الكتب

مكتوبة بخط أندلسي جميل، لكن كلماتها كانت أروع جماال من الخط, و أدق صياغة

من الزجاجة وغطائها, بدأ يقرأ بانسياب حتى كاد يتوحد مع الكلمات:

»على ضفاف بحر المغرب وقد استنشقت األثير العربي الخالص،

أكتب لك أيتها القشتالية, و بيننا بحر الروم يقد مهجتي ومهجة األمة

بأكملها، ال أدري ما الذي أصابني عندما نزعت عنك القناع

فأبهجها دوننا، النهار الذي ستر وجها كبدر غاص في سحب

ماهرة في القتال أنت، و لكن كيف المرأة كسبحات النجوم تمسك

بسيف وتغامر بحياتها..؟!

حقا جرحني سيفك القشتالي قرب قلبي, و لكنه جرح أفاقني على

رؤيا وجهك..

في الصعبة المهمة أنجز هذه حتى زيدون ابن روح أستحضر

سماء في البهي نجمك من بالرغم تتعنت ولكنها لك، كتابتي

أخذوا أعداؤنا، هم والقشتاليون قشتالية! ألنك ذلك الجمال،

أرضنا، وأحرقوا مكتباتنا، فاندثر علم ال أول له وال آخر، قتلوا الكثير

والكثير من أمتنا! ولكن وبالرغم من ذلك أجدني مشدودا

إليك، إال أن قتالي لقومك سيستمر, و حبي لك سيستمر حتى أموت

بين يديك..

Page 49: سياتى عصير الكتب

و كياني، أصاب كيانك لكن و ضعفا؛ ليس حقا أحببتك

استباحتني روحك الفاتنة التي ال تتوه عن خيالي، و اآلن أنا أتقلب

على نار الجوى لفراقنا، فهل من قربة تجمعنا..؟

كتبت ذلك وألجل حقا، أحببتك لقد الفاتنة, القشتالية أيتها

خطابي، و به أثبت هذا الحب الذي تجشأ نار الوغى، و أسبل

الدمع على خدي كشالل دائم، و إن كان هناك إثبات آخر؛

لكتبت لك قصيدة أخطها بدمي حتى أنعم بحبك..

ولكن هل تحبين الشعر..؟

العاشق: »نور الدين«.

دمعة شريدة تجولت على خده, وهو يلمس الدم القاني على الرسالة كمن يلمس كنزا

من كنوز الدنيا، أحس بشمم و عزة شرقية يطالن من حروف الرسالة, ليرسما عالما من

الرجولة و القوة، تذكر ذاك الشعور الدفين بداخله، رجل شرقي هو يأبي أن ترفضه امرأة؛

لكن كلمات الحب في الرسالة كانت أقوى من الرجولة، أقوى من الزمن، أقوى من الحياة

بأسرها! لكم أحب »نور الدين« قشتاليته تلك

»أتراه أحبها أكثر مما أحب أنا ياسمين..؟!« سأل نفسه, و بغرور العشاق الدائم مسح

الفكرة من رأسه، فيما طوى الرسالة وأعادها بعناية إلى زجاجتها.

تناول الزجاجة الثانية, و التي بدت أصغر حجما، قرمزية مثل شمس آلت إلى المغيب،

Page 50: سياتى عصير الكتب

مختومة بغطاء مرصع بالعقيق والزبرجد، و إن كان الزمن و السفر المضني على أمواج

البحر قد سرق بضعة أحجار منها، فتح الزجاجة بعناية و وضعها برقة إلى جانب رفيقتها،

تقلصت ملون، من حرير بخيوط مطرز منديل جانبها وإلى أخرى, رسالة أخرى, ورقة

عضالت جبهته بعبوس زاجر, عندما رأى الطالسم المكتوبة على الورقة..

بأي لغة هي..؟!

قال في تأفف، و لكي يتمكن من قراءتها؛ عاد يقلب الزجاجة في يده تارة, و ينظر للورقة

تارة أخرى، ثم لمعت عيناه بفرح، أجرى مكالمة هاتفية سريعة، حمل الزجاجتين واتجه

مسرعا نحو سيارته.

بعد نصف ساعة كان يجلس أمام مكتبه منتظرا منه االنتهاء من ترجمة طالسم الرسالة،

نظر له عمه من وراء نظارته الصغيرة ثم عاد بنظره للورقة وتال عليه:

»أيها السيد األندلسي..

ما كان ملثلي أن حتب و تعشق، فمثلي ما خلقت إال للمجد و العال..

ابنة أنا »ليديا«, العاشق، فدعين أخربك عن أصلي وفصلي، أيها بارزتك تعرف من قد ال الكولونيل »دون رميون« أحد كرباء حرب األندلس، أتفصد مثل ورق الشجر وقت اخلريف، فبعدما بلغت العال, و وقف ببايب ملوك األرض من أقاصي اليونان و حىت بالد السند؛ أقع يف

شرك عريب أصيل, كان كل مهه احلفاظ على بالده.

Page 51: سياتى عصير الكتب

سيفي التقى لون؛ و شكل من كل الرؤوس بسيفي أحصد احلرب ساحات يف أن فبينما بسيفك، و ما قابلت يف احلرب باسال مثلك، حيارب بقوة و لكنه يرفق خبصمه، لقد وقع قليب أسريا لك عندما رفعت عين القناع, فأصابك سيفي، رجوعك عين بعدما تأكدت من شخصي

كان حافزا كبريا ألقع يف خضم هذا احلب، فيا حلرييت بني القلب والواجب.

نعم حاولت االنتقام لرفعك عين قناعي ألصيبك، و لكن لو تدري كم حيب لك, لعلمت أن الدم الذي جرى يف جرحك كان دمي أنا، فكيف أقتلك وروحي فداك، وحلمي أن أنال يوما

رضاك..؟

هربت ألول مرة يف عمري، لكن ما كان يل أن أغري قدري ،فأخربين يا مليكي، يا من أبوح له بعذابايت.. أخربين ما احلل وكيف أنال مبتغى اآلمال..؟

كيف ملثلي أن تلتقي بك؟ وكيف أصبح ملكا لك أيها العاشق؛ حىت أعيش حياة مل أعشها بعد، حياة متنيتها معك..؟«.

قبل أن يتمكن عمه من سؤال ألح عليه, خطف الرسالة من يده وخرج بسرعة.

أي قدر ساق لي هاتين الرسالتين..؟!

قال في وهن و هو ال يدري إلى أين تحمله قدماه، فبأي قدر رسم له خياله صورة »ليديا«

األميرة العاشقة »ياسمين« و رسم نفسه إلى جانبها »نور دين« شرقيا يود لو يحميها من

الدنيا و خطوبها، أمسك هاتفه واتصل بها: »أحبك..!« كانت بداية حديث طويل

Page 52: سياتى عصير الكتب

متوج باألماني و البسمات، فاح عطر الهوى في روحه فكللت السعادة مقلتيه؛

أنهى المكالمة ونظر للزجاجتين في تفكر..

بقي شيء واحد ألفعله.

عليها خط ورقة صغيرة جيبه من أخرج البحر، نحو توجه ثم من متحمسا، قالها

سطرين بدقة محب، ثم وضعها بعناية إلى جانب الرسالتين في زجاجة »نور الدين«,

لعب يدري، ال حيث األمواج تسوقها البحر أحضان في رماها و إغالقها أحكم

بزجاجة »ليديا« بين أصابعه في ابتسامة صافية.

أن بحظنا، في نعم.. ستكون لحبيبتي أحلى هدية, تذكرني دوما

نكون معا.

في زمن آخر, و في مكان ليس بقريب، فتح عاشق حزين زجاجة مختومة بغطاء فضي

مزركش بنقوش شرقية جميلة؛ ليجد فيها ثالث رسائل متعانقة، فتح األولى في توجس

ليقرأها:

»ليس مجد ما فعله القدر مع األميرة »ليديا« عندما فرق بينها وبين حبيبها العربي

أوتار قد عزفت على منهما لآلخر بعثها كل التي الرسائل الدين«؛ هذا ألن »نور

العشق األبدي سيمفونية ربما لن تتكرر«.

Page 53: سياتى عصير الكتب

شروع في قتل

Page 54: سياتى عصير الكتب

حاول ان يبلل شفتيه الجافتين بلسانه, لكن لسانه كان جافا كقطعة خيش قديمة, أحس

بارتفاع حرارة جسمه مع ازدياد ضغط الدم في شرايينه, تحسس الوحش البارد القابع في

باالختناق و جيبيه بسكون, دون أن يرفع عينيه عنه, كل ما فيه بات يولد لديه شعورا

االزدراء ... ذقنه الطويلة, جلبابه األبيض, الزبيبة على جبينه, و السبحة التي الزمت يمينه

أبدا, تتحرك حباتها الحمراء القاتمة بين أصابعه برتابة قاتلة!

تركزت عيناه على الحبات الحمراء و هي تتدحرج... حبة .. تليها حبة .. نقطة .. تليها

نقطة .. ثم قطرة .. ثم قطرة .................................................. قطرات

من الدم كانت تنهمر من فمه فيما بدأت بقعة دم كبيرة تتسع بسرعة رهيبة على قميصه,

عاد بالزمن مرة أخرى لتجحظ عيناه و هو يرى رامز صديق عمره يتهاوى على األرض,

نادى بأعلى صوته, صرخ و صرخ و صرخ ... لم يرى حوله سواهم, جميعهم بذقون,

جميعهم يرتدون الجلباب االبيض, جميعهم يحملون الزبيبة الشهيرة على جبينهم كشيطان

صغير يطل من فوق أعينهم, و يضحك منه و من معاناته, انهالت عليه الضربات من كل

جانب ..

استيقظ بعد عدة أيام في المستشفى ...

- رامز فين ؟

مطت الممرضة شفتيها بال مباالة..

Page 55: سياتى عصير الكتب

مش الجدع اللي كان معاك ده ؟ تعيش انت, ياهلل اتشطر انت بقى و

خف, جرحك أهو اتلم و بقيت زي الحصان.

تلمس الرباط الشاشي على رأسه, و أحس بدوار شديد ... صورة طفلين على دكة مدرسية

واحدة يدبران مقلبا لمدرس حصة التاريخ, صورة لمباراة كرة الشراب و جووووول ...,

صورة شابين جالسين على كورنيش النيل يحملقان في شاشة الموبايل بلذة آثمة, صورة

رامز على كتفه و هما يهتفان أمام االتحادية بقوة ... لون أسود قاتم غطى كل شيء و هو

يغمض عينيه بألم حابسا دمعا كاد أن ينهمر ...

يمين باهلل آلخد بتارك يمين باهلل !

خرج من قوقعة أفكاره على منظر السبحة و القطرات تتابع .. النقط تتابع .. حبة ..

حبة .. حبة تتدحرج بين أصابعه .. ذات الجالبية البيضاء, الذقن و الزبيبة, نعم ها هو

أمامه, يتحرك بهدوء و ال مباالة... رامز مات .. ماااااات !! سيثأر له منهم, هو هنا ليثأر!

سيخلصه من عارهم و يثأر لرامز, نعم سيخلصه .. فهو منهم .. مثلهم! سيخلصه من

عارهم, من ذقنهم و زبيبتهم و جالبيتهم و سبحتهم ! ..

تالحقت دقات قلبه, وضع إصبعه على الزناد, سينتهي الموضوع خالل ثوان, الموضوع

بسيط جدا .. دم بدم ! ... سيثأر .. سيثأر !..

اتسعت حدقتا عينيه و الجالبية البيضاء تقترب منه, ربت على كتفه بهدوء..

- ياهلل يا ابني مش هتقوم تصلي معايا ؟

Page 56: سياتى عصير الكتب

هوى الصوت الحنون على قلبه كالمطرقة, فبعثر أفكاره و مشاعره كلها, سال دمع ذاته

دمعة هربت من جفنيه المؤرقين, رفع براكين الغضب, أشاح وجهه بعيدا مخفيا مطفئا

إصبعه عن الزناد ببطئ ..

- حاضر يا بابا, هقوم اتوضى و الحقك .

Page 57: سياتى عصير الكتب

قـهـــــــوةعمل مشترك مع الزميل عمرو يسري السيد

Page 58: سياتى عصير الكتب

اقترب النادل منها بهدوء, فكرت بأن تطلب فنجانا رابعا من القهوة, المقهى بدا خانقا و

أحست بكل من فيه يراقبونها, و الفناجين الفارغة الثالثة مصطفة أمامها تراقب يأسها و

ألمها; نظرت إلى ساعة يدها, هذه هي المرة السابعة التي يتأخر بها عنها, لن يأتي اليوم

هي تعلم ذلك .

ال بد من أن تتنشق بعض الهواء العذب ...

طلبت الحساب, دفعت و خرجت بهدوء , أحست بكل األحاديث الهامسة تتكلم عنها,

تسخر منها! صوت الجرس المعلق على الباب أنبأها بأن المقهى أصبح ماضيا, و أنها

اآلن وحيدة في الشارع, نسمة هواء هبت, عبثت بشعرها األسود الناعم و الشال األخضر

المعلق على رقبتها, اختارته خصيصا ألنه يحب تماشيه مع لون عينيها ... »لقد تغير ...

واجهي الحقيقة, لقد تغير!« خاطبت نفسها و هي تعبر الشارع بهدوء

لحقها النادل من الداخل هاتفا

- يا آنسة يا آنسة نسيتي هذا !

سلمها طردا ملفوفا بعناية .. لفته بيدها, صنعت ما بداخله بيدها, كانت تريد منحه هدية

مختلفة هذه المرة .. لكنه لم يأت .. لقد تغير ! ما عاد يسابق الزمن ليقضي معها ساعات

من السعادة و الحب, ما عاد يهديها وردا و ال عاد يمنح عينيها النظرة التي تذيب قلبها,

ما عادت دنياه, لقد هرب الحب من قلبه .

Page 59: سياتى عصير الكتب

مهما لكنها به, أخطأت ما اكتشاف تحاول شهورا قضت أخطأت؟« أين ترى »يا

حاولت, لم تتمكن من أن تستعيد بريق الحب في عيونه .

واجهي األمر, لقد مل منك! لم تعودي حبه, لم تعودي مقصده . كانت ترى نظراته تسرح

على كل أنثى تمر في الشارع, في حين كان قلبها يستجدي منه نظرة واحدة؛ عيناه اللتان

كانتا ال تفارقانها لحظة » لتغترفا من بحر جمالها » كما كان يقول, محوال بياض وجنتها

للون أحمر وردي, ذبل ورد خديها اليوم, فهو ما عاد يسقيها حبا, كان جل عذابها نظرة

السأم التي على عينيه, جل عذابها كان أنها قد أدركت... بأنها ما عادت تسعده, »إن لم

أسعده ... فما سبب وجودي؟!!«

طلبت منه القدوم اليوم لتبلغه بقرارها, طلبت منه أن يأتي لترد له قلبه .. » إن كان لديك

شيء تحبه, فحرره... إن عاد إليك فهو لك لألبد, و إن لم يعد فهو لم يكن ملكك

أصال » كانت ستمنحه حريته من كل القيود و العهود و المواثيق التي منحها لها, ستمنحه

حريته من »saty with me “ مطرزة على بطن دبدوب أبيض, كان قد سبق و منحه

لها, ستحرره من “ I am yours “ منقوشة على إسورة لم يسبق لها أن خلعتها من

معصمها, ستحرره من أغان كثيرة قد أهداها لها, و عبارات و رسائل أكثر ...

لكنه لم يأت.

أمسكت بهاتفها و كتبت رسالة نصية

“ اليوم أحررك مني .. خطبتي بعد غد, وداعا .”

Page 60: سياتى عصير الكتب

بعثت الرسالة, أقفلت هاتفها المحمول, استندت إلى جذع شجرة و أجهشت بالبكاء, تنعي حبا حسبت أنه يدوم أبدا .

* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *

نظراتك، أرتقب الشجرة، تلك خلف منك أتوارى اآلن، أنا أجلس منك مقربة على

انفعاالتك، كل شيء منك .

أعرف ما الذي تفكرين به، تحدثين نفسك “تخلى عن موعدي للمرة السابعة”, ال يا

حبيبتي لست على صواب, لم أكن أنا من تخليت عنك, بل أنت, و بدون أن تشعرين،

تعرفين ..؟؟ إنها المرة السابعة التي أحاول فيها أن أسجن مشاعري تجاهك و أن أضع

على قلبي ثقال ال يتحمله، هذه الدقائق التي تجلسينها مستمتعة بقهوتك, أحترق أنا فيها

تتعاملين مع أرى كيف إليك, النظر أستطيع، كفاني فقط لن إليك، ولكن عذرا شوقـا

األشياء، انظري إلى فنجان قهوتك...ما إن فرغت منه حتى أزحتيه من أمامك وتطلبين

تبعدينه من أمامك, و تبدأين البحث عن آخر النهاية ثم .... غيره، تستمتعين به إلى

... فأتساءل, هل سأكون مثل هذه األشياء؟! ال أعرف السر وراء إصرارك على المجيء

إلى هنا, إن كنت تعلمين أنني لن آتي، محدثا نفسي كل مرة, قد تكون هذه هي المرة

األخيرة, ثم ما يلبث أن ينقطع تفكيري وتعاودين االتصال بي, متقبلة كل أعذاري الكاذبة،

الثأر هل الحب أعمى كما يقولون؟ هل تحبينني حقا؟ هل هو الحب, أم انك تريدين

لكرامتك ..؟ أعتقد ذلك!

تعرفين ماذا تغير بي؟ إنه قانون الطرد لألشياء التي نحبها وتؤذينا، فأنا أجد ضعفي في

Page 61: سياتى عصير الكتب

عينيك, و أنا لم أعتد هذا الضعف أبدا .

أتتذكرين حديثك معي عندما تأتين لي بلهفة، هنا أعتقد “تشتاقين إلي” لكنك آتية لتخبريني

بأنك سوف تسافرين مع أصدقاءك للخارج، ياااااااه لظني الخائب, اعتقدت أنك تسرعين

لترتمي في أحضاني وتبقين بجواري .. كم من مرة حاولت منعك من فعل شيء و لكنك

فعلتيه على الرغم مني ، كم من مرة تجرأت علي و تركتيني و أنا أحدثك، كم من مرة أغلقت

سماعة الهاتف في وجهي, ثم تأتين إلي معتذرة، كنت أصفح و أسامح, و أترك كرامتي جانبا

من أجلك ، و لكني كنت أتألم حقا؛ هل أتيت لتعتذري أيضا هذه المرة؟ هل تريدين حقا

ذلك؟ تظنين االعتذار كاف لحفظ كرامتي .

ال أعلم هل تعرفين كل هذه األشياء, أم أنك اعتدت على فعلها مع أصدقاءك،كم مرة تركتيني

من أجلهم ، لم تفرقي بيني و بينهم, كنت تثقين بأنني سأبقى معك، إلى متى ؟ تذهبين,

تمرحين, تغيبين باأليام, ثم تعودين وتحضرين لي هدية كي تظهري بها حبك, فآخذها, و معها

تستنزفين جزءا من حبي لك؛ البدايات دائما جميلة, و لكن انظري إلى أين وصلنا اآلن! و

ماذا بعد ......

آسف على عدم فهمك لي, و لكن ما حاجتك بي و أنت تذهبين وحدك, و تختارين وحدك,

و تقررين وحدك؟!! .. أحبك, أريدك, ولكن ... .

هل علي أن أنتظر موعدي, حتى أجد نفسي بجوار تلك الفناجين؟؟ .... عذرا لست أنا

....!!

* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *

كل منا على صواب دائما !!!.

Page 62: سياتى عصير الكتب

صــــراععمل مشترك مع ساحرة الكلمات سالي الجندي

Page 63: سياتى عصير الكتب

آلمها كثيرا فردت الصاع صاعين ..

تركته واقفا على ناصية الوداع و رحلت ..

»ال تتصل بي بعد اليوم« أعلنتها و هي تشهر غيابها في وجهه..

واجهي الحقيقة, لقد تغير!« خاطبت نفسها و هي تعبر الشارع بهدوء

لحقها النادل من الداخل هاتفا

- يا آنسة يا آنسة نسيتي هذا !

سلمها طردا ملفوفا بعناية .. لفته بيدها, صنعت ما بداخله بيدها, كانت تريد منحه هدية

و أنا أفكر فيما حدث, رجحت عقلي الذي لفظك, و دفنت قلبي الذي عشقك, الزلت

أؤمن بأنها صفقة خاسرة, نعم.. أظن مشاعري عابرة ..

لكن قلبي أبى أن يستمع لكل قرارات عقلي!

و أعلن عصيانه و تمرده, و علق صورك في كل أزقة أفكاري..

معلنا أنك سيد أحالمي ...

Page 64: سياتى عصير الكتب

ال! لن أفتقدك ..

فلقد سافرت معك كلماتك, ال! لن أشعر بغيابك ..

ستختفي من قواميس دنيتي ..

لن تتحرك مشاعري يوما حتى مماتك ..

و لكن... أيطيق قلبي بعادك ..

أتحسبني أحتمل يوما هجرانك؟

و أنت من كان يحيي بساتين وردي بنظرة منه ..

و يطيب حصاد العنب من على شفتي, إذا ما لمست يدي يديه ...

لست سعيدة لكن ..

يكفينى راحة البال ..

لن أحتفظ بذكراك, و إن استمر غيابك، أو طال , لن أطارد شبيها لك آملة أن يكون

أنت ..

سأجعل هجرك قبلتي, ونسيانك علي فرض ..

Page 65: سياتى عصير الكتب

لكن أشواقي لك تطاردني في كل مكان ..

أدفنها تحت أكوام من رماد النسيان, فتهب رياح أحالمي محررة كل جنون العشق ...

تراني إذا عدت إليك تعود ؟

يوميا... قبل أن أذوب فى رحلة نومي ليال ..

أفند كل أخطائك المؤلمة ..

أتذكر آثار ما سببته لي من جراح غائرة ..

ال أعلم .. ربما ألني سعيدة لغيابك ....

أو خوفا... من أن أسافر في نومي, و أحلم بلقاءك ...

قلبي تطرب ..لمساتك الغيب في عوالم أغيب معك قيود وعيي, حتى القلق يهدهد

الكسير, و همساتك تعود بمواسم ربيعي, و على شطآن أحالمي تغيب شمس الفراق

إلى االبد..

حاولت أن تصطنع من حلمها حقيقة ..

لكن آالمها أبت إال أن تسلبها لذة سراب أحالمها, و غزت روحها بعنف.

وضعت القلم من يدها, هربت إلى شرفتها متأملة السماء المتأللئة, تفجرت آبار دموع

Page 66: سياتى عصير الكتب

دفنتها طويال ..وحدثت السماء مناجية:

يا سماء الكون... إشهدي على اشتياق فاق كل مشاعر البشر!

يرن الهاتف ..

تنظر إلى الرقم على الشاشة الصغيرة بسرعة ..

و تشق ابتسامة واسعة طريقها وسط أنهار الدموع, منهية صراعا طويال ...

أحبك.

Page 67: سياتى عصير الكتب

تـحــــــــــرش

Page 68: سياتى عصير الكتب

درجة الحرارة كانت تصهر خالياه الدماغية, زحام األوتوبيس المعتاد كان يساهم في تبخر

عارم آلدميته التعيسة .. هذا االختراق التام ألسطورة » مساحتك الشخصية » كان بطال

للموقف ..

التدافع ازداد الحل, مستحيلة لمعادلة األرقام من المزيد ليضيف األوتوبيس توقف

من ليتمكن طبيعية, غير زوايا في جسده تحرك , المعتاد الشتائم بقاموس مصحوبا

التناسب مع حيز الفراغ الضيق, نظر بحقد نحو باب األوتوبيس المفتوح ... عندما .....

» أحبب فيغدو الكوخ قصرا نيرا » ..

كان ذاك هو التبرير المنطقي الوحيد لإلحساس الذي اعتراه, فروحه أخذت تحلق في

سموات من السعادة و النشوة, ألف كمان كان يعزف موسيقى حالمة و العصافير ! من

أين اتت زقزقة العصافير ؟ كل هذا كان أقل ما يمكن أن يرافق صعودها, مالك رقيق خبأ

جناحيه في حنايا غيمة قريبة, و نزل إلى األرض البائسة ليلقي شيئا من نور و ألق على

قاطنيها؛ العينان سحر تخجل أمامه أروع قصائد العشاق, الخدان أسطورتان هاربتان من

كتب العشق و الهوى, األنف عمود إغريقي منحوت في معبد أفروديت, و الشفتان !

المرات الجنة عشرات يقذف من أن ليرضى المحرمة...كان الجنة الشفتان فاكهة ..

ليتذوقهما !...

دفعة أخرى من أحد الركاب و شتيمة قذرة, أعادته ألرض الواقع, فجأة توقفت الموسيقى

Page 69: سياتى عصير الكتب

الخيالية, و عاد زحام األوتوبيس ليفرض نفسه ... ربااااه! كيف لهذه الفراشة الرقيقة أن

تستحمل جهنم األرضية تلك ؟! .. مرت بأصابع كالمرمر المصقول على شالها, زفرت من

شفتيها زفرة ضيق تأوه قلبه إثرها؛ ما هذا ! من هذا الذي يقترب منها؟. لماذا يقترب منها

؟! لماذا تصاعد اللون األحمر إلى وجهها ؟! هل يدنس طهر أذنيها الرقيقتين بكلمات

قذرة مثله ؟!! هل .. يفكر أن يتحرش بها !!! ما قيمة كونك رجال .. إن لم تتمكن من

أن تصبح فارسا يحمي فاتنته من تلك الحثالة البشرية؟؟! ال وقت ليضيعه, أخذ يجول

بعينيه في األتوبيس بجنون, قارءا عشرات الوجوه من أولئك المحظوظين الذين تمكنوا

من اقتناص مقعد, اقتربت المحطة التالية, ال بد من أن يتجهز أحدهم للنزول ! و على

بعد بضعة مقاعد وجد ضالته: النظرة المدققة إلى تضاريس الشارع, الجلسة المتأهبة,

التدافع كان بالتحرك, بدأ ثوان؛ بضعة بعد مقعدها ستودع العجوز حتما السيدة هذه

نظرة, رشف منها لينهل المستحيالت,أدار رأسه التراجع كان من سابع جهنميا, لكن

رشفة من رحيق جمالها, كانت كافية لتمنحه القوة ليرفع خمسة جبال, دفع هذا و ذاك

و مرر جسمه في الزوايا المستحيلة, بذل مجهودا خارقا ليمنع الشتائم من التدفق من

فمه ... فأذناها لم تخلقا لسماع الشتائم, تينك األذنان خلقتا لهمسات العشق و الغزل

فحسب, قليال بعد .. قليال بعد ...قطرات العرق غطت وجهه كامال, و أخيرا .. وصل!

وصل في اللحظة المناسبة و العجوز تنهض من على كرسيها, ابتسامة نصر كللت وجهه,

السعادة كانت نبعا يفيض من عينيه, و هو يقف في حيز المقعد و يشير لها

يا آنسة .. اتفضلي . -

و بذراعه و بقوة خارقة, تمكن من دفع دزينة من األجساد ليفسح لها طريقا حتى تصل

Page 70: سياتى عصير الكتب

للمقعد, اقتربت .. اقتربت أكثر .. ها هي .. اقتربت .... أكثر من الالزم ! ..

تشكر يا عسل ! -

اللهجة الرقيعة و الصوت الحاد, كانا الصخرة التي تكسرت عليها كل أحالمه و تصوراته,

تحول عزف الكمان إلى نشاز مؤلم, و أطلق صياد ما رصاصه على العصافير المزقزقة,

الجناح المالئكي الغافي بين حنايا غيمة ما كان إال شوكة ضخمة انغرست في حلقه, و

هو يحس بيدها تلمسه ... في حالة تحرش واضحة !

كثيرا ما سخر من رفاقه و من همساتهم المحرجة, و هم يقصون مواقفا مشابهة

» إيه يا خويا مش فاضل إال تقولي إغتصبتك كمان ! إسترجل يا حيلتها!! »

فكر بنظرات الشماتة التي سيقرؤها في أعينهم, فيما كان لون وجهه يتدرج ما بين ألوان

الطيف, ليستقر آخرا على اللون األرجواني, بدأ يشم رائحة احتراق, و لم يتمكن بحال

من األحوال أن يعرف .. أكانت رائحة احتراق وجهه .. كرامته .. أم أنها لم تكن أكثر

من رائحة احتراق الوقود في محرك األوتوبيس المزدحم .

Page 71: سياتى عصير الكتب

العروســـــــةعمل مشترك مع الرائع محــــــمد عصمت

Page 72: سياتى عصير الكتب

لسبب ما تجهله, استيقظت و كلمات سعاد ترن في أذنها ... كلمات مسمومة كانت,

مغلفة بالغيرة و الحسد, عيناها كانتا تقدحان شررا و هي ترمي بتفاحة إبليس تلك في

جنتها الوليدة:

عاوز الرجالة بقية زي زيه و خلص, العسل شهر حلوة يا دلوقتي

خدامة في البيت , و هتقفي يا أختي قدام المراية تغني » أطبطب ...

و أدلع ... و أكنس ... و ألمع ... و أنيم ... و أأكل ... يا يقولي

أنا إتغيرت عليه »!

بالتأكيد هي غضبت منها و نهرتها, فزوجها كان دمثا رقيق القلب, حنونا خلوقا, و فوق

كل هذا كان يحبها فوق كل وصف ...

معين كده صعب بيبقاله سوفت الشرقي الراجل هبلة! إنتي النبي و

تغيريه, و عشان كده أنا رافضة أتجوز!.

على بل واحدا, عريسا ترفض لم فهي ذاك, بهتان كذبها يعرف من أكثر كانت

العكس! كانت تقتنص الرجال ناسجة شباكها في كل مكان, محاولة صيد أي عريس؛

المحاوالت, كانا و المكالمات من منها كثيرا تلقى الخطبة, أيام في زوجها حتى

يضحكان منها, كانت تحاول المستحيل لتسرقه منها و لكن هيهات, فقد كان حبهما

أقوى من كل حبائلها و مكائدها .

Page 73: سياتى عصير الكتب

لكن .. مع كل هذا! استيقظت هذا الصباح لتحس بكلماتها تسري كالسم في أوصالها, و تزحف ببطء بين تالفيف أفكارها, لتغطي على كل شيء ..

- هاتبقي خدامة ... خدامة .... خدامة ...

توقفت أفكارها عند هذا الحد :

... خدامة ... خدامة ...

نظرت حولها في دهشة

... خدامة ... خدامة ...

نظرت النعكاس صورتها في المرآة, و التي تتسلى بترديد الكلمة :

.. خدامة ... خدامة ...

نظرت لها بغضب فانزوت على نفسها خجال قبل أن تسمع صوته يناديها

هدى ... يا هدى يا حبيبتي

بدأت بوادر المأساة! ها هو يناديها من المطبخ منتظرا منها إعداد اإلفطار! ال أبدا ! هذا

لن يكون ! جهزت نفسها لترد عليه .. لكنه استبقها مناديا :

البيض ... أومليت و ال عيون يا عيوني انتي ؟

قالت بصوت يشبه صوت الجرار الزراعي:

Page 74: سياتى عصير الكتب

إتفقعت عيونك يا سعاد يا رب!

بتقولي إيه ؟؟

استعاد صوتها رقة العروس الجديدة و هي تقول :

زي ما تحب يا حبيبي .

إذا فهو من يعد لها الفطور .. لعنت سعاد و لعنت أفكارها تلك,كيف تسمح لهذه

الترهات الحاقدة بأن تكدر عليها صباحها؟!

دخل فادي عليها و ابتسامة حنونة على شفتيه, طبع قبلة على وجنتها, و وضع أمامها

المطبخ, دقائق و سمعت إلى تناوال طعامهما ثم سبقها بحمل األطباق فطورا شهيا؛

صوته مناديا من الحمام ..

اللهب, منها يتصاعد بشوكة يمسك أحمر هيئة شيطان مع صوته, عادت سعاد على

تبتسم بجشع و هي تقهقه قبل أن تحرق النار يدها, فتتوقف عن الضحك و توسوس في

أفكارها بخبث ..

مش قلتلك؟ عاوزك تجهزيله الحمام! أهي بدأت أهي!! النهاردة

تجهزيله الحمام, بكرة تقلعيه الجزمة, هتبقي خدامة بتترعش لو سمعت

جوزها بيندهلها .

ال .. ال و ألف ال! ... سأقول له بأن يذهب هو و توقعاته إلى الجحيم !!! لن أسمح

Page 75: سياتى عصير الكتب

له أن ..

أصيبت أفكارها بشلل تام و هي تدخل إلى الحمام, لترى الشموع المعطرة تهفو برائحتها

الرقيقة, و فادي ينحني أمامها بحركة تمثيلية

- تفضلي يا أميرتي ..

قالها و هو ينثر شيئا من بتالت الورد في ماء استحمامها الدافئة؛ شتائم متعددة مرت

في رأسها, لو سمعها زوجها لطلقها! أكثرها كان لسعاد, و بعضها كان لنفسها ... كيف

تسمح لهذه الحاقدة بأن تسمم يومها, أن تغزو أفكارها كيف؟!! ..

إحدى أن إال سعاد, خنق صورة محاولة أنفاسها الماء, كتمت تحت رأسها غطست

البتالت دخلت إلى أنفها فكادت تختنق هي .

خرجت من الحمام لترى فادي قد اختار لها ثوبا جميال وضعه على السرير, و إلى جانبه

ورقة صغيرة خط عليها :

“ حبيبتي .. هل لك أن تعدي لنا فنجانين من الشاي حتى أعود ؟ .. أحبك .. اإلمضاء

.. متيم بك”

الورقة جانبا, و ارتدت ثوبها و هي تصارع لتطرد سعاد و نظراتها من رأسها, وضعت

رسمت على وجهها ابتسامة الزوجة السعيدة, نجحت في ذلك حتى وصلت إلى باب

المطبخ, ال .. لست جارية! لن أتحول إلى خادمة !

Page 76: سياتى عصير الكتب

وضعت اإلبريق على النار و هي تحدث نفسها

“سأضع الشاي أمامه, و أقول له .. أنا لست جارية لم و لن أكون ملكا ألحد ما حييت!

أنا شخصية حرة قائمة بحد ذاتي و لي اعتباري و احترامي! أنا لن أهرول عندما يشير إلي

.. أما أوامره فلـ .......”

انهمرت الدموع من عينيها بسرعة و هي ترفع الخاتم الذهبي من علبة السكر, و تقرأ

الكلمة المنقوشة عليه

“ أحبك لألبد “

خرج فادي من زاوية خفية, وضع الخاتم في يدها و هو يقول: - حلو الخاتم ؟؟

- جدا يا حبيبي!

- طب هاتيه بقى عشان نرجعه !!

نظرت له و الدهشة ترتسم على محياها قبل أن يبادرها :

- بهزر بهزر!

عانقها, دفنت رأسها في صدره لتتمزق صورة سعاد و صوتها فيما فادي يقول لها :

- يلال عشـــــ ...

- حنااااااان ... يلال عشان باص المدرسة ....

Page 77: سياتى عصير الكتب

هذا العمل هو عمل إكتروني مجاني حقوقه محفوظة يمنع استخدامه للمنفعة المادية أو الكسب و اإلتجار و أي تجاوز في ذلك يعرض صاحبه للمساءلة القانونية

للمتابعة المزيد من أعملي تفضلوا بزيارة صفحتي الشخصية على الجود ريدز

إضغط الزر لزيارة الصفحة

وضعت حنان دماها على األرض, و هرولت مسرعة نحو الباب حاملة حقيبتها, دون

أن تلتفت ورائها.

أما دميتاها “هدى” و “فادي”, فقد قبعتا على األرض متعانقتين بهدوء .

- تمت -

Page 78: سياتى عصير الكتب