Top Banner
وم الحديث عل- لثاني المستوى ا لشيخ طارق بن عوض ادرس امول ال: م الحديث اب، ومقدمات في عللتعريف بالكت ا ى رسولم علة والسن الرحيم. والص الرحم بسم- عليه وسلم صلى- عليه وعلىه وصحبه وسلم وبعد: آل حن بإذن إخواني الكرام، ن- تعالى- ابتداءختصارب ا لكتا قاء سنتناول شرحال من هذا الفظ ابن كثيرلحاوم الحديث ل عل- تعالى رحمه- في هذا ب هو من الكتب المفيدة جدالكتا وهذا ا هو عنوانهكما يعرف منعلم ف في هذا ال التأليف بر حلقة من حلقاتم الشريف، وهو يعتعل الختصار لكتاب يسمث، أي اوم الحديعلختصار ل الحافظ أبي عمروب اث" أي كتاوم الحدي ى "علح بن الص- تعالى رحمه- بمقدمة ابن ر إليه كثيرا يشاث والذيوم الحديمسمى بعل الب إخوني الكراملكتاح، وهذا ا الص- ح ابن الص أعني كتاب- ر كتب هذا الفن،و من أشه هعلماءم الشريف حتى إن العل وهذا ال- تعالى هم رحم- لكتابح اعتنو بهذا ا من بعد ابن الصفظ العراقي أبيات كالحا نظمه في من نهم اختصره ونجد م منعلم الجد من أهللعناية، فن ية ا غاوطيفظ السي وكالحا- تعالى رحمهما- تعليق بال من اشتغلعلم ال طائفة من أهل ونجد أيضاحثه، ال ئد في أثناء مباب، وتقييد الفوالكتا على هذا ان في تبر عمدة المتأخريلكتاب يعم أن هذا ا مه هذا الفن الشري0 منعلم ال اك طائفة من أهلح"، وهنبن الص وم الحديث ف "كتاب علم النوويمالكتاب كا اختصر هذا ا- تعالى رحمه- الذير في كتابنافظ ابن كثيلحاذلك ا وكن. ا أيدينا هو بينفظ ابن كثيرلحا ا- تعا رحمه لى- رة في، له مصنفات كثيظ الحديث المعروفين هو من حفافة، ولدمختلوم الحديث ال عل- تعالى رحمه- في سنة إحدى وسبعمائة بدمشق، وتوفي في سنة ابن تيميةمسه شيخ ا وسبعين وسبعمائة، وكان من أشهر مشايخ أربع- تعالى رحمه- المزي، اممم الذهبي، واماذلك ا وكلزمان.م هذا اء أع وهؤظ الكبير تفسير القرآن العظيملحافت هذا ا من أشهر مؤلفا- بتفسير ابنلمعروف لدينا وهو ا كثير- حديث وعلومها.رة في ال له الكتب الكثي لنهاية، وأيضا البداية وا كتابذلك وك أيدينا بين هذا المختصر الذي- إخواني الكرام- فظ العراقي فيلحا وصفه ا تقييده على كتاب على فوائدب قد اشتملح بأنه كتا ابن الص- ابن عليه كتاب اشتمل ئدة على ما أي فوائد زاح الص- ذي تلقاهح الفظ ابن الصلحا علم ا نه جمع لنالكتاب؛ م أهمية هذا اى لنا هنا يتجل ومنستقاها، ثم زاد عليه فوائد اقبول من بعدهلناس بال ا- تعالى رحمه- ، ومن أشهرن كتب القوم م في مقدمة كتابه.ما أشار هو إلى ذلكهقي كم البيمافظ ابن كثير الحا نهم استفاد م من ا، وإنما هو وليس من فروعهعلم الدرسه يعتبر من أصول نحنم الذي نعل إخواني الكرام هذا الءه الما يشير إلى ذلك أسماعلوم، ك ئر ال تحتاج إليها ساوم التيعل من العلماء من متعددة، فمن الحديث كما فعلوم الحديث، أو بعلم الرواية أو بعل الو بأصول الحديث أم بأصولعلسمي هذا ال يعلم من هذا اللحديث؛ وما ذلك إ مصطلح ا يه بعلم من يسمعلم ال، ومن أهلح وغيره ابن الص- إخواني الكرام- ج إلى الحالفقيه يحتاعلوم، ف ئر ال تفتقر إليه ساج إلى الحديث،لمفسر يحتا ديث وا
297

علوم الحديث المستوى الثاني

Jul 18, 2015

Download

Spiritual

Mohammed Shahid
Welcome message from author
This document is posted to help you gain knowledge. Please leave a comment to let me know what you think about it! Share it to your friends and learn new things together.
Transcript
Page 1: علوم الحديث   المستوى الثاني

المستوى الثاني -علوم الحديث

الشيخ طارق بن عوض هللا

التعريف بالكتاب، ومقدمات في علم الحديث: الدرس األول

عليه وعلى -صلى هللا عليه وسلم-بسم هللا الرحمن الرحيم. والصالة والسالم على رسول هللا آله وصحبه وسلم وبعد:

من هذا اللقاء سنتناول شرحا لكتاب اختصار ابتداء -تعالى -إخواني الكرام، نحن بإذن هللا وهذا الكتاب هو من الكتب المفيدة جدا في هذا -رحمه هللا تعالى -علوم الحديث للحافظ ابن كثير

العلم الشريف، وهو يعتبر حلقة من حلقات التأليف في هذا العلم فكما يعرف من عنوانه هو ى "علوم الحديث" أي كتاب الحافظ أبي عمرو اختصار لعلوم الحديث، أي اختصار لكتاب يسم

المسمى بعلوم الحديث والذي يشار إليه كثيرا بمقدمة ابن -رحمه هللا تعالى-بن الصالح هو من أشهر كتب هذا الفن، -أعني كتاب ابن الصالح -الصالح، وهذا الكتاب إخوني الكرام من بعد ابن الصالح اعتنو بهذا الكتاب -رحمهم هللا تعالى-وهذا العلم الشريف حتى إن العلماء

غاية العناية، فنجد من أهل العلم من اختصره ونجد منهم من نظمه في أبيات كالحافظ العراقي ونجد أيضا طائفة من أهل العلم من اشتغل بالتعليق -رحمهما هللا تعالى-وكالحافظ السيوطي

مهم أن هذا الكتاب يعتبر عمدة المتأخرين في على هذا الكتاب، وتقييد الفوائد في أثناء مباحثه، الف "كتاب علوم الحديث البن الصالح"، وهناك طائفة من أهل العلم من 0هذا الفن الشري

وكذلك الحافظ ابن كثير في كتابنا الذي -رحمه هللا تعالى-اختصر هذا الكتاب كاإلمام النووي هو بين أيدينا اآلن.

هو من حفاظ الحديث المعروفين، له مصنفات كثيرة في -لىرحمه هللا تعا-الحافظ ابن كثير في سنة إحدى وسبعمائة بدمشق، وتوفي في سنة -رحمه هللا تعالى -علوم الحديث المختلفة، ولد

-رحمه هللا تعالى -أربع وسبعين وسبعمائة، وكان من أشهر مشايخه شيخ اإلسالم ابن تيمية وهؤالء أعالم هذا الزمان. وكذلك اإلمام الذهبي، واإلمام المزي،

وهو المعروف لدينا بتفسير ابن -من أشهر مؤلفات هذا الحافظ الكبير تفسير القرآن العظيم وكذلك كتاب البداية والنهاية، وأيضا له الكتب الكثيرة في الحديث وعلومها. -كثير

تقييده على كتاب وصفه الحافظ العراقي في -إخواني الكرام -هذا المختصر الذي بين أيدينا أي فوائد زائدة على ما اشتمل عليه كتاب ابن -ابن الصالح بأنه كتاب قد اشتمل على فوائد

ومن هنا يتجلى لنا أهمية هذا الكتاب؛ ألنه جمع لنا علم الحافظ ابن الصالح الذي تلقاه -الصالح من كتب القوم، ومن أشهر -رحمه هللا تعالى-الناس بالقبول من بعده، ثم زاد عليه فوائد استقاها

من استفاد منهم الحافظ ابن كثير اإلمام البيهقي كما أشار هو إلى ذلك في مقدمة كتابه.

إخواني الكرام هذا العلم الذي نحن ندرسه يعتبر من أصول العلم وليس من فروعه، وإنما هو متعددة، فمن العلماء من من العلوم التي تحتاج إليها سائر العلوم، كما يشير إلى ذلك أسماءه ال

يسمي هذا العلم بأصول الحديث أو بأصول الرواية أو بعلم الحديث، أو بعلوم الحديث كما فعل ابن الصالح وغيره، ومن أهل العلم من يسميه بعلم مصطلح الحديث؛ وما ذلك إال ألن هذا العلم

ديث والمفسر يحتاج إلى الحديث، تفتقر إليه سائر العلوم، فالفقيه يحتاج إلى الح -إخواني الكرام -

Page 2: علوم الحديث   المستوى الثاني

وكذلك المؤرخ يحتاج إلى الحديث، كل من له اشتغال بباب من أبواب العلم الشرعي هو في حاجة ماسة إلى علم الحديث، بل العلوم األخرى يحتاج أصحابها فيها إلى علم الحديث؛ ولذلك

في هذا -رحمهم هللا تعالى-ث استفاد كثير من األدباء وكثير من المؤرخين مما قيده علماء الحدي العلم من قواعد وضوابط استفادوا بها في علومهم.

فما من -تضبط األخبار والروايات -ذلك أن هذا العلم الذي على أساسه تضبط المنقوالت أنت -تقدمت هذه الحكاية أو تأخرت -خبر يأتيك وما من رواية تصلك وما من حكاية تسمعها

لم الحديث لتميز بين ما يثبت منها وما لم يثبت، لتميز بين الصحيح منها في حاجة إلى أصول عمن غير الصحيح، وما ذلك إال من خالل هذا العلم الشريف الذي يميز لك صحيح المنقوالت من

غير صحيحها.

يعبر عنه أصحابه بأكثر من اسم، وما من اسم -إخواني الكرام كما أشرنا سابق ا -هذا العلم األسماء إال وله داللة ومعنى، هذا المعنى نالحظه في جنبات هذا العلم، فمثال العلماء من تلك

الذين أطلقوا على هذا العلم بعلم مصطلح الحديث كاإلمام ابن دقيق العيد، وكالحافظ ابن حجر العسقالني هذان العالمان من أشهر من سمى هذا العلم بعلم مصطلح الحديث، فما هو المصطلح

عنى المصطلح وما فائدة معرفتنا باالصطالحات؟وما م

المصطلح في الواقع ليس هو من خصوصيات هذا العلم ولكنه لفظ يستعمل في سائر العلوم فما من علم إال وله اصطالحات يستعملها أصحاب هذا العلم وهذه االصطالحات عبارة عن

يريدون أن يتناولوها أو أسماء وألفاظ ورموز يعبر بها أصحاب كل علم عن المعاني التي يتحدثوا عنها من خالل علمهم.

ولهذا يعرف العلماء االصطالح بأنه اتفاق طائفة ما على شيء ما، فكل طائفة من الناس اتفقت فيما بينها على معنى من المعاني أو على أمر من األمور فقد اصطلحوا عليه، أي اتفقوا

لم الشريف، فحينما نسمي هذا العلم بعلم مصطلح عليه وهذا المعنى هو ما نالحظه في هذا العتعارفوا فيما بينهم على أن يسموا هذه -رحمهم هللا تعالى -الحديث نقصد: أن علماء الحديث

المعاني بهذه األلفاظ.

يقولون: الحديث إذا تحقق فيه أوصاف معينة أو معان معينة -رحمهم هللا تعالى-فنجدهم أو اتصف بصفات أخرى أو اشتمل على معان أخرى فنحن فنحن نسميه بالحديث الصحيح

نسميه بالحديث الضعيف فهذا معنى من المعاني اختصروه في هذا المصطلح الذي ال يتعدي هذه األحرف القليلة، فأنت إذا ما سمعت محدث يقول: هذا حديث صحيح فأنت تعرف المعنى الذي

تعرف المعنى الذي يقصده من خالل هذا يقصده، أو سمعته يقول هذا حديث ضعيف فأنت أيضا المصطلح أو هذا االسم أو الكلمة أو الرمز الذي يشار به إلى معنى ما، ثم هذا المصطلح من هذا

اللفظ ليس بالضرورة أن يكون من خصوصيات هذا العلم بل قد يشترك أكثر من علم في هذه المصطلح معنى غير الذي استعمال مصطلح واحد إال أن كل علم من تلك العلوم يعنى فيه ب

يعنى به في سائر العلوم.

اللفظ قد يكون واحدا إال أن المعنى الذي يقصد منها يختلف من علم إلى علم، فمثال إذا جئنا وهذا المصطلح موجود مستعمل في أكثر من -كلمة الخبر هذا مصطلح -إلى مصطلح الخبر

ت إذا نظرت إلى المحدثين أو فتحت كتب علم، وليس هو من خصوصيات علم الحديث، فأنعلوم الحديث أو غيرها من كتب الحديث تجد كثيرا ما يستعمل المحدثون هذا المصطلح

مصطلح الخبر، وأيضا تجد علماء النحو يستعملون الخبر في الجملة االسمية يقولون: المبتدأ

Page 3: علوم الحديث   المستوى الثاني

االسمية، فهل يا ترى الخبر الذي والخبر، ويعرفون الخبر بأنه الجزء المتمم للفائدة في الجملة يستعمله علماء النحو هو نفسه الخبر الذي يستعمله علماء الحديث؟

ال..، اللفظ من حيث هو، قد وقع مشتركا لفظيا في أكثر من علم ولكنه يعنى به في علم النحو حيث يأتي غير ما يعنى به في علم الحديث؛ ولهذا نجد عبارة مستعملة في كتب العلم عموما

العلماء فيقولون: لكل علم اصطالحه، ال يقصدون من قولهم لكل علم اصطالحه أن لكل علم ألفاظا ال توجد في غير هذا العلم من العلوم، ال يقصدون هذا المعنى، وإال فقد رأينا هذا اللفظ

نى يختص وهذا المصطلح وهو الخبر مستعمال في أكثر من علم، وإنما يقصدون أن لكل علم مع به من األلفاظ التي تستعمل في غيره أيضا من العلوم.

وأيضا نجد في العلم الواحد اللفظ الواحد أحيانا يستعمله أهل العلم الواحد تارة في معنى وتارة في معنى آخر، وهذا إنما يكون؛ ألن اللفظ عبارة عن قالب هذا القالب من الممكن لك أن

ى، وكم في اللغة العربية من قوالب ومن ألفاظ يمكن وتصلح ألن تحمل أكثر تحمله أكثر من معنمن معنى، وكم رأينا في القرآن من ألفاظ، وفي األحاديث أيضا من ألفاظ لها في سياق معنى

وفي سياق آخر معنى آخر، وهذا أمر معروف ومتداول عند أهل العلم.

مستعمال على إرادة معنى ما، وتارة يكون كذلك في علم الحديث اللفظ الواحد تارة يكونمستعمال على إرادة معنى آخر؛ وذلك أحيانا يكون الختالف القائلين، فالعالم الفالني إذا قال هذا اللفظ هو يعني به معنى ما، والعالم اآلخر إذا قال اللفظ نفسه فهو يريد معنى آخر، أو اختالف

عصر من العصور كان داللة معينة ومعنى ما ثم الزمان أو اختالف المكان فالمصطلح فيتطورت هذه المعاني وتلك الدالالت فتغير معنى المصطلح من زمن إلى زمن أو من مكان إلى

مكان.

مثال من المصطلحات الدارجة والكثيرة االستعمال في هذا العلم الشريف مصطلح الثقة، -رواة بأنهم ثقات أو بأن فالنا ثقة، هذا مصطلح ونجد العلماء يعبرون عن أحكامهم على بعض ال

فهل يا ترى هذا المصطلح حيث -رحمهم هللا تعالى -كثير االستعمال عند علماء الحديث يستعمله علماء الحديث هل يقصدون به معنى واحدا ، أم تارة يقصدون به معنى وتارة أخرى

يقصدون به معنى آخر؟

معنى، من أشهر معاني هذا المصطلح أن الراوي الذي الواقع أنهم يقصدون به أكثر من منحوه ذلك الوصف أي قالوا فيه ثقة هو عندهم أو عند من وصفه بذلك الوصف يكون موصوفا

بوصفين:

الوصف األول: العدالة. أي العدالة في الدين، أي عدم تعمد الكذب.

األمرين معا ، فال يقبل الوصف اآلخر: الضبط واإلتقان والتثبت؛ ألن الرواية تحتاج إلى مع ذلك الخبر إال من كان دي نا تقيا ال يتعمد الكذب وال يتعمد اإلخبار بخالف الواقع، وأيضا يكون متثبتا فيما ينقل. فقد يكون غير متعمد للكذب وال مجترئ عليه ولكنه ليس ممن يحفظ

ئ عن غير قصد؛ فلهذا اشترط الحديث على وجهه وال ممن يتقن حفظ الحديث كما ينبغي فيخط لقبول الحديث من الراوي أن يكون موصوفا بهذين الوصفين معا : -رحمهم هللا -المحدثون

العدالة. الوصف األول:

الضبط واإلتقان والتثبت. والوصف اآلخر:

Page 4: علوم الحديث   المستوى الثاني

في هذه العبارة، في هذه الكلمة، في هذا -هذان الوصفان يختصرهما علماء الحديث لون: فالن ثقة. فإذا ما قال الواحد منهم ثقة، فكما أنه قال لك هو عدل وضابط. فيقو -المصطلح

فبدال من أن يذكر لك هذه العبارات التي تدل على العدالة وتلك العبارات التي تدل على الضبط اختصر لك ذلك كله في تلك الكلمة الوجيزة، وقال لك: هو ثقة، فنحن كمتخصصين ومشتغلين

م من عبارة ذلك العالم حيث قال في العالم إنه ثقة أنه يصفه بالعدالة والضبط، فهذا بهذا العلم نفهمن أشهر معاني هذه الكلمة، لكن ليس هو المعنى الوحيد الذي يطلقه أو يريده المحدثون من وراء هذا المصطلح، فأحيانا يطلقون نفس المصطلح على معنى آخر، وهو معنى العدالة في

الدينية بصرف النظر عن الحفظ والضبط واإلتقان والتثبت.الدين العدالة

فنجد مثال بعض أهل العلم يصف الراوي بأنه ثقة ثم يتبين لنا من خالل معرفتنا بمنهج هذا العالم أو من خالل متابعة أقواله واستقراءها ومقارنتها بأقول العلماء اآلخرين أو بأقوال هذا

يقصد المعنى األول إنما قصد أن الراوي عدل في دينه فقط وإن لم العالم األخرى يتبين لنا أنه لم يكن موصوف ا بالعدل واإلتقان والتثبت.

فإذن هذا مصطلح واحد، لفظ واحد تارة يريد به علماء الحديث معنى، وتارة أخرى يريدون طلح به معنى آخر، فمن هذه الحيثية يجب على طالب العلم أن يعرف المعاني المتعددة للمص

الواحد وال يكتفي بمعنى واحد؛ ألنه إن فعل ذلك سيقع في الحيرة؛ وسيكون بإزائه لفظ واحد مصطلح واحد يقصد به تارة معنى وتارة معنى آخر فإذا لم يعرف من هذه المعاني إال معنى واحدا ثم قابله ذلك المصطلح في كتاب من كتب الحديث فلن يفهمه إال على هذا الوجه الذي

ه فلربما قصد قائله معنى آخر غير المعنى الذي يعرفه ذلك الطالب.عرف

ولهذا نجد أحيانا في كتب الحديث هذا المصطلح يقرن بما يتنافى مع اإلتقان والتثبت فنجد مثال العالم يسأل عن بعض الرواة فيقول: هو ثقة ضعيف الحديث. كيف يكون ضعيف الحديث

بقوله ثقة أي عدل دي ن وإن لم يكن موصوفا باإلتقان والتثبت وهو ثقة؟ نفهم من ذلك أنه أراد والحفظ.

نجد أحيانا اإلمام يقول في الراوي: ثقة ال يحتج بحديثه. فنحن نفهم من خالل هذه التركيبة أن هذا الراوي ليس عند هذا العالم موصوف بالضبط بل هو عنده فقط موصوف بالعدالة وليس

صفه بالثقة فإنما أراد بالثقة حيث أطلقها عليه أنه دي ن عدل وليس متثبتا موصوفا بالضبط، وإن و متقنا .

مصطلح آخر من تلك المصطلحات التي يكثر استعمال أهل العلم لها، وتارة يقصدون بها -، وتارة يقصدون بها معنى آخر، مصطلح الحسن. معنى

ام:نحن نعلم أن األحاديث تنقسم عموما إلى ثالثة أقس -

الصحيح. القسم األول:

الحسن. القسم الثاني:

الضعيف. القسم الثالث:

Page 5: علوم الحديث   المستوى الثاني

نعلم أن الحديث الصحيح والحديث الحسن كالهما من -إن شاء هللا تعالى -وكما سنعلم األحاديث المقبولة المحتج بها بخالف الحديث الضعيف فإنه حديث غير محتج وليس هو من

المقبول بل هو من المردود.

تارة يطلقه العلماء على معنى وأحيانا على معان أخرى، -الذي هو الحسن -لمصطلح هذا امن أشهر معاني هذا المصطلح معنيان هذان المعنيان ال تجد كتابا من كتب علوم الحديث إال

وهو مسطور فيه هذين المعنيين.

بلغ إلى درجة المعنى األول: أنه الحديث الذي قارب الصحيح فليس هو صحيحا أي لم يالصحة التي هي أعلى درجات القبول ولكنه قارب هذه المنزلة، أي راوي الحديث الذي وصفناه بالحسن هو من العدول الضابطين لكنه لم يبلغ في الضبط واإلتقان أعلى الدرجات، كما وصل

ألن إلى ذلك راوي الحديث الصحيح فهذا الراوي نسمي حديثه حسنا ونجعله من قسم المقبول؛ القبول درجات.

نجد في علوم الحديث نوعا آخر من الحسن وهو الحديث الذي في أصله المعنى الثاني:موانع االحتجاج -ضعف ال يحتج به. لماذا؟ لكون إسناده مشتمال على ما يمنع من االحتجاج به

إليه واقترن به ولكن هذا النوع من الحديث قد انضم -سيأتي بيانها بعد ذلك إن شاء هللا تعالىبعض الروايات أو بعض الشواهد والمتابعات أو بعض القرائن التي تجعل أهل الحديث يترجح

لديهم أن هذا الراوي الذي روى هذا الحديث قد أصاب فيه ولم يخطيء، فحينئذ يرتقي هذا الحديث من درجة الضعف إلى درجة الحسن أي النوع اآلخر من الحسن ويكون حينئذ أيضا

محتجا به.

من الحسن لكن هذا له معنى وهذا له معنى، اللفظ واحد فتجد -كما ترون -فهناك نوعان العالم الواحد يقول على النوع األول بأنه حسن وعلى النوع اآلخر بأنه حسن فهذا حسن وهذا

حسن، ولكن هذا توصلنا إلى كونه حسنا بطريق ما، وذاك توصلنا إلى كونه حسنا بطريق رى، فإذن صار الحسن يطلق على معنيين.أخ

من يطلق الحسن على الحديث -وهذا النوع الثالث -بل من أهل العلم المعنى الثالث:الصحيح الذي هو في أعلى درجات القبول بناء على إرادة المعنى العام أي جنس القبول فكل ما

كان مقبوال عنده يسميه صحيحا كان مقبوال عنده يسميه حسنا كما أن بعض أهل العلم كل ما وهذا من باب التوسع في االصطالح.

هناك أمر آخر متعلق باالصطالح وهو في غاية األهمية وهو ما يمكن مايتعلق باالصطالح:أن نعبر عنه بطرفي االصطالح بمعنى كل مصطلح من المصطلحات يتناوله علماء الحديث من

حت أي كتاب من كتب علوم الحديث وإذا ما فتحت جهتين وليس من جهة واحدة أنت إذا تصفأي نوع من أنواع الحديث تجد علماء الحديث في كالمهم حول هذا النوع ال يتقيدون بجانب

واحد متعلق بهذا النوع بل كالمهم يدور في فلكين وليس في فلك واحد.

وهذا ما -ء الحديث الفلك األول أو الجهة األولى: معنى هذا النوع أو هذا المصطلح عند علمابمعنى إذا ما فتحنا نوع الحديث الضعيف أو نوع الحديث الحسن أو نوع -تكلمنا عليه آنفا

الحديث الصحيح نجد علماء الحديث في هذه المباحث يتكلمون عن ماذا؟ أول شيء يتكلمون عنه معنى قول المحدثين هذا حديث صحيح معنى قول المحدثين هذا حديث حسن معنى قول

يشتغلون في كل نوع من -رحمهم هللا تعالى-المحدثين هذا حديث ضعيف إذن علماء الحديث األنواع ببيان معناه عن أهل االختصاص فهذا طرف في المسألة.

Page 6: علوم الحديث   المستوى الثاني

طرف آخر يتعلق بحكم هذا النوع من الحديث عند علماء الفلك اآلخر أو الجهة األخرى:علماء الحديث فهمنا وعرفنا معنى هذا المصطلح الحديث فهمنا وعرفنا معنى هذا المصطلح عند

عند المحدثين فهل هو من النوع الذي يحتج به أو ليس مما يحتج به هل هو من المقبول أم من المردود فعلماء الحديث في كتب علوم الحديث بعد أن يبينوا المعنى الذي يقصده علماء الحديث

وع من الحديث هل هو مندرج في حيز القبول أم من هذا النوع يذكرون ما يتعلق بمنزلة هذا النفي حيز الرد وبطبيعة الحال نحن هنا إذا عرفنا أن هذا النوع من الحديث أو هذا المصطلح

الحديثي يستعلم تارة على معنى وتارة آخرى على معنى آخر كما أشرنا إلى ذلك في مصطلح صطلحات التي تطلق على أكثر من الثقة وفي المصطلح الحسن إذا كان هذا النوع من هذه الم

معنى فالبد لنا أن نعرف حكم علماء الحديث على كل نوع من تلك األنواع باختالف معانيه، مثال نحن عرفنا أن مصطلح الثقة يطلق تارة على من كان موصوفا بالعدالة والضبط وتارة

أن الراوي لكي يكون أخرى يطلق على من كان موصوفا بالعدالة فقط دون الضبط فنحن عرفنا مقبول الرواية البد وأن يكون موصوفا بالوصفين معا العدالة والضبط وليس العدالة فحسب فهذا الراوي الذي يقال فيه ثقة البد أن نفهم مراده أوال: ماذا أراد من قوله في هذا الراوي هو ثقة؟

ن حديث هذا الراوي من قسم فإن عرفنا من كالمه أنه أراد بالثقة أنه عدل ضابط حينئذ سيكوالمقبول، أما إن فهمنا من سياق الكالم أو بمعرفنا بمنهج ذلك اإلمام أنه حينما قال في هذا

الراوي هو ثقة أراد العدالة فقط دون الضبط فحينئذ لن يكون هذا الراوي ممن يقبل حديثه بل لحديث إذا لم يكن ضابطا .سيكون مردود الحديث؛ ألنه ليس ضابطا والرواي ال يكون مقبول ا

إذن رغم أنه وصف بالثقة كما أن األول وصف بالثقة إال أن ثقة األول مقبول الرواية : فهمنا المصطلح على وجهه وأن قائله أراد حيث واآلخر ليس مقبول الرواية لماذا؟ ألننا أوال

لة أو الضبط فهو وصف به الرواي األول أراد به العدالة والضبط ومن كان موصوفا بالعدا مقبول الرواية.

وحيث أطلق المصطلح ذاته على راوي آخر ولم يرد بهذا الوصف أو بهذ المصطلح أن الراوي عدل ضابط وإنما أراد به العدالة فحسب وعرفنا أن من كان موصوفا بالعدالة دون

أنه ليس ممن يقبل الضبط ال يكون مقبول الرواية أدركنا أن هذا الراوي اآلخر وإن كان ثقة إال حديثه.

بعد أن عرفنا معنى الثقة في كالم العالم، بعد أن وصفه بها فهذا هو المعنى الذي نستفيده من اختالف االصطالحات ودالالتها ومدى تأثير ذلك في الحكم على الحديث، كذلك مصطلح الحسن

نا على الحديث عرفنا أن الحسن بأنواعه درجات ومن أهل العلم من أطلق الحسن كما سمعالصحيح فهذا الحديث الذي وصف بأنه حسن هو عندنا أو عند قائله من أعلى درجات الصحة

حتى وإن وصفه بالحسن الذي هو في أصله مرتبة دون الصحيح لكن لما أراد بالحسن هنا معنى ة الصحيح عرفنا أن هذا القائل حيث وصف ذلك الحديث بالحسن لم يقصد بالحسن ها هنا المنزلالمتأخرة عن الصحيح بل أراد بالحسن ها هنا الصحيح نفسه، فحينئذ يكون هذا الحديث مع

وصفنا له بأنه حسن من أعلى درجات المقبول كالصحيح سواء بسواء، والعالم اآلخر الذي أطلق الحسن وأراد به ما هو قريب من الصحيح وليس في درجته هو أيضا يقصد أن هذا الحديث من

ولكنه دون المرتبة األولى، دون الصحيح األول فهو صحيح مقبول أو حسن في حيز المقبولالمقبول ولكنه ليس في أعلى درجات المقبول، وكذك الحسن حيث أطلقه بعض أهل العلم على

الحديث الضعيف الذي انضم إليه من الشواهد والمتابعات ما يقويه ويأخذ بيده ويرقيه إلى أيضا أن هذا الحديث مقبول وأنه في حيز القبول وأنه يحتج به لكنه مع مصاف الحجة فهو يعتقد

ذلك يعتقد أنه دون الصحيح ودون الحسن المذكور أوال .

Page 7: علوم الحديث   المستوى الثاني

ما فائدة معرفة هذه المراتب؟

معرفة درجات األحاديث من حيث الرواية؛ ألن ذلك ننتفع به عند وجود أوال : فائدة معرفتها:على ذلك علم مختلف الحديث، وهذا العلم يعنى باألحاديث التي التعارض بين األحاديث فندرس

هي في حيز المقبول إذا وجدت متعارضة كيف نوفق بينها أو نجمع بينها ونعرف إن كان بعضها متقدما أو متأخرا فأحدهما ناسخ واآلخر منسوخ مثال ، أو أحدهما أخطأ فيه هذا الراوي

ولكن صادف أن أخطأ في هذه الرواية واستدللنا على خطئه وهذا الراوي ثقة أو قريب من الثقةبمخالفة حديثه بما هو أصح منه وأثبت فبمعرفتنا بدرجات األحاديث بأن هذا صحيح وهذا أصح،

على معرفة الراجح من المرجوح فيما -إن شاء هللا تعالى-بأن هذا قوي وهذا أقوى يعيننا اختلفت فيه األحاديث والروايات.

رفة معنى المصطلح:سبل مع

ننتقل إلى بند آخر من األمور المتعلقة بالمصطلح وهو ما يتعلق بسبل معرفة معنى المصطلح سبل تفسير المصطلح يسألني بعد طلبة العلم نحن نجد مصطلح الثقة في الكتب فمن أدرانا أن

ن أدرانا أن قائله قائله أراد بالثقة هنا المعنى األول أو المعنى اآلخر نحن نجد مصطلح الحسن م أراد بهذا المصطلح المعنى األول أو المعنى اآلخر أو المعنى الثالث وهكذا كيف نعرف هذا؟

العلماء يسلكون في فهم المصطلح ومعرفة معناه عند قائله طريقان مشهوران:

ث االستقراء والتتبع. ما معنى االستقراء والتتبع؟ يعني أن يعمد علماء الحدي الطريق األول:إلى مواضع استعمال المحدثين لهذا المصطلح من كالمهم الكثير المسطور في كتبهم والموجود في مصنفاتهم فنجد مثال مصطلح الثقة استعمله اإلمام البخاري، واستعمله اإلمام مسلم، استعمله

علماء اإلمام أحمد، استعمله اإلمام الدار قطني، استعمله أبو حاتم، أبو زرعة، أمثال هؤالء الالكبار، فيأتي نقاد الحديث والباحثون فيه يجمعون طائفة من كالم أهل العلم مما استعملوا فيه

مصطلح الثقة ويحاولون أن يتأملوا سياق الكالم سياقه وسباقه، يتأملون الكالم ومراد قائله منه صده علماء فيتبين لهم من خالل استقراء وتتبع وتفهم هذه المواضع الكثيرة المعنى الذي يق

الحديث أو بعضهم من استعماله لهذا المصطلح، وهذا أمر ليس كما ترون من خصوصيات علم الحديث بل في كل العلوم تستعمل هذه الطريقة.

النص. هذا المصطلح استعمله عالم من علماء الحديث ثم هذا العالم لم يتركنا الطريق الثاني:ل هو نفسه حسم المادة، فقال: أنا إذا قلت كذا فأنا همال ولم يتركنا عرضة الختالف اآلراء ب

أقصد كذا فانتهت المسألة، فهذا نص من ذلك اإلمام شرح به مراده من كالمه.

صاحب الجامع الكبير المعروف بجامع الترمذي -رحمه هللا تعالى-مثال اإلمام الترمذي -ل كثيرا في كتابه الجامع مصطلح يستعم -رحمه هللا تعالى-وهو أحد الكتب الستة األصول نجده

الحسن تارة، يقول: هذا حديث حسن، تارة أخرى يقول: هذا حديث حسن صحيح، أحيانا يقول: هذا حديث حسن غريب، أحيانا يقول: هذا حديث حسن صحيح غريب، فالمصطلح عند هذا

ي هو الذي شهر العالم مستعمل بكثرة في كتابه الجامع حتى إن بعض أهل العلم ذكر إن الترمذ -هذا المصطلح وأكثر من استعماله، ومع ذلك فهذا اإلمام قد شرح لنا مراده من هذا المصطلح

فبعد أن انتهى من تصنيف كتابه كتب فصال في آخر كتابه الجامع -كما قلت لم يتركنا همال العلم الشريف، منها: أنه سماه باب العلل، هذ الفصل بين فيه كثيرا من مناهج المحدثين في هذا

في أثناء هذا الفصل هذه العبارة حيث قال: -رحمه هللا تعالى-شرح مراده من قوله حسن فذكر "وما ذكرنا في هذا الكتاب حديث حسن فإنما أردنا به حسن إسناده عندنا، كل حديث يروى ال

Page 8: علوم الحديث   المستوى الثاني

وجه نحو ذاك، فهو يكون في إسناده من يتهم بالكذب وال يكون الحديث شاذا ويروى من غيرعندنا حديث حسن" فهكذا اإلمام قد شرح لنا مراده من كالمه ومن مصطلحه الذي أكثر من

استعماله، فهذا نص من ذلك اإلمام يستفاد به لمعرفة معنى الحسن عنده وعند غيره من علماء الحديث.

وف مسلم بن صاحب الصحيح المعر -رحمه هللا تعالى-نجد مثال إماما كاإلمام مسلم -الحجاج أبو الحسين النيسابوري، صحيحه معروف لديكم، هذا الكتاب قد صنع له مؤلفه اإلمام مسلم بن الحجاج مقدمة في غاية الجودة واإلتقان وهي مليئة بأصول هذا العلم الشريف هذه م لها المقدمة قد شرح فيها اإلمام مصطلحا أيضا من المصطلحات التي يكثر استعمال أهل العل

-وسيأتي في أنواع علوم الحديث إن شاء هللا تعالى -أال وهو مصطلح المنكر، الحديث المنكر "وعالمة المنكر في حديث المحدث إذا ما عرضت روايته للحديث على -رحمه هللا تعالى -فقال

كان فإذا -رواية غيره من أهل الحفظ والرضى إذا خالفت روايته روايتهم أو لم تكد توافقها كان مهجور الحديث غير مقبوله وال مستعمله" فهكذا شرح لنا اإلمام -األغلب من حديثه كذلك

معنى قول المحدثين حديث منكر بل وتناول كالمه أيضا شرح قول المحدثين في بعض الرواة: فالن متروك الحديث أو مهجور الحديث كما قال في آخر كالمه، فإذا كان األغلب من حديثه

كان مهجور الحديث غير مقبوله وال -أي أغلب أحاديثه مناكير وأخطأء وأوهام - كذلك مستعمله.

وبطبيعة الحال فإن مصطلح الحديث إنما ينبغي أن يؤخذ من أهل االختصاص في الحديث كما أن المصطلح اللغوي يؤخذ من أهل االختصاص في اللغة والمصطلح الفقهي يؤخذ من أهل

وهكذا ينبغي أن يؤخذ العلم من أهله المختصين به الذين أفنو أعمارهم االختصاص في الفقه،فيه وليس ممن عنده فيه ثقافة عامة؛ فلربما لم يدرك ضمن إدراكاته بعض ما يدركه المختص بهذا العلم أو ذاك؛ فلهذا كان ينبغي على طالب العلم دائما وأبدا أن يرجع إلى أهل االختصاص

م العلم الذي اختصوا به وال يأخذ العلم من غير العلماء الذين اختصوا به في كل علم فيأخذ عنهفي قراءة المقدمة -إن شاء هللا تعالى-الذين هم أهله، نسأل هللا تعالى التيسير والتوفيق ونبدأ

والوقوف عند ما فيها من فوائد.

عباده الذين اصطفى الحمد هلل وسالم على ) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف الحافظ ابن كثير أما بعد: فإن علم الحديث النبوي على قائله أفضل الصالة والسالم قد اعتنى بالكالم فيه جماعة من الحفاظ قديما وحديثا كالحاكم والخطيب ومن قبلهما من األئمة ومن بعدهما من حفاظ األمة

جامعا لمقاصد الفوائد ومانعا ولما كان من أهم العلوم وأنفعها أحببت أن أعلق فيه مختصرا نافعا من مشكالت المسائل الفرائد ولما كان الكتاب الذي اعتنى بتهذيبه الشيخ اإلمام العالمة أبو عمرو ابن الصالح تغمده هللا برحمته من مشاهير المصنفات في ذلك بين الطلبة لهذا الشأن

حذاءه واختصرت ما بسطه وربما عني بحفظه بعض المهرة من الشبان سلكت وراءه واحتذيت ونظمت ما فرطه وقد ذكر من أنواع الحديث خمسة وستين وتبع في ذلك الحاكم أبا عبد هللا

الحافظ النيسابوري شيخ المحدثين وأنا بعون هللا أذكر جميع ذلك مع ما أضيف إليه من الفوائد كتاب السنن وقد الملتقطة من كتاب الحافظ الكبير أبي بكر البيهقي المسمى بالمدخل إلى

.(اختصرته أيضا بنحو من هذا النمط من غير وكس وال شطط وهللا المستعان وعليه التكالن

طبعا هذا القدر من المقدمة أتينا عليه في أثناء كالمنا فالمهم أن تقرأ الفصل الذي عقده في آخر المقدمة مما يتعلق بتعداد علوم الحديث.

ذكر تعداد أنواع الحديث: صحيح، حسن، ضعيف، مسند، ) -رحمه هللا تعالى -قال المصنف متصل، مرفوع، موقوف، مقطوع، مرسل، منقطع، معضل، مدلس، شاذ، منكر، ما له شاهد،

Page 9: علوم الحديث   المستوى الثاني

زيادة الثقة، األفراد، المعلل، المضطرب، المدرج، الموضوع، المقلوب، معرفة من تقبل روايته، مل من إجازة وغيرها، معرفة كتابة الحديث معرفة كيفية سماع الحديث وإسماعه، وأنواع التح

وضبطه، وكيفية رواية الحديث، وشرط أداءه، آداب المحدث، آداب الطالب، معرفة العالي والنازل، المشهور، الغريب، العزيز، غريب الحديث ولغته، المسلسل، ناسخ الحديث ومنسوخه،

، خفي المرسل، معرفة الصحابة، المصحف إسنادا ومتنا ، مختلف الحديث، المزيد في األسانيدمعرفة التابعين، رواية األكابر عن األصاغر، المدبج، ورواية األقران، معرفة اإلخوة

واألخوات، رواية اآلباء عن اآلبناء، عكسه، من روى عنه اثنان متقدم ومتأخر، من لم يرو عنه األسماء والكنى، من إال واحد، من له أسماء ونعوت متعددة، المفردات من األسماء، معرفة

عرف باسمه دون كنيته، معرفة األلقاب، المؤتلف والمختلف، المتفق والمفترق، نوع مركب من الذين قبله، نوع آخر من ذلك، من نسب إلى غير أبيه، معرفة األنساب التي يختلف ظاهرها

ي آخر عمره، وباطنها، معرفة المبهمات، تواريخ الوفيات، معرفة الثقات والضعفاء، من خلط ف معرفة الطبقات، معرفة الموالي من العلماء والروات، معرفة بلدانهم وأوطانهم.

قال: وليس بآخر الممكن في ذلك، -رحمه هللا تعالى-فهذا تنويع الشيخ أبو عمرو وتركيبه فإنه قابل للتنويع إلى ما ال يحصى إذ ال تنحصر أحوال الرواة وصفاتهم وأحوال متون الحديث

تها.وصفا

قلت: وفي هذا كله نظر، بل في بسطه هذه األنواع إلى هذا العدد نظر إذ يمكن إدماج بعضها في بعض، وكان أليق مما ذكره، ثم إنه قد فرق بين متماثالت منها، بعضها عن بعض، وكان الالئق ذكر كل نوع إلى جانب ما يناسبه، ونحن نرتب ما نذكره على ما هو األنسب، وربما

إن شاء هللا -بعضها في بعض طلبا لالختصار والمناسبة، وننبه على مناقشات البد منها أدمجنا .(تعالى

في -رحمه هللا تعالى-طبعا هذه المقدمة اشتملت على هذا الفصل الذي عقده الحافظ ابن كثير بن بيان تعداد أنواع علوم الحديث، وهذا الفصل قد سبقه إليه صاحب األصل الحافظ أبو عمرو االصالح في كتابه علوم الحديث، وعدد أيضا أنواع الحديث في المقدمة، وهي التي ستأتي

في أثناء الكتاب وكما ترون الحافظ ابن كثير اعترض على -إن شاء هللا تعالى-تفصيلها بعد ذلك ابن الصالح في هذا التعداد من حيث أن هذه األنواع المتعددة هي في الواقع صور متعددة لنوعأو نوعين أو ثالثة أو أكثر أو أقل بمعنى أن هذه األنواع أشبه بالمسائل الفرعية وليست باألنواع المستقلة، ولكن ملحظ الحافظ ابن الصالح من تعداد هذه األنواع هو: أنه أراد أن يبين من خالل

كتابه بعلوم هذا التعداد العلوم المتنوعة الذي يقوم عليها ذلك العلم الشريف، ولعله لذلك سمىالحديث هكذا بالجمع ولم يقل علم الحديث وقد سبقه إلى ذلك اإلمام أبو عبد هللا الحاكم

النيسابوري في كتابه معرفة علوم الحديث.

أيضا نوع علوم الحديث كمثل ما فعل الحافظ أبي عمرو ابن الصالح، لماذا هذا التنويع قلنا: لعلوم يتشكل منها ذلك العلم الشريف؛ ألن علماء الحديث ألن هذا العلم مشتمل على علوم، وهذه ا

نظروا في الرواية، فوجدوا أن الرواية البد وأن تأتي من قبل راو، فما من -رحمهم هللا تعالى-رواية إال ولها راو رواها ونقلها إلينا، وال يمكن لك بحال من األحوال أن تجد رواية بال راو

صلى هللا -العلم، ونحن إنما نأخذ من هذا الراوي سنة رسول هللا فصار الراوي هو عمود هذا مباشرة إذا كان هذا الراوي -صلى هللا عليه وسلم-التي ينقلها سواء عن رسول هللا -عليه وسلم

.-صلى هللا عليه وسلم-صحابيا ، أو عمن حدثه بها عن رسول هللا

ا الراوي بشر من البشر، هو عرضة وعلماء الحديث يدركون إدراكا ال ينقصه شيء أن هذللخطأ والنسيان؛ ألنه إنسان فهو عرضة للخطأ فمن الممكن أن ينقل الرواية ال كما سمعها، أن

Page 10: علوم الحديث   المستوى الثاني

يخطيء حيث رواها، بل ربما يخطيء وقت تحمله لها، فيسمع الرواية أو يتحملها على وجه عليهم رحمة هللا -الحديث غير معتبر، وعلى طريقة غير معتد بها عند العلماء، فإذا بعلماء

قد توسعوا في تعداد هذه العلوم وتنويعها وغرضهم من ذلك واضح وهو أن يضيقوا -تعالىالخناق على كل باب وكل وسيلة من الممكن أن يتسرب من خاللها الخلل إلى الرواية حتى تصل

إلينا الرواية سالمة من الخطأ وسالمة من الخلل.

ذه العلوم التي سمعنا أسماءها نجد علوما تختص بمعرفة عين الراوي فمثال نحن نجد في ه -نفسه، هو راوي نحن نجد في اإلسناد مثال محمد بن عبد هللا، من محمد بن عبد هللا هذا؟ هناك

وضعوا -عليهم رحمة هللا-مئات من الناس من يسمون بمحمد بن عبد هللا إال أن علماء الحديث الجانب فقط فذكروا لنا من هذه العلوم ما يسمى عندهم بالمتفق والمفترق، لنا علوما تعالج هذا

أي الرواة الذين يسمون بأسماء واحدة ولكنهم في حقيقة األمر ليسوا راويا واحدا بل هم أكثر من راو، وهذا العلم علم على حدة وله مصنفات خاصة، وألف فيه علماء تخصصوا فيه وأفنو فيه

يقول: إن علم -رحمه هللا تعالى-م واحد من تلك العلوم حتى إن اإلمام الحاكمأعمارهم، هذا علالحديث مشتمل على أكثر من مائة علم لو أفنى الواحد في كل علم منها عمره لما كفاه، فعلم المتفق والمفترق هذا علم على حدة وظيفته أن يميز لنا من محمد بن عبد هللا؟ حيث يذكر في

الن أم فالن أم فالن؟ هذا الراوي قد يخطيء عن طريق التصحيف؛ ألنه يعتمد اإلسناد هل هو فعلى كتابه أحيانا والكتاب عرضة للخطأ والتصحيف والتحريف فكيف يأمن المحدثون ويسلموا من أثر التصحيف والتحريف الذي ربما يقع من بعض الرواة في بعض األحاديث، فإذا بنا نجد

صنفوا كتبا تختص بهذا الجانب من العلم واعتبروه علما مستقال علم علماء الحديث قد ألفوا و .-إن شاء هللا تعالى-التصحيف والتحريف وله مصفات تختص به، كل ذلك سيأتي في موضعه

أحيانا الراوي نفسه أو أسماء الرواة يشتبه بعضها ببعض من حيث الرسم اإلمالئي فنجد -أتش هذا يسهل على الناسخ أن يخطيء حيث ينسخ، فبينما في مثال راو اسمه أنس وآخر اسمه

الكتاب أتش يظنه أنس فيصل إليك اإلسناد برواة غير الرواة الذين رووه، فنجد علماء الحديث قد أفردوا لهذا الجانب ما يعالجون به الخلل الذي قد يتسرب إلى الرواية من جهته فألفوا كتبا تسمى

ناك رواة كثيرون اسمهم أحمد وهناك راو واحد اسمه أدمد فأنت قد بكتب المؤتلف والمختلف، هيكون حديث من رواية أدمد هذا فتظنه أحمد فيتصحف عليك اسم فإذا بهذا العلم علم المؤتلف

والمختلف يبين لك العلماء من خالله هل المذكور في هذا اإلسناد المعين هو أنس أم هو أتش هو أحمد أم هو أدمد وهكذا.

وأيضا نجد بعد أن عرفنا هذا الراوي عرفنا أنه المعروف أنه فالن بن فالن فكيف حاله؟ -هل هو ثقة أم ضعيف هل يحتج بحديثه أم ال يحتج بحديثه هل هو مقبول الرواية أم ليس مقبول الرواية؟ وما ضوابط ذلك وما قواعده وما أصوله؟ فنجد نوعا من أنواع الحديث يختص بهذا

نوع يسمى بصفة من تقبل روايته ومن ترد روايته من رواة الحديث، فهذا يعالج الجانب وهو هذا الجانب فقط.

هذا الراوي نريد أن نعرف عالقته بشيخه قد يكون هو ثقة وشيخه أيضا ثقة ولكنه لم يسمع -منه، ولم يلتق به فلربما أخذ الحديث عن رجل عن هذا الشيخ ثم أسقطه وارتقى بالحديث إلى

ذا الشيخ المذكور، فإذن سيكون في الحديث سبب من األسباب التي يتسلل الخلل من جهتها هوهو أن يكون هناك راو قد سقط لم يذكر في اإلسناد فال نعرف أهو من الثقات أم من غير

الثقات، فنجد أنواعا تعالج لنا هذا الجانب مثل المرسل مثل المنقطع مثل المعضل وأمثال هذه األنواع.

Page 11: علوم الحديث   المستوى الثاني

إذن كل نوع من أنواع علوم الحديث في الواقع هو في غاية األهمية، وهو يعالج جانبا من جوانب الرواية ويسد بابا من األبواب التي قد يأتي الخلل من جهته إلى الرواية حتى تصل

الرواية إلينا غضة طرية سالمة من أي خلل أو أي خطأ.

فسار من اإلخوة الكرام أو أي سؤال نسأل هللا تعالى ونكتفي بهذا القدر وإن كان هناك أي است أن يعيننا على اإلجابة عليه.

يقول: ماذا تقولون في كتاب الباعث الحثيث وهل دراسته تغني عن دراسة اختصار علوم الحديث وهل يغني دراسة االختصار عن كتاب علوم الحديث البن الصالح؟

المحدث -رحمه هللا تعالى-لشيخ أحمد شاكر كتاب الباعث الحثيث هو شرح موسع لأوال: المصري المعروف وهو من شروحه الجيدة والمستفيضة على كتاب علوم الحديث البن كثير

فبطبيعة الحال الكتاب شرح الشيخ أحمد شاكر مرتبط بأصل، فمن أراد االنتفاع باألصل فالبد له تغني بالشرح عن األصل وال باألصل فال يس -رحمه هللا تعالى-أن يقرأ شرح الشيخ أحمد شاكر

عن الشرح.

الجزء الثاني من السؤال وهل يغني دراسة االختصار عن كتاب علوم الحديث البن ثانيا: الصالح؟

ونحن دائما وأبدا نذكر بأننا ندرس علما من -ليس هناك كتاب يغني عن كتاب، طالب العلم ال يستغني بكتاب عن كتاب بل البد له -األصول علوم األصول فطالب العلم الذي يريد أن يتعلم

أن يقرأ كل كتاب من كتب علوم الحديث صغيرا كان أو كبيرا متقدما كان أو متأخرا .

يقول: نسمع كثيرا عن منهج المتقدمين والمتأخرين فما هي هذه القضية وجزاكم هللا خير

تعالى لعلنا نتناول ذلك في لقاء هذا سؤال أنا أرى أنه خارج عن موضوع الحلقة وإن شاء هللا يأتي بإذن هللا تعالى.

أسأل عن الضبط هل هو ملكة أو يمكن اإلنسان يكتسبه اكتساب؟

الشك أن الضبط هو في أصله ملكة، ولكن هذه الملكة لكي تنمى البد من أن يستعان بما كما يقول اإلمام ابن رجب يعينك على تنميتها، وإنما ذلك يكون بمدارسة العلم والتعايش مع أهله

"إن من أراد أن يحصل هذا العلم ينبغي عليه أن يدمن -عليه رحمة هللا تبارك وتعالى-الحنبلي النظر في كتب أهل العلم المختصين به وأن يتأمل أقوالهم وأن ينظر فيها حتى يكتسب تلك

الملكة التي تعينه على مزيد من الضبط ومزيد من الفهم لهذا العلم".

يقول: سؤاله األول: كيف يصبح طالب العلم متقدم في علوم الحديث وما هي الطريق التي ينيغي له أن يسلكها في ذلك؟

البد عليه أن يتقن أصول هذا العلم، كثير من طلبة العلم يتعجلون يريدون أن يصلوا إلى أوال:وتمييز صحيحها من مرحلة النظر في األسانيد ومسألة النظر في المتون وتحقيق األحاديث

سقيمها من قبل أن يثقلوا أنفهسم ومعرفتهم بمعرفة أصول هذا العلم، كما قلت البد لك من أن تقرأ بل أن تدرس كل كتاب كتب في هذا العلم الشريف حتى إذا ما استطعت وتمكنت من معرفة

يق األحاديث تحق -إن شاء هللا تعالى -مناهج المحدثين وتوسعت في ذلك فحينئذ يسهل عليك

Page 12: علوم الحديث   المستوى الثاني

وتمييز ما صح منها من غير ما يصح طبعا في كل ذلك البد أن تكون مسترشدا بكالم أهل العلم ولست مستقال عنهم أو خارجا عن هديهم.

سؤاله الثاني فضيلة الشيخ هل ينبغي على الطالب أن يتبع مسألة التدرج في هذا العلم بحيث في علوم الحديث ثم ينتقل إلى كتب الرجال والكتب التي وجد من يدرس فقط كتابا مختصرا جدا

تتحدث عن العلل ما قولكم يا شيخ في هذه المسالة؟

هذا طبعا تابع لما قلناه من أنه ال ينبغي له أن يتطرق إلى كتب الجرح والتعديل أو كتب علل ادته من تلك األحاديث إال بعد أن ينتهي من دراسة أصول هذا العلم وقواعده حتى تكون استف

الكتب كما ينبغي فيقف على أرض صلبة أوال: ثم بعد ذلك يتوسع إن شاء.

هل الواجب على طالب العلم الشرعي أن يكون متقنا لهذا الفن من العلوم وإن كان يتخصص في علم آخر أو في فن آخر فما هو الواجب عليه تجاه هذا الفن؟

ن العلوم فينبغي له أن يعرف منه القدر الذي طبعا إذا لم يرد أن يتخصص في هذا العلم مينفي عنه الجهل به، حتى يستطيع أن يستفيد من الكتب التي تنقل عن المحدثين، أن تستفيد من علماء الحديث مثال إذا كنت مشتغال بالفقه، فأنت بطبيعة الحال تقرأ في كتب الفقه فإذا ما قرأت

ينقلون عن المحدثين أحكامهم على األحاديث هذا حديث في كتب الفقه ستجد علماء الفقه أنفسهم صحيح هذا حديث ضعيف هذا مرسل هذا معضل هذا مقلوب، فإن أنت لم تفهم هذه

المصطلحات ولم تعرف دالالتها عند المحدثين وال ما يقصده المحدثون منها فكيف ستستفيد من جه كل مشتغل بكل علم من العلوم الفقه نفسه؟ وكما قلنا في بداية الحلقة إن هذا العلم يحتا

الشرعية.

ذكر الشيخ أن اإلمام مسلم ذكر معنى الحديث المنكر في مقدمة كتابه الصحيح فهل هذا المعنى خاص باإلمام مسلم أم أنه عام لجميع المحدثين؟

هذا المعنى الذي قاله اإلمام مسلم في تعريف الحديث المنكر ليس مما يختص به اإلمام مسلم ما هو أصل عند جميع المحدثين، فما من إمام من علماء الحديث إال ويستدل على نكارة وإن

ليست بالضرورة أن ينص -عليه رحمة هللا تعالى -الحديث بما ذكره اإلمام مسلم بن الحجاج كل إمام على ذلك، وإنما يعرف ذلك من حقيقته في تناول األسانيد والروايات فنعرف من خالل

سس التي على أساسها يحكمون على هذه الروايات لكونها منكرة أو ليست منكرة ومن كالمهم األإنما يستذكرون الحديث على الحديث -رحمهم هللا تعالى-تتبع كالم القوم ونظر فيه تبين أنهم الذي ذكره اإلمام مسلم في كالمه.

في كتب المصطلح ذكرتم أن كل فن أو كل اصطالح يؤخذ من أهل الفن، سؤالي: لماذا يوجدأقوال للفقهاء واألصوليين فيكثر في هذا الخالف إضافة إلى وجود بعض المباحث في كتب

مصطلح الحديث حجية خبر اآلحاد واالحتجاج بالمرسل ونحو ذلك من المباحث التي في أصلها ليست من علوم الحديث؟

هل يختص تعريف ذكرتم تعريف اصطالح الترمذي للحسن فأنا سؤالي: األمر الثاني: اصطالح الترمذي الحسن في الحديث الحسن لذاته أي الحديث الذي يقول عنه حديث الترمذي

حديث حسن أو يشمل ما قاله الترمذي حديث حسن غريب أو صحيح بإضافة أي نوع من أنواع الحديث الحسن؟

Page 13: علوم الحديث   المستوى الثاني

األقوال الشك أن هذا العلم الشريف علم الحديث وجدت فيه أقوال أو في بعض كتبه هذهبالتتبع لها يتبين أنها ليست أقواال لعلماء الحديث المختصين في هذا العلم الشريف كما أنها في أغلب األحوال تشتمل على أقوال المحدثين المختصين بهذا العلم الشريف، ونحن نقول: ما كان

ديث فنحن من هذه األقوال أعني التي صدرت عن غير المختصين موافقا لما عليه علماء الحنقبلها ألنها موافقة ألهل االختصاص وال نرفض قوال بمجرد أن قوله ليس من أهل االختصاص

إال إذا قال قوال يتعارض مع ما قرره علماء الحديث المختصون في هذا العلم الشريف.

وبعض المصنفين في علوم الحديث أراد أن يتوسع في ذكر بعض المباحث التي ليس من ين أن يذكروها في كتب المصطلح فعمد إلى كتب أصول الفقه مثال ونظر في بعض عادة المحدث

كالم علماء األصول فاستقى من كالمهم ما رأى أن الراوي في حاجة إليه أو أن المشتغلون في كتابه الكفاية -رحمه هللا تعالى-بالرواية في حاجة إليه، كما فعل اإلمام الخطيب البغدادي

ه هذا مبحث الحديث المتواتر، ولم يسبق اإلمام الخطيب البغدادي، ثم تبعه حيث ذكر في كتابعلى ذلك الحافظ ابن الصالح في علوم الحديث، ثم من جاء بعد ابن الصالح وقد بين ابن

بأنه إنما أدخل هذا النوع في علوم الحديث اقتداء باإلمام بالخطيب -رحمه هللا تعالى-الصالح طيب إنما أخذه من األصوليين ولم يأخذه من المحدثين، في الواقع أن هذا البغدادي، وأن الخ

النوع مثال من أنواع الحديث وإن كان المحدثون ال يعبرون عنه بهذا المصطلح الخاص فقلما تجد محدثا يقول: إن المتواتر نوع مستقل من أنواع الحديث ولكن المحدثين يعبرون عن هذا

يعبرون عنه -إن شاء هللا تعالى -ر نفسه وسيأتي شرحه في موضعه المعنى الذي هو التواتبألفاظ أخرى فأحيانا يقولون: مشهور وأحيانا يقولون: مستفيض ويقصدون ما يقصده األصوليون بالتواتر، فمن هذه الحيثية ال يدرون أن نعرف معنى هذا النوع الذي زاده الخطيب وتبعه عليه

يد فائدة من جهة.ابن الصالح بل هو فيه مز

من جهة أخرى أننا في حاجة إلى معرفة درجات الروايات ومراتبها، كما ذكرنا أن الحسن منه ما هو صحيح ومنه ما هو قريب من الصحيح ومنه ما هو دون ذلك، وكل ذلك يسمى حسنا

فكل الروايات حينما نعرف أن بعضها وصل إلى إفادة العلم اليقيني وهو الذي يعبر عنه المتواتر أو بعض صور المتواتر حينما نعرف أن هذا الحديث بهذه المرتبة العالية فنحن نتعامل ب

معه بما عرفنا من تلك المنزلة وال نعاملهم معاملة حديث اآلخر يرويه راو يحتمل فيه الخطأ صل واإلصابة إذا وجدنا حديثا متواترا يرويه بعض الرواة الذين يكونون مقبولين من حيث األ

لكن إذا خالف ما هو متواتر أو متقرر أو مفروغ من ثبوته فحينئذ نحن إذا لم نستطع الجمع بين روايته والرواية القوية التي هي متواترة أو هي مفيدة للعلم فنلجأ إلى الترجيح وال شك أن مرتبة

د ذلك في الترجيح الحديث تفيدنا في الترجيح فإذا عرفنا أن ذلك متواتر وذاك ليس متواترا فنستفي فنرجح المتواتر على من ليس بمتواتر.

كان يسأل عن تعريف اإلمام الترمذي للحديث الحسن وإضافته لبعض المصطلحات األخرى ؟

كأنه كان يسأل عن تعريف اإلمام الترمذي للحديث الحسن هل هو من خصوصيات اإلمام ذكر الحسن -رحمه هللا تعالى-ترمذي الترمذي أم هو تعريف عام عند علماء الحديث؟ اإلمام ال

وأراد بالحسن معنى هو مذكور بوضوح في كالمه وما ذكرنا في هذ الكتاب حديث حسن فإنما أردنا به حسن إسناده عندنا، كل حديث يروى ال يكون في إسناده من يتهم بالكذب وال يكون

ذا الحديث المشتمل على الحديث شاذا ويروى من غير وجه نحو ذلك فهو عندنا حديث حسن، فههذه األوصاف الثالثة هو عند اإلمام الترمذي حديث حسن. هل هو الحسن لذاته الذي هو قريب

من الصحيح أم الحسن لغيره الذي هو دون ذلك؟ أكثر أهل العلم أن الترمذي قصد من هذا

Page 14: علوم الحديث   المستوى الثاني

له ثم الحسن لغيره، أي الحسن الذي هو أدنى درجات الحسن، الحسن الذي هو ضعيف في أصارتقى بانضمام أمور أخرى إليه، روايات أخرى إليه وما يعبر عنه الحافظ ابن حجر العسقالني بالحسن لغيره وإن كان هذا الكالم ليس مسلما بل سيتبين لنا إن شاء هللا تعالى عندما نصل إلى

ليه الحديث الحسن أن الترمذي يطلق الحسن تارة على الحسن لغيره، وتارة على ما يصدق ع الحسن لذاته بل على الصحيح أيضا وهللا أعلم.

عندنا سؤاالن:

اذكر سبل معرفة معنى المصطلح الحديثي؟ السؤال األول:

اذكر ثالثة من أشهر أنواع الحديث التي تدل على ثبوت الحديث أو ضعفه؟ السؤال الثاني:

Page 15: علوم الحديث   المستوى الثاني

الدرس الثاني: الحديث الصحيح

عينه ونستغفره ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إن الحمد هلل تعالى نحمده ونستمن يهده هللا فال مضل له ومن يضلل فال هادي له وأشهد أال إله إال هللا وحده ال شريك له وأشهد

أن محمدا عبده ورسوله وبعد:

سنبدأ في شرح أنواع علوم الحديث من خالل كتاب -إن شاء هللا تعالى -من هذا اللقاء حافظ ابن كثير اختصار علوم الحديث.ال

في اللقاء الماضي كما عرفنا جميعا الحافظ ابن كثير سرد أنواع الحديث مجملة اقتداء بأصله سنأتي على كل نوع ونتناول المسائل -إن شاء هللا تعالى-كتاب ابن الصالح، ومن اليوم

كل نوع من تلك األنواع.في -رحمهم هللا تعالى-والمباحث التي اعتاد علماء الحديث

ما يتعلق -إن شاء هللا تعالى-فأول هذه األنواع وهو أعالها وأقواها الحديث الصحيح فنقرأ بهذا النوع أو بأول مسألة فيه، ثم نسأل هللا تعالى التوفيق والتيسير لشرح ما قاله اإلمام.

هللا وإياي أن الحديث األول: الصحيح، قال: اعلم علمك : )-رحمه هللا تعالى-قال المصنف عند أهله ينقسم إلى صحيح وحسن وضعيف قلت: هذا التقسيم إن كان بالنسبة إلى ما في نفس األمر فليس إال صحيح أو ضعيف، وإن كان بالنسبة إلى اصطالح المحدثين فالحديث ينقسم

( عندهم إلى أكثر من ذلك كما ذكره آنفا هو وغيره أيضا .

متعلقة بتقسيم -رحمه هللا تعالى-ن المسائل التي تناولها الحافظ ابن كثير م المسألة األولى:الحديث هل الحديث ينقسم إلى القسمة الثنائية صحيح وضعيف؟ أم ينقسم إلى القسمة الثالثية

صحيح وحسن وضعيف؟ هذه من المسائل التي تكلم فيها أهل العلم وتناولوها بالبحث، ولقد ذكر في تقييده على كتاب ابن الصالح أن أول من قسم الحديث إلى -حمه هللا تعالىر-اإلمام العراقي

-رحمه هللا تعالى-القسمة الثالثية هو اإلمام أبو سليمان الخطابي في معالم السنن فذكر الخطابي أن الحديث ينقسم عند أهله إلى ثالثة أنواع:

النوع األول: الصحيح.

النوع الثاني: الحسن.

ثالث: السقيم وهو الضعيف.النوع ال

في كتابه علوم الحديث إنما اقتدى في ذلك بأبي -رحمه هللا تعالى-والحافظ ابن الصالح سليمان الخطابي حيث ذكر في صدر هذا النوع أن الحديث عند أهله ينقسم إلى صحيح وحسن

وضعيف.

ا فهي في تعداد ابن بطبيعة الحال نحن في اللقاء الماضي عرفنا أن أنواع الحديث كثيرة جدأنها -رحمه هللا تعالى-الصالح وكذلك ابن كثير تفوق الستين نوعا ، وذكرنا عن اإلمام الحازمي

أكثر من مائة نوع فما معنى ما نجده اآلن من كالم أهل العلم من أن الحديث ينقسم إلى صحيح سمعنا عنها في وضعيف وحسن، أو إلى صحيح وضعيف فقط؟ فأين تذهب بقية األنواع التي

؟-إن شاء هللا -اللقاء الماضي والتي ستأتي تباعا في هذا الكتاب المبارك

Page 16: علوم الحديث   المستوى الثاني

إنما يقصدون بهذه التقسيمة سواء منها ما -عليهم رحمة هللا تعالى -أقول إن علماء الحديث م كانت قسمة ثالثية أو ثنائية يقصدون األقسام التي تندرج تحتها أنواع كثيرة من أنواع علو

الحديث، فيرى أهل العلم أن هذه األنواع كلها سوء منها ما فاق الستين أو ما فاق المائة، هذه األنواع كلها إنما هي صور متعددة لثالثة أنواع أو نوعين فقط، فما من نوع من تلك األنواع إال

لمرسل وهو مندرج تحت األنواع الثالثة أو هذين النوعين، فمثال نجد من أنواع الحديث: اوالمعضل والمعلق والمنقطع والمقلوب والمضطرب والمدرج والمصحف والمحرف إلى غير ذلك من األنواع، فهذه األنواع كلها هي في الواقع هي صور متعددة لنوع الحديث الضعيف،

ونجد الحديث الصحيح والحديث الحسن، والصحيح درجات والحسن درجات.

ا إال وهو في واقع األمر يندرج تحت هذه األنواع الثالثة إذن ما من نوع من هذه األنواع كلهعندما تكلموا في هذه -رحمهم هللا تعالى-أو هذين النوعين بحسب اختالف أهل العلم، أهل العلم

المسألة تناولوها من عدة جهات:

ذكر أن أول من ذهب إلى -رحمه هللا تعالى-المسألة األولى: ذكرنا آنفا أن الحافظ العراقي تلك القسمة الثالثية هو اإلمام أبو سليمان الخطابي في معالم السنن، بينما نجد أئمة آخرين كشيخ

يرون أن أول من ذهب إلى -رحمهم هللا تعالى-اإلسالم ابن تيمية واإلمام وابن القيم وابن رجب هذه القسمة الثالثية هو اإلمام الترمذي صاحب الجامع المعروف.

ثالثية هي متقدمة بحيث أنها قد وردت عن اإلمام الترمذي في اجتهاد إذن هذه القسمة الونظر هؤالء األئمة الثالثة، بينما هي في نظر الحافظ العراقي لم تكن معروفة عند الترمذي،

إنما وجدت بعد ذلك في كالم اإلمام أبي سليمان الخطابي في القرن الرابع، فما هو الصواب في وجد في كالمه أو في صنيعه ما يفهم منه أن -رحمه هللا تعالى-لترمذي ذلك؟ هل فعال اإلمام ا

الحديث عنده ينقسم إلى ثالثة أقسام؟

وأذك ر دائما وأبدا بأمر في غاية األهمية نحن اآلن ال ننازع في أن الصحيح والضعيف علم ليس عند والحسن كل هذه األنوع هي من أنواع الحديث المعروفة المتداولة عند أهل ال

فما من إمام من األئمة الذين كانوا قبل -عليه رحمة هللا-الترمذي فقط بل قبل اإلمام الترمذي الترمذي أو في زمن الترمذي أو بعد اإلمام الترمذي إال وقد استمعمل هذه المصطلحات، هؤالء

، ووجد أيضا األئمة جميعا وجد في كالمهم الحديث الصحيح، ووجد في كالمهم الحديث الحسنفي كالمهم الحديث الضعيف، فضال عن بقية األنواع التي ستأتي إن شاء هللا تعالى، لكن محل البحث ها هنا ليس في مناقشة هل هذه األنواع كانت موجودة في عرف هؤالء العلماء أم ال ؟

ها أقسام وإنما النقاش هل كان العلماء حيث يستعملون هذه المصطلحات يتعاملون معها على أن على حدة، أم أنها تندرج تحت أنواع من أنواع الحديث األخرى؟

ال خالف بين أهل العلم أن الصحيح يعتبر قسما على حدة، وإن الحديث الضعيف يعتبر قسما على حدة، بحيث أنك إذا قلت صحيح فنحن نفهم أنك لم تقصد الضعيف، وإذا قلت ضعيف فنحن

ن هذا يقابل هذا فال يجتمع الصحيح مع الضعيف أبدا وال يجتمع نفهم أنك لم تقصد الصحيح؛ ألالضعيف مع الصحيح أبدا ، من أجل هذا كان كل منهما قسما على حدة، لكن الحديث الحسن هو

وجوده عندهم، وليس -كما قلت -الذي كان موضع الخالف بين أهل العلم، ليس الخالف ديهم، وإنما الخالف هل هو قسم على حدة بحيث الخالف في كونه من المصطلحات المستعملة ل

إذا قلنا حسن فنفهم أنه غير الصحيح وغير الضعيف، أم أنه مندرج تحت نوع من أنواع الصحيح مندرج تحت مراتب الصحيح أو مندرج تحت مراتب الضعيف؟ هذا هو محل البحث

لدى أهل العلم في هذه المسألة.

Page 17: علوم الحديث   المستوى الثاني

صرح بأن الحديث عند أهله ينقسم إلى ثالثة - تعالىرحمه هللا-فكما قلت: اإلمام الخطابي أقسام فذكر األقسام الثالثة، بينما اإلمام الترمذي لم يصرح بأن الحسن قسم مستقل من أقسام الصحيح أو قسم مستقل من أقسام الحديث، فقط كما ذكرنا في اللقاء الماضي من أن اإلمام

مال الحديث الحسن في كالمه، وفي أحكامه على أكثر من استع -رحمه هللا تعالى-الترمذي األحاديث في كتابه الجامع فتارة يقول: هذا حديث حسن، وتارة يقول: حسن صحيح، وتارة

-يقول: حسن غريب، وتارة يقول: حسن صحيح غريب، فالحسن موجود، ليس هذا فقط بل إنه ك في اللقاء الماضي من قوله "وما بين لنا مراده من الحسن كما ذكرنا أيضا ذل -رحمه هللا تعالى

ذكرنا في هذا الكتاب حديث حسن فإنما أردنا به حسن إسناده عندنا، كل حديث يروى ال يكون في إسناده من يتهم بالكذب وال يكون الحديث شاذا ويروى من غير وجه نحو ذلك فهو عندنا

حديث حسن".

وكما قلت: بل وجد مثل -هللا تعالى رحمه-إذن الحسن وجد بكثرة في كالم اإلمام الترمذي ذلك في كالم اإلمام أحمد، وفي كالم اإلمام البخاري، وكالم الشافعي وغيره من العلماء، حيث استعملوا الحسن في كالمهم وفي أحكامهم على األحاديث، نحن ال نكاد نفهم من صنيع اإلمام

سم مستقل من أقسام الحديث، نعم وجد الترمذي وال من كالمه أنه يتعامل مع الحسن كما لو أنه ق في كالمه وفي أحكامه على األحاديث، لكن ليس في تعريفه للحسن وال في صنيعه في كتابه

الجامع ما يدل على أن الحسن عنده قسم مستقل من أقسام الحديث، بل هو إما عنده مندرج تحت أقسام الضعيف كما يميل إلى ذلك أقسام الصحيح وهذا ما نميل إليه ونرجه أو هو مندرج تحت

بعض أهل العلم، كما سيأتي ذلك إن شاء هللا.

قد أكثر من استعمال هذا المصطلح، وهل -رحمه هللا تعالى-قد يقول قائل: أليس الترمذي يكثر من استعماله إال إذا كان عنده نوعا مستقال أو نوعا على حدة، نقول: هذا ليس بالالزم؛ فإنه

مثال أكثر من استعمال مصلطح الغريب فهو كثيرا ما يقول: حسن غريب، - تعالىرحمه هللا-صحيح غريب أو غريب فقط، أو حسن صحيح غريب؛ ولذلك وجد في كالمه وبكثرة، ومع ذلك

حيث -فلم يجعل أهل العلم الغريب قسما مستقال عند اإلمام الترمذي، ولم يفهموا من الترمذي أنه يجعله قسما على حدة، بل اعتبروه مصطلحا حديثيا ونوعا -ا المصطلحأكثر من استعمال هذ

من أنواع الحديث، ولكنه مندرج تحت أحد القسمين.

قد يقول: إن الترمذي قد عرف الحسن وتفرغ لذلك وخصه بذلك التعريف وال يكون ذلك إال عن الضعيف فنقول ألنه يرى أنه قسم على حدة وهذا القسم ينعزل عن الصحيح كما ينعزل

فإنه في كتاب العل في آخر -عليه رحمة هللا تعالى-أيض ا: الغريب قد عرفه اإلمام الترمذي الجامع بعد أن فرغ من تعريف الحديث الحسن، قال وقولنا حديث غريب فإن الغرابة تطلق عند

صطلح الغريب، ثم أهل العلم على معاني، فذكر عدة معان من المعاني التي يطلق عليه العلماء م أكثر من استعماله كما أكثر مثل لكل معنى من تلك المعاني بأمثلة، فهذا الحديث الغريب أوال من استعمال الحديث الحسن، وكذلك عرفه كما عرف الحديث الحسن، ومع ذلك لم يفهم أحد من

ا عن العلماء عن الترمذي أن الحسن عنده قسم على حدة ينفصل عن الصحيح وينفصل أيضالضعيف، وإنما فهموا أن الغريب عند اإلمام الترمذي هو نوع من أنواع الحديث يندرج تحت

القسمين الرئيسيين.

أيض ا: إن مجرد اإلكثار من استعمال مصطلح ال يدل على كونه قسما على حدة نجد مثال من وع" وهناك من المصطلحات الدارجة والكثيرة االستعمال عند علماء الحديث "مصطلح الموض

من أفرد الموضوع بمصنف فهذا إمام من أئمة الحديث -رحمه هللا تعالى-العلماء كابن الجوزي قد فرغ هذا الكتاب وأفرد هذا الكتاب لهذا النوع من أنواع علوم الحديث، ومع ذلك لم يقل أحد

Page 18: علوم الحديث   المستوى الثاني

فيقول: هو صحيح البن الجوزي وال غيره من العلماء إن الحديث ينقسم إلى تلك القسمة الرباعيةوحسن وضعيف وموضوع، لم نجد إماما من األئمة يفعل ذلك، وإنما قالوا الموضوع هو موجود

استعمله كثيرا في كتابه هذا، وما من إمام إال -رحمه هللا تعالى-وموجود بكثرة، وابن الجوزي من درجات وقد استعمله في كالمه إال أنهم مع ذلك يقولون: إن الموضوع إنما هو درجة

الحديث الضعيف، فلم يجعلوه نوعا على حدة، وال قسما مستقال بل جعلوه مندرجا تحت أقسام الضعيف.

إذن الذي نميل إليه: أن الحديث الحسن هو في واقع األمر مندرج تحت القسمين الرئيسيين سيم أي القسمة الثالثية حيث قال هذا التق -رحمه هللا تعالى-وهذا ما تفيده عبارة اإلمام ابن كثير

إن كان بالنسبة إلى ما في األمر أي في حقيقة األمر فليس إال صحيح أو ضعيف؛ ألن الحديث إما أن يكون مقبوال وإما أن يكون مردودا ، إما أن يكون ثابتا وإما أن يكون غير ثابت، وليس

حت الثابت أو تحت غير هناك مرتبة وسط، فالحسن إما أن يكون مندرجا تحت غير المقبول، ت الثابت ال نستطيع أن نجعله على حدة.

وإن كان إذن الذي نميل إليه هو أن الحسن يندرج تحت أحد هذين القسمين يقول ابن كثير: )( على نحو ما بينا في بالنسبة إلى اصطالح المحدثين فالحديث عندهم ينقسم إلى أكثر من ذلك

اعا في هذه األنواع كلها.اللقاء الماضي وعلى نحو ما سيأتي تب

عرفنا أن الحديث الحسن ليس نوعا مستقال وإن كان موجودا وبكثرة ومستعمال عند أهل العلم، وما من إمام من أئمة العلم إال وقد ورد في كالمه، منهم المقل ومنهم المكثر، فهل يا ترى

لمردود أي الضعيف؟الحسن يندرج تحت قسم المقبول أي الصحيح أم يندرج تحت قسم ا

أن هناك عبارات وردت عن بعض أهل العلم في ذلك، وهذه -إخواني الكرام -نالحظ لوها ما ال تتحمله من العبارات ساء فهم بعض الناس لها فوضعوها في غير موضعها وحم

المعاني، فنجد بعض أهل العلم ورد في كالمه ما يشعر بأن الحسن ليس من المقبول بل هو من لمردود، فعمد بعض بسطاء العلم إلى هذه الكلمات المتناثرة في بطون الكتب مما وجد في كالم ا

بعض أهل العلم وتعلقوا بها للطعن في االحتجاج بالحديث الحسن، وليس األمر كذلك، وأنا حرصت على أن أسوق كلمات العلماء بحروفها سواء العلماء الذين ورد كالمهم صريحا في أن

قسم الصحيح أو العلماء اآلخرون الذين ورد في كالمهم ما يشعر من أنه ليس من الحسن منرحمه هللا -قسم الصحيح، لنفهم مراد هؤالء العلماء من عباراتهم تلك، فنجد مثال اإلمام الذهبي

في أكثر من موضع من كتبه يتعرض لهذه المسألة، مسألة تقسم الحديث: هل ينقسم إلى -تعالىأن الحديث إنما ينقسم إلى -كما رجحنا -نائية أم القسمة الثالثية؟ ويميل ويرجح القسمة الث

لد الحادث -رحمه هللا تعالى-القسمة الثنائية ال الثالثية، يقول أي -: حد الحسن باصطالحنا المو يعود إلى قسم من أقسام الصحيح. -أي المتقدمين -هو في عرف السلف -المتأخر

هو إال صورة من صور الحديث الصحيح، كما ذكرنا آنفا أن الصحيح درجات إذن الحسن ما ومراتب، كما أن الضعيف درجات ومراتب، فأعلى درجات الصحيح هو ما يعرفه اإلمام في

هذا الباب، وهو ما يسمى عند الحافظ ابن حجر العسقالني بالصحيح لذاته، وأدنى درجات د ذلك، وهو نوع الحسن، وهو النوع الذي يسميه الصحيح هو ما سيأتي في النوع الذي بع

الحافظ ابن حجر أيضا بالحسن لغيره، فكل ذلك وما بينه إنما يدخل عند علماء الحديث في أقسام الصحيح، ومراتب الصحيح.

Page 19: علوم الحديث   المستوى الثاني

يقول: "وهو في عرف السلف يعود إلى قسم من أقسام الصحيح الذي يجب العمل به عند عنه أبو عبد هللا البخاري ويمشيه مسلم وبالعكس فهو داخل في جمهور العلماء أو الذي يرغب

أدنى مراتب الصحة".

إذن هو وإن كان من أدنى مراتب الصحة إال أنه يشمله اسم الصحيح، ويقول أيض ا: في ترجمة محمد بن طلحة من سير أعالم النبالء "ويجيء حديثه من أدنى مراتب الصحيح ومن

-راتب الصحيح ومن أفضل مراتب الحديث الحسن، يقول الذهبي أجود الحسن" فهو من أدنى م: "وبهذا يظهر لك أن الصحيحين فيهما الصحيح وما هو أصح منه، وإن شئت -رحمه هللا تعالى

قلت فيهما الصحيح الذي ال نزاع فيه، والصحيح الذي هو حسن، وبهذا يظهر لك أن الحسن قسم ان ليس إال صحيح وهو على مراتب، وضعيف داخل في الصحيح، وأن الحديث النبوي قسم

وهو على مراتب".

واضحة بجالء أن الحسن إنما هو قسم من أقسام -رحمه هللا تعالى-فهذه عبارة اإلمام الذهبي الحديث الصحيح، فاستفدنا من هذه العبارة أن الحسن عنده ليس قسما على حدة واستفدنا منها أن

وليس تحت أنواع الحديث الضعيف، ثم نجد في المقابل الحسن يندرج تحت أنواع الصحيح، واإلمام ابن القيم أيضا وكذلك -رحمه هللا تعالى-عبارات لبعض العلماء كشيخ اإلسالم ابن تيمية

رحمه هللا -لإلمام ابن رجب الحنبلي قد يفهم من ظاهرها خالف ما دل عليه اإلمام الذهبي ي مجموع الفتاوى: "وأما قسمة الحديث إلى صحيح وحسن يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية ف -تعالى

وضعيف فهذا أول من عرف عنه أنه قسمه هذه القسمة أبو عيسى الترمذي كما أشرنا إلى ذلك -قريبا ، ولم تعرف هذه القسمة عن أحد قبله، وال ينفي وجود الحسن عند من قبل اإلمام الترمذي

مام أحمد واإلمام البخاري واإلمام الشافعي قد وكيف يغفل عن اإل -عليه رحمة هللا تعالىفي سعة -عليه رحمة هللا تعالى-استعملوا الحسن هذا ال يمكن أن يخفى على مثل اإلمام ابن تيمة

اطالعه، وإنما هو ينفي أن يكون هؤالء العلماء حيث استعملوا الحسن استعملوه بناء على أنه كما يتعاملون مع بقية األنواع من أنه نوع من أنواع عندهم قسم على حدة، وإنما تعاملوا معه

الحديث، وهو عندهم مندرج تحت أحد القسمين.

يقول: "وأما من قبل الترمذي من العلماء فما عرف عنهم هذا التقسيم الثالثي لكن كانوا يقسمونه إلى صحيح وضعيف، والضعيف عندهم نوعان:

عيف المنجبر، وهو الشبيه بالحسن عند الترمذي؛ ضعيف ضعفا ال يمتنع العمل به وهو الض -ما هو إال ضعيفا انجبر بغيره من الروايات، -كما أشرنا إلى ذلك آنفا -ألن الحسن عند الترمذي

ضعيف ضعفا ال يمتنع العمل به وهو يشبه الحسن في اصطالح الترمذي.

ويه الكذاب أو المتهم وضعيف ضعفا يوجب تركه وهو الواهي وهو الضعيف جدا الذي ير - بالكذب أو شديد الغفلة والخطأ.

: "وليس الضعيف في اصطالح أحمد هو الضعيف -رحمه هللا تعالى-ويقول اإلمام ابن القيم في اصطالح المتأخرين، بل هو والمتقدمون يقسمون الحديث إلى صحيح وضعيف من حيث

ن".القسمة فهي عندهم ثنائية والحسن مندرج تحت أحد القسمي

يقول: "والحسن عندهم داخل في الضعيف بحسب مراتيه كما أشرنا إلى ذلك من أن الضعيف مراتب ودرجات، وأول من عرف عنه أنه قسمه إلى ثالثة أقسام أبو عيسى الترمذي، ثم الناس تبع له بعد"، وكذلك يقول اإلمام ابن رجب الحنبلي نحوا من هذا الكالم في شرح علل الترمذي

له.

Page 20: علوم الحديث   المستوى الثاني

الحظ أن شيخ اإلسالم ابن تيمية و اإلمام ابن القيم وكذلك ابن رجب الحنبلي يظهر من نكالمهم أن الحديث الحسن هو داخل في الضعيف عند اإلمام أحمد والمتقدمين من أهل العلم فهل

معنى ذلك أن الحديث الحسن في نظر شيخ اإلسالم ابن تيمية وابن القيم وفي نظر العلماء البد أن نفهمه على -كما قلت آنفا -يس محتجا به عندهم؟ ال.. ؛ ألن هذا األمر المتقدمين ل

وجهه، وآفة هذا العلم أن كثيرا من المشتغلين به يفهمون من كالم أهل العلم ما ال يقصدوه من كالمهم فإذا بالواحد يعمد إلى عبارة مجملة من عبارات أهل العلم أو يجتزء على جملة من خالل

فإذا به يفهم مراد اإلمام على غير ما أراد فينزل كالمه غير منزله ويحمله على غير سياق محمله، والواقع أننا حينما نريد أن نفهم هذا الكالم البد وأن نفهم أن:

منهج اإلمام أحمد والمتقدمين ثم منهج شيخ اإلسالم ابن تيمية وابن القيم فنحن نعلم علم اليقين كثيرا ما يعمد إلى أحاديث يحتج بها ويسميها بالحسن، -رحمه هللا تعالى-أن اإلمام ابن تيمية

فنحن إذا تصفحنا كتبه وكالمه في العلم نجده كثيرا ما يصف الحديث بالحسن ويقول: هو حجة بل ويسوقه مساق االحتحاج. فكيف نفهم من كالمه هنا أن الحسن مندرج تحت الضعيف؟ وكذلك

رجب فكيف يستقيم ما نعرفه من صنيع هؤالء العلماء مع ما قد توهمه تلك اإلمام ابن القيم وابن العبارات؟

أقول إن كالم هؤالء العلماء ها هنا محمول على النظر إلى الرواية الضعيفة من حيث النظرة الذاتية يعني الحديث الضعيف إذا نظرنا إليه نظرة مجردة من غير اعتبار أمور أخرى تنضم

ضعيف، وإنما ارتقى إلى مرتبة الحسن وارتفع إلى مصاف الحجة بما انضم إليه إليه فهو حديثمن الشواهد والمتابعات والروايات األخرى، فمن هذه الحيثية كان حجة فحينما يأت اإلمام أحمد

أو شيخ اإلسالم ابن تيمية ويصف الحديث الحسن بأنه قسم من الضعيف، وأنه جزء من من غير اعتبار أمورا أخرى، أما إذا انضم إلى هذا الضعيف ما الضعيف، يقصد أصله ويقصد

يقويه ويرقيه ويأخذ بيده ويرفعه إلى مصاف الحجة فهو حينئذ محتج به وإن سميناه ضعيفا ؛ كثيرا ما يسمي الحديث بالضعيف في الوقت الذي -عليه رحمة هللا تعالى-ولهذا نجد اإلمام أحمد

ديث التسمية على الوضوء وغيره من األحاديث، هذا الحديث حديث يحتج هو به، كما فعل في حالتسمية قد تواتر عن اإلمام أحمد أنه ضعفه من خالل النظرة اإلسنادية ففي بعض الروايات

قال: ال يثبت فيه حديث، أو ال يصح فيه حديث أو نحو ذلك من العبارات التي تفيد التضعيف، ثم وايتان، رواية باستحباب التسمية، ورواية أخرى بالوجوب. وجدناه هو نفسه في مذهبه له ر

فكيف يستقيم مع ما عرفناه من مذهب اإلمام أحمد في هذه المسألة مع ما جاء عنه من تضعيف لهذا الحديث؟

-شرح هذا في بعض المواضع بأن اإلمام أحمد -رحمه هللا تعالى-شيخ اإلسالم ابن تيمية قال: هو ضعيف أو ال يصح فيه حديث أو ال يثبت فيه حديث أو حينما -عليه رحمة هللا تعالى

نحو هذه العبارات، إنما قصد كل رواية على حدة، أي كل رواية من تلك الروايات لم تظهر فيها عالمات الصحة، ولم تجتمع فيها شرائط الصحة، فهي من حيث النظرة الجزئية المتلعقة بكل

أو صحيحة.رواية على حدة ليست مما تسمى حسنة

وإنما جاءت الحجة باعتبار المجموع، مجموع هذه الروايات مع ما وجد من شواهد لهذا المتن تدل عليه، وتدل على صحة معناه، فمجموع ذلك جعل الحديث حجة عند اإلمام أحمد،

حينئذ حينما جعل الحسن من الضعيف إنما قصد أنه في أصله أي في أصل روايته، وأنها رواية مد عليها، وإنما ارتقى إلى مصاف الحجة لما انضم إليه ما انضم.ال يعت

ونالحظ أن كالم الذهبي في الحسن كأنه يدور حول الحسن الذاتي، الحسن الذي يكون فيه الحديث مبنيا على رواية حدة، وهو الذي أشرنا إليه في اللقاء الماضي بما هو قريب من

Page 21: علوم الحديث   المستوى الثاني

جة العليا من الوثاقة والحفظ واإلتقان، ولكنه عنده بعض الصحيح، أي أن راويه لم يبلغ إلى الدرالحفظ وبعض اإلتقان فهو من جملة الثقات، وال يخرج عن مجموع الثقات ولكنه ليس من أعلى درجات الثقات؛ فلهذا نزلت مرتبته أو مرتبة حديثه من الصحيح إلى الحسن، وهذا موجود في

صحيح البخاري وفي صحيح مسلم.

أي الرواة الذين لم يبلغوا في الحفظ -حيحين أحاديث لرواة من هذا النوع فنجد في الصيخرجان لمثل هؤالء -رحمهما هللا تعالى -ومع ذلك نجد البخاري ومسلم -واإلتقان المرتبة العليا

الرواة، فما معنى تخريج البخاري ومسلم لمثل هؤالء الرواة في الصحيحين، وحديثهم إنما هو دون منزلة الحديث الصحيح؟ في منزلة

هذا ينجلي لنا ويتضح بمعرفة منهج هؤالء العلماء في اختيار األحاديث التي يودعوها كتب لهم مع هذه األحاديث شأن عظيم وتفصيل ودقة -عليهم رحمة هللا تعالى-الصحاح، فإن العلماء

حديثه صحيح كلما كان متناهية، فليس األمر عندهم عبارة عن قوالب كلما كان الرواي ثقة فالرواي صدوقا أو نازل عن مرتبة الثقة فحديثه حسن، ليس األمر عندهم بهذا الجمود، بل عندهم

فقه ومعرفة بهذا الفقه، والمعرفة يعرفون إن كان هذا الحديث يستحق أن يدخل في جملة األحاديث الصحيحة أم ال.

: الذين قصدوا إلى الصحيح أن هؤالء وخالصة ما ذكره العلماء من مناهج المحدثين في ذلكيدرسون أحاديث الراوي حديثا حديثا ، ومن خالل هذه الدراسة -عليه رحمة هللا تعالى-العلماء

يتبين لهم أن هذا الراوي أكثر ما يروي قد حفظه وأتقنه لماذا؟ كيف عرفوا ذلك؟ عرفوا ذلك بن علية وهو من الثقات المعروفين بعرض رواياته على رواية غيره من الثقات، جاء إسماعيل

إلى اإلمام يحيى بن معين وهو من أئمة هذا العلم الكبار، وقال له يا أبا زكريا، أبو زكريا هو هذا الراوي يذهب إلى هذا -أخي الكريم -يحيى بن معين، يا أبا زكريا كيف حال حديثي؟ تأمل

إنما يدل على أن هؤالء الرواة كانوا اإلمام ليسأله عن أحاديث نفسه، وهذا إن دل على شيء يعرفون أقدار نقاد الحديث، ويعرفون أنهم هم الذين يعرفون تمييز األحاديث الصحيحة من

غيرها.

فذهب ابن علية إلى يحيى بن معين فقال له: يا أبا زكريا كيف حال حديثي؟ فقال أنت مستقيم ال: عارضنا بها أحاديث الناس الحديث فتعجب ابن علية، وقال له: وكيف عرفتم ذاك! ق

فوجدناها مستقيمة، عارضنا به أحاديث الناس أي نظرنا في أحاديثك وقابلناها بما رواه غيرك فوجدنا أن أكثر أحاديثك موافقة ألحاديث غيرك من الثقات فعرفنا أنك ثقة كما أنهم ثقات. هذا ما

بفصل على حدة يسمى باالعتبار يسمى عند المحدثين بميزان االعتبار وهذا سيفرده اإلمام ماذا فعل هذا اإلمام؟ هذا -إن شاء هللا تعالى -والشواهد والمتابعات، وسنفصل القول فيه هناك

اإلمام أراد أن يعرف هذا الراوي هل هو من الثقات أم ليس من الثقات، فعمد إلى أحاديثه قات الذين ال شك في ثقتهم وأحاديثهم ودرسها واستقرأها وتتبعها وقابلها بأحاديث غيرها من الث

وحفظهم وإتقانهم وتثبتهم، فتبين له أنه كثيرا ما يوافق الثقات فاستدل بذلك على أن هذا الرواي ثقة؛ ألن من شأن الثقة أن يوافق الثقات، كما أن من شأن غير الثقات أن يخالف الثقات، لعلكم

عندما تكلم -رحمه هللا تعالى-ا كلمة اإلمام مسلم تذكرون ما قلناه في اللقاء الماضي عندما ذكرنعن الحديث المنكر وبين أن من دالئل المنكر عند المحدثين أن يخالف الراوي رواية أهل الحفظ

والرضى، حيث قال: " وعالمة المنكر في حديث المحدث إذا ما عرضت روايته على رواية ايتهم أو لم تكد توافقها، فإذا كان األغلب من غيره من أهل الحفظ والرضى خالفت روايته رو

حديثه كذلك كان مهجور الحديث غير مقبوله وال مستعمله، فكما أن الثقة نعرف ثقته من خالل مقارنة أحاديه بأحاديث الثقات فنجده دائما أو غالبا يوافق الثقات، فنستدل بذلك على أنه ثقة،

Page 22: علوم الحديث   المستوى الثاني

حاديثه بأحاديث الثقات، أيضا فنجده يخالف الثقات وكذلك الضعيف نستدل على ضعفه بمقابلة أكثيرا فنستدل بذلك على أنه سيء الحفظ ضعيفا هذا هو الميزان الذي يعرف به األئمة كون هذا

الراوي من الثقات أم من الضعفاء".

طيب، هذا الثقة ليس من شأنه دائما وأبدا أن يصيب، البد وأن يخطيء كما أشرنا إلى ذلك عليهم رحمة هللا تبارك -لقاء الماضي؛ ألنه ليس معصوما من الخطأ، فيأتي العلماء في ال

فيصنعون مقارنة ، هذا الراوي مثال روى مائتي حديث، تتبع العلماء أحاديثه تلك -وتعالىفوجدوا أن إصاباته كثيرا ، يخطيء في الحديث والحديثين يخطيء في الكلمة والكلمتين فهذا

له، وال يكون قادحا في ثقته، وال منزال له عن مرتبة الثقة، لكن راو كثرت يحتمل من مثاألخطاء نسبيا في أحاديثه فينزل في الدرجة من درجة الثقات إلى درجة من يسمون بأهل

عليه -الصدق أو الصدوق يعبر عن هؤالء العلماء بأنهم "صدوقون" ونجد الحافظ ابن حجر را ما يقول في الراوي صدوق، وكثيرا ما نجد غيره من العلماء يقول: كثي -رحمة هللا تعالى

صدوق، من معاني صدوق أنه دون الثقة دون الحفاظ.

كيف نتعامل مع حديث هذا الرجل؟ هذا الرجل روى مثال مائة حديث أخطأ في عشرة فنزلت أخطأ فيها تكون مرتبته عن مرتبة من يصح حديثه. في األصل هل هذه العشرة األحاديث التي

قادحة في حفظه بحيث يدعونا ذلك إلى عدم االعتداد بروايته أصالة أبدا ؟ هذا ظلم، هل نقبل كل ما يجيء به من األحاديث سواء مما أصاب فيه أو مما أخطأ فيه؟ هذا أيضا سيجرنا إلى قبول

عليهم -؟! العلماء أحاديث وقع فيها أخطاء، فندخل حينئذ في الصحيح ما ليس منه، ماذا نفعليفعلون مع هؤالء الرواة ما يسمونه باالنتقاء، االنتقاء ما هو؟ االنتقاء يعني -رحمة هللا تعالى

يعمدون إلى أحاديث الراوي فما ترجح لديهم أنه أصاب فيه فهو عندهم من جملة الصحيح، وما لراوي نفسه ترجح لديهم أنه أخطأ فيه فهو عندهم من قسم الضعيف، فصار بعض حديث ا

صحيح، وبعض حديثه ضعيف، لكن هل يمكن أن نقول ما المانع أن نقول كل ما يرويه ذلك الراوي نسميه حسنا ، ونقول هو حجة؟

هذا بطبيعة الحال سيؤدي إلى دخول خلل في الحديث الحسن؛ ألن هذه األحاديث التي أخطأ قبول المحتج به حينئذ سندخل أحاديث فيها وإن كانت قلية إن سميناها حسنة وجعلناها من قسم الم

عليهم رحمة هللا -في الصحيح أو في الحسن المحتج به وهي ليست جديرة بذلك بل العلماء ينتقون من أحاديث هؤالء، ومعنى قولهم: "إن هذا الراوي يحسن حديثه" أي في األصل -تعالى

ن نتتبع كل رواية من روايات هذا إجماال هذا حكم اإلجمال، أما من حيث التفصيل فال، بل البد أالراوي لنميز هل هو مما أصاب فيه أم مما أخطأ فيه، فإن كان مما أصاب فيه فهو صحيح، بل هو من أعلى درجات الصحيح؛ ألنه قد ترجح أنه أصاب فيه، وإن كان مما أخطأ فيه فهو من

يكون سالما من الشذوذ الضعيف وال يحسن بحال من األحوال؛ ألنه كما سيأتي الحسن البد أن والعلة، كما أن الصحيح أيضا البد أن يكون سالما من الشذوذ والعلة.

حينما يدخالن في أحاديث هذا النوع من الرواة في -رحمهما هللا تعالى -إذن البخاري ومسلم كتاب الصحيح إنما ينتقيان من حديث هذا الراوي، فما ترجح لديهم أنه أصاب فيه يجعلونه من

الصحيح ويعاملونه معاملة الصحيح، وما ترجح لديهم أنه أخطأ فيه حينئذ ال يدخلونه في الصحيح أبدا .

رحمهما هللا -وبهذا يظهر لنا المعنى الذي قصده شيخ اإلسالم ابن تيمية و اإلمام ابن القيم الضعيف من أن الحسن عند اإلمام أحمد والمتقدمين هو قسم من الضعيف، أو داخل في -تعالى

إال أنه من الضعيف المعمول به والمحتج به وأنهما إنما قصدا من هذا الكالم أنه في أصله من حيث النظر في راويه من حيث النظر في إسناده هو كذلك ولكنه باعتبار األمور األخرى من

Page 23: علوم الحديث   المستوى الثاني

سن الشواهد والمتابعات والقرائن المحتفة بالرواية صار الحديث حينئذ مرتفعا إلى درجة الح المحتج به.

نكتفي بهذا القدر مما يتعلق بالنقطة األولى ننتقل إلى المبحث الثاني من مباحث هذا النوع.

تعريف الحديث الصحيح: قال أما الحديث الصحيح فهو ) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف يكون الحديث المسند الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه وال

(شاذا وال معلل

: إن الحديث الصحيح ينبغي -رحمه هللا تعالى-هذا هو تعريف الحديث الصحيح يقول المؤلف أن يكون مشتمال على أوصاف، هذه األوصاف إذا اجتمعت في الحديث كان الحديث صحيحا ،

يلي:أما إذا لم تجتمع فال يستحق الحديث حينئذ أن يوصف بالصحة، وهذه األوصاف كما

أن يكون مسندا . الوصف األول:

أن يكون متصل اإلسناد. الوصف الثاني:

أن ينقله الراوي العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه، ثم يكون سالما من الوصف الثالث: الشذوذ، وأيضا سالما من العلة.

ما هو المسند؟

يطلق على -النظر في بابهسيأتي بإذن هللا تعالى في موضعه وسيتبين لنا من خالل -المسند ثالثة معان:

المعنى األول: هو مرفوع صحابي بسند ظاهره االتصال. أي هو الحديث الذي اتصف - بوصفين:

الوصف األول أن يكون مرفوعا . -

فال يكون موقوفا ؛ ألن -صلى هللا عليه وسلم-والمرفوع: هو المضاف إلى رسول هللا إنما أضيف إلى أحد الصحابة الكرام. -صلى هللا عليه وسلم- الموقوف لم يضف إلى رسول هللا

الوصف الثاني: أن يكون متصال . -

بإسناد متصل إلى الصحابي -صلى هللا عليه وسلم-بمعنى أن يكون مرفوعا إلى رسول هللا . هذا تعريف الحاكم النيسابوري، واختاره -صلى هللا عليه وسلم-الذي رفعه إلى رسول هللا

فظ ابن حجر العسقالني.الحا

المعنى الثاني: أن الحديث المسند: هو المتصل سواء كان مرفوعا أو ليس مرفوعا ، - وصاحبه هو اإلمام الخطيب البغدادي.

المعنى الثالث: أنه المرفوع سواء اتصل أم لم يتصل وهو تعريف اإلمام ابن عبد البر. -

Page 24: علوم الحديث   المستوى الثاني

حديث المسند احتاج صاحب الكتاب أن يبي ن أنه فلما وقع الخالف بين أهل العلم في تعريف ال( يعني أنه يقصد الذي يتصل سنده يقصد بهذا المسند نوعا معينا ، وليس أي مسند، فقال: )

-بالمسند حيث ذكره هنا في تعريف الصحيح: الحديث المرفوع باإلسناد المتصل إلى رسول هللا ن انتهى إليه الخبر، سواء كان انتهى إلى رسول أو المتصل إسناده إلى م -صلى هللا عليه وسلم

أو إلى أحد سواه، المهم أن يكون إسناده متصال إلى من انتهى عليه -صلى هللا عليه وسلم-هللا الخبر.

ما معنى اتصال اإلسناد؟

اتصال اإلسناد: عرفه بعض أهل العلم بأن يكون كل راو من رواة الحديث قد سمع الحديث حدث بالحديث عنه. وهذا تعريف صحيح، ولكنه ناقص؛ ألن قول المعرف من شيخه الذي

في طرق تحمل -كما سيأتي -لالتصال أن يكون كل راو من رواة الحديث "سمع" ونحن نعلم الحديث أن السماع إنما هو إحدى طرق تحمل الحديث، وهناك طرق أخرى لتحمل الحديث هي

م، كالعرض أو القراءة، وهي معتد بها عند أهل العلم وليس موضع اعتبار واعتداد عند أهل العلالعرض سماعا ، وإن كان له حكم السماع، وكذلك المناولة وهي عمدة وحجة عند أكثر أهل

مما يعتد به -كل ذلك سيأتي في موضعه -العلم، وكذلك الوجادة، وكذلك بعض صور الوجادة التي تأتي بهذه الطريقة محكوم باتصالها أم ال؟ ويحتج به وهو ليس سماعا ، فهل هذه األسانيد

هي محكوم باتصالها إذا كانت قد وقعت بطريق من طرق التحمل المعتبرة، فحينئذ ال نقول أن يكون كل راو قد أخذ أو سمع الحديث من شيخه، وإنما نقول: قد تحمل الحديث عن شيخه

حديث.بطريق من الطرق المعتبرة أو المعتد بها في تحمل ال

سيأتي تفصيلها إن شاء هللا تعالى في صفة من تقبل روايته ومن ترد -( والعدالة بنقل العدل)وهنا إجماال نقول: العدل من يجتنب الكبائر ويتقي في الغالب الصغائر، الضابط: الراوي -

الضابط إنما يوصف بالضبط إذا كان هذا الراوي قد تحمل الحديث بطريق معتبر وأداه كما سمعه أو كما تحمله، أما إذا تحمل الحديث على وجه غير معتبر أو أداه بطريقة غير متعد بها أو

وقع الخلل في أثناء هذه المدة فال يوصف الراوي حينئذ بكونه ضابطا .

ويقسم العلماء الضبط إلى نوعين بحسب تحمل الراوي فيقولون: الضبط ضبطان: ضبط يى بن معين عندما سئل عن أبي صالح كاتب الليث قال: صدر وضبط كتاب يقول: اإلمام يح

الثبت ثبتان: ثبت صدر وثبت كتاب، وأبو صالح كاتب الليث ثبت كتاب؛ ألنه هناك بعض الرواة من عنده ملكة الحفظ فيحفظ الحديث، ومن ليس عنده تلك الملكة، وإنما يعتمد على كتابه وكتاب

تحمل حفظا فله أن يروي من حفظه، ومن تحمل مصحح سالم من التصحيف والتحريف، فمن كتابا فله أن يروي من كتابه، وبطبيعية الحال من جمع بين الطريقتين فهو يحفظ ما في كتابه فهذا بطبيعة الحال له أن يروي من حفظه وله أن يروي من كتابه، وإن كان روايته من كتابه

مع كونه حافظا من -هللا تبارك وتعالى رحمه-أفضل؛ ألن الحفظ يخون كما كان اإلمام أحمد -رحمه هللا تعالى-كبار حفاظ الحديث مع ذلك كان ال يحدث إال من كتاب وكان علي بن المديني

-يقول: أمرني سيدي أحمد بن حنبل أال أحدث إال من كتاب، وهذا من مزيد إتقانهم وتثبتهم . -رحمهم هللا تعالى

( الشذوذ والعلة: هما طريقان يدرك بهما الخلل الذي معللوال يكون شاذا والقال المصنف: )هو عرضة للخطأ، كيف نستدل -كما قلنا-ربما يقع في الرواية من قبل الراوي؛ ألن الراوي

على كونه أخطأ؟ كيف نستدل على كونه روى الرواية ال على غير وجهها؟ عن طريق معرفتنا يرى الشذوذ والعلة سواء، وبعضهم يرى الشذوذ شيئا بالشذوذ وكيفية إثباتها، وبعض أهل العلم

Page 25: علوم الحديث   المستوى الثاني

والعلة شيئا آخر، وكل ذلك إن شاء هللا سيأتي تفصيله في موضعه عندما نأتي لشرح كل نوع من تلك األنواع.

ثم أخذ يبيين فوائده وما احترز بها عن المرسل والمنقطع ) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف قادحة وما في راويه نوع جرح، قال: وهذا هو الحديث الذي والمعضل والشاذ وما فيه علة

يحكم له بالصحة بال خالف بين أهل الحديث وقد يختلفون في بعض األحاديث؛ الختالفهم في وجود هذه األوصاف أو في اشتراط بعضها كما في المرسل قلت: حاصل حد الصحيح: أنه

أو -صلى هللا عليه وسلم-ي إلى رسول هللا المتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله حتى ينتهإلى منتهاه من صحابي أو من دونه وال يكون شاذا وال مردودا وال معلال بعلة قادحة، وقد يكون

(مشهورا أو غريبا وهو متفاوت في نظر الحفاظ في محاله

منا على ما قد أتينا في أثناء كال -رحمه هللا تعالى-هذا الفصل من كالم الحافظ ابن كثير وقد يختلفون في بعض األحاديث؛ الختالفهم في وجود هذه اشتمل عليه من المعاني وقوله: )

(، اختالفهم في وجود هذه األوصاف يعني: أن األوصاف أو في اشتراط بعضها كما في المرسلقد يختلفون في الحكم على حديث بعينه هل قد تحققت فيه -رحمهم هللا تعالى-علماء الحديث

واشتمل على أوصاف الحديث الصحيح أم ال؟ فبعض أهل العلم يرى ذلك، وبعض أهل العلم اآلخرين ال يرى أن الحديث قد اشتمل على ذلك؛ فلهذا ال يحكم على الحديث بالصحة، فهذا

.-عليهم رحمة هللا تبارك وتعالى -موضع اجتهاد العلماء

أو ليس صحيحا ؟ ليس معناه أنهم واختالفهم في الحكم على حديث بعينه هل هو صحيح يختلفون في القاعدة التي على أساسها يحكم على الحديث بأنه صحيح، وإنما هذا اختالف جزئي متعلق بحديث بعينه، بعض أهل العلم: يرى أن شرائط الصحة تحققت فيه فيصححه، والبعض

أصل القاعدة إنما اآلخر: يرى أن شرائط الصحة لم تتحقق فيه فلم يصححه، ولم يختلفوا في اختلفوا في بعض تطبيقاتها وهللا أعلم.

كان السؤال األول: اذكر سبل معرفة معنى المصطلح الحديثي؟

وكانت اإلجابة هناك سبيالن لمعرفة معنى المصطلح الحديثي هما:

عن طريق التتبع واالستقراء، وهو أن يعمد علماء الحديث إلى مواضع استعمال األول:يجمعون طائفة من كالم علماء الحديث الذين أطلقوا هذا المصطلح ليعلموا مرادهم، المصطلح ف

حيث أن الكالم سباق وسياق فمثال مصطلح الحسن قد يقصد به إرادة الجنس العام للحديث المقبول، وبهذا يكون معنى الحسن الحديث الصحيح، وقد يقصد به ما هو دون الصحيح أو الذي

، وقد يقصد به الحديث الذي في أصله ضعف أي الذي ال يحتج به، ولكن قارب الحديث الصحيح هذا الحديث قد اقترن به بعض الروايات التي تقويه.

فهو عن طريق النص. وهو قول العالم أي ما نص عليه اإلمام وأراد به شرح مراده الثاني:با سماه باب العلل، قال فإنه جعل في جامعه با -رحمه هللا تعالى-مثل ما فعل اإلمام الترمذي

فيه: "وما ذكرنا في هذا الباب حديث حسن قصدنا به حسن إسناده عندنا" وكما ذكر اإلمام مسلم في مقدمته الحديث المنكر وعالمة المنكر -رحمه هللا تعالى-

إجابة صحيحة بارك هللا فيه.

Page 26: علوم الحديث   المستوى الثاني

بوت الحديث أو ضعفه؟السؤال الثاني: اذكر ثالثة من أشهر أنواع الحديث التي تدل على ث

وكانت اإلجابة: النوع األول: الحديث الصحيح، وهو ما اتصل سنده برواية الثقة عن الثقة.

الحديث الحسن، وهو الحديث الصحيح إال أن في سنده راو صدوق النوع الثاني:

الحديث المنقطع، وهو حديث ضعيف حيث حصل في سنده انقطاع بأن يروي النوع الثالث: عن ما قبله وهو لم يسمع منهراو

اإلجابة صحيحة بطبيعة الحال ولكن ما ذكره األخ الفاضل مما يتعلق بتعريف كل نوع من إن شاء هللا -تلك األنواع إنما تصدق على بعض صوره وليس على كل صوره وهذا سنفصله

في موضعه. -تعالى

سؤال الماضي أن اإلمام أنا سألت سؤال الحلقة الماضية وأسيء فهمه أنا قصدي من الالترمذي في بعض األحاديث يقول عنها: هذا حديث حسن، وبعضها يقول حسن غريب، وحسن

صحيح، أو حسن صحيح غريب، تعريف اإلمام الترمذي للحسن في آخر الجامع هل يقصد بالحديث الذي يقول عنه حديث حسن فقط أم يشمل كل حديث فيه لفظ حسن فيشمل حسن

يح، حسن صحيح غريب؟غريب، حسن صح

السؤال الثاني: رجحتم حفظكم هللا أن الحسن عند الترمذي يندرج تحت الحديث الصحيح، فأنا أسأل هل يطلق أبو عيسى الترمذي الحديث الحسن فيقول: هذا حديث حسن، ويقصد بعض

األحاديث المعلولة هل وقع هذا في كتاب أبي عيسى الترمذي؟

للحديث الصحيح هذا يشمل الحديث -رحمه هللا تعالى-ام ابن كثير السؤال الثالث: تعريف اإلمالصحيح لذاته يعني ال يدخل فيه الصحيح لغيره عند المتأخرين مثال هل يقال في تعريف الحديث الصحيح هو ما اتصل سنده بنقل الثقة عن مثله إلى منتهاه ولم يكن شاذا وال معلوال أو كان حديثا

ه أو بمن فوقه فيشمل بهذا التعريف الحديث الصحيح ويشمل الصحيح لذاته حسنا واعتضد بمثل والصحيح لغيره؟

الجزئية األولى: متعلقة بالحسن عند اإلمام الترمذي أخونا يريد أن يقول الترمذي يستعمل الحسن أحيانا مفردا وأحيانا مركبا فهو أحيانا يقول حسن فقط، وأحيانا يقول حسن غريب، حسن

يح، حسن صحيح غريب، فهل الحسن عنده في هذه المواضع كلها بمعنى واحد أم أنه لما صح عرف الحسن في آخر كتابه الجامع قصد الحسن الذي يذكره مفردا فقط؟

الواقع أن بعض أهل العلم قال ذلك، وهو الحافظ ابن حجر العسقالني، قال: إن الترمذي حيث ه أي الحسن الذي يأتي مجردا عن أي وصف آخر فهو عرف الحسن إنما قصد الحسن حيث يفرد

يقول: هذا حديث حسن فقط، الحافظ ابن حجر يرى أن هذا التعريف الذي ذكره اإلمام الترمذي في آخر كتاب الجامع إنما يتنزل على هذه الصورة فحسب، استدل على ذلك بأنه لم يعرف

هل العلم، ولو كان الغريب له فيه معنى الغريب وعليه فإن الغريب عنده هو الغريب الذي عند أ خاص لعمد إلى شرحه وبيانه، وهذا الكالم فيه نظر.

Page 27: علوم الحديث   المستوى الثاني

رحمه هللا -عرف الغريب وليس كما ذكر الحافظ ابن حجر -رحمه هللا تعالى-أوال : الترمذي لم يعرف الغريب ال... عرف الغريب كما أشرت إلى ذلك في أثناء الدرس من أنه بعد -تعالى

ى من الحديث الحسن وتعريفه قال: "وقولنا في هذا الكتاب حديث غريب فإن الغرابة أن انتهتطلق عند علماء الحديث على معان ثم ذكر أمثلتها وقد شرحها بتفصيل الحافظ ابن رجب

في شرح علل الترمذي فمن هذه الحيثية هو شرح الغريب، ثم هب -رحمه هللا تعالى-الحنبلي إن هذا ال يكون مستدال له على أنه يقصد بالغريب معنى دون معنى، يعني أنه لم يشرح الغريب ف

القانون واألصل في هذه المسألة ليس ما شرحه، فهو يقصد به معنى خاص، وما لم يشرحه فهو يقصد به معنى عام، هذا أفضل من حيث األصل غير مسلم وغير الزم، بل قد يشرح ما قد

عن شرح شيء كما سكت كثير من أهل العلم عن اصطالحات عرف عند أهل العلم، وقد يسكت وجدت في كالمهم، وإنما عرفها الناس باالستقراء والتتبع لها، هذا من ناحية.

ثانيا : من ناحية أخرى تعريف اإلمام الترمذي للحسن يصدق أو يمكن لك أن تنزله وتستطيع نه يصف الحديث الحسن في بسهولة ويسر أن تنزله على كل مواضع الحسن في كالمك؛ أل

كالمه حيث تجتمع فيه أوصاف ثالثة:

الوصف األول: أن يكون الراوي الذي رواه سالما غير متهم بالكذب. -

الوصف الثاني: أن يكون الحديث شاذا أي ليس مخالفا لألحاديث الصحيحة كما ذكر ذلك - شيخ اإلسالم ابن تيمية وابن رجب رحمهما هللا.

الث: أن يروى نحوه من غير وجه. وهذا يصدق على الحسن، وعلى الحسن الوصف الث -رحمه -الغريب أيضا إذا ما فهمنا معنى الغرابة عند المحدثين على نحو ما بين اإلمام الترمذي

في آخر كتاب الجامع. -هللا تعالى

نى قول وأنا ال أريد أن أستطرد في هذه النقطة؛ ألنها تحتاج إلى محاضرات، توفيق معالترمذي حسن غريب؛ ألن بعض أهل العلم قال: إن قول الترمذي حسن غريب أي حسن لذاته ونحن قلنا في اللقاء الماضي أن الترمذي ال يعرف الحسن لذاته أصال ، ولم يوجد في كالمه،

وإنما الحسن عنده صفة للحديث الذي اشتمل على هذه األوصاف الثالثة، وهذه األوصاف الثالثة تجتمع في إسناد على حدة، بل البد وأن يكون الحديث الذي اتصف بها له أكثر من إسناد ال

وأكثر من رواية؛ ألنه قال: وأن يروى نحوه من غير وجه فكيف يكون مع ذلك الحديث حسنا لذاته، ثم قوله: ال يكون في إسناده من يتهم بالكذب يدل بمفهومه أن كل أسانيد هذا الحديث ليس

ها إسناد واحد مما تقوم به الحجة، فأين هذا اإلسناد الحسن الذاتي الذي يعنيه اإلمام من بينالترمذي؟ وهو يقول في وصف راوي هذا الحديث بأنه ليس متهما بالكذب ما معنى قول

في موضعه؛ ألنه يحتاج إلى تفصيل -إن شاء هللا تعالى-الترمذي حسن غريب، هذا سيأتي وتوضيح أكثر من ذلك.

في تعريف الحديث -رحمه هللا تعالى-الحسن عند الترمذي: ما ذكره اإلمام ابن كثير الصحيح إنما يتنزل على نوع من أنواع الصحيح، وهو الصحيح لذاته، فأين الصحيح لغيره؟

في نوع الحسن أن الحديث الذي يرويه الراوي، الذي يحسن حديثه لكونه -كما سيأتي -ألنه تبته دون مرتبة راوي الحديث الصحيح، هذا الحيث إن انضم إليه يعني هو في مثال صدوق مر

حد ذاته حسن لذاته، ولكن مع ذلك انضم إليه ما يقويه ويرفعه إلى مرتبة أعلى، فيعود ثانية إلى مرتبة الحديث الصحيح، فهذا نوع آخر من الصحيح أو صورة أخرى من الحديث الصحيح

عسقالني أيضا بالصحيح لغيره، وهذا طبعا لم نتكلم عليه هنا سنتكلم يسميها الحافظ ابن حجر الولكني أشرت إليه لعل الفطن الذكي يفهم هذا ألنني -إن شاء هللا تعالى-عليه في نوع الحسن

Page 28: علوم الحديث   المستوى الثاني

ذكرت في أثناء كالمي أن العلماء عليهم رحمة هللا تبارك وتعالى كالبخاري ومسلم مثال إذا ما فيه أو فيه نوع ضعف بما ينزل حديثه عن مرتبة الصحيح إلى مرتبة رأيا الراوي متكلما

الحسن؛ فإن علماء الحديث ينتقون من حديث هذا الراوي ما ترجح لديهم أنه أصاب فيه وعلى ضوء هذا نجد هؤالء العلماء يدخلون حديث ذلك الراوي في جملة األحاديث الصحيحة، وإنما

حا لغيره ألنه ليست صحته ناشئة من ذاته وإنما هي ناشئة يكون صحيحا بهذا المعنى أي صحي من انضمام شيء آخر إليه وهللا أعلم.

يقول: هل الحديث الحسن ال يمكن االستدالل به؟

كيف؟ وهو كالصحيح من حيث المرتبة فإذا كنا نستدل بالحديث الصحيح فنستدل بالحديث ول درجات بعضها فوق بعض، وإن كان الحسن ونحن قلنا في اللقاء الماضي أن مراتب القب

الكل يشمله اسم الصحة أو القبول، فالحسن مندرج تحت اسم القبول الحسن مندرج تحت اسم القبول فهو مقبول عند أهل العلم، ولكن هو مرتبة متدنية؛ ألن القبول له مرتبة عليا ومرتبة دنيا

وما كان داخال في هذه المراتب فهو محتج به معمول به.

أن العلماء قد يختلفون في بعض األحاديث -رحمه هللا تعالى-كر الحافظ ابن كثير ذوأوضحتم فضيلتكم أن هذا االختالف ال يكون في القاعدة، وإنما يكون في الحكم على حديث بعينه، فما الواجب على طالب العلم المبتديء إذا اختلف عالمان عرفا وشهد لهما باالجتهاد

هذا الحديث؟ والعلم في ترجيح

وأخذ ذلك عنه الحافظ ابن حجر -رحمه هللا تعالى-هذا السؤال أجاب عنه اإلمام البيهقي العسقالني في نكته على كتاب ابن الصالح واعتمده بل ساقه مساق المسلمات. يقول اإلمام

رحمه هللا -ل البيهقي في رسالته إلى اإلمام الجهيني، وكذلك في مقدمة كتابه السنن واآلثار يقو الحديث ينقسم إلى ثالثة أنواع: -تعالى

صحيح متفق على صحته. النوع األول:

ضعيف متفق على ضعفه. النوع الثاني:

ما اختلف فيه أهل العلم فمنهم من صححه ومنهم من ضعفه. النوع الثالث:

النوع يجب الذي وقع فيه االختالف وهذا -يعني الثالث -يقول اإلمام البيهقي وهذا النوع على من جاء بعدهم ممن اكتملت عنده اآللة واألهلية أن ينظر في كالمهم وأن يتأمله وأن يرجح

ما يدل الدليل على رجحانه فإن ترجح كون الحديث صحيحا صححه أو ترجح كون الحديث إنما ضعيفا ضعفه" ساق الحافظ ابن ججر هذه العبارة مستدال بها على أن الحديث عند المتقدمين

هو قسمان ال قسم واحد؛ ألنه قال: "إن الحديث إما صحيح متفق على صحته أو ضعيف متفق على ضعفه أو مختلف فيه وهذا المختلف فيه إما أن يترجح فيه الصحة وإما أن يترجح فيه

الضعف فصار الحديث من هذه الحيثية قسمين قسم صحيح إما متفق عليه أو مختلف فيه وقسم ق على ضعفه أو مختلف في ضعفه" المهم أنه يؤول في النهاية على كونه ضعيف إما متف

قسمين، وهذا هو جواب سؤالك أنك إن كنت أهال للترجيح وعرفت مناهج العلماء ومسالكهم في النظر في األسانيد والرواة فلك أن تنظر في دليل هذا العالم، وهذا العالم اآلخر الذي خالفه

لصحة فبها ونعمت، وإن ترجح لك الضعف فلتقل بالضعيف وما وسع وترجح، فإن ترجح لديك االعلماء يسعنا نحن أيض ا، لكن إن كنت لست من أهل االجتهاد فليس أمامك إال أن تأخذ بقول أهل

االجتهاد ممن تعتقد فيه العلم والمعرفة فضال عن الصالح والدين.

Page 29: علوم الحديث   المستوى الثاني

عندنا سؤاالن:

درج تحت نوع الصحيح أم الضعيف.الحديث الحسن هل هو من السؤال األول:

هل هناك فرق بين الشاذ والمعلول؟ وإن كان فما هو؟ ونحن أشرنا إلى هذه السؤال الثاني:المسألة من غير أن نسهب فيها وهذا الغرض منه أن ننشط إخواننا إلى الرجوع إلى المصادر

لمعرفة الجواب عن هذا السؤال وهللا أعلم.

Page 30: علوم الحديث   المستوى الثاني

ي الحديث الصحيحالدرس الثالث: مسائل ف

إن الحمد هلل تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده هللا فال مضل له، ومن يضلل فال هادي له، وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وبعد:

رحمه هللا -نستكمل المسائل التي تناولها الحافظ بن كثير إن شاء هللا تعالى في هذا اللقاء سفي نوع الحديث الصحيح من كتابه اختصار علوم الحديث، وأول المسائل التي سنتناولها -تعالى

ما يتعلق بأصح األسانيد وأقوال أهل العلم في ذلك: -إن شاء هللا تعالى -

أصح األسانيد:

متفاوت في نظر الحفاظ في محاله؛ ولهذا أطلق وهو ) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف بعضهم أصح األسانيد على بعضها، فعن أحمد وإسحاق: أصحها الزهري عن سالم عن أبيه، وقال علي بن المديني والفالس: أصحها محمد بن سيرين عن عبيدة عن علي، وعن يحي بن

خاري: مالك عن نافع معين أصحها: األعمش عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود، وعن البل من روى عنه .(عن ابن عمر، وزاد بعضهم الشافعي عن مالك إذ هو أج

-هذه المسألة المتعلقة بأصح األسانيد هي مسألة متفرعة عن أصل الصحة، فعلماء الحديث كما أشرنا إلى ذلك أكثر من مرة يدركون أن الصحيح مراتب ودرجات، -رحمهم هللا تعالى

فكيف يعرف العلماء إن كان هذا الحديث أو ذلك اإلسناد من أصح المراتب بعضها فوق بعض، أو من مرتبة دون ذلك؟

رحمهم هللا -يعرفون ذلك بالتتبع والسبر، فهم -عليهم رحمة هللا تبارك وتعالى -العلماء ينظرون في الروايات واألسانيد وينظرون في رواتها ويعتبرون كل رواية على حدة -تعالىرون أحاديث الراوي ويقارنوها بأحاديث غيره من الرواة، وعلى ضوء ذلك يتبين لهم الثقة ويعتب

واألوثق، الحافظ واألحفظ، الثابت واألثبت، فيعرفون من خالل ذلك مراتب الرواة.

إذن السبيل إلى معرفة مراتب الرواة والروايات: إنما هو االعتبار والتتبع والسبر الذي هو بعد أن أجرو هذه العمليات االستقرائية -عليهم رحمة هللا تعالى-اء الحديث االستقراء، فعلم

ذكروا لنا نتائج هذه العملية فذكروا لنا أن هناك أسانيد هي عندهم بعد البحث والتتبع تعد من أصح األسانيد ومن أقوى األسانيد ومن أقوى الروايات، فالعلماء جمعوا ذلك، ال شك أن بعض

أن هذا اإلسناد أصح إسنادا أو من أصح األسانيد وعالم آخر رأى رأي آخر أن أهل العلم رأى اإلسناد اآلخر أصح وأرجح أو نحو هذه العبارات التي تفيد معنى الترجيح، فنحن استفدنا من جهود العلماء كلهم، فكل عالم تكلم في هذا األمر وأفاد أن هناك إسنادا هو من أصح األسانيد،

ليستفيد به من يجيء بعدهم عندما يكون -عليهم رحمة هللا تعالى-جمعه العلماء جمعنا ذلك أو بمعرض دراسة رواية من تلك الروايات أو بمعرض ترجيح رواية على أخرى فال شك أن

الرواية التي قيل فيها أنها من أصح األسانيد هي عند التحقيق تعتبر راجحة على رواية أخرى لم توصف بذلك الوصف.

ا نجد مثال أن اإلمام أحمد وإسحاق بن راهويه لهما في هذه المسألة رأي، وابن معين له فلهذرأي آخر، وعلي بن المديني له رأي ثالث، وهكذا...، وهذه اآلراء ليست من باب االختالف

الذي يوجب الترجيح وإنما هو من اختالف التنوع، فكل ذلك صواب وكل ذلك جدير باالعتبار، حيث استقرأو الروايات وظهر -عليهم رحمة هللا تعالى-ه الجهود التي بذلها علماءنا فنستفيد بهذ

Page 31: علوم الحديث   المستوى الثاني

لهم ما هو قوي منها وما هو أقوى، وما هو صحيح وما هو أصح فنستفيد بذلك كله في الترجيح إذا ما احتجنا إليه.

ذكر نأتي على األمثلة التي ذكرها المصنف وهي بطبيعة الحال ليست بآخر الموجود إنما ( هو ابن وإسحاق ( وهو اإلمام أحمد بن حنبل اإلمام المعروف )فعن أحمد أشهرها فقال: )

( أي ما يرويه الزهري وهو اإلمام محمد بن الزهري( أي أصح األسانيد )أصحهراهويه )( عبد هللا بن عمر بن عن أبيهشهاب الزهري إمام التابعين عن سالم بن عبد هللا بن عمر )

.-هللا تعالى عنهمارضي -الخطاب

( وهو اإلمام عمرو بن علي الفالس وهو أيضا من أئمة علي بن المديني والفالسوقال: )( وهو من أئمة ما يرويه محمد بن سيرين( أي أصح األسانيد )أصحهالجرح والتعديل قال: )

سلماني ال -رضي هللا تعالى عنهما-( وهو عبيدة بن عمر عن عبيدة السلماني التابعين أيضا ) .-رضي هللا تعالى عنهم-( وهو ابن أبي طالب عن علي)

( اإلمام يحيى بن معين قرين اإلمام أحمد بن حنبل، وأيضا هو من ائمة وعن يحيى بن معين)( وهو اإلمام سليمان بن ما يرويه األعمش( أي أصح األسانيد )أصحههذا العلم الكبار قال: )

( وهو من أئمة عن إبراهيم بن يزيد النخعيالمعروفين ) مهران األعمش وهو من األئمة الحفاظ( هو عبد هللا بن مسعود عن علقمة بن قيس عن ابن مسعودالتابعين أيضا ومن كبارهم )

. -رضي هللا تعالى عنه-الصحابي المعروف

( والبخاري كلنا يعرفه وهلل الحمد، يرى أن أصح األسانيد -رحمه هللا تعالى-وعن البخاري )رويه اإلمام مالك، مالك بن أنس اإلمام المعروف إمام دار الهجرة، عن نافع مولى عبد هللا ما ي

، وزاد بعضهم أي: على اإلسناد الذي ذكره -رضي هللا تعالى عنهما-بن عمر، عن ابن عمر البخاري، البخاري ذكر مالكا عن نافع عن ابن عمر، وهذه السلسة أو هذا اإلسناد يسمى عند

بسلسلة الذهب، وهي من أفضل األسانيد على سبيل اإلطالق، زاد بعضهم في هذا العلماء اإلسناد الذي هو سلسلة الذهب أي عن مالك عن نافع عن ابن عمر، الشافعي عن مالك أي ما

يرويه الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر هو أصح وأرجح وأفضل ومقدم على ما يرويه ل من روى عنه.غير الشافعي عن مالك عن ناف ع عن ابن عمر إذا هو أج

وزاد أيضا بعضهم ما يرويه اإلمام أحمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر، على ل من روى عن اإلمام الشافعي -رحمه هللا تعالى-أساس أن اإلمام أحمد رحمهم هللا -من أج

. -جميعا

جاوز هذه النقطة البد لنا من التنبيه على عدة هذه أشهر األمثلة في أصح األسانيد، قبل أن نت أمور أرى أنها في غاية األهمية لطالب العلم:

إنما نتعامل معها -عليهم رحمة هللا تعالى-األمر األول: أن أصح األسانيد الواردة عن العلماء ذا ما بمبدأ الترجيح يعني نستفيد بما جاء عن أهل العلم من رجحان هذه الروايات على غيرها إوصلت إلينا بإسناد تقوم به الحجة، أما إذا وصلت إلينا بإسناد ال تقوم به الحجة فال اعتبار

باإلسناد حينئذ وال ينفعنا كون هذا اإلسناد من أصح األسانيد عند علماء الحديث، بمعنى آخر لكي -م كما رأيت -عندنا اإلسناد المشهور مالك عن نافع عن ابن عمر هذا من أصح األسانيد

نستفيد بكون هذا اإلسناد من أصح األسانيد فنقدمه ونرجحه على غيره إذا ما وقع بينه وبين ج الحديث إلى غيره نوع تعارض البد أن يكون اإلسناد من عندنا أو من عند المصنف الذي خر

لكن إذا كان إسنادا صحيحا تقوم به الحجة، -رحمه هللا تعالى-أن يصل إلى اإلمام مالك بن أنس

Page 32: علوم الحديث   المستوى الثاني

فهل حينئذ يكون هذا الحديث مرويا بإسناد من –يرويه ضعيف عن مالك عن نافع عن ابن عمر أصح األسانيد؟ ال يكون حينئذ مرويا بإسناد من أصح األسانيد، وإن زعم هذا الراوي الذي هو

نافع عن ابن ضعيف، ال يعتمد على ما ادعاه وزعمه ألنه زعم أن مالكا حدثه بهذا الحديث عنعمر، بينما الثقات لم يقولوا ذلك، عن مالك عن نافع عن ابن عمر، قد يكون رووه عن مالك

بغير هذا اإلسناد، قد ال يكون أصال هو من حديث مالك إنما زعم ذلك الضعيف أنه من حديث مالك وما هو من حديثه.

بعد ذلك ننظر فيما رواه مالك هل فالبد إذن من أن يكون الحديث صحيح اإلسناد إلى مالك ثم رواه مالك بإسناد من أصح األسانيد فحينئذ نتعامل مع هذا الحديث على أنه مروي بإسناد هو من

أصح األسانيد.

أما إذا كان الذي يرويه عن مالك ليس ممن يعتمد عليه وال يحتج بروايته فال ينفعنا كون هذا مر.الحديث روي عن مالك عن نافع عن ابن ع

األمر الثاني: وهو متعلق بهذا الباب حينما نقول أصح األسانيد، مسألة الترجيح عند العلماء يعبرون عنها بأكثر من عبارة، أحيانا تكون عبارات تدل على الترجيح، وأحيانا تكون عبارات

رات أهل العلم منصبة على اإلسناد فقط، وأحيانا تكون عبارات منصبة على المتن، فنجد في عباهذا اإلسناد أصح ما في الباب، أو أصح ما يرويه أهل البصرة أو أصح ما يروى عن أبي

متعلقا بإسناد ما وليس -كما ترون -مثال ، فنجد لفظ الترجيح -رضي هللا تعالى عنه-هريرة بالمتن.

ات بعض أهل وأحيانا نجد في عبارات أهل العلم ما يدل على رجحان المتن، فنجد في عبارأثبت حديث في »أو « أحسن حديث في الباب»، أو «هذا الحديث أصح حديث في الباب»العلم هكذا نجد عبارات يفهم من النظر فيها أنها تنصب على المتن أي أن هذا المتن الذي « الباب

ث روي بهذا اإلسناد أو بهذه األسانيد هو من أرجح المتون في هذا الباب فإذا ما عارضه حدي آخر فهو المقدم من بينها.

إن هذه العبارات ليست دائما تفيد معنى الصحة : »-عليهم رحمة هللا تعالى-يقول العلماء بمعنى لو أننا بصدد أحاديث، تلك األحاديث « والثبوت حيث تكون مقيدة بباب من األبواب

على الوضوء أو التكبير يمكن أن تندرج تحت باب ما من األبواب الفقهية، ليكن أحاديث التسمية في صالة العيد، وهذه أبواب فيها أحاديث، بعضها أحاديث صحيحة وبعضها أحاديث غير

صحيحة، وربما نجد أبوابا أخرى ال نجد فيها إال أحاديث كل حديث منها فيه نوع ضعف، فليس رحمة هللا عليهم-من بينها حديث صحيح تقوم به الحجة بانفراده، ومع ذلك نجد علماء الحديث

أحسن ما في »، أو «هذا الحديث أصح ما في الباب»يقولون في مثل ذلك: -تبارك وتعالى ليس معنى ذلك: أنه صحيح أو ثابت أو حسن، وإنما إذا ما « أثبت ما في الباب»أو « الباب

قارناه بغيره من أحاديث الباب فهو المقدم من بينها وهو األرجح عليها وهو المرجح والمقدم عليها، قد يكون ضعيفا ولكنه أقل ضعفا من سائر األحاديث التي تروى في ذلك الباب، قد يكون

في رواته نوع جرح في اتصاله أو نوع انقطاع، ولكنه إذا ما قورن ذلك الضعف بما في األحاديث األخرى التي في الباب فهو أفضل منها؛ ألن في األحاديث األخرى قد يكون حديث فيه

يه متروك، في متهم، فيه شذوذ، فيه علة قادحة، وكل ذلك يجعله أدنى مرتبة من حديث كذاب، فآخر، قد يكون فيه جرح، أو قد يكون فيه ضعف من جرح راو أو عدم اتصال، ولكنه إذا قورن ذلك الضعف بالضعف الواقع في سائر الروايات فهو ضعف هين، ضعف خفيف، فقول العلماء

ضعفا ، وأرجح، فهو أرجح من غيرها، وليس معناه أنه صحيح في ذاته، حينئذ: أصح، أي: أقلوهذا مما ينبغي التنبه له؛ ألن كثيرا من المشتغلين بالعلم يغفلون عن ذلك، فإذا بهم يعمدون إلى

Page 33: علوم الحديث   المستوى الثاني

هذه العبارات التي تفيد معنى الترجيح والموازنة بين رواية وأخرى ويفهمون منها مطلق هذا أصح من هذا، أي هذا أرجح من هذا، وال يقصد أن األول: صحيح، الوصل، فاإلمام يقول:

وهذا معروف في لغة العرب، فالعرب يستخدمون أفعل التفضيل على معان، ومن أشهر معانيها أن الموصوفين قد اشتركا في الوصف إال أن أحدها فاق اآلخر فيه، وأحيانا يطلقون أفعل

ضول مشترك في أصل الوصف، وإنما يقصدون بأفعل التفضيل، وإن لم يكن الفاضل والمف التفضيل ها هنا عموما من غير وصف أحد الطرفين بهذا الوصف.

في هذا الباب -عليهم رحمة هللا تعالى-نجد أيضا من العبارات التي يستعملها علماء الحديث األحاديث الموصوفة أنهم قد يرجحون أحيانا حديثا من األحاديث رغم أن الحديث المقدم ليس من

بأنه من أصح األسانيد، بينما الحديث المؤخر موصوف بأنه من أصح األسانيد، وهذا راجع إلى باعتبار القرائن المحتفة -عليهم رحمة هللا تعالى-أن الراجح قد يكون مرجوحا عند أهل العلم

يد فهو مقدم على غيره، بالرواية، فعندنا أصل القاعدة األصلية أن ما كان موصوفا بأصح األسانولكن نجد العلماء أحيانا يقدمون ماليس موصوفا بكونه من أصح األسانيد على ما كان موصوفا بكونه من أصح األسانيد لقرينة احتفت بهذا اإلسناد الذي ليس من أصح األسانيد، فهذا اإلسناد

بكونه من أصح األسانيد مع مع ما انضم إليه من القرائن كان مقدما حينئذ على ما هو موصوفأنه لم تحتف به تلك القرائن في هذا الحديث بخصوصه، وإلى هذا يشير الحافظ ابن حجر

في "نخبة الفكر" أو "نزهة النظر" بقوله: "وربما يعرض للمفوق -رحمه هللا تعالى-العسقالني لروايات، وهذا باب ما يجعله فائقا " أي ربما يعرض للمؤخر ما يجعله مقدما على غيره من ا

عندما نأتي إلى -إن شاء هللا تعالى-القرائن وباب القرائن باب واسع جدا وسنتناول طرفا منه باب العلة وباب األفراد .

أول من جمع صحاح الحديث

أول من جمع صحاح الحديث، فائدة: أول من اعتنى بجمع ) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف مد بن إسماعيل البخاري، وتاله صاحبه وتلميذه أبو الحسين مسلم بن الصحيح أبو عبد هللا مح

الحجاج النيسابوري، فهما أصح كتب الحديث، والبخاري أرجح؛ ألنه اشترط في إخراجه الحديث في كتابه هذا أن يكون الراوي قد عاصر شيخه وثبت عنده سماعه عنه، ولم يشترط

ن ها هنا ينفصل لك النزاع في ترجيح تصحيح مسلم الثاني، بل اكتفى بمجرد المعاصرة ومالبخاري على مسلم كما هو قول الجمهور خالفا ألبي علي النيسابوري شيخ الحاكم وطائفة من

.(علماء المغرب

هذه المسألة من مسائل هذا الباب، متعلقة بالصحيحين خاصة، صحيح اإلمام البخاري شك أن الصحيحين هما أصح الكتب المصنفة في ال -رحمهما هللا تعالى-وصحيح اإلمام مسلم

فهما أصح الكتب بعد كتاب هللا عز وجل، وأكثر أهل -صلى هللا عليه وسلم-حديث رسول هللا ، وعرف العلماء -رحمهما هللا تعالى -العلم على أن صحيح البخاري هو أصح من صحيح مسلم

يح البخاري على حدة، وصحيح مسلم درسوا صح -رحمهم هللا تعالى-ذلك بدراسة الكتابين، فهم على حدة فتبين لهم رجحان صحيح البخاري على صحيح مسلم، وأنه أصح صحيحا وأن هذا

-عز وجل -هو محفوظ بحفظ هللا -عز وجل -الكتاب العظيم، كتاب اإلمام البخاري بفضل هللا على صحيح مسلم، والكتابان فكان هذا الكتاب مقدما -صلى هللا عليه وسلم-له؛ ولسنة رسول هللا

، أقول إن -صلى هللا عليه وآله وسلم-مقدمان على سائر الكتب المصنفة في حديث رسول هللا العلماء تتبعوا الكتابين ودرسوا الكتابين فتبين لهم ذلك. كيف تبين لهم ذلك؟

إنما يحكم لو أننا استرجعنا قليال ما قلناه في اللقاء الماضي وعرفنا أن الحديث الصحيح العلماء بكونه صحيحا بناء على توفر شروط في الراوي أو الرواية، فهناك الراوي البد أن

Page 34: علوم الحديث   المستوى الثاني

يكون عدال ضابطا وأن يكون اإلسناد متصال كل راوي قد أخذ الحديث عن شيخه بطريق من ى سبيل طرق التحمل المعتبرة، ثم يكون الحديث سالما من الشذوذ، سالما من العلة، وذكرنا عل

اإلجمال أن الشذوذ والعلة كالهما طريقان يدرك بهما الخطأ الذي ربما يقع فيه بعض الرواة.

إذن هذه هي شرائط المحدثين لقبول الحديث ولجعله صحيحا ، نظر العلماء في الصحيحين فوجدوا أن هذه الشرائط متحققة في صحيح البخاري بصفة أعلى من تحققها في صحيح مسلم،

الحيثية ترجح البخاري على مسلم، ونحن قلنا وما زلنا نذكر بأن الصحيح مراتب فمن هذهوجدت األحاديث -عليه رحمة هللا تعالى-ودرجات، وكل ذلك يسمى صحيحا ، فالبخاري

الصحيحة التي في كتابه أعلى رتبة ومنزلة من األحاديث التي في صحيح مسلم من حيث يث التفصيل فقد اشتركا في إخراج أحاديث كثيرة اتفق اإلجمال، بطبيعة الحال وإال فمن ح

البخاري ومسلم على إخراجها، وأيضا األحاديث التي تفرد بها مسلم بعضها قد انضم إليها من القرائن ما يجعلها مساوية ألحاديث البخاري، وأحيانا قد تكون بعض األحاديث التي في مسلم

ي على نحو ما ذكرنا قريبا من أن القرائن يعتبرها مقدمة على أحاديث أخرى في صحيح البخار-العلماء في باب الترجيح والتقديم، فمثال شرط االتصال وهذا ما أشار إليه الحافظ ابن كثير

ألنه اشترط في إخراجه ( وعلل ذلك بقوله: )البخاري أرجححيث قال: ) -رحمه هللا تعالىالراوي قد عاصر شيخه وثبت عنده سماعه أن يكون( أي في الصحيح )الحديث في كتابه هذا

(.منه ولم يشترط مسلم الثاني بل اكتفى بمجرد المعاصرة

إن شاء هللا -هذه مسألة من المسائل التي اختلفت فيها أنظار العلماء، وستأتي في موضعها متفقون -رحمهم هللا تعالى-بعد نوع الحديث المعضل، ما هذه المسألة؟ علماء الحديث -تعالى

على أن الحديث لكي يكون مقبوال البد أن يكون متصل اإلسناد، هذا موضع اتفاق عند علماء الحديث، أما المرسل والمنقطع والمعضل وما ليس بمتصل فهذا غير معتد به في الصحيح عند علماء الحديث، فالمرسل ليس صحيحا وال يسمى صحيحا ، وكذلك المنقطع وكذلك المعضل،

ينجبر ذلك الضعف بروايات أخرى وباعتبارات أخرى، لكن أصل االنقطاع اللهم إال أن واإلرسال ال يكون من الصحيح أبدا ؛ ألن من شرط الصحيح أن يكون إسناد الحديث متصال ؛

والمرسل في أصلنا وأصل أهل »في مقدمة كتابه الصحيح، -رحمه هللا تعالى-ولهذا اإلمام مسلم تلف العلماء في بعض الروايات هل هي من قبيل المتصل أم من لكن اخ« العلم غير محتج به

قبيل المرسل؟ هل هي مما يحكم باتصالها أم مما يتوقف فيها فال تعطى حكم االتصال حتى يتبين من حكم آخر، فاالختالف هنا في صورة من صور المسألة، وليس في أصل المسألة على نحو

ديث قد يختلفون في بعض جزئيات القاعدة وال يختلفون ما ذكرنا في لقاء سابق من أن علماء الحفي أصل القاعدة، فيختلفون هل هذا الحديث تحقق فيه شرائط الصحة أم لم تتحقق؟ وإن كانوا هم

متفقون على أن الصحيح البد أن تتحقق فيه تلك الشرائط كلها.

، فعال هذا الراوي فهذه المسألة صورتها: أن يروي راو عن معاصر له، المعاصرة متحققةعاصر هذا الشيخ فترة من الزمن، وهذا الراوي ال يعرف بالتدليس، والتدليس هو إيهام السماع

إن شاء هللا -بأن يذكر عبارة توهم السماع وال تدل على السماع صراحة، وله باب خاص سيأتي -.

عني لم يأت في هذا المعاصر لم يأت في رواية قط ما يدل على أنه سمع من ذلك الشيخ، يرواية أنه قال: سمعت فالن ويسمي ذلك الشيخ، لم يأت ذلك إنما عاصره فقد عاش في زمنه

وفي عصره، وليس هو مدلسا بحيث يستعمل األلفاظ التي توهم السماع، وليست بدليل أو بواضحة في السماع ثم وجدنا هذا الراوي المعاصر الذي لم يدل دليل على أنه سمع، يروي عن

ذا الشيخ بلفظ عن، أو بلفظ قال، وهو من األلفاظ التي تحتمل السماع وعدمه، كقول الراوي ه

Page 35: علوم الحديث   المستوى الثاني

عن فالن، هو لم يقل أنا سمعت، قد يكون سمع وقد ال يكون سمع، فهذا لفظ محتمل ال يدل على السماع صراحة، فكيف تتعامل مع هذه الرواية هل نحكم باتصالها بناء على أن المعاصرة

ال؟ متحققة أم

اإلمام مسلم يكتفي بهذا، ال سيما إذا انضاف إلى ذلك إمكانية اللقاء أو إمكانية السماع، كأن يكون الرجلين من بلد واحدة، ويكون الشيخ مشهورا بحيث إن أغلب أهل البلد يحرصون على

ا في السماع منه، ال سيما إذا كان الراوي عنه من طلبة العلم المجتهدين الذين سمعوا واجتهدو سماع الحديث من المشايخ.

وعلي بن المديني وجمهور أهل العلم ينسب إليهم أنهم لم -رحمه هللا تعالى-اإلمام البخاري يكتفوا بهذا، بل اشترطوا أن يعلم السماع أو اللقاء يعلم بدليل من األدلة، سواء كان في هذه

راوي التقى بهذا الشيخ وسمع منه الرواية أو في رواية أخرى، المهم يثبت ولو مرة أن هذا القليال كان أو كثيرا فإذا كان سالما من التزييف ثم وجدناه بعد ذلك يروي عن الشيخ بالعنعنة أي يقول: عن من غير أن يصرح بالسماع حملنا عنعنته على السماع أبدا فهذه مسألة اختلف فيها

لكن -وسيأتي الكالم فيها في موضعه -أهل العلم، وبصرف النظر عن الراجح والمرجوح فيها ال شك أن شرط البخاري في هذه المسألة أشد من شرط مسلم، فحتى لو كان شرط مسلم كافيا

في الحكم بالصحة فال شك أن شرط البخاري أوضح وأصرح في السماع، من هذه الحيثية يكون هذا وجه، لكن ليس هذا متقدمة وراجحة على صحيح مسلم، -رحمه هللا تعالى-أحاديث البخاري

هو الوجه الوحيد في تقديم صحيح البخاري على صحيح مسلم، ذكر العلماء أكثر من وجه وكلها تعود إلى شرائط الصحة.

رواة الصحيحين هؤالء ثقات، وأولئك أيضا ثقات، ولكن نظر العلماء فوجدوا أن البخاري المشاهير من رواة الحديث، فهم ومسلم اشتركا في التخريج عن كثير من الرواة ال سيما

موجودون في البخاري وأيضا موجودون في مسلم، فليس للبخاري رواه على حدة وليس لمسلم رواة على حدة بل هناك قدر كبير جدا من الرواة اشترك البخاري ومسلم في الرواية عنهم، إنما

، ومن هنا تظهر الموازنة. الشأن فيمن تفرد باإلخراج له البخاري أو تفرد باإلخراج له مسلم

نظر العلماء في هؤالء الرواة الذين خرج لهم البخاري دون مسلم، أو مسلم دون البخاري فوجدوا:

أن الرواة الذين خرج لهم البخاري دون مسلم أغلبهم ممن لم يتكلم فيهم ولو كالما أوال : -بعضهم كالم من قبل أهل العلم، مرجوحا ، بينما رواة مسلم الذين انفرد بهم دون البخاري في

كالم فيه نوع جرح حتى وإن كان هذا الكالم مرجوحا لكن ال شك أن التخريج عمن لم يتكلم فيه أصال أفضل عن من تكلم فيه ولو كان الكالم مرجوحا ، فمن هذه الحيثية يترجح صحيح

البخاري.

بخاري إنما هم من مشايخه الذين زد على هذا أن هؤالء الرواة الذين تكلم فيهم من رواة ال -عرف حديثهم، وخبر رواياتهم، ودرس مروياتهم بحيث عرف ما أصابوا فيه، وما أخطأوا فيه، بخالف مسلم فإنه كثيرا من هؤالء الرواة الذين خرج لهم متفردا عن البخاري وتكلم فيهم من

ذه الحيثية أيضا يتميز صحيح قبل بعض أهل العلم إنما هم من طبقات عالية فوق مشايخه، فمن ه البخاري على صحيح مسلم

نجد أن بعض أهل العلم تناول بعض األحاديث في الصحيحين بالنقد وبالمخالفة كاإلمام -وكاإلمام أبي علي الغساني وأبي مسعود الدمشقي وغيرهم، -عليه رحمة هللا تعالى-الدار قطني

Page 36: علوم الحديث   المستوى الثاني

وها واعترضوا على البخاري ومسلم، لكونهما نظروا في بعض األحاديث في الصحيحين وانتقدإن هذه » -رحمه هللا تعالى-قد خرجا هذه األحاديث في الصحيح، وكما يقول الحافظ ابن حجر

قد يكون المتن « االعتراضات قسمان: قسم منها اعتراضات إسنادية بحتة ال تأثير لها في المتونشك في صحته، ولكن البخاري أو مسلم قد مرويا بأكثر من إسناد فالمتن صحيح ال محالة ال

يخرجان في الصحيح بعض األسانيد التي فيها بعض اإلشكاالت اإلسنادية، فيأتي بعض العلماء الذين جاءوا بعدهم فينقدون هذه األسانيد التي فيها مثل هذه العلل أو هذه المشاكل، فهذا النقد لو

هذا اإلسناد، فالمتن صحيح واإلمام الذي سلمنا بصحته ال يؤثر على المتن الذي روي بغير اعترض على البخاري لم يقصد المتن إنما قصد اإلسناد فحسب.

أحاديث أخرى انتقد بعض األلفاظ فيها أو بعض المتون، وهذه إنما ساقها البخاري ثانيا : -في سياق الشواهد والمتابعات وليس في أصول األبواب؛ ألن -رحمهما هللا تعالى-ومسلم

في -رحمهما هللا تعالى-أحاديث الصحيحين مرتبة بترتيب في غاية األهمية، فالبخاري أو مسلم كل باب من األبواب يعمد إلى أصح ما عنده في الباب فهذا هو ما اعتمد عليه في الباب وخرجه واحتج به، ثم قد يكون هناك بعض األحاديث التي تؤيد مثل ذلك وتقويه في األكثر، وتدل على

ثل ما دل عليه، فاإلمام البخاري أو مسلم يسوقان مثل هذه األحاديث على سبيل االستشهاد مواالستئناس ال على سبيل االحتجاج واالعتماد، فيعمد بعض الناس فينتقد على البخاري ومسلم أنهما خرجا مثل هذه األحاديث وهي فيها من العلل ما فيها، وإنما خرج البخاري أو مسلم هذه

ديث بناء على أن أصلها صحيح، والمعنى الذي تضمنته معنى صحيح، ثم خرج بعض األحااألحاديث التي تزيد هذا الحديث صحة وتؤكد كونه صحيحا ثابتا ؛ ولهذا لما عرض اإلمام مسلم

كتابه الصحيح على اإلمام أبو زرعة الرازي ليقول كلمته فيه، فإذا باإلمام -رحمه هللا تعالى-تقد عليه إخراجه لبعض الرواة المتكلم في حفظهم فماذا كان جواب اإلمام مسلم؟ أبي زرعة ان

إنما قلت: صحيح، وإنما أخرجت من حديث هؤالء ما قد رواه الثقات. -رحمه هللا تعالى-قال يعني أنا لم أقل إنني ال أخرج للرواة الثقات، وإنما قلت صحيح، يعني أنا أخرج األحاديث

األحاديث الصحيحة، فقد أضطر لحكمة من الحكم أو لعلة من العلل أو الصحيحة فأنا خرجتلغاية من غايات التأليف والتصنيف أن أسوق رواية من الروايات التي فيها بعض كالم أو بعض جرح في بعض رواتها بما ال يؤثر على المتن، وال يقدح فيه على سبيل االستشهاد واالستئناس،

يقدح في كون الحديث صحيحا ؛ ولهذا قال: إنما قلت صحيح وإنما فهذا ال يؤثر في ذلك وال أخرجت من حديث هؤالء أي المتكلم في حفظهم ما قاله الثقات، هذه األحاديث رواها الثقات كما رواه هؤالء المتكلم فيهم فال تعيب علي كوني أخرجت لبعض من تكلم فيه إذا ما كان هذا المتكلم

به ورواه أحد الثقات أو عامة الثقات.فيه قد وافقه على ما جاء

كما قلنا في اللقاء الماضي إن اإلمام من أئمة الحديث قد يخرج الحديث عن بعض الرواة المتكلم فيهم، ويجعله في جملة األحاديث الصحيحة وذلك في الواقع يدل على انتقاء هؤالء

الرواة الذين فيهم بعض الكالم، فهم نظروا في أحاديث هؤالء -عليهم رحمة هللا تعالى-العلماء فلما وجدوهم قد وافقوا الثقات، عرفوا أنهم حفظوا ما قد حدثوا به، فاستساغوا حينئذ وجوزوا

ألنفسهم أن يدخلوا تلك األحاديث في كتاب الصحيح على أساس أن الروي لم يخطيء فيه فصار صحيحا من الصحيح.

يهما؟هل أخرج البخاري ومسلم كل الصحيح في كتاب

ثم إن البخاري ومسلما لم يلتزما بإخراج جميع ما يحكم : )-رحمه هللا تعالى-قال المصنف بصحته من األحاديث، فإنهما قد صححا أحاديث ليست في كتابيهما، كما ينقل الترمذي وغيره

.(عن البخاري تصحيح أحاديث ليست عنده، بل في السنن وغيرها

Page 37: علوم الحديث   المستوى الثاني

رجه اإلمام البخاري ومسلم، وأن صحيح البخاري مقدم عرفنا أن أصح الصحيح: ما قد خعلى صحيح مسلم في ذلك. فهل يا ترى البخاري ومسلم في صحيحيهما استوعبا كل األحاديث

الصحيحة، أم مازال هناك قدر من األحاديث الصحيحة ليست في الصحيحين؟

حاديث الصحيحة، لم يقصدا إلى حصر األ -رحمهما هللا تعالى-ال شك أن البخاري ومسلما رحمه هللا -وإنما كتاب البخاري وكتاب مسلم ما هما إال مختصران، ولهذا سمى اإلمام البخاري

كتابه بالمختصر الصحيح، وإنما اشتمل على أصول األحاديث فما من حديث صحيح عند -تعالىأن تجد -ألعموالبد في الغالب ا -البخاري أو غيره من أهل العلم وليس في صحيح البخاري إال

له إما نظيرا في كتابه الصحيح أو في صحيح مسلم أو شبيها . بمعنى أن يكون هذا المعنى الذي تضمنه ذلك الحديث الصحيح الذي هو خارج الصحيح له ما يشير إليه أو ينبه عليه مما خرجه

ي البخاري ومسلم في صحيحيهما، بحيث يصعب جدا أن تجد أصال من األصول إال وله فالصحيح أنه لم يفت »الصحيح ما يرشد إليه ويدل عليه، واإلمام النووي توسع في هذا فقال:

واألصول الخمسة هي الصحيحان البخاري « الكتب الخمسة أو األصول الخمسة إال القليل ومسلم وسنن أبي داود وسنن النسائي وسنن الترمذي فهذه األصول الخمسة عند علماء الحديث.

رحمه -ديث التي يحكيها الترمذي عن البخاري أنه صححها أو يصححها البخاري طبعا األحافي كتبه األخرى هي وإن كانت صحيحة لكنها دون ما في الصحيح؛ ولهذا يعبر عن -هللا تعالى

كثيرا في شرحه لصحيح البخاري "فتح الباري" بأن -رحمه هللا تعالى-ذلك الحافظ ابن حجر يحا ، إال أنه ليس من شرط البخاري في الصحيح، أي هو صحيح هذا الحديث وإن كان صح

ولكنه في مرتبة أدنى من مرتبة األحاديث التي اختارها البخاري لكتابه الصحيح.

عدد ما في الصحيحين من الحديث

عدد ما في الصحيحين من الحديث، قال ابن الصالح: : )-رحمه هللا تعالى-قال المصنف المكرر سبعة آالف حديث ومائتان وخمسة وسبعون حديثا ، وبغير فجميع ما في البخاري ب

.(المكرر أربعة أالف وجميع ما في صحيح مسلم بال تكرار نحو أربعة آالف

هذه مسألة أخرى من مسائل هذا الباب، وهي متعلقة بعدد أحاديث الصحيحين، اهتم العلماء صحيحة التي تلقتها األمة بالقبول، وهي بهذا الجانب محاولة منهم لمعرفة عدد هذه األحاديث ال

في كتابيهما في الصحيح، فيرى -رحمهما هللا تعالى-التي اختارها اإلمام البخاري واإلمام مسلم اإلمام ابن الصالح تبعا لما قبله أحاديث البخاري بالمكررة سبعة آالف حديث ومائتان وخمسة

كما يفعل أيضا هذا مسلم، وإن كان التكرار في وسبعون حديثا ؛ ألن البخاري من شأنه أن يكرر، مسلم أقل منه في صحيح البخاري وإنما لجأ البخاري إلى التكرار لحاجته إليه؛ ليتناسب الحديث

مع أبواب كل باب من كتابه الصحيح، فالحديث قد يكون طويال مشتمال على فقه عظيم وفقه خرج الحديث -رحمه هللا تعالى-ن البخاري كثير، ويمكن أن يندرج تحت أكثر من باب، فلو أ

بسياقه الطويل في كل باب من األبواب فإن ذلك سيكون فيه تكرار واضح جدا ، وهذا يعد من إلى تقطيع الحديث، فالحديث إذا كان -عليه رحمة هللا تعالى-عيوب المصنفات، فلجأ البخاري

بيع أخيه، وال يخطب أحدكم على خطبة ال يبع أحدكم علىمشتمال على عدة جمل، مثال حديث )( هذان حديثان يأتيان كثيرا بسياق واحد في رواية واحدة، ومع ذلك أحيانا بعض الرواة أخيه

يروي الطرف األول فقط، والبعض اآلخر يروي الطرف الثاني فقط، فالبخاري مثال في كتاب جعل الطرف المتعلق بالبيوع في البيوع ليس في حاجة إلى الطرف اآلخر المتعلق بالخطبة، في

كتاب البيوع، والطرف المتعلق بالنكاح في كتاب النكاح، فالعلماء يعتبرون ذلك تكرارا ؛ ألن -الحديث إنما هو حديث واحد، ولكن هذا التكرار أو تقطيع الحديث جائز عند علماء الحديث

وعدم وضوحه، أما إذا كان كل إذا لم يكن التقطيع يؤدي إلى تشتيت المعنى -رحمهم هللا تعالى

Page 38: علوم الحديث   المستوى الثاني

جملة من تلك الجمل تؤدي معنى مستقال ال يتأثر بقية الحديث بانفصال هذه الجملة منه فحينئذ رحمه هللا -يجوز عند العلماء تقطيع الحديث على هذا النحو، وهذا يصنعه اإلمام البخاري

ال يجوز في أواخر هذا وستأتي أيضا مسألة تقطيع الحديث، ومتى يجوز ذلك، ومتى -تعالى لكتاب في النوع المتعلق برواية الحديث ونقلها.

هو بالمكرر سبعة آالف حديث ومائتنان وخمسة وسبعون فالبخاري أكثر فيه التكرار فيقول ) (.حديثا وبغير تكرار أربعة آالف

دد ال الحافظ ابن حجر العسقالني ناقش ابن الصالح، ومن قبله ومن بعده، ممن عد هذا العسيما العدد بدون تكرار ناقش ابن حجر العسقالني هؤالء العلماء، وذهب إلى أن هذا العد

ألحاديث البخاري بغير تكرار عد غير صحيح.

والسبب في ذلك: أن هؤالء العلماء كلما وجدوا الحديث يساق في صحيح البخاري بسياقة ، فمثال حينما نالحظ في كتاب اإليمان غير سياقة الرواية األخرى يعتبرون ذلك حديثا على حدة

-رحمه هللا تعالى-في باب كفران العشير وكفر دون كفر، نجد في هذا الباب يخرج البخاري صلى هللا عليه -في خسوف الشمس وصالة النبي -رضي هللا تعالى عنهما-حديث ابن عباس

يث فيه "خسفت الشمس على صالة الخسوف وما قاله في الخطبة في هذه المناسبة، والحد -وسلم..." ثم ساق القصة بطولها، فهذا بطبيعة الحال حديث، ثم -صلى هللا عليه وسلم-عهد رسول هللا

صلى هللا عليه -خرجه البخاري نفسه بعد ذلك ولكنه اجتزأ على قدر منه وهو من خطبة النبي لنار فرأيت أكثر أهلها أريت االتي قالها في هذه المناسبة حيث قال في هذه الخطبة: ) -وسلم( العادون اعتبروا هذين حديثين، يرى الحافظ ابن حجر أنه حديث واحد، إال أن البخاري النساء

تارة يسوقه بتمامه، وتارة أخرى يسوق قطعة منه ليستشهد بها على هذا الباب، فألجل هذا قل حديث، 3152تكرار إلى ألحاديث البخاري بدون -رحمه هللا تعالى-العدد عند الحافظ ابن حجر

كما ذكر ذلك في مقدمة فتح الباري.

الزيادات على الصحيحين

الزيادات على الصحيحين: وقد قال الحافظ أبو عبد هللا ) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف «قل ما يفوت البخاري ومسلما من األحاديث الصحيحة »محمد بن يعقوب بن األخرم:

ذلك، فإن الحاكم قد استدرك عليهما أحاديث كثيرة، وإن كان في وقد ناقشه ابن الصالح في بعضها مقال، إال أنه يصفو له شيء كثير.

قلت: في هذا نظر، فإنه يلزمهما بإخراج أحاديث ال تلزمهما، لضعف رواتها عندهما، أو .(لتعليلهما ذلك. وهللا أعلم

ينظروا في الصحيح الذي هو خارج بعد أن عرفنا عدد أحاديث الصحيحين أراد العلماء أن الصحيحين، هل هو كثير أم قليل؟ فأحاديث الصحيحين قد فرغ منها، وتلقيت بالقبول وهلل الحمد،

لم يستوعبا الصحيح، وأن هناك أحاديث -رحمهما هللا تعالى-وعرفنا أن البخاري ومسلما كثير أم قليل؟ ثم من صحيحة موجودة خارج الصحيحين، فهل هذا الذي هو خارج الصحيحين

أين نجد هذا القدر من الصحيح؟ ما هي المصنفات التي إذا ما رجعنا إليها نعرف الصحيح الزائد على ما في الصحيحين؟

Page 39: علوم الحديث   المستوى الثاني

على األحاديث الزائدة على الصحيحين، هل هي كثيرة أم -رحمهم هللا تعالى-هنا تكلم العلماء ألحاديث الصحيحة هل هي كثيرة أم قليلة؟ قليلة؟ أو بعبارة أخرى ما فات الصحيحين من ا

قل ما يفوت : »-رحمه هللا تعالى-ذهب إلى أنها قليلة فقال -رحمه هللا تعالى-فاإلمام ابن األخرم ، وحمل العلماء ذلك على أنه أراد بالصحيح ها هنا، الصحيح «البخاري ومسلما من الصحيح

حيح، لكن لم يقصد كل ما يدخل في الذي على شرط البخاري ومسلم، أي أعلى درجات الصجملة الصحيح، كما أشرنا في اللقاء الماضي من أن الصحيح درجات، وأن هناك من أهل العلم

من يجعل الحسن من الصحيح، فكل ما كان صحيحا باختالف درجاته، وكل ما كان حسنا إن »م، حيث قال: باختالف درجاته، هذا يدخل في إسم الصحيح، ولكن هذا لم يقصده ابن األخر

إنما قصد ما فات الصحيحين قليل أي مما هو شبيه بما في « ما فات الصحيحين قليلالصحيحين، أي قريب في المنزلة وفي الدرجة من األحاديث التي اختارها البخاري ومسلم

ألحاديث الصحيحين، أي ما كان من أعلى درجات الصحيح.

ه العباراة غير واضحة؛ ولهذا استشكلها العلماء، واستدلوا على ذلك بعبارات، وإن كانت هذ وكان العلماء ما بين موافق على ذلك ومخالف، المهم: نريد أن نعرف ما قاله العلماء في ذلك.

أحفظ من الصحيح مائة ألف حديث »أنه قال: -رحمه هللا تعالى-ورد عن اإلمام البخاري رحمه هللا -قالوا: إذا كان البخاري «صحيح، ومن غير الصحيح مائتي ألف حديث غير صحيح

يحفظ هذا القدر العظيم من األحاديث الصحيحة، وكتابه لم يشتمل على قريب من ذلك، -تعالىفإنه حتى بالمكرر سبعة آالف وكسر، فأين هذا من مائة ألف حديث، فاستدل بعض أهل العلم

ال..، »ولكن ابن الصالح قال: على أن ما فات البخاري من الصحيح الكثير بمثل هذه العبارة، لماذا؟ ألن كلمة حديث عند علماء الحديث تطلق «.. هذه العبارة ليست صريحة على المراد

أحيانا على ما كان مرفوعا أو موقوفا أو مقطوعا ، وأحيانا المتن الواحد إذا روي بأكثر من يثا ، نحن نعرف أن أشهر إسناد، فكل إسناد من تلك األسانيد هو في عرف المحدثين يسمى حد

ولكن هذا المشهور ليس -صلى هللا عليه وآله وسلم-معاني كلمة حديث: هو ما أضيف إلى النبي دائما ما يستعمل عند علماء الحديث، فكثيرا ما يقولون: حديث سواء كان المروي الموصوف

ة أو عن التابعين، ما كان أو عن الصحاب -صلى هللا عليه وآله وسلم-بكونه حديثا عن رسول هللا صلى -عن الصحابة نسميه موقوفا وما كان عن التابعين نسميه مقطوعا وما كان عن رسول هللا

نسميه مرفوعا فكلمة حديث تطلق على هذا كله، وأيضا يطلقون الحديث -هللا عليه وآله وسلمتن واحد مروي بعشرة أسانيد على المتن، وأحيانا يطلقون الحديث على اإلسناد، فلو أن عندنا م

فبإمكانك أن تسمي كل إسناد من تلك األسانيد حديث، فتقول: عندي عشرة أحاديث في المتن رحمه -الفالني، كما لو تقول: عند عشرة أسانيد للمتن الفالني، كما فعل اإلمام شعبة بن الحجاج

لمغيرة بن شعبة في المسح عندي أربعة عشر حديثا عن ا»حيث ورد عنه أنه قال: -هللا تعالىمعروف حديث المغيرة بن شعبة في المسح على الخفين، وهو حديث واحد، متن « على الخفين

واحد، فهو قال: عندي أربعة عشر حديثا عن المغيرة بن شعبة، فالصحابي واحد والمتن واحد، في موضوع المسح ومع ذلك اعتبره أربعة عشر حديثا أي عنده أربعة عشر إسنادا عن المغيرة

على الخفين أو في حديث المسح على الخفين أو في متن المسح على الخفين، فاستعمل هنا كلمة حديث على اإلسناد، وهذا أمر متداول عند علماء الحديث، وكما قلنا آنفا ونذكركم دائما بأن

ن هذا المصطلح الواحد تارة يطلق على معنى، وتارة أخرى يطلق على معنى آخر، وهذا م الباب.

نظروا في مستدرك الحاكم، والحاكم في مستدركه عمد إلى أن -رحمهم هللا تعالى-العلماء يخرج أحاديثا جمعت شرائط األحاديث الصحيحة، ليس هذا فقط، بل جمعت شرائط الشيخين

Page 40: علوم الحديث   المستوى الثاني

على األحاديث، كما قلنا إن البخاري ومسلما لهما شرائط في الحكم على الحديث بكونه صحيحا وإلدخاله لمثل هذه األحاديث في كتابه الصحيح.

اإلمام الحاكم النيسابوري أراد أن يستدرك على الصحيحين، فيخرج األحاديث التي وجدت فيها شرائط الشيخين، ولم يخرج الشيخان هذه األحاديث في الصحيحين، فصنف كتابا سماه

حاديث التي يرى هو أنها تحققت "المستدرك" على الصحيحين، فهو يخرج في هذا الكتاب األفيها شرائط البخاري ومسلم أو أحدهما، والبخاري ومسلم لم يخرجا هذه األحاديث، فجمع كتابا

-رحمهم هللا تعالى-كبيرا مطبوع ومتداول، ولكن هذا الكتاب كان موضع نقد العلماء، فالعلماء ه غاية التساهل حتى يقول السيوطي اعترضوا على الحاكم كثيرا في هذا الكتاب ألنه تساهل في

في ألفيته:

وكم به تساهل حتى ورد*****فيه مناكر وموضوع يرد

يعني أن الكتاب مشتمل على أحاديث واهية ومنكرة وموضوعة، فضال عن أحاديث أخرى قد تكون بأسانيد أنظف، ولكنها لم تسلم من علة، سواء كانت علة ظاهرة أو علة خفية، وأيضا

يستدرك كثيرا من األحاديث على الصحيحين، مع أنها من األحاديث التي في البخاري وفي إنه مسلم، وهو قد وهم في استدراك ذلك عليهما؛ فلهذا لم يقبل العلماء ذلك منه، ولكن ابن الصالح مع ذلك يقول: "أنه يصفو له من الصحيح كثير على ما وجه له من انتقادات واعتراضات، إال

يصفو له من الصحيح قدر كبير" والحافط ابن حجر لم يوافق ابن الصالح على هذا، بل أنه ذهب إلى أن هذا القدر الذي يسلم للحاكم في كتابه الصحيح ليس كثيرا وال يصفو له الشيء

الكثير، ثم هذا القدر الذي يصفو للحاكم مع حكمنا له بالصحة أو بالحسن، إال أنه لم يتحقق فيه اري وشرط مسلم؛ ألن شرط البخاري وشرط مسلم أعلى من شرط الصحيح عموما ، شرط البخ

فليس معنى أن الحديث قد سلمنا بصحته أو سلمنا بكونه حسنا محتجا به أنه قد تحقق فيه شرط البخاري أو شرط مسلم، وهو إنما صنف الكتاب ليستدرك على الشيخين وما كان على شرطهما،

حقق في أحاديث هذا الكتاب الشرط الذي اشترطه المؤلف نفسه، وهو أن فمن هذه الحيثية لم تت يعمد إلى األحاديث التي تحقق فيها شرط الشيخين فيخرجها في هذا الكتاب.

نكتفي بهذا القدر وننظر في أسئلة اإلخوة ونسأل هللا التيسير في الجواب عليها.

وردتنا إجابات على أسئلة الحلقة الماضية:

ل األول: هل الحديث الحسن يندرج تحت نوع الصحيح أو الضعيف؟وكان السؤا

يقول: لإلجابة على هذا السؤال وجهين:

الوجه األول: من حيث الحجية والعمل به، الحديث الحسن من هذا الوجه يندرج تحت نوع - الحديث الحسن الصحيح المقبول المعمول به.

والذي يندرج تحت نوع الصحيح، وبين الحسن الوجه الثاني: وفيه يفرق بين الحسن لذاته، -لغيره، وبين الذي إذا نظر إليه منفردا فإنه يندرج تحت نوع الضعيف، إال أنه بعد جمع شواهده

والقرائن، فإنه ينجبر ويرتقي ليصبح حسنا لغيره، ويندرج تحت نوع الصحيح.

في النهاية هو مندرج تحت نوع الصحيح أو المقبول عموما .

Page 41: علوم الحديث   المستوى الثاني

ل الثاني: هل هناك فرق بين الحديث الشاذ أو المعلول، وإن كان فما هو؟ السؤا

وكانت اإلجابة: نعم، هناك فرق بين الحديث الشاذ والحديث المعلل:

أما الحديث الشاذ: فهو مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه. مثال ذلك: ما رواه عبد الرزاق من إذا صلى أحدكم سنة الصبح فليضطج قال: ) -صلى هللا عليه وسلم-أصحاب األعمش: أن النبي

وعبد الرزاق من -صلى هللا عليه وسلم-( فقد رواه عبد الرزاق من قول النبي على شقه األيمن-ثقات أصحاب األعمش، وقد خالف جمهور أصحاب األعمش الذين إنما رووه من فعل النبي

ال من قوله. -صلى هللا عليه وسلم

الحديث الذي اطلع فيه على علة قادحة في صحته مع أن الظاهر أما الحديث المعلل: فهو سالمته منها، ويعرف عن طريق جمع الطرق المختلفة في الحديث، وال يعرفه إال من كان له

إلهام، وقد تكون العلة « معرفة علل الحديث»دربة وخبرة ودراية، قال عبد الرحمن بن مهدي: ( الحديث، فقد روي عن سفيان البيعان بالخيارديث )قادحة في السند فقط دون المتن، مثل ح

صلى هللا عليه -عن النبي -رضي هللا تعالى عنهما-الثوري عن عمرو بن دينار عن ابن عمر وأن الصواب أنه عن عبد هللا بن دينار هكذا رواه األئمة من أصحاب سفيان، وإن كان -وسلم

.أكثر ما تكون العلة قادحة في السند والمتن معا

جزاه هللا خيرا ، أفادنا كثيرا في هذا الجواب، ولكن لم يجب عن السؤال؛ ألن السؤال هل هناك فرق بين الشاذ والمعلول أم ال؟ هو ذكر أن الشاذ والمعلول كالهما يدرك باالختالف بين

شاذ هو الرواة، فلم يجد فرقا ، فهل معنى ذلك أن الشاذ والمعلول عندهم سواء؟ إن كان يعتقد أن الوالمعلول سواء فهو لم يقل ذلك، هو ذهب إلى التفرقة وفرق بأن أتى لهذا بأمثلة تدل عليه، وهذا بأمثلة أخرى تدل عليه، فلم يجعل الشاذ معلوال ، وال المعلول شاذا ، وذكر أن المعلول إنما يدرك

ذا بالخالف أيضا باالختالف بين الرواة، والمثال الذي ذكره للشاذ أيضا استدل على كونه شا الواقع بين الرواة فلم يفرق مع أنه فرق من حيث االختيار، لكن األمثلة ال تنطبق على اختياره.

الواقع أن هذه المسألة مما تكلم فيها العلماء، فمن أهل العلم من يدل صنيعه وكالمه على أن رحمه -الحافظ ابن الصالح الشاذ والمعلول كالهما سواء، مثال حينما نأتي إلى باب الشاذ نجد

ذكر: أن الشاذ إنما يدرك بطريقين وسبيلين: -هللا تعالى

التفرد ممن ال يحتمل تفرده. السبيل األولى: -

االختالف بين الرواة. السبيل الثانية: -

فذكر هذين الطريقين لمعرفة كون الحديث شاذا ، ثم وجدناه في باب العلة، ذكر الطريقين، تدرك بالتفرد ممن ال يحتمل تفرده، أو باالختالف بين الرواة مع القرائن المحتفة فذكر أن العلة

باالختالف، أو التفرد مما يستدل به على كون الحديث خطأ، فظاهر صنيع ابن الصالح في البابين أن الشاذ والمعلول كالهما عنده سواء؛ ألنه في كل من النوعين وإن كان أفرد هذا وأفرد

ذلك إنما ذكر ما يدل أنهم شيء واحد، كما فعل في الشاذ أيض ا، والمنكر هو وإن هذا فإنه معكان أفرد هذا عن هذا وجعل لهذا بابا ولهذا بابا آخر إال أن كالمه في البابين يدل على أنهما عنده سواء، وأنهما بمعنى واحد، ولكن في تعريف الحديث الصحيح: هو اشترط مع ذلك أن

سالما من الشذوذ، سالما من العلة، فاشتراطه في الحديث الصحيح أن يكون سالما يكون الحديث من الشذوذ سالما من العلة، يدل على أنهما عنده متغايران.

Page 42: علوم الحديث   المستوى الثاني

نجد مثال اإلمام الحاكم النيسابوري يفرق صراحة في كتابه معرفة علوم الحديث بين الشاذ وليس الشاذ »ول، أفرد لكل منهما بابا ، ثم ذكر: والمعلول، فذكر الحديث الشاذ والحديث المعل

صرح بذلك، فإن الشاذ هو أصل من األصول ليس له متابع عليه.« كالمعلول

فهو ما يستدل على وقوع العلة فيه أو الخطأ فيه باختالف الرواة، فإذا روى أما المعلول:الخالف على خطأ األحاديث بعض الرواة موصوال فخالفه غيرهم فأرسله، فنستدل بهذا

المخطيء وإصابة المصيب، أو إذا روى أحد الرواة الحديث مرفوعا ووقفه آخر، فنستدل بهذا الخالف على إصابة المصيب، وخطأ المخطيء.

إذن المخطيء سيكون حديثه حينئذ خطأ معلوال ، فهذا يدل على أن الشاذ عند اإلمام الحاكم ة إنما تدرك باالختالف، بينما الشذوذ يدرك بالتفرد الذي النيسابوري بخالف المعلول، وأن العل

ال يحتمل ممن جاء به، كأن يكون الراوي ليس من الحفاظ الكبار الذين يعتمد على تفرداتهم، ال سيما إذا تفرد عن بعض الحفاظ الكبار كالزهري ونحوه، فمثل هذا التفرد يبعد أن يكون محفوظا

إن -رة ولقرائن تحتف بالرواية، وسيأتي بعضها في باب األفراد أو أن يكون مقبوال ألدلة كثي .-شاء هللا تعالى

السؤال األول: هل أن الصناعة الحديثية في صحيح مسلم أعلى منها في البخاري؟

السؤال الثاني: هل األحاديث الواردة في كتاب األدب المفرد هي أقل درجة مما في صحيح البخاري؟

وال :أريد أن أكمل نقطة أ

أن األصل في العلة هي الخطأ الذي -عليهم رحمة هللا تعالى-فالذي يدل على صنيع العلماء يدرك عن طريق االختالف بين الرواة، واألصل في الشذوذ هو الخطأ الذي يستدل عليه من

حال الراوي ومدى أهليته لقبول ما يتفرد به، فيكون الراوي ليس أهال لذلك، لكونه ليس حافظا ،أو ليس متثبتا ، أو قد تكون الرواية وجد فيها من المعاني ما يستبعد على مثل هذا الراوي أن يكون حفظها بحيث تخفى على أقرانه الذين لم يروا الحديث أو رووا الحديث على وجه آخر.

فاألصل في الشذوذ هو التفرد الذي ال يحتمل، واألصل في العلة الخطأ المستدل عليه بين الروايات. وبطبيعة الحال: الشاذ والمعلول كالهما خطأ، وإنما يفترقان في طريق باالختالف

إثبات الشذوذ أو طريق إثبات العلة.

كان له سؤاالن:

السؤال األول: عن أحاديث األدب المفرد، هل هي أقل صحة من حديث صحيح البخاري؟

البخاري، بل فيها ما هو ال شك أن أحاديث األدب المفرد هي أقل صحة من أحاديث صحيحضعيف، ولكن بالنظر في أحاديث األدب المفرد يتبين لنا أنها على ما فيها من ضعف، أنه من الضعف الهين وليس من الضعف الشديد، وكتاب األدب المفرد من أفضل الكتب التي ألفت في

أو باطال أو الرقائق واآلداب؛ ألن الضعيف فيها قليل فضال عن كونه مع ضعفه ليس منكرا موضوعا .

Page 43: علوم الحديث   المستوى الثاني

السؤال الثاني: يقول: هل الصناعة الحديثية في صحيح مسلم أعلى من الصناعة الحديثية في صحيح البخاري؟

بطبيعة الحال: هذا سؤال تخصصي جدا ، ولكي نتكلم فيه نريد شيئا من اإلسهاب؛ ألن هذه الصناعة اإلسنادية في صحيح مقولة قليت بأن الصناعة اإلسنادية هي في صحيح مسلم أقوى من

يسوق في كل باب -رحمه هللا تعالى-البخاري، قائل هذه المقولة إنما نظر إلى أن اإلمام مسلم من األبواب روايات الحديث كلها، ويقدم بعضها على بعض بحسب األصحية، ويشير ببعض

التي وقعت من قبل العبارات أو ببعض التركيبات إلى بعض األخطاء في اإلسناد أو في المسندالرواة، وهو أشار إلى ذلك إشار لطيفة في مقدمة كتابه، فبطبيعة الحال: هذه فوائد إسنادية وفوائد عللية يعرف قدرها أهل االختصاص، ولكن هذا أيضا موجود في صحيح البخاري،

طاء سواء أيضا يشير إلى ما وقع من قبل بعض الرواة من أخ -عليه رحمة هللا تعالى-فالبخاري كانت إسنادية أو متنية، وكلها عن سبيل اإلشارات، ال يفهمها إال أهل االختصاص، وأيضا هو يرتب أحاديث كل باب ترتيبا في غاية البراعة يقصد منه أيض ا: بيان الراجح والمرجوح عنده،

يث الواحد فضال عن أن اختياره للحديث في الباب، يكون له فيه كثير من الدالالت، فتجد الحدمثال يرويه البخاري في باب مطوال ، وفي باب آخر مختصرا ، وتارة يرويه بإسناده، وتارة

أخرى يرويه بإسناد آخر؛ ليشير إلى نوع اختالف في القدر الذي يتعلق بهذا الباب، فقد يكون به يخرج الحديث في با -رحمه هللا تعالى-الحديث مشتمال على عدة جمل، فإذا بالبخاري

الرئيسي إذا كانت هذه الجملة عنده صحيحة، ومع ذلك قد تكون بعض جمل الحديث غير صحيحة فال يختارها لهذا الباب، ومع ذلك يسوقها مع الحديث بناء على أنه يروي الرواية كما تحملها، حتى ال يقال إن البخاري تصرف فيها، من ذلك: حديث رواه في كتاب المناقب، هذا

يرويه بإسنادين، إسناد صحيح في فضل الخير وأعقبه -رحمه هللا تعالى-ام البخاري الحديث اإلمأو جاء في ثنايا اإلسناد قصة، هذه القصة في إسنادها الحسن بن عمارة وهو متروك الحديث، وفي إسنادها رواية عن مبهمين عن أهل الحي، ومع ذلك خرجه البخاري اإلمام الحافظ ابن

ري لم يقصد أن يخرج هذه الرواية التي جاء بها الحسن بن عمارة، وإنما حجر، بين أن البخاجاء بها ليقارن بينها وبين الرواية التي هي أصل الباب والتي ذكرها أصالة؛ ليشير إلى نوع من سياق القصة، حتى إذا ما اختصرها مختصر فلربما أوهم خالف الحقيقة، وهذا من بدائع اإلمام

ولكي نتكلم عن البخاري وعن ترتيبه ألحاديث كتابه فإننا -هللا تعالى عليه رحمة-البخاري نحتاج إلى محاضرة.

السؤال األول: ما الفرق بين المسند والمرفوع؟

المسند مشتمل على الوصفين، وصف االتصال ووصف الرفع، فهو مرفوع متصل إلى من يطلق المسند -ا ذكرنا آنفاكم -وهناك من أهل العلم -صلى هللا عليه وآله وسلم-رسول هللا

على المرفوع وإن لم يكن متصال ، ومن يطلق المسند على المتصل وإن لم يكن مرفوعا ، فهنا صار المسند مستعمال في المعاني الثالثة، طالب العلم ينبغي عليه أن يعرف هذه المعاني كلها

ن متصال ، أو المسند بمعنى حتى إذا ما وجد إمام يستعمل المسند بمعنى المرفوع وإن لم يكالمتصل وإن لم يكن مرفوعا ، ينبغي عليه أن يعرف هذه المعاني حتى يفهم كالم كل إمام بحسب مراده، ما دام أن المصطلح من المشترك اللفظي الذي يطلق ويراد به تارة معنى، وتارة معنى

آخر.

لحسن نوع مندرج تحت أحد السؤال الثاني: يقول: ما الثمرة العملية المترتبة على عد ا النوعين أو اعتباره قسما برأسه؟

Page 44: علوم الحديث   المستوى الثاني

حينما تكلموا في هذه المسألة، وتناولوها إنما تناولوها؛ ألن في -رحمهم هللا تعالى-العلماء تناولها فائدة عظيمة جدا ، نحن قلنا: إن علماء الحديث لهم اصطالحات، هذه االصطالحات يلزم

فهمها وأن يتفقه فيها؛ ليفهم كالم القوم كما يريدون، ال كما يريد هو، طالب العلم أن يتعلمها وأن يوإنما كما أرادوا، هم أطلقوا الحسن واستعملوا الحسن بكثرة في كالمهم، ثم عبروا عن هذا النوع من الحديث وهو الحسن بأنه يحتج به، واحتجوا به فعال في كالمهم وفي تعاملهم مع

جدنا إماما كاإلمام أحمد يضعف الحديث ثم يحتج به، بعض األحاديث األحاديث والروايات، ثم و يضعفها ثم يحتج بها، وإن كان هناك أحاديث ضعيفة أخرى ضعفها ولم يحتج بها.

فعرف العلماء أن هذا الضعيف الذي وصفه بأنه ضعيف ثم احتج به إنما أراد بالضعيف ها المنجبر الضعيف المتقوي بغيره، الضعيف هنا ما يقصده الترمذي من قوله حسن، أي الضعيف

الذي يرتقي بمجموع الروايات والشواهد والمتابعات إلى مصاف الحجة؛ فيكون حينئذ من الحديث المقبول المحتج به.

أما الحديث الضعيف الذي ضعفه اإلمام أحمد ثم لم يحتج به وتركه وأهمله ولم يعرج عليه ديث هو من الضعيف جدا عند اإلمام أحمد وال يبني عليه حكما ولم يلتفت إليه فهذا النوع من الح

وال يستنبط منه معنى.

فمعرفة الخالف بين أهل العلم في هذه المسألة هل القسمة ثنائية أو ثالثية؟ وهل الحسن مندرج تحت قسم الصحيح أم تحت قسم الضعيف؟ في غاية األهمية حتى نفهم مراد علماء

هم أن اإلمام أحمد حيث قال ضعيف ثم احتج بالحديث أنه لم يقصد الحديث على وجهه، فنفبالضعيف ها هنا الضعيف جدا ، وإنما الضعيف المنجبر بغيره فهو كمثل الحسن الذي يحسنه

اإلمام الترمذي؛ ألنه يعمد إلى الحديث الضعيف فيرقيه إلى مصاف الحجة بالشواهد والمتابعات وبالروايات األخرى.

وائد معرفتة الخالف لهذه المسألة، محاولة الجمع بين األقوال التي قد يكون أيض ا: من فظاهرها التعارض من أقوال أهل العلم، نجد الحديث الواحد إماما يصفه بأنه حسن، وإمام آخر

يقول: ال يصح -عليه رحمة هللا تعالى-يقول: ال يصح في الباب حديث كما جاء عن اإلمام أحمد ثم نجد الترمذي يحسن هذا الحديث، أو إمام آخر يحسن هذا الحديث الذي قد في الباب حديث

أثبت اإلمام أحمد أنه ليس فيه حديث صحيح، أو ال يثبت بإسناد من األسانيد، فنجمع بين أقوال العلماء ونقول: ليس هذا الكالم من المتعارض وال من األحكام المتعارضة بل هذا صرح بأن

ظر في مجموع هذه الروايات، واإلمام اآلخر إنما حكم على كل رواية الحديث حسن بعد أن نعلى حدة بأنها رواية ال تصح بمفردها أو ال يحتج بها بمفردها، وإن كان الحديث بمجموعه

صالحا للحجة.

أيهما أصح صحيح البخاري أو مسلم ولماذا؟ السؤال األول:

ه على شرط الشيخين أو أحدهما؟ وهذا اذكر شرائط الحكم على الحديث بأن السؤال الثاني: أيضا سؤال لم نذكره في كالمنا، وعلى طالب العلم أن يبحث في كتب العلم وأن يفيدنا بجوابه.

Page 45: علوم الحديث   المستوى الثاني

الدرس الرابع: المستخرجات على البخاري ومسلم

إن الحمد هلل تعالى نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، يهده هللا فال مضل له، ومن يضلل فال هادي له، وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له، من

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وبعد:

كان آخر ما تكلمنا فيه في اللقاء الماضي: ما يتعلق بالصحيح الزائد على ما في صحيح م قليل؟ وذكرنا في غضون ذلك هل هو كثير أ -عليهما رحمة هللا تعالى-البخاري وصحيح مسلم

من أن مستدرك الحاكم على ما فيه من -رحمه هللا تعالى-ما ذكره الحافظ أبو عمرو بن الصالح تساهل معروف بحيث اشتمل على أحاديث ضعيفه وموضوعة ومعلولة إال أنه مع ذلك في نظر

في غضون ذلك إلى الحافظ ابن الصالح، يصفوا له قدر كبير من األحاديث الصحيحة، وتطرقناشرط الحاكم، ومعنى قوله: المستدرك على الصحيحين، ولم نفصل ذلك كما ينبغي فننتهي منه

أوال ، ثم نعرج بعد ذلك على بقية مسائل هذا الباب.

ألف كتاب المستدرك، وسماه بالمستدرك -عليه رحمة هللا تعالى-اإلمام الحاكم النيسابوري الحاكم النيسابوري في هذا الكتاب: أن يعمد إلى األحاديث التي على الصحيحين، وشرط اإلمام

تحقق فيها شرط البخاري وشرط مسلم أو شرط أحدهما، ومع ذلك لم يجد البخاري وال مسلما قد خرجا هذه األحاديث، فهو يستدرك عليهما، الصحيح الذي هو على شرطهما ولم يوجد في

ل كتابه على البقية الباقية من األحاديث الصحيحة التي كتابيهما، وما غرضه من ذلك إال أن يشتم تحقق فيها شرط البخاري وشرط مسلم، فما هو شرط البخاري وما هو شرط مسلم؟

بطبيعة الحال فإن ما عرفناه سابقا من شرط الحديث الصحيح هو شرط البخاري وشرط ح عرف الحديث الصحيح، في أول نوع الصحي -رحمه هللا تعالى-مسلم، فاإلمام ابن الصالح

فذكر أن الحديث الصحيح هو المسند المتصل -رحمه هللا-وتبعه على ذلك اإلمام ابن كثير إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه وال يكون شاذا وال معلوال ، ونحن

ماء الحديث، هو شرحنا هذا التعريف في مكانه، فالحديث الصحيح الذي يحكم له بالصحة عند علالحديث المشتمل على هذه األوصاف كلها، أن يكون إسناده متصال بنقل العدول الضابطين، وهم الثقات كما أشرنا إلى ذلك سابقا ، وال يكون مع ذلك شاذا وال معلوال ، أي ال يكون هذا الثقة الذي

ذوذ روايته أو بوقوع روى ذلك الحديث قد أخطأ في هذا الحديث واستدللنا على خطئه إما بش علة فيها، كما سيأتي تفصيل ذلك في موضعه في مبحث الشاذ ومبحث المعلول.

فال شك أن شرط البخاري ومسلم من حيث األصل هو هذا الشرط: أن يكون الحديث مشتمال عندما -عليهم رحمة هللا تبارك وتعالى -على أوصاف الصحيح التي ذكرناها، إال أن العلماء

إلى الحكم على حديث من األحاديث التي هي خارج الصحيحين بأنه على شرط يعمدونالبخاري أو على شرط مسلم أو على شرط البخاري ومسلم معا ، ال يكتفون بهذا، ال يكتفون بمجرد تحقق الصحة في هذا الحديث ، بل يشترطون أمورا زائدة ، اعتقادا منهم بأن اإلمام

قد انتقيا كتابيهما، فليس كل صحيح -عليهما رحمة هللا تبارك وتعالى -البخاري، واإلمام مسلم أودعاه هذه الكتاب، فليس كل صحيح في نظر اإلمام البخاري أدخله في كتابه الصحيح وال كل صحيح في نظر اإلمام مسلم أدخله أيضا في كتابه الصحيح، وإنما انتقى جملة من األحاديث هي

فنحن إن وقفنا على حديث وأردنا أن -ا أشرنا إلى ذلك سابقا كم -من أعلى مراتب الصحة نعرف هل فعال تحقق فيه شرط البخاري أو شرط مسلم أو شرطهما معا أم ال؟ هل تحقق بالفعل

في هذا الحديث أم ال؟ شرط البخاري وحده، أو شرط مسلم وحده، أو شرطهما معا، وهذا حققا قد تحققت فيه شرائط الصحة، بل البد أن يراعي بطبيعة الحال ال يخفي أن يكون الحديث مت

. -إن شاء هللا تعالى-األمور التي سيأتي بيانها

Page 46: علوم الحديث   المستوى الثاني

الحاكم النيسابوري في مقدمة كتابه المستدرك ذكر أن األحاديث الصحيحة التي في الصحيحين ليست هي بآخر الموجود من الصحيح، بل هناك أحاديث كثيرة صحيحة خارج

يريد أن يستدركها على البخاري وعلى مسلم، وذكر في غضون كالمه أن الصحيحين، وهواإلمام البخاري وكذلك مسلما ال يراعيان سالمة الحديث من العلة، وأنهما لم يتقيدا بذلك، وهذا

على الحاكم النيسابوري، وبينوا أن -عليهم رحمة هللا تبارك وتعالى -كان موضع إنكار العلماء ال يخرجان في الصحيح إال ما ترجح لديهما أنه سالم من الشذوذ -رحمهما هللا- البخاري ومسلما

وسالم من العلة، وأن راويه أصاب فيه ولم يخطئ فيه، فهذا يدل على أن اإلمام البخاري ومسلما عند نقاد العلم إنما اشتراطه في الحديث أن يكون صحيحا لتلك الشرائط التي سبق بيانها.

تي إلى حديث ونقول: هو على شرط البخاري، أي تحقق فيه شرط البخاري، وإن لم عندما نأيدخله البخاري في صحيحه، أو هو على شرط مسلم، وإن لم يدخله مسلم في صحيحه، نراعي

أمورا :

متعلق برواة هذا اإلسناد، هذا الحديث الذي جاءنا ونحن نريد أن نحقق، هل الشرط األول: -ج لهم في هو تحقق فيه شر ط البخاري ومسلم أم ال؟ فالبد أن ننظر في هؤالء الرواة، هل خر

الصحيحين ولو في موضع من المواضع؟ فإن وجدنا هذا الراوي أو بعض رواة هذا الحديث الذي نحن بصدد الكالم عليه، لم يخرج له في الصحيحين فحيئذ ال يكون ذلك الحديث على شرط

أبدا . البخاري وال على شرط مسلم

ج له في الصحيحين، أو أحدهما، فحينئذ ننظر بل البد أن يكون كل رواة هذا اإلسناد ممن خرفيما يأتي من شرائط أخرى، قد يقول قائل: وقفنا على حديث في كتاب متأخر عن البخاري ب ومسلم، وليكن مستدرك الحاكم، وليكن صحيح ابن خزيمة، وليكن سنن البيهقي مثل هذه الكت

التي أصحابها متأخرون في الطبقة، وفي الزمن عن البخاري ومسلم، فبالضرورة هناك جملة من الرواة ال يمكن أن يخرج لهم البخاري ومسلم، وقد وجدوا في هذا الحديث فشيخ الحاكم مثال هو من طبقة دون طبقة البخاري ودون طبقة مسلم، دون الزمن الذي وجد في البخاري، ودون

لذي وجد فيه مسلم، فكيف نشترط أن يكون رواة هذا اإلسناد قد خرج لهم في الزمن االصحيحين؟ وهؤالء ال يمكن أن يكونوا في الصحيحين؛ ألنهم وجدوا في زمن متأخر عن زمن

البخاري وعن زمن مسلم؛ ولهذا يقول العلماء: إن قولنا إنه ينبغي أن يكون هؤالء الرواة قد الرواة الذين يمكن للبخاري ويمكن لمسلم أن يرووا عنهم كأن خرج لهم في الصحيحين، أي

يكونوا من طبقة شيوخ البخاري أو شيوخ شيوخه فصاعدا، وال يكون من طبقة دون طبقة البخاري أو زمن البخاري أو مسلم، إنما نكتفي فقط أن يكون إسناد الحاكم إلى طبقة شيوخ

ويحتج بروايتهم، فحينئذ نستطيع أن نثبت بمقتضى البخاري ثقات، أن يكونوا ثقات، يعتمد عليهمهذا اإلسناد الصحيح الذي يرويه الثقات إلى طبقة شيوخ البخاري أو شيوخ مسلم، أن هذا اإلسناد

صح، أن واحد ا من طبقة شيوخ البخاري، أو واحد ا من طبقة شيوخ مسلم، قد رواه بالفعل، ثم الذين هم في هذه الطبقات العالية قد وجد حديثهم في ننظر بعد ذلك في تحقق كون هؤالء الرواء

الصحيحين أم ال؟

أن يكون هؤالء الرواة قد خرج لهم في الصحيحين بالفعل، وليس يكتفى إذن الشرط األول:بذلك أن يكون الراوي ثقة، قد يكون ثقة ولكنه لم يخرج له في الصحيحين، فحينئذ نحكم على

إنه على شرط البخاري وال على شرط مسلم، فثقة هذا الراوي حديثه بالصحة، لكن ال نقول: تكفي ألن نحكم على حديثه بأنه من قسم الصحيح المقبول، لكن أن نصفه بهذا الوصف الزائد، هو أن يكون الحديث من شرط البخاري أو شرط مسلم، فهذا البد أن يكون الرواة هم الرواة،

ضع أو مواضع في صحيح البخاري أو صحيح مسلم. رواة هذا اإلسناد موجودون بالفعل في مو

Page 47: علوم الحديث   المستوى الثاني

أن يكون كل راو من هؤالء الرواة الذين خرج لهم في الصحيحين، قد خرج الشرط الثاني: - لهم في الصحيحين عن شيخه الذي يروي عنه ذلك الحديث الذي نحن بصدده.

ي عن بعض مشايخه الراوي قد يكون له أكثر من شيخ، البخاري أو مسلم قد رووا لهذا الراودون البعض اآلخر، وهؤالء المشايخ الذين لم يروي البخاري أو مسلم لهذا الراوي عنهم قد خرج لهؤالء المشايخ عن رواة آخرين، من طريق رواة آخرين، فالرواة من حيث األفراد

موجودون في الصحيحين، ولكن هذه التركيبة فالن عن فالن، زيد عن عمر لم تقع في موضع صحيح البخاري، وال في صحيح مسلم. في

ولكي نحكم على هذا السند الذي بين أيدينا بأنه على شرط البخاري أو على شرط مسلم، البد أن يقع اإلسناد هكذا، رواية هذا الراوي عن هذا الشيخ على هذه الكيفية، وتلك الصفة في صحيح

ط البخاري أو على شرط مسلم. البخاري أو في صحيح مسلم، حينئذ نقول: إن الحديث على شر

فمثال : هناك اإلمام محمد بن شهاب الزهري، وهذا من الثقات الحفاظ الكبار، وهو من رجال البخاري ومن رجال مسلم أيضا ، وهناك راو يروي عن الزهري اسمه سفيان بن حسين، هذا

لما لم يخرجا لهذا أيضا من جملة الثقات، وهو مخرج حديثه في الصحيحين، ولكن البخاري ومسالراوي عن الزهري خاصة، وإنما خرجا له عن غير الزهري من مشايخه؛ ألن البخاري

ومسلما ينتقيان من حديث الراوي ما ترجح لديهما أنه أصاب فيه ولم يخطئ فيه.

العلماء نظروا في أحاديث سفيان بن حسين، فوجدوه إذا روى عن غير الزهري يصيب، ري خاصة يخطئ. كيف عرف العلماء ذلك؟وإذا روى عن الزه

ما أشرنا إليه من كونهم سلكوا مسلك االعتبار والتتبع، السبق، التفتيش، دراسة األسانيد، دراسة رواية الراوي رواية رواية , وحديثا حديثا ، فتبين لهم من خالل هذا التتبع واالستقراء، أن

روى عن غير الزهري فال يخطئ، فكأنه لم هذا الراوي إذا روى عن الزهري يخطئ، أما إذا يتقن حفظ حديث الزهري كما ينبغي، فوقعت األخطاء والمناكير في حديثه الذي يرويه عن الزهري، سفيان بن حسين مخرج حديثه في الصحيحين، الزهري مخرج أيضا حديثه في

الكتابين؛ الصحيحين، لكن سفيان بن حسين عن الزهري لم يقع في موضع من المواضع في فلهذا يأتي العلماء يقولون: هذا ثقة وهذا ثقة، هذا من رجال البخاري ومسلم، وهذا من رجال

البخاري ومسلم، ومع ذلك: فالحديث ليس على شرط البخاري وال على شرط مسلم؛ ألن البخاري ومسلما تجنبا من حديث سفيان بن حصين ما يرويه عن الزهري خاصة، فكيف تعمد

ما تجنبه صاحب الصحيح وتدعي أنه على شرط الصحيح.أنت إلى

وقد يكون أحد الراويين من رجال أحد الشيخين، واآلخر من رجال الشيخ اآلخر، يعني البخاري خرج لبعض الرواة، ولم يخرج لبعض مشايخه، ومسلم خرج للشيخ ولم يخرج للراوي

، سماك -رضي هللا عنهما- كما وقع لسماك بن حرب فيما يرويه عن عكرمة مولى ابن عباسمن جملة الثقات، وعكرمة أيضا من جملة الثقات، نستطيع إن نظرنا في هذا اإلسناد أن نحكم

نظرة سطحية فنقول: إسناد رجاله ثقات، لكن أن يكون صحيحا شيء آخر، أن يكون على شرط البخاري أو مسلم شيء آخر أيضا ، ما هذا األمر؟

ك بن حرب وإن كان من جملة الثقات، إال أنه كان يخطئ فيما يرويه العلماء يقولون: إن سماخرج في كتابه لعكرمة، ولم يخرج لسماك -رحمه هللا تعالى-عن عكرمة خاصة، فاإلمام مسلم

بن حرب، والبخاري خرج لسماك بن حرب، ولم يخرج لعكرمة، فهل عكرمة من شرط مسلم، سماك من شرط البخاري؟ نعم، البخاري؟ ليس من شرط البخاري، وإن كان من شرط

Page 48: علوم الحديث   المستوى الثاني

هو من شرط البخاري، ولكن ليس من شرط مسلم. فإذا عمدنا إلى حديث فوجدناه من رواية سماك بن حرب عن عكرمة فيكون من شرط البخاري أم من شرط مسلم؟

العلماء يقولون: ال يكون ال من شرط البخاري، وال من شرط مسلم؛ ألن البخاري لم يخرج ن عكرمة، ومسلم لم يخرج لعكرمة من طريق سماك فهذه التركيبة، رواية هذا الراوي لسماك ع

عن ذاك ليست موجودة في موضع من المواضع ال في صحيح البخاري، وال في صحيح مسلم، وعلى هذا فال يحكم على اإلسناد إذا كانت هذه صفته بأنه على شرط البخاري وال على شرط

ندنا حديث روي بإسنادين أحد اإلسنادين على شرط البخاري، يعني مسلم. أمر أبلغ من هذا: عرجاله رجال البخاري بالشرائط المعتبرة، واإلسناد اآلخر هو على شرط مسلم دون البخاري، رجاله مخرج على الكيفية الموجودة في اإلسناد في صحيح مسلم، وليس في صحيح مسلم، إذن

د اإلسنادين تحقق فيه شرط البخاري، واإلسناد اآلخر عندنا حديث عن المثنى له إسنادان، أحتحقق فيه شرط مسلم، فلك أن تقول في اإلسناد األول: إنه على شرط البخاري، وفي اإلسناد اآلخر: إنه على شرط مسلم، لكن ليس لك أن تقول بناءا على أن الحديث له إسنادان، أحدهما

الحديث حينئذ يكون على شرط البخاري على شرط البخاري، واآلخر على شرط مسلم: إن ومسلم، أو على شرط الشيخين؛ ألن شرط الشيخين أن يكون الحديث قد اشتمل على رواة خرج

لهم في الصحيحين معا ، ولم يختص البخاري بهم وال مسلم بهم.

أن يكون البخاري ومسلم قد خرجا لهذا الراوي على الكيفية الموجودة في إذن الشرط الثاني: هذه الرواية التي بين أيدينا.

أن يكون الحديث سالما من العلة والشذوذ؛ ألن الشذوذ والعلة ال يمكن أن الشرط الثالث: --يكونا موجودين في حديث على شرط البخاري، أو على شرط مسلم؛ ألن البخاري ومسلما

ذ، سالما من العلة، يشترطان في صحة الحديث أن يكون سالما من الشذو -رحمهما هللا تعالىفكيف أعمد أنا إلى الحديث الشاذ أو الحديث المعلول فأنسبه إلى شرط البخاري، وأقول هو على

شرط البخاري أو على شرط مسلم، أو على شرط الشيخين؟ هذا ال يكون. إنما البد أن يكون الحديث سالما من الشذوذ والعلة.

أحاديث رويت بنفس إسناد الصحيح، ولكنها متون ولهذا نجد العلماء أحيانا يعمدون إلى أخرى؛ ألن المتن قد يروى بأكثر من إسناد، والسند قد يروى به جملة كثيرة من األسانيد، فالمتن قد يختلف واإلسناد واحد، راوي عنده جملة أحاديث، نسخة من النسخ، يرويها بإسناد عن رسول

ملة على جملة من األحاديث، فنجد البخاري ومسلما هذه النسخة مشت -صلى هللا عليه وسلم-هللا ينتقيان من هذه -كما أشرنا إلى ذلك آنفا-ال يخرجان كل ما روي بذلك اإلسناد، بل ينتقيان

النسخة ما أصاب فيه الراوي، ويطرحان ما أخطأ فيه ذلك الراوي، مع أن اإلسناد هو اإلسناد، يصيب كما يصيب الناس، ويخطئ كما يخطئ الناس، -ولكنه كما قلنا آنفا -والراوي هو الراوي

وإذا أخطأ يتجنب البخاري ومسلم إخراج -إن شاء هللا-فإذا أصاب تجد حديثه في الصحيحين حديثه.

هناك مثال ترجمة موجودة في صحيح مسلم يحتج بها مسلم في مواضع، وهي عبارة عن ن يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة عن نسخة يرويها رجل اسمه أبي العالء بن عبد الرحمن ب

هذا اإلسناد روى به العالء بن عبد الرحمن جملة من -صلى هللا عليه وآله وسلم-رسول هللا رحمه هللا -، نجد اإلمام مسلما -صلى هللا عليه وآله وسلم-األحاديث بهذا اإلسناد عن رسول هللا

يث الصحيحة التي حفظها الراوي في كتاب الصحيح، ينتقي من هذه النسخة األحاد -تعالىفي كتاب -رحمه هللا-ويتجنب ما أخطأ فيه من المتون؛ ولهذا يقول اإلمام أبو يعلى الخليلي

اإلرشاد في معرفة علماء البالد، لما تكلم عن العالء بن عبد الرحمن، وعن روايته عن أبيه عن

Page 49: علوم الحديث   المستوى الثاني

شاهير، وتجنب من أحاديثه الشواذ". أبي هريرة بهذه النسخة، قال: "إن مسلما احتج بأحاديثه المأي: األخطاء. فاإلسناد هو اإلسناد يروى به متنا فيكون صوابا ، ويروى به متنا آخر فيكون

الحديث الذي يرويه الثقة ال يكون صحيحا إال إذا سلم من الشذوذ -كما قلنا آنفا: -خطأ ؛ ألننا والعلة.

صحيح، أو الثقة إذا جاء بحديث معلول كان خطأ فالثقة إذا جاء بحديث شاذ كان خطأ غير غير صحيح، وعليه فال يكون من جملة األحاديث الصحيحة، وال يكون من األحاديث المقبولة، فضال عن أن يكون في صحيح البخاري أو مسلم أو على شرط البخاري أو على شرط مسلم،

فيه شرط البخاري ومسلم أم لم السيما إذا كان الحديث الذي نحن بصدد الحكم عليه هل تحقق يتحقق فيه ذلك؟

كما -وجدنا البخاري نفسه قد أعله، أو مسلما نفسه قد أعله، نجد أحيانا الحاكم النيسابوري يعمد إلى أحاديث ليست في البخاري وال في مسلم، فيستدركها -أشرنا إلى تساهله في هذا الباب

قد تحقق فيها شرط البخاري ومسلم، فيقول: على البخاري وعلى مسلم، ويحكم عليها بأنهاصحيح على شرط البخاري ومسلم، وبعد أن ندرس الحديث وننظر في أقوال أهل العلم يتبين لنا أن البخاري نفسه قد أعله وضعفه، أو أن مسلما نفسه قد أعله وضعفه. فإذا كان البخاري نفسه

ضعفه، كيف يكون على شرطه؟! قد ضعفه، كيف يكون على شرطه؟ إذا كان مسلم نفسه قد

فهذا مما يؤكد كون البخاري ومسلم إنما تجنبا إخراج هذا الحديث قاصدين لذلك، وأنهما لم يغفال عنه، ولم يقع ذلك منهما على سبيل السهو والنسيان, إنما هما قصدا قصدا عدم إخراج هذا

ث وهما إنما تجنباه عامدين الحديث في الصحيحين، فكيف أنت تعمد فتستدرك عليهما ذلك الحدي لذلك قاصدين؟

لكي يكون الحديث موصوفا بكونه على شرط البخاري أو على شرط الشرط الخامس: -ممن تعمد البخاري ومسلم اإلخراج -الذين هم بين أيدينا -مسلم أن يكون رجال هذا الحديث

ا وعرضا ال قصدا ، ما هذه عنهما، ولم تقع رواية هؤالء الرواة في الصحيحين أو أحدهما اتفاق القصة؟

هناك جملة من األحاديث، وهي معروفة لدى أهل االختصاص، ومواضعها معروفة، وهذا مما يتميز به المتخصص عن غيره، فغير المتخصص يعرف أحاديث الصحيحين، لكن

المتخصص يعرف تفصيل أحاديث الصحيحين، ما تعمد البخاري إخراجه، وما قصد إخراجه، ى به في هذا الموضع، وما وقع ذلك منه اتفاقا ال قصدا ، وإنما أدخله في كتابه الصحيح وأت

لغرض من أغراض التصنيف.

-رحمه هللا تعالى-نضرب مثاال يوضح المقال: عندنا حديثان كالهما يرويه اإلمام الزهري بل كثيرا ، ويحيى عندما ندرس هذا العلم ستسمع اسم الزهري كثيرا ، وستسمع اسم أحمد بن حن

بن معين كثيرا ، والدارقطني كثيرا ، وابن عدي كثيرا ، وسفيان بن عيينة، وسفيان الثوري كثيرا ، هؤالء أئمة هذا العلم، بقدر معرفتك بهؤالء العلماء، وهؤالء الكبار بقدر ما تحسن فهم هذا العلم،

-يب والمتون، بقدر ما يفتح هللا وبقدر معرفتك لمناهجهم وقواعدهم ومسالكهم في معالجة األسال عليك في إدراك غوامض هذا العلم. -تبارك وتعالى

حديثان يرويهما محمد بن شهاب الزهري، اإلمام الزهري كالهما يرويه عن أبي هريرة، الزهري من صغار التابعين وهو لم يسمع من أبي هريرة، -صلى هللا عليه وسلم-عن رسول هللا

ألول عن بعض مشايخه الذين يروون عن أبي هريرة من كبار التابعين، وإنما أخذ الحديث ا

Page 50: علوم الحديث   المستوى الثاني

صلى هللا عليه وآله -والحديث اآلخر عن تابعي آخر كبير أيضا ، عن أبي هريرة، عن رسول هللا .-وسلم

صلى -الحديث األول: يرويه الزهري عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن رسول هللا (. إذا اشتد الحر فأبردوا بالصالة، فإن شدة الحر من فيح جهنمه قال: )أن -هللا عليه وآله وسلم

عن أبي سلمة بن عبد الرحمن -رحمه هللا تعالى-الحديث اآلخر: يرويه أيضا اإلمام الزهري -بن عوف، ابن الصحابي المعروف عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة، عن رسول هللا

اشتكت النار إلى ربها، فقالت يا رب: أكلت بعضي بعضا ، ال: )أنه ق -صلى هللا عليه وآله وسلمبنفسين في الصيف وفي الشتاء، فهو أشد ما تجدون من الحر، وأشد ما -عز وجل-فأذن لها هللا

(.تجدون من الزمهرير

هذان حديثان، كالهما يرويه الزهري، الحديث األول: يرويه الزهري، عن سعيد، عن أبي . والحديث اآلخر: يرويه الزهري، عن أبي -صلى هللا عليه وآله وسلم- هريرة، عن رسول هللا

. فأنت إذا أردت أن تروي -صلى هللا عليه وآله وسلم-سلمة، عن أبي هريرة، عن رسول هللا ذلك الحديث، عن الزهري ماذا تقول؟ إذا أردت أن تروي الحديث األول عن الزهري ستذكره

أبي هريرة وإذا أردت أن تروي الحديث اآلخر عن الزهري من رواية الزهري عن سعيد عن ال -صلى هللا عليه وآله وسلم-ترويه عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن رسول هللا

شك أن سعيدا من الثقات، وأن أبا سلمة من الثقات، بل هما من الحفاظ الكبار، ولكن علماء ري في هذا الحديث؟ ومن شيخه في الحديث اآلخر؟ الحديث يدققون في األسانيد، من شيخ الزه

هل الزهري رواه عن سعيد أم عن أبي سلمة؟ كل ذلك يدرك أهميته أهل االختصاص، وتمييزه وتحقيقه في غاية األهمية عند المتخصصين، إذا أردت أن تجمع الحديثين في سياق

ة تسوق المتن األول، ثم واحد، فماذا تقول؟ ستقول: عن الزهري عن أبي سعيد عن أبي هريرعن الزهري عن أبي سعيد عن أبي سلمة عن أبي هريرة ثم تسوق المتن الثاني، إال أن بعض

الرواة عن الزهري جمع بين المتنين من غير أن يميز شيخ الزهري في المتن اآلخر فحمله على المتن األول، ماذا فعل؟

ديثين معا في سياق واحد، فقال: عن وروى الح -رحمه هللا تعالى-جاء سفيان بن عيينة إذا اشتد الحر : )-صلى هللا عليه وسلم-الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي

( فساق بقية النص، فأبردوا بالصالة، فإن شدة الحر من سيح جهنم، واشتكت النار إلى ربها ... ( يروى أيضا عن سعيد بن المسيب، كما اشتكت النار إلى ربهاهذا السياق يفهم منه، أن حديث: ) يروى بذلك حديث األمر باإلبراز.

اإلمام أحمد بن حنبل، واإلمام الدارقطني، وغيرهما، من حفاظ الحديث، قالوا: هذا الحديث ( ليس هو من حديث سعيد بن المسيب، إنما هو من حديث اشتكت النار إلى ربهاأعني حديث: )

أن ابن عيينة أخطأ على الزهري، حيث دمج الحديثين معا ، من أبي سلمة بن عبد الرحمن، وغير أن يميز شيخ الزهري في الحديث اآلخر، فأوهم أنه يرويه أيضا عن سعيد بن المسيب، كما

يروي الحديث األول، والصواب أنه من حديث الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة.

خرج هذا الحديث في موضعين من -عليه رحمة هللا تبارك وتعالى-وجدنا البخاري صحيحه، هنا يأتي الشاهد:

Page 51: علوم الحديث   المستوى الثاني

: في كتاب المواقيت، في باب اإلبراد لصالة الظهر، ثم ساق رواية ابن الموضع األول -إذا اشتد الحر فأبردوا بالصالة، فإن شدة عيينة بتمامها كاملة تامة، يعني ساق حديث اإلبراد: )

(، نحن نفهم كأهل اختصاص أن البخاري لم يقصد ى ربهاالحر من فيح جهنم ، واشتكت النار إلفي هذا الموضع إال الحديث األول الذي هو موضوع هذا الباب؛ ألنه في باب المواقيت في

اإلبراد بصالة الظهر، وهذا يؤخذ من الحديث األول أم من الحديث اآلخر؟ من الحديث األول, ينة؛ ألنه رواه عن سعيد، وهو أيضا عن وقد علمت أن الحديث األول قد أصاب فيه ابن عي

سعيد، وإنما الخطأ في حديثه اآلخر، حيث رواه عن سعيد، وليس هو من حديث سعيد، إنما هو من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن.

ا( من حديث أبي سلمة اشتكت النار إلى ربهالموضع اآلخر: وجدنا البخاري خرج حديث: ) -اب صفة النار، وهذا موضوعه، وهذا موضعه، وهذا الباب الذي فقط، في أواخر الكتاب في ب

ا( إلى آخر الحديث. اشتكت النار إلى ربهيليق به، )

فنحن كأهل اختصاص نفهم أن البخاري لم يقصد في الموضع األول أن يسوق رواية: ة ا(، وإنما جاء ذلك عرضا عن غير قصد، لما روى ابن عيينة الرواياشتكت النار إلى ربه)

هكذا مدمجا الحديثين في سياق واحد، موهما أن الحديثين من حديث سعيد بن المسيب، بينما الحديث األول عن سعيد، واآلخر عن أبي سلمة، وإنما اعتاد البخاري في إفهام القارئ بأنه لم ما يقصد الحديث اآلخر بالتبويب؛ ألنه قال: باب اإلبراد بصالة الظهر، وليس في الحديث اآلخر

له عالقة باإلبراد، إنما اإلبراد يؤخذ من الحديث األول.

( في الموضع األول، إنما اشتكت النارفنحن نقول: إن البخاري لم يقصد إخراج حديث: ) قصده قصدا عندما بوبه لصفة النار.

هناك مثال آخر وقع في صحيح البخاري، وهذا كان موضع إشكال عند الشراح، ولكن أبانه وكذلك الحافظ ابن حجر العسقالني في شرحه لصحيح -رحمه هللا-مام ابن القطام وفصله اإل

البخاري في فتح الباري.

حديث يرويه سفيان بن عيينه، وهذا الحديث يرويه سفيان، عن شبيب بن غرقدة، عن عروة الخير معقود بنواصي الخيل إلى يوم يقول: ) -صلى هللا عليه وسلم-البارقي، سمعت النبي

(القيامة

أدخل البخاري هذا الحديث في كتاب المناقب، باب فضل الخيل، ولكنه ساق قبل هذا الحديث إنما -رحمه هللا تعالى-قصة، وهذه القصة عند أهل االختصاص ليس هي مقصود البخاري

مقصوده ذلك الحديث فقط، وهو الذي يتناسب مع هذا التبويب "فضل الخيل"، ساق قصة طويلة لى بعض المجاهيل، الرواة الذين ليسوا من المعروفين، واشتملت على الحسن بن اشتملت ع

عمارة، وهو متكلم فيه، بل هو متروك الحديث عند علماء الحديث، فبعض الناس قالوا: كيف يروي البخاري لهذا الراوي الضعيف؟ كيف يروي البخاري لهؤالء المجاهيل؟ وإنما كما قال

يقصد البخاري أن يخرج لهؤالء المجاهيل، وال للحسن بن عمارة، لما ابن حجر وابن القطان: لم قصد أن يخرج هذا الحديث الصحيح.

ولما كان الحديث الصحيح جاء في سياق قصة، أراد البخاري أن يسوق القصة كما سمعها، متضمنة الحديث الذي هو موضوع الباب حتى ال يعاب عليه، بأنه حذف من الرواية شيئ ا ربما

كون ذلك له داللة عند بعض السامعين. ي

Page 52: علوم الحديث   المستوى الثاني

فهذه هي شرائط الحكم على الحديث بأنه على شرط البخاري، أو على شرط مسلم، أو على شرطهما، ونبدأ في قراءة الكالم الذي قاله اإلمام المصنف.

وقد خرجت كتب كثيرة على الصحيحين، يؤخذ منها : )-رحمه هللا تعالى-قال المصنف وأسانيد جيدة، كصحيح أبي عوانة، وأبي بكر اإلسماعيلي، والبرقاني، وأبي نعيم زيادات مفيدة،

. (األصبهاني وغيرهم

يعدد الكتب التي يمكن أن نجد فيها جملة من -رحمه هللا تبارك وتعالى-ما زال المصنف األحاديث الصحيحة، والتي ليست في الصحيحين، فذكرنا قبل ذلك المستدرك، ثم يأتي موضوع

خر، أو نوع آخر من المصنفات الحديثية، وهي التي تسمى عند أصحابها بالمستخرجات، ما آ هي المستخرجات؟

موضوعه أن يستدرك على الصحيحين ما كان على شرطهما، وليس موجودا المستدرك: فيهما.

صاحب المستخرج: إنما يعمد إلى األحاديث التي في الصحيحين نفسها، ال المستخرجأما زيد على الصحيحين شيئا ، أو ليس هذا من موضوع كتابه، أن يزيد شيئا على الصحيحين، ي

وإنما موضوع كتابه أنه يعمد إلى األحاديث التي هي موجودة بالفعل في الصحيحين، ثم يرويها هو بإسناده الخاص، بإسناد غير إسناد البخاري، وغير إسناد مسلم، بطبيعة الحال هو في هذا

أو عن -صلى هللا عليه وسلم-إن روى الحديث عن البخاري بإسناده إلى رسول هللا المستخرجلم يأتي بجديد، فالبخاري ومسلم كتابهما -صلى هللا عليه وآله وسلم-مسلم بإسناده إلى رسول هللا

موجود ومتداول ومشهور، إنما الشأن عند ذلك المستخرج، أنه يريد أن يزيد بعض ما ينتفع به ون، هو أن يزيد أسانيد أخرى عما وجد في الصحيحين، لهذه المتون نفسها، فمنهم أي من المحدث

أصحاب المستخرجات من يعمد إلى هذه األحاديث التي في الصحيحين، وهو قد سمعها عن مشايخ أخرى من طبقة البخاري مثال عن شيخ البخاري أو عن شيخ شيخ البخاري، إلى رسول

فيخرج هذا الحديث في هذا المستخرج، فصار عنده إسناد آخر -آله وسلمصلى هللا عليه و-هللا بطبيعة الحال، أضافه إلى اإلسناد الذي جاء به البخاري، فأصبح البخاري هنا موافقا من قبل

غيره من المشايخ الذين في عصره، والذين روى عنهم صاحب المستخرج، وكذلك الشأن فيمن يستخرج على صحيح مسلم.

غرض هؤالء المستخرجين فائدة من الفوائد، أو معنى من المعاني الدقيقة عند المحدثين، لكنفي -إن شاء هللا تعالى-وهو ما يسمى عندهم بالعلو، العلو باإلسناد، العلو سيفرده المصنف

-أواخر الكتاب العالي والنازل، نوع اسمه العالي والنازل، سنتكلم عن أنواع العلو هناك تفصيال ، لكن نريد أن نلفت النظر إلى المعنى الذي قصده أصحاب المستخرجات، وما -إن شاء هللا تعالى

العلو الذي أرادوه من وراء تصنيف هذه الكتب؟

صاحب المستخرج عنده الحديث الذي عند البخاري مثال ، عنده الحديث بإسنادين، فإن هو مثال عشرة أنفس، أما إن -هللا عليه وسلم صلى-رواه عن البخاري، سيكون بينه وبين رسول هللا

-رواه من غير طريق البخاري عن شيخ البخاري، أو عن شيخ شيخ البخاري إلى رسول هللا ، ويكون -صلى هللا عليه وسلم-فتقل الوسائط بينه وبين رسول هللا -صلى هللا عليه وآله وسلم

، ثمانية، والعلو معنى من المعاني التي مثال تسعة -صلى هللا عليه وسلم-بينه وبين رسول هللا يعنى بها علماء الحديث، ورواة الحديث، يهتمون بالعالي من الحديث، كلما كانت الوسائط بينك

أقل، كلما كان ذلك أفضل مما لو كان أكثر، بطبيعة -صلى هللا عليه وسلم-وبين رسول هللا اد الذي هو عالي أو الوسائط فيه أقل، الحال البد أن يكون مع صحة الحديث، لكن هب أن اإلسن

Page 53: علوم الحديث   المستوى الثاني

إسناده مشتمل على رواة ضعفاء، هل هذا ينفع؟ فالصحيح النازل الذي فيه وسائط أكثر، أفضل من الضعيف العالي الذي فيه وسائط أقل.

هؤالء المصنفون عمدوا إلى هذه األحاديث، فوجدوا أن لهم أسانيد لها هي عالية، مقارنة إسناد مسلم، فعمدوا إلى هذه األسانيد العالية، وخرجوها في هذه الكتب، ليس بإسناد البخاري أو ب

بالضرورة أن تكون الرواية التي استخرجها صاحب المستخرج هي بلفظها الذي وجدت في صحيح البخاري أو في صحيح مسلم، قد يكون هناك زيادات في األلفاظ، قد يكون البخاري

خرج ساقها مطولة، وكما قلنا في لقاء سابق رواة خرج الرواية مختصرة، وصاحب المستالحديث أحيانا يختصرون الحديث لغرض من أغراض التصنيف، فهذه الزيادات ما حكمها؟ هل

تعامل معاملة األحاديث الصحيحة، وتكون كاألحاديث التي خرجها البخاري ومسلم أم ال؟

يادة أو نقصان فال إشكال ها هنا، نعم، إذا خرج المتن الذي خرجه البخاري ومسلم من غير زإنما اإلشكال فيما إذا زاد هذا المستخرج في روايته زيادات في أسماء المتن، أو اإلسناد هذه

الزيادات ليست في الصحيحين، هل نقبلها على أنها مخرجة على األصل، وهو الصحيح؟ فإذا قق شرط الصحة فيها؟كان األصل صحيحا فإنها تتبع األصل في الصحة، أم البد من تح

البد من تحقق شرط الصحة فيها، السيما في الرواة الذين في الطبقات التي دون طبقة البخاري وطبقة مسلم، فالبد من صحة السند من صاحب المستخرج إلى شيخ البخاري أو إلى

لسند شيخ شيخه، ثم بعد ذلك يكون الرواة هم الرواة، أو إن كانوا رواة آخرين فالبد أن يصح ا؛ ألن -صلى هللا عليه وآله وسلم-من بداية صاحب المستخرج إلى أن ينتهي المتن إلى رسول هللا

بعض أصحاب المستخرجات لم يتقيد بأحاديث الصحيحين، وإنما زاد في أثناء ذلك بعض الزيادات، أو بعض األحاديث التي ليست هي من أحاديث البخاري وال من أحاديث مسلم، فالبد

كم لها بالصحة أو لرواتها بالثقة أن يكون رجال اإلسناد ثقات، وأن يكون هؤالء الرواة لكي نح موثقين من قبل أهل العلم.

وكتب أخر التزم أصحابها صحتها، كابن خزيمة، وابن : )-رحمه هللا تعالى-قال المصنف . (حبان البستي، وهما خير من المستدرك بكثير وأنظف أسانيد ومتون

يعدد لنا الكتب التي هي مظنة وقوع األحاديث -رحمه هللا تعالى-زال المصنف أيضا ما الصحيحة فيها، فذكر من هذه الكتب: الكتب الموسومة بالصحاح، كتب الصحاح غير

الصحيحين؛ ألن الكتب التي سماها أصحابها الصحاح، واشترطوا فيها الصحة، ليست فقط ون صنفوا في الصحيح، كاإلمام ابن خزيمة له محصورة في الصحيحين، بل هناك أئمة أخر

صحيح ابن خزيمة وهو مطبوع متداول، وكاإلمام ابن حبان البستي، أيضا له صحيحه المسمى بالتقاسيم واألنواع، وترتيبه مطبوع، وأيضا مستدرك الحاكم وقد تكلمنا عليه كثيرا ، فهو صحيح

لكتب مظنة وقوع األحاديث الصحيحة، فيها عند صاحبه عند اإلمام الحاكم النيسابوري، هذه ازيادة عما وجد في الصحيحين، وال شك أن أصح هذه الكتب الثالثة، كتاب اإلمام ابن خزيمة، فإن األحاديث الصحيحة فيه كثيرة، ومقارنة بصحيح ابن حبان وصحيح الحاكم، أو مستدرك

، إال أنه في مرتبة دون الحاكم، وصحيح ابن حبان أنظف، وأعلى رتبة من مستدرك الحاكممرتبة صحيح ابن خزيمة، فترتيب هذه الكتب بحسب األصحية هو: صحيح ابن خزيمة، وهو

المقدم، ثم صحيح ابن حبان، ثم مستدرك الحاكم، فهذا هو ترتيب هذه الكتب، ولكنها في الجملة واة، دون الصحيحين؛ ألن فيها أحاديث أنكرت على أصحابها، وأخطاء من قبل بعض الر

وأحاديث معلولة، وأحاديث فيها بعض الرواة الضعفاء خفيت علتها على ابن خزيمة أو ابن حبان أو الحاكم، فمن هذه الحيثية لم ترتقي هذه الكتب إلى مرتبة الصحيحين، ولكن ال شك أنه

Page 54: علوم الحديث   المستوى الثاني

ينتفع بما وقع فيها زائدا من األحاديث، فمنه قدر ال بأس به من األحاديث الصحيحة، والتي ليست هي في الصحيحين.

، بعض الناس يتصور أن -رحمه هللا-لكن ينبغي أن نالحظ أمرا يختص بكتاب ابن خزيمة كل حديث أدخله اإلمام ابن خزيمة في صحيحه فهو عنده صحيح، وليس هذا كذلك، بل أحيانا

: باب ابن خزيمة يشير في صدور األبواب والعناوين إلى ضعف الحديث، فيخرج الحديث ويقولكذا وكذا وكذا، ثم يقول: إن صح الخبر فإن في القلب منه شيء، إن صح الخبر فإن فالن فيه كذا، إن صح الخبر فإن الصواب فيه اإلرسال أو نحو ذلك، فيشير إلى ما وقع في الحديث من س خطأ، فهذا ال يكون صحيحا عند ابن خزيمة، إنما ذكره لينبه عليه، ويلفت القارئ إلى أنه ليمن صحيح الحديث بل من ضعيفه، فإدخاله في الصحيح مع التنبيه على ضعفه يخرجه عن

شرطه في الصحيح، كما أشار إلى ذلك الحافظ ابن حجر في بعض مواضعه.

وكذلك يوجد في مسند اإلمام أحمد من األسانيد والمتون : )-رحمه هللا تعالى-قال المصنف يث مسلم، بل والبخاري أيضا ، وليست عندهما، وال عند شيء كثير مما يوازي كثيرا من أحاد

أحدهما، بل ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب األربعة، وهم: أبو داود، والترمذي، والنسائي، . (وابن ماجه

يعدد لنا الكتب التي يمكن الرجوع إليها، للوقوف على -رحمه هللا تعالى-أيضا ما زال اإلمام .-رحمه هللا تعالى -في الصحيحين، فذكر هنا مسند اإلمام أحمد أحاديث صحيحة ليست

اإلمام أحمد بن حنبل اإلمام المعروف، صاحب المذهب المعروف، إمام أهل السنة والجماعة ، له كتاب اسمه المسند، وهو كتاب عظيم جد ا كبير للغاية، وهذا الكتاب -رحمه هللا وضي عنه-

حيحة، يوجد فيه أحاديث ضعيفة، لكن أغلب األحاديث اشتمل على كثير من األحاديث الصالضعيفة التي في مسند اإلمام أحمد، ضعفها من الضعف الهين، فال هي موضوعة، وال منكرة، وال باطلة، قد تكون مشتملة على أخطاء إسنادية، أو أخطاء في بعض األلفاظ في المتن، لكن ال

-عليه رحمة هللا تعالى-ا كان مسند اإلمام أحمد تبلغ إلى حد أن تكون باطلة أو موضوعة؛ ولهذمن أفضل المسانيد على اإلطالق، وإال فهناك مسانيد كثيرة صنفها علماء الحديث، إال أن مسند

أن -رحمه هللا تعالى-اإلمام أحمد مقدم على سائر المسانيد، بل يرى شيخ اإلسالم ابن تيمية مع أن سنن أبي داود هي إحدى الكتب األربعة مسند اإلمام أحمد أفضل من سنن أبي داود،

األصول مع الصحيحين، فينبغي أن تكون مقدمة، ومع ذلك يرى شيخ اإلسالم ابن تيمية ورأيه صواب، يؤيده الواقع وكالم ابن حجر العسقالني في نكته على كتاب ابن الصالح يرشد إليه،

سند مقدم على سنن أبي داود، يعني أرجح م -رحمه هللا تعالى-ويدل عليه، أن مسند اإلمام أحمد من سنن أبي داود في األصحية، ولك أن تقول: إنه على األقل مثله في الصحة، لكن ال يكون أبدا دون السنن األربعة، وهذا ما أشار إليه اإلمام ابن كثير، حيث قارن بين مسند اإلمام أحمد

والكتب األربعة.

ربعة يقصدون: السنن األربعة المضافة إلى الصحيحين، المحدثون حينما يقولون: الكتب األ وهي سنن أبي داود، وسنن النسائي، وجامع الترمذي، وسنن ابن ماجة، فهذه هي األربعة.

فحينما يقولون: "أخرجه األربعة"، فهؤالء هم المقصودون، إال أن يصطلح إمام اصطالحا ا تجد في كتب الرجال، أو كتب الجرح خاصا به في كتاب يختص به، فهذا شأن آخر لكن عندم

والتعديل، أو كتب علل األحاديث، أو كتب التخاريج، أن هذا الحديث أخرجه األربعة فهم يقصدون هؤالء األربعة، فإذا قالوا: الستة، أضف إليهم، الصحيحين. فالستة هم: البخاري،

ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.

Page 55: علوم الحديث   المستوى الثاني

هو من أفضل المسانيد على اإلطالق، -عليه رحمة هللا تبارك وتعالى-مام أحمد إن مسند اإلوليس فيه إال الصحيح أو الحسن، أو الضعيف المنجبر، أو الضعيف ضعفا هينا ، وليس فيه

الباطل وال الموضوع، وإن التقط بعض العلماء بعض أحاديث من المسند، وزعموا أنها محل قبول أهل العلم، وانتقدوهم في ذلك أشد االنتقاد، وللحافظ ابن موضوعة، إال أن هذا لم يكن

حجر العسقالني جوالت، وجوالت في هذا المدمار.

هل مسند اإلمام أحمد كله صحيح كما زعم ذلك بعض الناس؟

قال بعض الناس: إن مسند اإلمام أحمد كله صحيح بغير استثناء، وقال ذلك: اإلمام أبو موسى ، ولكن هذا أيضا كان موضع نقد -رحمهما هللا تعالى -إلمام أبو العالء الهمذاني المديني، وا

العلماء، كاإلمام ابن الجوزي فرد على أبي العالء الهمذاني في ذلك، وكذلك رد اإلمام ابن القيم -رحمه هللا تعالى-على أبي موسى المديني في ذلك، وكذلك الحافظ ابن حجر، وشيخ اإلسالم

ة في كتبه عموما وبخاصة مجموع الفتاوى مباحث في هذا األمر، ذهب إلى أن اإلمام ابن تيميال تجد في مسنده الرواية عن كذاب، قد تجد حديثا أخطأ فيه الثقة، -عليه رحمة هللا تعالى-أحمد

أو أخطأ فيه الصدوق، أو أخطأ فيه من هو سيء الحفظ، فبعض أهل العلم يقولون: هو باطل أو وع من حيث النظر في متن الحديث ومعناه، ولكن ال تجد الرواية عن كذاب، أو من هو موض

. -صلى هللا عليه وآله وسلم-يتعمد الكذب على رسول هللا

وكذلك يوجد في معجمي الطبراني الكبير واألوسط، : )-رحمه هللا تعالى-قال المصنف م والفوائد واألجزاء: ما يتمكن ومسندي أبي يعلى والبزار، وغير ذلك من المسانيد والمعاج

المتبحر في هذا الشأن من الحكم بصحة كثير منه، بعد النظر في حال رجاله وسالمته من . (التعليل المفسد

يعدد لنا الكتب التي يمكن أن نجد فيها جملة من -رحمه هللا تعالى-ما زال الحافظ ابن كثير يحين، إال أن هذه الكتب األخيرة التي سماها األحاديث الصحيحة مما هو زائد على ما في الصح

إن وجد فيها الصحيح، فهو في الغالب يكون موجودا في غيرها، أما ما تفردت به فكما قال اإلمام ابن رجب الحنبلي واإلمام الزيلعي: إنها مجمع الغرائب والمناكير، فاألغلب األعم الذي

ومنكرة وباطلة. احتوت عليه، أو تفردت به إنما هي أحاديث ضعيفة

ويجوز له اإلقدام على ذلك، وإن لم ينص على صحته : )-رحمه هللا تعالى-قال المصنف . (حافظ قبله، موافقة للشيخ أبي زكريا يحيى النووي، وخالفا للشيخ أبي عمرو

هنا إلى مسألة حيرت العلماء، وهي: هل يجوز -رحمه هللا تعالى-يشير الحافظ ابن كثير بإدراك الصحيح في العصور المتأخرة أم ال؟ االستقالل

يعني: هل نحن في هذه العصور المتأخرة، يمكن لنا أن ندرك صحة الحديث الصحيح بمجرد النظر في األسانيد، ودراستها بعد معرفتنا بمناهج المحدثين، وقواعدهم، وأصولهم في هذا

أم ليس كذلك، فيما لم نسبق إلى الباب؟ هل بإمكاننا أن نتوصل إلى كون ذلك الحديث صحيحا ، تصحيحه من قبل العلماء المتقدمين؟

تناول هذه المسألة في كتابه علوم الحديث، الذي -عليه رحمة هللا تعالى-الحافظ ابن الصالح هو أصل كتاب االختصار هذا، وذكر كالما فهم منه أنه يغلق باب االجتهاد، ويرى أن إدراك

أخرة متعذر، بل البد من الرجوع إلى أحكام األئمة المتقدمين، وأن الصحيح لدى العصور المتاألسانيد وحدها في هذه العصور المتأخرة، ال تكفي للحكم على الحديث بكونه صحيحا ، فلو أن

Page 56: علوم الحديث   المستوى الثاني

اإلسناد الذي بين يديك إسناد صحيح، أي رجاله ثقات، فال يتهيأ لك الحكم بأنه حكم صحيح، إال عالم من علماء الحديث، وناقد من نقاد الحديث، وحافظ من حفاظ إذا كنت مسبوقا من قبل

الحديث.

واعترض على ابن الصالح جماعة من أهل العلم، كما وافقه آخرون، فممن وافقه: اإلمام ابن في المنهل الروي، وممن خالفه: اإلمام النووي، واإلمام العراقي، -رحمه هللا تعالى-جماعة

ك الحافظ ابن حجر العسقالني وآخرون. وابن كثير ها هنا، وكذل

-رحمه هللا-وهناك من أهل العلم من حاول التوفيق بين هؤالء العلماء، كالحافظ السيوطي فذهب إلى أن الحافظ ابن الصالح لم يقصد أن يغلق باب الحكم على األحاديث عموما لدى

ه، فنسب أو حمل كالم ابن العصور المتأخرة، إنما خص ذلك بالصحيح لذاته ال بالصحيح لغيرالصالح على أنه يقصد الصحيح لذاته، أي الصحيح الذي يحكم عليه بمقتضى إسناد واحد، هذا ال يتهيأ للمتأخر أن يتوصل إليه إال إذا كان مسبوقا من قبل إمام من أئمة الحديث. أما الصحيح

إلى -إن شاء هللا-في بابه لغيره وهو الحديث الذي في أصله دون الصحيح، ثم ارتقى كما سيأتيمرتبة الصحيح بكثرة الشواهد والمتابعات والروايات األخرى، فهذا غير ممتنع، وال يقصده

رحمه -الحافظ ابن الصالح، هكذا يقول: السيوطي جمعا بين ما نسب إلى اإلمام ابن الصالح وما اعترض به العلماء اآلخرون. -هللا

لمن تأمله، يتبين له أنه لم يقصد هذا المعنى، ال إغالق باب والواقع أن كالم ابن الصالح رحمه هللا -التصحيح لذاته وال باب التصحيح لغيره، ولم يقصد هذه المسألة بالمرة، إنما قصد

األحاديث التي تتفرد بها الكتب واألجزاء المتأخرة، والتي ال يكون لها أصل في -تبارك تعالىفإن هذا الحكم عليه بكونه صحيحا إنما ينبني على معرفتنا بثقة الكتب المشهورة المتداولة،

هؤالء الرواة.

ونحن أشرنا في أول لقاء أن كلمة الثقة لها معاني متعددة عند العلماء المتقدمين، وكذلك لها معاني عند العلماء المتأخرين، فذكرنا من معانيها عن العلماء المتقدمين: أن الذي يصفوه بأنه

ما هو العدل الضابط، أو العدل وإن لم يكن ضابطا ، إال أن المتأخرين توسعوا في هذا ثقة، إنالباب، وساروا يطلقون الثقة على من كان قد ثبت سماعه للكتاب الذي يرويه، أو لحضوره

لمجلس السماع، فهذا هو الذي يسمى عندهم بالثقة، وقد ال يكون عدال وضابطا ، وقد يكون عدال فمثل هذا إن وجدنا وصف العالم له بأنه ثقة فليس لنا أن نحتج بحديثه بعد أن عرفنا دون ضابط،

اصطالح من وثقه، أنه ال يقصد بالثقة، الثقة الذي يعتمد على حديثه، ويحتج بروايته، إنما قصد الثقة أي هو صادق في ادعائه حضور هذا المجلس، صادق في ادعائه سماع هذا الكتاب من

المتأخرين إنما كانوا يسمعون كتبا مروية عن أصحابها، ولم يكونوا يسمعون الشيخ؛ ألن أحاديث مفردة؛ فلهذا لم يكن وصف المتأخر للراوي بأنه ثقة، قاصدا منه أنه حجة فيما تفرد به، والشأن هنا فيما تفرد به من الروايات، ال فيما كانت روايته موجودة عند علماء األصول، أو في

ل التي صنفها العلماء، كالصحيحين وسنن أبي داود والمسند والموطأ، ومثل هذه كتب األصوالكتب، فالحديث إن وجدنا له أصال في هذه الكتب، فال تعنينا رواية هذا الراوي له، وال يضرنا إن كان صادقا أو كاذبا ، إن كان متقنا أو غير متقن؛ ألن الحديث ثابت محفوظ، إنما الشأن فيما

تفرد مثل هذا الراوي بحديث، وليس له أصل في األصول، وال خرجه إمام معتمد، وال هو إذاموجود في كتاب من كتب الحديث المشهورة المتداولة، فإننا ال نستطيع أن نعتمد على رواية

ذلك الراوي، فنحكم على الحديث بكونه صحيحا لكون الراوي ثقة؛ ألن هذا الثقة إنما وثقوه على لمجلس السماع وثبوت ذلك، ال ألنه وصف بالعدالة والضبط، المشترطان في قبول حضوره

Page 57: علوم الحديث   المستوى الثاني

حديث الراوي، فهذا وجه في الجمع، أسأل هللا تعالى أن أكون وفقت إليه، والمسألة ما زالت محل بحث العلماء، فأسأل هللا التيسير، ونكتفي بهذا القدر وننظر فيما عند اإلخوة الكرام.

لقة الماضية:إجابة أسئلة الح

كان السؤال األول: أيهما أصح؟ البخاري أو مسلم؟ ولماذا؟

وكانت اإلجابة:

أوال : صحيح البخاري أصح من صحيح مسلم؛ وذلك ألن شروط الصحيح متحققة في البخاري أكثر من مسلم، وقد تكون هناك أحاديث عند مسلم تقدم على أحاديث البخاري.

رج لهم البخاري لم يتكلم فيهم بجرح، وأما الرواة الذين خرج لهم ثاني ا: أن الرواة الذين خمسلم ففيهم كالم مرجوح؛ وألن البخاري اشترط في إخراج الحديث بأن يكون الراوي عاصر

. شيخه وثبت عنده سماعه منه، وأما مسلم فاكتفى بمجرد المعاصرة. انتهت اإلجابة

بارك هللا فيك.

الحكم على الحديث، بأنه على شرط الشيخين أو أحدهما؟ السؤال الثاني: اذكر شرائط

وكانت اإلجابة:

أن يكون رواة الحديث من رجال الصحيحين أو أحدهما، أن يتحقق فيهم ما اشترطه الشيخان . أو أحدهما، أن يكون اإلسناد على الصفة التي أخرج بها الشيخان أو أحدهم

في أول الحلقة. -عز وجل-طبع ا نحن فصلنا هذا بفضل هللا

-يقول: هل أصحاب الصحاح لهم شروطهم الخاصة لقبول الحديث، وخاصة ابن خزيمة . ؟-رحمه هللا تعالى

نحن قلنا في األصل أن العلماء ال يقبلون الحديث إال إذا كان صحيحا ، وال يدخلون الحديث ق فيه شرائط في كتاب وصفوه بأنه صحيح إال إذا كان الحديث عند ذلك المصنف قد يتحق

الصحة، إال أن هذه الشرائط بعض أهل العلم يشترطها كلها، وبعضهم ال يشترطها كلها، واإلمام ذكر في تعريف كتابه، أو في اسم كتابه، أو في وقف شرائطه، ما -رحمه هللا تعالى-ابن خزيمة

د في يدل على أنه لم يشترط بعض ما اشترطه غيره من العلماء في صحة الحديث، فلم يرتعريفه ما يدل على اشتراطه سالمة الحديث من الشذوذ والعلة، وكما يقول اإلمام الحافظ ابن حجر: إن ابن خزيمة وكذلك ابن حبان قد يقع الحديث عندهم سالما من العلة فيتجنبان إخراج

علة، الحديث المعلول، ولكن ال يشترطان تتبع العلة بحيث يتحقق لديهما أن الحديث لم تقع فيه وفرق بين أن أجد العلة فأتجنبها، وبين أن أبحث عنها خشية أن تكون واقعة في الرواية.

. يقول: البخاري هو الصحيح باإلجماع، فما حكم األحاديث المعلقة الموجودة فيه؟

حينما نقول: إن البخاري أحاديثه صحيحة، نقصد األحاديث التي أسندها في كتابه، أي رواها ا المعلقات فليست هي من شرط الصحيح، منها ما هو صحيح، ومنها ما هو حسن، بإسناده أم

ومنها ما هو ضعيف، إال أن ضعفها ليس من الضعف الشديد.

Page 58: علوم الحديث   المستوى الثاني

. يقول: هل يجب على الطالب أن يحفظ متن كتاب الباعث الحثيث؟

: ليس بالضرورة أن يحفظ متن الباعث الحثيث، وإنما هناك متون أخرى صنفت لتحفظ منهاكتاب نخبة الفكر للحافظ ابن حجر، هو متن مختصر في هذا العلم، شامل لمسائل العلم، وفي الوقت نفسه مختصر جدا ، وهناك منظومات ألفت في هذا العلم أيضا كأليفة السيوطي، وكأليفة العراقي، هناك من يميل إلى حفظ النظم على النثر، وهناك من يميل إلى النثر دون النظم، وإن

ردت أن تحفظ مختصرا كبيرا ويكون مما كتب نثرا ، فعليك بمختصر اإلمام النووي لكتاب ابن أ الصالح.

يقول: هل إذا صح الحديث في أصل البخاري ومسلم، أمكن تخريجه من طريق ضعيف . كالمستدرك؟

خطأ، يعني تخريجه وتنسبه للبخاري؟ إن كنت تقصد تخرجه ناسبا إياه للبخاري أو مسلم فهذا إنما تقول: أخرجه الحاكم بإسناد ضعيف، وله أصل في الصحيحين، فتميز بين ما أخرجه

الحاكم، وبين ما أخرجه اإلمام البخاري أو مسلم.

يقول: هل في الصحيحين أحاديث متكلم فيها، بحيث أنه معلول أو ضعيف، نظرا الشتراط المسلم المعاصرة، وإن لم تثبت اللقية؟

رنا إليها سابقا ؛ ألن أغلب األحاديث التي خرجها البخاري ومسلم وتكلم فيها، هذه مسألة أشالكالم فيها إنما هو راجع في األعم األغلب إلى الصناعة اإلسنادية البحتة بما ال تأثير له في

المتون، وما سوى ذلك فيعرف من كتب االختصاص.

ي من تقسيم اإلمام النووي، وليست يقول: هل تقسيم كتاب اإلمام مسلم على طريقة أبواب، ه . من تقسيم اإلمام مسلم؟ وما هي أفضل طبعة تنصحنا باقتنائها لصحيح اإلمام مسلم؟

طبعا هذه التبويبات هي لشراح صحيح مسلم، وليست هي لإلمام مسلم، قد يكون اإلمام مسلم التي هي بين األحاديث له أسماء الكتب، كتاب الصالة، كتاب الزكاة، كتاب الحج، لكن األبواب

التي تفصل أحاديث عن أخرى هي للشراح، إما للقاضي عياض وإما للنووي وإما لكليهما.

يقول: بالنسبة للمعلقات في صحيح البخاري، هناك كتاب تغليق التعليق، فهل جمع هذا الكتاب . غلق جميع المعلقات؟

األحاديث التي علقها البخاري، وقلنا الحافظ ابن حجر العسقالني في تغليق التعليق، عمد إلى صلى هللا عليه وآله -علقها أي رواها بغير إسنادها، أي لم يسندها إلى قائلها، أو إلى رسول هللا

، اإلمام البخاري حيث علق هذه األحاديث هي بطبيعة الحال مسموعة لديه، له فيها -وسلمندها في كتابه هذا، وإنما ذكرها أسانيد، ولكنه كما أقول لغرض من أغراض التصنيف لم يس

معلقة، وبعضها علقها في موضع وأسندها في موضع آخر، بحسب الحاجة، فعمد الحافظ ابن إلى هذه األحاديث التي علقها، وجاء في أسانيدها، وذكر من خرج -رحمه هللا-حجر العسقالني

تلك األحاديث مسندة من علماء الحديث، وألف كتابه تغليق التعليق.

يقول: ما المقصود أن كتابي ابن خزيمة وابن حبان، هما خير من المستدرك بكثير وأنظف . أسانيد ومتونا ، هل هما أصح منه أم ماذا؟

Page 59: علوم الحديث   المستوى الثاني

هما مقدمان في الصحة على مستدرك الحاكم، أي: أصح صحيحا من مستدرك الحاكم، صحيح ابن خزيمة فالكتب الثالثة شرط أصحابها فيها الصحة، ولكن شرط الصحة تحقق في

أكثر من تحققه في صحيح ابن حبان، وهو في صحيح ابن خزيمة وابن حبان متحقق أكثر من صحيح ابن خزيمة، فصارت المرتبة أو األصحية تقديم صحيح ابن خزيمة من حيث األصحية،

ثم صحيح ابن حبان، فهو دون ابن خزيمة وأعلى من الحاكم، ثم يأتي المستدرك، الحاكم في ؤخرة. الم

يقول: ذكرت في حكم الزيادة الواردة في المستخرج، هل لنا أن نقول: أن ترك صاحب الصحيح البخاري أو مسلم أو كليهما، لهذه الزيادة دليل على كونها معلولة أو فيها علة؛ لذلك

. تركها؟

ا هذا ليس بالالزم، قد يكون هذه الزيادة صحيحة، ولكنه لم يحتج إليها في الصحيح، نحن قلنالكتاب مختصر فال يخرج كل شيء يأتي في األحاديث الصحيحة، ولكن أحيان ا تكون صحيحة،

وأحيانا تكون غير صحيحة، أحيان ا تكون محفوظة، وأحيانا تكون شاذة، وهذا كله يدرك بالرجوع إلى كتب التخريج وكتب العلل لنعرف المحفوظ منها، من غير المحفوظ.

بع لشرئط تحقق أن يكون الحديث على شرط الشيخين أو كليهما، يقول: في الشرط الراذكرت أن يكون رجال هذا الحديث ممن تعمد البخاري ومسلم أو أحدهما اإلخراج عنهم، ولم

يذكروا اتفاقا ، فذكرت في مثال حديث سفيان بن عيينة رواه عن ابن المسيب عن أبي هريرة عن (، وذكر قصة النار، فذكرت أن ا اشتد الحر فأبردواإذقال: ) -صلى هللا عليه وسلم-النبي

. البخاري في هذا الحديث ذكر هذا الحديث في آخر قصة معروفة

الحديث اآلخر: حديث عروة البارقي.

حديث عروة البارقي: ذكره البخاري في آخر قصة، ذكرت أن في هذه القصة، رجالها غير بعضهم متروك الحديث، فهل هذه القصة في معروفين أو موهومين، وبعضهم تكلم فيهم، بل

. صحيح البخاري تعتبر قصة ضعيفة؟

ال...؛ ألن هذه القصة هي جزء من اإلسناد؛ ألن اإلسناد كما يعرفه الحافظ ابن حجر وكذلك اإلمام ابن جماعة: حكاية طريق المتن، اإلسناد ما هو إال حكاية، يعني حينما أقول: حدثني فالن،

ني ذهبت إلى فالن، فسمعته يحدث بهذا الحديث، فأنا أحكي كيف وصل إلي المتن، كأنني قلت: إنفالحكاية قد تكون قصرة، وقد تكون طويلة، وقد تشتمل على فصول متعددة، في النهاية كل ذلك

جزء من اإلسناد، وليس هو المتن الذي يقصده المخرج للحديث.

هم غير رجال الحديث الخيل؟ وهل هو سياق هؤالء الرجال الذين في إسناد هذه الحكاية، هل . متصل مع بعضه؟

أي نعم.

. رجال غير رجال؟

نعم؛ ألن الحسن بن عمارة لم يروي حديث الخيل، إنما هو حديث آخر، ورد ذكره أثناء اإلسناد.

Page 60: علوم الحديث   المستوى الثاني

. أسئلة الحلقة

-صحيح ابن خزيمة -رتب هذه الكتب بحسب األصحية: مستدرك الحاكم السؤال األول: صحيح ابن حبان؟

هل في مسند اإلمام أحمد أحاديث موضوعة؟ السؤال الثاني:

وهللا أعلم.

Page 61: علوم الحديث   المستوى الثاني

الدرس الخامس تابع الزيادات على الصحيحين

إن الحمد هلل تعالى نحمده، ونستعينه ونستغفره ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، ه، وأشهد أال إله إال هللا وحده ال شريك له، من يهده هللا فال مضل له ومن يضلل فال هادي ل

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وبعد:

-بقية المسائل التي أودعها الحافظ ابن كثير -إن شاء هللا تعالى-سنستكمل في هذا اللقاء في نوع الحديث الصحيح . -رحمه هللا تعالى

عد أن بين أن هناك أحاديث صحيحة ب -رحمه هللا تعالى-آخر ما تكلمنا فيه أن اإلمام ابن كثير زائدة على ما في الصحيحين، وأن هذه األحاديث الصحيحة من الممكن أن توجد في كتب السنن

والمسانيد وغيرها، أخذ يعدد لنا بعض الكتب المشهورة التي يظن فيها وجود األحاديث الصحيحة الزائدة على ما في الصحيحين.

سنستكمل مع الحافظ ابن كثير الحديث عن بعض هذه الكتب التي -إن شاء هللا تعالى-واليوم -رحمه هللا تعالى-تضمنت صحيح األحاديث الزائدة على ما في الصحيحين، فأول كتاب ذكره

:-رحمه هللا تعالى-كتاب المختارة للضياء المقدسي، فقال

سماه المختارة ولم وقد جمع الشيخ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي في ذلك كتابا ) .(يتم، كان بعض الحفاظ من مشايخنا يرجحه على مستدرك الحاكم وهللا أعلم

كتاب المختارة للضياء المقدسي موضوعه مثل موضوع المستدرك للحاكم النيسابوري فهو أيضا يستدرك على الشيخين األحاديث الصحيحة، وهذا الكتاب في نظر نقاد الحديث هو أعلى

ل وأنظف أسانيد من مستدرك الحاكم، سبق وأن تكلمنا أن مستدرك الحاكم فيه من رتبة وأفضاألحاديث الضعيفة والمعلولة بل والمنكرة والباطلة والموضوعة، ما هو معلوم عند أهل العلم؛

ولهذا وجهوا سهام نقدهم على هذا الكتاب، ولم يوافقوا الحاكم فيما ذهب إليه في كثير من ودعها ذلك الكتاب بخالف المختارة المقدسي، فاألحاديث التي به هي أفضل األحاديث التي أ

وأحسن من حيث اإلسناد، وكذلك المتون واألحاديث المنتقدة عليه قليلة جدا ، مقارنة بما انتقد على كتاب الحاكم.

( يقصد شيخ اإلسالم ابن تيمية، فإنه قال ذلك كان بعض الحفاظ من مشايخنيقول ابن كثير ) بعض كالمه إن كتاب المختارة أحسن وأفضل من مستدرك الحاكم. في

إلى الحديث عن مستدرك الحاكم؛ ألن اإلمام ابن -رحمه هللا تعالى-ثم بعد ذلك عاد المصنف الصالح توسط في شأنه ووضع لنا ضابطا مع كيفية التعامل مع أحاديث كتابه، فقال:

الحاكم في مستدركه، فقال: وهو واسع الخطو وقد تكلم الشيخ أبو عمرو ابن الصالح على)في شرط الصحيح، متساهل بالقضاء به، فاألولى: أن يتوسط في أمره، فما لم نجد فيه تصحيحا .(لغيره من األئمة، فإن لم يكن صحيحا فهو حسن يحتج به، إال أن تظهر فيه علة توجب ضعفه

مع التوسط في -رحمه هللا تعالى-هذا هو ما ذهب إليه الحافظ أبو عمرو ابن الصالح أحاديث الحاكم، وخالصة قوله في ذلك، أن الحديث الذي يصححه الحاكم في كتابه المستدرك:

إما أن يكون الحاكم قد وافقه غيره من العلماء على هذا التصحيح أو ال...

Page 62: علوم الحديث   المستوى الثاني

طيء فيه.فإن وجدنا العلماء وافقوه على ذلك التصيحيح فهذا مما أصاب فيه الحاكم ولم يخ -

وإن كان العلماء خالفوه في هذا التصحيح وذهبوا إلى ضعف الحديث ال إلى صحته، فالقول -قول العلماء في ذلك، ويحمل تصحيح الحاكم النيسابوري على ما عرف من تساهله في باب

التصحيح.

ه، يبقى النظر في األحاديث التي صححها الحاكم، أي أودعها كتابه المستدرك، الصحيح عندولم نجد إماما من األئمة اآلخرين موافقا له أو مخالفا ، فماذا يكون تعاملنا مع هذا االنوع من

األحاديث؟

أن مثل هذه األحاديث ينظر فيها، -رحمه هللا تعالى-يرى الحافظ أبو عمرو ابن الصالح ينظر في إسنادها ومتونها.

ا للتضعيف من جرح لبعض الرواة، أو فإذا وجد في اإلسناد أو في المتن ما يكون سبب - انقطاع في اإلسناد أو نكارة في المتن أو نحو ذلك، فحينئذ نحكم بما تقتضيه األسانيد والمتون.

أما إذا لم نجد قادحا في اإلسناد وال في المتن، فنحن ال نعطيه حكم الصحيح، بل حكم - .الحسن فقط، ننزل به من مرتبة الصحيح إلى مرتبة الحسن

رحمه هللا -إذن الحديث الذي يصححه الحاكم في المستدرك هو في نظر الحافظ ابن الصالح :-تعالى

إما أن يكون الحاكم في هذه األحاديث وافقه العلماء اآلخرون على ما ذهب إليه من - تصحيح الحديث، فحينئذ نحكم على الحديث بكونه صحيحا ؛ ألن الحاكم لم يتفرد بما ذهب إليه.

وإما أن يخالفه الحفاظ اآلخرون فيما ذهب إليه من تصحيحهم لهذا الحديث، فحينئذ ال يعرج -على قول الحاكم، ونحكم بضعف الحديث اعتمادا على ما ذكره أهل العلم ونقاده من تضعيف

لهذا الحديث، ويحمل صنيع الحاكم حينئذ على تساهله الذي عرف عنه.

دخلها الحاكم في كتابه المستدرك مصححا لها، ولم نجد إماما ثم يأتي دور األحاديث التي أ آخر من اآلئمة تكلم فيها ال بتصحيح وال بتضعيف، فهذه األحاديث ننظر في إسنادها ومتنها.

فإن وجدنا موجبا للقدح فيها أعملنا ذلك، وحكمنا على الرواية بالخطأ والضعف، وأيضا - كم وتساهله.حملنا ذلك على أنه من أخطاء الحا

أو لم نجد في اإلسناد ما يدعو إلى التصحيح، أو في المتن ما يدعو إلى اإلنكار، فحينئذ -نقبل من الحاكم حكمه على الحديث، ولكننا ال نوافقه في إطالق اسم الصحة على الحديث، بل

ننزله إلى أدنى مراتب المقبول، وهو الحديث الحسن.

في هذه الصورة األخيرة، اسم الصحيح على -مه هللا تعالىرح-لماذا لم يطلق ابن الصالح هذا النوع من األحاديث؟ بناء على أن الحاكم قد صحح الحديث، وهو لم يجد فيه ما يدعو إلى

التضعيف؟

هذا راجع إلى معرفة العلماء بمنهج الحاكم، نحن ذكرنا في لقاءات سابقة أن هناك من أهل ل صحيحا ، سواء كان من أعلى درجات القبول أم من أدناها، العلم من يسمي كل ما هو مقبو

Page 63: علوم الحديث   المستوى الثاني

ومن هؤالء العلماء: الحاكم النيسابوري، وكذلك ابن حبان، وابن خزيمة نسب إلى هؤالء الثالثة وإلى غيرهم أيضا أنهم كلما جاء الحديث مقبوال تحقق فيه شرائط القبول سواء كان في أعلى

يسمون ذلك صحيحا ، فإذا وجدنا الحاكم مع ما عرف معه درجات القبول أم في أدناها، فهمبالتساهل وصف الحديث بأنه صحيح، ولم نجد ما يدعو إلى تضعيفه، نعم سنقبل منه ذلك الحكم،

لكن نجعله في أدنى درجات القبول؛ مصطلح الصحيح في عرف الحاكم متردد بين هذه المراتب.

ن فيه هل هو من درجة عليا في الصحة، أم من فقول الحاكم في الحديث: إنه صحيح، لم يبيدرجة دنيا في الصحة؟ فاألمر المتيقن لدينا هو أنه داخل في حد الحسن الذي هو في أدنى

درجات القبول، وأما دخوله في درجة األعلى فهذا يحتاج إلى دليل آخر يثبت ذلك.

فه: هو أنه في حيز فالذي نتيقنه من تصحيح الحاكم للحديث مع عدم علمنا بما يوجب ضعالقبول، فنعطيه أدنى درجات القبول؛ ألن هذا هو األمر المتيقن لدينا الذي نستطيع أن نجزم به، أما إذا أردنا أن نرفعه إلى أعلى درجات القبول وهو الصحيح، فالبد حينئذ من دليل آخر يرشدنا

إلى ذلك ويدفعنا إلى ارتقاء الحديث إلى هذه المرتبة العليا.

اك من العلماء من انتقد ابن الصالح في هذا الموضع، وقال: الصواب أنه ينظر في هذا هنالحديث، ويتتبع رواياته وأسانيده، ويحكم عليه بما يقتضيه من صحة أو ضعف أو حسن، وهذا

عليه رحمة -الكالم صحيح، ولكنه ال يتعارض مع ما ذهب إليه الحافظ أبو عمرو ابن الصالح ن أبا عمرو ابن الصالح يريد أن يستفيد من هذا الحكم الذي ذهب إليه الحاكم، ؛ أل-هللا تعالى

ويريد أن يضعه موضع االعتبار، بطبيعة الحال كل األحاديث يلزمنا لكي نعرف صحيحها من سقيمها أن ننظر في أسانيدها، وفي متونها، وأن نعمل قواعد أهل العلم التي درسناها وعرفناها

ى ضوء ذلك يترجح لدينا إن كان الحديث صحيحا أم غير صحيح.عن المحدثين، وعل

رحمه هللا -هذا القانون يتبع في كل األحاديث، لكننا اآلن بين أيدينا حكم إلمام، فابن الصالح ال يريد أن يهمل ذلك الحكم، وإنما يضعه موضع االعتبار مع ما احترز منه، من كون -تعالى

فلهذا احتاط في هذا، وقال: إذا وجدنا فيه ما يوجب الضعف الحاكم متساهال في التصحيح؛ ضعفناه، مع أن الحاكم قد صححه، فهو لم يتبع الحاكم فيما ذهب إليه من تصحيح أو تقوية لهذا

الحديث، بل قيد ذلك بأن يكون الحديث مع ذلك سالما من موجب للضعف، وهذا في قوله: إال أن يدل على أن ابن الصالح يعمل القواعد، ويعمل األصول، تظهر فيه علة توجب ضعفه، وهذا

وينظر في األسانيد والمتون، بحيث يتبين له هل الحديث فيه ما يقدح، أم ليس فيه ما يقدح؟ فإذا ترجح أنه ليس فيه ما يقدح، حينئذ استفاد بحكم الحاكم، وحمله على أنه ليس من باب التساهل،

يقدح فيه سواء في إسناده أو متنه، ففي هذه الحالة ال يعرج على أما إذا كان الحديث متضمنا ما قول الحاكم، وال يتبعه في ذلك.

قلت: في هذا الكتاب أنواع من الحديث كثيرة، فيه الصحيح ) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف المستدرك، وهو قليل، وفيه صحيح قد خرجه البخاري ومسلم، أو أحدهما لم يعلم به الحاكم. وفيه الحسن والضعيف والموضوع أيض ا. وقد اختصره شيخنا أبو عبد هللا الذهبي، وبين هذا كله، وجمع منه جزءا كبيرا مما وقع فيه من الموضوعات، وذلك يقارب مائة حديث. وهللا

.(أعلم

يقسم لنا أنواع األحاديث في كتاب المستدرك، نحن -رحمه هللا تعالى-عاد الحافظ ابن كثير نعلم أن أصل كتاب المستدرك للحاكم النيسابوري، استدراك األحاديث التي هي على شرط

البخاري ومسلم، وليست هي في الصحيحين، إذن ينبغي أن تكون األحاديث التي اشتمل عليها

Page 64: علوم الحديث   المستوى الثاني

كتاب المستدرك في الصحة بمنزلة أحاديث الصحيحين؛ ألنها ينبغي أن تتحقق فيها شرائط تساهل، وتوسع في ذلك غاية -رحمه هللا تعالى-هما، إال أن الحاكم الصحيحين في صيحيحي

التوسع، فأدخل في كتابه المستدرك على الصحيحين، أحاديث ال ينبغي أن تكون في هذا الكتاب، فمن هذه األحاديث ما هو صحيح على شرط البخاري ومسلم حقا ، يعني تحقق فيه شرط

هذه األحاديث في كتابه المستدرك، ولكن هذا قليل، في البخاري، وأصاب الحاكم في إدخال مثل جنب األحاديث التي لم يتحقق فيها شرط الشيخين في هذا الكتاب، ونحن تكلمنا في اللقاء

وكيف نحقق ذلك في األحاديث؟ -شرط البخاري وشرط مسلم -الماضي على شرط الشيخين أحاديث استدركها الحاكم على يقول: وفيه صحيح قد خرجه البخاري ومسلم، يعني هناك

الشيخين، وأدخلها في كتاب المستدرك على أنها مما يستدرك على البخاري وعلى مسلم، والواقع أنها لم تفت البخاري وال مسلم، وهي موجودة في الصحيحين، فالبخاري قد خرج هذه

ى مسلم، غافال األحاديث، وكذلك مسلم، ولكن الحاكم جاء فاستدركها مع ذلك على البخاري وعلعن أن البخاري ومسلما قد سبقاه إلى إخراجها، فهذه األحاديث مما يعاب بها على الحاكم؛ ألن

الحاكم إنما قصد إلى األحاديث التي ليست في الصحيحين، وقد تحقق فيها شرط الشخين، أما أن ري ومسلم فهذا عيب يعمد إلى ما في الصحيحين بالفعل، ثم يرويها هو مستدركا إياها على البخا

في كتاب المستدرك.

( يعني هناك أحاديث في المستدرك لم تبلغ إلى مرتبة الصحة وفيه الحسن والضعيفيقول: )فضال عن أن تكون على شرط البخاري وشرط مسلم، فمنها ما هو حسن وعرفنا أن الحسن: هو

ديث حسنة لم تبلغ في ما كان من جملة الصحيح، إال أنه من أدنى مراتب الصحيح، فهي أحاالقوة إلى مرتبة الصحيح فضال عن أن تكون على شرط البخاري أو شرط مسلم، وفيها ما هو

ضعيف إما لجرح في بعض الرواة، وإما النقطاع في اإلسناد، وإما لعلة خفية ظهرت في ها ما هو اإلسناد أو في المتن، مما يستدل به على كون ذلك الحديث ضعيفا وليس صحيحا . بل في

نحو مائة -وهو ذكر أنها -موضوع، يعني هذه األحاديث التي استدركها الحاكم جملة منها حديث يصح أن توصف بأنها أحاديث موضوعة، إما لكونها مشتملة على كذاب، أي تفرد

وإما أنه استدل على -صلى هللا عليه وسلم-بروايتها رجل كذاب يتعمد الكذب على رسول هللا وضوعة بداللة أخرى مما يعرف ذلك العلماء من خالل النظر في المتون، فهذا تفصيل كونها م

أحاديث المستدرك.

موطأ مالك

ثم انتقل بعد ذلك إلى موطأ اإلمام مالك، على أساس أنه من الكتب التي توجد فيه أحاديث صحيحة زائدة عما في الصحيحين.

-نبيه : قول اإلمام محمد بن إدريس الشافعي موطأ مالك. ت: )-رحمه هللا تعالى-قال المصنف " ال أعلم كتابا في العلم أكثر صوابا من كتاب مالك" ، إنما قاله قبل البخاري -رحمه هللا تعالى

غير -ومسلم، وقد كانت كتب كثيرة مصنفة في ذلك الوقت، في السنن البن جريج وابن إسحاق ومصنف عبد الرزاق بن همام، وغير ذلك. وألبي قرة موسى بن طارق الزبيدي، -السيرة

(، أجلها وأعظمها نفعا ، وإن كان بعضها أكبر حجما منه، أ الموط وكان كتاب مالك، وهو ) وأكثر أحاديث(.

وأعظمها نفعا ، وإن كان بعضها أكبر حجما منه، وأكثر أحاديث ، أجلها( وأكثر أحاديث ، أجلها وأعظمها نفعا ، وإن كان بعضها أكبر حجما منه،(

Page 65: علوم الحديث   المستوى الثاني

تكلم هنا عن موطأ اإلمام مالك، وكتاب الموطأ معروف مشهور متداول، وله روايات عدة وردت كلمة عن اإلمام الشافعي قد يفهم منها أن الموطأ مقدم -رحمه هللا تعالى-عن اإلمام مالك

أعلم كتابا ال: »-رحمه هللا تعالى-على الصحيحين، استشكل ذلك البعض فقال اإلمام الشافعي أي من الموطأ، فقد يفهم البعض من ذلك أن الموطأ مقدم « في العلم أكثر صوابا من كتاب مالك

في الصحة على الصحيحين، وليس األمر كذلك؛ ألن موطأ اإلمام مالك إنما وجد قبل أن يوجد فعي، متقدم الصحيحان؛ ألن اإلمام مالك متقدم في الزمن على البخاري وعلى مسلم، وكذلك الشا

في الزمن على البخاري وعلى مسلم، فالشافعي حينما قدم كتاب مالك على الكتب األخرى يقصد بالكتب األخرى التي كانت موجودة في عصر مالك، ولم يكن البخاري صنف الصحيح، وال ي مسلم صنف الصحيح، بل لم يكن وقتئذ البخاري موجودا ، وال مسلم موجودا ، ولم يقف الشافع

على صحيح البخاري؛ ألن البخاري جاء بعده، وكذلك لم يقف على صحيح مسلم؛ ألن مسلم جاء بتقديم كتاب مالك على سائر الكتب، أي -رحمه هللا تعالى-بعده، فإنما قصد اإلمام الشافعي

، أما بعد ذلك فاألمر كما اتفق عليه -رحمه هللا تعالى-الكتب التي كانت موجودة في زمن مالك لمحدثون أن الصحيحين أصح الكتب بعد كتاب هللا عز وجل.ا

وقد طلب المنصور من اإلمام مالك أن يجمع الناس على ) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف إن الناس قد جمعوا »كتابه، فلم يجبه إلى ذلك؛ وذلك من تمام علمه واتصافه باإلنصاف، وقال:

«. واطلعوا على أشياء لم نطلع عليها

( وعلقوا عليه كتبا جمة. ومن أجود ذلك كتابا "التمهيد"، الموطأ اعتنى الناس بكتابه ) وقد. هذا مع ما فيه من -رحمه هللا -"االستذكار" للشيخ أبي عمر ابن عبد البر النمري القرطبي

األحاديث المتصلة الصحيحة والمرسلة والمنقطعة، والبالغات التي ال تكاد توجد مسندة إال على ندور(.

االستذكار" للشيخ أبي عمر ابن عبد " ،"وعلقوا عليه كتبا جمة. ومن أجود ذلك كتابا "التمهيد (

فيه من األحاديث المتصلة الصحيحة والمرسلة . هذا مع ما-رحمه هللا -البر النمري القرطبي مسندة إال على ندور والمنقطعة، والبالغات التي ال تكاد توجد

أبي عمر ابن عبد با جمة. ومن أجود ذلك كتابا "التمهيد"، "االستذكار" للشيخوعلقوا عليه كت (المتصلة الصحيحة والمرسلة . هذا مع ما فيه من األحاديث-رحمه هللا -البر النمري القرطبي

ندور والمنقطعة، والبالغات التي ال تكاد توجد مسندة إال على

إلى أنواع األحاديث التي اشتمل عليها كتاب الموطأ -رحمه هللا تعالى-أشار اإلمام ابن كثير ، فذكر أن هذه األحاديث منها ما هو: أحاديث صحيحة، وهي: -رحمه هللا تعالى-لإلمام مالك

، ومنها: ما هي مرسالت، نحن نعلم أن -صلى هللا عليه وسلم-المسندة المتصلة إلى رسول هللا يس متصال ، وهو صورة من صور السقط من اإلسناد، ل -إن شاء هللا تعالى-المرسل كما سيأتي

التابعي لم يدرك -صلى هللا عليه وسلم-فيخصها المحدثون بما يرويه التابعي عن رسول هللا ولم يلتق به، ولم يسمع منه، فإذا ما روى الحديث عن رسول -صلى هللا عليه وسلم-رسول هللا

صلى -هناك واسطة أو أكثر بينه وبين رسول هللا مباشرة، فالبد أن -صلى هللا عليه وسلم-هللا ، هذا يسمى عند المحدثين بالمرسل، والمرسل من أنواع الحديث الضعيف لعدم -هللا عليه وسلم

تحقق شرط االتصال فيه.

Page 66: علوم الحديث   المستوى الثاني

"والمنقطعة"، االنقطاع صورة أخرى من صور عدم االتصال، ولكن االنقطاع ال يكون في ، إنما يكون ذلك أثناء اإلسناد، وهو أن -صلى هللا عليه وسلم-رواية التابعي عن رسول هللا

يروي الراوي عن شيخ وهو لم يسمع منه، لم يسمع الحديث منه بل تكون الرواية حينئذ منقطعة، ونستدل بانقطاعها على أن هناك واسطة سقطت من الوسط، قد تكون واسطة واحدة،

دم االحتجاج بها.أو أكثر، وكل ذلك يوجب عدم قبول الرواية، وع

كثيرا -رحمه هللا تعالى-"والبالغات التي ال تكاد توجد مرسلة إال على ندور"، اإلمام مالك في كتابه الموطأ يقول: وبلغني عن فالن أنه قال كذا، أو بلغني عن فالن عن فالن عن فالن عن

-ي يعلقها اإلمام البخاري ، والبالغات شبيهة بالمعلقات الت-صلى هللا عليه وآله وسلم-رسول هللا في الصحيح والتي سيأتي الكالم عنها قريبا ؛ لهذه األمور لما اشتمل كتاب -رحمه هللا تعالى

موطأ على ما هو مسند، وعلى ما هو منقطع، وعلى تلك البالغات لم ير العلماء جعله من كتب المتصلة إلى األصول؛ ألن كتب األصول المفترض أن تكون خاصة باألحاديث المرفوعة

؛ فلهذا رغم أن األحاديث المسندة التي في الموطأ هي -صلى هللا عليه وآله وسلم-رسول هللا أحاديث صحيحة، ولكن لما اشتمل الموطأ مع ذلك على هذه البالغات، وتلك المنقطعات، وهذه

ك من المراسيل، نزل عن رتبة الصحيحين، ولم يدخله العلماء في كتب األصول، وإن كان هناالعلماء من جعله من كتب األصول، كاإلمام ابن األثير في كتابه جامع األصول، فكتاب جامع األصول أدخل اإلمام "ابن األثير" الموطأ عوضا عن سنن ابن ماجة، مع أن غيره أدخل سنن

ابن ماجة بدال من الموطأ.

إطالق اسم الصحيح على الترمذي والنسائي

إطالق اسم الصحيح على الترمذي والنسائي. وكان الحاكم ) -تعالىرحمه هللا -قال المصنف أبو عبد هللا، والخطيب البغدادي يسميان كتاب الترمذي: "الجامع الصحيح" وهذا تساهل منهما. فإن فيه أحاديث كثيرة منكرة. وقول الحافظ أبي علي ابن السكن، وكذا الخطيب البغدادي في

، فيه نظر. وإن له شرطا في الرجال أشد من شرط مسلم غير كتاب السنن للنسائي: إنه صحيحمسلم. فإن فيه رجاال مجهولين: إما عينا أو حاال ، وفيهم المجروح، وفيه أحاديث ضعيفة ومعللة

((األحكام الكبير ومنكرة، كما نبهنا عليه في )

الصالح، وجد في استعمال مسألة ترجع إلى جانب -رحمه هللا تعالى-يتناول الحافظ ابن كثير بعض أهل العلم، إطالق اسم الصحيح على بعض كتب السنن التي هي مشتملة على الصحيح

إذا ما أطلقناه على كتاب من الكتب فإنما نعني -الصحيح -وغيره، فنحن نعلم أن هذا الوصف ي صحيح البخاري، أو صحيح مسلم؛ ولهذا تجد في كالم أهل العلم وهذا حديث مخرج ف

الصحيح، فإذا ما وجدت اإلمام يقول: في الصحيح، تفهم أنه يقصد إما البخاري، وإما مسلما ، أفردوا الصحيح أيضا كابن خزيمة وابن حبان والحاكم، إال أن -بطبيعة الحال -وهناك علماء

، ولكن مع ذلك يصح أن تسمي -كما أشرنا إلى ذلك -هؤالء العلماء وجد عنهم بعض التساهل هؤالء بالصحيح باعتبار ذلك في نظر صاحب الكتاب.كتب

لكن مثال : السنن األربعة، سنن الترمذي، سنن النسائي، سنن أبي داود، وابن ماجة، هذه السنن لم يشترط أصحابها الصحة أصال ، فهم يخرجون الصحيح والحسن والضعيف. والترمذي

-إلى الصحيح في هذه الكتب، بل أبو داود والنسائي وأبو داود وابن ماجة لم يقولوا: إننا قصدنايذكر في رسالته إلى أهل مكة أنه خرج في هذا الكتاب الصحيح وما يشابهه، -رحمه هللا تعالى

ويقاربه، يقول: وما فيه ضعف شديد بينته، وما ليس فيه ضعف شديد سكت عنه، إذن هو يقر ا فيه ضعف ولكنه ضعف هين. بأن كتابه مشتمل على أحاديث بعضها فيه ضعف شديد، وبعضه

كثيرا ما يعلق على األحاديث، ويحكم عليها في كتابه -رحمه هللا تعالى-وهذا اإلمام الترمذي

Page 67: علوم الحديث   المستوى الثاني

الجامع بما يدل على كون الحديث عنده ضعيفا ، فهو كثيرا ما يخرج الحديث ثم يضعفه، ويبين اء، ويقولون: إن ذلك الكتاب ما فيها من علة ظاهرة أو خفية، فكيف مع ذلك يأتي هؤالء العلم

صحيح، وصاحبه نفسه لم يقل ذلك، بل صنيعه وكالمه يدل على خالف ذلك؟! وهكذا اإلمام النسائي كثيرا ما يخرج أحاديث في كتابه السنن، ويبين عللها ويبين ما فيها من ضعف، فكيف

ذلك بأنه صحيح؟!ينسب إلى اإلمام النسائي أنه أراد الصحيح في هذا الكتاب ويوصف كتابه

لهذا اعتبر العلماء ذلك من باب التساهل في التسمية، فقول الخطيب البغدادي أو علي بن اعتبر العلماء ذلك -في وصف سنن الترمذي أو سنن النسائي بالصحيح -السكن، أو الحاكم

ما هو تساهال منهم، وأن هذه الكتب ال ينبغي أن توصف بالصحة، بل فيها ما هو صحيح، وفيها حسن، وفيها ما هو ضعيف.

ولكن من الممكن أن نتوسط في األمر، وأن نقول: لعل هؤالء العلماء حيث أطلقوا الصحة، أطلقوها من باب التغليب، يعني أغلب األحاديث التي فيها صحيحة؛ فلهذا استساغوا أن يطلقوا

ا ال صحة كل حديث اسم الصحيح على هذه الكتب، أو أنهم أرادوا بالصحيح هنا صحة أصولهعلى حدة، وهناك فرق بين صحة األصول وصحة الحديث، وهذا أمر سيتكلم عليه اإلمام قريبا ،

عندما يتعرض للكالم على األصول الخمسة، حيث وصفها بعض أهل العلم بأنها صحيحة، وسيتبين من ذلك معنى صحة األصول، فصحة األصل ال تعني صحة الحديث، وإنما صحة

ناها: أن الحديث مخرجه ثابت، مخرجه محفوظ، أي الراوي الذي خرج من عنده األصل مع الحديث، أضرب لكم مثاال :

نعود إلى اإلمام الزهري مرة أخرى، نحن نعرف اإلمام الزهري وهو من الحفاظ الذين كان له تالمذة، وأصحاب، -عليه رحمة هللا تعالى-أكثروا من رواية الحديث، واإلمام الزهري

خصصوا في أحاديثه وحفظوها وأتقنوها، واعتنوا بها غاية العناية، بحيث ال تكاد تجد حديثا تللزهري إال وهو عند أصحاب الزهري، أو بعضهم، فإذا وجدت حديثا يرويه أصحاب الزهري

عن الزهري، -الذين اعتنو بحديث الزهري وتخصصوا فيه والزموا الزهري مالزمة وثيقة - يث له أصل من حديث الزهري.فتقول: هذا حد

أما إذا وجدت بعض الضعفاء أو بعض من ليس معتنيا بحديث الزهري، يروي حديثا عن الزهري، وليس الحديث عند أصحاب الزهري المختصين به العارفين به، فيقول المحدثون: هذا

ه من حديث ليس له أصل من حديث الزهري. يعني: لم يثبت أن الزهري رواه، لم يثبت أنحديث الزهري؛ ألنه إن كان من حديث الزهري فالبد أنه سيأتي به كبار حفاظه الذين اعتنوا

بحديثه وأتقنوا حفظه، بحيث ال يخفى على مجموعهم، حديث من أحاديث الزهري، وإن جاز أن يخفى على بعضهم.

مرجع مفهوم كلمة أصل: أي أنه يكون ثابت عن هذا الراوي المشهور المعروف الذي هو لكثير من األحاديث، فإذا أثبتنا أصل الحديث عن الزهري، قد يكون الحديث فيه علة ممن فوق الزهري، قد يكون الزهري إنما رواه عن بعض الضعفاء، فالحديث حينئذ يكون صحيحا عن

صلى هللا عليه -أم ضعيفا ؟ ال يكون صحيحا عن رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم-رسول هللا ؛ ألن شيخ الزهري فيه ضعيف، ولكنه له أصل عن الزهري. يعني: إذا ثبت أن الزهري -موسل

روى الحديث فعال ، وأن هذا من حديثه، فهذا أصل بالنسبة إلى ذلك اإلمام الحافظ، لكن النظر بعد ذلك فيمن فوق الزهري من اإلسناد، قد يكون الزهري رواه عن ضعيف، فالعلة الضعف

ن سوء حفظ ذلك الراوي الذي هو شيخ اإلمام الزهري، قد يكون الزهري الذي هو ناشيء علم يسمعه ولم يروه عن صحابي عن رسول -صلى هللا عليه وسلم-رواه مرسال عن رسول هللا

، فنحن نقول: له -صلى هللا عليه وسلم-إنما رواه هكذا عن رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم-هللا

Page 68: علوم الحديث   المستوى الثاني

صلى -ني: ثبت أن الزهري رواه، ولكن لم يثبت أنه عن رسول هللا أصل من حديث الزهري، يع .-صلى هللا عليه وآله وسلم-لما في الرواية من إرسال بين الزهري ورسول هللا -هللا عليه وسلم

عندما تكلم عن أحاديث كتابه -رحمه هللا تعالى-وهذا هو المعنى الذي قصده اإلمام أبو داود وأحاديث هذا »يعني كتاب السنن له « وأحاديث هذا الكتاب»فقال: في رسالته إلى أهل مكة،

الكتاب أحاديث مشاهير رواها ناس كثيرون، وحفاظ كثيرون، بحيث تثبت لها أصولها، هكذا يقول اإلمام أبو داود، « وأحاديث هذا الكتاب أحاديث مشاهير، والفخر بها أنها مشاهير

ثا غريبا ، وال يحتج بالحديث الغريب، ولو كان من رواية والفخر بها أنها مشاهير، وال تجد حديالثقات من أهل العلم، وإذا وجدت من يحتج بحديث غريب وجدت من أنكر ذلك عليه، وال يحتج بالحديث الغريب إذا كان غريبا شاذا ، يعني: الحديث الغريب الذي يكون فيه نوع شذوذ، ونحن

وهذه األحاديث لم تثت أصولها، -إن شاء هللا تعالى-شرحنا الشذوذ بإجمال وسيأتي تفصليه يعني لم يصح أنها مثال من حديث الزهري، أو من حديث هشام بن عروة، أو من حديث قتادة بن دعامة السدوسي، فليست ثابتة عمن عرف من الحفاظ الذين رويت عنهم، أما إذا رواها

ثابتة األصل. ثم يأتي بعد ذلك النظر في أصحاب هؤالء الحفاظ عن هؤالء الحفاظ فحينئذ تكون، فإثبات أصل الحديث ال يستلزم -صلى هللا عليه وسلم-اإلسناد بين هذا الحافظ ورسول هللا

ولعل هذا هو المقصد الذي قصده هؤالء العلماء -صلى هللا عليه وسلم-صحته إلى رسول هللا ائي أي قصدوا صحة أصولها، حيث أطلقوا الصحة على كتاب الترمذي أو على كتاب النس

. -صلى هللا عليه وآله وسلم-وليس صحة نسبتها إلى رسول هللا

مسند اإلمام أحمد

مسند اإلمام أحمد. وأما قول الحافظ أبي موسى محمد بن ) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف فة، بل أبي بكر المديني عن مسند اإلمام أحمد إنه صحيح، فقول ضعيف؛ فإن فيه أحاديث ضعي

وموضوعة، كأحاديث فضائل مرو، وعسقالن، والبرث األحمر عند حمص، وغير ذلك، كما قد نبه عليه طائفة من الحفاظ.

-مع أنه ال يوازيه مسند في كثرته وحسن سياقته -ثم إن اإلمام أحمد قد فاته في كتابه هذا الذين في الصحيحين قريبا من أحاديث كثيرة جدا ، بل قد قيل: إنه لم يقع له جماعة من الصحابة

(مائتين

عن مسند اإلمام أحمد، وبين أنه ليس كله صحيحا ، -رحمه هللا تعالى-تكلم اإلمام ابن كثير كما زعم ذلك أبو موسى المديني، وغيره من أهل العلم، ونحن تكلمنا عن هذا في اللقاء

مد كله صحيح إنما أخطأوا في ذلك، الماضي، وقلنا: إن الذين ذهبوا إلى كون مسند اإلمام أحوأن العلماء أثبتوا أن فيه أحاديث ضعيفة، بل هناك أحاديث أودعها اإلمام أحمد في كتابه

المسند، وهو نفسه قد جاء عنه ما يدل على تضعيفه لها، ولكن كما قلنا: إنها مع ما فيها من قد يوجد في بعض أحاديث ضعف، إال أن اإلمام أحمد ال يروي في المسند عن كذاب، وإنه

المسند ما هو منكر أو باطل أو موضوع، ولكن هذا مما يستدل على كونه كذلك بدليل خارج ، وإنما -صلى هللا عليه وآله وسلم-ليس راجعا إلى كذب الراوي وتعمده الكذب على رسول هللا هو محمول على خطأ بعض الرواة في اإلسناد أو في المتن.

مع ذلك فاتته أحاديث كثيرة، بعضها في الصحيحين، وهذا فيه نوع مبالغة، ثم ذكر أن المسندفي تعليقه على هذا الموضع، والواقع أن -رحمه هللا تعالى-كما أشار إلى ذلك الشيخ أحمد شاكر

مسند اإلمام أحمد قلما يفوته حديث في الصحيحين، بل قلما يفوته حديث في كتب األصول األربعة، بل فيه أحاديث كثيرة زائدة على هذه الكتب، فكثيرا ما نجد األخرى، التي هي السنن

Page 69: علوم الحديث   المستوى الثاني

الحديث الذي يخرجه اإلمام أحمد نجده متفردا بإخراجه، فليس هو في الصحيحين وال في السنن األربعة.

فقيل له: كيف ذلك؟ «. أحفظها وال أحفظها»قيل لبعض أهل العلم: أتحفظ الكتب الستة قال: د لإلمام أحمد. وقد اشتمل على الكتب الستة، ويمتاز المسند بأن الحديث الواحد قال أحفظ المسن

تجد له أكثر من سند في المسند، بخالف هذه األحاديث حيث توجد في كتب األصول، فغالبا يخرجون األسانيد المشهورة لها بخالف اإلمام أحمد فإنه يخرجه من عدة أسانيد، وهذه فيه منفعة

ص بطبيعة الحال.للباحث المتخص

الكتب الخمسة وغيره

الكتب الخمسة وغيرها. وهكذا قول الحافظ أبي طاهر : )-رحمه هللا تعالى-قال المصنف السلفي في األصول الخمسة، يعني البخاري ومسلما وسنن أبي داود والترمذي والنسائي إنه اتفق

الصالح وغيره. قال ابن على صحتها علماء المشرق والمغرب: تساهل منه. وقد أنكره ابنالصالح: وهي مع ذلك أعلى رتبة من كتب المسانيد كمسند عبد بن حميد، والدارمي، وأحمد بن

حنبل، وأبي يعلى، والبزار، وأبي داود الطيالسي، والحسن بن سفيان، وإسحاق بن راهويه، (يثه وعبيد هللا بن موسى، وغيرهم؛ ألنهم يذكرون عن كل صحابي ما يقع لهم من حد

تكلم عن بقية كتب األصول، هل يجوز إطالق اسم الكتب الستة عليها؟ فذكر أن اإلمام أبا طاهر السلفي سمى األصول الخمسة، وهي: الصحيحان، وكذلك أبو داود والترمذي والنسائي،

سماها بالصحاح، فقال: إنه اتفق على صحتها علماء المشرق والمغرب.

ه على كتاب ابن الصالح: أن اإلمام السلفي لم يقصد، أو لم يقل ذكر اإلمام العراقي في تعليقبكونها صحيحة هكذا، وإنما ذكر أنها صحيحة األصول، على نحو ما شرحنا كالم الخطيب

والحاكم، السابقين في إطالق اسم الصحيح على الترمذي وعلى النسائي.

الم السابق، في إطالق اسم وإذا أراد بصحتها صحة األصول فهو يقول كالمنا فيه كنحو الكالصحيح على الترمذي وعلى النسائي، وقد بينا أن صحة األصول ال تستلزم صحة األحاديث

؛ ولهذا إذا وجدت إماما من أئمة الحديث يقول في -صلى هللا عليه وآله وسلم-عن رسول هللا إنما يصحح كونه حديث: وجدت له أصال ، أو هذا حديث له أصل، فال تفهم بذلك أنه يصححه، و

مشهورا عن صاحب الحديث الذي تدور عليه األسانيد كالزهري مثال ، وال يلزم من ذلك صحته ؛ فلهذا كان قول المحدثين في الحديث: له أصل، أو -صلى هللا عليه وآله وسلم-عن رسول هللا

.- عليه وسلمصلى هللا-أعلم له أصال ، أو وجدت له أصال ، ال يفيد صحة الحديث عن رسول هللا

يقول ابن الصالح: لكنه بطبيعة الحال أعني تلك الكتب األصول أفضل وأعلى مرتبة من كتب المسانيد، إن كان يستثنى من ذلك مسند اإلمام أحمد، لما ذكرناه في اللقاء الماضي، من أن

أبي شيخ اإلسالم ابن تيمية اعتبر مسند اإلمام أحمد أفضل وأجود أحاديث وأسانيد من سنن داود.

بطبيعة الحال إذا قدمها على سنن أبي داود بالضرورة يكون مقدما على سنن الترمذي؛ ألن سنن أبي داود أفضل من سنن الترمذي، وأنقى إسنادا ، والنسائي يقارب أبا داود في األصحية

وهللا أعلم.

التعليقات التي في الصحيحين

Page 70: علوم الحديث   المستوى الثاني

التي في الصحيحين. وتكلم الشيخ أبو عمرو على التعليقات ) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف التعليقات الواقعة في صحيح البخاري، وفي مسلم أيض ا، لكنها قليلة، قيل إنها أربعة عشر

موضعا .

وحاصل األمر: أن ما علقه البخاري بصيغة الجزم فصحيح إلى من علقه عنه، ثم النظر في يستفاد منها صحة، وال تنافيها أيض ا؛ ألنه قد ما بعد ذلك. وما كان منها بصيغة التمريض فال

وقع من ذلك كذلك وهو صحيح، وربما رواه مسلم.

وما كان من التعليقات صحيحا ، فليس من نمط الصحيح المسند فيه؛ ألنه قد وسم كتابه (وسننه وأيامه -صلى هللا عليه وسلم-بالجامع المسند الصحيح المختصر في أمور رسول هللا

نا اإلمام ابن كثير إلى مسألة أخرى متعلقة بالمعلقات، األحاديث المعلقة في انتقل بالصحيحين، هي في صحيح مسلم قليلة، وإنما هي كثيرة في صحيح البخاري، وأغلبها يكون في

يصدر الباب أحيانا بقوله: وقال -رحمه هللا تعالى-صدور األبواب، في فواتح األبواب، البخاري -صلى هللا عليه وسلم-كذا أو وقال أبو هريرة عن رسول هللا -هللا عليه وسلم صلى-رسول هللا

كذا، وقال قتادة عن معاذ كذا وكذا، أو نحو هذه األشياء من غير أن يذكرها بإسناد فالمعلقات هي ما حذف من أولها اإلسناد.

من علق عنه، فقد الخبر المعلق أو اإلسناد المعلق ما حذف اإلسناد في أوله من المصنف إلى يحذف شيخه فقط، ويرتقي بالحديث عن شيخ شيخه، قائال قال فالن، وال يقول: حدثنا وال

أخبرنا؛ ألنه في هذه الحال يكون كاذبا وال يفعل ذلك البخاري بطبيعة الحال، وإنما يقول قال اختصر اإلسناد فالن ،وكل الناس يعلمون أنه لم يسمع ذلك الحديث من هذا الشيخ األعلى، وإنما

هكذا من -صلى هللا عليه وآله وسلم-وعلقه، وأحيانا يحذف اإلسناد كله، يقول: قال رسول هللا وهذا كله يسمى معلقا . -صلى هللا عليه وآله وسلم-غير أن يذكر سنده إلى رسول هللا

: تلك المعلقات هي عند البخاري مسموعة له أسانيد، ولكن كما قلنا في أكثر من مرةالمصنفون لهم أغراض متعددة ومتنوعة في التصنيف، فتارة يسند الحديث، وتارة يعلقه، وتارة يسوقه بسياق ما، وكل ذلك يقصد من وراءه اإلشارة إلى معان معينة يحتاجها كتابه المصنف

ويفهما أهل االختصاص.

رجه هذه األحاديث ليست هي من موضوع كتاب الصحيح، حينما نقول: هذا حديث أخالبخاري، ال نقصد هذا إذا أطلقنا العزو إلى البخاري، وقلنا: أخرجه البخاري فال نقصد إال ما رواه بإسناده في كتابه الصحيح، أما األحاديث التي علقها، حاذفا اإلسناد، فهذا ال يجوز لك أن

حه ثم تنسبه إلى البخاري، وإلى صحيحه من غير تقييد، فال تقول: وأخرج البخاري في صحيتسوق رواية معلقة في صحيح البخاري. هذا يوهم أن البخاري ساق الحديث مسندا في كتابه الصحيح، وليس كذلك، وإنما تقيد فتقول: أخرجه البخاري معلقا ، وبعض أهل العلم ال يقول أخرجه وال رواه في مثل هذا، وإنما يقول ذكره البخاري، أو علقه البخاري، فال يذكر لفظ

يج، وال لفظ الرواية، حتى ال يقع في اإليهام واللبس.التخر

ما حال هذه األحاديث؟ حينما نقول أحاديث البخاري صحيحة، نقصد أي األحاديث، تلك التي رواها باألسانيد، أما المعلقات ففيها تفصيل.

ا أن في كتابه الصحيح: إم -رحمه هللا تعالى-األحاديث التي علقها البخاري العلماء يقولون: تكون مسندة في موضع آخر من الصحيح أو ال.

Page 71: علوم الحديث   المستوى الثاني

بعض األحاديث علقها البخاري في موضع، وأسندها في موضع آخر، فهذه األحاديث تعتبر أحاديث صحيحة، ككل أحاديث الصحيح لماذا؟ ألنها قد أسندها البخاري بالفعل في موضع آخر

لغرض يختص بهذا الباب الذي من الصحيح، وهو إن كان علقها في موضع آخر فإنما علقها وقعت فيها معلقة، لكن من حيث الصحة هي ثابتة لكونها جاءت مسندة في موضع آخر من

كتاب الصحيح.

إما -رحمه هللا تعالى-لماذا يخرج البخاري الحديث مرة معلقا ومرة مسندا ؟ إنما يفعل ذلك أن يذكره حيث ذكره في الموضع ألنه في الموضع الذي علقه ساق الحديث مختصرا ، فلم يشأ

األول مسندا فيكون قد وقع تكرار منه في كتابه الصحيح، فاعتمد على أنه أسنده في موضع، فلما احتاج الحديث نفسه في موضع آخر ساقه معلقا حتى ال يكون في كتابه تكرار من غير

فائدة.

الصحيح تجد في كل وعادة البخاري إذا ما كرر الحديث في أكثر من موضع في كتابهموضع يذكر فيه الحديث فائدة، ليست موجودة في المواضع األخرى، فإن كان البخاري أسند

هذا الحديث المعلق في موضع آخر من الصحيح، فالحديث صحيح ال غبار عليه، بل هو حديث اء كسائر أحاديث الصحيح، وإما أنه لم يسنده في موضع آخر من كتابه الصحيح، فينظر العلم

في ذلك:

إن كان البخاري ساقه بصيغة الجزم فهو صحيح إلى من علقه عنه. يعني إذا قال البخاري: -صلى هللا عليه وآله -هكذا جازما نسبته إلى رسول هللا -صلى هللا عليه وآله وسلم-قال رسول هللا

. -صلى هللا عليه وسلم-فهو في نظر البخاري صحيح إلى رسول هللا -وسلم

، يحكى -صلى هللا عليه وسلم-ا إذا مر ولم يجزم بذلك كأن يقول: يروى عن رسول هللا أم -فحينئذ ال يكون -صلى هللا عليه وسلم-، يذكر عن رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم-عن رسول

الحديث من شرط الصحيح، بل منه ما هو صحيح، ومنه ما ليس بصحيح.

يكون ضعيفا ، وإنما يعرف ذلك بالنظر في إسناده، وكما قد يكون صحيحا ، قد يكون حسنا ، قدذكرنا في اللقاء الماضي الحافظ ابن حجر جمع تلك المعلقات وأسندها، وبين أسانيدها حديثا

حديثا وألف كتابه تغليق التعليق.

فأما إذا قال البخاري: قال لنا، أو قال لي فالن كذا، أو ) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف (زادني، ونحو ذلك فهو متصل عند األكثر

قبل أن نشرح هذه النقطة، هناك نقطة أخرى، متعلقة بالنقطة السابقة، وهي إن البخاري إذا -علق حديثا عن بعض رواة اإلسناد كأن يقول مثال : وقال طاووس عن معاذ عن رسول هللا

و جزم نسبته إلى طاووس فنقول هنا: فالذي نستفيده من هذا التعليق ه -صلى هللا عليه وآله وسلمإنه صح اإلسناد عند البخاري إلى طاووس، لكن يبقى النظر هل طاووس سمع من معاذ أم لم يسمع من معاذ، فلربما يكون اإلسناد بين طاووس ومعاذ منقطعا . البخاري عندما قال لك قال

ذلك في بقية اإلسناد الذي طاووس فهو قد أفادك بحال اإلسناد الذي حذفه، ويبقى النظر بعد ذكره، قد يكون هذا اإلسناد فيه نوع علة، فالعلة قد أبرزها لك بأن سمى لك الرجال الذين روى

الحديث فوق من جزم بنسبة التعليق إليه.

فأما إذا قال البخاري قال لنا، أو قال لنا فالن كذا، أو قال لي فالن كذا، أو زادني ونحو ذلك، كثرين، يعني البخاري إذا روى عن بعض مشايخه الذين يعرفون بكونهم من فهو متصل عند األ

Page 72: علوم الحديث   المستوى الثاني

مشايخ البخاري، والبخاري يروي عنهم سواء في الصحيح أو في غير الصحيح، فيأتي البخاري ويقول: قال لنا فالن، "قال" هذه من ألفاظ التعليق؛ ألن المعلق للحديث البخاري، حيث يعلق

قال قتادة، أو قال طاووس، أو قال معاذ، أو نحو ذلك، فهو ال يقول: يقول: قال رسول هللا، أو حدثنا، وال أخبرنا، كما قلنا: عادة البخاري إذا ما روى عن مشايخه يقول: حدثنا وأخبرنا.

لكن البخاري لو قال عن بعض من هو من مشايخه، قال فالن، أو قال لي فالن، أو زادني صورة من صور التعليق، ولكن حكمه: حكم االتصال؛ ألن فالن، هل هذا يعتبر تعليقا ؟ هو

البخاري ال يستعمل لفظ قال، كما يستعملها المدلس، المدلس هو الذي يقول: "قال" فيما لم يسمعه، بينما البخاري سالم من التدليس، لم يعرف عنه تدليس، وليس هو من المدلسين، فإذا ما

من مشايخه فهو قد سمعه منه وأخذه عنه، فعبارة قال البخاري قال فالن، ولو كان فالن هذا"قال" تحمل على عدم االتصال أو يتوقف في اتصالها إذا كان قائلها معروفا بالتدليس،

والبخاري ليس معروفا بالتدليس.

وحكى ابن الصالح عن بعض المغاربة أنه تعليق أيض ا، ) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف عتماد، ويكون قد سمعه في المذاكرة، وقد رده ابن الصالح، فإن الحافظ يذكره لالستشهاد ال لال

(أبا جعفر بن حمدان قال: "إذا قال البخاري "وقال لي فالن" فهو مما سمعه عرضا ومناولة"

هذا استكمال لما قلناه سابقا فيما يتعلق بقول البخاري "قال لنا" أو "قال لنا فالن"، فبين بعد العلم ذهب إلى أن ذلك، إنما تحمله البخاري على سبيل المذاكرة، ومعروف ذلك أن بعض أهل

أن المحدثين كانوا في مجالس مذاكرة يتساهلون في األسانيد، وال يضبطونها كما ينبغي؛ فلذلك البخاري إذا ما تحمل الحديث عن طريق المذاكرة، فأراد أن يدخله في الصحيح ال يدخله

يستشهد به ويؤكد به صحة ما هو مفروغ من صحته، هذا قول ذهب إليه اعتمادا ، وأصالة، إنما بعض أهل العلم، وابن الصالح عارضه في ذلك، وذهب إلى أنه كما قال أبو جعفر بن حمدان:

"إذا قال البخاري وقال لي فالن فهو مما سمعه عرضا ومناولة".

طرق تحمل الحديث وهي -إن شاء هللا تعالى -ما هو العرض وما هو المناولة؟ سيأتي كثيرة، من أرفعها وأقواها السماع، يعني أن تسمع من لفظ الشيخ، الشيخ يحدث وأنت تسمع لفظه، فهذا من أفضل الطرق في تحمل الحديث عن المشايخ، وهناك طرق آخرى تسمى

العرض أو القراءة وهذه الطريقة أنت ال تستمع الشيخ، بل أن الذي تسمعه، تجلس بين يدي لشيخ، ومعك الكتاب، وتقرأ على الشيخ ما في الكتاب، والشيخ يقر قراءتك، كما فعل عبد ا

قراءته في غاية الحسن والجمال، -عز وجل -الرحمن اآلن، فعبد الرحمن يقرأ، وبفضل هللا فهذا يسمى عرضا ، الشيخ ال يقرأ بنفسه، وإنما الطالب هو الذي يقرأ، والشيخ يقر قراءته، تلك

قع في عرض القرآن، فالقاريء للقرآن يقرأ بين يدي الشيخ، والشيخ يقر قراءته.كما ي

والمناولة صورة أخرى أيضا من صور تحمل الحديث ما هذه الصورة؟ أن يأتي الطالب إلى الشيخ بكتاب، ويقول للشيخ خذ هذا الكتاب، وانظر فيه، فإن رأيته صحيحا ائذن لي في روايته

اك صورة أخرى في المناولة، وهي عكس ذلك أن يأتي الشيخ نفسه عنك، هذه صورة. وهنبكتاب من كتبه، ويخص به بعض تالمذته، ويقول له يا فالن خذ هذا الكتاب اروه عني، فيناوله الكتاب ويعطيه إياه، ويأذن له في روايته عنه، طبعا ال يكون ذلك إال بعد أن يتحقق لدى الشيخ

ي ذلك الكتاب عنه.أن هذه الطالب أهل ألن يرو

وأنكر ابن الصالح على ابن حزم رده حديث المالهي، ) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف حيث قال فيه البخاري: وقال هشام بن عمار، وقال أخطأ ابن حزم من وجوه، فإنه ثابت من

حديث هشام بن عمار.

Page 73: علوم الحديث   المستوى الثاني

في صحيحه، وغير قلت: وقد رواه أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه، وخرجه البرقاني (واحد مسندا ، متصال إلى هشام بن عمار، وشيخه أيض ا، كما بيناه في كتاب األحكام وهلل الحمد

في -رحمه هللا تعالى-حديث المعازف، وهو الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري يه ( هذا الحديث يروليكونن في أمتي قوم يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف صحيحه )

. ابن -صلى هللا عليه وآله وسلم-هشام بن عمار عن شيخه صدقة بن خالد، بإسناد إلى رسول هللا حزم شذ في تضعيف ذلك الحديث، وتعلق بأن البخاري حيث خرجه في كتابه الصحيح قال:

وقال هشام بن عمار. فقال هذا حديث ليس متصال ؛ ألن البخاري لم يقل: حدثنا هشام بن عمار، أخبرنا هشام بن عمار. فرد العلماء عليه ذلك، بأن البخاري ليس معروفا بالتدليس، فقال في وال

عرفه كحدثنا وأخبرنا، فالبخاري إذا قال: قال فالن، كما لو قال: حدثنا فالن، أو أخبرنا فالن، إذا مار كان فالن هذا من مشايخه، وهشام بن عمار من شيوخ البخاري، فإذا قال: قال هشام بن عفهذه صيغة اتصال، إذا صدرت من مثل البخاري؛ ألنه ال يستعمل هذه اللفظة إال فيما كان سماعا له، كما تقدم، فضال عن أن الحديث مشهور محفوظ ثابت عن هشام بن عمار، وعن

شيخه، من غير طريق البخاري. فلو سلمنا بأن البخاري لم يسمع هذا من هشام بن عمار، فكون حديث هشام بن عمار هذا ال يحتاج إلى رواية البخاري؛ ألن غير االبخاري أيضا قد الحديث من

رواه عن هشام بن عمار.

ثم حكى أن األمة تلقت هذين الكتابين بالقبول، سوى أحرف ) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف فيهما من يسيرة إنتقدها بعض الحفاظ كالدار قطني وغيره، ثم استنبط من ذلك القطع بصحة ما

األحاديث؛ ألن األمة معصومة عن الخطأ فما ظنت صحته، ووجب عليها العلم به، البد وأن يكون صحيحا في نفس األمر، وهذا جيد.

وقد خالف في هذه المسألة، الشيخ محي الدين النووي، وقال: ال يستفاد القطع بالصحة من ذلك.

(ليه. وهللا أعلمقلت: وأنا مع ابن الصالح فيما عول عليه وأرشد إ

أحاديث الصحيحين أحاديث قد تلقتها األمة بالقبول، وهلل الحمد، أي تلقت صحتها، أما المعاني فقد يختلفون، وهذا وارد، إمام يفهم من الحديث شيء ال يفهمه إمام آخر، فيختلفون في داللة هذا

ال يؤثر في الحديث ضعفا ، الحديث أو ذاك، هذا الخالف في معنى الحديث والفقه المستنبط منه، إنما األحاديث كلها صحيحة عند علماء الحديث، وإن كانوا يختلفون أحيانا في معنى بعض

األحاديث والفقه المستنبط منها، سوى أحرف يسيرة انتقدها بعض الحفاط كالدار قطني، وأبي إن أغلب -قاء سابقكما قلنا آنفا في ل -علي الغساني، وأبي مسعود الدمشقي، وهذه األحاديث

انتقادات هؤالء الحفاظ عليها إنما ترجع إلى األسانيد إلى الصناعة اإلسنادية البحة، وال تؤثر في المتون التي اختارها البخاري ومسلم، وما كان من كالم أهل العلم متوجها إلى المتون فغالبا ما

ي ومسلم لم يقصدا هذا القدر من تكون هذه المتون إما لها شواهد تغني عنها، أو يكون البخارالمتن الذي وقع عليه اإلنكار، أو وقع عليه االعتراض، وإنما أرادوا بإخراج الحديث أصله، أي

أصل الحديث الذي خرجاه في الصحيحين.

المهم أن هذه األحاديث التي وقع فيها هذا النوع من االنتقاد ال تكون قد تلقيت بالقبول، وإنما علماء من صححها، ومن العلماء من لم يصححها، فلم يقع عليها اإلجماع، وإن تجوذبت، فمن ال

كنا نرى: أن الراجح فيها الصحة، لكن فرق بين أن يكون الراجح فيها الصحة، وبين أن يكون قد اتفق على صحتها، فالجم الغفير من أحاديث الصحيحين، قد اتفق على كونها أحاديث

خالف من أحاديث الصحيحين.صحيحة، وهذا الذي وقع فيه ال

Page 74: علوم الحديث   المستوى الثاني

الراجح في األعم األغلب منها أنها صحيحة، ولكن لم يقع عليها االتفاق، فهذه األحاديث التي اتفقت عليها األمة، وتلقتها بالقبول من أحاديث في الصحيحين، يرى ابن الصالح أنها مقطوع

، جزما -صلى هللا عليه وسلم-بصحتها، أي نجزم جزما يقينيا بأنها صحيحة ثابتة عن رسول هللا ال يحتمل أدنى شك، هذا هو معنى قول العلماء بالعلم اليقيني، أو العلم الضروري الذي ال يحتاج منك إلى بحث وإلى تفتيش، وإنما صحتها صارت موضع إجماع، صحتها صار أمرا مفروغا

ث الصحيحين، طبعا إذا قلنا منه، هذه منزلة تلك األحاديث التي تلقاها الناس بالقبول من أحادي . -رحمهم هللا تعالى-الناس، فإنما نقصد بالناس علماء الحديث

اإلمام النووي قال: ال..، هذه ال يستفاد منها القطع بالصحة، وإن كان الظن الغالب أنها صحيحة، والذي عليه جمهور أهل العلم أنها يستفاد منها القطع بكونها صحيحة، بحيث ال تحتمل

.-صلى هللا عليه وسلم-ا بل ال تحتمل أدنى شك في صحتها، ونسبتها إلى رسول هللا شك

حاشية: ثم وقفت بعد ذلك على كالم لشيخنا العالمة ابن : )-رحمه هللا تعالى-قال المصنف تيمية مضمونه: أنه نقل القطع بالحديث الذي تلقته األمة بالقبول عن جماعات من األئمة، منهم

د الوهاب المالكي، والشيخ أبي حامد اإلسفراييني، والقاضي أبو الطيب الطبري، القاضي عبوالشيخ أبو إسحاق الشيرازي من الشافعية، وابن حامد، وأبو يعلى بن الفراء، وأبو الخطاب، وابن الزاغوني، وأمثالهم من الحنابلة، وشمس األئمة السرخسي من الحنفية. قال: "وهو قول

من األشعرية وغيرهم، كأبي إسحاق اإلسفراييني ،وابن فورك، قال: وهو أكثر أهل الكالم مذهب أهل الحديث قاطبة، ومذهب السلف عامة" وهو معنى ما ذكره ابن الصالح استنباطا

(فوافق فيه هؤالء األئمة

هذا بطبيعة الحال نقل عن شيخ اإلسالم ابن تيمية، وهو موجود في بعض المواضع في له، وأيضا نقله الحافظ ابن حجر العسقالني في نكته على كتاب ابن الصالح، مجموع الفتاوي

وهو يدل على مثل ما دل عليه كالم ابن الصالح من أن أحاديث الصحيحين التي تلقيت بالقبول، فهي تفيد العلم -صلى هللا عليه وسلم-هذه األحاديث مقطوع بنسبتها، وصحتها إلى رسول هللا

تاج بعد ذلك إلى بحث، أو تفتيش أو نظر في األسانيد، وهللا أعلم.اليقيني، وال تح

وبهذا نكون بحمد هللا تعالى قد انتهينا من نوع الحديث الصحيح، وإن شاء هللا تعالى في اللقاء القادم سيكون كالمنا عن الحديث الحسن، والحديث الحسن فيه مباحث في غاية األهمية، وغاية

التوفيق والسداد. -وجل عز-الدقة، فأسأل هللا

وردتنا إجابات عدة على أسئلة الحلقة الماضية، وكان السؤال األول: رتب هذه الكتب حسب األصح مستدرك الحاكم، صحيح ابن خزيمة، صحيح ابن حبان؟

وكانت اإلجابة أصح هذه الكتب على الترتيب اآلتي: صحيح ابن خزيمة، صحيح ابن حبان، بة صحيحة.هذه إجا مستدرك الحاكم

السؤال الثاني: هل يوجد في مسند اإلمام أحمد حديث موضوع؟

وكانت اإلجابة: ال يوجد في مسند اإلمام أحمد حديث موضوع، فأحاديثه بين الصحيح والحسن، وما كان منه من ضعف فهو من هين الضعف ال شديده، فلم يرو اإلمام أحمد في

مسنده عن الكذابين والوضاعين

Page 75: علوم الحديث   المستوى الثاني

حة، لكنها ناقصة، فنقول: إن كنا نقصد بالموضوع ما يرويه الكذاب فليس هذا اإلجابة صحيموجودا في مسند اإلمام أحمد، أما إن كانا نقصد بالموضوع ما ترجح فيه بطالن متنه، فهذا قد

يوجد ولكن أيضا بقلة.

ث سؤال يقول: إذا كان بعض العلماء قد فضل مسند اإلمام أحمد على سنن أبي داود من حيالصحة فما ترتيبه أو ترتيب السنن معا ، ومع مسند اإلمام أحمد، ومستدرك الحاكم، أو بمعنى

آخر: ما هو ترتيب الكتب التسعة من حيث الصحة؟

وهي تسمى بالمصنفات هذه -حيث اإلجمال؛ ألن كتب السنن نحن نقدم كتب السنن مننت مرجعا لعلماء الحديث والفقهاء في األحكام، فمن هذه الحيثية كا أصل موضوعها أدلة -الكتب

ومعرفة أدلتها، فهي مقدمة من هذه الحيثية، قد يكون مصنفوا األسنانيد أجل أو استنباط األحكام، أسانيدا ، فاإلمام أحمد من حيث المنزلة فهو أجل من أصحاب السنن، ولكن لما كان كتابه أنظف

أو الحيثية، ولم ندخله في الكتب الستة،ليس مرتبا على األبواب تأخرت منزلته، من هذه التي األصول الخمسة على اختيار بعض أهل العلم، وإن كنا نعده من كتب األصول عموما

.ينبغي أن يرجع إليها لمعرفة صحة الحديث أو ضعفه

لم لم يدخل الحافظ أبو طاهر السلفي سنن ابن ماجة في األصول؟ وذكرتم فضيلتكم أن ديثه أصح من مسلم، هل يعني ذلك أن شروط البخاري أوثق من شروط صحيح البخاري أحا

مسلم، أم طبقات الثقات أعلى عند البخاري من مسلم؟

بخصوص السؤال الثاني هذا تكلمنا عنه بالتفصيل وذكرنا ما يجعل صحيح البخاري متميزا يال ، لكن على صحيح مسلم، ومقدما على صحيح مسلم، وأفردنا لذلك فصال من الكالم طو

السؤال اآلخر المتعلق بسنن ابن ماجة لماذا لم يدخلها أبو طاهر السلفي في كتب األصول؟ أكثر أهل العلم ال يدخلون سنن ابن ماجة في كتب األصول، إنما أول من أدخلها في كتب األصول

ماجة، اإلمام ابن طاهر، وألف كتابا في شروط األئمة الستة، فأدخل في هذا الكتاب سنن ابنوهذا عابه عليه العلماء ورأو أن سنن ابن ماجة ما كان منها صحيح فهو موجود في بقية الكتب، يعني لم يتفرد بأصل أو بحديث صحيح، ليس يوجد إال فيه، إنما ما كان منه في سنن ابن ماجة

نن صحيحا فالبد أنك تجده إما في الصحيحين، وإما في الكتب الثالثة األخرى التي هي السالثالثة، وما كان منه ضعيف، فالضعيف جدا ، فيه من الموضوع، أو الذي يرويه شديد الضعف، أكثر من الضعيف الموجود في سائر الكتب األصول؛ فلهذا عاب العلماء على من أدخل سنن ابن

ماجة في كتب األصول، ورأو أن سنن ابن ماجة ليست جديرة بذلك، والحافظ ابن حجر نكته على ابن الصالح ذكر من أقوال أهل العلم ما يدل على ذلك، وهللا أعلم.العسقالني في

علمنا أن ما جاء معلقا بصيغة الجمع هو صحيح إلى من جزم البخاري إليه، وإن جاء بصيغة التضعيف، فيبقى النظر، فهل هذه قاعدة، وإن كانت قاعدة فهل تنطبق على غير البخاري؟

التي ذكرها العلماء استقراء لصنيع البخاري، ولكتابه الصحيح، أما ال.. هذه نعم قاعدة، وهي غير البخاري فليس ذلك مطردا فيه، كما قال السيوطي في ألفيته:

وما لها لدى سواه ضابط**** فتارة وصل وأخرى ساقط

يعني ليست هي في غير صحيح البخاري تكون مرتبطة بهذه القاعدة، وهذا الضابط إنما ذلك مختص بصحيح البخاري خاصة، وهللا أعلم. الضابط

Page 76: علوم الحديث   المستوى الثاني

يقول: من المعروف أن لصحيح البخاري رويات كثيرة، فما حكم الحديث إذا انفردت به نسخة ما؟

أغلب األحاديث التي في صحيح البخاري هي موجودة في جميع النسخ، ولكن بعضها تحملها ة، ولكن هي في الجملة الراوي عن البخاري عن طريق السماع، وبعضها عن طريق اإلجاز

تشترك في األحاديث.

يقول: ما هو رأي فضيلتكم فيما ذهب إليه الشيخ شاكر من أن كل األحاديث المرفوعة المسندة في الموطأ كلها صحاح؟

هذا هو الرأي الذي هو أقرب إلى الصواب، األحاديث المسندة المتصلة اإلسناد إلى رسول لموطأ فهي كذلك، وأغلبها في الصحيحين.في ا -صلى هللا عليه وسلم-هللا

يقول: ذكر بعض أهل العلم أن في المسند أحاديث أحيانا تكون أصح من التي في الصحيحين، فما رأيكم في ذلك؟

نحن قلنا إننا حينما نقول إن البخاري ومسلما أصح الكتب بعد كتاب هللا، هذا من حيث خاري، وإلى صحيح مسلم، فهذان الكتابان أصح من اإلجمال، إذا نظرنا إلى الصحيح، صحيح الب

غيرهما من الكتب، لكن قد يوجد حديث معين في غير الصحيحين، هذا الحديث قد يكون أصح رحمه هللا -من حديث معين في صحيح البخاري، أو في صحيح مسلم، كما قال الحافظ ابن حجر

وطي: وربما يعرض للمفوق ما يجعله وربما يعرض للمفوق ما يجعله فائقا ، فيقول السي -تعالى مساويا أو قدم.

نجد العلماء كثيرا ما يختلفون في كون الحديث على شرط البخاري أو شرط مسلم أو أحدهما، فكيف نتعامل مع هذا الخالف

إذا كنت من أهل الترجيح فلك أن تنظر في كالم أهل العلم، وفي الرواية التي حكموا عليها، فإن رأيت أنها تحقق فيها شرط البخاري فاحكم بذلك، أو شرط مسلم، فاحكم واختلفوا فيها،

بذلك، أو شرط الشيخين فاحكم بذلك، أما إن كنت من غير أهل الترجيح فأنت تستفيد من اختالفهم أن الحديث صحيح، إنما اختلفوا في درجة الصحة، لكن هذا االختالف ال يؤثر في

المرتبة وليس اختالف في أصل الصحة، هم متفقون على أن الحديث ضعفا ؛ ألنه اختالف في الحديث صحيح، لكن هل هو صحيح على شرط البخاري أم صحيح على شرط مسلم أم صحيح على شرط الشيخين؟ فهذا االختالف ال يضر العامي، إنما العامي يريد فقط أن يعرف أن الحديث

صحيحا أم ليس صحيح؟

هل هو خاص بكتابه الصحيح أم هو شرط في كتبه يقول: شرط البخاري في الصحيح األخرى مثل كتابه األدب المفرد؟

هو خاص بكتاب الصحيح.

هل هناك أحد من أهل العلم اعتنى بمستدرك الحاكم غير اإلمام الذهبي؟

هناك بعض أهل العلم من تكلم عن أحاديث المستدرك في غضون بحوثه، وكالمه في العلم، دا غير الذهبي اعتنى به، وعكف عليه وخصه باالهتمام.لكن ال أذكر أن أح

Page 77: علوم الحديث   المستوى الثاني

كنت أريد معرفة المذاكرة، معناها، وهل األحاديث إذا ثبتت عن إمام أنه حدث بها في المذاكرة، هل تؤخذ على سبيل الثبوت أم ماذا؟

كانت لهم مجالس خاصة يتذاكرون فيها العلم، كما -عليهم رحمة هللا تعالى -علماء الحديث و شأن أي طلبة يطلبون العلم في أي زمان، وفي أي مكان، فكانت لهم مجالس يعقدونها في ه

بعض المساجد، أو في بعض البيوت، يجلسون كل يدلي بدلوه، وكل يذكر ما عنده من العلم، وكانت هذه المجالس، تتسم بنوع من عدم الدقة في سياقة األسانيد والمتون، يذكرون طرف

، يقول بعضهم لجليسه أو لصاحبه أو لزميله: ماذا عندك في باب كذا من المتن، جزءا منهاألبواب؟ تقول: عندي حديث أبي هريرة فيذكر جزءا منه، أو عندي حديث، أرويه عن فالن عن فالن، فيختصر أحيانا اإلسناد، وال يرويه تاما ؛ ألنها مجالس مذاكرة، نوع من الدردشة، وكلهم

نهم كلهم أهل اختصاص، فإذا اختصر أحدهم اإلسناد، فاآلخر يعرف أنه يعرف مراد صاحبه؛ أليقصد اإلسناد الفالني الذي يرويه عن فالن عن فالن عن فالن، فكان يقع نوع من التساهل في

صياغة األسانيد، وصياغة المتون، في هذه المدارس، بعض الجالسين ربما يسمع في هذا ه فيخرج فيحدث بذلك الحديث عن الشيخ الذي حدث به في المجلس حديثا لم يكن عنده، علم ب

هذا المجلس الذي هو أحد مجالس المذاكرة، حينما تحدث بهذا الحديث عن الشيخ، الشيخ لم يقصد حال روايته أن يسوق اإلسناد بتمامه، والمتن، وإنما وقع فيه نوع تغيير، أو نوع

بد أن تقيد ذلك بما ذكرت، وتقول: أنا سمعت اختصار، هذا األمر إذا رويته عن هذا اإلمام، المنهم هذا الحديث في مذاكرة، أو هو ذاكرني به، وال تقول: حدثنا وأخبرنا في مثل ذلك، لما

يوهم أنه قصدك بالرواية، وأنه حدثك به بدقة أو بنحو ذلك، فالعلماء يحتاطون فيما تحمل عن يث كانوا يسألون عن بعض األحاديث في طريق المذاكرة، بعض أهل العلم ال سيما نقاد الحد

مثل هذه المجالس، أو بعض الرواة في مثل هذه المجالس، فيأتي بعض األئمة مثال يسأل شعبة ماذا تقول في جابر الجعفي؟ وجابر الجعفي هذا ضعيف جدا ، فيقول جابر الجعفي، كذاب أو

قال: -صلى هللا عليه وسلم- ضعيف، لقد حدثنا جابر عن فالن عن فالن عن فالن: أن رسول هللا كذا، وهذا حديث باطل، وهذا حديث منكر.

اإلمام حيث ساق هذا الحديث في هذا المجلس، هل قصد أن يروي عن جابر الجعفى، أم أنه ساقه ليستدل به على أنه يأتي باألحاديث المناكير، واألباطيل ليضعفه بذلك، ويستدل بذلك على

ه، وال يعتمد عليه، فهو لم يقصد في هذا المجلس أن يحدث عن كونه رجل ضعيف، ال يحتج بهذا الرجل، وإنما ساق هذا الحديث بروايته عنه ليستدل به على ضعفه، فيأتي بعض الجالسين -ويخرج، ويقول: حدثنا شعبة عن جابر الجعفي، عن فالن عن فالن عن فالن عن رسول هللا

يروي شعبة عن جابر الجعفي، وشعبة من شأنه أال فيقولون: كيف -صلى هللا عليه وآله وسلميروي إال عن الثقات، فكيف يروي عن الضعفاء ها هنا؟ وإنما شعبة حيث روى عن هذا

الضعيف لم يرو عنه ال على سبيل االحتجاج، وال على سبيل االستشهاد، وإنما روى عنه حديثا ا ، ال يستدل على روايته، ولكن في مجلس من تلك المجالس ليستدل به على كونه رجال ضعيف

السامع لهذه الرواية عن شبعة، ظن أو فرح بحديث، حدث به شعبة، فيخرج على الناس، ويحدث بهذا الحديث عن شعبة، موهما أن شعبة إنما حدث به عن جابر الجعفي، عامدا بذلك،

بر الجعفي، ولما قاصدا ، وإنما حدث به شعبة على سبيل التجريح واإلنكار واالستعجاب من جا يحدث به من األحاديث المناكير. وهللا أعلم.

ما معنى تسمية جامع الترمذي وسنن النسائي بالصحيح؟ السؤال األول:

ما هي األصول الخمسة؟ وهللا أعلم. السؤال اآلخر :

Page 78: علوم الحديث   المستوى الثاني

الدرس السادس

الحديث الحسن

رور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إن الحمد هلل تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باهلل من شمن يهده هللا فال مضل له، ومن يضلل فال هادي له، وأشهد أال إله إال هللا وحده ال شريك له،

.-صلى هللا عليه وعلى آله وصحبه وسلم-وأشهد أن محمدا عبده ورسوله

أال وهو اليوم بإذن هللا تعالى موعدنا مع نوع من أنواع علوم الحديث، هو في غاية األهمية،وهذا النوع من أنواع علوم الحديث يعتبر نوعا محوريا ، فدراسة -الحديث الحسن -النوع الثاني

في -رحمهم هللا تعالى-هذا النوع من أنواع علوم الحديث والتفقه فيه، ومعرفة مسالك العلماء على تفهم باقي التعامل مع الروايات التي تندرج تحت هذا النوع في غاية األهمية، وهو يعين

األنواع، كما سيتبين لنا أيضا أن باقي األنواع التفقه فيها، ومعرفة مناهج العلماء فيها، يعين على التفقه أيض ا، في هذا النوع من أنواع علوم الحديث.

هو وسط بين -كما سيتبين لنا من خالل دراستنا له من خالل كتاب ابن كثير -هذا النوع وقد تكلمنا في لقاء -الحديث الضعيف -والنوع الالحق وهو -ديث الصحيحالح -النوع السابق

سابق عن نوع الحسن، وأشرنا إلى ما ورد عن بعض أهل العلم من اختالف: هل هو يعد نوعا مستقال أم هو يندرج تحت أحد النوعين المذكورين الصحيح أو الضعيف؟ وانتهينا بفضل هللا

ة.تبارك وتعالى من هذه المسأل

واآلن سنتكلم عن الحديث الحسن، وهذا النوع من أنواع علوم الحديث قد اشتمل على عدة مسائل، هذه المسائل كان في بعضها اختالف بين أهل العلم، ونسأل هللا تعالى أن يعيننا على

التوفيق بين األقوال التي ظاهرها التعارض واالختالف في هذا الباب، وأن نتفهم مراد كل إمام أئمة هذا الشأن في كالمه الذي قاله، ونقله عنه العلماء حول الحديث الحسن. من

ابتدأ ببيان حكم هذا النوع من الحديث فقال: -رحمه هللا تعالى-الحافظ ابن كثير

النوع الثاني: الحسن. وهو في االحتجاج به كالصحيح عند ) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف (الجمهور.

أن الحديث الحسن من حيث االحتجاج به هو -رحمه هللا تعالى-افظ ابن كثير ذكر اإلمام الحمحتج به كالصحيح سواء بسواء، فهو داخل في نطاق الحجة، ونحن ذكرنا في لقاء سابق أن

الحجة درجات ومراتب فقلنا:

إن أعلى مراتب الحجة ما يسمى بالحديث الصحيح.

: وهو نوع من أنواع الحديث الحسن.ثم يأتي بعده الحديث القريب من الصحيح

ثم يأتي بعد ذلك في الحجة: النوع اآلخر من الحديث الحسن، وهو الذي يسميه بعض أهل العلم بالحسن لغيره، وهو أصال حديث كان فيه ضعف في بعض رواياته وأسانيده، ولكن هذا

الحجة من مجموع الضعف انجبر وتقوى بروايات أخرى انضمت إلى الرواية األولى، فتشكلت هذه الروايات كلها، فصار من هذه الحيثية محتجا به داخال في نطاق الحجة، وسميناه أيضا

بالحديث الحسن؛ وإنما سماه من سماه من أهل العلم بالحسن لغيره؛ ألن الحسن لم ينشأ من ذات

Page 79: علوم الحديث   المستوى الثاني

بيده وارتقى به إلى اإلسناد، وإنما نشأ من انضمام شيء آخر إليه، فلما انضم إليه ما قواه وأخذ مصاف الحجة، كان من هذه الحيثية حسنا لغيره.

فكل ذلك نقول: –عليهم رحمة هللا تبارك وتعالى -هذه درجات الحجة عند علماء الحديث يحتج به، وقول المحدثين إنه يحتج به ليس معنى ذلك أنه في الحجة سواء، أي في مرتبة واحدة،

علينا ودرجة دنيا، كل ذلك داخل في نطاق الحجة،وإنما ننتفع لكن كما قلنا:الحجة لها درجةبمعرفة هذه الدرجات، وتلك المراتب إذا ما احتجنا إلى الترجيح بين الرويات التي ظاهرها التعارض، ولم يمكن الجمع وال التوفيق بينها، فحيئنذ نقدم األقوى على األدنى قوة، واألصح

معرفتنا بهذه الدرجات، وتلك المراتب، يعيننا على -ة الحالفبطبيع -على األدنى صحة، وهكذا تقديم ما هو أقوى وتأخير ما هو أقل قوة.

حينما نقول الحديث الحسن حجة نقصد بالحديث الحسن أي النوعين الذين ذكرناهما؟

ما هو قريب من الصحيح، وهو المسمى بالحسن لذاته.النوع األول: -

المنجبر والمتقوى برواية أخرى، وهو المسمى بالحسن لغيره. وهو الضعيف النوع اآلخر: -

فهذان النوعان هما أشهر أنواع الحديث الحسن، والعلماء في كتب علوم الحديث إذا ما أطلقوا لفظ الحسن أو تكلموا عن الحديث الحسن، فإنما يقصدون النوع األول أو النوع اآلخر، ال

، فإذا وجدت إماما من أئمة علوم الحديث، أو مصطلح يقصدون شيئا آخر غير هذين النوعينقال في -الذين يعتنون بالحكم على الحديث صحة وضعفا -الحديث، أو وجدت إماما من العلماء

وهو في صدد أو مناسبة الحكم على الحديث، هل هو من قسم المقبول أو من قسم -كالمه وقال في حديث من تلك األحاديث: إنه حسن. المردود، هل هو من الثابت أم من غير الثابت،

فاعلم أنه يقصد أحد هذين النوعين. الحسن لذاته، وهو القريب من الصحيح، وسيأتي شرحه بعد ذلك. والنوع الثاني أيضا -إن شاء هللا تعالى -ومعرفة ضوابطه، وشرائطه عند المحدثين

جبر بغيره من الروايات، فحينئذ يكون هو الحسن لغيره. وكما قلت: هو الضعيف الذي يتقوى وينداخال في نطاق الحجة. فإذا ما وجدت إماما من األئمة قال: حسن، وقصد من الحسن، أو من

وصف الحديث بكونه حسنا أنه من قسم المقبول، فاعلم أنه يقصد أحد هذين النوعين.

لمصطلح الحسن، فتجد -عليهم رحمة هللا تعالى-لكن هناك توسع في استعمال أئمة الحديث في كالم علماء الحديث، مثال في كتب الرجال، في كتب الجرح والتعديل، في كتب علل -األحاديث، في كتب التواريخ والسير، تجد العلماء أحيانا يتوسعون في إطالق اسم الحسن

ستعمال فيطلقونه ال على هذين المعنيين، فالبد لطالب العلم أن يكون مدركا ال -مصطلح الحسنلهذا المصطلح، حتى إذا ما كان مطلعا في كتاب من تلك -عليهم رحمة هللا تعالى-علماء الحديث

الكتب، كتب التواريخ، أو كتب الرجال، أو كتب العلل مثال ، فوجد إماما أطلق الحسن ال على لعالم إنما الحسن لذاته، وال على الحسن لغيره، ال يستشكل هذا من العلماء، وال يقضي بأن ا

: إن معرفة المعاني المتعددة للمصطلح -في اللقاء األول -خرج عن االصطالح العام، فكما قلنا من هذه المصطلحات، حيث -عليهم رحمة هللا تعالى-الواحد مما يعين على تفهم مراد العلماء

يستعملونها على غير المعنى المشهور المتداول.

استعملوا هذا -عليهم رحمة هللا تعالى-علماء الحديث من هذه المصطلحات: مصطلح الحسن. المصطلح على كل ما يستحسن لشيء ما، أي هو استعمال بمعناه اللغوي.

Page 80: علوم الحديث   المستوى الثاني

فالحسن ضد القبيح، كل ما تميل إليه النفس فهو حسن، كل ما تتطلع إليه النفس فهو حسن، كل ما تروق له الطباع فهو حسن، هذا هو المعنى اللغوي لكلمة حسن.

وهذا المعنى اللغوي الذي تمنحه اللغة لهذا المصطلح، أو لهذه الكلمة، مستعمل على ألسنة بمعناه، فتجد بعض علماء الحديث كلما استحسن شيئا في -عليهم رحمة هللا تعالى-علماء الحديث

الرواية سواء كان هذا الشيء الذي استحسنه في اإلسناد معنى إسنادي، وسنذكر أمثلة على عاني التي يستحسنها طلبة الحديث، أو المشتغلون بالحديث عموما ، أو معنى في المتن، كأن الم

يكون المتن مشتمال على معان رائقة، وألفاظ حسنة، فتجد النفوس تميل إلى سماع مثل هذا الكالم، فتجد بناء على هذا بعض أهل العلم يعبر عن هذا الحديث بأنه حسن، ال يقصد هذا العالم أو ذاك، من استعمال لفظ الحسن على هذه الروايات التي وجد فيها المعنى اإلسنادي يستحسن، أو معنى متني يستحسن، ال يقصد الحكم على الحديث، بأنه من قسم المقبول، وال أنه محتج به، إنما يقصد أن يعبر عن ذلك المعنى الذي الحظه ووجده في الرواية مما يكون في اإلسناد أو في

لمتن، ومما يستحسن مثله في الروايات عموما .ا

في موضعه، ولكن -إن شاء هللا تعالى-من ذلك مثال : األحاديث الغرائب، فيأتي نوع الغريب نريد أن نلفت النظر إلى معنى الغريب عند علماء الحديث، وما هو الذي يستحسن في الغريب

او، فال يرويه غيره. هذا هو المعنى العام عند المحدثين، الغريب: هو الحديث الذي يتفرد به رإن شاء -لكلمة غريب، والغريب له أنواع وصور عند علماء الحديث، سيأتي بيانها في موضعها

.-هللا تعالى

درج رواة الحديث عموما ، ونقاد الحديث أيضا على استحسان الغرائب، واستحسان سماعها، ها، بحيث كان الواحد منهم عنده استعداد ألن يسافر والشغف بها، واإلقبال عليها، والسعي إلي

البالد البعيدة من أجل أن يسمع حديثا واحدا غريبا ؛ ألن الحديث المشهور المتداول الذي يعرفه كل الناس، كل الناس يعرفونه، فهو يريد الجديد، يريد المزيد من الروايات، فكان بعض الرواة،

-ع األحاديث الغرائب، وكان هذا بدوره سببا في دخول الكذب أو عامة الرواة، يعمدون إلى سمافي األحاديث، والمتون، فبعض من رق دينه، كان يتعمد أن يركب األسانيد، أو -والعياذ باهلل

يختلق المتون، ليكون عنده شيء ليس عند غيره، فيرغب طلبة الحديث إلى الرحلة إليه، ليسمعوا يره من الناس. لكن سماع الغرائب عامة كانت لها فوائد:منه ما تفرد به، وليس هو عند غ

كانوا يقبلون على سماع الغرائب من الروايات، حتى -كما قلت -طلبة الحديث عموما أوال : في مقدمة الصحيح، وكذلك اإلمام -رحمه هللا تعالى-إن هناك قصة تروى، رواها اإلمام مسلم

-رحمه هللا تعالى-أن اإلمام أيوب السختياني -جامعالذي هو في آخر ال -الترمذي في العلل فلم يجده يحضر كما كان يحضر في مجلسه، -أي بعض تالمذته -افتقد يوما بعض أصحابه

يقصدون عمرو بن عبيد المعتزلي المبتدع -فسأل عنه؟ فقيل له: إنه جالس ذلك الرجل لس عمرو بن عبيد المبتدع، يعني ترك مجلس أيوب السختياني، وذهب ليحضر مج -المعروف

فأنكر ذلك اإلمام أيوب السختياني، وفي يوم من األيام قابل أيوب السختياني هذا الرجل في : لعلك جالست ذلك الرجل؟ يعني عمرو بن عبيد. قال: -رحمه هللا تعالى-الطريق، فقال له أيوب

ا ، أنت ال تروي إال ما هو نعم، إنه يجيئنا بأحاديث غرائب، يعني أنت لم ترو لنا شيئا جديدمعروف لدى الناس؛ ألن أيوب السختياني ال يروي إال صحيح األحاديث، وغالبا األحاديث

الصحيحة مشهورة متداولة، وهذا موجود في كل زمان ومكان، تجد الناس يذهبون ليسمعوا ممن كل الناس فيقولون: ليس يأتيهم بالعجائب والغرائب، أما الذي يتكلم بالكالم المستقيم الذي يعرفه

عنده شيء. ليس عنده جديد. فهم يريدون الجديد دائما وأبدا، فقال: نعم، إنه يجيئنا بأحاديث

Page 81: علوم الحديث   المستوى الثاني

: إنما نفرق أو نخاف من هذه الغرائب، فهكذا -رحمه هللا تعالى-غرائب. فقال أيوب السختياني ون عندهم ما ليس عند أقرانهم.كان عوام طلبة العلم، يريدون أن يسمعوا األحاديث الغرائب ليك

فكانوا أيضا يقبلون على سماع -عليهم رحمة هللا تعالى-أما نقاد الحديث وأئمتهم ثانيا : الغرائب من األحاديث، ولكن لهم شأن آخر، وغرض آخر من سماع تلك الغرائب، كان علماء

يسمعون الغرائب ليعرفوها من باب: -عليهم رحمة هللا تعالى-الحديث

يقع فيه -من الناس-عرفت الشر ال للشر، لكن لتوقيه**** ومن ال يعرف الشر

فكانوا يعرفون األحاديث الغرائب ويسمعونها، ويرحلون إليها، ليحصلوها، لماذا؟ ليميزوها عن غيرها، فيعرفون أن هذه أحاديث مكذوبة وغرائب، كما قال اإلمام أحمد: "الغالب الضعف

حاديث الغرائب إنما هي عن الضعفاء والمتروكين".على الغريب، وأغلب األ

يعرفوها ويميزوها عن الصحيح، حتى إذا ما سئلوا عن هذه األحاديث يجيبون بما فأوال :يعرفون، ثم يعرفوا الراوي الذي من شأنه أن يأتي بالغرائب الكثيرة في رواياته، فيعرفون أنه

ه ضعيف، أو متهم، يتهمونه إذا غلب على ذو غرائب، وصاحب غرائب، فيستدلون بذلك على أنظنهم أنه يفتعل تلك الغرائب ويخترعها من قبل نفسه، فهم كانوا يجمعون هذه المادة؛ ليميزوها

عن الصحيح وليعرفوا أحوال رواتها.

على يحيى بن معين، وهما بصنعاء، معروف -رحمه هللا تعالى-دخل اإلمام أحمد بن حنبل ى بن معين رحال إلى اليمن معا ، واليمن كانت وقتئذ فيها مشايخ وعلماء أن أحمد بن حنبل ويحي

ومحدثين كثر، من أشهرهم: عبد الرزاق بن همام، فلما كان أحمد بن حنبل وابن معين كالهما في اليمن، دخل أحمد بن حنبل على يحيى بن معين مرة، فوجد بيده صحيفة ينسخها، فقال له

ا أبا زكريا؟ قال: أكتب صحيفة معمر عن أبان عن أنس. أبان هو ابن اإلمام أحمد: ماذا تكتب يأبي عياش، وهذا متروك الحديث ضعيف جدا ، فقال له اإلمام أحمد: وأنت تعلم أنها موضوعة مليئة باألحاديث المكذوبة، والموضوعة، والغرائب والمناكير!! تكتب هذه الصحيفة وأنت تعلم

ا عبد هللا، أكتب هذه الصحيفة، وأعلم أنها موضوعة حتى ال يجيء أنها موضوعة!! قال نعم يا أبكذاب، فيجعل مكان أبان ثابت. الصحيفة من رواية معمر عن أبان عن أنس، معمر يروي عن أبان بن أبي عياش عن أنس بن مالك، أبان هذا متروك الحديث. ومعمر أيضا يروي عن ثابت

بناني من ثقات المحدثين. فيقول ابن معين: إنني كتبت البناني عن أنس أحاديث أخرى، وثابت الأو أكتب هذه األحاديث الموضوعة، وأعلم أنها من أحاديث أبان، حتى إذا ما جاء كذاب، فجعل

ثابتا مكان أبان فرواها عن معمر عن ثابت عن أنس، فيكون إسناد ظاهره الصحة؛ ألنه من ه أحاديث أبان ليست هي أحاديث ثابت.رواية الثقات المأمونين، فأقول له: كذبت هذ

يسمع ويكتب وينسخ هذه األحاديث -عليه رحمة هللا تعالى-إذن كان اإلمام ابن معين الموضوعة المكذوبة، ويعلم أنها موضوعة، وأنها مكذوبة، لماذا؟ حتى إذا ما جاء الكذابون

ف أن هذا كذب، وأن هذه فأبدلوا راويا بآخر فجعلوا مكان هذا الضعيف ثقة يعرف ذلك، ويعر األحاديث ليست من أحاديث ثابت إنما هي من أحاديث أبان الضعيف.

فكان الرواة والنقاد يقبلون على سماع الغرائب، ولكل قصده، فالراوي يريد اإلغراب على أقرانه، والتندر عليهم، والناقد يريد تمييز الصحيح من غيره، ومعرفة الصدق من الكذب، هذه

الغرائب كما ترون من خالل الحكايات وغيرها، كثير كان الناس يقبلون على سماعها األحاديثفكانوا يستحسنون سماعها، ويقبلون على سماعها، وكانوا أحيانا يسمونها بالحسنة، من باب

إن شاء هللا -االستحسان لها، كما قلت: الحسن هنا ليس بالمعنى الذي عرفناه، أو سنعرفه تفصيال

Page 82: علوم الحديث   المستوى الثاني

في هذا النوع، وإنما معنى الحسن هنا معناه من حيث اللغة، وهو الذي يعبر عنه بالحسن -تعالى المعنوي.

والحسن المعنوي منه ما هو راجع إلى اإلسناد كالغرابة، فالغرابة: قضية إسنادية، بحث . -إن شاء هللا تعالى-إسنادي، أمر متعلق باإلسناد، وهناك غرابة متنية، سيأتي النظر فيها

ض أهل العلم كان يسمي هذه األحاديث بالحسان، وورد ذلك في كالمهم في كتب التواريخ بعوالعلل، وإنما قصد العلماء من تسمية هذه األشياء بالحسن، هذا المعنى أي أنها غرائب ومناكير،

ال أنها من الصحيح، من المقبول سواء حسن لذاته، أو حسن لغيره.

أنه قال: "كانوا إذا جلسوا -رحمه هللا تعالى-يزيد النخعي من ذلك ما جاء عن إبراهيم بن كرهوا أن يخرج الرجل حسان حديثه"، وفي رواية: "أحسن ما عنده" هل يعقل أن يكره العلماء

أن يذكر اإلنسان األحاديث الحسنة المقبولة؟ هل يعقل أن يظن بالعلماء أنهم يكرهون ذكر بها؟ ال.. ليس هذا معقوال ، وال مقبوال ، وإنما أراد إبراهيم األحاديث الحسنة أي المقبولة المحتج

رحمهم -من هذه العبارة الغرائب التي أشرنا إليها، فهي التي كانوا -رحمه هللا تعالى-النخعي يكرهون أن تذكر في المجالس، أو أن تساق؛ ألن غالبها أخطاء ومناكير عن الرواة. -هللا تعالى

في شأن األحاديث الغرائب: " إذا سمعت -ليه رحمة هللا تعالىع-كما قال اإلمام أحمد وكانوا أيضا يسمونها بالفوائد كما قلت؛ -أصحاب الحديث يقولون: هذا حديث غريب أو فائدة

" إذا سمعت -ألن كل من جاء بها يفيد غيره بها؛ ألنها ليست إال عنده فيفيد اآلخرين بهاريب أو فائدة، فاعلم أنه حديث خطأ، أو غلط من أصحاب الحديث يقولون: هذا حديث غ

المحدث، أو حديث ليس له إسناد، أو دخل حديث في حديث، ولو كان قد رواه شعبة وسفيان. -وإذا سمعتهم يقولون: هذا حديث ال شيء، فاعلم أنه حديث صحيح." لم يقصد اإلمام أحمد

والتعديل، حينما يقولون في الراوي بقوله: ال شيء، ما يقصده علماء الجرح -رحمه هللا تعالىهذا: راوي ال شيء، أو راوي ال يساوي شيئا ، ال يقصد هذا المعنى، وإنما قصد المعنى الذي

أشرنا إليه من أنهم لزهدهم في سماع المشاهير، وإقبالهم على سماع الغرائب، إذا جاءهم حديث العناية، أما إذا جاءهم الحديث غريب، أقبلوا على سماعه، واهتموا به، واعتنوا به غاية

المشهور الذي هو عندهم مروي من أوجه كثيرة، قالوا ال شيء، يعني عندنا منه الكثير فيزهدون في سماعه، وال يقبلون على سماعه، فاإلمام إبراهيم النخعي يقول: " كانوا إذا جلسوا

بالحسن ها هنا: كرهوا أن يخرج الرجل حسان حديثه" أو " أحسن ما عنده"، وإنما قصد-الغرائب. كما قلت الغرائب يستحسنونها، ويقبلون على سماعها؛ ولهذا اإلمام الخطيب البغدادي

في كتابه المعروف الجامع ألخالق الراوي -لما ذكر كلمة إبراهيم النخعي هذه -رحمه هللا تعالىفقال اإلمام الخطيب البغدادي علق عليها، وبين مراد اإلمام إبراهيم النخعي منها، -وآداب السامع

: عنى إبراهيم بقوله األحسن، أي الغرائب؛ ألن الغريب غير المألوف -رحمه هللا تعالى- يستحسن أكثر من المشهور المعروف، وهذا ما قلناه.

: " وأصحاب الحديث يعبرون عن المناكير بهذه -رحمه هللا تعالى-قال الخطيب البغدادي سن، فصار لفظ الحسن ها هنا مستعمال بمعنى الغريب".العبارة، أي عبارة الح

حيث قيل له مرة: يا -رحمه هللا تعالى-وأيضا : هذا ورد على لسان اإلمام شعبة بن الحجاج يا -وهو من أئمة الحديث الكبار -رحمه هللا تعالى-أبو بسطام: هو شعبة بن الحجاج -أبا بسطام

لملك بن أبي سليمان العرزمي، وأحاديثه حسان؟! فقال اإلمام أبا بسطام، لماذا ال تروي عن عبد اشعبة: من حسنها فررت!!. فهل يفر العالم من األحاديث المقبولة الصحيحة المحتج بها؟!! أم يفر

من الغرائب والمناكير؟ ولهذا فهم العلماء من كلمة شعبة هذه، أنه لم يقصد الحسن الذي هو

Page 83: علوم الحديث   المستوى الثاني

إنما الحسن المعنوي الذي هو راجع إلى معنى يستحسن في موضوع هذا النوع من الحديث، واإلسناد أو في المتن، فأراد بالحسن ها هنا الغرائب. يعني من غرابتها أفر، كما فر من قبل أيوب

السختياني من األحاديث الغرائب.

وأيضا ذكر لإلمام شعبة بن الحجاج حديث يرويه راو اسمه أوس بن ضمعج، وأوس هذا ينكر عليه -رحمه هللا تعالى-من جملة الثقات إال أن له بعض األخطاء، وكان شعبة وإن كان

: أوس -رحمه هللا تعالى-بعض األحاديث، فلما سأل عن حديث من أحاديثه التي تفرد بها، قال بن ضمعج كأنه شيطان من حسن حديثه!! وأنكر عليه ذلك الحديث، وهو موجود في علل

تم الرازي، واألفراد والغرائب للدارقطني، وكذلك في الجعديات، وهذا الرازي، علل ابن أبي حاكله راجع إلى أنه استغرب، واستنكر عليه ذلك الحديث، واستبعد صحته، ورأى أنه حديث

غريب منكر؛ فلهذا عبر عن صاحبه كأنه شيطان يأتي باألباطيل، ويأتي بالمناكير، وعلل ذلك حسن هنا ليس على المعنى الذي هو موضوع كالمنا في هذا بأن أحاديثه حسان، أي غرائب. فال

النوع.

في كتابه المحدث الفاصل وهو من كتب -رحمه هللا تعالى-لهذا نجد مثال اإلمام الرامهرمزي الحديث المعروفة، عقد بابا وسماه باب من كره أن يروي أحسن ما عنده، فإذا ما قرأت في

ر في هذا الباب، روايات كثيرة عن أهل العلم في كراهية الباب تجد اإلمام الرامهرمزي، ذك"كانوا إذا -سابقة الذكر-رواية الغرائب والمناكير، وذكر من جملتها: كلمة إبراهيم النخعي

جلسوا كرهوا أن يخرج الرجل أحسن ما عنده"، فهذا يدل على أن اإلمام الرامهرمزي كان يفهم سن في هذه المواضع خاصة، لم يقصدوا الحسن الذي هو أن هؤالء العلماء الذي استعملوا الح

مقبول ومحتج به، إنما قصدوا الحسن من حيث المعنى اللغوي، فطالب العلم البد أن يميز هذا، وأن يعرف مراد كل إمام من كل كالم يقوله، حتى ال يفهم كالم اإلمام على غير وجهه.

الباحثين األفاضل بلطائف األسانيد، أي هناك أيضا أمور متعلقة باألسانيد، يسميها بعض معان توجد في األسانيد، هي معاني لطيفة، هذه المعاني اللطيفة كان يعبر عنها علماءنا بالحسن

أيض ا، فهي معاني تستحسن، في األسانيد منها مثال اإلسناد العالي، نحن ذكرنا في لقاء سابق والنازل، وأن رواة الحديث كانوا يقبلون على إجماال وسيأتي تفصيال أيضا أن هناك العالي

سماع األحاديث العالية، ويزهدون في سماع األحاديث النازلة، والعالية هي التي قلت الوسائط صلى -فيها بين الراوي وشيخه، أو بين الراوي وبعض األعالم، أو بين الراوي وبين رسول هللا

ا كان الحديث عاليا ، كلما كثرت الوسائط كلما كان فكلما قلت الوسائط كلم -هللا عليه وآله وسلمالحديث نازال ، وهذا المعنى وهو العلو، كان يقبل على تحصيله الرواة، يحبون سماع العالي من

الروايات، يحب أن يسمع الحديث بدون وسائط، فإذا كان الشيخ حي، فال يسمع الحديث عن حصل علو اإلسناد، وهكذا هذا المعنى الذي هو رجل عنه، بل يذهب إليه ليسمعه منه، ليكون قد

العلو، كان يسمى بالحسن؛ ألنه معنى يستحسن الحديث من أجله.

وهناك من لطائف األسانيد ما يسمى عند علماء الحديث بالمدبج، ما هو المدبج؟ المدبج: لمتعاصرون معنى في اإلسناد يستحسن من أجله، وهناك باب اسمه رواية األقران، األقران: هم ا

في زمن واحد، وجدت الروايات أن يروي الراوي عن من عاصره، عن قرين له، عن معاصر له.

والعادة أن يروي الراوي عمن هو أكبر منه، أن يروي عمن هو في سنه، وفي زمنه، هذا أمر نادر، وهو نوع من النزول، فالعلماء اعتنو برواية األقران حتى ال يلتبس على الباحث،

ا يجد قرينا يروي عن قرينه يظن أن هناك تكرار في اإلسناد، وأن الصواب فالن وفالن، فحينموليس فالن عن فالن، فبين علماء الحديث رواية األقران، حتى يزيلوا اللبس عن الباحثين، عن

Page 84: علوم الحديث   المستوى الثاني

هذه األمور، وهذه األسانيد هناك صورة من رواية األقران في غاية الحسن والجمال، يسميها حديث بالمدبج.علماء ال

ما هو المدبج؟ أن يروي كل من القرينين عن اآلخر. كما ذكروا: مالك يروي عن الزهري، والزهري روى عن مالك، مع أن الزهري من شيوخ مالك. لكن وجدت رواية مالك عن

الزهري، ورواية الزهري عن مالك، فهذا يسمونه بالمدبج.

راويان من األقران، وبعضهم ال يشترط ذلك، بعض أهل العلم يشترط في المدبج أن يكون الالمهم أن تقع رواية الراوي عن شيخ، ثم نأتي في رواية أخرى نجد الشيخ هو الذي يروي عن الراوي عنه، وهذا يسمونه بالمدبج، والمدبج أي المزين، المحسن أصال ، هذا ما عناه من حيث

اللغة، حتى قال السيوطي في ألفيته

قرنين عن**** صاحبه فهو مدبج حسن.فإن روى كل من ال

هذا أمر إذا وجد في األسانيد فهو معنى يستحسن الحديث من أجله، فوجد في كالم أهل العلم من هذا القبيل، ما يدل على أن علماء الحديث كانوا أحيانا يسمون هذه األسانيد باألسانيد الحسنة،

المقبول، إنما يقصدون بالحسن فقط هذا ال يقصدون الحسن هنا الذي هو نوع من أنواع الحديثالمعنى اإلسنادي الذي وجد في الرواية، بصرف النظر عن كون الحديث الذي وجد فيه هذا

المعنى من المقبول أم من المردود.

-من ذلك ما رواه اإلمام أبو يعلى الخليلي في اإلرشاد، حديثا من طريق آدم بن أبي إياس -مد بن كثير المصيصي، عن ابن المبارك، عن شعبة، رواه بهذا عن مح -وهذا من الثقات

اإلسناد، ثم قال اإلمام أبو يعلى معلقا على هذا اإلسناد: "هذا حديث حسن جدا في رواية األقران"، ثم بين ذلك، قال: ألن آدم عن محمد، وهما قرينان، ومحمد يوافق ابن المبارك في

لشاميين، بل أدرك من لم يدركه ابن المبارك، إذن الحسن شيوخ الشام، يعني روى عن شيوخه اهنا راجع إلى كون الحديث عنده من المقبول أم لما اشتمل عليه من هذا المعنى الذي هو من

لطائف األسانيد، وتستحسن األسانيد من أجله وهو رواية األقران بعضهم عن بعض؟.

الخليلي في اإلرشاد عن يونس بن محمد، وأيضا من أمثلة المدبج ما ذكره أيضا أبو يعلى -عن حماد بن زيد، عن سفيان الثوري، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن وعلة، عن ابن

. ثم قال أبو يعلى: لم يروه عن حماد غير يونس، وهو ثقة من كبار -رضي هللا عنهما-عباس استعمل الحسن على -تعالى عليه رحمة هللا-شيوخ بغداد، وهو حسن من المدبج. فهنا اإلمام

إرادة هذا المعنى الذي يستحسن من أجله الحديث، وهو التدبيج، ولم يقصد من كالمه ها هنا أن يعلق على الحديث، أو أن يحكم على الحديث بأنه من نوع الحسن المحتج به أو ال يحتج به، لم

م.يقصد في كالمه هذا المعنى، ولم يرد على ذهنه وهو يقول هذا الكال

هناك أيضا معاني أخرى تستحسن الروايات من أجلها، وهي متعلقة بالمتون، كما ذكرنا المعاني التي تستحسن الرواية من أجلها في اإلسناد. هناك معاني أخرى في المتون فمثال :

حينما تجد حديثا معموال به، محكما غير منسوخ، فكون الحديث محكما لم يعارضه حديث معنى في المتن يستحسن الحديث من أجله، إذا كان الحديث مشتمال على ألفاظ رائقة آخر، فهذا

ومعان جيدة، فهذا معنى يستحسن الحديث من أجله، لماذا يستحسن الحديث من أجله؟ لم اشتمل عليه من تلك األلفاظ الرائقة، والمعاني الجيدة التي تقبل على سماعها النفوس، فهذا معنى، وهذا

و الناس إلى استحسان هذه الرواية مثال ، ال شك أن الرواية الصحيحة حسنة بهذا سبب يدع

Page 85: علوم الحديث   المستوى الثاني

االعتبار، الحديث الصحيح حسن بهذا االعتبار؛ ألنه تحقق فيه اإلتقان، تحقق فيه الحفظ، تحقق فيه التثبت، وهذا معنى يستحسن أيضا الحديث من أجله.

إن شاء هللا -االعتبار، وهذا سينفعنا فالحديث الصحيح يصح أن يوصف بكونه حسنا بهذا عندما نتعرض بعد ذلك لشرح هذه التركيبة، حيث توجد في كالم بعض أهل العلم -تعالى

كالترمذي مثال حيث يقول في بعض األحاديث: "حسن صحيح" حيث استشكل ذلك بعض أهل فهم طالب العلم أن لكن هنا نريد أن ن -إن شاء هللا تعالى-العلم، وسنبين وجه ذلك في موضعه

الحديث الصحيح من الممكن أن يكون حسنا بهذا االعتبار، لكونه قد تحققت فيه شرائط الصحة والقبول، فهذا معنى بطبيعة الحال يستحسن الحديث من أجله، فاإلمام الناقد البصير إذا كان في

لة يزيل عنه اإلشكال، مسألة من مسائل الفقه، وهو يريد أن يحتج، أو يجد دليال في هذه المسأويرفع الخالف، فإذا وجد حديثا صحيحا في هذا الباب، واضح الداللة على مراده، وعلى ترجيح قول من األقوال، فإنه يستحسن هذا الحديث، ويقبل على سماعه، بل وعلى روايته، كما جاء عن

فقال: " ليس عندي فيها أنه سئل عن تخليل األصابع في الوضوء -رحمه هللا تعالى-اإلمام مالك صلى هللا عليه وآله -علم، أو ال أعلم فيها حديث" فحدثه بعض الجالسين بحديث عن رسول هللا

فلما نظر فيه قال: " هذا حديث حسن" ثم صار بعد يفتي بمقتضاه، فاستحسن الحديث -وسلملة على المراد، فكان الذي سمعه لما وجده ثابتا في نقده ومعرفته، ثم بعد ذلك وجده واضح الدال

من هذه الحيثية حديثا حسنا .

وأيضا هذا النوع من الحسن ليس بالضرورة أن يكون مرتبطا بالصحة، أو مرتبطا بالقبول، فهو يصدق عليه وصف -أعني في المتن لمعنى من المعاني -فكل ما استحسن في الرواية

الحسن، حتى وإن لم يكن الحديث من قسم المقبول.

في كتاب جامع بيان -رحمه هللا تعالى-كروا لذلك أمثلة من ذلك: أن اإلمام ابن عبد البر ذالعلم وفضله، ذكر حديثا طويال عن معاذ بن جبل في فضل العلم وفضل طلبه، والحديث فيه

تعلموا العلم، فإن رواة متروكون وضعفاء جدا ، وبعضهم من قد اتهم بالكذب، وهو حديث: )( حديث طويل اإلمام ابن عبد البر بعد أن ساق هذا الحديث ماذا خشية، وطلبه عبادة تعلمه هلل : " هذا حديث حسن جدا ، ولكن ليس له إسناد قوي" فاإلمام ابن عبد -رحمه هللا تعالى-قال؟ قال

البر هل أراد من الحسن ها هنا معنى القبول، معنى االحتجاج، أم أراد من الحسن ما هو راجع لحديث وإلى المعاني الحسنة التي وجدت فيه، بصرف النظر عن كونه ثابتا أم غير ثابت؟ للفظ ا

ما أراد إال اللفظ، لم يرد أن يحكم على الحديث بأنه من قسم المقبول؛ ولهذا شرح ذلك اإلمام في كتاب التقييد واإليضاح، شرح مراد اإلمام ابن عبد البر من قوله -رحمه هللا تعالى-العراقي

هذا، فقال أراد ابن عبد البر الحسن هنا حسن اللفظ قطعا ، وليس الحسن الذي يرجع إلى قبول الحديث.

أيضا ابن عبد البر وجدت له أمثلة أخرى، استعمل فيها هذا المصطلح على إرادة هذا المعنى، من ذلك: ما ذكره في كتاب التمهيد له، ذكر حديثا يرويه بعض الضعفاء، عن اإلمام

هذا اإلسناد يسمى سلسلة -رضي هللا تعالى عنهما-لك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر، ماالذهب، وهو من أصح األسانيد، وهذا تكلمنا عليه في لقاء سابق، فذهب بعض الضعفاء، فروى

أنت تنظر إلى اإلسناد تقول -رضي هللا تعالى عنهما-الحديث عن مالك عن نافع عن ابن عمر سناد من أصح األسانيد، إنه سلسلة الذهب! ولكن من الذي رواه عن مالك هل الثقات ماشاء هللا! إ

أم الضعفاء؟ ضعفاء. ونحن قلنا: إن أصح األسانيد ال تثبت إال إذا صح اإلسناد إلى صاحب ورضي عنه، فروى هذا الكذاب حديث -رحمه هللا تعالى-اإلسناد، وهو هنا اإلمام مالك بن أنس

حديث طويل في عدة ورقات أوله، من -رضي هللا تعالى عنهما-ن ابن عمر مالك عن نافع ع

Page 86: علوم الحديث   المستوى الثاني

قال في يوم مائة مرة ال إله إال هللا الحق المبين خلق هللا له من كل حرف طائرا ، له ألف منقار، كل منقار يستغفر له.... عالمات الوضع والكذب واضحة، وهذه من األحاديث التي يدسها أعداء

هل -إن شاء هللا تعالى-الم، ولهم أغراض كثيرة سيأتي ذلك في نوع الموضوع اإلسالم في اإلسهذا الحديث صحيح؟ ليس صحيحا ال من حيث اإلسناد، وال من حيث المتن، فاإلسناد فيه

الضعفاء والكذابون، والمتن واضح النكارة والبطالن.

صلى هللا عليه وآله -هللا منزه عن مثل هذا الباطل، رسول -صلى هللا عليه وسلم-رسول هللا وكالم آخر -صلى هللا عليه وآله وسلم-كالمه فيه نور، تسمع الكالم تشعر بأنه كالم النبي -وسلم

فيه تكلف، فيه ركاكة، في سماجة، وهذا -صلى هللا عليه وسلم-تشعر بأنه ليس له عالقة بالنبي م الرازي: " ويعرف سقم الحديث بعيد، كل البعد عن كالم النبوة، كما قال اإلمام أبي حات

وإنكاره، بأن يكون كالما ال يصلح أن يكون من كالم النبوة" ، بعض الكالم أنت تستحي بنفسك أنت نفسك تستحي أن تقوله، وإذا قلته تعلم أن -صلى هللا عليه وسلم-أن تقوله، فكيف برسول هللا

؟ بطبيعة الحال ليس كل ما -وسلمصلى هللا عليه -الناس سينكرون عليك، فكيف برسول هللا يستشكله اإلنسان من الروايات يبادر إلى إنكاره، وإنما يسأل أهل العلم، ويرجع إليهم، وإن كان بأصول ذلك، يرجع إلى القواعد، ويرجع إلى الضوابط، وعلى ضوء ذلك يبني دارسا وعارفا

ال فال.إن كان هذا االستشكال له محل، فحينئذ يستنكر الحديث، وإ

هذا الحديث طويل بعد أن ذكره اإلمام ابن عبد البر ماذا قال؟ قال: هذا الحديث ال يرويه عن مالك من يوثق به، وهو ال يعرف من حديث مالك، يعني ليس هذا من حديث مالك، بل هو ملفق

ع " هو حسن هنا هل هو راج-إن شاء هللا تعالى-عليه, ثم قال: " وهو حديث حسن ترجى بركته إلى قبول الحديث، أم راجع إلى معنى في المتن، يستحسن أو يستغرب، أو من المعاني التي من

الممكن أن يحب أن يسمعها بعض العوام.

إذن لم يقصد اإلمام ابن عبد البر من هذا الكالم، أو من قوله ها هنا الحسن الذي هو حجة، لما ذكر عن -رحمه هللا تعالى-م الذهبي إنما الحسن الذي هو بمعناه اللغوي؛ ولهذا يقول اإلما

عباس الدوري أنه ذكر شيخه األصم فقال: " لم أر في مشايخي أحسن حديثا منه"، قال اإلمام الذهبي معلقا على هذه العبارة: يحتمل أنه أراد بحسن الحديث، اإلتقان. كما قلت: إن الحديث

ر، أو أنه يتبع المتون المليحة فيرويها، هو حديث حسن بهذا االعتبا -بطبيعة الحال -الصحيح المتون المليحة التي فيها معاني حسنة، معاني جيدة، أو أنه أراد علو اإلسناد، فالعلو معنى يستحسن الحديث من أجله، أو نظافة اإلسناد، أي خلوه من الضعفاء والمجروحين، كل ذلك

نكر والمنسوخ، وبطبيعة الحال إذا معان يستحسن الحديث من أجلها. وتركه رواية الشاذ والمعمد الراوي، وقصد إلى عدم رواية الشاذ، وعدم رواية المنكر، فهذا بطبيعة الحال مما يجعل

حديثه حسنا ، وكذلك المنسوخ مع أن المنسوخ قد يكون صحيحا ، لكنه غير معمول به، فمن هذه المحكم غير المنسوخ، فحيئنذ الحيثية إذا ترك الراوي رواية المنسوخ واهتم واعتنى برواية

يكون لذلك معنى يجعل البصير العارف يسمع منه، ويستحسن سماع حديثه، قال اإلمام الذهبي: " فهذه أمور تقتضي للمحدث إذا الزمها أن يقال في حقه: ما أحسن حديثه".

سيما إذا كان إذن ينبغي لطالب العلم أن يعرف هذه األمور، وأن يتدبر الكالم دائما وأبدا، ال يقرأ، أو يطالع في غير كتب مصطلح الحديث، أو في غير الكتب التي تعنى بتمييز الصحيح من

الضعيف، ككتب التواريخ، وكتب الرجال، ونحو ذلك، حتى ال يضع كالم أهل العلم في غير موضعه، وال يفهمه على غير مرادهم منه.

Page 87: علوم الحديث   المستوى الثاني

كان وسطا بين الصحيح والضعيف في نظر هذا النوع لما: )-رحمه هللا تعالى-قال المصنف الناظر، ال في نفس األمر، عسر التعبير عنه، وضبطه على كثير من أهل هذه الصناعة. وذلك

.(ألنه أمر نسبي، شيء ينقدح عند الحافظ، وربما تقصر عبارته عنه

النوع، نحن يتكلم هنا عن أمر في غاية األهمية في هذا -رحمه هللا تعالى-اإلمام ابن كثير قلنا ابتداء : إنه وسط بين الصحيح والضعيف، نقصد الحسن بنوعيه، ما هو قريب من الصحيح، وما هو دون ذلك مما هو داخل في حيز القبول، أما الحسن المعنوي اآلخر فال شأن لنا به، هذا

أمر فرغنا منه، وعرفناه.

يره؟ وكيف نعرفه في الرواية؟ لكن من اآلن سنتناول الحسن المحتج به، وكيف نميزه عن غهذا النوع من الحسن من الحديث، لما كان وسطا بين الصحيح والضعيف، وكل شيء يكون وسطا غالبا يصعب تحقيقه، وتحريره، وتمييزه عن غيره؛ ألن له شبه بطرف، وشبه بطرف

جعله من قسم آخر، فهو فيه ما يجعله من قسم الصحيح، ولكنه لم يبلغ إلى الصحيح، وفيه ما يالضعيف، ولكنه لم ينزل إلى رتبة الضعيف، فهو مشرب بالنوعين يتجاذبه الصحيح، ولكن لم يبلغ مرتبة الصحيح، يتجاذبه الضعيف، ولكنه لم ينزل إلى الضعيف، هو في منزلة وسط، وما

حسان، كان كذلك يصعب تحريره؛ ألنك ال تستطيع أن تجد له حدا جامعا مانعا لكل األحاديث البحيث تندرج هذه األحاديث كلها تحت هذا األساس، وتحت هذا التعريف، وهذا الحد، ولكن

بينوا ذلك، وبينوا مرادهم من الحسن حيث يستعملونه على -عليهم رحمة هللا تعالى-العلماء .-إن شاء هللا تعالى-إرادة الحجة، وسيأتي ذلك

ساسية أنه ثمرة بقية أنواع علوم الحديث، نحن نقول ها هنا: إن الحديث الحسن مشكلته األفهذا النوع من الحديث يحتاج إلى كل أنواع الحديث اآلتية بعده، وبطبيعة الحال ليس كل الناس في معرفة هذه األنواع، وفي معرفة أمثلتها، ومعرفة كيف يكون تحقيقها، ليس الناس في كل

العلماء فترى الحديث الواحد بعض العلماء ذلك سواء، وال في مرتبة واحدة؛ فلهذا تختلف أنظاريقول: حسن، وبعضهم يقول: ضعيف، بعض العلماء يقول: حسن، وبعضهم يقول: صحيح؛ ألن

هذا اطلع على ما لم يطلع عليه غيره، وهذا أدرك ما لم يدركه غيره؛ ألنه نوع يعد ثمرة معرفتك بعلوم الحديث كلها. كيف هذا؟

من خالل دراستنا لهذا النوع أنه ينقسم إلى حسن لذاته، وحسن -تعالىإن شاء هللا -سيتبين لنا لغيره.

الحسن لذاته: هو كالصحيح إال أن راويه لم يبلغ في الحفظ واإلتقان منزلة النوع األول: -راوي الحديث الصحيح، فهو دون ذلك ضبطه أخف نسبيا من ضبط راوي الحديث الصحيح،

ضبطه في درجة راوي الصحيح أم ضبطه دون ذلك؟ بمعرفة كيف نعرف إن كان هذا الراويالرجال، بمعرفة الجرح والتعديل، بمعرفة صفة من تقبل روايته، ومن ترد، بل بمعرفة مراتب الثقات. فكلما كان الباحث مدركا لمراتب الثقات، ولدرجات الحفاظ الثقات، كلما كان بإمكانه أن

أم من الحسن أيض ا، الحديث الحسن يشترط فيه ما يعرف إن كان هذا الحديث من الصحيح يشترط في الصحيح من االتصال والسالمة من الشذوذ والعلة. فكلما كان الباحث مدركا ألنواع االتصال واالنقطاع، عارفا بمواضع االنقطاع في األسانيد، أو اإلرسال، كلما كان مدركا لذلك

ينبغي. كلما كان بإمكانه أن يحقق هذا النوع كما

الحسن لغيره، كما قلنا هو حديث فيه ضعف في أساسه، ثم تقوى بروايات النوع اآلخر: -أخرى انضمت إليه، من الضعف ما يكون راجعا إلى حفظ الراوي، ليس ضابطا ، ومن الضعف

ما يكون راجعا إلى عدم االتصال، فكلما كنت مدركا بكيفية االنتفاع بالروايات األخرى التي

Page 88: علوم الحديث   المستوى الثاني

ء لهذه الرواية فتجبر ذلك الضعف الذي وقع في الرواية األولى، فإن كان الراوي ضعيفا تجيفتعرف أن هذا الضعف ينجبر برواية فالن، وال ينجبر برواية فالن، ينبجر بالرواية الفالنية،

وال ينجبر بالرواية الفالنية، كلما كنت متقنا لذلك كلما كان تحقيقه حسن كما ينبغي.

لحديث الحسن بأنواع الحديث األخرى""عالقة ا

واإلرسال سبب يمنعنا من االحتاج بالحديث، ولكن هذا اإلرسال أحيانا يتبين بتتبع اإلرسال: -الروايات، والنظر فيها أنه غير قادح؛ ألن هذه الرواية المرسلة قد وجدت متصلة من وجه آخر،

ستطيع أن تحقق األحاديث الحسان وتميزها فبقدر معرفتك بأصول ذلك، وبكيفية تحقيقه بقدر ما ت عن غيرها.

البد أن يكون الحديث الحسن سالما من الشذوذ، سالما من العلة، فكلما كنت عالما بعلل األحاديث كلما كنت عالما بكيفية تمييز المعلول من غيره، كلما كان تحقيقك للحديث الحسن كما

ينبغي.

من أنواع األحاديث، وهو الحديث الحسن إلى أن نميز بين ما فمثال قد نحتاج في هذا النوع روي بالمعنى وما لم يرو بالمعنى إسنادا أو متنا ، هناك بعض الروايات رويت بالمعنى في

اإلسناد، أو في المتن، فيغتر بعض الناس، بعض بسطاء طلبة العلم، إذا ما وجد الرواية رويت الروايتين هما روايتنان، كل رواية منهما مستقلة عن مرة هكذا، ومرة هكذا، يظن أن هاتين

األخرى، فيذهب إلى تقوية هذه بتلك، ويقول: هذه رواية ضعيفة؛ ولكن هاتان الروايتان لما انضم كل منهما إلى اآلخر، صار الحديث من نوع الحسن لغيره. ثم قد يتبين بعد ذلك أن هاتين

اية ما هنالك أنه وقعت رواية بالمعنى أوهمت التعدد، الروايتين هما في الواقع رواية واحدة، غ وليس هناك تعدد.

مثال هناك راو اسمه داود بن سليمان، وهذا راوي ضعيف، ويسمى بأبي سليمان النصيبي، ويلقب دويب، إذن اسمه داود، لقبه دويب، وهذا يدل على أنك البد أن تكون عارفا بأسماء الرواة

بألقابهم، حتى تحسن تحقيق هذا النوع من أنواع علوم الحديث.وبكناهم، وبأنسابهم، و

صلى هللا عليه وآله -هذا الراوي روى حديثا عن أبي إسحاق السبيعي، بإسناده عن رسول هللا ( وهو حديث ضعيف، هذا الدنيا دار من ال دار له، ولها يعمل من ال عقل له أنه قال: ) -وسلم

ويب عن أبي إسحاق، راوي آخر رواه عن أبي سليمان الحديث رواه بعض الرواة عن دالنصيبي عن أبي إسحاق، بعض الباحثين قال: دويب فيه ضعف، ولكن تابعه أبو سليمان

النصيبي، إذن ضعيف مع ضعيف ينجبر هذا بهذا يرتقي الحديث إلى مرتبة الحديث الحسن هو ليس راويا آخر، غاية ما لغيره، فتعقب ذلك بأن دويب هو نفسه أبو سليمان النصيبي، هو

هنالك أن الراوي ذكر مرة بلقبه، ومرة أخرى بكنيته ونسبه، فتوهم ذلك الباحث أنهما رجالن، تابع أحدهما اآلخر، فبقدر معرفتك بأسماء الرواة وأنسابهم وألقابهم، وما يقع في األسانيد من

حق أن يكون حسنا أو ال؟ذلك، بقدر ما تستطيع أن تحقق الحسن، هل هذا الحديث مما يست

التصحيف والتحريف: قد يقع تصحيف وتحريف في بعض الروايات، ال سيما في األسانيد، -فتظنه راويا آخر بينما هو هو، مثال هناك راو اسمه عبيد ابن القاسم، روى حديثا عن إسماعيل

د بن القاسم هذا متروك (، عبيالوالء لحمة كلحمة النسب ال يباع وال يوخذبن أبي خالد متنه: )الحديث، ضعيف جدا ، ومن أهل العلم من كذبه، فجاء بعض الباحثين قال: ال.. هذا وإن كان

الراوي متكلما فيه، ولكنه لم يتفرد بل توبع، وتابعه بعض الثقات، إذن الحديث أصال صحيح من بن أبي خالد، وعبصر هذا الثقة؟ قال: هناك رواية جاء فيها عن عبصر بن القاسم عن إسماعيل

Page 89: علوم الحديث   المستوى الثاني

بن القاسم هذا راوي ثقة فعال ، ولكن قال العلماء كالحافظ ابن حجر وغيره من علماء الحديث، قالوا: هذا مصحف، الصواب عبيد وليس عصفر، فلما تصحف اإلسناد في الكتاب، ظن ذلك

ك أن الراوي الباحث أنه راو آخر تابع األول، وليس هو راويا آخر، بل هو هو، غاية ما هنال اسمه عبيد، والذي كتبه باسم عبصر أخطأ في ذلك، عبصر ثقة، وعبيد ضعيف.

وهناك تصحيف أيضا يقع في المتون، هناك راوي اسمه قبيصة بن عقبة، روى عن سفيان أنه قال -صلى هللا عليه وآله وسلم-الثوري، حديثا من حديث أبي سعيد الخدري، عن رسول هللا

( يعنى الجد، هذا الحديث نورثه على عهد رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم كناعن الجد : )اغتر بعض الباحثين به، فقال: هو إسناد حسن، بناء على ظاهر اإلسناد، والواقع أنه ليس حسنا

بالمرة، بل هو حديث معلول، وقعت العلة من جهة التصحيف، والرواية بالمعنى، أيضا في سناد، قال األئمة: كاإلمام مسلم، وابن حبان، في كتاب التمييز، واإلمام أبي متنه، وليس في اإل

حاتم الرازي في العلل، واإلمام ابن رجب الحنبلي، أيضا في شرح علل الترمذي، قال هؤالء ( يعني كنا نؤديه على عهد رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم العلماء: صواب هذا الحديث: )

الذي حدث في هذا الحديث؟ الحديث أبو سعيد قال كنا نؤديه على عهد رسول صدقة الفطر، ما( يقصد صدقة الفطر. يعني كان الصحابة يؤدون كنا نؤديه ) -صلى هللا عليه وآله وسلم-هللا

هذا هو صحيح الحديث، المعروف -صلى هللا عليه وآله وسلم-صدقة الفطر على عهد النبي يصة بن عقبة فصحف نؤديه إلى نورثه، وإذا كتبت الكلمتين تجد المشهور المتداول، فجاء قبثم بعد أن روى الحديث كنا نورثه على عهد رسول هللا -نؤديه نورثه -أنهما يشتبهان في الخط

فروى بالمعنى بحسب فهمه، فقال: يعني الجد، كنا نورث الجد. -صلى هللا عليه وآله وسلم-

نقل الرواية من باب فقهي إلى باب فقهي آخر، فأنت إذا انظر التصحيف ماذا فعل بالرواية؟لم تكن مدركا لعلل األحاديث، وما يقع فيها من تصحيف وتحريف ورواية بالمعنى، ربما ال

تستطيع أن تحكم على الحديث بأنه حسن، أو أن تميز األحاديث الحسان من غيرها.

ما هو المقلوب ؟ القلب -ء هللا تعالىإن شا-وهذا نوع من أنواع الحديث سيأتي المقلوب: -هو اإلبدال، أن تجعل راويا مكان راوي، الحديث يكون من رواية راوي فتجعله أنت من رواية راوي آخر، أو يكون معروفا بإسناد فترويه أنت بإسناد آخر، بعض الناس ال يدرك أهمية هذه

ل هذه المواضع، فبدون معرفتك األشياء، ونحن كمتخصصين نعرف أهمية ذلك، ال سيما في مثبالقلب الذي يقع في األسانيد والمتون، ربما تشتبه عليك األحاديث، فال تستطيع أن تميز مقبولها

من غير مقبولها.

فمثال : هناك حديث يرويه عبد هللا بن المؤمل، وعبد هللا بن المؤمل فيه ضعف، يرويه عن ( هذا الحديث العلماء تكلموا فيه لما شرب لهماء زمزم أبي الزبير، عن جابر، وهو حديث )

كالما كثيرا ، وبحوثهم موجودة في كتب العلم، لكن الشاهد ها هنا أن العلماء يقولون: هذا حديث تفرد به عبد هللا بن المؤمل، لم يرويه غيره، عن أبي الزبير، عن جابر، ثم وجدنا بعض الرواة،

بير، عن جابر، وبعضهم رواه عن حمزة الزيات، عن رواه عن إبراهيم بن طهمان، عن أبي الزأبي الزبير، عن جابر، قال العلماء كالحافظ ابن حجر في نكته على كتاب ابن الصالح وغيره: هذه كلها أخطاء الراوي، أبدل راويا بآخر، الصواب أنه من حديث عبد هللا بن المؤمل، وليس

فهذا قلب، فأنت قد تتوهم أن هؤالء الرواة كلهم من حديث هؤالء اآلخرين، الذين ذكروا مكانه، تتابعوا على رواية الحديث، فإن كان في بعضهم بعض الضعف تقوى بانضمام غيره إليه، لكن بعد معرفتك بهذا تدرك بأن هذا الحديث ليس من جملة األحاديث الحسان؛ ألن الراوي المتفرد

به حقيقة ليس ممن يحتج بحديثه.

Page 90: علوم الحديث   المستوى الثاني

من صوره: أن يكون بعض -إن شاء هللا تعالى-أنواع الحديث، سيأتي نوع من المدرج: -صلى هللا عليه وآله -الكالم منسوبا إلى الراوي، وبعض الكالم اآلخر هو من حديث رسول هللا

صلى -فيأتي بعض الرواة فيجعل ذلك الكالم الذي هو كالم الراوي من جملة كالم النبي -وسلم، وعلماء الحديث -صلى هللا عليه وآله وسلم-رجه، ويدمجه بكالم النبي ، يد-هللا عليه وآله وسلم

يميزون هذا، ويميزون من أصاب في ذلك، ومن أخطأ، فبعض الرواة وهو عبد الرزاق، روى عن معمر، عن ثابت البناني، وأبان بن أبي عياش. تذكرون قصة ثابت وأبان قريبا ، في قصة

البناني، وأبان بن أبي عياش، كالهما عن أنس بن مالك، ابن معين وأحمد بن حنبل، عن ثابت(، والشغار: أن يزوج الرجل ال شغار في اإلسالمقال ) -صلى هللا عليه وآله وسلم-أن رسول هللا

الرجل أخته بغير صداق.

صلى هللا -العلماء قالوا: هذا الحديث فيه جزء موقوف، وجزء مرفوع، جزء من كالم النبي ، وجزء من كالم الراوي، وكالهما يرويه من؟ ثابت وأبان. قال العلماء: هذا -معليه وآله وسل

خطأ. كاإلمام أحمد بن حنبل وغيره، قالوا: هذا خطأ، إنما الذي روى الجزء المرفوع، أي هو أبان بن أبي عياش، إذن هو صحيح أم -صلى هللا عليه وآله وسلم-المنسوب إلى رسول هللا الراوي، وهو: " والشغار أن يزوج الرجل أخته بغير صداق" هذا هو ضعيف؟ ضعيف أما كالم

صلى -الذي يرويه ثابت، عن أنس بن مالك، يعني هو من كالم أنس، وليس من كالم رسول هللا . -هللا عليه وآله وسلم

الراوي الضعيف قد يروي الحديث مرة بإسناد، ومرة بإسناد، ومرة بإسناد، االضطراب: -روي الحديث بأسانيد متعددة، فأنت تتصور أن الحديث له أكثر من إسناد، فتقول: هو ضعيف، وي

ما شاء هللا! هذه أسانيد كثيرة في هذا الحديث، ومهما كان في بعضها من ضعف إال أن هذا المجموع يقوي الحديث، ويرقيه إلى الحديث الحسن، وقد يكون ذلك االضطراب من الراوي

اد الحديث، فمرة رواه بوجه، ومرة رواه بوجه آخر، مرة رواه الضعيف، حيث لم يضبط إسنبإسناد، ومرة رواه بإسناد آخر، ولم يحسن حفظ إسناد ذلك الحديث، فهي كلها أخطاء الراوي، لم

يتقن حفظ إسناد الحديث.

دخول إسناد في إسناد آخر: أيضا من القلب ما يسمى عند المحدثين بدخول إسناد في إسناد، -يث في حديث، هناك حديث يرويه يحيى بن أبي كثير، عن عبد هللا بن أبي قتادة، عن أبي أو حد

، وهو حديث صحيح في -صلى هللا عليه وآله وسلم-قتادة األنصاري، عن رسول هللا إذا أقيمت الصالة فال تقوموا حتى قال: ) -صلى هللا عليه وآله وسلم-الصحيحين، أن رسول هللا

صحيح جاء راو اسمه جرير بن حازم، فروى المتن نفسه لم يخطيء في ( هذا حديث ترونيالمتن، إنما خطؤه في اإلسناد، ماذا قال؟ قال: جرير بن حازم، عن ثابت، عن أنس، عن رسول

( ماذا فعل إذا أقيمت الصالة فال تقوموا حتى ترونيأنه قال: ) -صلى هللا عليه وآله وسلم-هللا . العلماء قالوا: ليس هذا الحديث مرويا من حديث أنس أصال ، إنما هو جرير؟ أبدل إسناد بإسناد

من حديث أبي قتادة األنصاري، وجرير بن حازم وإن كان صدوقا ، يعني يحسن حديثه، إال أنه أخطأ، فبدون معرفتك بهذه العلة قد تتوهم أن حديث جرير بن حازم يمكن أن يحسن بمفرده،

وليس األمر كذلك.

اسمه محمد بن مصعب القرقصاني، وهذا الراوي روى حديثا عن األوزاعي، عن هناك راو صلى هللا عليه وآله -الزهري، عن عبيد هللا بن عبد هللا بن عتبة، عن ابن عباس، عن رسول هللا

( أنت إذا نظرت إلى للدنيا أهون على هللا من هذه على أهلها : أنه مر بشاة ميتة، فقال: )-وسلماد، تقول: إسناد حسن؛ ألن الراوي محمد بن مصعب فيه بعض الكالم الذي ال ينزل هذا اإلسن

حديثه عن مرتبة الحسن، لكن علماء علل األحاديث ميزوا لنا ذلك، وقالوا: هذا خطأ الراوي

Page 91: علوم الحديث   المستوى الثاني

دخلت عليه قصة في قصة، حديث في حديث، متن في متن، ماذا فعل؟ قالوا: صواب هذه رضي -الزهري، عن عبيد هللا بن عبد هللا بن عتبة، عن ابن عباس الرواية يرويها الثقات، عن

( إذن أول القصتين سواء، مر بشاة ميتة -صلى هللا عليه وآله وسلم-أن رسول هللا : )-هللا عنهمامر بشاة -صلى هللا عليه وآله وسلم-أن رسول هللا وهذا هو سبب اشتباه الحديثين على الراوي )

أال انتفعتم بإهابها، فقالوا يا رسول هللا: ( اإلهاب الذي هو الجلد، )عتم بإهابها؟ميتة، فقال: أال انتف (.إنها ميتة، فقال: إنما حرم أكلها

فلما اشتبه أول القصتين باآلخر، ظن الراوي أن هذا اإلسناد يروى به القصة المتعلقة بالدنيا، لحديث اآلخر، المتعلق باإلهاب.وهو انها على هللا عز وجل، وإنما هذا اإلسناد هو إسناد ا

نكتفي بهذا القدر، وأرجوا أن أكون قد وفقت لبيان مدى عالقة هذا النوع، وهو الحديث الحسن ببقية األنواع، التي سيأتي دراستها في هذا العلم الشريف، ومن هنا نعلم أن هذا النوع

واستيعابك ألنواع الحديث يعتبر نوعا محوريا ، فال تظن أنك تستطيع أن تتفهمه بدون فهمك، كلها، وهللا أعلم.

وردتنا إجابات عدة على أسئلة الحلقة الماضية:

كان السؤال األول: ما معنى تسمية جامع الترمذي، وسنن النسائي، بالصحيح؟

وكانت اإلجابة: سمى الخطيب البغدادي وغيره جامع الترمذي وسنن النسائي بالصحيح، ألن في الكتابين أحاديث كثيرة ليست صحيحة، بل فيهما الموضوع، وهذا ال شك تساهل منهما؛

ويمكن أن نتوسط في ذلك، فنقول: لعلهم أطلقوها من باب التغليب، أو أرادوا بالصحة صحة أصولها

هذه إجابة صحيحة بارك هللا في اإلخوة.

ح السؤال الثاني ما هي األصول الخمسة؟ وكانت اإلجابة: األصول الخمسة هي صحي البخاري، صحيح مسلم، سنن أبي داود، جامع الترمذي، سنن النسائي.

سؤال: تقول: هل نأخذ األحاديث فقط من األحاديث الصحيحة؟

ال.. نأخذ من الصحيح بأنواعه، والحسن بأنواعه، فالحديث الصحيح سواء كان صحيحا ه، كل ذلك مأخوذ به، محتج لذاته، أو لغيره، أو الحديث الحسن سواء كان حسنا لذاته، أو لغير

به، عند علماء الحديث.

تقول: ذكرتم األحاديث الحسنة التي ليس لها معنى القبول، فكيف نميز مقصد الراوي بهذا اللفظ، هل هو غريب؟ أم منكر؟ أم من لطائف األسانيد؟ نرجوا التوضيح؟

عرف مسالك العلماء، كلما توسع اإلنسان في هذا العلم، وأدمن النظر في كتب أهل العلم، ويستطيع أن يفهم في كل موضع ماذا أراد العالم من قوله، وذلك يحتاج إلى وقت طويل، ودربة طويلة، ومعايشة للعلم وألهله، وإال فارجع إلى أهل العلم، واسألهم عن مراد كل عالم، في كل

كالم قاله.

تقول: ما معنى العلة في الحديث ؟

Page 92: علوم الحديث   المستوى الثاني

ل عليه بدليل خارجي، يعني دليل من األدلة التي هي خارج العلة: أي الخطأ الذي يستدالرواية، يستدل بهذا الدليل على خطأ وقع في تلك الرواية، وهذا طبعا لم يتكلم فيه إال كبار

األئمة النقاد.

تقول: هناك بعض األحاديث الموضوعة، وبها معاني تدعو لقيم حسنة، هل توصف بحسنة من قبل الدعاة؟ المتن، ويجوز قولها للعامة

البد أن يرجع إلى أهل العلم؛ لتمييز هذه األحاديث، هل فعال معانيها حسنة، أم هذا في تصورك أنت؟ قد تظنين أن هذا معنى حسن، بينما هو مخالف للقرآن، ومخالف للسنة، ومخالف

جود في هذه لما عليه العلماء، هذا من ناحية. من ناحية أخرى، قد يكون هذا المعنى الحسن الموالرواية، هناك في األحاديث الصحيحة، بل قد يكون في القرآن، أو في كالم السلف، ما يغني

عنه، وغالب هذه األحاديث الضعيفة، أو الموضوعة، التي اشتملت على معان حسنة، إنما قال فحينئذ نقدم كالم السلف على الحديث -رضي هللا عنهم جميعا -بهذه المعاني بعض السلف

وإذا احتجت أن تروي ذلك -صلى هللا عليه وآله وسلم-الموضوع، أو المكذوب على رسول هللا بأن الحديث الموضوع ال يجوز -إن شاء هللا تعالى-الحديث، فالبد من بيانه، كما سيأتي بعد ذلك

روايته إال مع البيان، نقول هذا حديث موضوع، فتذكره تحذيرا للناس منه، بخالف الحديث لضعيف الذي ضعفه هين، ومع ذلك المعنى الذي تضمنه معنى مستقيم، مؤيد بشواهد قرآنية، ا

. -إن شاء هللا تعالى-أو حديثية آخرى، أو في كالم السلف، فهذا فيه تفصيل سيأتي في موضعه

ذكرتم أن الحديث الضعيف الذي يجبر بأحاديث أخر، يرتفع إلى الحسن، هل كل ضعيف يجبر من وجوه؟

عا ليس كل ضعيف ينجبر، فالضعيف جدا أو الموضوع أو المكذوب، هذا ال ينجبر أصال طبإن شاء هللا -بغيره، لكن حتى الضعيف المنجبر البد النجباره شرائط وضوابط، سيأتي ذلك

في موضعه كما سيأتي مثال أن المرسل يتقوى، ولكن كيف يتقوى؟ ما شرائط تقويته؟ ما -تعالىإن شاء هللا -نضم إليه فترقيه إلى مصاف الحجة؟ هذا كله سيأتي شرحه في موضعه األمر التي ت

. -تعالى

هل في الصحيحين، الحسن علما أن هذه التسمية لم تكن معروفة آنذاك ؟

من حيث أنها معروفة كانت معروفة قبل البخاري ومسلم، استعمل الحسن اإلمام أحمد، اإلمام علي بن المديني، وكل هؤالء كانوا قبل اإلمام واستعمله اإلمام الشافعي، واستعمله

البخاري، وقبل اإلمام مسلم، فاستعمال الحديث الحسن، كان موجودا قبل البخاري، وقبل مسلم، هذا من ناحية التسمية. أما من ناحية األصل، أو الصفة، فالحديث الذي صفته حسن، موجود في

رحمهما -ء سابق، لما قلنا أن العلماء البخاري ومسلم الصحيحين، ونحن أشرنا إلى ذلك في لقاإذا وجد الراوي حديثه، ليس من درجة الصحيح، وإنما هو دون ذلك، فإنهما ينتقيان -هللا تعالى

من حديثه ما قد وافقه الثقات عليه، ما ترجح لديهما أنه أصاب فيه ولم يخطيء فيه، وحينئذ وع بالصحيح لغيره، الحسن الذي انجبر بغيره.يعدونه من الصحيح، ونحن نسمي هذا الن

ذكرتم أن هناك تباين في مقصود أهل العلم الحديث من إطالقهم لبعض المصطلحات الحديثية، كلفظ الحسن، فهل هناك مصنفات اهتمت بذكر مقصود كل عالم، مقصوده من هذه

المصطلحات

Page 93: علوم الحديث   المستوى الثاني

التباين، وال االختالف، وإنما هذا التعدد في االستعمال بالمصطلح، الحسن ليس هو من باب هو من باب التنوع، كما قلنا في لقاء سابق: إن المصطلح الواحد قد يستعمله اإلمام الواحد مرة على وجه، ومرة على وجه آخر، مرة على إرادة معنى، ومرة على إرادة معنى آخر، طالب

موضع، وفي كل كلمة، العلم يلزمه أن يعرف هذه المعاني كلها، وأن يعرف كيف يحدد في كل قالها هذا اإلمام أو ذاك، هل أراد بالحسن هذا المعنى؟ أو معنى آخر؟ فهذا ليس من باب

االختالف الذي يفضي إلى الترجيح، أو يدعو إلى نسبة التباين، وإنما هو من اختالف التنوع، في كتب الذي فيه توسع في استعمال المصطلح، هذا من ناحية، من ناحية أخرى إذا قرأت

المصطلح المتخصصة، تجد العلماء يتناولونها، لكن مشكلة بعض طلبة العلم لم يقرأ في المصطلح إلى الكتب المختصرة، والكتب المختصرة ال تعنى بهذه الدقائق، فإذا بطالب العلم ال

يعرف هذه المصطلحات، وهذه المعاني التي ربما لم ينص عليها في تلك الكتب، ثم بعد ذلك يجد في كالم أهل العلم من استعمل الحسن على غير المعنى الذي عرفه من الكتب المختصرة،

فيبادر على إنكار ذلك، وعدم قبوله، وليس هذا صنعا سليما ، ولما ينبغي عليك أن تتوسع، فتجد مثال ممن ذكر الحسن المعنوي: العراقي في تعليقاته على نكت ابن الصالح، وهذا كتاب عظيم

قبح بطالب علم أن ال يطلع عليه، وكذلك اإلمام ابن حجر العسقالني في نكته على كتاب جدا يابن الصالح، وهذا أيضا كتاب عظيم جدا يقبح بطالب العلم أال يطلع عليه، وكذلك الزركشي في نكته على كتاب ابن الصالح، تعرض لهذه المسألة، ويقبح بطالب العلم بطبيعة الحال أن يخفى

في كتاب -كما قلت -لك الكتاب، وأال يطلع عليه، ويستفيد منه، واإلمام الرمهرمزي عليه ذالمحدث الفاصل، والخطيب البغدادي، أيضا في كتاب الجامع ألخالق الراوي وآداب السامع، كل هؤالء العلماء تناولوا هذا النوع من الحسن، أو هذا االستعمال لمصطلح الحسن، ليس عليك إال

هذه الكتب، وأن تطالع هذه الكتب لتعرف مناهج المحدثين، ومسالكهم واستعمالهم، لهذا أن تقرأ المصطلح أو ذاك، ونحن قلنا في اللقاء األول: ينبغي لطالب العلم أن يكون مطلعا على كل كتاب ألف في علوم الحديث، سواء كان هذا الحديث قديما أو حديثا صغيرا أو كبيرا ، فإن أنت فعلت

ستجد بغيتك، ولن تحتاج إلى أن تسألني. -إن شاء هللا تعالى-لك ذ

بالنسبة لطالب العلم الذي يدرس علم الحديث وهو مبتديء أي الكتب أفضل؟

الكتب المختصرة كثيرة، وهي ال تخفى على طالب عموما ، فمن أشهرها كتاب الباعث لفكر، أو نزهة النظر، وإذا الحثيث، الذي نحن بصدد شرحه، وكتاب الحافظ ابن حجر نخبة ا

كان بإمكانك أن تحفظ المتن الذي هو نخبة الفكر، فهذا شيء طيب، فهذه من المختصرات، وهناك شرح الشيخ محمد محي الدين عبد الحميد على ألفية السيوطي، وهو شرح ميسر سهل

بعبارة عصرية، تستطيع أن تتفهم من خالله كثيرا من مسائل هذا العلم الشريف.

اذكر مثاال للحسن المعنوي في اإلسناد وآخر في المتن؟ السؤال األول:

اذكر مثاال يتضح به حاجة الحسن إلى معرفة علل الحديث؟ السؤال الثاني:

Page 94: علوم الحديث   المستوى الثاني

بقية الحديث الحسن

الدرس السابع

إن الحمد هلل تعالى نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا،من يهده هللا فال مضل له، ومن يضلل فال هادي له، وأشهد أال إله إال هللا وحده، ال شريك له،

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد:

تكلمنا في اللقاء الماضي عن الحديث الحسن، وذكرنا معاني الحسن في عبارات أئمة الحديث ، ثم تطرقنا بعد ذلك -إن شاء هللا تعالى-فاية وتوسعنا في ذلك بما فيه ك -عليهم رحمة هللا تعالى-

لمعرفة حاجة هذا النوع من أنواع علوم الحديث، وهو الحديث الحسن إلى بقية األنواع المذكورة في كتب علوم الحديث، وبينا العالقة بين هذا النوع وتلك األنواع، والرابط الذي يربط هذه

إن شاء هللا -قد انتهينا منه، ومن اليوم -عالىبفضل هللا ت -األنواع بعضها ببعض، وكل هذا سنتناول تعريفات العلماء لهذا النوع من أنوع علوم الحديث، وهو الحديث الحسن، هناك -تعالى

تعريف لإلمام الخطابي، وتعريف آخر لإلمام الترمذي، وتعريف ثالث لإلمام ابن الجوزي، أن نتفهم هذه التعاريف، وما أراد -ىإن شاء هللا تعال-وتعريفات أخرى، نحاول جاهدين

أصحابها منها بإذن هللا تعالى.

فأوال : ذكر اإلمام ابن كثير اقتداء بأصل كتاب ابن الصالح، ذكر تعريف اإلمام الخطابي فقال:

هو ما عرف » وقد تجشم كثير منهم حده، فقال الخطابي: ) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف قال: وعليه مدار أكثر الحديث، وهو الذي يقبله أكثر العلماء، ويستعمله مخرجه، واشتهر رجاله،

«.عامة الفقهاء.

قلت: فإن كان المعرف هو قوله: "ما عرف مخرجه واشتهر رجاله، فالحديث الصحيح كذلك، بل والضعيف. وإن كان بقية الكالم من تمام الحد، فليس هذا الذي ذكره مسلما له: أن

(ن قبيل الحسان، وال هو الذي يقبله أكثر العلماء ويستعمله عامة الفقهاء.أكثر الحديث م

هذا التعريف األول لهذا النوع من أنواع علوم الحديث، وهو الحديث الحسن، ذكره اإلمام الخطابي في مقدمة كتابه معالم السنن، في شرح سنن أبي داود، وهو كتاب معروف متداول

مطبوع.

قدمة هذا الكتاب ذكر أن الحديث ينقسم عند أهله إلى ثالثة أقسام: إلى اإلمام الخطابي في مصحيح وحسن وضعيف. ثم أخذ يعرف هذه األنواع فذكر أن الحسن يتصف بهذه الصفات التي

ذكرها ابن كثير عنه، بأنه " ما عرف مخرجه، واشتهر رجاله" ، ثم ذكر بعد ذلك بعض ما وعليه مدار أكثر الحديث، وهو الذي ع الحديث، فقال: )يتميز به هذا النوع عن غيره من أنوا

اإلمام الحافظ ابن -كما سيتبين لنا -( هذا التعريف يقبله أكثر العلماء، ويستعمله عامة الفقهاء جعله خاصا بنوع من أنواع الحديث الحسن، وهو الذي -رحمه هللا تبارك وتعالى -الصالح

ديث الذي نشأ حسنه عن رواية بعينها، هذه الرواية وجد نعرفه بالحديث الحسن لذاته، أي الحفيها من صفات الرواة ما يجعلها قريبة من الصحيح، ولم تبلغ إلى مرتبة الصحيح، وعلى ضوء

من قوله: "واشتهر رجاله" بأنهم -رحمه هللا تبارك وتعالى -هذا فسر أو فهم كالم الخطابي لعلم، ولكنهم لم يبلغوا مع ذلك إلى درجة راوي الحديث الذين بلغوا مرتبة الثقة والشهرة بطلب ا

الصحيح.

Page 95: علوم الحديث   المستوى الثاني

اإلمام ابن كثير ها هنا لم ير هذا التعريف فاصال بين الحسن والصحيح؛ ألنك إذا تأملت الحديث الصحيح وقد عرفنا تعريفه من قبل، حيث عرفه ابن الصالح وغيره من أهل العلم: بأنه

بط أو الثقة عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ وال علة "، إذا "ما يتصل إسناده بنقل العدل الضاتأملت تعريف هذا النوع من أنواع الحديث وهو الحديث الصحيح، ثم تأملت ما قاله الخطابي تعريفا للحديث الحسن، ال تكاد تجد فرقا في التعريف، فليس في كالم الخطابي ما يدل أو ما

صحيح، بحيث نستطيع أن نقول إن الحسن ليس هو الصحيح، يشعر أو يفيد تمييز الحسن عن الوقد ذهب الخطابي إلى التفريق بين الحسن والصحيح؛ ألنه ذهب إلى القسمة الثالثية، وليس إلى القسمة الثنائية، فإنه قسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف، ثم حينما تعرض لتعريف الحسن

حيح، قال: " ما عرف مخرجه واشتهر رجاله" لم يذكر أوصافا تفصله عن وصف الحديث الصوبطبيعة الحال: الحديث الصحيح معروف المخرج، والحديث الصحيح رواته مشهورون، فهذه

األوصاف تصدق على الحديث الصحيح كما تصدق على الحديث الحسن، إال أن العلماء اشتهر رجاله، أي كالحافظ ابن حجر وغيره رأوا أن الخطابي حينما وصف الحديث الحسن بأنه

الشهرة التي لم تبلغ بهم إلى مرتبة رواة الحديث الصحيح؛ ألن الشهرة عند علماء الحديث ما » ولكن ما معنى قولة اإلمام الخطابي -إن شاء هللا تعالى-مراتب ودرجات، وهذا سنتناوله

ن تلك ؟ حينما يتبين لنا معنى كل فقرة من فقرات هذا التعريف، وكل فصل م«عرف مخرجه من تعريفه هذا. -رحمه هللا تعالى-الفصول، يتبين لنا مراد اإلمام الخطابي

« إن الحديث الحسن ما عرف مخرجه؟ » ما معنى قول المحدثين أو قول الخطابي ها هنا: الحديث « هذا الحديث معروف المخرج، أو ليس له مخرج » ونجد في كالم أهل العلم كثيرا

د الحديث الشاذ والمنكر؛ فإن الشاذ والمنكر كالهما ليس لهما مخرج الذي يعرف مخرجه هو ض معروف.

ذكرنا في لقاء سابق عندما تعرضنا لمعنى قول المحدثين هذا الحديث له أصل، أو ليس له أصل، وأخذنا نشرح معنى هذه العبارة في استعمال علماء الحديث، وقلنا: لو أن حديثا يروى

ري محمد بن شهاب الزهري الحافظ الكبير، هذا الحديث لو رواه ثقات عن الزهري، اإلمام الزهأصحاب الزهري عن الزهري، وصح بالفعل أن الزهري رواه، فنستطيع أن نقول: إن هذا

الحديث له أصل من حديث الزهري، أما إذا رواه عن الزهري بعض الضعفاء أو بعض من لم الزهري، وإنما روى عنه القليل فلم يعتني يحسن حفظ حديث الزهري، ولم يتقن حفظ أحاديث

بحديث الزهري، كما اعتنى بحديث الزهري غيره، فوقعت األخطاء فيما يرويه عن الزهري، فإذا تفرد مثل هذا عن الزهري بحديث، فنحن نقول: هذا الحديث ليس له أصل عن الزهري،

فقد روي الحديث بالفعل بهذا فقول المحدثين: ليس له أصل، ليس معناه نفي لجنس اإلسناد، وإالاإلسناد الذي بين أيدينا، ولكنهم يقصدون ليس له أصل صحيح، يعتبر به، ويعتد به، في نسبة

.-رحمه هللا تعالى-الخبر إلى اإلمام الزهري

فالحديث إذا ثبت له أصل، وصح مخرجه، كالزهري مثال حينئذ نصفه بأنه حديث معروف، لم يكن بهذا الوصف، وإنما رواه بعض الضعفاء، عن الزهري، أو أو حديث محفوظ، أما إذا

بعض من ال يعتد بتفرده، عن الزهري، فحينئذ ال نثبت للحديث أصال ، ونقول: هذا الحديث ليس معروفا ، ونقول فيه: ال أصل له من حديث الزهري، ونصفه بالشذوذ وبالنكارة، فنقول: هذا شاذ

أو منكر.

رف مخرجه بأن يكون محفوظا عمن دارت عليه األسانيد، ورجعت إليه إذن الحديث إنما يعالروايات، وهو اإلمام الحافظ الذي يروى الحديث عنه كالزهري مثال ، ومالك كما قلنا في اللقاء

حيث روى -رضي هللا تعالى عنهما-الماضي لما تعرضنا لرواية مالك عن نافع عن ابن عمر

Page 96: علوم الحديث   المستوى الثاني

، فقلنا: هذا الحديث ليس له أصل من حديث مالك، وكما قال الحديث عن مالك بعض الضعفاء، لماذا هو ال يعرف من حديث مالك؟ ألنه لم «وال يعرف من حديث مالك » ابن عبد البر:

يروه الثقات عن مالك، مع أنه قد روي بالفعل بإسناد ما، ولكنه إسناد غير معتد به، إسناد غير سبة الخبر إلى اإلمام مالك؛ فلذلك وصفه اإلمام ابن عبد البر معتبر به، إسناد ال يعتمد عليه في ن

من -رحمه هللا تعالى-بأنه غير معروف من حديث مالك، هذا الذي قصده اإلمام الخطابي وصف الحديث الحسن بأن يكون معروف المخرج، ما عرف مخرجه فال يكون شاذا ، وال

عروفا محفوظا عن هذا الراوي، الذي هو إمام منكرا ، ال يكون باطال ال أصل له، وإنما يكون م يجمع حديثه ويعتنى بحديثه ورواياته.

عليهم -( ما معنى كون الراوي مشهورا ؟ الشهرة عند علماء الحديث واشتهر رجالهقال: )لها معاني ولها درجات ومراتب، فليس كل من وصف بأنه مشهور -رحمة هللا تبارك وتعالى

بل المشهورون عند علماء الحديث درجات ومراتب، هناك شهرة ترفع عن يكون بمنزلة واحدة، الراوي الجهالة، هناك جملة من الرواة يسمون بالمجاهيل، من هؤالء المجاهيل؟ المجاهيل

يعرفون من حيث االسم، وقد يكونوا يعرفون من حيث النسب أيض ا، فهم مذكورون في األسانيد، يث، ويقسم علماء الحديث المجاهيل إلى قسمين رئيسيين:ولكنهم مجهولون عند علماء الحد

ما يعبر عنه بمجهول العين. من هو مجهول العين؟ هو الراوي الذي لم يرو القسم األول:عنه إال راو واحد. يعني نظرنا في روايات هذا الراوي في األسانيد، وفي الكتب المسندة، فلم

واحدا ، فقال العلماء: هذا مجهول؛ ألنه لم يرو عنه إال نجد أحدا يروي عن هذا الراوي إال رجال واحد، فصار من هذه الحيثية غير معروف، كأن العلماء شكوا في ثبوت هذه الشخصية أصال ، في وجودها في عالم الواقع، قد يكون هذا الذي روى عنه إنما ركب اسما ال حقيقة له، قد يكون

لب اسم الراوي بينما هو راو آخر، فلما تغير اسمه في هذا الذي روى عنه أخطأ في اسمه، فانقهذا اإلسناد، صار وكأنه راو غير الراوي الذي هو حقيقة هذا الراوي؛ فلهذا قالوا: ال نعتمد على هذا الراوي وحده، ولو كان من الثقات فيما إذا روى عن شيخ ال يعرف، ال نعتمد في إثبات هذه

ر فيروي عن نفس هذا الرجل، حتى نستطيع أن نرفع عنه تلك الشخصية، البد أن يأتي رجل آخالجهالة، فالراوي المجهول العين، هو الذي لم يرو عنه إال واحد. فإذا روى عنه أكثر من واحد،

فقد ارتفعت عنه جهالة العين، وهذا نوع من الشهرة.

ين، فإذا وهو أن يروي عن الراوي أكثر من واحد. فتلك شهرة خاصة بنفي جهالة الع -وجدنا الراوي روى عنه اثنان ثالثة، أربعة، فحينئذ نستطيع أن نقول: هذا رجل معروف، هذا

رجل مشهور، ونجد في عبارات الجرح والتعديل مثل هذه العبارات، التي تفيد هذا المعنى فيقولون: هذا رجل معروف الحديث، مشهور الحديث، أو نحو هذه العبارات، يعني أنه قد روى

ه عدد، بهذا العدد ترتفع عنه جهالة العين فهذا نوع من الشهرة. عن

طبعا مجهول العين ومجهول الحال سيأتي الكالم فيهما بتفصيل حينما نتعرض ألبواب الجرح والتعديل، في نوع صفة من تقبل روايتهم ومن ترد.

ب العلم، هناك شهرة أخرى: وهو الشهرة بطلب العلم، أن يكون الراوي معروفا بطل -شعبة بن الحجاج خذوا العلم من -رحمه هللا تعالى-وبالرحلة فيه، كما قال اإلمام شعبة ال تأخذوا العلم إال ممن شهد له » يقول: -رحمه هللا تعالى-المعروفين، وكان عبد هللا بن عون

يسمع بطلب العلم يعني عرف بين الناس أن هذا الرجل كان يحضر مجالس العلم، كان « بالطلبمن مشايخ أهل زمانه، كان يرحل في طلب العلم، يسمع من القريب والبعيد من أهل بلده، ومن بالد األمصار، إذن عرف بطلب العلم، ولم يخرج على الناس بأحاديث هكذا، من غير أن يكون

Page 97: علوم الحديث   المستوى الثاني

معروفا سابقا بأنه كان ممن يطلب العلم، هذا نوع من أنواع الشهرة أيض ا، وهي أفضل من هرة األولى.الش

هناك شهرة أعلى من ذلك: كشهرة األئمة الحفاظ الكبار، مثل شهرة اإلمام مالك، اإلمام -الشافعي، اإلمام أحمد بن حنبل، اإلمام يحيى بن معين، اإلمام البخاري، اإلمام مسلم، فهذه أعلى

لية، فهم درجات الشهرة والمعرفة، فهؤالء العلماء بلغوا أيضا في الشهرة إلى مكانة عا مشهورون معروفون، ولكن بطبيعة الحال تلك مرتبة عالية، ومنزلة سامية من منازل الشهرة.

ماذا قصد؟ هل قصد الشهرة التي نالها « واشتهر رجاله » فحينما قال هنا اإلمام الخطابي: إن تفريق اإلمام الخطابي بين الصحيح » راوي الحديث الصحيح؟ الحافظ ابن حجر يقول:

سن، ثم وصفه لراوي الحديث الحسن بأنه مشهور، يفهم من ذلك: أن هذه الشهرة دون والحشهرة راوي الحديث الصحيح. وقد يقصد اإلمام الخطابي بالشهرة: الشهرة المتعلقة بالوصل. أي

بمنزلة الحفظ، أي هو مشهور بالحفظ، بالتثبت، باإلتقان، بالضبط، وليس مجرد الشهرة التي الناس به، وإنما شهرة متعلقة بحاله، ومنزلته، من حيث الضبط واإلتقان، ترجع إلى معرفة

فبطبيعة الحال راوي الحديث الصحيح في أعلى درجات الضابطين المتقنين، بينما راوي الحديث الحسن دون ذلك، وإن كان هو داخال في جملة أهل الضبط واإلتقان.

ما عرف مخرجه » من قوله: -بارك وتعالىرحمه هللا ت-فهذا هو ما قصده اإلمام الخطابي «.واشتهر رجاله » ثم من قوله: «

استشكل هذا التعريف كما أشرنا إلى ذلك، وذكر -رحمه هللا تبارك وتعالى -اإلمام ابن كثير أن ما جاء بعده من كالم، هو قول الخطابي "وعليه مدار أكثر الحديث، وهو الذي يقبله أكثر

عامة الفقهاء". قال: "هذه األوصاف ال توجد في الحديث الحسن، فليس العلماء، ويستعمله الحسن أكثر األحاديث، وال هو الذي يستعمله عامة الفقهاء"، وإنما ذهب ابن كثير إلى هذا، ولم

يقبل هذا التعريف للخطابي، واستشكله كتعريف للحديث الحسن؛ ألنه تبادر إلى ذهنه أن يث الحسن لذاته، وهذا كما قلنا هو الذي يتبادر من عبارة اإلمام الخطابي إنما يتكلم عن الحد

، ولكن لو حملنا كالم الخطابي على ما هو أوسع من ذلك، فيتناول -رحمه هللا تعالى-الخطابي كالمه الحديث الحسن لذاته، ويتناول أيضا الحديث الحسن لغيره، فحينئذ نستطيع أن نفهم لماذا

هذا النوع من الحديث: إنه عليه أكثر األحاديث، أو هو من أكثر قال اإلمام الخطابي في األحاديث، وهو الذي يستعمله عامة الفقهاء، ويتناوله عامة الفقهاء، فإن أكثر األحاديث التي

من الحسن، سواء كان حسنا -رحمهم هللا تبارك وتعالى -يستدل بها في الفقه عند علماء الفقه لذاته، أو حسنا لغيره.

األحاديث الصحيحة مقارنة بمجموعة األحاديث الحسان بنوعيها هي قليلة بطبيعة الحال؛ ولهذا احتاج الفقهاء إلى معرفة كيفية تقوية الحديث بعضه ببعض، وكما سيأتي في كالم اإلمام

حيث عمد إلى المرسل، والمرسل في أصله ليس محتجا به، وإنما -رحمه هللا تعالى-الشافعي ابط االحتجاج به، بشرائط وضوابط سيأتي بيانها، وما ذلك إال لحاجته، هو كإمام فقيه بين ضو

إلى هذه األحاديث التي هي من جملة األحاديث الحسان، فأنت إذا جمعت األحاديث الحسان سواء كان من الحسن لذاته أو الحسن لغيره، تجدها بطبيعة الحال أكثر من حيث العدد من

ذا جمعت األحاديث كلها التي تدخل تحت حيز القبول سواء كان الصحيح الحديث الصحيح، فإقد أتيت على األحاديث -إن شاء هللا تعالى-لذاته أو لغيره أو الحسن لذاته أو لغيره، تكون

.-رحمهم هللا تبارك وتعالى-المقبولة التي يحتج بها العلماء

Page 98: علوم الحديث   المستوى الثاني

رحمه هللا -حسن عند اإلمام الترمذي انتقل بعد ذلك اإلمام ابن كثير إلى تعريف الحديث ال فقال: -تعالى

تعريف الترمذي للحديث الحسن

تعريف الترمذي للحديث الحسن: قال ابن الصالح: وروينا ) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف عن الترمذي أنه يريد بالحسن: أال يكون في إسناده من يتهم بالكذب، وال يكون حديثا شاذا ،

جه نحو ذلك. ويروى من غير و

وهذا إذا كان قد روي عن الترمذي أنه قاله ففي أي كتاب له قاله؟ وأين إسناده عنه؟ وإن كان فهم من اصطالحه في كتابه الجامع، فليس ذلك بصحيح، فإنه يقول في كثير من األحاديث: هذا

حديث حسن غريب ال نعرفه إال من هذا الوجه(.

) )

ور في هذا النوع من أنواع علوم الحديث، وهو لإلمام أبي عيسى هذا التعريف الثاني المذكصاحب كتاب الجامع المعروف، تالحظون أن اإلمام ابن كثير شكك -رحمه هللا تعالى-الترمذي

في نسبة هذا الكالم لإلمام الترمذي، وهذا التشكيك ال أساس له من الصحة، فإن هذا الذي قاله له بالفعل في آخر كتابه الجامع، في الفصل الذي عقده في علل نسب إلى اإلمام الترمذي قد قا

رحمهما هللا -األحاديث؛ ولهذا تعقب ابن كثير في ذلك اإلمام العراقي، وكذلك الحافظ ابن حجر ، وذكر أن هذا الكالم موجود في كتاب الترمذي في آخره، ونص كالم الترمذي هناك أنه -تعالىوما ذكرنا في هذا الكتاب حديث » أي في جامع الترمذي « اب وما ذكرنا في هذا الكت» قال:

حسن، فإنما أردنا به حسن إسناده عندنا، كل حديث يروى ال يكون في إسناده من يتهم بالكذب، «.وال يكون الحديث شاذا ، ويروى من غير وجه نحو ذلك، فهو عندنا حديث حسن

على هذا التعريف، وبين أنه هو الحسن الذي -عليه رحمة هللا تعالى-فقد نص اإلمام الترمذي يقصده حيث يستعمله في كتابه الجامع.

في شرحه، -عليهم رحمة هللا تعالى-وهذا التعريف من التعريفات التي كثر كالم أهل العلم واختلفوا في فهم كثير من فصوله، بحيث إن بعضهم استشكل عليه استشكاالت كثيرة، سنتناول

ن اإلمام ابن كثير تعرض لبعضها هنا، وستناول البعض اآلخر في آخر الكالم بعضها اآلن؛ ألعلى نوع الحسن؛ ألن ابن كثير تبعا البن الصالح تكلم عن هذه االستشكاالت األخرى في آخر

الفصل.

ماذا أراد الترمذي من تعريفه هذا؟ لقد وصف الحديث الحسن بثالثة أوصاف:فأوال :

ون في إسناده من يتهم بالكذب.ال يكالوصف األول: -

ال يكون الحديث شاذا .الوصف الثاني: -

أن يروى نحوه من غير وجه.الوصف الثالث: -

Page 99: علوم الحديث   المستوى الثاني

رحمه -فما معنى هذه الفصول التي اشتمل عليها ذلك التعريف؟ ما معنى قول اإلمام الترمذي ب؟ في تعريف الحديث الحسن ال يكون في إسناده من يتهم بالكذ -هللا تعالى

أال يكون في إسناده من يتهم بالكذب. الوصف األول: -

من هو المتهم بالكذب؟ من هو الراوي المتهم بالكذب؟ هناك الراوي الذي يكون سيء الحفظ، وسيء الحفظ هذا هو الذي وجد العلماء في أحاديثه أخطاء، هذه األخطاء دلت علماء الحديث

فوصفوه بسوء الحفظ وبضعف الضبط. على أن هذا الراوي غير ضابط، وغير متقن،

هناك راو آخر كثرت األخطاء والمناكير في حديثه جدا ، بحيث غلبت األخطاء على اإلصابات في رواياته، فضعفوه جدا ، وهذا الذي يقولون فيه: إنه متروك الحديث، أو ضعيف

يث المنكر ولتعريفه، لما تعرض للحد -رحمه هللا تعالى-جدا ، وهو الذي أشار إليه اإلمام مسلم فقال: " وعالمة المنكر في حديث المحدث إذا ما عرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضى خالفت روايته روايتهم، أو لم تكد توافقها " هذا هو المنكر. فإذا جاء الرجل

يقال: إنه ضعيف بالمنكر في الشيء بعد الشيء مرة أو مرتين فهذا يستحق أن يكون ضعيفا ، الحفظ بقدر هذه المناكير التي تقع في روايته.

لكن إذا غلبت المناكير على أحاديثه، وصارت أكثر من إصاباته، فحينئذ يكون متروك أي أغلب أحاديثه أخطاء « فإذا كان األغلب من حديثه كذلك » الحديث؛ ولهذا قال اإلمام مسلم:

بوله، وال مستعمله. يعني الراوي نفسه ينسحب الحكم من ومناكير، كان مهجور الحديث، غير مقالحكم على حديثه، إلى الحكم فيه هو، فصارت أحاديثه الكثيرة التي وقع فيها المناكير سببا

لتضعيف العلماء له جدا ، وترك حديثه وعدم االعتبار به وال االعتداد به.

ظر في رواياته. وهذه قضية مهمة إذن العلماء يستدلون على سوء حفظ الراوي بماذا؟ بالنرحمه هللا -يقول عبد الرحمن بن مهدي -إن شاء هللا تعالى-جدا سنتكلم عنها في باب االعتبار

قلت لشعبة بن الحجاج: متى يترك حديث الرجل؟ قال: إذا روى عن المشهورين ما : » -تعالىاء المشهورين كالزهري مثال ، أي إذا روى عن العلم« ال يعرفه المشهورون فأكثر، ترك حديثه

كمالك، كقتادة، كهشام بن عروة، إذا جاء عنهم كثيرا بأحاديث أخطاء، وتلك األحاديث ال تعرف عند أصحاب هؤالء الحفاظ المشهورين نستدل بذلك على كونه متروك الحديث.

ج عليه. إذن كثرة حديث الراوي يستدل بها على ترك حديثه، وعدم االعتبار به، وال التعري لكن كثرة األخطاء أو قلتها هل تدل على التعمد؟

هذا بمفرده ال يدل على التعمد، فقد يكون الراوي من شأنه أن يخطيء الخطأ الكثير عن غير قصد، لكن أن يتعمد شيء آخر، أن يتعمد اختالق الروايات وتلفيق األسانيد والمتون هذا شيء

قاد الحديث، وغلب على ظنهم أن هذه األخطاء الكثيرة آخر، فذلك هو الكذاب. فإن ترجح لدى نالتي تقع في أحاديث ذلك الراوي إنما هي مما عملت يداه، وأنه هو الذي تعمد اختالقها وافترائها

ليس عندهم دليل قاطع، وإنما غلبة ظن، فحينئذ -أنا أقول غلب على ظن علماء الحديث - يتهمونه بالكذب، فيقولون هذا متهم.

ذا وجدوا دليال قاطعا بأنه يكذب، ويتعمد الكذب حينئذ يصفوه باألوصاف الدالة على ذلك، أو إفيقولون: فالن كذاب، يكذب، يضع الحديث، يلفق األحاديث، دجال من الدجاجلة، أو نحو هذه

العبارات المعبرة.

Page 100: علوم الحديث   المستوى الثاني

أسانيد أو متونا ، فالترمذي هنا يتكلم عمن غلب على ظن العلماء أنه ماذا؟ أنه يلفق الروايات، فهذا هو الذي يتهم عند علماء الحديث.

فمثل هذا النوع من الرواة ال ينفع حديثهم في هذا الباب، الضعفاء جدا وليس بالضرورة أن نقف عند حرفية اللفظ ها هنا، وهو أن يكون الراوي متهما بالكذب، وإال فالترمذي قد صرح في

خطاء في الروايات، ويغلب على أحاديثه األخطاء مواضع أخرى بأن الذي تكثر عنه األ والمناكير، فهذا أيضا ال يصلح في هذا الباب.

إذن الحد الفاصل بين من يصلح ألن ينتفع بحديثه في باب الحسن، ومن ال ينتفع بحديثه في هذا الباب، قلة األخطاء أو كثرتها. فإذا كان الراوي أخطاءه محدودة قليلة، فحينئذ أغلب

حاديث التي رواها أصاب فيها، ولكنه مع ذلك يخطيء في عدد من األحاديث، فننتفع بروايته األعموما ، وننظر فيها، ونضعها تحت المنظار، وينظر هل هذا الحديث مما أصاب فيه، أم مما أخطأ فيه؟ فإن ترجح لدى أهل العلم أن هذا مما أصاب فيه، ترقى حينئذ وصار من الحديث

حينئذ حديثا محتجا به. وإذا ترجح لدى أهل العلم أن هذا الحديث خطأ، وأن هذا الحسن، ويكونمن جملة األخطاء التي وقع فيها ذلك الراوي، فحينئذ ال ينتفع بهذا الحديث، ويكون من قبيل

الشاذ، والمنكر، وما ال أصل له.

التهمة بالكذب. هذا أن يكون الراوي سالما من الضعف الشديد، أو من إذن: الشرط األول: شرط متعلق بالراوي نفسه.

فقال: " وال يكون الحديث شاذا "، وهو متعلق بالرواية.الوصف الثاني: -

الشذوذ وصف للراوي أم للرواية؟ للرواية. وليس هو وصفا للراوي، فقد يكون الراوي ثقة لقليلة التي أخطأ فيها، أو صدوق، ومع ذلك أخطأ في بعض األحاديث القليلة، فتلك األحاديث ا

يعبر عنها العلماء بأنها أحاديث شاذة.

أذكركم بما قلنا في تعريف الحديث الصحيح، من يذكر لنا تعريف الحديث الصحيح؟

هو ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله من أول السند إلى منتهاه بغير شذوذ وال علة

العدل الضابط، أي من رواية الراوي الثقة، ثم أخونا يعرف الحديث الصحيح بأنه من رواية يقول بعد ذلك: وال يكون شاذا وال معلوال أو معال .

إذن نحن نفهم بالضرورة: أن الشذوذ والعلة يقعان في أحاديث الثقات؛ ألن الشذوذ والعلة إذا والعلة ال لم يقعا في أحاديث الثقات، فلماذا نحترز منهما في الحديث الصحيح؟ لو كان الشذوذ

يقعان في أحاديث الثقات لقلنا هو ما يرويه الثقة بإسناد متصل. واكتفينا بهذا، لكن لما اشترطنا مع ذلك أن يكون الحديث الذي يرويه ذلك الثقة سالما من الشذوذ والعلة، نفهم أن الشذوذ والعلة

قد يقعان في أحاديث الثقات.

-عليه رحمة هللا تعالى-ا أو معلوال ، فاإلمام الترمذي إذن الثقة إذا ما أخطأ سمينا حديثه شاذبعد أن بين أن الحديث الذي يرويه الراوي الذي هو ليس متهما بالكذب، البد أن يكون مع ذلك الحديث نفسه، سالما من الخطأ، هذا الذي ليس متهما بالكذب من الممكن أن يخطيء أم ال عن

أنه أخطأ أو لم يخطي؟ بنظرنا في الشرط الثاني، وهو غير قصد؟ من الممكن، كيف نعرف

Page 101: علوم الحديث   المستوى الثاني

سالمة الحديث من الشذوذ والعلة، هو عبر عن ذلك بالشذوذ، ونحن قلنا في لقاء سابق، الشذوذ والعلة بابهما واحد.

إذن لكي يكون الحديث من جملة الحديث الحسان، البد أن يكون مع كون الراوي ليس متهما حديث نفسه سالما من الشذوذ والعلة.بالكذب، أيض ا يكون ال

كيف نعرف أن هذا الحديث سالم من الشذوذ والعلة؟ الشذوذ والعلة كما يقعان في األحاديث الصحيحة، أيضا يقعان في األحاديث الحسنة، والبد لطالب العلم أن يعرف السبيل إلى إدراك

روايات فيذهب إلى تحسينها، وهي كون الحديث سالما من الشذوذ والعلة، حتى ال يغتر ببعض ال ليست جديرة بذلك.

هناك حديث يرويه راوي اسمه أحمد بن األزهر النيسابوري، ويكنى بأبي األزهر، مثال:وهذا راوي صدوق، روى حديثا عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عبيد هللا بن

-صلى هللا عليه وآله وسلم-ل هللا أن رسو -رضي هللا عنهما-عبد هللا بن عتبة، عن ابن عباس يا علي أنت سيد في الدنيا، سيد في اآلخرة، حبيبك : )-رضي هللا عنه-قال لعلي بن أبي طالب

( هذا الحديث مركب من عدة حبيبي، وبغيضك بغيضي، اللهم وال من وااله، وعاد من عاداهذا اإلسناد، هو عند جمل، كل جملة منه وردت في بعض األحاديث، لكن بهذا السياق، وبه

عليهم -العلماء خطأ، وله قصة موجودة في كتب التواريخ والعلل، تبين مدى دقة علماء الحديث في تمييز األحاديث الشاذة والمنكرة. -رحمة هللا تبارك وتعالى

هذا الحديث لما حدث به أبو األزهر النيسابوري، وكان ببغداد، وبغداد وقتئذ كانت مدينة عقل العلم والعلماء، وكان وقتئذ أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وكبار حفاظ األمة، العلم، م

كان -رحمه هللا تعالى-فلما حدث بهذا الحديث أبو األزهر ببغداد، بلغ ذلك ابن معين، وابن معين باطيل، قواال بالحق ال يخاف في هللا لومة الئم، كان شديدا كلما وجد راويا يروي مناكير، أو األ

أو ما ال أصل له، ال يسكت بل يذهب ويحذر الناس منه، وله في ذلك قصص في غاية الجودة، وفي غاية الجمال.

من ذلك ما حدث ها هنا، لما بلغ ابن معين هذا الخبر، وأن أحمد بن األزهر يرويه، ذهب يث عن عبد ووقف على مشهد من الناس، وقال: من الكذاب النيسابوري، الذي يحدث بهذا الحد

الرزاق؟ ليس هناك مداهنة، ما كانوا يحابون أحدا من الناس، ولو كان أقرب األقربين إليهم.

له أب اسمه علي بن عبد هللا بن جعفر، أبوه كان -رحمه هللا تعالى-اإلمام علي بن المديني ن يحابي ضعيف الحديث، فلما سئل علي بن المديني عن أبيه، فقال: أبي "ضعيف الحديث" ما كا

.-صلى هللا عليه وآله وسلم-في ذلك؛ ألنه يسأل عن حديث رسول هللا

فقام اإلمام ابن معين فقال: من الكذاب النيسابوري الذي يحدث بهذا الحديث عن عبد الرزاق؟ هنا سؤال يطرح نفسه من الذي أعلم ابن معين بأن راوي هذا الحديث نيسابوري؟ وهو يسأل

من الذي يروي هذا الحديث، من النيسابوري الذي يحدث بهذا الحديث، عنه ال يعرفه، ويقول:ثم يصفه بأنه كذاب، وهو لم يعرفه أصال ، وإنما استدل على كونه كذابا أو أنه نيسابوري،

بالنظر في الرواية؛ ألن نيسابور وقتئذ كانت معقل التشيع، والحديث فيه رائحة التشيع، تشتم منه أن هذا ال يأتي إال من هناك بخبرته ومعرفته. هذا من ناحية. رائحة التشيع، فعرف

Page 102: علوم الحديث   المستوى الثاني

من ناحية أخرى عرف أن هذا الحديث ليس من حديث عبد الرزاق؛ ألنه من أخص تالميذ عبد الرزاق اإلمام يحيى بن معين، وكذلك أحمد بن حنبل، وهو يعرف كل أحاديث عبد الرزاق؛

وكتب كل ما عنده.ألنه عكف عند عبد الرزاق، ومكث عنده مدة،

يروى في كتب التاريخ أن اإلمام يحيى بن معين لما ذهب إلى عبد الرزاق، كان يكتب من كتب عبد الرزاق، وال يعتمد على ما يحدث به عبد الرزاق من حفظه، لدرجة أن عبد الرزاق

عنه نفسه، قال: اكتب عني حديثا من حفظي، هو طبعا يعرف قدر ابن معين، ويتمنى أن يكتبابن معين حديثا من حفظه؛ ألن هذا فيه تزكية لحفظ عبد الرزاق، اكتب عني حديثا من حفظي، قال: وال نصف حديث، ال أكتب إال من كتابك؛ ألن كتابك صحيح، أما حفظك فتقع أخطاء من

قبل حفظك.

الشاهد ابن معين عرف أن هذا الحديث مصدره من نيسابور، وأنه ال يأتي إال من طريقالكذابين، فوقف أحمد بن األزهر، وقال: هو أنا ذاك. أنا الذي أرويه عن عبد الرزاق، فتعجب ابن معين؛ ألن أحمد بن األزهر صدوق، وليس كذابا . فمن أين جاء بهذا الحديث؟ ما مصدره؟ أكيد هناك علة خفية، أمر غير واضح، فقال: أما أنت فصدوق أمين، وأظن أن البالء من غيرك.

أخذه وسار معه في الطريق، فقال: كيف سمعت هذا الحديث من عبد الرزاق؟ قال: إن عبد ثم الرزاق كنت أسير معه في بعض طرق صنعاء: فحدثني بهذا الحديث. أي من حفظه، وهو

يمشي في الطريق معه كتاب؟ حدث به من حفظه فعرف ابن معين منشأ الخطأ في هذا الحديث، ق حدث به من حفظه، ولم يحدث به من كتابه، وقد يكون عبد هو راجع إلى أن عبد الرزا

الرزاق سمعه من بعض الكذابين فدلسه مثال ، أو نسي اسم شيخه، فرواه عن معمر مباشرة.

في تعليقه على كتاب المستدرك قال: " هذا الحديث -رحمه هللا تعالى-ولهذا اإلمام الذهبي ام الذهبي: " فلماذا لم يحدث به عبد الرزاق إال أبا عالمات الوضع ظاهرة عليه" وإال يقول اإلم

األزهر؟ " لماذا لم يحدث به يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل؟ يعني لما كانا عنده؟ فهذا يدل على ماذا؟ يدل على أن هناك علل خفية، يستدل بها على كون الرواية شاذة أو منكرة، فهذا

ث الظاهر نظيفا ال ينفع في هذا الباب.النوع من الروايات، وإن كان إسناده من حي

إذن الشرط الثاني للحديث الحسن عند اإلمام الترمذي: أن يكون الحديث نفسه سالما من الشذوذ.

: أن يروى نفس هذا الحديث من وجه آخر نحوه. الوصف الثالث -

كذب، نحوه: أي أن رواة هذه الروايات األخرى أيضا سالمون من أن يكونوا متهمين بالوأيضا هذه الروايات األخرى التي تنضم للرواية األولى فترقيها هي أيضا ليست روايات شاذة،

رحمه هللا تبارك -فإن الشاذ والمنكر ال ينتفع به أبدا في هذا الباب. كما قال اإلمام أحمد بن حنبل لتي يسميها بعض تكلمنا في اللقاء الماضي عن الغرائب ا -" المنكر أبدا منكر". -وتعالى

عن األحاديث -رحمه هللا تعالى-سئل اإلمام أحمد -العلماء الفوائد، وبعضهم يسميها بالحسانأي الراوي الضعيف الذي ضعفه -: " الحديث عن الضعفاء -رحمه هللا تعالى-الفوائد فقال

ه في قد يحتاج إلي -ناشيء عن سوء حفظه، وليس عن تعمده الكذب، أو عن غفلته الشديدة وقت" أي هنا في هذا الباب، يعني ينتفع به في تقوية بعضه ببعض، والمنكر أبدا منكرا ، المنكر

منكر أبدا ال يمكن أبدا أن يعرج عليه، وال أن يلتفت إليه.

Page 103: علوم الحديث   المستوى الثاني

يقول في رسالته إلى أهل مكة: " ال يحتج -صاحب السنن -واإلمام أبو داود الستجستاني " ال يحتج بحديث غريب ولو كان من -كما سيأتي -هنا الشاذ بحديث غريب" يقصد بالغريب

رواية مالك، ويحيى بن سعيد، والثقات من أئمة العلم" ، يعني حتى الثقات إذا ثبت في حديث ما، من أحاديثهم أنه خطأ فهذا حديث يسمى شاذا ، وحينئذ ال ينتفع به، بل يعامل كما لو أنه لم يرو

غريب ولو كان من رواية مالك، ويحيى بن سعيد، يعني األنصاري، أصال ، " وال يحتج بحديثوالثقات من أئمة العلم، ولو احتج رجل بحديث غريب وجدت من يطعن فيه، وال يحتج بالحديث

الغريب إذا كان غريبا شاذا ". فيقصد بالغريب ها هنا كل غريب؟ أم الغريب الذي تبين أنه سمى عند علماء الحديث بالشاذ أو بالمنكر؟!.خطأ؟ وترجح أنه خطأ؟ وهو الذي ي

قول اإلمام الترمذي: " ويروى نحوه من غير وجه"، ذكرنا أي نحوه، أي نحو الرواية األولى من حيث الراوي، فال يكون متهما بالكذب، ونحو الرواية األولى أيضا من حيث سالمتها

من الشذوذ.

-صلى هللا عليه وآله وسلم-إلى رسول هللا لكن هل يشترط أن تكون روايات مرفوعة مضافة-؟ أم من الممكن أن تكون موقوفات على الصحابة أو التابعين؟ من الممكن، فعلماء الحديث

صلى هللا -كما يعتنون باألحاديث المرفوعة والمضافة إلى رسول هللا -عليهم رحمة هللا تعالىحاديث الموقوفة، أي المضافة إلى الصحابة ، فكذلك أيضا يهتمون ويعتنون باأل-عليه وآله وسلم

-أو التابعين. فإن ذلك كله مما ينتفع به في تقوية المعنى الذي تضمنه ذلك الحديث، وسيأتي رحمه هللا -أن اإلمام الشافعي لما تكلم عن المرسل، وعن االحتجاج به، ذكر -بإذن هللا تعالى

المسند الصحيح، والمرسل الذي يختلف أن المرسل يتقوى بأمور: من هذه األمور: -تعالىمخرجه عن مخرج المرسل األول، ومن هذه األمور أيض ا: أن يجيء فتوى بعض الصحابة موافقة لهذا الحديث، أو فتوى عامة أهل العلم. كل ذلك مما ينتفع به في تقوية األحاديث أو

المعنى الذي تضمنته تلك األحاديث.

واإلمام أحمد استعمل ذلك كثيرا ، من ذلك أنه مرة سئل عن دية حينئذ كل ذلك مما ينتفع به، لحديث عمرو بن « على النصف من دية المسلم » المعاهد، يعني حكم دية المعاهد، فقال:

كان يضعف عمرو -عليه رحمة هللا تعالى-شعيب، عن أبيه، عن جده، معروف أن اإلمام أحمد يرويها بهذا اإلسناد، عن أبيه، عن جده، فقيل له: بن شعيب، ويضعف كثيرا من األحاديث التي

ليس بكلها أحتج، » يا إمام أتحتج بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، يعني بهذه الصحيفة قال: يعني أنه احتج به في هذا « وإنما هذا أمر قد أفتى به عثمان بن عفان، وقدماء فقهاء أهل المدينة

، -رضي هللا عنه وأرضاه-لصحابي الجليل عثمان بن عفان الحيدث خاصة لما وافقه فتوى هذا اوفتوى كبار التابعين، كل ذلك جاء موافقا للحديث، فصار الحديث حينئذ حجة عند اإلمام أحمد بن حنبل، وهذا هو الذي نسميه بالحسن لغيره، الذي يتقوى بمجموع ما ينضم إليه من الروايات.

تعريفات أخرى للحسن

-تعريفات أخرى للحسن، قال الشيخ أبو عمرو بن الصالح ) -حمه هللا تعالىر-قال المصنف : " الحديث الذي -هذا المتأخر هو اإلمام ابن الجوزي -وقال بعض المتأخرين -رحمه هللا تعالى

(فيه ضعف قريب محتمل، هو الحديث الحسن، ويصلح للعمل به

ب من قول الترمذي، لكنه لم يضع هذا بطبيعة الحال قريب من قول الخطابي، وأيضا قري( ما هو ضابطه؟ فقد ترى أنت أن هذا الضعف ضعف قريب محتملضابطا لهذا القرب، قال: )

قريب، وقد أرى أنه ضعف شديد. ولكن كما قلنا آنفا ال شك أن الراوي إذا كان كذابا أو متهما منكرا أو ال أصل له، فهذا بالكذب، أو شديد الغفلة، فضعفه شديد. الحديث إذا كان شاذا أو

Page 104: علوم الحديث   المستوى الثاني

ضعف شديد، فكل ما كان سوى ذلك كأن يكون الضعف راجعا إلى حفظ الراوي، ال إلى اتهامه بالكذب، أو يكون حفظه خفيفا يعني أخطاؤه قليلة في جنب إصاباته الكثيرة في الروايات، أو أن

و صحيح ومنه ما هو يكون الحديث مرسال ، المرسل يتقوى، وال شك أن اإلرسال منه ما هضعيف، ويتبين صحة المرسل بمعرفة الرواية األخرى التي تدل على صحة مخرجه، وهذا

كل ما كان احتمال الصواب والخطأ -إن شاء هللا تعالى-سنتكلم عليه تفصيال في مبحث المرسل ات حينئذ يصلح في هذا الباب. فنبحث عن الرواي - %10وهذا %10هذا -فيه على حد سواء

التي ترجح أحد الجانبين، فإن كانت الرواية ترجح جانب اإلصابة، صار الحديث حينئذ حسنا لغيره، وإن دلت الرواية األخرى على ترجيح جانب الخطأ كان الحديث حينئذ شاذا ومنكرا وال

أصل له، وحينئذ ال يكون من باب الحسن لغيره. وتفصيل ذلك يطول لكن هذه قاعدة عامة ا الحافظ ابن حجر العسقالني في نكته على كتاب ابن الصالح وتفصيالتها تأتي تباعا في ذكره

ثنايا األبواب.

ثم قال الشيخ: " وكل هذا مستبهم ال يشفي الغليل، وليس فيما ذكره الترمذي والخطابي ما )ث يفصل الحسن عن الصحيح". وقد أمعنت النظر في ذلك، والبحث فتنقح لي واتضح أن الحدي

الحسن قسمان:

أحدهما: الحديث الذي ال يخلو رجال إسناده من مستور لم تتحقق أهليته، غير أنه ليس مغفال كثير الخطأ، وال هو متهم بالكذب، ويكون متن الحديث قد روي مثله أو نحوه من وجه آخر،

زل.فيخرج بذلك عن كونه شاذا أو منكرا . ثم قال: وكالم الترمذي على هذا القسم يتن

(قلت ال يمكن تنزيله لما ذكرناه عنه. وهللا أعلم

أراد أن يستفيد من تعريف الخطابي، وتعريف اإلمام -رحمه هللا تعالى-اإلمام ابن الصالح الترمذي، فقسم الحسن إلى قسمين:

عن ذات اإلسناد. -عن ذاته-قسم الحسن فيه ناشيء -

الروايات. مجموع -عن المجموع -قسم الحسن فيه ناشيء -

وقدم الكالم ها هنا على الحسن الذي يستدل على حسنه بمجموع الرواية، وهو الحسن لغيره، أي اإلسناد الذي بين -: إن الحديث إذا كان -رحمه هللا تعالى-ونزل كالم الترمذي عليه، فقال

ه شاذا أو يخرج بذلك عن كون -والمستور: هو مجهول الحال -مشتمال على راو مستور -أيدينا منكرا "، ونحن ذكرنا آنف

الجهالة من المجهول إما أن يكون جهالته عينا أو حاال .

هو الذي لم يرو عنه إال راو واحد. فإذا روى عنه أكثر من راو فهذا فيه فمجهول العين: - نوع شهرة، أي نوع معرفة.

لكن صادف ذلك أننا لم نجد -هو الراوي الذي لم نجد فيه جرح أو تعديل - ومجهول الحال: -هذا الراوي ال متكلما فيه ال بجرح وال بتعديل. ولم نجد إماما تناوله بجرح أو بتعديل، فنقول:

هذا مجهول الحال. ال نعرف حاله هل هو من الثقات أم من الضعفاء؟

Page 105: علوم الحديث   المستوى الثاني

لكن إن تبين أنه مضعف من قبل أهل العلم، وكالم أهل العلم يدل على أنه شديد الضعف، وشديد الغفلة، أو متهم بالكذب، فهذا ال يعرج على روايته ها هنا.

أو كما -الراوي المستور الذي لم يتكلم فيه ال بجرح وال بتعديل -أما إذا كان من المستور زاد الحافظ ابن حجر صورا أخرى من الرواة الذين يصلح حديثهم في هذا الباب فذكر أن من

هؤالء الرواة:

-ي ضعفه ناشئ عن سوء حفظه بما لم يصل إلى حد التهمة. أو إلى حد الغفلةالضعيف الذ• شدة الضعف.

زاد أيض ا: الراوي المختلط. •

هو الراوي الذي تغير حفظه في آخر عمره، لعامل الزمن، فصار ينسى الراوي المختلط: بعض حديثه، وهذا روايته فيها تفصيل:

يح، إذا كان من الثقات. فما حدث به قبل االختالط حديثه صح -

وما حدث به بعد االختالط فحديثه ضعيف؛ ألننا قد تحققنا فيه من أنه قد أثر عليه اختالطه. -

أما ما لم يتميز فلم ندري أهو مما حدث به في حال الصحة أم في حال السقامة، فحينئذ إن -يره. فالراوي المختلط الذي وجدنا روايات أخرى تؤيده نرقي حديثه حينئذ إلى مرتبة الحسن لغ

لم يتميز حديثه، هذا النوع من األحاديث إن وجدنا روايات أخرى تقويه وتؤيده فحينئذ يترقى الحديث إلى مرتبة الحسن لغيره.

الذي يستعمل العنعنة واأللفاظ الموهمة، أو التي ليست صريحة في السماع الراوي المدلس:• المدلس، لكن إذا وجدنا لهذه الرواية التي رواها ما يؤيدها من في األحاديث، التي لم يسمعها هذا

روايات أخرى فحينئذ نقبل حديثه ونجعله من الحسن لغيره.

صلى هللا -ما هو الحديث المرسل؟ هو الذي رواه التابعي عن رسول هللا الحديث المرسل:• ولم -صلى هللا عليه وآله وسلم-مباشرة. ومعلوم أن التابعي لم يدرك رسول هللا -عليه وآله وسلم

يسمع منه، فإذا وجدنا روايات أخرى تدل على صحة هذا الحديث وتؤيده وتقويه، وتأخذ بيده وترقيه إلى مصاف الحجة، حينئذ يكون الحديث من قسم الحسن لغيره.

أو بطبيعة الحال البد أن يكون مع ذلك سالما من الشذوذ سالما من العلة. فكل ما كان شاذا منكرا أو معلوال ، ال شأن له في هذا الباب؛ ألن معنى كونه شاذا أو منكرا أو معلوال أي ترجح لدينا كون الراوي أخطأ في الرواية، ونحن إنما نقبل في هذا الباب ما يحتمل أن يكون صوابا ،

ا الباب، ويحتمل أن يكون خطأ، فكل ما كان يحتمل الصواب، ويحتمل الخطأ، فهو يدخل في هذبمقتضى الروايات األخرى، فإن دلت الروايات األخرى على كونه من الصواب عملنا بمقتضى ذلك، وإذا دلت الروايات األخرى على كونه خطأ عملنا أيضا بمقتضى ذلك، أما ما تحققنا بالفعل

الباب، ال من أنه خطأ، وأنه من غلط الراوي فحينئذ ال يكون الحديث مقبوال ، وال داخال في هذا من قريب وال من بعيد، بل حتى لو كان الراوي من الثقات.

هناك راوي اسمه الربيع بن يحيى األشناني، وهذا قال فيه اإلمام أبو حاتم الرازي لما سئل وهذه مرتبة عالية جدا في التوثيق، ال سيما إذا قالها مثل اإلمام أبي حاتم « ثقة ثبت»عنه قال:

Page 106: علوم الحديث   المستوى الثاني

م أبي حاتم الرازي كان من المتشددين في الكالم في الرجال، ال يمنح الراوي الرازي؛ ألن اإلماوصف الثقة إال بندرة متشدد جدا في هذا الباب، فيأتي اإلمام أبو حاتم الرازي، ويمنح هذا

الراوي هذا الوصف العالي، فيقول: هو ثقة ثبت، معنى ذلك أنك إذا نظرت في حديثه تبادر إلى ه من أعلى مراتب الصحيح، ومع ذلك أبو حاتم نفسه، لما سئل عن بعض تصحيحه، بل تجعل

يبين بعبارته -رحمه هللا تعالى-األحاديث التي رواها هذا الراوي، وقد أخطأ فيها إذا بأبي حاتم أن هذا الحديث ضعيف جدا ، بل باطل، هذا الراوي روى حديثا عن الثوري عن محمد بن

جمع التقديم في الجمع بين الصالتين، عموما أحاديث الجمع بين المنكدر عن جابر، حديثا فيالصالتين معروفة، محفوظة، ولكن هذا الحديث بخصوصه مما أنكره العلماء، الذي يروى عن

جابر بن عبد هللا في هذا الباب هذا الراوي الربيع بن يحيى األشناني ثقة ثبت، عن سفيان يم، محمد بن المنكدر إمام كبير، جابر بن عبد هللا، الثوري جبل من جبال الحفظ، إمام عظ

صحابي جليل، إسناد إذا نظرت إليه نظرة سطحية من غير استعانة بكالم أهل العلم، تقول: هذا هذا الحديث باطل لم »حديث صحيح. ومع ذلك أبو حاتم نفسه لما سئل عن هذا الحديث قال:

ذكرنا في اللقاء الماضي « حديث في حديث يحدث به محمد بن المنكدر، دخل على األشناني معنى كون الراوي دخل عليه حديث في حديث، أو إسناد في إسناد، أي اشتبهت عليه األسانيد،

؛ ولهذا البد -رحمه هللا تعالى-فجاء بإسناد لمتن، فجعله إسنادا لمتن آخر، من يعرف هذا؟ األئمة ي بالنظرة السطحية في األسانيد.لطالب العلم أن يسترشد بكالم األئمة وال يكتف

فاإلمام أبي حاتم الرازي هو الذي وثق الراوي، ومنحه التوثيق العالي، ثم هو نفسه يقول هنا: هذا حديث عندي باطل، دخل على الربيع بن يحيى األشناني حديث في حديث، ولم أدخله في

نيف، المصنفات: هي الكتب التصنيف، اإلمام أبو حاتم يقول: وهذا الحديث لم أدخله في التصالمرتبة على األبواب، فكل كتاب رتب على األبواب يسمى مصنفا ، وليس هذا خاصا بمصنف عبد الرزاق، وال مصنف ابن أبي شيبة، بل كتب السنن عموما ، تسمى مصنفات. فالبخاري

يسمى مصنف، ومسلم يسمى مصنف، أبو داود يسمى مصنف، الترمذي يسمى مصنف، النسائي يسمى مصنف، ابن ماجة يسمى مصنف؛ ألنه مرتب على األبواب الفقهية.

وعلماء الحديث حينما يصنفون كتبا من تلك المصنفات التي يرتبونها بحسب المواضيع، فكل باب من تلك األبواب التي يعقدونها في هذه الكتب إنما يذكرون فيها األحاديث التي هي عندهم

لح لالعتبار والتقوية واالستشهاد، فهو عندما يذكر الحديث إما حجة، تصلح لالحتجاج، أو تصليحتج به، وإما ليعتبر به، وليستشهد به وليقوي به رواية أخرى، أما إذا كانت الرواية ال تصلح

ال لالحتجاج وال لالستشهاد فهل تنفع في كتب مصنفة؟ ال تنفع في الكتب المصنفة، ال فائدة ه في التصنيف، يعني هذا الحديث عندي باطل، والباطل ال ينفع ال في منها، فهو يقول: ولم أدخل

االحتجاج، وال في االستشهاد، مع أن الراوي من الثقات، ومع ذلك صرح بأن حديثه هذا ال يصلح، ال في باب االحتجاج، وال في باب االستشهاد، وهذا معناه أن الباطل والشاذ والمنكر ال

وال في باب االعتبار واالستشهاد، مع أن الراوي ها هنا ثقة، ليس يصلح في باب الحسن لغيره، معنى ذلك: أن كل ما يرويه الربيع بن يحيى األشناني يكون موصوفا بهذا الوصف الباطل، ال..، لكن ترجح لدى هذا اإلمام في هذا الحديث خاصة، وهذا اإلمام لم يتفرد بهذا الحكم، حتى بعض

حاتم تناقض كيف يقول في الراوي ثقة ثبت، ثم يأتي، ويقول: في حديثه الناس يقول: اإلمام أبو باطل؟

نحن قلنا أن الثقة قد يكون حديثه شاذا أم ال؟ أي حديث معين ترجح لدى النقاد أنه خطأ، أخطأ فيه الراوي، وليس كل ما يرويه يكون موصوفا بهذا الوصف.

Page 107: علوم الحديث   المستوى الثاني

له تلميذه اإلمام البرقاني، فماذا قال اإلمام اإلمام الدارقطني لما سئل عن نفس الحديث، سأيعني هذا ليس « هذا الحديث ليس لمحمد بن المنكدر فيه ناقة وال جمل»الدار قطني؟ قال اإلمام:

من حديث محمد بن المنكدر فكالمه مثل اإلمام أبي حاتم سواء بسواء.

سأله عن الربيع -قطنيوهو تلميذ اإلمام الدار -وسئل مرة أخرى سأله الحاكم النيسابوريالربيع بن يحيى :»-رحمه هللا تعالى-فقال: اإلمام الدار قطني -الربيع بن يحيى األشناني -نفسه

لماذا؟ قال:" ألنه روى عن ابن المنكدر حديثا « األشناني ليس بقوي، أو ليس بالقوي في الحديثحديث أثره في الضعف لو كان في مائة ألف حديث ألفسدها " يقصد هذا الحديث، فهذا ال

والنكارة والبطالن كما لو أنه إذا وجد في جملة أحاديث فيفسد هذه األحاديث، ويؤثر عليها تأثيرا سلبيا ، وهذا يدل على شدة نكارة هذا الحديث.

إذن المنكر والشاذ ال ينفعان أبدا في هذا الباب، حتى ولو كان هذا الحديث الذي يرويه ذلك هو من جملة الثقات بعد أن ترجح لدينا أنه أخطأ. الراوي الذي رواه

قيل جيئ إلى اإلمام عبد هللا بن المبارك، فقيل له: إن من بعض أصحابنا رجل يسمى حبيب المالكي، وأخذ طلبة ابن المبارك يثنون على هذا الرجل، وابن المبارك ال يعرفه، ثم قالوا: إنه

ه، فقال: هذا الحديث ال يأتي إال من رجل ضعيف، جاءنا بحديث غريب، فقال ما هو؟ فذكروه لعافاه هللا من كل »فقيل يا إمام هو، وهو، وأخذوا يبالغون في الثناء عليه، فقال ابن المبارك

فهذا يدلك على مفهوم أهل « مكروه وسوء، إال في هذا الحديث، فهذا الحديث خطأ ال محالة .العلم، بأن الحديث قد يكون خطأ والراوي ثقة

قيل له: ماذا تقول في نعيم بن حماد؟ قال هو ثقة. فقيل له -رحمه هللا تعالى-اإلمام ابن معين فماذا تقول في الحديث الذي يرويه في ذم القياس؟ قال هذا حديث باطل. فقال السائل كيف يجيء

يعني أخطأ عن غير قصد.«. شبه عليه»ثقة بباطل؟ قال ابن معين:

أصبغ » ماذا تقول في أصبغ بن زيد؟ قال: -رحمه هللا تعالى-أيضا وقيل لإلمام ابن معينحديث « أصبغ بن زيد ال بأس به، وال أحسب حديث الفتون حقا » أي ثقة « بن زيد، ال بأس به

الفتون حديث يرويه أصبغ بن زيد متفردا به في قصة طويلة، تشتمل على كل تفاصيل قصة [ 00﴾ ]طه: وفتناك فتون ا ادة، في تفسير قوله تعالى: ﴿موسى وفرعون، يذكرها المفسرون ع

قصة طويلة جدا رواها النسائي في كتاب التفسير من سننه، في نحو خمسة عشر صفحة، فيها تفاصيل مملة، تفاصيل في غاية التفصيل، متعلقة بهذه القصة فيرى العلماء أنها خطأ، وأن

، -صلى هللا عليه وآله وسلم-ست محفوظة عن رسول هللا الصواب أنها من اإلسرائيليات، وليفاإلمام وثق الراوي، ثم قال: وال أحسب هذا الحديث الذي يرويه صوابا أو حقا ، فرغم أنه وثقه

ضعف هذا الحديث من حديثه.

قال: القسم الثاني: أن يكون راويه من المشهورين بالصدق ) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف ولم يبلغ درجة رجال الصحيح في الحفظ واإلتقان، وال يعد ما ينفرد به منكرا وال واألمانة.

يكون المتن شاذا وال معلال . قال: وعلى هذا يتنزل كالم الخطابي، قال: والذي ذكرناه يجمع بين .(كالميهم

ذكر النوع الثاني اإلمام الحافظ ابن الصالح، ذكر النوع الثاني من الحسن، وهو الحسنلذاته، وهو الذي يرويه راو صدوق، راو معروف بالصدق واألمانة، لكنه لم يبلغ في الحفظ

واإلتقان مبلغ راوي الحديث الصحيح، فهذا أيضا يعد حديثه من قسم الحسن، ويكون من النوع المسمى بالحسن لذاته، فإذا وجدنا مع ذلك روايات أخرى انضمت إلى هذه الرواية، فهي ترقيه

Page 108: علوم الحديث   المستوى الثاني

إلى مرتبة الصحيح، فيكون حينئذ من قسم الصحيح لغيره، وكل ذلك إنما يكون حيث يكون أكثرالحديث سالما من الشذوذ، سالما من العلة، سالما من النكارة، أما إذا كان الراوي صدوقا ، ومع

ذلك حديثه خطأ، شاذ، أو منكرا ، أو معلل، فحينئذ ال ينفع هذا الحديث وال يكون من جنس حسن بحال من األحوال.ال

قال الشيخ أبو عمرو: "ال يلزم من ورود الحديث من طرق ) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف ( أن يكون حسنا ؛ ألن الضعف يتفاوت، فمنه ما ال يزول األذنان من الرأسمتعددة كحديث: )

كين، ومنه ضعف بالمتابعات، يعني ال يؤثر كونه تابعا أو متبوعا ، كرواية الكذابين والمترويزول بالمتابعة كما إذا كان راويه سيء الحفظ، أو روى الحديث مرسال ، فإن المتابعة تنفع

. (حينئذ، وترفع الحديث عن حضيض الضعف إلى أوج الحسن أو الصحة. وهللا أعلم

-بطبيعة الحال اإلمام الحافظ ابن الصالح لخص ما تضمنه كالم الخطابي وكالم الترمذي في تعريفهما للحديث الحسن، وأن ليس كل رواية تجيء للحديث تنفع -هللا تعالى رحمهما

الحديث، بل البد أن تكون هذه الروايات سالمة من الضعف الشديد، من أن يكون الراوي متهما بالكذب، أو شديد الغفلة، وسالمة أيضا من أن يكون الحديث شاذا أو منكرا ، فإذا كان الحديث

إن شاء -لرواية كذلك، فانضمام هذه الروايات بعضها إلى بعض، ينفع الحديث ويرقيه كذلك، أو امن الضعف الذي ران على بعض أسانيده إلى الحسن لغيره، الذي هو باب من أبواب -هللا تعالى

الحسن، ويكون من قبيل الحديث المحتج به حينئذ.

هل فعال تحقق فيه الوصف الذي هذا الكالم كل حديث من األحاديث البد لك أن تحقق فيهذكره األئمة أم ال؟ هل فعال الراوي ضعفه شديد أم ليس شديدا ؟ هل الحديث سالم من الشذوذ أم ليس سالما من الشذوذ؟ وهذا يحتاج منك الرجوع إلى أهل العلم، واالهتمام بأقوالهم وأحكامهم

لح للحسن والتي ال تصلح. وهللا أعلم.على األحاديث، لتنتفع بذلك في تمييز األحاديث التي تص

وردتنا إجابات عدة على أسئلة الحلقة الماضية: وكان السؤال األول: اذكر مثاال للحسن المعنوي في اإلسناد وآخر في المتن؟

وكانت اإلجابة: من أمثلة الحسن المعنوي اللغوي في اإلسناد: يطلقونه أحيانا على الغريب، لم يروه غيره. ومن هذا قول إبراهيم بن يزيد النخعي: كانوا إذا جلسوا وهو: ما تفرد به راو

كرهوا أن يخرج الرجل حسان أو أحسن ما عنده، يريد بذلك الغرائب الشتمالها على كثير من .الضعيف

السؤال الثاني: اذكر مثاال يتضح به حاجة الحسن إلى معرفة علل الحديث؟

حث لمعرفة الحسن عالما بعلل الحديث من قلب وتحريف وكانت اإلجابة: يجب أن يكون البايعني هذه إجابة (كنا نورثه( فحرفت إلى )كنا نؤديه وغيرها، وتتضح تلك الحاجة في حديث: )

.-إن شاء هللا تعالى-دالة على المقصود

يقول: ذكرتم فضيلتكم في الحلقة الماضية حاجة الحديث الحسن لغيره من أنواع علوم فهل هذا في الحسن فقط، يعني هل يحتاج الصحيح والضعيف إلى معرفة هذه العلوم الحديث،

أيضا والعلل؟

بطبيعة الحال العلة حيث تقع أو الشذوذ حيث يقع في الرواية، فهو يقدح في الرواية سواء كان راويها من رواة الصحيح، أو راويها من رواة الحديث الحسن، فكل ذلك يؤثر قدحا في

Page 109: علوم الحديث   المستوى الثاني

، وإنما تكلمنا عن الحديث الحسن بخصوصه، وبيان حاجته إلى هذه األشياء؛ ألن أكثر الروايةالذين يشتغلون بالحديث الحسن، ويتعرضون للحكم على األحاديث بكونها حسنة، ال يلتفون إلى تلك العلل الخفية، وما يقدح فيها من شذوذ أو نكارة، أو إعالل؛ فلهذا كان البد لنا من اإلشارة

ذا األمر، والتنويه عليه، حتى يكون في ذلك تبصرة إلخواننا من المشتغلين بطلب العلم.إلى ه

كنت ذكرت في اللقاء الماضي أن كون الحديث الحسن وسطا بين الضعيف والصحيح، يصعب من حده وضبطه، ثم شرحتم لنا اليوم عدة تعريفات للحديث الحسن، هل تجدون فيها

لتعريفات، وإن كان هناك اختالف فأي هذه التعريفات تختارونها، اختالفا مؤثرا بين هذه ا كأقرب ما يكون لحد للحديث الحسن حدا جامعا مانعا في نظركم؟

هناك كما سمعنا من أهل العلم من ذهب إلى أن كالم الخطابي يتنزل على نوع الحسن لذاته، اك من أهل العلم من رأى أن وأن كالم الترمذي إنما يتنزل على نوع الحسن لغيره، لكن هن

الحسن سواء كان في كالم الخطابي أو في كالم الترمذي إنما يتنزل على الحسن لغيره، وليس "ما عرف مخرجه". -رحمه هللا تبارك وتعالى -على الحسن لذاته؛ ألن قول اإلمام الخطابي

نما ذلك مثل قول ونحن بينا أن الذي عرف مخرجه، هو الذي ال يكون شاذا وال منكرا ، وإ؛ ألن كون الحديث شاذا معناه: أنه غير «وال يكون الحديث شاذا » -رحمه هللا تعالى-الترمذي

معروف المخرج. فإذا عرف مخرجه فليس هو بشاذ، فصارت عبارة الترمذي وعبارة الخطابي جاله هو في هذا الفصل بمعنى واحد، وإن اختلفت األلفاظ، وقول اإلمام الخطابي ما اشتهر ر

فذهب بعض أهل « أال يكون راويه متهما بالكذب: »-رحمه هللا تعالى-مثل قول اإلمام الترمذي إنما يصب في مكان واحد، وفي -رحمهما هللا تعالى-العلم إلى أن كالم الخطابي وكالم الترمذي

اته؟ أخذنا معنى واحد، وهو الذي يتنزل على الحديث الحسن لغيره، إذن من أين أخذنا الحسن لذالحسن لذاته من عبارة الخطابي، وإن وافقت عبارة الترمذي من هذه الحيثية، إال أنها أعم،

فتشمل الحسن لذاته، وإن كان يصدق عليها ما يصدق على كالم الترمذي من شمولها للحسن لغيره؛ ألن الراوي الصدوق المعروف بالصدق واألمانة، هذا راو مشهور الحديث، وهو راو

معروف، راو اشتهر بين الرواة، ومعروف أن الحديث الحسن لذاته أيضا البد أن يكون معروف المخرج، أي ليس شاذا وال منكرا ، وال معلوال ، فصارت عبارة الخطابي أعم من أن تكون دالة على ما دل عليه كالم اإلمام الترمذي، فهي وإن كانت توافق كالم الترمذي من جهة، فهي أعم

ذلك فتشمل أيضا نوع الحسن لذاته هذا من جانب. من

من جانب آخر وهو أننا قد عرفنا من قبل أن هناك من أهل العلم من يجعل الحسن لذاته قسما من الصحيح، وال يحتاج إلى تقسيم الحسن إلى نوعين، فكل ما كان حسنا لذاته، هو يصدق عليه

حاديث إذا نظرنا إلى إسنادها نظرة مجردة وصف الصحة عنده؛ ولهذا وجدنا في الصحيحين أنجدها مشتملة على راو معروف بالصدق واألمانة، ولم يبلغ في الحفظ واإلتقان مبلغ راوي

الحديث الصحيح، ومع ذلك أخرج البخاري ومسلم لهؤالء الرواة، ما ترجح لديهما أنه أصاب يثه، وال من أخطائه التي ربما فيه ولم يخطيء، أي ليس من شاذ حديثه، وال من مناكير أحاد

تكون قد وقعت في بعض الروايات من هذه الحيثية، من فرق إنما أراد بالحسن حيث يكون الحسن ناشئا عن انضمام رواية بعضها إلى بعض، والحسن الذاتي عنده هو داخل في مراتب

ا إن توسعنا في الصحيح، ونحن تكلمنا في لقاء ماض بأن كل ذلك يسمى مقبوال أو يسمى صحيح استعمال مصطلح الصحيح وأردنا بالصحيح ها هنا كل ما يصلح إلقامة الحجة. وهللا أعلم.

ما السبب في رأيكم الذي أدى إلى التساهل في تحسين الحديث، هل السبب مثال ضعف االطالع على كتب العلل أم ماذا؟

Page 110: علوم الحديث   المستوى الثاني

تساهلون يتساهلون في التساهل في تحسين األحاديث، ليس مختصا بالتحسين الذين يالتصحيح، كما يتساهلون في التحسين، ولكن لماذا كثر التساهل في التحسين أكثر من التساهل

في التصحيح؟ كثر ذلك؛ ألن التحسين كما عرفنا، وكما ظهر لنا، من خالل هذا الدرس، الروايات، والدرس الماضي، يتطلب معرفة كبيرة جدا بخفايا علل األحاديث لكل رواية من تلك

التي انضم بعضها إلى بعض، هل هذه الرواية فعال تصلح للتقوية أو ال تصلح للتقوية؟ هل تحقق في راويها الوصف الذي ينبغي أن يتحقق في وصف راوي الحديث الذي يصلح لالعتبار

واالستشهاد أم ال؟ هل الحديث سالم من الشذوذ أم ليس سالم من الشذوذ؟ ومعلوم أن دقائق عللاألحاديث التي نعرف من خاللها إن كان الحديث شاذا أو ليس شاذا ، معلوال أو ليس معلوال ، إنما

، وهؤالء قلة في كل زمان -رحمهم هللا تعالى-يختص به العلماء الكبار النقاد الكبار الحفاظ يث، ومن ومكان؛ فلهذا تجد أن هذا التساهل في األعم األغلب عند من لم يتوسع في علل األحاد

في إداركهم العلة في الروايات، ال سيما -رحمهم هللا تعالى-لم يعرف مناهج العلماء، ومسالكهم العلل الخفية التي ال يدركها إال كبار الحفاظ، فلما ضعفت الهمم، وقل العلم بمعرفة أخطاء

يقول: هذا الروايات، وصوابها تساهل من تساهل، لما اكتفى بظاهر السند، ينظر في اإلسناد فإسناد رجاله ال بأس بهم، هذا إسناد ليس فيه ما يدعو إلى رده، إال مثال سوء حفظ بعض الرواة، أو إرسال وقع في بعض الروايات، فيعمد إلى جمع روايات من هنا ومن هناك، ليقوي الحديث

ات في بمجموع هذه الروايات، وال يتأمل هذه الروايات رواية رواية، فقد تكون هذه الروايبعضها ما هو شاذ، في بعضها ما هو منكر، في بعضها ما رواه راو ضعيف جدا ، شديد

الضعف، ال يتأمل ذلك، وال يالحظه وال يهتم به، وال يعتني به كما ينبغي، فينتج عن ذلك تساهل حيث يقوي هذه الروايات بعضها ببعض، من غير اعتبار لما قرره علماء المصطلح، من أن

كي تتقوى البد أن يكون ضعفها هينا سواء كان الضعف متعلقا بالراوي أو الرواية. الرواية ل وهللا أعلم.

ما معنى مخرج الحديث، ومتى يكون معروفا ؟السؤال األول:

هل الحديث الشاذ يصلح ألن يتقوى بغيره؟السؤال الثاني:

Page 111: علوم الحديث   المستوى الثاني

الدرس الثامن الكتب التي هي من مظنة وجود الحديث الحسن

لحمد هلل تعالى نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات إن اأعمالنا، من يهده هللا فال مضل له، ومن يضلل فال هادي له، وأشهد أال إله إال هللا وحده، ال

شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وبعد:

نوع الحديث الحسن، النوع الثاني من في -رحمه هللا تعالى-ما زلنا مع الحافظ ابن كثير كتاب اختصار علوم الحديث، وتناولنا في اللقائين السابقين بعض المسائل التي من شأن علماء

ونأتي عليها -إن شاء هللا تعالى-الحديث أن يذكروها في هذا النوع، وبقيت عدة مسائل سنتناولها آلتية كلها تدور حول الكتب التي هي من مظنة في هذه المرة، وهذه النتائج ا -بإذن هللا تعالى -

وجود الحديث الحسن فيها، فيتناول المؤلف كتابا كتابا من هذه الكتب لمعرفة منهج صاحبه، ونوع الحديث فيه، ودرجة األحاديث التي أدخلها في كل باب من أبواب كتابه هذا.

ذه المسائل ألفت نظر اإلخوة، أنه له -رحمه هللا تعالى-وقبل أن نتناول شرح الحافظ ابن كثير يرويه بعض -رحمه هللا تعالى-في الدرس القبل الماضي ذكرت حديثا عن اإلمام ابن عبد البر

صلى هللا عليه -أن النبي -رضي هللا تعالى عنهما-الضعفاء، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر ( ذكرته، وذكرت أن الحق المبين من قال في يوم مائة مرة ال إله إال هللا قال: ) -وآله وسلم

اإلمام ابن عبد البر وصف هذا الحديث بكونه حسنا ، مع أنه ضعيف إسناده، وذكر أنه لم يرويه عن مالك من يوثق به، وليس هو معروفا من حديث مالك، وهذا كالم صحيح، وذكرنا في

لمعنى اللغوي، وليس على غضون ذلك أن اإلمام ابن عبد البر، إنما أطلق الحسن ها هنا على االمعنى االصطالحي، لكن في غضون ذلك ذكرت بقية متن الحديث، فاشتبه علي متن بمتن،

من قال في يوم مائة مرة، ال إله إال هللا، الحق المبين، وإنما متن الحديث على الصواب هو: )( قرع بها باب الجنة كان له أمانا من الفقر، وأنسا من وحشة القبر، واستجلب بها الغنى، واست

أما اللفظ اآلخر الذي سقته وقتئذ فهو في قصة أخرى تروي أو تحكى في مناسبة، وقعت لإلمام في أقرب -إن شاء هللا تعالى -ولإلمام يحيى بن معين لعلنا نذكرها -رحمه هللا تعالى-أحمد

بالكتب التي من مظنة مناسبة، نعود إلى الكتاب بإذن هللا تعالى أول فصل من الفصول المتعلقة .-رحمه هللا تبارك وتعالى -وجود الحديث الحسن فيها، وهو كتاب سنن الترمذي

الترمذي أصل في معرفة الحديث الحسن

الترمذي أصل في معرفة الحديث الحسن. قال: وكتاب : )-رحمه هللا تعالى-قال المصنف ه، ويوجد في كالم غيره من الترمذي أصل في معرفة الحديث الحسن، وهو الذي نوه بذكر

(مشايخه، كأحمد والبخاري، وكذا من بعده كالدارقطني.

في هذا الفصل إلى أن اإلمام الترمذي في كتابه -رحمه هللا تعالى-يشير اإلمام ابن كثير الجامع المعروف أكثر من استعمال الحديث الحسن، فهو يصف الحديث في كتابه هذا كثيرا ما

"حسن صحيح" أو "حسن غريب" أو "حسن صحيح غريب"، فاإلمام الترمذي يقول: "حسن" أومن هذه الحيثية يعد اإلمام األول الذي شهر هذا النوع من الحديث، وليس هو أول من استعمله،

-رحمهما هللا تعالى-فقد استعمله علماء قبله، كاإلمام أحمد بن حنبل، وكاإلمام البخاري كانوا قبل اإلمام الترمذي، وأيضا يوجد في كالم غير هؤالء، ممن وغيرهما، من العلماء الذين

في كتابه السنن، فكثيرا ما يقول: -رحمه هللا تعالى-جاء بعد اإلمام الترمذي، كاإلمام الدارقطني "هذا حديث حسن"، لكن ليس كل المواضع التي أطلق فيها هؤالء العلماء سواء من كان منهم

و من جاء بعد اإلمام الترمذي، ليس دائما يقصدون بالحسن حيث أطلقوه قبل اإلمام الترمذي أ

Page 112: علوم الحديث   المستوى الثاني

على بعض األحاديث، المعنى االصطالحي الذي عرفناه في اللقائين السابقين، أعني الحسن لذاته، أو الحسن لغيره، وإنما أحيانا يقصدون هذا، الحسن لذاته والحسن لغيره، وأحيانا يريدون

سن المعنوي الذي شرحناه في اللقاء قبل الماضي، فليتنبه لهذا فإن هذا مما الحسن اللغوي، أو الح يغفل عنه كثير من طلبة العلم.

أبو داود من مظان الحديث الحسن

أبو داود من مظان الحديث الحسن. قال: ومن مظانه سنن ) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف شبهه ويقاربه، وما كان فيه وهم شديد بينته، أبي داود، روينا عنه أنه قال: ذكرت الصحيح وما ي

وما لم أذكر فيه شيء، فهو صالح، وبعضها أصح من بعض، قال: وروي عنه أنه يذكر في كل باب أصح ما عرفه فيه.

(قلت: ويروى عنه أنه قال: وما سكت عنه فهو حسن

كتابا آخر من الكتب -رحمه هللا تعالى-هذا الفصل من هذا الباب يتناول فيه اإلمام ابن كثير -رحمه هللا تعالى-التي يظن وجود الحديث الحسن فيها أيضا بكثرة، وهو كتاب سنن أبي داود

بطبيعة الحال يعرف ذلك من تتبع أحاديث الكتاب، فكثير من األحاديث التي يخرجها اإلمام أبو سواء كان لذاته أم في هذا الكتاب يصدق عليها وصف الحديث الحسن -رحمه هللا تعالى-داود

-مما يشير إلى هذا فإنه -رحمه هللا تعالى-لغيره، إضافة إلى ما قد روي عن اإلمام أبي داود قال في رسالته إلى أهل مكة بشأن كتابه السنن: " ذكرت في كتابي هذا -رحمه هللا تعالى

و الحسن؛ ألنه هو الصحيح وما يشبهه ويقاربه" أي يشابهه ويقاربه، قالوا: الذي يشبه الصحيح هالقريب من الصحيح، فمن هذه الحيثية أو من هذه العبارة نستطيع أن نفهم أن كتاب السنن لإلمام

مشتمل على األحاديث الحسان، كما هو مشتمل على األحاديث -رحمه هللا تعالى-أبي داود منكرا بينته" الصحيحة، ثم قال: " وما كان فيه وهن شديد بينته، وفي موضع قال: " فما كان

هاتان العباراتان وردتا في رسالته إلى أهل مكة.

وما لم أذكر فيه شيئا ، أي وما سكت عنه، ولم يتكلم فيه بتصحيح أو بتضعيف، بتعديل أو عليه -بتجريح، وما سكت عنه فهو صالح، وبعضها أصح من بعض، يعني أن اإلمام أبو داود

قول: اشتمل كتابه أي كل باب من أبواب كتابه، وليس اشتمل كتابه حينما ن -رحمة هللا تعالىيقصد من ذلك الكتاب عموما ، وإنما هو يخرج في كل باب من أبواب كتابه أصح ما عنده كما جاء في العبارة التي بعد ذلك، حيث روي عنه أنه يذكر في كل باب أصح ما عرف فيه، فهو

الكتاب أصح ما يجده في هذا الباب، فإن يذكر في كل باب من أبواب كتابه التي ترجم بها فيوجد الحديث صحيح فهذا أفضل شيء، فإن لم يجد الصحيح فالحسن، فإن لم يجد الحسن

فالضعيف الذي ضعفه ليس شديدا ، ال سيما إذا كان مؤيدا باتصال عمل، أو بموافقة قياس، أو ، وإن لم يكن العمل به معتمدا أخذا باالحتياط، أو نحو ذلك، فكل ذلك يجعل الحديث معموال به

على الحديث نفسه، ولكن مجموع ذلك يعطي حجة وقوة للحديث.

ويجعله في مصاف -عليه رحمة هللا تعالى-وبعض أهل العلم يقوي الحديث كاإلمام الشافعي الحجة إذا وافقه اتصال علم، إذا وافقه فتوى بعض الصحابة الكرام، أو عمل عامة أهل العلم،

ك إذا انضم إلى الحديث فإنما يدل على صحة المعنى الذي تضمنه ذلك الحديث، حتى فكل ذلوإن كان الحديث نفسه فيه نوع ضعف مما ال يكون راجعا إلى كذب الراوي، أو تهمته بالكذب،

أو شدة غفلته، وال يكون أيضا راجعا إلى شذوذ الرواية، أو نكارتها.

Page 113: علوم الحديث   المستوى الثاني

كتابه يشتمل على الصحيح، أو أبواب كتابه تشتمل -تعالى عليه رحمة هللا-فاإلمام أبو داود على الصحيح، فإن وجد الصحيح فبها ونعمت، أو الحسن، فإن لم يجد ال صحيحا وال حسنا في ج ما هو دون ذلك مما فيه ضعف هين، فإن لم يجد ذلك فإن ذكر الضعيف جدا بينه، الباب خر

فيه من علة قادحة، أو ما فيه من ضعيف شديد يقدح وال يسكت عنه، بل يذكر عقب الحديث ما فيه.

تلك األحاديث شديدة الضعف، ثم يذهب -عليه رحمة هللا تعالى-لماذا يذكر اإلمام أبو داود فيبين ما فيها من ضعف؟ له أغراضه، وهذه األغراض يعرفها الممارس للكتاب، من ذلك مثال :

العلم، فهو يذكره حتى ال يقال إنه خفي عليه، أو أن يكون ذلك الحديث قد احتج به بعض أهل غفل عنه، أو لم يتنبه له، فيذكره ثم يذكر ما فيه من ضعف، وعلة قادحة تقدح في صحته، أو

تقدح في االحتحاج به.

فإذن هذا معنى مفيد أن أذكر الشيء الخطأ، أو الشيء الضعيف، أو الشيء الذي ال ينبغي أن ض الناس فأذكره؛ ألنبه إلى ما فيه من ضعف، فهذه فائدة. فذكر ذلك يحتج به، حيث احتج به بع

مع التنبيه على ضعفه أفضل من السكوت عنه.

رحمه هللا -اشتمل كتاب السنن لإلمام أبي داود على هذه األحاديث كلها، وذكر أنه يتكلم فقط بقية األحاديث من على ما فيه ضعف شديد، فما فيه ضعف شديد تجد كالم اإلمام عليه، ف -تعالى

أي المراتب إذن؟ إن بقية األحاديث بعضها صحيح، وبعضها حسن، وبعضها ضعيف منجبر، قد يصل إلى رتبة الحسن لغيره، أو قد يكون من الضعيف الذي يعمل به عند اإلمام أبي داود؛

بالحديث كشيخه اإلمام أحمد ابن حنبل، كان يعمل -عليه رحمة هللا تعالى-ألن اإلمام أبي داود الضعيف إذا لم يكن في الحديث ما يعارضه، أو يخالفه مما يكون أقوى منه، وكان يقدم الحديث

حينما قال البنه عبد -رحمه هللا تعالى-الضعيف على القياس، كما جاء عن اإلمام أحمد بن حنبل ما يعارضه يا بني اعرف طريقتي في العلم لست أخالف ما ضعف، إذا لم يكن في الباب » هللا: ال تجد أحدا يقول بالرأي، إال وفي » من شدة اتباعه لألثر يقول: -رحمه هللا تعالى-وكان «

اإلمام أبو داود سلك في ذلك مسلك «. قلبه دغل، ولضعيف الحديث أحب إلي من رأي الرجالوال حسنا ، ، وأنه إذا لم يجد ال صحيحا في الباب،-رحمه هللا تعالى-شيخه اإلمام أحمد بن حنبل

وال ما يكون منجبرا بالروايات المرفوعة، لكنه وجده حديثا ، قد يكون ضعيفا من حيث اإلسناد، ولكنه مؤيدا بعمل الصحابة، أو بعمل جمهور أهل العلم، أو موافق للقياس، أو فيه نوع احتياط،

ذلك داخل عند اإلمام فقد يخرجه استغناء به عن أن يلجأ إلى القياس، أو يلجأ إلى الرأي، فكل أبي داود في مصاف الحجة.

وهناك من أهل العلم من يعد ذلك أصال من الحسن. فيعتبر مثل هذه األحاديث نوعا من أنواع الحسن، يدرج تحت قسم الحسن لغيره، وأشرنا إلى ذلك في لقاءات سابقة، فما دام أن اإلمام أبو

الصحيح، فيخرج الصحيح ساكتا عليه، يسكت داود يسكت عن هذه األحاديث كلها، يسكت عنعن الحسن، فهو يخرج الحسن ساكتا عليه، يسكت عن الضعيف المنجبر، أو المحتج به، أو المعمول به ساكتا عليه، فكيف نفهم مرتبة الحديث عند اإلمام أبي داود من مجرد تخريجه

ان ضعفه شديدا ، فإن سكت فبعض ما للحديث في الكتاب؟ وهو ال يتكلم أو يذكر الحكم إال فيما كسكت عنه هو صحيح، وبعض ما سكت عنه هو حسن، وبعض ما سكت عنه هو من الضعيف

المعمول به عند الفقهاء.

فمن أجل هذا وجدنا كالم ابن الصالح اآلتي يبين لنا الطريق إلى معرفة حكم تلك األحاديث السنن. فقال: التي حكم عليها، وخرجها اإلمام أبو داود في كتابه

Page 114: علوم الحديث   المستوى الثاني

قال ابن الصالح: فما وجدناه في كتابه مذكورا مطلقا ، ) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف (وليس في واحد من الصحيحين، وال نص على صحته أحد، فهو حسن عند أبي داود

هنا يتكلم عن معرفة حكم اإلمام أبي دواود على تلك -رحمه هللا تعالى-اإلمام ابن الصالح يث التي أودعها كتابه، ولم يتكلم عليها بجرح شديد وال بتضعيف شديد، وقد قلنا: إن األحاد

بعضها ما هو صحيح، وبعضها ما هو حسن، وبعضها ما هو دون ذلك، ماذا أراد اإلمام أبو داود من هذه األحاديث؟ ما هي درجة كل حديث من تلك األحاديث التي سكت عنها اإلمام أبو

ن بعضها صحيح، وبعضها ما هو حسن، وبعضها ما هو دون ذلك.داود؟ فقد عرفنا أ

ومجرد سكوته ال يشير إلى منزلة الحديث؛ ألنه سكت عن الصحيح والحسن وما دون يقول: إذا وجدنا الحديث مذكورا في سنن أبي -رحمه هللا تعالى-الحسن، فاإلمام ابن الصالح

نه من الصحيح, يعني كأن اإلمام ابن الصالح داود، ووجدنا في الصحيحين، أو أحدهما، فنعلم أيسترشد بصنيع العلماء اآلخرين لمعرفة درجة الحديث عند اإلمام أبي داود، وهذا مسلك

صحيح، فإن األصل أن العلماء يتفقون وال يختلفون، وحمل كالم األئمة على االتفاق أولى من حمله على االختالف، ما كان هناك من سبيل إلى ذلك.

وجدنا الحديث في الصحيحين أو أحدهما، أو أحد من نقاد العلم قد نص على صحته فإذاكاإلمام أحمد مثال ، ابن معين، الدارقطني، هؤالء األئمة الكبار وجدنا من أن هؤالء العلماء من

نص على كون ذلك الحديث صحيحا عرفنا أنه من مرتبة الصحيح عند اإلمام أبي داود.

عند أبي داود، ولم يقل فهو صحيح، وإنما قال: فهو حسن، لماذا قال فهو لكنه قال: فهو حسنحسن؟ العلماء قالوا: إنما أراد ابن الصالح بجعله في مرتبة الحسن مع أنه قد يكون منه ما هو

رحمه -صحيح، أخذا باألحوط، وحكما بالمتيقن؛ ألن هذه األحاديث التي سكت عليها أبو داود منها ما هو صحيح، ومنها ما هو حسن، ومنها ما هو دون الحسن، فال - هللا تبارك وتعالى

نستطيع أن نقول: إن هذا الحديث بعينه عند أبي داود صحيح، قد يكون حسنا ، قد يكون دون الحسن، فاسترشدنا بصنيع األئمة اآلخرين، وحكمنا على الحديث بالحسن احتياطا ؛ ألن الحسن

ن أدنى مراتب الصحيح، فكون الحديث داخال في الحديث داخل في الصحيح، وإن كان م المقبول، هذا ال غبار عليه، بدليل أنه قد صححه األئمة اآلخرون.

إذن فهو دخل في حيز القبول، لكن هو من أعلى درجات القبول أم من أدناها؟ أخذنا ن أن هذا الحديث من باألحوط، وأثبتنا له أدنى درجات القبول، اللهم إال أن يظهر دليل آخر، يبي

أعلى درجات المقبول.

وهذا الموضع من المواضع التي أنكر على اإلمام ابن الصالح، وعيب عليه ذلك، بأنه قد يكون هذا الحديث عنده صحيحا ، عند اإلمام أبي داود قد يكون هذا الحديث عنده صحيحا ، ولكن

حوط، وحكم بالحكم المتيقن، بأن الحسن أجاب الحافظ العراقي عن ابن الصالح بأنه إنما أخذ باألهو أقل ما يمكن أن نتيقن من صفة نلصقها بذلك الحديث، فنحن بعد أن عرفنا أن الحديث قد

صححه األئمة اآلخرون، عرفنا أنه داخل في حيز القبول، لكن ال نستطيع أن نجزم بكونه من أجل هذا أخذنا باألحوط، وأثبتنا أعلى درجات القبول أو من أدناها عند اإلمام أبي داود، فمن

درجة الدنيا، فإن جاء دليل خارج يبين لنا الدرجة العليا، واشتمال هذا الحديث على الدرجة العليا من درجات القبول، أخذنا بذلك ال لمجرد سكوت اإلمام أبي داود.

ير معنى أيضا ينبغي أن يتنبه، ويعرف أن كالم اإلمام ها هنا أعني ابن الصالح خاص بتحرمن سكوته، حول هذه األحاديث، ال أن هذا -عليه رحمة هللا تعالى-ما أراده اإلمام أبو داود

Page 115: علوم الحديث   المستوى الثاني

اختيار اإلمام ابن الصالح نفسه، ابن الصالح يقصد من هذا أن هذه األحاديث عندي حسنة، ولم يقصد أنها حسنة عند أبي داود، فهذا الذي يدل عليه صنيعه ويدل عليه كالمه.

جتها عند ابن الصالح وغيره من أهل العلم، فهذا أمر آخر، فقد يكون الحديث حسنا أما درعند أبي داود، صحيحا عند البخاري، قد يكون حسنا عند أبي داود، صحيحا عند الترمذي،

وهكذا، فاإلمام ابن الصالح ها هنا ال يذكر حكما نهائيا على الحديث، وإنما يحرر الحكم الذي نيع اإلمام أبي داود، وإدخاله لهذا الحديث في هذا الباب، من كتابه، مع ما جاء من يفهم من ص

كالمه، أنه يسكت عن الصحيح والحسن، وما هو دون الحسن هنا، نستطيع أن نقول: هذا الحديث عند اإلمام أبي داود حسن، لكن قد يكون صحيحا ألدلة أخرى، أو عند غيره من

فبعد ما قال ما لخصه اإلمام -رحمه هللا تعالى-يه اإلمام ابن الصالح العلماء، وهذا ما أشار إلابن كثير، قال: " وقد يكون في ذلك ما ليس بحسن عند غيره" يعني قد يكون غيره يرى أن

الحديث فوق الحسن، أو دون الحسن، وهذه مسائل اجتهادية، تختلف فيها أنظار العلماء، "وال به على ما سبق". مندرج فيما حققنا ضبط الحسن

طبعا سبق أن الحسن نوعان: حسن لذاته وحسن لغيره، وهذا يؤكد أن اإلمام ابن الصالح ها هنا يحرر درجة هذه األحاديث عند أبي داود، وليس كحكم نهائي على تلك األحاديث عند أبي

داود وغيره من أهل العلم.

ي داود بكتابه السنن كثيرة جدا ، قلت: الروايات عن أب ) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف ويوجد في بعضها من الكالم، بل واألحاديث، ما ليس في األخرى. وألبي عبيد اآلجري عنه

أسئلة في الجرح والتعديل، والتصحيح والتعليل، كتاب مفيد. ومن ذلك أحادث ورجال قد ذكرها ه فقط ؟ أو مطلقا ؟ هذا ما سكت عليه في سنن -«:وما سكت عليه فهو حسن»في سننه. فقوله:

(مما ينبغي التنبيه عليه والتيقظ له

إلى أن كتاب السنن لإلمام أبي داود، هو روايات، -رحمه هللا تعالى-يشير اإلمام ابن كثير فهذا الكتاب ليس رواية واحدة، عن اإلمام أبي داود، بل روى الكتاب، عن اإلمام أبي داود

ود، وفي كل رواية من تلك الروايات زيادات ال توجد في جماعة من أصحاب اإلمام أبي دابعض الرويات األخرى، من أقوال على األحاديث بالتصحيح والتضعيف، ومن كالم بالجرح

والتعديل، بل وهناك أحاديث أخرى قد تتفرد بها بعض الروايات دون بعض.

ه فهو حسن" ما سكت عنه : "ما سكت عن-عليه رحمة هللا تعالى-فعندما يقول اإلمام أبي داود في رواية بعينها؟ أم في عموم الروايات؟ بطبيعة الحال في عموم الروايات. ثم إن هناك أحاديث

سأله عن -وهي كتاب مطبوع -أخرى سئل عنها اإلمام أبي داود سأله عنها أبو عبيد اآلجري جاب أبوعبيد بعض األحاديث، وهي في سنن أبي داود، وقد سكت عنها في السنن، بينما أ

اآلجري عنها بما يفيد ضعفا شديدا ؛ وألجل هذا قال العلماء: إننا ال نستطيع أن نعتمد على مجرد سكوت اإلمام أبي داود على الحديث في كتابه السنن، أوال ؛ الحتمال أن يكون هذا موجود في

يتكلم فيها أنه رواية دون رواية، قد يكون تكلم في رواية أخرى، فيظهر في الراوية التي لمسكت عن الحديث، ولم يتناوله بضعف، بينما هو قد تناوله بتضعيف سواء في رواية أخرى من

رويات السنن، أو في موضع آخر، حيث سأله بعض أصحابه عن بعض األحاديث أو بعض الرجال.

هللا رحمهما-وكذلك اإلمام الحافظ ابن حجر -رحمه هللا تعالى-ولهذا وجدنا اإلمام الذهبي قد قسما أحاديث سنن أبي داود إلى أنواع، وهذا خالصة ما في البحث: -تعالى

Page 116: علوم الحديث   المستوى الثاني

أحاديث هي صحيحة من أعلى درجات الصحة، وبعضها يوجد في الصحيحين القسم األول: أيضا .

ما هو صحيح أي تحقق فيه شرط الصحة، وليس هو في الصحيحين. القسم الثاني:

ديث الحسن، سواء لذاته أو لغيره.ما هو من قسم الحالقسم الثالث:

ما هو ضعيف، ولكنه معمول به في اجتهاد اإلمام أبي داود، لما انضم إليه من القسم الرابع: اتصال عمل أو نحو ذلك، كما أشرنا إلى ذلك آنفا.

ثم يأتي بعد ذلك األحاديث الضعيفة جدا . ومنها ما يتكلم عليه، ويتناوله القسم الخامس: التضعيف، كما وعد بذلك هو، ومنها ما يسكت عليه رغم أنه من الضعيف جدا .بالتجريح و

وكذلك الذهبي، وإنما يسكت عن هذا النوع من -رحمه هللا تعالى-يقول الحافظ ابن حجر األحاديث مع كونه من الضعيف جدا ، من شديد الضعف، لشهرة كونه كذلك، كأن اإلمام أبو داود

معينة من الحفاظ واألئمة، وهو يعلم أن مثل هؤالء الناس يعرفون يخاطب بهذا الكتاب درجة هذه األحاديث، ويعرفون منزلتها، ومرتبتها، فلم يتكلم عن كل حديث اشتمل على ضعف شديد، بل سكت عن بعض األحاديث التي تضمنت أو اشتملت على ضعف شديد؛ لشهرة ذلك الضعف،

الحفاظ، ونقاد العلم؛ فلهذا ال ينبغي أن تغتر بمجرد أو شهرة هذه األحاديث بالضعف الشديد، عندعلى الحديث في كتابه السنن، فقد يكون من هذه -عليه رحمة هللا تعالى-سكوت اإلمام أبي داود

األحاديث التي سكت عنها لكون ضعفها الشديد، مشهورا معلوما عند علماء الحديث.

كتاب المصابيح للبغوي

كتاب المصابيح للبغوي: قال وما يذكره البغوي في كتابه ) -تعالى رحمه هللا-قال المصنف المصابيح، من أن الصحيح ما أخرجاه، أو أحدهما، وأن الحسن ما رواه أبو داود والترمذي

وأشباههما، فهو اصطالح خاص، ال يعرف إال له، وقد أنكر عليه النووي ذلك، لما في بعضها (من األحاديث المنكرة.

له كتاب اسمه مصابيح السنة، هذا الكتاب في كل باب من -رحمه هللا تعالى-غوي اإلمام البأبوابه، تجد اإلمام يقسم األحاديث إلى صحاح وحسان وغرائب، فيخرج األحاديث الصحاح

أوال ، ثم الحسان، ثم الغرائب.

واصطلح لنفسه أنه إذا قال الصحاح، فيقصد األحاديث التي هي في الصحيحين البخاريومسلم. والحسان هي األحاديث التي في سنن الترمذي وسنن أبي داود وأمثالهما، كسنن النسائي

مثال ، فهذه يسميها حسان، أي يجعلها تحت نوع الحسان. وبالغرائب ما دون ذلك.

ليست -أعني كتب السنن -وهذا مما عابه عليه بعض أهل العلم؛ ألنه معلوم أن هذه الكتب لحسان، بل مشتملة على الحسان من جهة، وعلى الضعيف، والضعيف جدا ، فقط مشتملة على ا

-رحمه هللا تعالى-بل والمنكر أيضا ، فكيف جعل كل ذلك من قسم الحسان، كيف جعل البغوي على اإلمام -رحمهم هللا تعالى-كل ذلك من قسم الحسان، فكان هذا موضع إنكار أهل العلم

البغوي.

Page 117: علوم الحديث   المستوى الثاني

نيع البغوي، بأنه وإن كان فعل ذلك، إال أنه يميز األحاديث، لكن هناك من أجاب عن صويبين مرتبتها في كل موضع، فإذا كان الحديث الذي هو من السنن، فأدخله في قسم الحسان كان حديثا يستحق الضعف، أو هو من الغريب، فإنه يعلق على الحديث بما يفيد ذلك، مع أنه جعله

من قسم الحسن، فيقول مثال بعد أن يخرج حديثا في من حيث الترتيب، والتصنيف، جعلهالحسان، وهو عنده حديث غريب، أو ضعيف، فيقول: هو غريب، أو وهو ضعيف، ويعلق على

الحديث بما يميزه عن بقية األحاديث التي أدخلها مع في القسم.

مشاحة في فمن هذه الحيثية ال يعاب؛ ألنه بين اصطالحه، ونحن قلنا في لقاءات سابقة "ال، ولم يدع أنه اصطالح عامة أهل العلم، وإنما

االصطالح" فإذا اصطلح اإلمام لنفسه اصطالحا هو اصطالح خاص به، فإذا بين هذا المصطلح، ووضحه، وذكره، فال يعاب عليه، إذا ما التزم

السير على هذا االصطالح الذي اختاره لنفسه.

رحمه هللا -ظرت إلى األحاديث التي أدخلها اإلمام البغوي مما يلفت النظر في هذا، أنك إذا نفي قسم الحسان أخذا من كونها في السنن، لعلنا نالحظ أن اإلمام إنما حكم عليها بالحسن، -تعالى

كحكم تغليبي، يعني أغلب األحاديث التي في كتب السنن هذه هي من قسم الحسن، وإن كان مع ث ضعيفة، وأحاديث غريبة، ومنها ما هو ضعيف جدا ، لكنه لما ذلك قد اشتملت السنة على أحادي

كان بمعرض التصنيف، أراد أن يميز من حيث االصطالح، بين ما في الصحيحين، وما خارج الصحيحين، فنظر في أحاديث السنن التي هي خارج الصحيحين، فوجد أنا الغالب عليها أنها من

كل حديث ما يستحقه ذلك الحديث من حكم، فإن كان قسم الحسن، فأطلق ذلك الحكم، ثم بين في .-رحمه هللا تعالى-من هذه الحيثية فال يعاب ذلك على اإلمام البغوي

صحة اإلسناد ال يلزم منها صحة الحديث

صحة اإلسناد ال يلزم منها صحة الحديث. قال: " والحكم ) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف ( يلزم منه الحكم بذلك على المتن، إذ قد يكون شاذا أو معلال بالصحة أو الحسن على اإلسناد ال

نحن ذكرنا في تعريف الحديث الصحيح، أنه المتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ أو علة، وذكرنا أيضا في الحسن، أن يكون سالما من الشذوذ والعلة، فإذا

ه ثقات أو رجاله أهل صدق وأمانة، واإلسناد ظاهر االتصال، كل راو ما وقفنا على إسناد رجالروى عمن له منه سماع، فاإلسناد من حيث الظاهر متصل، والرجال كذلك ثقات، فهذا اإلسناد إن نظرنا إليه هذه النظرة السطحية، فنحن نقول: هذا إسناد صحيح، أو إسناد حسن، هذا الحكم

ال يكون المتن صحيحا أو حسنا ، إال إذا سلم الحديث من الشذوذ متعلق باإلسناد، ال بالمتن،والعلة؛ ألن الشذوذ، والعلة، كما يقعان في األسانيد، أيضا يقعان في المتون، وما من متن وقع فيه خطا ، إال والبد أن يكون الخطأ ناشئا عن أحد الرواة الذين روو الحديث، من أين سيأتي

راو من رواة الحديث، قد أخطأ في الحديث، أتى به على خالف الصواب، الخطأ؟ البد أن هناك على خالف الجادة، أثر في المتن، فرواه على غير وجهه، رواه على غير الصواب، فمن هذه

الحيثية كان هذا المتن شاذا أو معلال .

ذا إسناد فيريد اإلمام من هذا البحث، أن يبين لك أنك إذا وجدت إماما يقول في حديث: هحسن، أو إسناد صحيح، فال تفهم من ذلك أن الحديث صحيح، أو حسن، حتى يتحقق لك أن

المتن لم يعل من قبل بعض أهل العلم، بما يفضي إلى كونه شاذا أو معلوال ، فيكون ذلك قادحا في المتن.

Page 118: علوم الحديث   المستوى الثاني

ث سالما من وبطبيعة الحال هذا يختلف من عالم آلخر، فهناك من أهل العلم من إذا وجد الحديالشذوذ والعلة إسنادا ومتنا فإنه يسوي بين قوله إسناد صحيح، وحديث صحيح، وهناك من

يفرق، وهو اصطالح لعامة المتأخرين، ستجد المتأخرين يفرقون بين الحكم على السند، والحكم أيضا على المتنن بخالف العلماء المتقدمين، فغالب ما يحكمون به على اإلسناد، يكون منسحبا

في نكته على كتاب -رحمه هللا تعالى-على المتن، كما أشار إلى ذلك اإلمام الحافظ ابن حجر ابن الصالح، وكما يعرف ذلك من خالل تتبع كالم العلماء المتقدمين، فإنهم إذا وجدوا الرواية

صحيح، هذا صحيحة ثابتة، إسناد ومتنا ، استساغوا أن يقولوا: هذا حديث صحيح، أو هذا إسناد حديث حسن، أو هذا إسناد حسن، بخالف العلماء المتأخرين، فإنهم يفرقون بين ظاهر اإلسناد والمتن، فإذا كان اإلسناد رجاله ثقات، واإلسناد متصل فيبادرون إلى الحكم على اإلسناد بما

أن المتن ظهر من حاله، فيقولون: هذا إسناد صحيح، أو هذا إسناد حسن، فإذا تبين لهم مع ذلك مشتمل على ما يدعو إلى الحكم عليه بالشذوذ أو بالنكارة، فإنهم ال يمتنعنون مع ذلك، أن يصفوا هذا المتن الذي إسناده صحيح، بأنه شاذ أو منكر؛ ولهذا تجد في كالم الخطيب البغدادي، وكالم

كثيرا ، في بعض اإلمام الذهبي، وابن كثير، وغيرهم من أهل العلم، أنهم يجمعون بين الوصفين األحاديث أو في الحكم على بعض األحاديث.

تجعل مثال عالم منهم يقول: هذا متن منكر، مع جودة إسناده، أو هذا إسناد رجاله ثقات والمتن منكر، أو إسناده صحيح، والمتن منكر، أو إسناده حسن، والمتن منكر، فيميز بين الحكم

هذا تعارضا وال تناقضا ، بل هذا اصطالح لهم ومسلك على اإلسناد، والحكم على المتن، وليسصحيح؛ ألنه كما يقول ابن الصالح ها هنا: إن هناك فرقا بين الحكم على السند، والحكم على

المتن، فمن فرق بين الحكم على السند، والحكم على المتن، فله أن يجمع بين هذين الوصفين في يح، أو إسناد حسن، أو إسناد جيد، أو نحو هذه الحكم على حديث واحد، فيقول إسناد صح

العبارات التي فيها تقوية للسند من حيث النظر، في رجال اإلسناد واتصاله، ثم إذا كان المتن فيه ما يستشكل أو يستنكر أو يستغرب، فإنهم يشيرون إلى ذلك بتمام العبارة، فيقولون: والمتن منكر

ات، وهذا مستعمل لدى أهل العلم . أو المتن ال يصح، أو نحو هذه العبار

قول الترمذي حسن صحيح

قول الترمذي حسن صحيح، قال: وأما قول الترمذي "هذا ) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف حديث حسن صحيح" فمشكل؛ ألن الجمع بينهما في حديث واحد كالمتعذر، فمنهم من قال: ذلك

باعتبار إسنادين حسن وصحيح.

أنه يقول في بعض األحاديث: "هذا حديث حسن صحيح غريب، ال نعرفه إال قلت: وهذا يرده من هذا الوجه".

ومنهم من يقول: هو حسن باعتبار المتن، صحيح باعتبار اإلسناد: وفي هذا نظر أيض ا، فإنه يقول ذلك في أحاديث مروية في صفة جهنم، وفي الحدود والقصاص، ونحو ذلك.

ب الحكم بالصحة على الحديث كما يشرب الحسن بالصحة. فعلى والذي يظهر لي: أنه يشر هذا يكون ما يقول فيه "حسن صحيح" أعلى رتبة عنده من الحسن، ودون الصحيح، ويكون (حكمه على الحديث بالصحة المحضة أقوى من حكمه عليه بالصحة مع الحسن. وهللا أعلم.

-ار جدال وكالم طويل بين أهل العلم هذا الفصل من هذا النوع من الفصول التي كانت مس، ذلك أننا عرفنا آنفا أن الحسن بنوعيه هو مرتبة دون الصحيح، فالصحيح في -رحمهم هللا تعالى

أعلى درجات القبول، والحسن في أدنى درجات القبول، فكيف وجد في كالم بعض أهل العلم

Page 119: علوم الحديث   المستوى الثاني

كم على بعض األحاديث؟ وجد كالترمذي في كتاب الجامع، وغيره أيض ا، يستعمل ذلك في الحذلك في كالم اإلمام أحمد، وكالم اإلمام البخاري، وأيضا في كالم اإلمام الدارقطني، اي بعد اإلمام الترمذي، حيث يصف الحديث الواحد حاكما عليه بأنه حسن صحيح، فيصفه بهذين

د؟ ألن الحديث الوصفين، وهذان الوصفان كيف يجتمعان في الحكم على حديث واحد في آن واحإما أن يكون في أعلى درجات القبول، وإما أن يكون في أدنى درجات القبول، وال يتصور أن

يكون الحديث الواحد في آن واحد، هو في أعلى درجات القبول، ثم هو في أدنى درجات القبول، الترمذي هذا شيء يتنافى مع العقل، ويتنافى مع المقبول، ال يمكن أن يستقيم ذلك، فكيف جمع

وغيره من أهل العلم بين الوصف بالحسن والوصف بالصحة في الحكم على حديث واحد في آن واحد؟ بل وجدنا الترمذي يكثر من ذلك كثيرا في كتابه الجامع، ولم يستنكر عليه مشايخه، وال

من كان في عصره، وال من كان قريبا من عصره، إنما وقع ذلك اإلشكال من قبل العلماء متأخرين.ال

فهناك من أجاب من هؤالء العلماء المتأخرين بأجوبة عن صنيع الترمذي وغيره، حيث جمع (.الصحة والحسنفي الحكم على الحديث بين هذين الوصفين )

فمنهم من قال: لعله أراد وصف إسنادين مختلفين، أحدهما صحيح، واآلخر حسن، فقوله: -لحديث، صحيح باعتبار إسناد آخر من أسانيد هذا حسن أي باعتبار إسناد من أسانيد ذلك ا

الحديث، فإذا كان الحديث مثال له إسنادان أحدهما حسن، واآلخر صحيح، فيصح أن تقول في هذا الحديث: إنه حسن صحيح، أي حسن باعتبار إسناد، صحيح باعتبار إسناد آخر.

يقول: هذا -رحمه هللا تعالى-وهذا القول لم يلق قبوال عند بعض أهل العلم؛ ألن الترمذي الوصف المركب في الحكم على الحديث مع وصفه له بكونه ال يعرفه إال من هذا الوجه، فكثيرا ما يقع في كتابه الجامع قوله تعليقا على بعض األحاديث: "هذا حديث حسن صحيح، ال نعرفه

نادان، الذي أحدهما صحيح إال من هذا الوجه" وهذا معناه أن له إسناد واحد، فأين هذان اإلس واآلخر حسن؟ فألجل هذا استشكل بعض أهل العلم الجواب ولم يقبله من قائله.

هناك من ذهب إلى أن الترمذي لعله أراد بالحسن ها هنا الحسن المعنوي الذي أشرنا إليه -يتعلق في لقاء سابق، وهو الحسن الذي تقتضيه اللغة، كل ما تميل إليه النفس فهو حسن، كل ما

به القلب فهو حسن، كل ما تقبله الطباع فهو حسن، فلعل الترمذي أراد بالحسن ها هنا ما يرجع -إلى هذا المعنى، وهذا أيضا كان موضع إنكار عند بعض أهل العلم كاإلمام ابن دقيق العيد

. -رحمه هللا تعالى

ل: يلزم منه أن الحديث طبعا ابن دقيق العيد نفى وجود هذا النوع أصال في الحديث، وقاالموضوع إذا كان حسنا من حيث اللفظ، حسنا من حيث المعنى، أن يوصف بالحسن في

اصطالح المحدثين، ونحن اآلن نعالج مسألة متعلقة باصطالح المحدثين، وليس باصطالحات ن دقيق العيد لغوية، فلم يقبل ذلك ابن دقيق العيد، وإن كان اإلمام العراقي تعقبه في ذلك، فذكر اب

بعض األمثلة التي ذكرناها في لقاء سابق من إطالق المحدثين الحسن على األحاديث المنكرة والموضوعة على إرادة حسن اللفظ، ال الحسن االصطالحي.

من العلماء من قال كابن كثير ها هنا: إنه يشرب طرفا من الصحيح، وطرفا من الحسن، -ح خالص، بل هو يتجاذبه الصحيح من جهة، والحسن من فال هو حسن خالص، وال هو صحي

جهة، فيصح وصفه بهذين الوصفين؛ ألنه مشرب بالوصفين، كالشيء الذي يكون فيه حموضة، وفهي حالوة، فيصح أن تصفه بأنه حلو حامض مثال ، وهذا وصف صحيح؛ ألنه ليس حلوا

جل هذا ذهب اإلمام ابن كثير بأن خالصا ، وال حامضا خالصا ، وإنما هو مشرب بهذا وذاك؛ فأل

Page 120: علوم الحديث   المستوى الثاني

هذه مرتبة أخرى وسط بين الصحيح والحسن، فال هو حسن على سبيل اإلطالق، وال هو صحيح على سبيل اإلطالق، وإنما هو منزلة وسط بين ذلك؛ ولهذا يكون ما يقول فيه الترمذي:

هو حديث "حسن صحيح"، دون ما يقول فيه: "صحيح" فقط؛ ألن ما قال فيه: "صحيح" فقط صحيح محض، أما ما يقول فيه: "حسن صحيح" فهو دون هذه المرتبة، وهذا أيضا مما لم يقبله

؛ ألن ذلك يستلزم -رحمهما هللا تعالى-العلماء، كاإلمام العراقي، والحافظ ابن حجر العسقالني ه أن يكون إحداث نوع آخر من أنواع الحديث، ال قائل به من أهل العلم، فضال عن كونه يلزم من

هذا النوع الذي يقول فيه الترمذي حسن صحيح، دون ما يقول فيه صحيح.

يجده كثيرا ما يصف األحاديث بكونها -عليه رحمة هللا-والمتتبع لكتاب السنن لإلمام الترمذي حسنة صحيحة، وقل ما يقول صحيح فقط، قل ما يقول حسن فقط، بل األعم األغلب من أحاديث

بين هذين الوصفين، فيقول: "حسن صحيح" فمعنى هذا -أو في الحكم عليها -ا كتابه يجمع فيهأن األحاديث الصحيحة عن اإلمام الترمذي تكون قليلة جدا ، األحاديث الصحيحة ستكون قليلة

جدا ؛ ألنه قل ما يفرد الصحيح في حكمه على األحاديث. هذا من ناحية.

رحمه هللا -ألحاديث التي يصفها اإلمام الترمذي أنك إذا تتبعت جملة من ا من ناحية أخرى:بأنها حسن صحيح تجد أغلبها من األحاديث التي هي في أعلى درجات الصحة، وبعضها -تعالى

-في الصحيحين، بل كثير منها ما هو في الصحيحين من رواية مالك عن نافع عن ابن عمر ابن عمر، من أصح األسانيد، ، أو من رواية الزهري عن سالم عن-رضي هللا تعالى عنهما

فكيف يكون ذلك دون الصحيح؟ وكيف يكون الترمذي يخفى على مثله أن هذه األحاديث من جملة األحاديث الصحيحة؟ بل من أعلى درجات الصحيح؟ فكان ذلك أيضا مما يرد على هذا

الجواب، ومما يدعو إلى عدم قبوله.

ن اإلشكال بجواب آخر، فقال: " ليس الحسن هناك اإلمام ابن دقيق العيد ذهب أو أجاب ععند اإلمام الترمذي وصفا أو حكما مجردا عن الصحيح، بحيث ينبغي أال يضاف إلى الصحيح

وصف يصدق -رحمه هللا تعالى-في الحكم على حديث واحد. بل الحسن عن اإلمام الترمذي على الصحيح، ويجتمع بالصحة ".

وإن كان الوصف والحكم يستعمالن أحيانا بمعنى واحد، هناك فرق بين الوصف والحكم، لكن إذا جمعت بينهما فأنت تقصد بالوصف شيئا ، وبالحكم شيئا آخر.

أي المنزلة والمرتبة التي يستحقها ذلك الحديث من حيث الصحة أو الضعف، فهذا الحكم: حكم.

لصحيح، وبغير فهي صفة تقترن بالصحيح أو بغير الصحيح، وتجتمع باأما الوصف: الصحيح.

تعالوا نضرب أمثلة: قولك في الحديث: "هو صحيح عال، أو هو صحيح نازل"، هذان وصفان، أحدهما: متعلق بالحكم، واآلخر: صفة زائدة عن الحكم. فحينما تقول: هذا حديث صحيح، فأنت تقصد بالصحة ها هنا الحكم الذي يستحقه، ودرجة الحكم التي يستحقها هذا

. الحديث

لكن وصفه بكونه عاليا أو نازال ، يتعارض مع الصحة؟ ال..، قد يكون الصحيح عاليا ، وقد يكون نازال ، فهذا وصف زائد. تقول في الحديث: هذا الحديث صحيح مرفوع، وصحيح

موقوف. كون الحديث صحيحا هذا متعلق بالحكم عليه. كونه مرفوعا أو موقوفا يؤثر في هذا

Page 121: علوم الحديث   المستوى الثاني

د يكون الحديث صحيحا وهو مرفوع، وقد يكون صحيحا وهو موقوف، فوصف الحكم؟ ال.. قالحديث الصحيح بكونه مرفوعا أو موقوفا ال يتناقض وال يتعارض مع كونه صحيحا . فالصحة تجتمع مع الوقف والرفع، كما أن الصحة تجتمع مع العلو والنزول، فتلك أوصاف زائدة على

. الحكم الذي يستحقه ذلك الحديث

فإنك إذا « كل صحيح حسن ال ينعقد »اإلمام ابن دقيق العيد يقول مثل هذا الكالم، يقول: وصفت الحديث بأنه صحيح، فإن كنت تذهب بأن الحسن من جملة الصحيح، أو من أدنى

درجات الصحيح، فالحسن داخل في الصحيح، والبد؛ كأنك قلت: إنه حسن وزيادة. ماذا تعني ذا قلت هو صحيح، فكما لو أنك قلت: إنه اشتمل على كل صفات القبول حسن وزيادة؟ ألنك إ

-فهو من أعلى درجات القبول، فهو شمل الحسن من بابه أولى. كما تقول في حديث هو متواتر فإذا قلت "متواتر" فأنت بالضرورة -نحن نعرف أن المتواتر هو من أعلى درجات الصحيح

"صحيح متواتر" فهذا كالم مستقيم ال غبار عليه.تعني أنه صحيح، فإذا قلت هذا حديث

وكذلك إن كنت ممن يرى أن الحسن وصف زائد على الصحة، فهذا أمر سائغ، فحين تصف الحديث بأنه صحيح، أي الدرجة التي يستحقها ذلك الحديث من حيث القبول أو الرد، هو

ا هنا وصف زائد الصحة، فهو حديث ثابت، حديث صحيح، حديث مقبول، ثم صار الحسن هيجتمع مع الصحة، وال يتنافر معها كما لو قلت مثال هذا حديث صحيح معمول به، هذا حديث صحيح منسوخ، فقولك معمول به، كما لو قلت حسن، حسن أي هذا الحديث من حيث الصحة

هو صحيح من حيث الدرجة، ثم إنه مع ذلك معمول به، محتج به عند أهل العلم، وليس هو من -نسوخ الذي ال يعمل به؛ ولهذا لعل مما يقوي ذلك القول، وقد ارتضاه الحافظ ابن حجر الم

في نكته على كتاب ابن الصالح، وإن كان ارتضى في كتاب النزهة له رأيا -رحمه هللا تعالىلعل مما يؤيد هذا الكالم، هو أنك ال تجد حديثا في سنن -إن شاء هللا تعالى -آخر سنذكره

منسوخا ، فيصفه اإلمام الترمذي بأنه حسن، بل هو قال في آخر كتابه في الباب الذي الترمذي وأحايث هذا الكتاب كلها أحاديث معمول بها سوى » عقده في العلل الذي في آخر الجامع قال:

فذكرهما فلما نظرنا في الحديثين في موضعهما من الكتاب، لم نجد اإلمام وصفهما بأن « حديثين ديث من الحسان، مع أنها عندهم من الصحيح، فهي من الصحيح المنسوخ.هذه األحا

نزهة النظر رأيا -النزهة -ارتأى في كتاب -رحمه هللا تعالى-الحافظ ابن حجر العسقالني آخر، فخروجا من هذا الخالف، وخروجا من هذه اإليرادات التي أوردها البعض على هذه

قول وسط فقال: نفرق بين ما كان له إسناد، وما كان له أكثر األجوبة، أو على بعضها، لجأ إلى من إسناد.

فما كان له إسناد واحد فالمعنى فيه: أنه حسن باعتبار حال راويه عند قوم، صحيح باعتبار • حال راويه عند قوم آخرين. كأن هذا الراوي الذي روى ذلك الحديث، ولم يروى إال بإسناده

اختلف فيه أهل العلم.

فمنهم من أطلق فيه ما يفيد التوثيق، فيكون حديثه من جملة األحاديث الصحيحة. -

وبعضهم أطلق فيه ما يفيد أنه في مرتبة دون ذلك. كأن يقول صدوق مثال ، فيكون حديثه -من جملة األحاديث الحسنة. فلما اختلف أهل العلم في الدرجة التي يستحقها راوي ذلك الحديث،

أن يجمع في حكمه على هذا الحديث ما يشير -هذا طبعا بحسب كالم ابن حجر -رأى الترمذي إلى ذلك الخالف الواقع في ذلك الراوي، فيقول: "حسن صحيح" أي حسن باعتبار حال ذلك

الراوي عند بعض أهل العلم، صحيح باعتبار حاله عند بعض أهل العلم اآلخرين.

Page 122: علوم الحديث   المستوى الثاني

على األقوال السابقة بل وزيادة أيض ا؛ ألننا قلنا وهذا الجواب أيضا يرد عليه بعض ما يرد آنفا :

إن الترمذي يكثر من استعمال هذا المصطلح "حسن صحيح" في األحاديث التي ال خالف -عليها، بل هي في الصحيحين، وفي الرواة الذين لم يختلف فيهم أهل العلم. هل اختلف أحد في

لزهري وسالم وابن عمر؟ لم يقع في ذلك اختالف، مالك ونافع وابن عمر؟ هل اختلف أحد في ايقول: حسن صحيح في أحاديث من أعلى -رحمه هللا تعالى-ومع ذلك نجد اإلمام الترمذي

درجات الصحة، فكيف بعد ذلك يكون الترمذي حاكيا للخالف، وليس هناك خالف أصال .

يره، إنما يحكم على الحديث أمر آخر وهو أن اإلمام الترمذي إمام مجتهد، وليس مقلدا لغ -بمقتضى ما يؤديه إليه اجتهاده، وال يعرف أن الترمذي توقف في الحكم على األحاديث بمقتضى

اختالف أهل العلم، بل إن وجدهم اختلفوا في الحكم على الحديث رجح قوال من تلك األقوال، مذي إمام مجتهد، وليس وذهب إلى قول يراه صوابا ، أو أرجح من القول اآلخر، فاإلمام التر

إماما مقلدا ؛ ولهذا ينسب العلماء األقوال التي في الجامع إليه، وال ينسبونها إلى غيره من العلماء ممن هم من مشايخه، أو ممن كان قبله، من أهل العلم.

من شأنه أن يحكي الخالف بهذه الطريقة، فيقول: -عليه رحمة هللا-ثم إن كان اإلمام الترمذي صحيح فيكون مقصوده أنه يحكي الخالف في حال الراوي الذي روى ذلك الحديث هل حسن

هو مما يستحق أن يحسن حديثه أو يصحح، فلماذا ال يحكي أيضا الخالف فيما هو أشد من ذلك؟ ما وجدناه مرة من المرات، يقول هذا حديث حسن ضعيف، وال صحيح ضعيف، لو كان من

ل هذه الطريقة، لكان يفعل ذلك.شأنه أن يشير إلى الخالف بمث

أيضا فيما وقع فيه خالف بين أهل العلم في صحته وضعفه، أو في حكمه وضعفه، بل نجد إذا ما أراد أن يذكر خالفا بين أهل العلم في الحكم على -عليه رحمة هللا-اإلمام الترمذي

: " قال البخاري كذا"، أو " الحديث، فإنه يذكر عباراتهم من غير هذه اإلشارة الموهمة، بل يقولقال محمد بن إسماعيل كذا "، " وقال أحمد كذا "، " وقال الدرامي كذا "، فيسوق أقوال أهل

العلم صريحة في الحكم على األحاديث.

أيضا يلزم من هذا أن ما يقول فيه اإلمام الترمذي: "صحيح" هو أقوى من الحديث الذي يقول وقع فيه خالف بطبيعة الحال دون ما لم يقع فيه خالف، فإذا فيه: "حسن صحيح" ؛ ألن الذي

كان الحديث الذي يقول فيه صحيح لم يقع فيه خالف، والذي قال فيه حسن صحيح وقع خالف في راويه، فيكون ما قال فيه حسن صحيح دون ما قال فيه صحيح فقط، وهذا يلزم منه ما يلزم

اء أنه يلزم منه أن يكون ما يقول فيه حسن صحيح من جواب اإلمام ابن كثير، وقد ذكر العلمدون ما يقول فيه صحيح، وهذا غير مقبول؛ ألنه يكثر من هذا المصطلح المركب في وصفه

لألحاديث التي هي من أعلى درجات الصحة، بل هي في الصحيحين.

الجزء اآلخر من الجواب، وهو -رحمه هللا تعالى-ثم ذكر الحافظ ابن حجر العسقالني المتعلق بما له أكثر من إسناد، فقال:

يصفه بأنه حسن صحيح، -رحمه هللا تعالى-وما كان له أكثر من إسناد ووجدنا الترمذي • فهذا راجع إلى كونه حسنا باعتبار اإلسناد، صحيحا باعتبار اإلسناد اآلخر. وهذا يرد عليه ما

ل هذا الجواب.أورده العلماء على العلماء اآلخرين الذين أجابوا بمث

Page 123: علوم الحديث   المستوى الثاني

في شرح علل الترمذي: -عليه رحمة هللا-وأنا أقول مسترشدا بكالم اإلمام ابن رجب الحنبلي للحديث بأنه حسن هو نفسه قد شرحه وبينه، بين مراده -عليه رحمة هللا-إن وصف الترمذي

ث: أن الحديث الحسن البد أن يكون متصفا بأوصاف ثال -رحمه هللا تعالى-منه، فذكر

أال يكون في إسناده من يتهم بالكذب. -5

وال يكون الحديث شاذا . -3

ويروى من غير وجه نحو ذلك. -2

اإلمام الترمذي بين في كالمه أن الحسن ليس راجعا إلى رواية بعينها، إنما الحسن في ف اجتهاده ونظره وصف لمجموع هذه األمور، حيث ينضم بعضها إلى بعض، فالترمذي ال يصإسنادا بعينه بأنه حسن، وإنما الحسن عنده راجع إلى الحديث المشتمل على هذه األوصاف

جميعها، وهذه األوصاف إذا تأملتها تبين لك أنها ليست راجعة إلى إسناد بعينه، وإنما هي راجعة إلى مجموع روايات؛ ألنه قال: "ويروى نحوه من غير وجه"، فال يكون الحديث عنده حسنا

إال إذا روي من غير وجه، أما إذا روي من وجه واحد، فليس حينئذ يكون موصوفا بكونه أصال حسنا عند اإلمام الترمذي؛ ألنه اشترط في الحديث الحسن أن يكون مرويا من غير وجه، ومن هذا يجاب على من ذهب من أهل العلم على أن الحسن حيث يطلقه اإلمام الترمذي، على حديث

ان، بأنه حسن باعتبار اسناد، صحيح باعتبار إسناد آخر، نقول: أن هذا اإلسناد الذي هو له إسنادعند اإلمام الترمذي حسن، وهو ال يصف اإلسناد بأنه حسن، إنما يصف مجموع هذه األمور بأنها حسنة. فالحسن عند اإلمام الترمذي راجع إلى اجتماع هذه الروايات بعضها إلى بعض،

ية بعينها تستحق أن توصف عند اإلمام الترمذي بأنها حسنة؛ ألنه قال: إن وليست هناك رواالحسن عندي البد أن يكون مرويا من غير وجه، فال يكون الحديث عنده حسنا بمجرد رواية

بعينها، إنما الحسن صفة الجتماع هذه األمور بعضها إلى بعض، فإذا تأملنا كالم اإلمام الترمذي يتبين أننا إذا نظرنا إلى فصول كالمه المتعلقة بتعريف الحديث الحسن عنده، -عليه رحمة هللا-

سيتضح هذا اإلشكال ويتضح الجواب عنه؛ ألنه:

وصف الحديث الذي يكون عنده حسنا أن يكون راويه ليس متهما بالكذب. أوال :

، بحيث من هو الذي ال يتهم بالكذب؟ بطبيعة الحال هناك الضعفاء الذي لم يشتد ضعفهميبلغوا إلى حد أن يكونوا من المتهمين بالكذب، وهو الذي يكون ضعفه ناشئا عن سوء حفظه، وخفة ضبطه، وليس ناشئا عن دينه وعدالته، أو غفلته الشديدة، فكل من كان كذلك فهو من

.-رحمه هللا تعالى-الممكن أن يكون حديثه حسنا عند اإلمام الترمذي

أن يكون سالما من الشذوذ، وأن يكون مرويا نحوه من غير وجه، ثم وصف الحديث نفسه بقلنا: إن من يكون ضعفه خفيفا عند اإلمام الترمذي، وال يكون متهما بالكذب، يكون حينئذ

صالحا ؛ ألن يحسن حديثه عند اإلمام الترمذي.

لك، فيقول: لكن يرى اإلمام ابن رجب أن كالم الترمذي وصنيعه في كتاب الجامع أعم من ذإن قول الترمذي ال يكون في إسناده من يتهم بالكذب، ال يلزم منه أن يكون الراوي ضعفه ضعفا هينا ، بل قد يكون ثقة أو صدوقا لماذا؟ الثقة: هل هو متهم بالكذب أم ال؟ ليس متهما

هما بالكذب. الصدوق متهم بالكذب؟ ليس متهما بالكذب. والترمذي قال: " كل من ليس مت بالكذب، فهو عندي حديث حسن " بالشرائط المعتبرة.

Page 124: علوم الحديث   المستوى الثاني

إذن يدخل في ذلك من كان ثقة ، أو من كان صدوقا ، أو من كان ضعفه هينا ، ثم يكون مع ذلك الحديث سالما من الشذوذ، وأن يروى نحوه من غير وجه، الشذوذ شرحناه في لقاءات سابقة، أي

صلى هللا عليه -ثابتة المعروفة، والمحفوظة عن رسول هللا ال يكون مخالفا لألحاديث الصحيحة ال ، كما قال ابن رجب، وكذلك شيخ اإلسالم ابن تيمية.-وسلم

ثم يروى نحوه من غير وجه، كونه يروى من غير وجه البد أن تكون هذه األوجه التي روي كن أن تكون أم هي مم -صلى هللا عليه وآله وسلم-الحديث بمعناها مرفوعة إلى رسول هللا

موقوفة على الصحابة والتابعين؟ ذكرنا في لقاء سابق بأن الشواهد والمتابعات التي تنضم صلى هللا عليه -للرواية تقويها، وال يلزم أن تكون مرفوعة ، منسوبة ، ومضافة ، إلى رسول هللا

اإلمام بل قد تكون مع ذلك موقوفة على الصحابة، أو على التابعين، ونذكركم بصنيع -وسلمفي المرسل واالحتجاج به، فإنه لما ذهب ليحتج بالمرسل وضع لذلك -رحمه هللا تعالى-الشافعي

ضوابط وشرائط، من جملة ذلك: أنه ذكر أن الحديث المرسل الجامع للشرائط الصالحة لالحتجاج، إذا انضم إليه فتوى بعض الصحابة أو قول عامة أهل العلم، فإن ذلك يجعله حديثا

بوال محتجا به عند اإلمام الشافعي. وذكرنا أيضا من صنيع اإلمام أحمد ما يرشد إلى ذلك، لما مقسئل عن دية المعاهد، قال على النصف من دية المسلم، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، فقيل له: يا إمام أتحتج بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؟ قال: " ليس بكلها أحتج "،

قد أفتى به عثمان بن عفان، وقدماء فقهاء -يعني هذا الحديث أو هذا المعنى -هذا األمر ولكنأهل المدينة، فاإلمام أحمد قوى حديث عمرو بن شعيب مع أنه كان ال يحتج بعمرو بن شعيب، وكان يضعفه، وكان يقول فيه: " إنه منكر الحديث"، وكان يقول: ربما احتججنا به، وربما وجد

لب منه شيء، ما معنى احتججنا به؟ أي حيث ينضم إليه ما يؤكد حفظه للحديث، وعدم في القخطأه فيه، ويجد في قلبه، عندما يجده متفردا بحكم ال يتابعه عليه غيره، ربما احتججنا به،

وربما وجد في القلب منه شيء.

مرفوعات عن رسول فإذن هذه الموقوفات وتلك اآلثار المروية عن الصحابة أو التابعين أو ال كلها مما يتقوى بها الحديث، فيكون حجة حينئذ. -صلى هللا عليه وآله وسلم-هللا

فإذن لو أننا وجدنا حديثا يرويه ثقة ، وهذا حديث سالم من الشذوذ، وروي من غير وجه، هذا حديث صحيح أم ال؟ هو صحيح لتوفر شرائط الصحة فيه، ثم هو حسن، لماذا هو حسن؟ ألنه

حقق فيه شرائط الحسن التي ذكرها الترمذي؛ ألن الترمذي قال في شرائط الحسن: أن يكون تراويه ليس متهما بالكذب، والثقة، وأال يكون الحديث شاذا ، وهذا ليس شاذا ، وأن يروى نحوه

من غير وجه، وهذا قد روي نحوه، سواء في المرفوعات، أو الموقوفات، وذلك يجعله حسنا مع صحيحا ، فإذا ما وجدنا الترمذي مع ذلك يصف الحديث بأنه غريب فيقصد بالغرابة هنا، كونه

الغرابة النسبية، أي غريب من هذا الوجه، غريب بهذا اإلسناد، غريب بهذا اللفظ، كما وجدنا ذلك في حديث األعمال بالنيات.

تيمي، عن علقمة بن حديث األعمال بالنيات، يرويه يحيى األنصاري، عن محمد بن إبراهيم ال، ليس له في -صلى هللا عليه وآله وسلم-وقاص الليثي، عن عمر بن الخطاب، عن رسول هللا

الدنيا إسناد صحيح إال هذا، وجدنا الترمذي يصفه في كتابه الجامع بأنه حسن صحيح، وقال: ال و وصفه بالصحة؛ نعرفه إال من هذا الوجه، أي ال نعرفه صحيحا محفوظا إال من هذا الوجه، فه

ألنه تحققت فيه شرائط الصحة، بل هو في الصحيحين، بل مما تلقته األمة بالقبول. ووصفه بالحسن لماذا؟ ألن هناك أحاديث، بل في القرآن آيات، كل ما جاء فيه معنى اإلرادة، فهو يقصد

بول األعمال، به النية المذكورة في هذا الحديث، وهناك أحاديث كثيرة يتبين من مجموعها أن ق

Page 125: علوم الحديث   المستوى الثاني

أو عدم قبولها، إنما يتوقف على النية، فهذا المعنى معنى صحيح، بل هذا المعنى متلقى بالقبول عند العلماء، فصار هذا مما تلقاه الناس بالقبول، فصار حسنا من هذه الحيثية.

وآله صلى هللا عليه-ثم قال: ال نعرفه إال من هذا الوجه، أي ال نعرفه صحيحا عن رسول هللا إال في حديث عمر هذا، فهذه -صلى هللا عليه وآله وسلم-بلفظ صحيح عن رسول هللا -وسلم

عز -غرابة نسببية، أما المعنى الذي يتضمنه المتن فهو مروي، وله شواهد كثيرة في كتاب هللا رضي هللا عنهم-وفي كالم أهل العلم -صلى هللا عليه وآله وسلم-وفي سنة رسول هللا -وجل .-جميعا

وردتنا إجابات: كان السؤال األول: ما معنى مخرج الحديث، ومتى يكون معروفا ؟

وكانت اإلجابة: مخرج الحديث: أي إسناده من الرجال إلى قائله، ويكون معروفا ، عندما يكون له أصل معتبر، يعتد به في نسبته للقائل، ويوصف بأنه حديث معروف، أو محفوظ، وهو

لشاذ والمنكر، فإنهما ليس لهما مخرج معروف ضد الحديث ا

السؤال الثاني: هل الحديث الشاذ يصلح أن يتقوى بغيره ؟

وكانت اإلجابة: ال يصلح الشاذ أن يتقوى بغيره، وكما أن الشذوذ والعلة يشترط نفيهما في نفي الحديث الصحيح، فهما أيضا يشترط نفيهما في الحديث الحسن، فاإلمام الترمذي اشترط

الشذوذ والعلة، عن الرواية التي تدخل تحت باب الحسن، كما اشترط ذلك أيضا في الحديث المتابع له، كما في قوله نحو هذا الحديث، وقال اإلمام أحمد الحديث عن الضعفاء قد يحتاج إليه

في وقت، والمنكر أبدا منكرا .

وحديث حسن، فلماذا جمع اإلمام سؤال تقول: نجد في كتاب الترمذي أنه قال حديث ضعيف، الترمذي كل هذه األحاديث، وكتابه من الكتب التي يحتج بكل ما فيها من األحاديث أم ماذا؟

طبعا كتاب الترمذي ال يحتج بكل ما فيه، إنما الترمذي عمد إلى األحاديث التي احتج بها في هذا االحتجاج أو ليس بعض أهل العلم، احتج بها محتج من أئمة العلم سواء كان مصيبا

مصيبا ، فهو جمع تلك األحاديث كأدلة األحكام التي يحتج بها الفقهاء، وبطبيعة الحال بعضها ما هو صحيح، وبعضها ما هو حسن، وبعضها ما هو ضعيف، وبعضها ما هو ضعفه شديد، فهو

ويذكر ما فيها أراد أن يكون كتابه جامعا ألدلة أصحاب المذاهب المتبعة، فيذكر األحاديث،ويميز الصحيح منها من غير الصحيح؛ ليعرف ذلك، لكن ليس بالضرورة أن يكون كل ما ذكره صحيحا ؛ ألن هناك من أهل العلم من احتج بالضعيف، وهو أراد أن يكون كتابه جامعا ، فكتاب

أهل العلم الترمذي ال يمثل فيه اختيارات الترمذي، وإنما هو جامع يجمع فيها ما ذهب إليه بعضفي كل باب من أبواب أهل العلم، وليس بالضرورة أن يكون هذا الذي ذكره هو مذهب اإلمام

الترمذي، في هذا األمر، بخالف مثال أبي داود، فأبو داود: يخرج ما يريه هو أو يرجحه هو في ج في كل باب ما يرى كل باب من أبواب كتابه، وكذلك ما يفعله اإلمام البخاري مثال ، فهو يخر

رجحانه في ذلك الباب، وإذا كان المسألة فيها خالف، ولم يترجح لدى البخاري فيها قول، فإنه يعلق المسألة، فيترجم بما يفيد أن المسألة فيها خالف.

أن الترمذي ال يخرج كل ما يراه هو راجحا ، ولم يخرج كل ما رأى أن عالما من الشاهد: بواب العلم. وهللا أعلم.العلماء احتج به في أ

Page 126: علوم الحديث   المستوى الثاني

قول الترمذي في الحديث الحسن: ويروى من غير وجه، هل يقصد من غير وجه أي بنفس اللفظ، أو بنفس المعنى؟

اإلمام الترمذي لما يقول هذا حديث حسن، هل يقصد الحسن الذي هو في وهنا سؤال آخر:يقول في -عليه رحمة هللا-قسم االحتجاج، يكون فيه ضعف محتمل، وأن أبو عيسى الترمذي

بعض األحاديث هذا حديث حسن وإسناده ليس بقائم، وإسناده ليس بمتصل، إذا كان حسنا فلماذا أعلق؟

وهناك سؤال آخر: وجد في كالم أبو عيسى في بعض األحيان، يقول: هذا حديث حسن في أن الحسن -عليه رحمة هللا-صحيح، والذي قبله أصح منه، فهل هذا يؤيد رأي ابن كثير

الصحيح هو دون الصحيح الذي في الترمذي؟

سؤاله األول: كان يسأل عن قول الترمذي في الحسن ويروى من غير وجه، كان يسأل عن الوجه لفظه هل هو لفظا أم معنى ؟

عندما قال ويروى نحوه من غير وجه، لم يقصد أن -عليه رحمة هللا-طبعا اإلمام الترمذي ظه، وإنما يكتفى في ذلك بالمعنى؛ ألن هذا حكم متعلق بالمتن، فليس متعلقا يروى نحوه بلف

باإلسناد، وغرض هؤالء العلماء من النظر في المتون معرفة إن كانت هذه المتون المعاني التي تضمنتها معاني صحيحة مستقيمة محفوظة أم ال ؟ حتى يبنون على ذلك، إن كانت تصلح

لما تكلم عن المرسل ذكر -عليه رحمة هللا-حتجاج، واإلمام الشافعي لالحتجاج أم ال، تصلح لالما يدل على أنه ال يشترط أن يروى المرسل من رواية أخرى، أن تكون تلك الروايات باللفظ،

بل اكتفى أن تكون أيضا بالمعنى، فالمعنى يقع بين الروايات على سبيل االتفاق، وال يقع اختالف اظ هذا هي قوالب المعنى، فإذا كانت األلفاظ تؤدي إلى تغيير المعنى فحينئذ في المعنى، أما األلف

ال يتقوى بهذه الروايات، وال تنفع. أما إذا كانت األلفاظ غير مؤثرة في المعنى وغير خارجة له عن المعنى المقصود، فهذا هو موضع الشواهد، وينتفع العلماء بها.

وبطبيعة الحال ال يشترط في الموقوفات أن تكون بل كما قلت: إنهم يقوون بالموقوفات، باللفظ، بل غالبا ال تكون باللفظ، فإذا كانوا يتساهلون في هذا، ويكتفون في الموقوفات في أن تدل على المعنى الذي دل عليه الحديث المرفوع، فكيف يشترط في الحديث المرفوع نفسه أن

يكون بلفظ الرواية التي نسعى إلى تقويتها؟.

الحديث الحسن الذي يذكره اإلمام الترمذي، هل يقصد الترمذي أنه حجة عنده أم ليس بحجة؟ من صنيعه، ومن أقواله، أن -عليهم رحمة هللا-الذي يدل عليه صنيع الترمذي، وما فهمه العلماء

هذه األحاديث التي يصفها بالحسن هي داخلة في نطاق الحجة، وكما قلنا في لقاءات سابقة، ة مراتب ودرجات، فليس معنى أننا نقول هو حجة، أنه في أعلى درجات الحجة، بل قد الحج

يكون دون ذلك، فكل ما يصلح أن يحتج به عند العلماء فيصح من هذه الحيثية، أن يوصف بكونه حسنا ، الشتماله على األوصاف التي ذكرها اإلمام الترمذي.

بأنه يصف بعض األحاديث بأنه حسن أخونا يذكر من بعض المواضع في كتاب الترمذي صحيح، ثم يذكر رواية أخرى للحديث، ويقول هذا أصح، كأني رأيت في بعض المواضع مثل هذا، ولكن إذا تأملت ستجد أن األمر ال يخرج عما قلناه؛ ألننا قلنا: إن الصحة هذا هو الحكم

، وكونه له من الشواهد ما على الحديث، فالحسن راجع إلى المتن، وكونه مرويا من أوجه كثيرة

Page 127: علوم الحديث   المستوى الثاني

يؤيد صحة المعنى، وأن هذا المعنى مستقيم؛ فلهذا وصفه بالحسن؛ ألنه قال: وأن يروى نحوه من غير وجه، فهذا ال يؤيد أيضا صنيع اإلمام ابن كثير؛ ألننا قلنا: إن الجمع بين الوصف

فالراوي الثقة بالصحة والحسن، وصف صحيح، أو جمع صحيح، إذا حملناه على هذا النحو، حديثه صحيح أم ال ؟ حديثه صحيح. لماذا؟ نحن وصفناه بالحسن، لماذا الترمذي وصفه

بالحسن؟ وصفه لكونه مرويا من غير وجه، فلن تجد حديثا غريبا ليس له روايات أخرى، ثم لم ه حسن؛ يقل به أحد من أهل العلم، ال من الصحابة، وال من التابعين، لم تجد الترمذي يصفه بأن

ألن الحسن راجع إلى قضية متعلقة بالمعنى الذي تضمنه الحديث، وقد يكون ترجيح اإلمام الترمذي بقوله هذا أصح، أي من حيث إسناد الرواية عن هذا الصحابي، أصح من الرواية عن

هذا الصحابي، أو الرواية عن هذا التابعي، أصح من الرواية عن هذا التابعي، أو الرواية دية على هذا النحو، أصح من الرواية اإلسنادية من هذا النحو، كأن يكون الخالف وقع في اإلسنا

الحديث من حيث اإلسناد، بما ال يؤثر في المتن، لكن المتن نفسه اشترك في الروايتين، الرواية األولى والرواية الثانية، فوصفها بالحسن؛ لهذا األمر، فالصحة راجعة إلى ثبوت الحديث،

ن من كون الحديث مرويا من غير وجه، وهللا أعلم.والحس

أسئلة المحاضرة:

اذكر خالصة الحكم في ما سكت عنه أبو داود؟ السؤال األول:

ما معنى قول اإلمام الترمذي حسن صحيح؟ السؤال الثاني:

Page 128: علوم الحديث   المستوى الثاني

الدرس التاسع: الحديث الضعيف

من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إن الحمد هلل تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باهللمن يهده هللا فال مضل له، ومن يضلل فال هادي له، وأشهد أال إله إال هللا وحده، ال شريك له،

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. وبعد:

انتهينا بحمد هللا تعالى في اللقاء الماضي من النوع الثاني من أنواع علوم الحديث، وهو: لحديث الصحيح والحسن كالهما يمثالن نوع المقبول في أنواع علوم الحديث، الحديث الحسن. وا

فالحديث المقبول: إما أن يكون صحيحا ، وإما أن يكون حسنا .

أخذ في ذكر بقية األنواع التي هي أنواع -رحمه هللا تعالى-ثم بعد ذلك، الحافظ ابن كثير من قسم المقبول، وإال فاألنواع اآلتية من علوم الحديث، فابتدأ بأنواع هي من شأنها أن تكون

أنواع علوم الحديث: منها ما يندرج تحت المقبول، ومنها ما يندرج تحت المردود، ولكنه آثر أن يذكر أوال : الضعيف، وهو أشهر أنواع المردود؛ ليقابل بينه وبين الصحيح والحسن اللذان هما

من أنواع الحديث المقبول.

الثالث من أنواع علوم الحديث: وهو الحديث الضعيف:فنبدأ سويا النوع

النوع الثالث: الحديث الضعيف

النوع الثالث: الحديث الضعيف: قال: وهو ما لم يجتمع فيه ) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف صفات الصحيح، وال صفات الحسن المذكورة فيما تقدم.

ن صفات الصحة، أو أكثر، أو جميعها.ثم تكلم عن تعداده، وتنوعه، باعتبار فقده واحدة م

فينقسم جنسه إلى: الموضوع، والمقلوب، والشاذ، والمعلل، والمضطرب، والمرسل، (والمنقطع، والمعضل، وغير ذللك.

الحديث الضعيف بأنه: ما لم تجتمع فيه صفات -رحمه هللا تعالى-عرف الحافظ ابن كثير فنا صفات الحديث الصحيح، والحسن، الحديث الصحيح، وال صفات الحديث الحسن. عر

فالصحيح هو: المسند المتصل بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ أو علة. والحسن منه الحسن لذاته والحسن لغيره، فالحسن لذاته قريب من الصحيح، فهو يجتمع مع

يث الحسن ضبطه الصحيح في سائر الشرائط سوى شرط واحد وهو الضبط، فدرجة راوي الحدأخف نسبيا من راوي الحديث الصحيح. ثم يأتي بعد ذلك نوع الحسن لغيره، فالحافظ ابن كثير

تبعا البن الصالح يذكر أن الحديث الضعيف: هو الذي اختل فيه شرط أو أكثر من تلك الشرائط التي ذكرت في الصحيح أو ذكرت في الحسن.

ى هذا التعريف بأنه كان بإمكانه أن يذكر أن الحديث عل -رحمهم هللا تعالى-اعترض العلماء الضعيف: هو ما لم تجتمع فيه شرائط الحديث الحسن فقط؛ ألن الحديث إذا لم تتحقق فيه شرائط

الحديث الحسن أو بعضه، فبالضرورة لم يتحقق في الحديث شرائط الحديث الصحيح؛ ألن ألخف، فبالضرورة يكون الشرط األقوى الصحيح شرطه أشد من شرط الحسن، فإذا فقد الشرط ا

واألشد مفقود، وهذا مراعاة لما يراعيه العلماء في الحدود والتعاريف في أن تكون موجزة جامعة مانعة، ولو عبر بالمقبول لكان أولى، كأن يقول: الحديث الضعيف: هو الحديث الذي لم

Page 129: علوم الحديث   المستوى الثاني

و أدنى درجات القبول، كل ذلك تجتمع فيه شرائط القبول سواء كان في أعلى درجات القبول، أ سائغ وجائز.

ثم إذا نظرنا إلى هذه الشرائط المذكورة في الصحيح، أو في الحسن، لوجدنا هذه الشرائط أو بعضه، فقد في الحديث فكان الحديث حينئذ ضعيف، يتولد عن ذلك أنواع من أنواع علوم

الحديث، وهي التي تندرج تحت قسم المردود.

بتنوع العلة، أو الموجب الذي أوجب تضعيف الحديث، وجعله من قسم فالمردود يتنوع المردود.

نحن قلنا: إن المردود ما فقد فيه شرط من شرائط الصحة أو الحسن، ونحن عرفنا أن الشرائط بعضها راجع إلى الراوي نفسه بأن يكون عدال ضابطا ، وبعضها راجع إلى االتصال،

ن من قسم الضعيف المردود، وبعضها راجع إلى السالمة من فالحديث إذا لم يكن متصال كاالشذوذ والعلة، فالحديث إذا وقع فيه شذوذ أو علة كان حينئذ من قسم المردود. وعلى هذا يتنوع الضعيف إلى أنواع كثيرة، بعض هذه األنواع متعلق بحال الراوي، وبعض هذه األنواع متعلق

لك الشرط في الحديث، وبعض هذه األنواع متعلق بكون باتصال اإلسناد، أي حيث لم يتحقق ذ الحديث وقع فيه شذوذ أو علة.

فمثال حينما يفقد شرط االتصال في الحديث:

يتولد عن ذلك: أن يكون الحديث مثال من قسم المرسل، أو من نوع المرسل؛ ألن المرسل - تعالى .نوع من أنواع الحديث غير متصل السند، وستأتي صفته إن شاء هللا

يتولد عن ذلك أيض ا: من األنواع التي ليست متصلة: المنقطع، فالمنقطع صورة من صور -عدم اتصال اإلسناد. والمعضل أيضا صورة من صور عدم اتصال اإلسناد. وهناك المعلق.

وهناك المدلس. وهناك المرسل الخفي. فكل هذه صور متنوعة لعدم اتصال اإلسناد.

اإلسناد يتولد عنه صور متعددة، هذه الصور كلها تندرج في عدم االتصال، إذن عدم اتصال وفي كون اإلسناد غير متصل.

الشذوذ والعلة ذكرنا في لقاء سابق أن الشذوذ والعلة إنما هما سبيالن يعرف منهما الخطأ -في حيث وقع في الرواية من قبل بعض الثقات، فالثقة إذا ما أخطأ يستدل على كونه أخطأ

اإلسناد أو في المتن بما يسمى عند العلماء بالشذوذ أو بالعلة، فصار الشذوذ والعلة طريقين من الطرق التي يعرف العلماء من خاللهما أن الحديث قد وقع فيه خطأ من قبل بعض الرواة، فإذا

وقع في الحديث شذوذ أو علة كان الحديث حينئذ من قسم المردود.

سمى عندهم بالمقلوب، فالمقلوب نوع من أنواع األخطاء التي تقع في يتولد من ذلك: ما ي - الرويات من قبل بعض الرواة.

يتولد من ذلك: المدرج، فالمدرج نوع من أنواع األخطاء التي تقع في الرواية من قبل - بعض الرواة.

بكون يتولد من ذلك: التصحيف والتحريف، التصحيف والتحريف: سببان يؤديان إلى الحكم - الرواية وقع فيها خلل في إسنادها أو في متنها.

Page 130: علوم الحديث   المستوى الثاني

الرواية بالمعنى: سبب يؤدي إلى وقوع الراوي في الخطأ في الرواية في إسنادها أو في - متنها.

االضطراب: وسيلة يستدل بها العلماء على كون هذه الرواية وقع فيها خطأ من قبل بعض - الرواة في اإلسناد أو في المتن.

تحقق سالمة الحديث من الشذوذ والعلة، قد يتولد عنه أنواع كثيرة من أنواع الحديث إذن عدمالمردود، وهذه األنواع هناك ما يربط بعضها ببعض، وليست هي منعزلة عن بعضه، كما يتوهم

فرقوا بين هذه األنواع، -عليهم رحمة هللا تعالى-البعض اغترار، من كون علماء الحديث منها بابا مستقل، فهم وإن جعلوا لكل نوع من تلك األنواع بابا مستقل، إال أنهم فجعلوا لكل نوع

يفهمون ويدركون أن بين هذه األنواع عالقات تربط بعضها ببعض.

فمثال عدم اتصال اإلسناد: يتولد عنه األنواع التي سميناه، وهذه األنواع التي سميناها بينها -خر، ويفصله عنه، فهناك جوانب مشتركة بين هذه األنواع عالقات، كل نوع له ما يربطه باآل

بعضها ببعض.

فمثال المرسل سيتبين لنا من خالل كالمنا فيه أنه ما يرويه التابعي مرفوعا إلى رسول هللا -. هذا في أشهر معانيه، أي أن السقط الذي وقع في المرسل هو في -صلى هللا عليه وآله وسلم-

الصحابي، أو في موضع من فوق التابعي، حيث يضيف التابعي الخبر هذا الموضع، في موضع .-صلى هللا عليه وآله وسلم-إلى رسول هللا

االنقطاع: هو في موضع آخر من اإلسناد، لكن هذا سقط، وهذا سقط، وإنما السقط األول - في أعلى اإلسناد، واآلخر في أثناء اإلسناد.

ر من رجل في موضع واحد من اإلسناد، سيشترك مع المعضل: سيتبين لنا أنه سقوط أكث -المرسل والمنقطع في أصل السقط، ولكن يختلف في عدده، المنقطع يختلف عن المرسل في

المكان الذي وقع فيه ذلك السقط.

بطبيعة الحال تنويع هذه األنواع، وتعديد هذه األنواع، يستفيد به المحدثون؛ لمعرفة درجة كل عف؛ ألن الضعف درجات، كما أن الصحة درجات، هناك الضعيف نوع من أنواع الض

والضعيف جد، هناك الضعيف الذي يصلح لالعتبار ولالستشهاد واالستئناس به، وهناك الضعيف الذي يهدر وال يعرج عليه وال يلتفت إليه.

إذن تنويع علماء الحديث لهذه األنواع مفيد، وسيتبين لنا وجه ذلك في كل نوع من تلك نواع، نجد مثال التدليس اإلرسال الخفي، التدليس: أن يعمد الراوي إلى رواية الحديث عن األ

شيخ هو لم يسمع الحديث من ذلك الشيخ، إنما سمعه من واسطة أو من رجل آخر عن ذلك الشيخ، فأدى ذلك إلى أن الحديث وقع فيه سقط، وقع فيه عدم ذكر بعض رواته، فهذه صورة من

؛ ألن المنقطع هو الذي لم يذكر من أثناء إسناده أحد الرواه، ولكن عرفنا ذلك عن صور االنقطاعطريق خفية، وهي التي تسمى بالتدليس، فأدركنا االنقطاع الذي حصل في اإلسناد عن معرفتنا بمذهب هذا الراوي، أو من عادته في الروايات، بأنه يستعمل أحيانا التدليس؛ إلحداث السقط في

اإلسناد.

Page 131: علوم الحديث   المستوى الثاني

فنحن لما عرفنا عادة هذا الراوي، وعرفنا أنه يتعاطى هذا التدليس، أدركنا أنه إذا روى بصيغة محتملة للسماع، ليست صريحة في السماع، أنه ربما يكون قد أسقط راويا من الوسط،

فيكون الحديث حينئذ منقطع، فاستطعنا بذلك أن نفهم العالقة بين المنقطع وبين التدليس.

س: وسيلة وقوع االنقطاع، أي وسيلة من الوسائل التي يحدث بها االنقطاع في فالتدلي - اإلسناد.

وكذلك اإلرسال الخفي: أن يكون الرجل عاصر شيخه، ولكنه لم يسمع منه، فإذا ما روى - عنه، يكون هناك عدم اتصال؛ ألن هناك واسطة بينه وبين شيخه.

ولكنه لم يلتق به، لم يسمع منه حديثا نعم هو عاش في زمانه، عاصره بطبيعة الحال،مباشرة، وإنما أخذ بواسطة عنه، ثم أسقط تلك الواسطة، وارتقى بالحديث إلى ذلك الشيخ الذي

قد عاصره، حينئذ وقع في اإلسناد انقطاع، أليس كذلك؟

ولم لكن نستدل على ذلك االنقطاع بمعرفتنا بالتواريخ، وبأن هذا الراوي لم يلتق بهذا الشيخ،يسمع منه، مع أنه قد عاصره، وعاش معه في زمن واحد، فبمعرفتنا بتاريخ الرواة، ومعرفتنا بكون هذا الراوي إلتقى بهذا الشيخ، أو لم يلتق به، سمع منه، أو لم يسمع منه، عرفنا أن هناك

صار سقطا وقع في اإلسناد، الذي رواه عن الشيخ الذي عاصره ولم يسمع منه، ولم يلتق به، فاإلرسال الخفي من هذه الحيثية، وسيلة أو دليال يستدل به علماء الحديث؛ لمعرفة كون اإلسناد قد

وقع فيه انقطاع.

إذن بمعرفتنا بتاريخ الرواة، ومعرفتنا بهذه األنواع يعيننا على معرفة االنقطاع، ومن هنا س واالنقطاع.ندرك العالقة بين المرسل الخفي واالنقطاع، والعالقة بين التدلي

فلو فرضنا أن المدلس أسقط بينه وبين من روى عنه رجلين، يصير حديثه مدلسا ، ومن جهة أخرى يسمى أيضا معضال . أو الذي أرسل إرساال خفيا أسقط بينه وبين من روى عنه رجلين،

فيكون حينئذ من قبيل المعضل، كما أنه من قبيل المرسل الخفي.

األبواب التي كلها تندرج تحت باب العلة، أو الخطأ في الروايات من أيضا حينما نأتي إلىقبل الرواة، فمثال عندنا الشاذ، عندنا المعلول، عندنا المضطرب، عندنا المقلوب، عندنا المدرج،

إلى غير ذلك...، هذه األنواع هناك ما يربط بعضها ببعض.

دلون على كون الراوي أخطأ فيما روى يست -عليهم رحمة هللا تبارك تعالى-فعلماء الحديث بطريقين:

الطريق األول: التفرد الذي ال يحتمل. -

الطريق األخرى: االختالف بين الرواة -

فإذا تفرد الراوي برواية لم يحتمل من مثله أن يأتي بمثلها، وانضمت إلى روايته قرائن على غير الصواب، فإنهم ترجح لدى الناقدين أن هذا خطأ، وأن هذا الراوي أتى بالحديث

يحكمون على الحديث حينئذ بكونه خطأ، وهذا ما يسمى بالشذوذ عندهم، وهو التفرد الذي ال يحتمل.

Page 132: علوم الحديث   المستوى الثاني

قد يكون الراوي ممن يحتمل تفرده، لكن ال يحتمل منه اختالفه، فإذا خالف األكثر عددا ، أو بخالفه للناس -بخالفه لآلخرين- األقوى حفظا ، وأكثر معرفة باألسانيد والمتون، فحينئذ نستدل

على أنه أخطأ فيما روى.

فإذن العلماء يستدلون على خطأ الراوي في روايته: إما بالتفرد الذي ال يحتمل من مثله، أو باالختالف بينه وبين سائر الرواة الثقات الحفاظ.

ئا بشيء، هذه هي فإذا ما أخطأ هو: إما أن يزيد في الرواية، أو ينقص منها، وإما أن يبدل شيالصور المحتملة لخطأ الراوي إذا ما أخطأ، أي روى الرواية على غير وجهها، على غير الوجه

الذي تحمله بها.

فإما أنه سمع الحديث عن راو معين مثال فأبدله براو آخر، سمع الحديث بكالم معين فأبدل - وهو الذي يسمى عند المحدثين بالقلب. كلمة بكلمة، أبدل جملة بجملة، فهذا يسمى إبدال، تغيير،

وهو أن يقلب الراوي بعض من جاء في اإلسناد، أو بعض ما جاء في المتن، فالحديث مثال -فهو يرويه عن سالم عن ابن عمر -رضي هللا تعالى عنهما-معروف عن نافع عن ابن عمر

-على الصواب-من أن يرويه فهذا قلب، ماذا فعل هذا الراوي؟ إنه بدال -رضي هللا تعالى عنهمارضي هللا -إذا به يرويه عن سالم عن ابن عمر -رضي هللا تعالى عنهما-عن نافع عن ابن عمر

نافع وسالم كالهما ثقة ، لكن الحديث حديث من منهما؟ هل هو حديث نافع أم -تعالى عنهماينما هو مروي من ب -رضي هللا تعالى عنهما-حديث سالم؟ فإذا رواه عن سالم عن ابن عمر

نقول: قد أخطأ ذلك الراوي في إسناد ذلك -رضي هللا تعالى عنهما-حديث نافع عن ابن عمر الحديث، حيث قلب راويا براو، والقلب: هو اإلبدال، أو فعل ذلك في المتن، أو قدم وأخر، كما

ومنهم رجل في حديث أبي هريرة في السبعة الذين يظلهم هللا في ظله يوم ال ظل إال ظله،تصدق بصدقة حتى ال تعلم شماله ما تنفق يمينه، فقال بعض الرواة: حتى ال تعلم يمينه ما تنفق

شماله، فهذا قلب في المتن.

إذن عرفنا ذلك القلب عن طريق االختالف بين الرواة، فلوال أن هناك من الحفاظ الثقات من عرفنا الخطأ الذي وقع فيه ذلك روى الحديث على الصواب من غير خطأ في الرواية، لما

الراوي، فإننا استدللنا على خطأه لما وجدنا غيره من الثقات ممن هم أحفظ منه، أو أكثر عدد منه، يروون الحديث على الوجه الصواب، فظهر من مقارنة رواية هذا برواية الصواب، أن بين

بة المصيب.الروايات اختالف، فباالختالف استدللنا على خطأ المخطيء وإصا

كذلك اإلدراج: اإلدراج نستدل عليه بكون الراوي خالف غيره، حيث جعل بعض الكالم -من غير أن يميز -صلى هللا عليه وآله وسلم-الذي هو من كالم الرواة منسوبا إلى رسول هللا

ابي بكالم غيره، فهذا اسمه إدراج، وهو أن يروي الصح -صلى هللا عليه وآله وسلم-كالم النبي ثم يقول بعد ذلك كالما من قبل نفسه، شرحا -صلى هللا عليه وآله وسلم-الحديث عن رسول هللا

لبعض مفردات الحديث، أو تفريعا على الحديث، ويذكر حكما فقهيا مبنيا على ذلك الحديث؛ ألن . -رحمهم هللا تعالى ورضي عنهم-هؤالء الصحابة كانوا فقهاء، علماء

لك من التابعي نفسه، يعني الراوي سواء كان صحابيا أو تابعيا ، روى حديثا عن أو قد يقع ذ، ثم بعد أن رواه استنبط منه حكما فقهي، أو شرح بعض -صلى هللا عليه وآله وسلم-رسول هللا

، وقال ذلك بعقب روايته -صلى هللا عليه وآله وسلم-مفردات الحديث، أو بعض كالم النبي رض أن الراوي حينما يروي ذلك عن هذا الصحابي، أو ذاك التابعي، أن يميز للحديث، فالمفت

فيقول: عن فالن قال رسول -بكالم الراوي-بكالم غيره -صلى هللا عليه وآله وسلم-كالم النبي

Page 133: علوم الحديث   المستوى الثاني

صلى -: كذا وكذ، وقال فالن: كذا وكذ، فيميز بين ما قاله النبي -صلى هللا عليه وآله وسلم-هللا -وبين ما قاله غيره من رواة الحديث، بعض الرواة أخط، فأدمج كالم -آله وسلمهللا عليه و، استدللنا على ذلك -صلى هللا عليه وآله وسلم-الصحابي أو التابعي بكالم النبي -الراوي

بالخالف بين الرواة، وعلى هذا فقس.

قد يكون اعتمد التصحيف والتحريف: سببان يؤديان إلى وقوع الخطأ في الرواية. الراوي -على كتاب غير مصحح، غير مقابل، غير منقح، فيقع فيه من التصحيف والتحريف ما شاء هللا عز وجل، فحينما يروي يقع في الخط، فيكون التصحيف والتحريف حينئذ سببا في وقوع العلة

في الحديث، في وقوع الخطأ في الحديث.

عضها بعض، ويرجح بعضها بعض، ويفسر إذن هذه األنواع كلها من هذه الحيثية يكمل ببعضها بعضا ؛ ولهذا يصح أن تصف الحديث الواحد حيث يقع فيه خطأ من قبل بعض الرواة

بأكثر من وصف من تلك األوصاف، فتقول مثال : هذا حديث شاذ مقلوب، أو معلول مقلوب، هذا ما قلت يكمل بعضها وصف صحيح، وهذه األنواع تجتمع وال تتباعد، أي وال تتنافر، بل هي ك

بعض، فالحديث مثال إذا استدللنا على وقوع القلب فيه عن طريق االختالف بين الرواة، كما -فالحديث من هذه الحيثية يكون معلوال ؛ ألن العلة يستدل عليها باالختالف الواقع بين الرواة

ل هذا الحديث وقع ، ومن جهة أخرى يصح أن تصفه أيضا بكونه مقلوبا يعني كأنك تقو-سيأتيفيه خط، استدللنا على ذلك الخطأ بالخالف بين الرواة، فصار الحديث من هذه الحيثية معلوال ؛

ألن العلة تدرك باختالف الرواة، فيقدم رواية األقوى على األدنى، قوة األحفظ على األدنى قلب في الرويات؛ حفظ، وكان الخطأ الذي وقع فيه ذلك الراوي في هذه الرواية هو من قبيل ال

ألنه أبدل شيئا بشيء في إسناد الرواية، أو في متنه، فمن هذه الحيثية نطلق على الحديث وصف المقلوب؛ فلهذا يصح أن تصف الحديث حينئذ بكونه مقلوب، وبكونه أيضا معلوال .

م كذلك الحديث الشاذ: بعض أهل العلم يسأل عن حديث فيقول: هذا حديث شاذ، ويأتي إما -آخر يسأل عن الحديث نفسه فيقول: هذا حديث مدرج، و يسأل إماما عن الحديث فيقول: هذا حديث معلول، واآلخر يقول: هذا حديث مقلوب، فيبتادر إلى بعض بسطاء العلم بأن هناك

اختالف بين أهل العلم في وصف علة هذا الحديث، أو في الحكم على ذلك الحديث، وليس هناك يصب في معنى واحد، غاية ما هنالك أن -رحمهم هللا تعالى-مرة، بل كالم األئمة أي اختالف بال

هناك من األئمة من ذكر كون الرواية خط، وهناك من بين وجه ذلك الخط، فمن قال: إن الحديث شاذ، أو قال: إنه معلول، أشار بعبارته تلك: أن الحديث وقع فيه خط، ولم يبين في

وقع فيه الراوي فقط، هو بين أن الخطأ وقع في الرواية، فقال: هو شاذ عبارته نوع الخطأ الذي أو معلول، بينما الذي قال: مدرج أو مقلوب، أفاد فائدة زائدة حيث بين لنا نوع الخطأ الذي وقع

فيه ذلك الراوي، وهو أنه أخطأ حيث قلب شيئا بشيء في اإلسناد، أو في المتن، أخطأ حيث ، فالذي قال: هذا شاذ أو معلول فقط، -صلى هللا عليه وآله وسلم-كالم النبي أدرج كالم الراوي ب

اكتفى بأن أشار إلى أن الحديث وقع فيه خط، لكن لم يذكر لنا نوع ذلك الخط، فإذن الذي قال: هو مقلوب، أو قال: هو مدرج، أفاد فائدة زائدة حيث بين لنا صورة هذا الخط، ونوع ذلك الخطأ

ه ذلك الراوي في هذا الحديث.الذي وقع في

ومن هنا نستطيع أن نتفهم كثيرا من أقوال أهل العلم التي ربما يستعصي فهمها على بعض الطلبة المبتدئين، فيظن أن اختالفا وقع بين أهل العلم، وليس ثمة اختالف، بل كالم األئمة يشرح

بعضه بعضا ويوضح بعضه بعضا .

النوع الرابع: الحديث المسند

Page 134: علوم الحديث   المستوى الثاني

النوع الرابع. المسند: قال الحاكم: "هو ما اتصل إسناده : )-رحمه هللا تعالى-قال المصنف ". وقال الخطيب: "هو ما اتصل إلى منتهاه". وحكى -صلى هللا عليه وآله وسلم-إلى رسول هللا

، سواء كان متصال أو -صلى هللا عليه وآله وسلم-ابن عبد البر: أنه المروي عن رسول هللا (نقطعا فهذه أقوال ثالثة.م

النوع الرابع من أنواع علوم الحديث: وهو ما يسمى عندهم بالمسند، والمسند في تعريفه ثالثة أقوال عند أهل العلم:

التعريف األول: وهو تعريف اإلمام الحاكم النيسابوري في كتابه علوم الحديث، وهو الذي -، فقال: "هو ما اتصل إسناده إلى رسول - تعالىرحمه هللا-اختاره الحافظ ابن حجر العسقالني

-أمران-". فاشترط لوصف الحديث لكونه مسندا أن يتحقق فيه -صلى هللا عليه وآله وسلم-هللا وصفان:

الوصف األول: أن يكون إسناده متصال . -

أي مرفوعا . -صلى هللا عليه وسلم-الوصف اآلخر: أن يكون مضافا إلى رسول هللا -

ن المسند عند الحاكم النيسابوري: "هو المتصل المرفوع" بأن يتحقق هذين الوصفان فيه، إذصلى هللا عليه -، ووصف الرفع واإلضافة إلى النبي -أي إسناده يكون متصال -وصف االتصال

.-وآله وسلم

الحافظ ابن حجر عرفه بقوله: "مرفوع صحابي بسند ظاهره االتصال"، وهذا كمثل قول ، لكنه أفاد بقوله: بسند ظاهره االتصال، ولم يكن بسند -رحمه هللا تعالى-النيسابوري الحافظ

متصل جزما ؛ ألنه وجد في كالم أهل العلم، ووجد في الكتب التي اشترط أصحابها أن يخرجوا المسانيد من األحاديث، كاإلمام أحمد في مسنده، وجد أنهم يخرجون الحديث الذي يقع فيه

يث الظهور، وليس من حيث التحقق.االتصال من ح

: هو أن يروي الراوي -كما سيأتي إن شاء هللا تعالى-فالمرسل الخفي مثال : المرسل الخفي عمن عاصره، وهو لم يسمع منه. فهذا ليس اسنادا متصال ؛ ألن المعاصرة لن تستلزم اللقاء وال

تلق بهم، فليست المعاصرة السماع، عاش في زمنه ونحن عشنا في زمن مشايخ كثيرين ولم نوحدها كافية في الحكم باتصال اإلسناد، بل البد من المعاصرة، مع العلم بالسماع، ال سيما إذا

كنا نعلم أن هذا الراوي رغم أنه عاصر شيخه لم يسمع منه، ولم يلتق به، وكان هذا أمرا اإلرسال الخفي، لكن يدخله معروفا معلوما لدى أهل العلم، فنقول هذا ليس متصال ، هو من باب

فيه.-على سبيل المجاز-العلماء

عن مثل هذه الروايات: هل تدخل في -رحمه هللا تعالى-كما سئل اإلمام أبو حاتم الرازي المسند؟ قال تدخل في المسند على المجاز. أي من باب التوسع؛ ألنه عاصر شيخه، نعم نحن

إذا أردت أن تؤلف كتابا في المسند فتتسامح في ذلك، نعلم أنه لم يسمع منه ولم يلتق به، لكن فتدخل مثل هذه الروايات.

لكن إذا أردت أن تحكم على كل رواية من تلك الروايات، فليس لك إال أن تحكم بأنها غير متصلة، لكن من حيث التصميم يجوز لك أن تدخلها في كتاب وسمته بالمسند، إذا كنت تشترط

المسانيد، أو الرويات المسندة، وهذا أمر سائغ، ووجد في صنيع أهل فيه أن تخرج الروايات

Page 135: علوم الحديث   المستوى الثاني

العلم، مع جزمهم أنفسهم بأن هؤالء الرواة لم يسمعوا من هؤالء المشايخ الذين روو عنهم عن طريق اإلرسال الخفي، ولكنه أمر من حيث التصنيف يجوز.

ن اشترط شرطا واحدا من التعريف الثاني: هناك من أهل العلم وهو الخطيب البغدادي م --هذين الشرطين، وهو االتصال، ولم يشترط كون الحديث مرفوعا ، ومضافا إلى رسول هللا

فاكتفى في إطالق لفظ المسند على ما كان إسناده متصال إلى ما أضيف -صلى هللا عليه وسلم أحد سواه. ، أو أضيف إلى-صلى هللا عليه وآله وسلم-إليه، سواء أضيف إلى رسول هللا

التعريف الثالث: وهناك من أهل العلم، وهو اإلمام ابن عبد البر من اشترط في المسند أن -، اتصل إسناده أو لم يتصل، فاإلسناد -صلى هللا عليه وآله وسلم-يكون مضافا إلى رسول هللا

كون حينئذ يصح أن ي -صلى هللا عليه وآله وسلم-الذي لم يتصل إسناده مضافا إلى رسول هللا ، ومع أن هذا هو -رحمه هللا تعالى-من قبيل المسند، في عرف واصطالح اإلمام ابن عبد البر

المذهب الذي ذهب إليه من ذهب من أهل العلم أن المرسل الخفي يدخل في المسند بهذا االعتبار حيثية غير ، ولو كان إسناده من هذه ال-صلى هللا عليه وآله وسلم-من حيث إضافته إلى النبي

متصل.

نحن عرفنا الخالف في هذا الباب، وكما أشار اإلمام ابن كثير قال: فهذه ثالثة أقوال، ولم يرجح قوال على آخر.

لماذا لم يرجح اإلمام ابن كثير في هذا الباب؟ ذكر األقوال الثالثة من غير ترجيح، ومن قبله الباب ليس من باب خالف التضاد الذي ؛ ألن هذا -رحمه هللا تعالى-فعل اإلمام ابن الصالح

يوجب الترجيح، وإنما هو من خالف التنوع، االختالف في استعمال المصطلح.

فبعض أهل العلم يستعمله على معنى، وبعض أهل العلم يستعمله على معنى آخر، والبعض . اآلخر يستعمله على معنى آخر، وهكذا، فهذا من باب التنوع في استعمال ذلك المصطلح

ماذا نستفيد من هذا التنوع؟ نستفيد من هذا التنوع: أننا إذا وجدنا إماما من أئمة العلم استعمل المسند على معنى من هذه المعاني ال يعاب عليه؛ ألنه استعمل المصطلح على معنى معروف منصوص عليه، فإذا قلت: هذا حديث مسند فتقصد كونه مرفوعا ، حتى وإن كان اإلسناد غير

تصل، فهذا استعمال صحيح من حيث االستعمال، ال يعاب عليك، ومن عاب عليك هو الذي م يعاب عليه؛ لقول العلماء ال مشاحة في االصطالح.

صلى -من عمد إلى إسناد متصل فوصفه بكونه مسندا ، وإن لم يكن مرفوعا مضافا إلى النبي حيح؛ ألنه موجود عند أهل العلم؛ ولهذا هذا أيضا أمر سائغ، واستعمال ص -هللا عليه وآله وسلم

إذا وجدت إماما من أئمة العلم يحكم على حديث بأنه مسند فال تبادر فتقول: إذن هو حكم باالتصال، أو هو حكم بكونه مرفوعا ، ال تبادر إلى ذلك إال بعد أن تتدبر كالمه، وتتذوق

المسند، هل يطلقه على اصطالحه، وتعرف قصده، فتفهم على أي معنى يطلق ذلك العالم المرفوع المتصل، أم على المرفوع، وإن لم يكن متصال ، أم على المتصل، وإن لم يكن مرفوعا .

فإذا انصرف لفظ المسند حيث أطلق عند علماء الحديث ال يدل على معنى االتصال والرفع وتأمله، فتعرف جزما ، وإنما يستدل على ذلك بمعرفتك بمذهب ذلك العالم، أو بتتبع كالمه،

المعنى الذي أراده من إطالق ذلك المصطلح.

النوع الخامس: الحديث المتصل

Page 136: علوم الحديث   المستوى الثاني

النوع الخامس: المتصل: ويقال له: الموصول أيض ا، وهو :)-رحمه هللا تعالى-قال المصنف ، والموقوف -صلى هللا عليه وآله وسلم-ينفي اإلرسال واالنقطاع، ويشمل المرفوع إلى النبي

(بي أو من دونه. على الصحا

رحمه هللا -الحديث المتصل: ويسمى أيضا بالموصول، ووجد في استعمال اإلمام الشافعي أنه استعمله بلفظ المؤتصل، كل ذلك جائز، وكل ذلك مستعمل عند أهل العلم. -تعالى

وإذا كان الحديث متصال فال يكون قد وقع فيه سقط من إرسال أو انقطاع أو إعضال؛ فلهذا ل: وهو ينفي اإلرسال واالنقطاع.قا

: هو أن يكون كل راو قد -رحمه هللا تعالى-واالتصال تعريفه الذي ذكره الخطيب البغدادي سمع الحديث ممن روى عنه، وذكرنا في لقاء سابق، وإن كان متصال ، إال أنه ليس شامال لكل

ديثهم عنهم متصل؛ ألن صور االتصال؛ ألن هناك رواة لم يسمعوا من المشايخ، ومع ذلك حالسماع طريقة من طرق التحمل عند علماء الحديث، وليس هي الطريق الواحدة، ليس السماع

في -سيأتي ذكرها إن شاء هللا-هو الطريق الوحيدة في تحمل الحديث، بل هناك طرق ثمانية الشيخ يملي موضعها، منها العرض: وهو الذي يسمى بالمقابلة، السماع: أن تسمع لفظ الشيخ، ف

وأنت تسمع؛ فلهذا أنت سمعت منه، أليس كذلك؟ لكن العرض عكس ذلك، أنت الذي تقر، والشيخ يقر قراءتك، تمسك بالكتاب بين يدي الشيخ، وتقرأ ما في الكتاب، والشيخ يقر لك

القراءة، ويصحح لك القراءة، هل أنت سمعت لفظ الشيخ؟ أنت لم تسمع لفظ الشيخ، إنما تحملت ن طريق العرض، كما يعرض القاريء للقرآن على الشيخ الذي يقرئه القرآن، فمن الذي عنه ع

يقرأ الشيخ أم القاريء؟ القاريء هو الذي يقرأ والشيخ يقر له قراءته.

إذن هذا الذي تحمل عن طريق العرض، أو عن طريق القراءة، هل سمع لفظ الشيخ؟ لم فظه، وعبارته. ومع ذلك فهذه الطريقة حجة عند يسمع لفظ الشيخ، إنما الشيخ هو الذي سمع ل

أهل العلم، وهي يحكم باتصالها، وهي من أقوى طرق التحمل، من أهل العلم من يقدمها على السماع، ومنهم من يجعلها بمنزلة السماع كالبخاري وغيره. والراجح عند أهل العلم من أن

تحمل عن طريق العرض إذا ما روى القراءة والسماع سواء من حيث الحكم والمنزلة، فالذي عن شيخه يكون حديثه متصال أم ال؟ متصل. ومع ذلك هو لم يسمع من الشيخ، ومع هذا كان ينبغي أن يعبر عن االتصال بأن يقال فيه أن يكون كل راو من رواة اإلسناد قد تحمل الحديث

لطرق التي هي عند أهل عن شيخه بطريق من الطرق المعتبرة، سواء كان سماعا أو غيره من ا العلم، تعتبر متصلة ويحكم باتصالها.

-أي من دون الموقوف-يقول سواء كان ذلك في المرفوع، أو في الموقوف، أو في المقطوع وهو ما يضاف إلى غير الصحابي، وما يضاف إلى التابعي فمن بعده، وهو يسمى عنده

بالمقطوع، وهو بخالف المنقطع اآلتي.

صلى هللا عليه -حديث بكونه متصل، ال يشترط أن يكون مضافا إلى النبي يعني وصفك للوهو متصل، وقد يكون -صلى هللا عليه وآله وسلم-، قد يكون مضافا إلى النبي -وآله وسلم

أي اتصل اإلسناد إلى من انتهى إليه الخبر من -مضافا إلى الصحابي، وهو أيضا متصل ، قد يكون اإلسناد متصال إلى التابعي، فتقول: هذا إسناد -ه وسلمصحابة النبي صلى هللا عليه وآل

متصل إلى الحسن البصري، متصل إلى سعيد بن المسيب، ونحو ذلك، فكل ذلك وصفوه بكونه متصال .

Page 137: علوم الحديث   المستوى الثاني

لكن بعض أهل العلم قال: يجوز لك أن تجمع في الوصف بين الوصل والرفع، تقول: هذا : هذا موصول موقوف، لكن إذا أردت أن تجمع بين موصول مرفوع، والوصل والوقف، تقول

الوصل والقطع فال تفعل؛ ألن القطع بمعناه اللغوي يتنافى مع الوصل، فذهب أهل العلم أنه حينئذ ال تستعمل لفظ المقطوع، حتى ال تقع في الوهم أو توقع في اإليهام، وإنما تقول مثال : هذا

لى سعيد بن المسيب، هذا متصل إلى محمد بن موصول إلى الحسن البصري، هذا موصول إشهاب الزهري وهكذا، وال تقول هذا موصول مقطوع لما بين الوصل والقطع من تعارض

وتناف.

النوع السادس: الحديث المرفوع

صلى -النوع السادس: المرفوع: هو ما أضيف إلى النبي ) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف أو فعال عنه، وسواء كان متصال أو منقطعا أو مرسل، ونفى الخطيب قوال -هللا عليه وآله وسلم

(. -صلى هللا عليه وآله وسلم-أن يكون مرسل، فقال: هو ما أخبر فيه الصحابي عن رسول هللا

من قول، أو فعل، أو -صلى هللا عليه وآله وسلم-الحديث المرفوع: هو ما أضيف إلى النبي صلى -فعل، أو قيل لحضرته -صلى هللا عليه وآله وسلم-ة النبي تقرير، بمعنى إذا سئل بحضر

ذلك -صلى هللا عليه وآله وسلم-قول من قبل بعض أصحابه، ولم ينكر النبي -هللا عليه وسلملهذا الفعل، -صلى هللا عليه وآله وسلم-الفعل، أو ذاك القول، فهذا يعتبر إقرارا من رسول هللا

، وبعضهم أدخل ما له تعليق بوصف النبي وذاك القول، فهو يعد من صلى هللا -المرفوع أيض صلى هللا عليه وآله -سواء الخلقي أو الخلقي؛ ألن ذلك كله يضاف إلى النبي -عليه وآله وسلم

، كل ذلك داخل في المرفوع.-وسلم

م والعلماء الذين اشترطوا في تصنيفهم أن يخرجوا المرفوعات، أدخلوا كل ذلك، فاإلماالبخاري، واإلمام مسلم في الصحيحين، عندما يخرجان األحاديث المرفوعة المضافة إلى رسول

مما هو -صلى هللا عليه وسلم-، أدخلوا كل ما كان قوال للنبي -صلى هللا عليه وآله وسلم-هللا -صلى هللا عليه وآله وسلم-صحيح عندهم بطبيعة الحال، أدخلوا كل صحيح عندهم عن النبي

واء كان قوال أو فعال أو تقريرا أو وصفا خلقيا أو خلقي، فكل ذلك داخل في المرفوع.س

يقول: إن الخطيب البغدادي لم يدخل فيه المرسل، فقال: هو ما أخبر فيه الصحابي عن رسول .-صلى هللا عليه وآله وسلم-هللا

إذن ما أخبر فيه -له وسلمصلى هللا عليه وآ-معنى أنه أخبر فيه الصحابي عن رسول هللا ، ال يكون حينئذ مرفوعا في نظر الحافظ -صلى هللا عليه وآله وسلم-التابعي عن رسول هللا

الخطيب. والواقع أن الخطيب ال يخالف في ذلك، وليس له اصطالح خاص، وإنما وصف ذلك لى هللا عليه ص-على سبيل التغليب؛ ألن أغلب األحاديث المرفوعة المضافة إلى رسول هللا

صلى هللا -إنما تقع من قبل الصحابة، الصحابي هو الذي يضيف ذلك غالبا إلى رسول هللا -وسلم، -صلى هللا عليه وآله وسلم-، وإن كان يقع المرسل مضافا إلى رسول هللا -عليه وآله وسلم

، وهذا وإن إنما هو تابعي وليس صحابي -صلى هللا عليه وآله وسلم-والذي أضافه إلى النبي صلى هللا -كان يقع إال أن ذلك نادر بالنسبة للمرفوعات المضافة من قبل الصحابة إلى رسول هللا

.-عليه وآله وسلم

ثم إن عامة المحدثين يغلب على استعمالهم في المرسل أال يصفونه بالرفع، فال يقولون مثال : مرسل في االصطالح تتضمن هذا مرسل مرفوع. إنما المرسل يقولون: هذا مرسل. وكلمة

-الرفع، فأنت إذا سمعت المحدث يقول: هذا مرسل. فأنت تفهم تلقائيا أنه مضاف إلى رسول هللا

Page 138: علوم الحديث   المستوى الثاني

؛ ألن الخطيب نفسه وغيره من العلماء، عرفوا المرسل: بأنه الذي -صلى هللا عليه وآله وسلمخطيب البغدادي أن هذا هو ، وذكر ال-صلى هللا عليه وآله وسلم-أضافه التابعي إلى رسول هللا

األكثر في االستعمال، يعني أكثر ما يستعمل المرسل فيما نسبه أو أضافه التابعي إلى رسول هللا ، وإن كان المرسل يستعمل بكثرة أيضا في كل ما لم يتصل بحال من -صلى هللا عليه وآله وسلم-

ما قال الخطيب البغدادي، أو األحوال، سواء في وسط اإلسناد، أو في نهاية اإلسناد، ولكن ك .-صلى هللا عليه وآله وسلم-أغلب استعمال الخطيب للمرسل فيما أضافه التابعي إلى رسول هللا

فإذا ما قال: هذا مرسل فأنت تلقائيا تفهم أنه مرفوع، وال تحتاج إلى أن يوصف بكونه أم ال؟ بل مجرد -سلمصلى هللا عليه وآله و-مرفوعا لتتحقق، هل هو مضاف إلى رسول هللا

-وصف المحدث للحديث بأنه مرسل، فأنت تفهم بالضرورة أنه يقصد المرسل إلى رسول هللا ، أما إذا كان يقصد أنه مرسل في موضع آخر من اإلسناد، فغالبا ما -صلى هللا عليه وآله وسلم

ل: هذا مرسل، فالن لم يبينون ذلك، أو يكون الحال مبينا لذلك؛ ألنه يتكلم مثال عن إسناد، ويقويسمع من فالن، فتفهم أنه يقصد باإلرسال هنا االنقطاع، وكما سيأتي أن اإلرسال واالنقطاع

يستعمالن كثيرا كل منهما في موضع اآلخر.

النوع السابع: الموقوف

النوع السابع: الموقوف. ومطلقه يختص بالصحابي، وال : )-رحمه هللا تعالى-قال المصنف (ي من دونه إال مقيدا . وقد يكون إسناده متصال وغير متصل.يستعمل ف

صلى -: هو المضاف إلى رسول هللا -كما عرفنا-الموقوف يختلف عن المرفوع، فالمرفوع رضي هللا -، أما الموقوف: فهو المضاف إلى واحد من الصحابة الكرام -هللا عليه وآله وسلم

صحابة قوال أو فعل، فذلك يعد من الموقوف، ، فإذا أضيف إلى صحابي من ال-عنهم أجمعين -صلى هللا عليه وآله وسلم-أما إذا كان الحديث مضافا إلى رسول هللا -نقول فيه: إنه موقوف.

كأن الراوي جاء عند الصحابي وأوقف الحديث، ولم يرتق به، ولم يتجاوز به -فذلك المرفوع، فجاء عند الصحابي ووقف، -عليه وآله وسلمصلى هللا -الصحابي، ولم يرتق به إلى رسول هللا

فلذلك سمي موقوف، سواء كان اإلسناد متصل، أو غير متصل؛ ألن الرفع والوقف، إنما هما وصفان للمتن ال لإلسناد.

صلى هللا عليه -هذا الفعل، هذا القول، هذا الوصف، إلى من أضيف؟ فإن أضيف إلى النبي لى الصحابي فذلك الموقوف. أما االتصال واالنقطاع فهو فذلك مرفوع. أو أضيف إ -وآله وسلم

من مباحث األسانيد، فال يؤثر في هذا الوصف الذي أضيف إلى من أضيف إليه.

. -رضي هللا عنهم وأرضاهم-فالموقوف: هو المضاف والمنسوب إلى أحد الصحابة الكرام سواء كان هذا الحديث متصال أو غير متصل.

وهو الذي يسميه كثير من الفقهاء والمحدثين أيضا : أثرا . : )- تعالىرحمه هللا-قال المصنف وعزاه ابن الصالح إلى الخراسانيين: أنهم يسمون الموقوف أثرا .

صلى هللا عليه -قال: وبلغنا عن أبي القاسم الفوراني أنه قال: الخبر ما كان عن رسول هللا ، األثر: ما كان عن الصحابي.-وآله وسلم

( ككتابي بالسنن واآلثارومن هذا يسمي كثير من العلماء الكتاب الجامع لهذا وهذا ) قلت: (( للطحاوي، والبيهقي وغيرهما. وهللا أعلم.السنن واآلثار)

Page 139: علوم الحديث   المستوى الثاني

بعد أن انتهى من تعريف الحديث الموقوف، ذكر أنه يعبر عنه بألفاظ أخرى، وبأسماء الصحابة الكرام، هو الذي يعبر عنه أخرى، فذكر أن ذلك الموقوف، أي المضاف إلى أحد

العلماء بقولهم: أثر.

صلى هللا -فاألثر في استعمال العلماء المحدثين والفقهاء: هو المضاف إلى من دون النبي صلى هللا -، سواء كان هذا صحابي، أو تابعي، فكل ما أضيف إلى غير النبي -عليه وآله وسلم يسمى أثرا . -ى هللا عليه وآله وسلمصل-ممن جاء بعد النبي -عليه وآله وسلم

كمعرفة -أي في تسمية بعض المصنفات الحديثية والفقهية-ومن ذلك ما وجد في المصنفات السنن واآلثار للبيهقي.

ويقصد بالسنن: أي المرفوعات المضافة إلى رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم. -

بة أو التابعين.ويقصد باآلثار: ما أضيف إلى غيره من الصحا -

.-صلى هللا عليه وآله وسلم-فمن هذا نأخذ أن اآلثار هي المضافة إلى غير رسول هللا

ونأخذ أيضا من تسمية اإلمام البيهقي لكتابه ذلك: بأن السنن تطلق على المرفوعات، ومعرفة لسن أي سنة السنن واآلثار، فإذا وجدت في كالم أهل العلم مثل هذا التعبير فاعلم أنه يقصد با

.-صلى هللا عليه وسلم-المضافة إليه -صلى هللا عليه وآله وسلم-النبي

فإذن تكون حينئذ كلمة سنة بمعنى مرفوع، وهو الذي يعبر عنه بكلمة حديث، فتقول: ، واآلثار: -صلى هللا عليه وآله وسلم-األحاديث واآلثار، فاألحاديث: هي المضافة إلى رسول هللا

غيره، ممن جاء بعده من الصحابة أو التابعين.المضافة إلى

، وإن كان لفظ -رحمهم هللا تعالى ورضي عنهم-كل ذلك مستعمل في عبارات أهل العلم الحديث أحيانا يستعمل على أكثر من ذلك، أو على معنى أوسع، ذكرنا في لقاء سابق أن

هم مثال : عندي لهذا المتن عشرة المحدثين يستعملون الحديث على اإلسناد نفسه، فيقول الواحد منأحاديث، أو كما قال شعبة: عندي أربعة عشر حديثا عن المغيرة بن شعبة في المسح على -الخفين، فالحديث واحد والمتن واحد، ويقصد باألحاديث هنا: األسانيد، وكما قال البخاري

الصحيح مائتي ألف : " أحفظ من الصحيح مائة ألف حديث صحيح، ومن غير -رحمه هللا تعالىحديث غير صحيح" ، فسره العلماء بأنه يقصد األسانيد المتعددة للمتن الواحد، وإال لو جمعت األحاديث الصحيحة، والضعيفة، والموضوعة، وما ال أصل له، بل واآلثار، ال تبلغ هذا العدد،

الموضوع، وهذا الجامع الكبير للسيوطي على توسعه في الجمع، جمع الصحيح، والضعيف، ووما ال أصل له، والباطل، والمنكر، وفيه المكرر الكثير، وجمع الموقوفات، سواء عن الصحابة، أو عن التابعين، وكتابه لم يبلغ عدد الروايات التي فيه خمسين ألف، بل هي ستة وأربعين ألف

ول البخاري تقريب، فهذا رغم كثرته في الجمع، وتوسعه في الجمع، لم يبلغ هذا العدد، فكيف يق وحده: إنه يحفظ من الصحيح فقط مائة ألف حديث، ومن غير الصحيح مائتي ألف حديث؟!

فالعلماء قالوا: إنما قصد البخاري بالحديث ها هنا اإلسناد، فالمتن الواحد إذا كان مرفوعا أو وإنما موقوفا أو مقطوع، إذا روي بأكثر من إسناد، فكل إسناد من تلك األسانيد يسمى حديث،

يعرف ذلك من خالل السياق.

Page 140: علوم الحديث   المستوى الثاني

لفظ السنة وإن أطلقه بعض أهل العلم على الحديث، أو على المرفوع، أو على ما أضيف إلى ، إال أن بعض أهل العلم يقول: إن هذا االستعمال من باب -صلى هللا عليه وآله وسلم-النبي

س هو المرفوع نفسه، التوسع في االصطالح، وإال فأصل السنة ليست هي الحديث نفسه، ولي وإنما السنة: ما دل عليه المرفوع، ما دل عليه الحديث.

أنه كان يرفع يديه في -صلى هللا عليه وآله وسلم-بمعنى عندنا مثال حديث عن رسول هللا بأنه كان يرفع -صلى هللا عليه وآله وسلم-الصالة، فهذا نسميه حديث الصحابي يحكي فعل النبي

-هذا حديث مرفوع أم ال؟ هذا مرفوع، يسمى مرفوعا ؛ ألنه مضاف إلى النبي يديه في الصالة،من فعله، لكن نسميه سنة؟ إن سميته سنة، فتقصد بالسنة هنا الحديث، -صلى هللا عليه وآله وسلم

لكن بعض أهل العلم يقول: ال.. لن أسميه سنة، إنما السنة: هي رفع اليدين، فتقول: من السنة فهذا -صلى هللا عليه وآله وسلم-الصالة، أما لفظ الحديث المروي عن رسول هللا رفع اليدين في

نسميه حديث، ونسميه متن، ونسميه مرفوع، أما إذا أردنا السنة، فنقول: السنة ما دل عليه ذلك الحديث، من سنية هذا الفعل، وطبعا هذا اختالف غير مؤثر في المسألة، ولكن أردت أن أذكره

على تبصرة منه.حتى تكون

هناك أيضا من المصطلحات التي توجد في استعمال أهل العلم: مصطلح الخبر. عرفنا األثر: من الصحابة أو التابعين، وعرفنا -صلى هللا عليه وآله وسلم-هو ما أضيف إلى غير النبي

الحديث، فما هو الخبر؟

أو عن - عليه وآله وسلمصلى هللا-الخبر: كل ما يروى من الرويات، سواء عن رسول هللا فيسمى خبرا ؛ -صلى هللا عليه وآله وسلم-غيره من الرواة. فإذا أضيف الخبر إلى رسول هللا

ألنه شيء أخبر به، أخبر راو من الرواة، نقله ناقل، وإذا أضيف إلى الصحابي، فهذا أيضا خبر، لناس من الروايات، واألخبار، يسمى وإذا أضيف إلى التابعي، فذلك أيضا خبر، فكل ما يتناقله ا

في عرف المحدثين خبرا .

وإن كان المحدثين لكثرة اشتغالهم بالحديث المرفوع كثيرا ما يطلقون الخبر على إرادة .-صلى هللا عليه وآله وسلم-الحديث المضاف إلى رسول هللا

واإلسرائيليات: هي هناك أيضا من المصطلحات اإلسرائيليات، يوجد هذا في كتب أهل العلم،عليه الصالة -ما أضيفت إلى بني إسرائيل، سواء عن أفواههم، أو عن كتبهم، والرسول

(، فهذه اإلسرائيليات: هي التي حدثوا عن بني إسرائيل وال حرجصح عنه أنه قال: ) -والسالمي، وكان أضيفت إلى الكتب القديمة، أو إلى بني إسرائيل، وهناك من الصحابة من كان إسرائيل

يهودي، ثم أسلم، فحدثوا ببعض ما عندهم من العلم، وكان الصحابة يتسامحون في نقل ذلك، إذا لم يكن معارضا لما في شريعة اإلسالم، وهذا سيأتي الكالم عليه إن شاء هللا تعالى في موضعه.

النوع الثامن: المقطوع

وهو الموقوف على التابعين قوال النوع الثامن: المقطوع: ) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف وفعل، وهو غير المنقطع.

وقد وقع في عبارة الشافعي والطبراني إطالق المقطوع على منقطع اإلسناد غير الموصول ).

)

Page 141: علوم الحديث   المستوى الثاني

)

المقطوع: هو ما أضيف إلى ما دون الصحابي.

الموقوف: ما أضيف إلى الصحابي.

.-وآله وسلم صلى هللا عليه-المرفوع: ما أضيف إلى النبي

المقطوع: ما أضيف إلى التابعي فمن بعده، ويسمى كما يسمى الموقوف: أثرا . فاألثر يشمل الموقوف والمقطوع.

يقول اإلمام ابن كثير: هناك من أهل العلم من استعمل المقطوع، أو عبر عن المقطوع بلفظ أحد التابعين، ال يقصد أن المنقطع. فقال: هذا حديث منقطع، يقصد كونه مقطوع، أي مضافا إلى

إسناده لم يتصل، وهذا ما يتوسع فيه االصطالح؛ ألن المقطوع والمنقطع كالهما من حيث اللغة بمعنى واحد.

وهناك من عكس األمر، فوجد في كالم بعض أهل العلم من استعمل المقطوع بمعنى انقطاع، وهذا إنما يعرف المنقطع، فيقول: هذا إسناد مقطوع، أي لم يتصل إسناده، أي وقع فيه

المعنى، أو المراد منه من خالل تتبع الرواية، أو سياق الكالم، فنفهم مراد العالم في كل موضع من المواضع.

وقد تكلم الشيخ أبو عمرو على قول الصحابي: "كنا نفعل" : )-رحمه هللا تعالى-قال المصنف فهو من قبيل الموقوف. - عليه وآله وسلمصلى هللا-أو "نقول كذا " إن لم يضفه إلى زمان النبي

فقال أبو بكر البرقاني عن شيخه أبي -صلى هللا عليه وآله وسلم-وإن أضافه إلى زمان النبي بكر اإلسماعيلي: إنه من قبيل الموقوف، وحكم الحاكم النيسابوري برفعه؛ ألنه يدل على

(التقرير، ورجحه ابن الصالح.

ها هنا نقال عن ابن الصالح في مسألة المرفوع حكم، ما هو المرفوع يتكلم الحافظ ابن كثير حكما ؟ حديث من حيث اللفظ موقوف، إذا نظرنا إلى الرواية نظرة مجردة عن أي اعتبارات أخرى: فهي موقوفة مضافة إلى الصحابي. الصحابي قال قوال من قبل نفسه، ولم يضفه إلى

، فمن هذه الحيثية إذا راعينا اللفظ فقط، فالرواية موقوفة، -مصلى هللا عليه وآله وسل-رسول هللا أن هناك من الموقوفات ما انضمت إليها معان -رحمهم هللا تعالى-ومع ذلك يرى أهل العلم

تلك القرائن سواء كانت قرائن حالية أو لفظية، تدل على أن هذا -أي قرائن معينة-معينة ا إلى الصحابي، إال أنه من حيث الحكم: هو كالمرفوع الحديث، وإن كان من حيث اللفظ مضاف

سواء بسواء؛ ألنه مما ال يقوله الصحابي إال عن طريق الخبر.

البد للصحابي لكي يقول هذه األمور أن يكون قد سمعها ممن أخبره بها، سواء كان ذلك -إنما هو رسول هللا أو غيره، فإذا تحققنا أن المخبر بها -صلى هللا عليه وآله وسلم-رسول هللا

يكون حينئذ كالمرفوع سواء بسواء، أما إذا اعترانا الشك هل -صلى هللا عليه وآله وسلمأو عن غيره؟ كأن يكون مثال أخذها -صلى هللا عليه وآله وسلم-الصحابي أخذها عن رسول هللا

Page 142: علوم الحديث   المستوى الثاني

أهل الكتاب، عن أهل الكتاب، لما علم من أن الصحابة أو بعض الصحابة كانوا يأخذون عن فحينئذ ال تعطى حكم الرفع.

من ذلك: أن يأتي الصحابي فيقول: "كنا نفعل كذا "، أو "كنا نقول كذا معشر الصحابة" يأتي بعض الصحابة فيقول: كنا نفعل كذا وكذ، فيذكر فعال ، أو كنا نقول كذا وكذا ويذكر قوال .

هنا مالحظة في بعض النسخ -ه وسلمصلى هللا عليه وآل-يقول: إن لم يضفه إلى زمان النبي صلى هللا عليه وآله -عندكم سقط في عبارة اإلمام ابن كثير فعندكم: إن لم يضفه إلى زمان النبي

فقال أبو بكر البرقاني. هناك سقط نحو سطرين البد منهما لكي يستقيم الكالم، فيصححان -وسلمفهو -صلى هللا عليه وآله وسلم-سول هللا ر( يزاد هنا )إن لم يضفه إلى زمان على هذا النحو: )

( تزاد هذه العبارة -صلى هللا عليه وآله وسلم-من قبيل الموقوف، وإن أضافه إلى زمان النبي حتى يستقيم المعنى.

(. يعني فهو من قبيل الموقوف -صلى هللا عليه وآله وسلم-إن لم يضفه إلى زمان رسول هللا )ا، أو كنا نفعل كذا، ولم يقل إن ذلك القول أو الفعل كان في حياة إذا قال الصحابي: كنا نقول كذ

فهذا موقوف؛ ألنه من الممكن أن يكونوا يقولون: هذا القول، -صلى هللا عليه وآله وسلم-النبي -، أما إذا أضافه إلى زمان النبي -صلى هللا عليه وآله وسلم-أو يفعلون هذا الفعل بعد وفاة النبي

فيأتي الخالف الذي بعده. -وآله وسلمصلى هللا عليه

(. كأن يقول كنا نفعل في حياة -صلى هللا عليه وآله وسلم-وإن أضافه إلى زمان النبي فقال: )أو كنا نقول في -صلى هللا عليه وآله وسلم-، أو في زمن النبي -صلى هللا عليه وآله وسلم-النبي

ل على ذلك، كما قال بعض الصحابة: "كنا ، أو ما يد-صلى هللا عليه وآله وسلم-زمن النبي أم بعد وفاة النبي -صلى هللا عليه وآله وسلم-نعزل والقرآن ينزل"، والقرآن ينزل في حياة النبي

. -صلى هللا عليه وآله وسلم-؟ أي في حياة النبي -صلى هللا عليه وآله وسلم-

كانوا يعزلون -أجمعين رضي هللا عنهم -استدل الصحابي على جواز العزل بأن الصحابة فيه. -صلى هللا عليه وآله وسلم-عن نسائهم في الوقت الذي كان ينزل القرآن على رسول هللا

صلى هللا -كأنه يقول لو كان ممنوع، أو لو كان غير مشروع لنزل تحريم ذلك على رسول هللا ، مع كونه -وسلمصلى هللا عليه -، فاستدل بسكوت القرآن، وسكوت الرسول -عليه وآله وسلم

أمرا معروفا بين الصحابة، استدلوا بذلك على -صلى هللا عليه وآله وسلم-كان في حياة النبي عنه، وإن أضافه إلى زمان -صلى هللا عليه وآله وسلم-جوازه، إذ لو كان ممنوعا لنهاهم النبي

يخه أبو بكر اإلسماعيلي: فقال اإلمام أبو بكر البرقاني عن ش -صلى هللا عليه وآله وسلم-النبي إنه من قبيل الموقوف، يعني رأى أن ذلك من قبيل الموقوف، رغم كونه مضافا إلى زمان النبي

فهذا قول ضعيف. -صلى هللا عليه وآله وسلم-

يقول: وحكم الحاكم النيسابوري برفعه. أي أن حكمه حكم الحديث المرفوع، وعمل كما لو من حيث االحتجاج. -هللا عليه وآله وسلمصلى -أنه حديث عن رسول هللا

(؛ ألنه وحكم الحاكم النيسابوري برفعه؛ ألنه يدل على التقرير، ورجحه اإلمام ابن الصالح)يفعلونه في حياة -رضي هللا عنهم أجمعين -إذا كان هذا القول، أو ذاك الفعل، كان الصحابة

ال ينكر ذلك، فهذا يفيد التقرير، -عليه وسلمصلى هللا -، والنبي -صلى هللا عليه وآله وسلم-النبي صلى هللا -أقرهم على ذلك، إذ لو كان منهيا عنه لنهاهم النبي -صلى هللا عليه وآله وسلم-النبي

كان ال يسكت عن خطأ يقع في زمانه، أو -صلى هللا عليه وسلم-؛ ألن الرسول -عليه وآله وسلم في حياته، إال ويبين للناس أمر دينهم.

Page 143: علوم الحديث   المستوى الثاني

قال: ومن هذا القبيل قول الصحابي: " كنا ال نرى بأسا : )-رحمه هللا تعالى-قال المصنف -صلى هللا عليه وآله وسلم-بكذا"، أو "كانوا يفعلون أو يقولون" أو "يقال كذا في عهد رسول هللا

(": إنه من قبيل المرفوع .

صلى هللا عليه وآله -نبي كل ذلك تفريع على الصورة السابقة، ما دام أنه كان في عهد ال وصرح الصحابي بذلك، فحينئذ له حكم الرفع. -وسلم

وقول الصحابي " أمرنا بكذا " أو "نهينا عن كذا ": : )-رحمه هللا تعالى-قال المصنف مرفوع مسند عند أصحاب الحديث. وهو قول أكثر أهل العلم. وخالف في ذلك فريق، منهم أبو

(بكر اإلسماعيلي.

من قبيل المرفوع حكما ، أن يأتي الصحابي فيقول: "أمرنا بكذا " أو "نهينا عن كذا هذا أيضا ، فإذا قال الصحابي: " -صلى هللا عليه وآله وسلم-"؛ ألن اآلمر والناهي لهم من هو؟ رسول هللا

ي أو " نهينا " فيقصد ويعني: نهي النب -صلى هللا عليه وآله وسلم-أمرنا "، فهو يقصد أمر النبي هذا في قول جمهور أهل العلم، ومن خالف ذلك، فهو خالف -صلى هللا عليه وآله وسلم-

ضعيف.

وبعض أهل العلم فرق بين أن يقول ذلك أحد من كبار الصحابة، أو من صغارهم، فإن كان صلى -من كبار الصحابة، فهو مرفوع يقينا ؛ ألنه مثال أبو بكر، أو عمر، من سيأمرهم؟ النبي

أما إن كان من صغار الصحابة كابن عمر، وابن عباس، وغيرهم، فبعض -يه وآله وسلمهللا علأهل العلم قال: ال يعطى حكم الرفع؛ الحتمال أن يقصد باألمر والنهي: أي أمر الخلفاء، ولكن

هذا قول ضعيف.

ر أموكذا الكالم على قوله: "من السنة كذا " وقول أنس: )) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف ((. بالل أن يشفع األذان ويوتر اإلقامة

-طبعا قول أنس: أمر بالل بكذا، فهذا مرفوع ال خالف فيه؛ ألن بالال إنما كان يؤذن للنبي ، فإذا جاء أنه أمر بكذا، أو نهي عن كذا، يعني أمر بالل، أو نهي بالل، -صلى هللا عليه وسلم

، وإن لم -صلى هللا عليه وآله وسلم-سول هللا فنفهم ضرورة أن اآلمر له، والناهي إنما هو ر يصرح بذكره.

ثم قول الصحابي "من السنة كذا " نجد كثيرا في الروايات أن الصحابي يقول: "من السنة كذا وكذا " فيذكر أمورا معينة، أو أحكاما معينة، جمهور أهل العلم على أن قول الصحابي "من

ألن السنة حيث أطلقها الصحابي فإنما يقصد سنة رسول هللا السنة كذا " هو في حكم المرفوع؛ و، هذا الذي يتبادر إلى الذهن، وهذا الذي وجد في اصطالحهم، -صلى هللا عليه وآله وسلم-

واستعمالهم، فالصحابي ال يقول سنة، ويقصد مثال سنة أبي بكر، وال سنة عمر، وهذا وإن وجد اعدة العامة، وهو أيضا ما يظهر من سياق الكالم، ما يدل في مواضع، لكنها قليلة ال تقدح في الق

، لكن في األعم -صلى هللا عليه وآله وسلم-على أن السنة ها هن، ليست المضافة إلى رسول هللا ؛ ألن هذا -صلى هللا عليه وآله وسلم-األغلب إذا ما أطلق الصحابي السنة، ويقصد سنة النبي

صلى هللا عليه -إنما كان يقصد به فقط، سنة رسول هللا -مانأعني السنة في هذا الز-المصطلح .-وآله وسلم

لكن ماذا إذا قال التابعي من السنة؟ كذا الصحابي إذا قال: من السنة كذا؟ فنحن نفهم أنه ، لكن إذا ما جاء التابعي، فقال: من -صلى هللا عليه وآله وسلم-يقصد بالسنة سنة رسول هللا

Page 144: علوم الحديث   المستوى الثاني

م؟ هل يعامل معاملة المرفوع أم ال؟ التابعي سعيد بن المسيب مثل، الزهري السنة كذا فما الحكمثل، الحسن البصري مثل، كل هؤالء من التابعين، إذا جاء الواحد منهم، فقال: من السنة كذا،

صلى -فأوال : البد أن ينظر هل السنة في عرف التابعين كانت ال تطلق إال على سنة رسول هللا أم ال؟ الواقع: أن كلمة السنة في عرف التابعين، وقع فيها توسع، فصار -وسلمهللا عليه وآله

، وأحيانا -صلى هللا عليه وآله وسلم-التابعون، يطلقون السنة بطبيعة الحال على سنة رسول هللا يطلقون السنة على سنة الخلفاء، أو سنة ابي بكر وعمر، فكل ذلك يسمى عندهم سنة، من باب

(.عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين : )-لى هللا عليه وآله وسلمص-قول النبي

رضي هللا -فمصطلح السنة صار في عرف التابعين أوسع منه في عرف الصحابة الكرام ؛ فألجل هذا كان قول التابعي من السنة كذا أمرا محتمال هل يقصد سنة رسول -عنهم أجمعين

أم يقصد سنة الخلفاء، أو سنة أبي بكر وعمر؟. -وسلمصلى هللا عليه وآله -هللا

فلما كان مصطلح السنة في هذا الزمان محتمال لألمرين، لم يكن قول التابعين من السنة كذ، داال على الرفع، أو صريحا في الرفع؛ لما يعتريه من ذلك االحتمال.

خذا باألحوط؛ ألنه يحتمل أن فإذا لم يكن كذلك فماذا نسميه؟ هل نعامله معاملة الموقوف؟ أ-يكون قاصدا بالسنة سنة الخلفاء، أو سنة الصحابة، أو سنة أبو بكر وعمر، أو سنة رسول هللا

.-صلى هللا عليه وآله وسلم

فاألحوط أن نضيفه إلى من نتيقن أنه من الممكن أن يضاف إليه، ال نستطيع أن نجزم بأنه ، لكن من الممكن أن نقول: الشك أن إرادته -وآله وسلمصلى هللا عليه -يقصد سنة رسول هللا

لسنة الخلفاء أو سنة الصحابة، هذا داخل في قوله من السنة؛ فألجل هذا من الممكن أن تصفه بأنه موقوف بأنه من الموقوف.

: حكى خالفا في هذه المسألة، فذكر أن بعض أهل -رحمه هللا تعالى-الواقع أن اإلمام النووي له من الموقوف، ذكره من الموقوف بناء على ما ذكرنا من أن قوله من السنة، يشمل العلم جع

سنة الصحابة، فإذن يكون داخال في الموقوف؛ ألن الموقوف ما أضيف إلى الصحابة الكرام.

ومنهم من جعله مرسل، من قبيل المرسل، ومعنى جعلوه من قبيل المرسل، إذن هذا القائل ، فلما ذهب هذا الذاهب -صلى هللا عليه وآله وسلم-نه مضاف إلى رسول هللا بإرساله، هو يعتقد أ

، ففهم -صلى هللا عليه وآله وسلم-إلى أن قول التابعي من السنة كذ، إنما يقصد سنة رسول هللا ، -صلى هللا عليه وآله وسلم-هذا العالم أن التابعي إذا قال من السنة فهو يقصد سنة رسول هللا

، والتابعي إذا ما أضاف -صلى هللا عليه وآله وسلم-ا لو أضاف الخبر إلى رسول هللا فاعتبره كميكون إضافة متصلة أم مرسلة؟ مرسلة فسمى -صلى هللا عليه وآله وسلم-الخبر إلى رسول هللا

هذا العالم الحديث الذي يقول في التابعي: من السنة كذ، اعتبره من قبيل المرسل، فمعنى أنهم حكم، -صلى هللا عليه وآله وسلم-من المرسل أنهم جعلوه من المضاف إلى رسول هللا جعلوه

ولكن اإلمام النووي رجح الوقف في ذلك، وهو األقرب إلى االحتياط.

قال: وما قيل في أن تفسير الصحابي في حكم المرفوع، : )-رحمه هللا تعالى-قال المصنف (كفإنما ذلك فيما كان سبب نزول أو نحو ذل

اآلثار المروية عن السلف من الصحابة في تفسير اآليات القرآنية، هل لها حكم الرفع أم ال؟

Page 145: علوم الحديث   المستوى الثاني

فمن أهل العلم من جعلها كالمرفوع. اإلمام الحاكم النيسابوري في المستدرك كثيرا ما يعد ذلك من المرفوع، مع أنه في غير المستدرك في كتاب المعرفة خص ذلك بما له تعلق بأسباب

نزول، يعني أن يقول الصحابي هذه اآلية نزلت في المناسبة الفالنية، فإن حكايته لسبب النزول الصلى هللا عليه -؛ ألنه يحكي حال النبي -صلى هللا عليه وآله وسلم-هو إضافة منه إلى رسول هللا

ذه اآلية ، حال نزول ه-صلى هللا عليه وآله وسلم-، أو الموقوف الذي كان فيه النبي -وآله وسلم، فمهما حكى من سبب نزول اآلية، فهو يحكي ما كان متعلقا -صلى هللا عليه وآله وسلم-عليه

: لما قال له -رضي هللا عنه-، كما قال عمر بن الخطاب -صلى هللا عليه وسلم-برسول هللا ال: ما هو، عندكم آية في القرآن لو نزلت علينا معشر يهود التخذنا هذا اليوم عيدا ، قاليهودي: )

]المائدة: قال قول هللا: ﴿ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم اإلسالم دين ا ﴾يوم عرفة، وهو واقف على -صلى هللا عليه وآله وسلم-[، قال: لقد نزلت على رسول هللا 2

(.عرفات، وكان يوم جمعة

حكى الموقف، أو السبب الذي نزلت فيه تلك اآلية، فذلك يعد من المرفوع؛ لهذا وجدنا فهو مثل هذا الحديث مخرجا عند العلماء الذي اشترطوا رواية المرفوع في كتبهم، كالبخاري ومسلم

واإلمام أحمد في مسنده، فهذا له حكم الرفع، يعامل معاملة المرفوع.

ل نفسه في تفسير بعض اآليات بمقتضى اللغة، أو بمقتضى أما الذي يقوله الصحابي من قبمعرفته اجتهادا منه، فهذا ال يعامل معاملة المرفوع، بل هو أثر من اآلثار، موقوف على ذلك الصحابي، والصحابة تكلموا في العلم عموما في تفسير القرآن، وفي غيره، فكل ذلك يعد من

منه الراجح، ومنه المرجوح. قبيل اآلثار، منه الصواب، ومنه الخطأ،

أما إذا قال الراوي عن الصحابي "يرفع الحديث" أو ) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف " فهو عند أهل الحديث من قبيل المرفوع -صلى هللا عليه وآله وسلم-"ينميه" أو "يبلغ به النبي

(الصريح في الرفع. وهللا أعلم.

، وهي: ما ينضم إلى الرواية الموقوفة قرينة هنا صورة أخرى من صور المرفوع حكما صلى هللا عليه -لفظية، لفظ معين يستدل به على كون الحديث منسوبا ومضافا إلى رسول هللا

.-وآله وسلم

اللفظ األول: أن يقول الراوي عن الصحابي يرفع الحديث. مثال عن أبي هريرة يرفع -يرفع الحديث، فنفهم بالضرورة أنه يضيف الحديث الحديث، إذا قال الراوي عن الصحابي بأنه

، فإذن معنى قول الراوي عن الصحابي أنه يرفع -صلى هللا عليه وآله وسلم-إلى رسول هللا .-صلى هللا عليه وآله وسلم-الحديث، أي يرويه عن رسول هللا

ي يرويه. فإذن اللفظ الثاني: ومن ذلك قوله ينمه أو ينميه كالهما وجد في الروايات ينميه أ -الصحابي لم يقل القول من قبل نفسه إنما رواه عمن فوقه، والصحابي إنما يروي عن رسول هللا

،-صلى هللا عليه وآله وسلم-

اللفظ الثالث: أو يبلغ به. يأتي الراوي عن الصحابي فيقول: عن الصحابي الفالني يبلغ به. -فهذا مرفوع صراحة، لكن ليس -عليه وآله وسلم صلى هللا-بطبيعة الحال إذا قال يبلغ به النبي

زيادة غير صحيحة، إما أنها من النساخ -صلى هللا عليه وآله وسلم-مرادا هنا؛ ولهذا زيادة النبي أو من الحافظ ابن كثير، وإال كتاب الحافظ ابن الصالح ليس فيه تلك الزيادة، وهي غير مرادة

من حيث الحكم، ال من حيث اللفظ، وقول الراوي عن ها هنا؛ ألن اإلمام يتكلم عن المرفوعهذا مرفوع من حيث اللفظ ال من حيث الحكم -صلى هللا عليه وآله وسلم-الصحابي يبلغ به النبي

Page 146: علوم الحديث   المستوى الثاني

صلى هللا عليه وآله -فقط. فالصواب أن يقول: هنا يبلغ به فقط؛ ألنه يبلغ به، هل يبلغ به النبي ؟ لهذا دخلت هذه المسألة في هذا الباب، ولكن -ه وآله وسلمصلى هللا علي-أم غير النبي -وسلم

الذي عرف ابن الصالح المحدثين، أنه إذا قال الواحد من الرواة يبلغ عن الصحابي يبلغ به فهو صلى هللا عليه وآله -، أما إذا صرح بقوله يبلغ به النبي -صلى هللا عليه وآله وسلم-يقصد النبي

إن شاء هللا. فليس هذا فيه إشكال -وسلم

كذلك أيضا من العبارات المستعملة في هذا أن يقول "رواية" يعني الراوي عن الصحابي -عن أبي هريرة رواية، أو "رواه" هذه أيضا عبارات توجد في األسانيد، يفهم منهما كون هذا

ل نفسه، ، ويقوله من قب-صلى هللا عليه وآله وسلم-الصحابي، إنما يروي الخبر عن رسول هللا فهذا أيضا كله من المرفوع حكما ، وإن لم يكن من المرفوع صراحة .

مما يتعلق بالمرفوع حكما ، ولم -رحمهم هللا تعالى-هناك صور أخرى ذكرها أهل العلم يذكرها ابن الصالح، منها:

أن يقول الراوي عن الصحابي قال: قال يعني مثال محمد بن سيرين يقول: عن أبي هريرة، -قال: قال: كذا وكذ، بعض من ال يفهم هذا، يتصور أن قال الثانية مكررة، وليس ذلك صحيحا ، بل هي مرادة، قال األولى الضمير فيها عائد على الصحابي، وقال الثانية الضمير فيها عائد

، فهذا أيضا له حكم الرفع.-صلى هللا عليه وآله وسلم-على رسول هللا

-ثواب مخصوص، أو عقاب مخصوص. كما جاء عن أبي هريرة منها: ما يترتب عليه -لما رأى رجل خارج من المسجد بعد األذان، فقال: أما هذا فقد عصى -رضي هللا عنه وأرضاه

صلى هللا -أبا القاسم. فبطبيعة الحال ال يقول ذلك الصحابي إال إذا كان عنده علم عن رسول هللا يتضمن ذلك المعنى. -عليه وآله وسلم

أيضا مما ال مجال للرأي فيه، كأن يخبر الصحابي عن بعض األمور التي كانت في بدء -الخلق، أو ما يتعلق باألمور السابقة من قصص األنبياء، وغير ذلك، أو الفتن والمالحم،

وعالمات يوم القيامة، وهذا ال يكون فيه مجال للرأي، إال إذا كان هذا الصحابي، من المعروفين ن أهل الكتاب، فحينئذ ال يحكم بالرفع الحتمال أن يكون إنما أخذ ذلك عن أهل الكتاب، باألخذ ع

.-صلى هللا عليه وآله وسلم-وليس عن رسول هللا

التابعي إذا قال يبلغ به، أو ينميه، أو يرفعه، فهذا يكون من قبيل اإلرسال؛ ألن التابعي -يقول عن البصري يبلغ به، أو عن يعني الراوي عن التابعي، راوي عن الحسن البصري،، فيعامل -صلى هللا عليه وآله وسلم-الحسن يرفعه، فكما لو أنه عن الحسن عن رسول هللا

معاملة الحديث المرسل؛ ألن ما رفعه التابعي هو من قبيل المرسل، وليس من قبيل المتصل.

أبو داود. وكانت وردتنا إجابات: كان السؤال األول: اذكر خالصة الحكم فيما سكت عنهاإلجابة: ما سكت عنه أبو داود فإذا كان الحديث مذكورا في الصحيحين، أو أحدهما، أو نص على صحته أحد من األئمة، فهو صحيح، وما كان غير ذلك، فهو حسن عند أبي داود عمال

بالمتيقن واألحوط

لكن السؤال لم يكن كذلك، هذا بطبيعة الحال يعد جوابا عن رأي أبو داود في هذه األحاديث، إنما السؤال عن هذه األحاديث، وعن منزلتها وأنواعها، فاإلجابة الصحيحة أن تقول في سنن أبي داود ما هو صحيح في أعلى درجات الصحة، وما هو صحيح دون ذلك، وما هو حسن دا ، إما سواء لذاته أو لغيره، وما هو ضعيف، ولكنه عند أبي داود معمول به، وما هو ضعيف ج

Page 147: علوم الحديث   المستوى الثاني

أن يصرح بكونه كذلك، وإما أن يسكت عنه لشهرته؛ ولهذا ال يعتمد على مجرد سكوت أبي داود فال يحكم على حديث بأنه حسن، أو صالح لمجرد أن أبا داود سكت عنه، مما ذكرناه.

السؤال الثاني: ما معنى قول الترمذي حسن صحيح ؟ كانت اإلجابة: على الراجح كما قال حنبلي في قول الترمذي: حسن صحيح، قال: هو نفسه قد شرحه فذكر أن الحديث ابن رجب ال

الحسن البد أن يتصف بثالثة أشياء:

األول: أال يكون في إسناده متهم بالكذب. -

ثانيا: أال يكون شاذا . -

ثالثا: أن يروى نحوه من غير وجه، فالحسن عنده راجع إلى اجتماع هذا كله، وال يقال عن - واحدة بعينها أنها حسنة. رواية

نظر في كالم الترمذي -رحمه هللا تعالى-أنا أقول الخالصة، الخالصة أن اإلمام ابن رجب في تعريف الحديث الحسن، فالترمذي قال: في تعريف الحديث الحسن ال يكون راويه متهما

ؤالء لم يتهموا بالكذب، بالكذب، إذن قد يكون ثقة ، قد يكون صدوقا ، قد يكون ضعفه هينا ، وكل هوأن يكون الحديث سالما من الشذوذ، وأيضا أن يروى نحوه من غير وجه، فإن وجدنا حديثا من

األحاديث راويه ثقة ، فهذا حديث صحيح أم ال ؟ هذا حديث صحيح؛ ألنه حديث يرويه ثقة ، رائط الحسن أم ال؟ وليس فيه شهود، ثم وجدنا الحديث نفسه مرويا من غير وجه، تحققت فيه ش

تحققت فيه شرائط الحسن. لماذا؟ ألن الترمذي يشترط في الحسن: أن يكون الراوي غير متهم بالكذب، والثقة متهم بالكذب أم ال؟ غير متهم بالكذب. أن يكون الحديث سالما من الشذوذ، وهذا

ر وجه، وكان سالما أيضا سالما من الشذوذ. أن يكون مرويا من غير وجه، فكل ما روي من غيمن الشذوذ وروايه سالم من التهمة بالكذب، فهو عند الترمذي حسن، وهذا الحديث يرويه ثقة، وهو سالم من الشذوذ، وقد روي من غير وجه، فقد صار من هذه الحيثية حسن أم ال؟ ثم هو

ألنه حسن صحيح؛ ألنه من رواية الثقات، فصح أن يوصف الحديث حينئذ بكونه صحيحا حسنا ؛صحيح، حسن الجتماع شرائط الترمذي في الحسن من كون الراوي، سالم من التهمة بالكذب، ومن كون الحديث شاذا ، ومن كونه مرويا من غير وجه صحيح، لتحقق شرائط الصحة في

الحديث، فمن هذه الحيثية صح أن يوصف هذا الحديث بكونه صحيحا ، وصح أن يوصف بكونه ا زال اإلشكال، وأنتم تالحظون أن هذا اإلشكال إنما وجد عند العلماء المتأخرين، حسنا ، ومن هن

بينما المتقدمين سواء من كان في عصر الترمذي، بل من قبل الترمذي، فهذا المصطلح استعمله من هو قبل الترمذي، واستعمله من هم في زمان الترمذي، واستعمله من هو بعد الترمذي،

ي، استعملوا حسن صحيح في كالمهم، ولم يكن ذلك موضع استشكال عندهم، كاإلمام الدارقطنإنما وقع االستشكال ممن جاء بعد هؤالء لما اصطلحوا للحسن اصطالحا خاصا ، وهذا

االصطالح يتنافى مع الصحيح أو ليس هو صحيحا ؛ ألن الصحيح في مرتبة، والحسن في عرف العلماء المتقدمين ليس هذا األمر مشكال وهللا مرتبة؛ فلهذا وقع اإلشكال عندهم، بينما في

أعلم.

يقول: هل يختص المرسل الخفي بما إذا كان الراوي قد روى عمن عاصره ولم يسمع منه أم يشمل رواية الراوي عمن عاصره وسمع منه ما لم يسمعه منه، وكيف يعرف ذلك؟

Page 148: علوم الحديث   المستوى الثاني

كثر استعماال ، أن المرسل الخفي من أهل العلم كابن الصالح وغيره، وهم القول األشهر، واألوالتدليس، مستعمالن بمعنى واحد، أو بعض صور المرسل الخفي، يصدق على التدليس، وبعض صور التدليس، يصدق على المرسل الخفي، وبعض أهل العلم يرى كابن حجر أن هو ما المرسل الخفي، ال يجتمع مع التدليس بحال من األحوال، فالتدليس عند الحافظ ابن حجر

يرويه الراوي عمن له منه سماع في الجملة، وهو لم يسمع منه ذلك الحديث بعينه، لكن يشترط أن يكون لهذا الراوي سماع من هذا الشيخ، في غير ذلك الحديث من األحاديث، حينئذ إن روى

عن ذلك الشيخ ما لم يسمعه منه يكون على سبيل التدليس.

ون هذا الراوي لم يسمع من الشيخ إال هذا الحديث وال غيره، أما اإلرسال الخفي فالبد أن يكفحينئذ يكون عند الحافظ ابن حجر من قبيل اإلرسال الخفي، وليس من قبيل التدليس، بينما ابن الصالح وغيره من أهل العلم يرون أن كل هذا يسمى تدليسا ، ويسمى أيضا إرساال خفيا ، وهذا

ء هللا .سيأتي تفصيله في موضعه إن شا

هل يصح وصف الحديث بكونه شاذا ومقلوبا أم ال؟ علل لجوابك؟ أعني السؤال األول: الحديث أي الحديث الواحد.

قول التابعي من السنة كذا، هل له حكم الرفع ؟ السؤال الثاني:

Page 149: علوم الحديث   المستوى الثاني

الدرس العاشر : الحديث المرسل

من شرور أنفسنا وسيئات أعمالن، إن الحمد هلل تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باهللمن يهده هللا فال مضل له، ومن يضلل فال هادي له، أشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له،

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وبعد:

سنتناول النوع التاسع من أنواع علوم الحديث، وهو ما يسمى: -تعالى–اليوم بإذن هللا .بالحديث المرسل

: نوع من األنواع المتعلقة بالسقط من اإلسناد. ذكرنا أن الحديث لكي يكون يث المرسلوالحدمقبوال ، محتجا به، البد وأن يكون متصل اإلسناد. وعرفنا معنى االتصال، عندما تناولنا النوع المتعلق به، ثم ذكرنا أن الحديث إذا لم يكن متصال فإنه إما أن يقع السقط في موضع معين من

إلسناد، أو بعدد معين من الساقطين، وعلى ضوء ذلك يختلف نوع السقط واسمه، فكل سقط في ااإلسناد يختلف اسمه عن اسم السقط اآلخر، أو النوع اآلخر من أنواع السقط، بحسب موضع

ذلك السقط، وبحسب عدد الساقطين.

إلسناد، ويتناول العلماء المرسل، وهو من أشهر أنواع السقط في ا -بإذن هللا تعالى -فسنتناول فيه مباحث عدة، هذه المباحث بعضها يختص بالمرسل، وبعضها هو -رحمهم هللا تبارك تعالى-

عام في كل ما ال يتصل بحال، فيشمل كل أنواع السقط من اإلسناد.

مباحث جيدة، ولطيفة أيضا متعلقة بعلوم الحديث -إن شاء هللا تعالى-وفي غضون ذلك سنجد عموما .

وهذا المبحث: مبحث الحديث المرسل: اعتاد المؤلفون فيه أن يتناولوه من جهتين رئيسيين:

: ما يتعلق بمعناه وتعريفه، ما معنى قول المحدثين: هذا حديث مرسل.الجهة األولى -

ما يتعلق باالحتجاج بالحديث المرسل. الجهة الثانية: -

تي اختلف فيها العلماء، هل هي من قبيل ويستتبع ذلك الكالم على بعض صور األسانيد ال–سنأتي عليه بالشرح بعون هللا -إن شاء هللا-المرسل، أم ليست من قبيل المرسل؟ وكل ذلك

. -تعالى

. -رحمه هللا-فسنقرأ أوال : ما يتعلق بتعريف هذا النوع من كتاب الحافظ ابن كثير

النوع التاسع: المرسل

النوع التاسع: المرسل. قال ابن الصالح وصورته التي ال : )-رحمه هللا تعالى-قال المصنف خالف فيها: حديث التابعي الكبير الذي قد أدرك جماعة من الصحابة وجالسهم كعبيد هللا بن

-صلى هللا عليه وسلم-عدي بن الخيار، ثم سعيد بن المسيب، وأمثالهما إذا قال: قال رسول هللا .) .

د عن أهل العلم للحديث المرسل، وكما ترون هذا التعريف هذا هو التعريف األول الوارأحد -صلى هللا عليه وآله وسلم-مشتمل على تقييد المرسل بأن يكون الذي رواه عن رسول هللا

التابعين الكبار.

Page 150: علوم الحديث   المستوى الثاني

فالتابعون طبقات، كما أن الصحابة طبقات، فهناك كبار الصحابة، وهناك صغار الصحابة. كبار، ومنهم الصغار. فالصورة التي ال خالف في أنها من المرسل عند وكذلك التابعون: منهم ال

أهل العلم: هي أن يعمد هذا التابعي الكبير، والتابعي الكبير: هو الذي أدرك عددا كبيرا من الصحابة، أو أدرك كبار الصحابة، كقيس بن أبي حازم، وسعيد بن المسيب، وأمثال هؤالء من

صلى هللا -وا عددا كبيرا من الصحابة، وأدركوا كبار صحابة رسول هللا كبار التابعين الذين أدركصلى -، فهؤالء هم كبار التابعين. إذا الواحد منهم روى الحديث عن رسول هللا -عليه وآله وسلم

، بل -صلى هللا عليه وآله وسلم-من غير أن يذكر صحابي بينه وبين النبي -هللا عليه وآله وسلممباشرة، فهذا مرسل. هذا يسمى -صلى هللا عليه وآله وسلم-رسول هللا أضاف الخبر إلى

مرسال ، إذن يتضمن اإلرسال أن يكون صادرا من تابعي أوال ، ثاني ا: أن يكون مضافا إلى رسول ، وكما قلنا في اللقاء الماضي: إن وصف المحدثين للحديث بأنه -صلى هللا عليه وآله وسلم-هللا

رفع. فإذا كان المحدثون قد وصفوا الحديث بأنه مرسل، فأنت تفهم تلقائيا بأنه مرسل يتضمن: ال .-صلى هللا عليه وآله وسلم-عندهم من المرفوع، أي المضاف إلى رسول هللا

عندما مثل، مثل بأشهر صور المرفوع، -رحمه هللا تبارك تعالى-هنا اإلمام ابن الصالح -الكبير-، حيث قال: إذا قال التابعي - عليه وآله وسلمصلى هللا-وهي المرفوع من قول النبي

كذا وكذا. وال شك أن المرفوع ليس مختصا بما كان -صلى هللا عليه وآله وسلم-قال رسول هللا صلى هللا عليه -بل المرفوع ما أضيف إلى رسول هللا -صلى هللا عليه وآله وسلم-من لفظ النبي

-ه، أو من تقريره. فكل ذلك إذا أضافه التابعي إلى رسول هللا من قوله، أو من فعل -وآله وسلم-يكون من قبيل اإلرسال، كما أنه إذا أضافه الصحابي إلى رسول هللا -صلى هللا عليه وآله وسلم يكون من قبيل المسند المتصل. -صلى هللا عليه وآله وسلم

تي ال خالف فيها، إذا ما هنا تالحظون في هذا التعريف أنه ذكر أن هذه الصورة، وهي الكان التابعي من كبار التابعين. وسيأتي أن هذا ليس شرطا في وصف الحديث بأنه مرسل، أي

ليس شرطا في تسمية الحديث بهذا االسم وهو المرسل، أن يكون التابعي الذي أضافه إلى رسول أن التابعين جميعا سواء في من كبار التابعين، بل سيأتي بعد ذلك -صلى هللا عليه وآله وسلم-هللا

، سواء كان هذا التابعي -صلى هللا عليه وآله وسلم-ذلك، فكل تابعي أضاف الخبر إلى رسول هللا كبيرا أو صغيرا ، كل ذلك من حيث التسمية يسمى مرسال .

أن هذه الصورة هي التي ال خالف فيها -عليه رحمة هللا تعالى-وإنما ذكر ابن الصالح ن هناك من أهل العلم من ال يسمي ما أرسله التابعي الصغير مرسال ، من حيث أن نظرا ؛ أل

، في الغالب ما تكون بأكثر من واحد، -صلى هللا عليه وسلم-الواسطة بينه وبين رسول هللا صلى هللا عليه -فالزهري مثال من صغار التابعين، والزهري إذا ما روى الخبر عن رسول هللا

أكثر من واحد، -عليه الصالة والسالم-الغالب أن يكون بينه وبين رسول هللا في -وآله وسلمصلى هللا عليه وآله -فغالبا ما يكون أخذ الحديث عن تابعي آخر عن صحابي عن رسول هللا

، وارتقى بالحديث إلى رسول -صلى هللا عليه وآله وسلم-، ثم أسقط من بينه وبين النبي -وسلمعلى جهة اإلرسال، فنظرا لكثرة الوسائط بين من أرسل، وبين رسول -ه وسلمصلى هللا علي-هللا ، امتنع بعض أهل العلم من تسمية ذلك مرسل، وقالوا: هو بالمعضل -صلى هللا عليه وسلم-هللا

ما سقط منه اثنان، وبعضهم جعله من قبيل المنقطع، والمنقطع -كما سيأتي-أشبه؛ ألن المعضل االحتجاج، ومن حيث المنزلة؛ فلهذا امتنع بعض أهل العلم من إطالق دون المرسل من حيث

ذلك على هذه الصورة، وصف المرسل أو اسم المرسل نظرا لغلبة الظن، بأن الذي سقط بين هو أكثر من واسطة بخالف التابعي -صلى هللا عليه وآله وسلم-هذا التابعي الصغير ورسول هللا

صحابي، أو تابعي -صلى هللا عليه وسلم-بينه وبين رسول هللا الكبير، ففي الغالب أنه سقطآخر، وصحابي. ولكن هذا قليل في الوجود، فأغلب مراسيل كبار التابعين: الواسطة تكون من

Page 151: علوم الحديث   المستوى الثاني

، وإن كان ذلك ليس مضطردا ؛ -صلى هللا عليه وآله وسلم-قبل صحابي بينه وبين رسول هللا لنا نحترز مما يخشى أن يكون التابعي الكبير أخذ الحديث ولهذا سيأتي في كالم الشافعي ما يجع

. -صلى هللا عليه وآله وسلم-عن غير الصحابي، عن الصحابي، عن رسول هللا

والمشهور: التسوية بين التابعين أجمعين في ذلك. وحكى : )-رحمه هللا تعالى-قال المصنف . (ن مرسلابن عبد البر عن بعضهم: أنه ال يعد إرسال صغار التابعي

إلى القول الذي أشرنا إليه في أثناء الشرح من -رحمه هللا تبارك تعالى-أشار اإلمام ابن كثير أن هناك من أهل العلم من ال يعد مرسل صغار التابعين مرسال ؛ لغلبة الظن بأنه قد سقط بينه

من اثنين، كما وقع أكثر من واحد، بل أحيان ا يكون أكثر -صلى هللا عليه وسلم-وبين رسول هللا ذلك في مراسيل قتادة والزهري، وأحيانا يكون من جملة هؤالء الساقطين، من هم ضعفاء ممن ال يحتج بهم؛ فلهذا امتنع من امتنع من أهل العلم من أن يعامل مراسيل صغار التابعين معاملة

مراسيل كبار التابعين.

" والمشهور التسوية بين التابعين -تعالى رحمه هللا-لكن قول المؤلف نقال عن ابن الصالح أجمعين في ذلك. هو راجع إلى الجانب االصطالحي، وليس إلى الحكم الذي يستحقه ذلك النوع،

يعني من حيث التسمية، من حيث االصطالح، فنحن نسمي كل ذلك مرسال ، فكل ما أضافه االسم يصدق عليه اسم المرسل، هو من حيث -صلى هللا عليه وآله وسلم-التابعي إلى رسول هللا

لكن من حيث الحكم يختلف، من مرسل كبار التابعين، عما إذا كان المرسل من صغار التابعين، وهذا هو الذي ينبغي أن يتنبه إليه طالب العلم؛ ألنه إن لم يتنبه إلى ذلك، ربما وقع في الخلط،

، المتعلق بهذا الباب خصوصا ، ألن -عليهم رحمة هللا تبارك وتعالى-وسوء فهم كالم أهل العلم كما قلت في أول -كالم بعض أهل العلم في هذا الباب بعضه يتعلق بالجانب االصطالحي

وبعضه يتعلق بالجانب الحكمي، أي الحكم الذي يستحقه هذا النوع من أنواع الحديث -الدرسض يتعلق بالجانب من حيث القبول والرد، فبعض الكالم يتعلق بالجانب االصطالحي، والبع

الحكمي، فبعض طلبة العلم يعمد إلى ما قاله العلماء مما يتعلق بالجانب االصطالحي فينزله على الحكم، أو بعضهم يعمد إلى ما يتعلق بالجانب الحكمي فينزله على االصطالح فيقع في الخلط،

وسوء فهم كالم أهل العلم.

عين أجمعين في ذلك. إنما قصد الجانب ابن الصالح قال: والمشهور: التسوية بين التاباالصطالحي، أي أنه من حيث االصطالح من حيث استعمال اسم المرسل: فكل ما أضافه

. فهذا من -صلى هللا عليه وآله وسلم-التابعي سواء كان التابعي صغيرا أو كبيرا إلى رسول هللا -إن شاء هللا تعالى-ي بيانه حيث االسم يسمى مرسال ، أما من حيث الحكم، ففيه تفصيل سيأت

-صلى هللا عليه وآله وسلم-يتضح منه أن هناك فرقا بين ما أرسله التابعي الكبير عن رسول هللا ، بل سيتبين أيضا -صلى هللا عليه وآله وسلم-، وبين ما أرسله التابعي الصغير عن رسول هللا

يطلق اإلرسال على أي سقط وقع في من خالل الكالم اآلتي قريبا : أن هناك من أهل العلم من-اإلسناد، حتى وإن لم يكن من التابعي، حتى وإن لم يكن مما أضافه التابعي إلى رسول هللا

، بل كل سقط وقع في أول اإلسناد، أو في وسط اإلسناد، أو في آخر -صلى هللا عليه وسلمإلرسال من حيث أنه وقع فيه اإلسناد، بعض أهل العلم يسمي ذلك إرساال أيض ا؛ وإنما سموه با

السقط.

ا عن السقط الواقع في أي موضع من وعلماء الحديث عليهم رحمة هللا تعالى يعبرون كثير ا: المرسل، والمنقطع. فنجد علماء مواضع اإلسناد بهذين االسمين المشهورين، والمستعملين كثير

: هذا يقصد به جانبا الحديث يعبرون عن المرسل على أي سقط وقع، فمن حيث التسمية اصطالحيا ، أو يعبرون عنه بالمنقطع.

Page 152: علوم الحديث   المستوى الثاني

فالمنقطع نعبر به عن المعضل، وعن المعلق، وعن المدلس، وعن اإلرسال الخفي، وعن المرسل أيض ا. وكذلك المرسل يعبر عنه عن هذه األمور كلها، وهذا من باب التوسع في

ضون كالمه عن المرسل، وعن االحتجاج في غ -عليه رحمة هللا-االصطالح، واإلمام الشافعي » صدر كالمه بهذه العبارة قال: « والمنقطع مختلف» به، وشرائط االحتجاج به، قال:

، ثم أخذ يبين أحكام المرسل، ومتى يكون مقبوال ؟ ومتى ال يكون مقبوال ؟ مع «والمنقطع مختلف المرسل الذي جاء في أثناء أنه صدر الكالم بالمنقطع، وإنما قصده بالمنقطع في أول كالمه

كالمه كما قلت، فهذا من التوسع في االصطالح، طالب العلم ينبغي عليه أن يعرف ذلك، وأن يكون لينا في التعامل مع هذه المصطلحات، فإذا وجد إماما يطلق المنقطع على المعضل فال

نقطاع، أو وجده يستنكر ذلك منه؛ ألن المعضل ما هو إال منقطع ولكنه صورة من صور االيطلق المرسل على المعضل مثل، أو على المنقطع، فكل ذلك من قبيل اإلرسال؛ ألنه لم يقع فيه اتصال، وهذا من التوسع في االصطالح وإنما نعرف ونميز بين هذه االصطالحات، والمعاني

للعلماء التي يقصدونها منها من خالل سياق الكالم، والقرائن المحتفة بالكالم.

اك تعريفات غير صحيحة في هذا النوع من أنواع علوم الحديث من أشهرها: ما يعبر عنه هنبعض المصنفين بقولهم: المرسل ما سقط من إسناده الصحابي. وهذا التعريف غير منضبط؛

إنما هو الصحابي -صلى هللا عليه وسلم-ألننا إذا تحققنا من أن الساقط بين التابعي ورسول هللا رضي هللا عنهم -ختلف العلماء في االحتجاج به؛ ألن الصحابة كلهم عدول، أمناء فقط، لما ا، فمعرفتنا بالصحابي، أو عدم معرفتنا به، ال يؤثر في االحتجاج بالخبر الذي عرفنا أن -أجمعين

مخرجه عن الصحابي.

ن أن فإذا قلنا في المرسل: إنه ما سقط من إسناده الصحابي. معنى ذلك: أننا قد تحققنا مالساقط من هذا المرسل صحابي، وليس راويا آخر، وعلى هذا: فينبغي أن نحتج به، وال نختلف

.-رضي هللا عنهم أجمعين-في االحتجاج به؛ ألن الصحابة كلهم عدول

من قول أو -صلى هللا عليه وسلم-ولكن الصواب أن تقول: ما أضافه التابعي إلى رسول هللا ا التعريف هذه الصورة، أن يكون سقط منه صحابي، أو يكون سقط منه فعل أو تقرير. ليشمل هذ

ا. تابعي وصحابي، أو تابعيان وصحابي، وهذا موجود في األسانيد كثير

أيضا مما يحترز في تعريف المرسل، نحن دائما وأبدا نقول: المرسل ما أضافه التابعي إلى رد عليك سؤال، استشكال، فيقال لك: أليس هناك ؛ لكن قد ي-صلى هللا عليه وآله وسلم-رسول هللا

؟ أليس هناك من التابعين من قد -عليه الصالة والسالم-من التابعين من قد سمع من رسول هللا ؟-صلى هللا عليه وآله وسلم-سمع من رسول هللا

-صلى هللا عليه وآله وسلم-من هو التابعي؟ ومن هو الصحابي؟ الصحابي هو: من لقي النبي ، -صلى هللا عليه وسلم-ؤمنا به، ومات على اإليمان. إذن هو كان مؤمنا حال لقائه برسول هللا م

، -عليه الصالة والسالم-ومات على اإليمان، هذا هو الصحابي، البد أن يتحقق له لقاء بالنبي إليمان.، وأن يموت على ا-صلى هللا عليه وآله وسلم-وأن يكون وقت لقائه بالنبي مؤمنا بالنبي

، فإذا التقى بصحابي وليكن أنس -ولو صحابيا واحدا -التابعي: هو من لقي الصحابي مؤمنا من صغار الصحابة، وهو وقت لقائه بهذا الصحابي كان مؤمنا -رضي هللا عنه-بن مالك

فهذا هو التابعي. فماذا نقول في طائفة من -صلى هللا عليه وآله وصحبه وسلم-برسول هللا ، والتقوا به، -صلى هللا عليه وسلم-ابعين، أو في بعض التابعين الذين أدركوا رسول هللا الت

صلى -وتحدثوا معه، ولكن ذلك كان في حال كفرهم، ولم يكونوا مؤمنين وقت لقائهم برسول هللا الء أسلم هؤالء، فهؤ -صلى هللا عليه وآله وسلم-، ثم بعد أن مات رسول هللا -هللا عليه وآله وسلم

Page 153: علوم الحديث   المستوى الثاني

صلى هللا عليه وآله -يعدون من الصحابة؟ ال..؛ ألنهم لم يكونوا مؤمنين وقت لقائهم برسول هللا فليسوا هم من الصحابة، إنما هم من التابعين، هم التقوا بالصحابة وقت إيمانهم برسول -وسلمه، فهؤالء ، أما وقت لقائهم برسول هللا فلم يكونوا مؤمنين ب-صلى هللا عليه وآله وسلم-هللا

العلماء يعدونهم من التابعين، وال يعدونهم من الصحابة، ومع ذلك إذا كان هذا الذي التقى إذا -صلى هللا عليه وسلم-وقت كفره، ثم أسلم بعد وفاة النبي -صلى هللا عليه وسلم-برسول هللا

صلى هللا عليه - ما قد أخذه يوم أن التقى برسول هللا -صلى هللا عليه وآله وسلم-روى عن النبي في هذا اللقاء، يعدون ذلك من المتصل، -صلى هللا عليه وسلم-، ما أخذه عن رسول هللا -وسلم

وقت أداءه للرواية، وليس وقت -عدالة الراوي -يعني ليس من المرسل؛ ألن العبرة في العدالة تحمله للرواية.

ير بالغ، فإن روى الرواية قد يتحمل الراوي الرواية وهو كافر، وهو فاسق، وهو صبي، غحال كفره، أو حال فسقه، أو حال صباه، لم يكن ذلك مقبوال منه؛ ألنه لم تتحقق فيه العدالة، أما

إذا أسلم بعد كفره أو تاب من فسقه، أو كبر من صباه، وصار عدال مقبول الرواية، فحدث بما قد و في حال صباه، فإن روايته حينئذ تحمله، قبل أن يكون مؤمنا ، أو قبل أن يتوب من فسقه، أ

صلى هللا -تكون مقبولة. تعرفون قصة أبي سفيان، وما دار بينه وبين ملك هرقل، بشأن النبي . وهذه القصة في أول صحيح البخاري، هذه القصة وقعت ألبي سفيان، هو كان -عليه وآله وسلم

لقصة، فقبل الناس ذلك منه، واحتجوا حدث بهذه ا -رضي هللا عنه-وقتئذ كافرا ، ثم بعد أن أسلم به، بل وأدخله األئمة في كتب الصحاح.

وقت -التابعي-فإذن العدالة ال تشترط وقت التحمل، إنما تشترط وقت األداء، وهذا الراوي عليه الصالة -وتحمل عنه الخبر، لم يكن مؤمنا به -صلى هللا عليه وسلم-أن التقى برسول هللا

كن من هذا الحيثية صحابيا ، ولم يتحقق له هذه المنزلة الشريفة المنيفة، وهي ، فلم ي-والسالممنزلة الصحبة، فلم يكن صحابيا ، إنما هو تابعي، فلما أسلم صار يحدث بما قد سمعه من رسول

حال كفره، فهذا متصل؛ ألنه سمعه من رسول هللا مباشرة، ولكن -صلى هللا عليه وسلم-هللا يا ، بل هو تابعي، فهل هذا يسمى مرسال ؟ ال يسمى مرسال ، وال يوضع في الراوي ليس صحاب

والمسند عكس -مصاف األحاديث المرسلة؛ ولهذا وجدنا العلماء الذين صنفوا في المسانيد ماذا فعلوا؟ أدخلوا في مسانيدهم مثل هذه الروايات، -المرسل؛ ألن المسند ال يكون إال متصال

صلى هللا عليه -التنوخي رسول هرقل أرسله هرقل إلى رسول هللا كالتنوخي رسول هرقل، حوار وقصة معروفة، أخرجها اإلمام -صلى هللا عليه وسلم-ودار بينه وبين رسول هللا -وسلم

أحمد في كتابه المسند، ومعنى أن اإلمام أحمد أخرجها في المسند، أي أنها عنده متصلة وليست ولم يكن معدودا في -صلى هللا عليه وسلم-لم بعد وفاة النبي مرسلة، مع أن التنوخي إنما أس

الصحابة.

أنه ينبغي أن يزاد في تعريف المرسل ما -عليه رحمة هللا تعالى-إذن يرى الحافظ ابن حجر يحترز منه، أو فيه من هذه الصور، فيقال في تعريف المرسل: ما أضافه التابعي إلى رسول هللا

. -صلى هللا عليه وسلم-وهذا التابعي لم يسمع من رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم-

ثم إن الحاكم يخص المرسل بالتابعين، والجمهور من : )-رحمه هللا تعالى-قال المصنف . (الفقهاء واألصوليين، يعلمون التابعين وغيرهم

لم من يطلق المرسل على هذا القول الذي أشرنا إليه في أثناء كالمنا من أن هناك من أهل العأي سقط وقع فيه اإلسناد، سواء كان بعد التابعي أو في أثناء اإلسناد، وهذا موجود في استعمال

علماء الحديث، وإن كان عادة علماء المصطلح أن يعزو هذا القول إلى جمهور الفقهاء، وفي هذا لمحدثون أيضا يستعملون ذلك إشارة إلى أنه ليس معروفا عن المحدثين، وليس األمر كذلك، بل ا

Page 154: علوم الحديث   المستوى الثاني

وبكثرة، ككتاب: "المراسيل" لإلمام ابن أبي حاتم الرازي، كتاب كامل يتناول األحاديث المرسلة، واسمه: "المراسيل"، وأنت إذا قرأت في هذا الكتاب، تجد أن اإلمام ابن أبي حاتم

ا من أهل العلم، ما أو عن أبي زرعة، أو عن غيرهم -أبي حاتم الرازي-الرازي يحكي عن أبيه لم يتصل من األسانيد في أي موضع في اإلسناد، وبأي عدد من الساقطين، أي كل ما لم يتصل

من األسانيد سواء كان في أول اإلسناد، أو في أثناء اإلسناد، فكل ذلك عده من قبيل المراسيل في ديث لم يقع متصال كتابه هذا، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على أن المراسيل عندهم كل ح

سواء في أوله أو في منتهاه، وإن كان األعم األغلب في استعمال المحدثين كما أشار إلى ذلك ، -صلى هللا عليه وسلم-بأنه ما أضافه التابعي إلى رسول هللا -عليه رحمة هللا-الخطيب البغدادي

االستعمال اآلخر موجود عند وقول اإلمام الخطيب: إنه األغلب في االستعمال، فيه إشارة إلى أن علماء الحديث أيضا .

قلت: قال أبو عمرو ابن الحاجب في مختصره في أصول : )-رحمه هللا تعالى-قال المصنف .-صلى هللا عليه وسلم-الفقه: المرسل قول غير الصحابي: قال رسول هللا

. (هذا ما يتعلق بتصوره عند المحدثين

السابقة؛ ألنه جعل المرسل كل ما أضافه غير الصحابي هذا التعريف أوسع من التعاريف، فيشمل ما أضافه التابعي، سواء كان كبيرا أو -صلى هللا عليه وآله وسلم-إلى رسول هللا

صغيرا ، أو تابع التابعي، أو من بعده إلى يومنا هذا، فكل ذلك بمقتضى هذا التعريف يسمى: مرسال ، فيدخل في ذلك المعلقات مثال .

هذا التعريف واسع جدا ، وإن حملناه على ما قلناه آنفا من أن الحدثين يطلقون اإلرسال على وأي سقط وقع، فيخرج على هذا التعريف، أو على هذا المعنى، لكن المرسل في الواقع الذي تكلم

صلى هللا عليه-العلماء في االحتجاج به، خصوصا هو ذلك الذي يرويه التابعي، عن رسول هللا كما سيتبين ذلك عندما نتناول االحتجاج بالمرسل في كالم أهل العلم. -وآله وسلم

وأما كونه حجة في الدين، فذلك يتعلق بعلم األصول، وقد : )-رحمه هللا تعالى-قال المصنف أشبعنا الكالم في ذلك في كتابنا" "المقدمات".

ا وقول أهل العلم باألخبار ليس وقد ذكر مسلم في مقدمة كتابه: " أن المرسل في أصل قولن بحجة"، وكذا حكاه ابن عبد البر عن جماعة أصحاب الحديث.

وقال ابن الصالح: وما ذكرناه من سقوط االحتجاج بالمرسل والحكم بضعفه، هو الذي استقر عليه آراء جماعة حفاظ الحديث، ونقاد األثر، وتداولوه في تصانيفهم.

وأبي حنيفة، وأصحابهما في طائفة وهللا أعلم. قال: واالحتجاج به مذهب مالك،

. (قلت: وهو محكي عن اإلمام أحمد بن حنبل، في رواية

عن الجزء الثاني من أجزاء هذا الباب، وهو -رحمه هللا تعالى-من هنا يتكلم اإلمام ابن كثير سل، ومن ما يتعلق باالحتجاج بالحديث المرسل. انتهينا من تعريف المرسل، ومن تعاريف المر

أقوال أهل العلم في حد الحديث المرسل، ثم بعد ذلك، هل المرسل يحتج به أو ال يحتج به؟

Page 155: علوم الحديث   المستوى الثاني

فذكر عن جمهور أهل الحديث: أن المرسل في أصل قول أهل العلم باألخبار، أو المحدثين، أنه ليس بحجة، وهذا ما قاله اإلمام مسلم، وهو المذهب المعروف عن المحدثين، وهو محكي

يى القطامي، وعن غيره من أئمة العلم. عن يح

لماذا المرسل ال يحتج به؟ ألن المحدثين ال يشترطون في الحديث لكي يكون مقبوال ومحتجا به، أن يكون متصل اإلسناد. وعدم اتصاله يوجب التوقف في االحتجاج بهذا الحديث، واإلرسال

اء اإلسناد، نحن ال نعرف، هل هو أمره مغيب، هذا الراوي الذي سقط من الوسط، سقط من أثنمن الثقات، أم من غير الثقات؟ قد يكون ثقة، وقد ال يكون ثقة، وما دام األمر على االحتمال، فال

يصح مع هذا أن يستدل بالحديث أو أن يحتج به.

لم يحتجوا بالحديث المرسل، لكن إذا -عليهم رحمة هللا تعالى-فمن هذه الحيثية علماء الحديث -صلى هللا عليه وسلم-عنا أن نعرف بدليل آخر، أن هذا الذي أرسل الخبر عن رسول هللا استط

أو عن غيره، المهم إذا استطعنا أن نعرف عين هذا الراوي الذي سقط من أثناء اإلسناد، أو حاله، وإن لم نعرف عينه بدليل آخر، أو معرفتنا بعادة الراوي الذي قطع الحديث، أو أرسله،

ود األمر إلى ما كان عليه. فإن كان هذا الراوي الذي سقط من الثقات، فحينئذ قد عرفنا حينئذ يعصحة مخرج المرسل، وبناء على ذلك يحتج بهذا المرسل، أو كان من غير الثقات، فيعامل

معاملة الحديث الذي يرويه غير الثقات فال يكون محتجا به.

ن ال ندري الذي سقط من اإلسناد هل هو من أمره مغيب، نح -كما ترون-بمعنى أن المرسل الثقات؟ أم ليس من الثقات؟ ونحن بحاجة إلى معرفة عينه لكي نبحث بعد ذلك عن حاله فنعرف

هل هو من الثقات عند علماء الحديث أم ليس من الثقات؟ فإن عرفنا عينه، وبناء على ذلك: إن كان هذا الذي عرفناه من الثقات بنينا نعرف حاله فسنعامل الرواية معاملة الرواية المتصلة، ف

على ذلك أن الحديث محتج به، وأنه متصل، وال حاجة إلى معاملته معاملة اإلرسال، وإن كان من الضعفاء فسيكون رد الحديث حينئذ لضعف هذا الذي عرفنا حاله، وليس لكونه من المرسل.

ا ما ال يستدل على معرفة عين الراوي الذي سقط ، وإنما يستدل عليه أو على حاله لكن كثير بقرائن، هذه القرائن يغلب على ظننا بوجودها أن الذي سقط من الثقات، أو من غير الثقات،

فيحكم العلماء بمقتضى ذلك.

-صلى هللا عليه وسلم-من ذلك مثال : أن يكون هذا الراوي الذي أرسل الخبر عن رسول هللا ال عن الثقات، عرف العلماء ذلك باستقراء رواياته، ومعرفة من التابعين، من شأنه أن ال يروي إ

عادته في الرواية، فيبنون على ذلك، بأن الظن الغالب أن هذا الراوي حيث أرسل الخبر، إنما أرسله عن الثقات الذين اعتاد أن يروي عنهم، فيغلب ذلك الظن بأن هذا الذي سقط من اإلسناد،

أو -والصحابة كلهم عدول-، إما أنه صحابي - عليه وآله وسلمصلى هللا-بين التابعي ورسول هللا ، أو أن يجيء لهذا المرسل روايات -صلى هللا عليه وآله وسلم-تابعي ثقة، يرويه عن رسول هللا

أخرى تعضده، وتأخذ بيده، وتقويه، وتدل على صحة ما أخرجه، تدل على أن التابعي إنما أسقط ، إما صحابيا ، وإما تابعيا ثقة مع الصحابي، كما جاء - عليه وسلمصلى هللا-بينه وبين رسول هللا

عن اإلمام الشافعي، وسيأتي قريبا أنه كان يذكر مراسل سعيد بن المسيب، ويقول: إنها حسان، وفسروا ذلك بأنه إنما وجدها موصولة من أوجه أخرى، أي وجد لها مخارج صحيحة دلت على

عرف كيف يتحقق ذلك اإلمام الشافعي من خالل شرح كالمه صحة مخرج المرسل نفسه، وسن المتعلق باالحتجاج بالحديث المرسل.

إذا قلت لكم حدثنا فالن » أنه قال: -عليه رحمة هللا تعالى-جاء مثال عن إبراهيم النخعي هو لم يسمع ابن مسعود. إبراهيم النخعي لم « وفالن وفالن، أو إذا قلت لكم: قال ابن مسعود

Page 156: علوم الحديث   المستوى الثاني

» يسمع من ابن مسعود، فروايته عنه غير متصلة، لكنه قال هذا الكالم مبينا به اصطالحه، قال: إذا قلت قال ابن مسعود، فأنا قد أخذته عن غير واحد عن ابن مسعود. وإذا قلت حدثنا فالن عن

، يعني أن ما أخذته عن ذلك الذي حدثت عنه عن ابن مسعود، أما«ابن مسعود فهو الذي حدثت ا بنسبته إليه، فقلت: قال ابن مسعود، فأنا إنما أخذته إذا ارتقيت بالحديث إلى ابن مسعود جازم عن أصحاب ابن مسعود، عن ابن مسعود عن غير واحد من أصحاب ابن مسعود، عن ابن

مسعود، ولهذا كان اإلمام أحمد وغير واحد من أهل العلم يحتجون بمراسيل إبراهيم النخعي لهذه ة؛ ألنه عرف أنه أخذ الحديث عن أصحاب ابن مسعود الثقات، عن ابن مسعود، بخالف الحيثي

ما إذا وصل. بل بعضهم قدم مرسل النخعي على وصله لهذه العلة؛ ألنه إذا أرسل فإنه أخذ من طائفة من أصحاب ابن مسعود وأغلبهم ثقات، عن ابن مسعود، بينما إذا وصل الحديث فذكر

ابن مسعود، فقد يكون هذا الذي حدثه بالخبر عن ابن مسعود من الضعفاء، الواسطة بينه وبينه وليس من الثقات.

إذن يستدل العلماء على معرفة مخرج الحديث، أو معرفة الساقط من الرواية، سواء معرفة عينه، أو معرفة حاله، بمثل هذه القرائن التي يعرفونها باستقراء روايات الرواة، ومعرفة إن

شأنهم أن يرووا عن الثقات أم هم يروون عن الثقات، وغير الثقات، وهذا يفسر لنا كان من بالمرسل، فهو كما يقول ابن -عليه رحمة هللا تعالى-معنى احتجاج مثل اإلمام أحمد بن حنبل

رجب وابن تيمية وابن القيم ال يحتج بكل مرسل، وإنما يحتج بالمرسل حيث ينضم إليه ما يقويه، من خالل معرفته بعادة هذا الراوي المرسل، أو بمذهبه في معالجة الروايات، أو بعادته أو يتبين

في الرواية حيث يرسل، بأنه ال يرسل إال عن الثقات، فحينئذ يكون محتجا به وإال....

أن رجال صلى مثال عندنا أبو العالية الرياحي، وهذا من كبار التابعين، روى خبرا مرسال : )صلى -فضحك في الصالة، فضحك الناس، فأمرهم النبي -صلى هللا عليه وآله وسلم-ي خلف النب

(، هذا الحديث أنكره العلماء، ومن جملة أن يعيدوا الصالة والوضوء مع -هللا عليه وآله وسلمالعلماء الذين أنكروه اإلمام أحمد، وكذلك اإلمام الشافعي، ولم يحتجوا بهذا المرسل، مع أن الذي

من كبار التابعين؛ ألن أبا العالية الرياحي، وإن كان من كبار التابعين، إال أنه كان ال أرسلهينتقي الشيوخ، وإنما يروي عن الثقات، وغير الثقات، ويرسل عن الثقات، وعن غير الثقات، فلم

يه عل-يكن ممن يختار الشيوخ، وينتقيهم بحيث ال يروي إال عن الثقات، حتى قال اإلمام الشافعي يقصد هذا المرسل خصوص، «. مراسيل أبي العالية الرياحي رياح : » -رحمة هللا تبارك تعالى

يعني أنها كالريح، ال تساوي شيئا ؛ ألنه كان من شأنه أن يروي عن الثقات، وعن غير الثقات، ، فمن يعزوا إلى اإلمام أحمد مثال أن يقبل المرسل مطلقا هكذا من غير قيد أو شرط هذا خطأ

وقد بين وجه هذا الخطأابتداء من شيخ اإلسالم ابن تيمية وابن القيم وابن رجب وكذلك الحافظ . -عليه رحمة هللا تبارك تعالى-ابن حجر

في االحتجاج -عليه رحمة هللا تعالى-ثم سيأتي بعد ذلك ما يتعلق بتفصيل اإلمام الشافعي ون المرسل محتجا به، ومتى ال يكون محتجا بالمرسل، فقد وضع لنا ضوابط، نعرف بها متى يك

به، وهذه الضوابط، وإن نص عليها الشافعي إال أنها ليس مما يختص به الشافعي، بل ما من إمام ممن يحتج بالمرسل كاإلمام أحمد مثال إال وهو يسلك هذا المسلك، ويتبع هذه الضوابط، وإن

أهل العلم قد يتبع القاعدة وال ينص عليها، لم ينص على ذلك في كالمه، كما قلنا آنفا ، بعضوالبعض اآلخر ينص على القاعدة وإنما نعرف أن هذا اإلمام يسلك هذه القاعدة التي نص عليها غيره باستقراء سامعه في العلم، وبتتبع أحكامه في الروايات واألسانيد، فنعرف أنها يراعي في

هذه الضوابط التي ذكرها غيره من أهل العلم، معالجته لألسانيد، وفي تعامله مع الروايات، فكالم أهل العلم في ذلك متفق، وليس مختلفا .

Page 157: علوم الحديث   المستوى الثاني

وأما الشافعي فنص على أن مرسالت سعيد بن المسيب: : )-رحمه هللا تعالى-قال المصنف حسان، قالوا؛ ألنه تتبعها فوجدها مسندة. وهللا أعلم.

ل عليه كالمه في الرسالة: "أن مراسيل كبار التابعين حجة إن جاءت من وجه آخر والذي عوولو مرسلة، أو اعتضدت بقول صحابي، أو أكثر العلماء، أو كان المرسل لو سمى ال يسمي إال

ثقة، فحينئذ يكون مرسله حجة، وال ينتهض إلى رتبة المتصل".

. (قال الشافعي: وأما مراسيل غير كبار التابعين فال أعلم أحدا قبله

فصل في كتابه الرسالة، وهو مطبوع متداول، شرائط -عليه رحمة هللا تبارك تعالى-لشافعي ا دار في فلكين: -رحمه هللا تعالى-قبول المرسل، واالحتجاج به، وكالمه

يتعلق بالرواية المرسلة، متى تكون صالحة لالعتضاد بغيرها؟ الفلك األول:

تي تنضم إلى ذلك المرسل الجامع لشروط المرسل ما يتعلق بهذه العواضد، ال الفلك اآلخر: الذي يصلح لالعتضاد، وبيان أنواع هذه العواضد.

إذن لكي نعرف متى يكون المرسل محتجا به، أو ليس محتجا به، البد أن نفهم كالم العلماء على هذا النحو، بعضه تعلق بالرواية المرسلة نفسها، متى تكون صالحة لالعتضاد بغيرها، أوغير صالحة لالعتضاد بغيرها؟ ثم إذا كانت صالحة لالعتضاد فهذا وحده ال يكفي االحتجاج

بها، بل البد مع ذلك أن ينضم إليها ما يعضدها، وما يقويها، وما يأخذ بيدها.

وحينما نتكلم عن عواضد المرسل، أو عن المرسل الصالح لالحتجاج به، فنحن نعلم أن ف ضعفا ، لماذا المرسل من أخف أنواع الضعيف ضعفا ؛ ألن المرسل من أخف أنواع الضعي

الموضع الذي يخشى من ورود الخلل من جهته في الرواية هو في الطبقات العليا، وكلما كان الخلل الذي يحتمل وقوعه في الرواية مصدره في الطبقة العليا، كلما كان أثره في الرواية سلبا ،

ة دنيا، وسنشرح ذلك، وإنما أقول هذا لماذا؟ أقل مما لو كان نفس السبب في طبق

أقول هذا ألننا إذا رأينا هذه االحترازات الشديدة التي سيأتي بيانها، وهذه الضوابط التي للحديث المرسل، لكي يكون صالحا لالحتجاج -عليه رحمة هللا تعالى-وضعها اإلمام الشافعي

فما بالك بغيره من أنواع الضعيف، الذي به، مع أن المرسل من أخف أنواع الضعيف ضعفا ، هو بالضرورة أشد من المرسل من حيث الضعف، فإذا كان هذا الذي ضعفه خفيف يحترز فيه

الشافعي غاية االحتراز كما سيأتي، فمن باب أولى أن يحترز لمثل ذلك، أو أشد في ما كان الضعف فيه ناشئا عن غير اإلرسال من أنواع الضعف.

وأبدا أشبه اإلسناد بالبناية، بناية، عبارة عن عدة طوابق، هذا إسناد، طبقة بعدها أنا دائما طبقة، مرتبة فوقها مرتبة، راو يروي عنه آخر، وهذا الراوي يروي عمن فوقه، وهكذا حتى

فهو أشبه بالطوابق. وأنت إذا -صلى هللا عليه وسلم-ينتهي الخبر، أو اإلسناد إلى رسول هللا بناية مثال من عدة طوابق، لو أن خلال في هذه البناية في الطابق األول، أثره يكون نظرت إلى

على البناية أشد، أم إذا كان في الطابق الخامس؟ أم إذا كان في الطابق األخير؟ كلما كان الخلل أشد في هذه البناية في الطوابق النازلة، في الطوابق السفلى، كلما كان أثره، وضرر البناية به،

مما لو كان هذا الضرر، أو هذا الخلل في طبقة عليا، أو في دور أعلى، فإذا كان مثال هناك خلل في البناية في الدور األخير، فهذا إن أثر في البناية فسيؤثر في هذا الدور فقط، وإذا كان الخلل

Page 158: علوم الحديث   المستوى الثاني

من أدوار، وإذا كان في وسط البناية، فسيؤثر سلبا على البناية، سيؤثر في هذا الدور، وما فوقه هذا الخلل موجودا في الطبقة السفلى فإن أثره يكون على البناية كلها.

وهكذا الشأن في اإلسناد، كلما كان الخلل أو الموضع الذي يخشى من ورود الخلل فيه من جهته في الرواية في طبقة نازلة، كلما كان أثره سلبا على الرواية أكثر مما لو كان في الطبقة

يعاملون الخلل حيث يقع في -عليه رحمة هللا تبارك تعالى-لعليا؛ ولهذا نجد علماء الحديث االرواية، أو ما كان مظنة لورود الخلل في الرواية، يعاملون هذا النوع من الخلل بميزان

مختلف؛ الختالف موضعه في اإلسناد.

يثه صحيح، إذا تفرد التابعي فمثال التفرد: تفرد الراوي بالرواية، إذا تفرد الصحابي فحدفحديثه أيضا صحيح، ثم يأتي بعد ذلك تفرد التابعي، أو تفرد أتباع التابعين، أو تفرد من بعدهم،

يتبين من خالل كالم أهل العلم، ومن خالل تعاملهم مع األساليب، أن هذا التفرد في الطبقات ن احتمال قبول التفرد أبعد، وكلما علونا التي دون طبقات التابعين، كلما نزلنا باإلسناد، كلما كا

في -عليه رحمة هللا-باإلسناد، كلما كان احتمال قبول التفرد أقرب، ولهذا نجد اإلمام الذهبي كتابه: "الموقظة" المعروف، لما ساق طبقات الحفاظ من الصحابة إلى طبقة مشايخه، طبقة

بعد أن سمى هؤالء الحفاظ من زمن طبقة، إنما ساق الحفاظ الثقات، ولم يذكر الضعفاء، ففهؤالء الحفاظ الثقات إذا : » -رحمه هللا-الصحابة إلى طبقة مشايخه، قال هذه العبارات، قال

تفرد الواحد منهم في طبقة التابعين، فحديثه صحيح، وإذا تفرد الواحد منهم في طبقة أتباع «.التابعين، قيل: صحيح غريب

صحيح غريب، وإذا كان التفرد في طبقة أتباع أو تبع أتباع »انظر العبارة تغيرت، قيل: أي في هذه « ويندر تفردهم » ، لم يقل صحيح ها هنا، ثم قال: « التابعين، قيل: غريب فرد

ويندر تفردهم، فتجد الواحد منهم عنده مائة ألف حديث، » الطبقة، أي تبع أتباع التابعين، قال: وأما من بعدهم فأين ما ينفرد به؟! ما علمته فقد » ثم قال: « ة ال يكاد ينفرد بحديثين أو ثالث

ومعلوم أن الذهبي من أهل االستقراء التام، كما وصفه بذلك الحافظ ابن حجر «. يوجد . -رحمه هللا تعالى-العسقالني

أي طبقة مشايخ البخاري « وإذا كان منفرد من طبقة مشايخ األئمة » ثم قال بعد ذلك: انظر أخي الكريم: التفرد هو « فيما يتفرد به منكر » لم، وأمثال هؤالء، قيل: ومشايخ ومس

التفرد، لكن هذا التفرد في طبقة عليا كان صحيحا ، ثم كلما نزلنا في طبقة كلما كان قبول هذا التفرد أبعد عنه في الطبقة العليا، وكلما نزلنا بالطبقة، كلما ضعف قبول التفرد، وهذا له تحليالت

عليالت عند أهل العلم ليس هذا موضع بيانها.وت

كذلك نقول مثال : االنقطاع، أو عدم االتصال: إذا كان في طبقة التابعين فهو أخف ضررا للرواية، مما وقع مما كان ذلك في طبقة دنيا، أو طبقة متأخرة، لماذا؟ ألن التابعين في األعم

صلى -ا أخذوا الخبر عن الصحابي عن رسول هللا األغلب السيما إذا كانوا من كبار التابعين إنم، وإن كان يحتمل أن يكونوا إنما أخذوا الخبر عن تابعي آخر، عن صحابي، عن -هللا عليه وسلم، فاألعم األغلب في التابعين: هو الصدق والديانة واألمانة، -صلى هللا عليه وسلم-رسول هللا

عليه رحمة هللا تبارك -بل يقول اإلمام الذهبي واألسانيد قصيرة، يسهل حفظها، والخلل قليل،: " إنه ال يكاد يوجد في طبقة التابعين من الضعفاء إال القليل النادر "، كيف يكون -تعالى

ليس إال صحابي، أو تابعي آخر -صلى هللا عليه وسلم-ضعيف، واإلسناد بينه وبين رسول هللا غفل عن حفظه، من عرف بالثقة، أو عرف وصحابي، فوسائل حفظ اإلسناد سهلة، يصعب أن ي

بالضبط واإلتقان، وال يخطئ في هذه الطبقة إال من كان مغفل، أو ال يحسن حفظ األسانيد أو كما سيأتي يشترط في قبول المرسل: أن يكون -عليه رحمة هللا-المتون؛ ولهذا وجدنا الشافعي

Page 159: علوم الحديث   المستوى الثاني

ومن نظر في العلم بخبرة، وقلة » الذي أرسله من كبار التابعين، وهو قال في غضون كالمه: ثم شرح ذلك « غفلة، استوحش من مرسل كل من دون كبار التابعين، بدالئل ظاهرة فيها

وشرحها من بعده العلماء، ولكن نحن نريد اآلن أن نذكر خالصة ما قاله اإلمام الشافعي، به من المراسيل، وما ونعرف فقه اإلمام الشافعي في التعامل مع المرسل، والتمييز، بينما يحتج

ال يحتج به.

إن المرسل لكي يكون صالحا لالعتبار البد أن تتحقق فيه هو شرائط:

الشرط األول: أن يصح السند إلى من أرسل الخبر. حينما نقول: هذا مرسل أي أرسله ذلك --ل هللا التابعي، البد أن يكون هذا التابعي صح السند إليه، أنه روى الرواية مرسلة عن رسو

، لكن إذا روى عن المرسل أحد الضعفاء الحديث مرسال ، فهل نستطيع أن -صلى هللا عليه وسلمنقول: إن هذا التابعي أرسل الخبر أو لم يرسله؟ ال نستطيع؛ ألنه ما بني على خطأ فهو خطأ،

واه الثقات، إال إذا ر -صلى هللا عليه وسلم-فنحن ال نستطيع أن نجزم بنسبة الخبر إلى رسول هللا ، والسند إليه -صلى هللا عليه وسلم-فكيف جزمنا بأن هذا التابعي أرسل الحديث عن رسول هللا

-لم يصح، فالبد من صحة اإلسناد إلى ذلك التابعي الذي روى الخبر مرسال عن رسول هللا لشافعي ، وهذا الشرط نص عليه عدد من أهل العلم، وهو مفهوم من كالم ا-صلى هللا عليه وسلم

في الرسالة، ونص عليه اإلمام الذهبي، وكذلك الحافظ ابن حجر العسقالني، وكذلك الزركشي أيضا في نكته على كتاب ابن الصالح.

الشرط الثاني: أن يكون هذا التابعي نفسه من الثقات، وليس من الضعفاء؛ ألنه إن كان من --بعض الموقوفات فنسبها إلى رسول هللا الضعفاء، فلربما التبست عليه بعض الروايات، جاء ل

وأرسل الخبر، خطأ منه، بل البد أن يكون من الثقات كما يصفه اإلمام -صلى هللا عليه وسلمفي الرسالة، بأن يكون من الثقات المأمونين، فأما إذا لم يكن ثقة فهذا -عليه رحمة هللا-الشافعي

مرسله وعدمه سواء.

هذا التابعي ال يروي إال عن الثقات. ليس معروفا بأخذ العلم عن الشرط الثالث: أن يكون -الضعفاء، وإنما ال يروي إال عن الثقات، ولم يتحمل العلم إال عمن يوثق به، فأما إذا كان من

شأنه أن يروي الحديث، أو يسمع الحديث، أو تحمل الحديث عن الضعفاء والمجهولين، والثقات ط مما تحمله عن الثقات وتحمله عن الضعفاء والمجاهيل، فحينئذ ال أيض ا، وكان حديثه فيه خلي

يكون مرسله صالحا لالعتبار أصال ؛ الحتمال أن يكون مخرج المرسل عن هؤالء الضعفاء، أو عن بعضهم.

الشرط الرابع: أن يكون هذا التابعي من كبار التابعين، وليس من صغار التابعين. -وذكر في عبارته ما يؤكده وأعاد ذلك في أكثر من موضع في كتابه والشافعي أكد هذا المعنى،

ومن نظر في العلم بخبرة، وقلة غفلة، استوحش من مرسل » الرسالة، وقال في ضمن ما قال: -رحمه هللا تعالى-وقال أيضا في غضون كالمه « كل من دون كبار التابعين بدالئل ظاهرة فيها

ال أعلم » ، والشافعي حينما يقول: «بعين فال أعلم أحدا قبلها وأما مراسيل غير كبار التا: » فهو إنما يحكي عن أقرانه، أو من تقدم عليه من أهل العلم، والشافعي من أهل « أحدا قبلها

.-رحمه هللا تعالى-االستقراء، وهو حجة فيما ينقله عن غيره من أهل العلم

إذا تحققت في الرواية المرسلة، هل هذا يكفي فهذه الشرائط صالحية المرسل لالعتبار، لكن لالحتجاج بالرواية المرسلة؟ ال..، هذا وحده. وإنما هذا معناه، أن هذه الرواية المرسلة صارت

صالحة لتلقي هذه العواضد، صارت أرضا خصبة، أرضا طيبة تصلح لتقبل العواضد التي ف الحجة.تقويها وتأخذ بيدها حتى يرتقي الحديث حينئذ إلى مصا

Page 160: علوم الحديث   المستوى الثاني

فما هذه العوضد؟

أن يسنده -رحمه هللا-العاضد األول: أن يسنده الحفاظ المأمونون، وهذه عبارة الشافعي -، يعني أن -صلى هللا عليه وآله وسلم-الحفاظ المأمونون إما باللفظ، وإما بالمعنى عن رسول هللا

بمثل معنى ذلك المرسل، -لمصلى هللا عليه وآله وس-يجيء إسناد صحيح متصل إلى رسول هللا فحينئذ نستدل بهذا المسند الصحيح على صحية مخرج المرسل.

نحن قلنا: إن الشافعي إنما يبحث ها هنا في معرفة هذا الذي أمره مغيب من المرسل، نحن نخاف أن يكون المرسل أخذ الحديث عن بعض الضعفاء، فهو يضع هذه الضوابط ليتأكد أو

إما أنه صحابي، -صلى هللا عليه وسلم-الذي سقط بين المرسل ورسول هللا يغلب على ظنه بأن . فأوال : هذا المرسل إن انضم -صلى هللا عليه وآله وسلم-أو تابعي ثقة، وصحابي عن رسول هللا

إنما أخذ -صاحب الرواية المرسلة-إليه مسند صحيح فحينئذ يستدل بذلك على أن المرسل األول ثقة، وليس عن تابعي ضعيف، بعد أن تحققنا من أن الرواية لها أصل صحيح الحديث عن تابعي. بعض أهل العلم قال: إن هذا المسند ال يشترط أن -صلى هللا عليه وآله وسلم-عن رسول هللا

يكون صحيحا ، بل من الممكن أن يكون مسندا ال تقوم به الحجة بانفراده، وهذا القول لم يلق أهل العلم:قبوال عند جمهور

أوال : لمخالفته لظاهر نص كالم الشافعي؛ ألنه قال: أن يسنده الحفاظ المأمونون.

ال يقوي الرواية المرسلة بالرواية المسندة، بحيث يكون -رحمه هللا-ثاني ا: وهو أن الشافعي أن النتيجة المنضمة من اجتماع المرسل بالمسند مما يحتج به، وإنما يستدل بهذا المسند على

صحيحا لذاته، بعد أن عرفنا أو -ذلك المرسل-المرسل نفسه كان مخرجه عن ثقة، فيكون حينئذ غلب على ظننا بأن مخرجه عن الثقات، وليس عن الضعفاء.

ويعبر عن ذلك اإلمام ابن الصالح، وكذلك اإلمام النووي في مختصره لكتاب ابن الصالح، فإذا انضم لهذا المرسل مسند صحيح أو : » - تعالىرحمه هللا-وكذلك في مقدمة المجموع بقوله

يعني صار المرسل األول « مرسل، أرسله من أخذ العلم عن غير رجال األول كان صحيحا بعد أن عرفنا مخرجه بعد أن استدللنا على ثقة الراوي الذي سقط من الرواية المرسلة بما انضم

تأكدنا به أن مخرج هذه الرواية المرسلة عن إلى الرواية المرسلة من المسند الصحيح، الذيالثقات، وليس عن الضعفاء، صار هذا المرسل نفسه صحيحا ، كما أنه لو صار صحيحا لذاته،

فيصير في المسألة » ، هذه عبارة النووي، «فيصير في المسألة حديثان صحيحان » يقول: حتى » مسند الصحيح يقول: أي المرسل بعد أن عرفنا صحة مخرجه، وال« حديثان صحيحان

، أي صحيح لذاته، قدمناهما عليه إذا تعذر الجمع، معنى «لو عارضهما صحيح من وجه آخر هذا أن هذا المرسل انضم إليه مسند صحيح أم ال؟

عندنا مرسل ومسند ضعيف، إذا اجتمع يتولد منهما حسن لغيره، ومعلوم أن الحسن لغيره فكيف قدم اإلمام النووي المرسل مع ما انضم إليه من المسند دون الصحيح لذاته في المنزلة،

على ذلك الصحيح لذاته، إنما قدمه؛ ألنه يتعامل مع ذلك المسند الصحيح، فهو استدل أوال بهذا المسند الصحيح على صحة مخرج المرسل، ثم صار في المسألة حديثان: مسند عرفنا صحة

الصحيح، فيصير في المسألة حديثان صحيحان إذا مخرجة فصار صحيحا لذاته، وهذا المسندعارضهما صحيح لذاته، بطبيعة الحال: يقدم الوجه الذي فيه حديثان صحيحان على الوجه الذي

فيه حديث واحد صحيح.

Page 161: علوم الحديث   المستوى الثاني

العاضد الثاني: مرسل آخر. يعني يأتي مرسل آخر أرسله تابعي آخر أيضا عن رسول هللا -وهذا المرسل اآلخر أي بمثل معنى المرسل األول، وهذا المرسل ، -صلى هللا عليه وآله وسلم-

اآلخر البد أن يتحقق فيه:

كل الشرائط التي تحققت في المرسل األول، من صحة اإلسناد إلى من أرسله، وأن أوال :يكون هذا الذي أرسله من الثقات، وليس من الضعفاء، وأن ال يكون معروفا بأخذ العلم عن

يكون من كبار التابعين، وليس من صغارهم؛ ألن الرواية إنما تتقوى بما هو الضعفاء، وأن مثلها أو أقوى منها، وليس بما دونها.

أن ال يكون كل من التابعيين المرسلين قد أخذ العلم عن شيوخ اآلخر. يعني هذا التابعي ثاني ا:المرسل الثاني، شيوخه الذين تلقى عنهم العلم غير شيوخ -صاحب المرسل األول-األول

لنطمئن إلى تعدد المخارج، وأن الحديث ال يعود إلى شيخ واحد، الحتمال أن يكون إذا اشترك عن أخذ العلم عن بعض الشيوخ، أن يكون إنما أخذ المرسل األول والمرسل الثاني كالهما أخذ

كونه من الحديث عن بعض الشيوخ ممن اشترك في أخذ العلم عنه، فيرجع حينئذ الحديث إلى رواية واحدة، فكيف نقوي الرواية بنفسها، هل الرواية تتقوى بنفسها أم تتقوى بغيرها؟! تتقوى

بغيرها؛ فلهذا يشترط ذلك، وبالضرورة مفهوم ضمنا أنه إذا كان يشترط أن يكون كل من ذ التابعيين قد أخذ العلم عن غير شيوخ التابعي اآلخر، فمن باب أولى أن ال يكون أحدهما أخالعلم عن اآلخر، وقد أرسلهما هذا الحديث الواحد، فالذي يغلب على الظن أن أحدهما أخذ

.-صلى هللا عليه وآله وسلم-الحديث من اآلخر، ثم أسقطه وارتقى بالحديث إلى رسول هللا

العاضد الثالث من عواضد المرسل: أن يكون هذا المرسل قد جاء بموافقته قول بعض - .-رضي هللا عنهم-الصحابة الكرام

العاضد الرابع: أن يكون هذا المرسل قد قال بمعناه عامة أهل العلم، وبطبيعة الحال يشترط -صحة الرواية إلى الصحابي، أو إلى هؤالء التابعين مثال الذين وردت عنهم تلك األقوال الموافقة

فقد يكون الحديث مما لذلك المرسل هذه من جهة. من جهة أخرى: أن نتحقق من تعدد المخارج. اختلف فيه الرواة، فبعضهم رواه مرسال ، وبعضه رواه موقوفا ، والحديث هو الحديث، مخرجه

، -صلى هللا عليه وسلم-واحد اختلف فيه الرواة، لكن بعضهم رواه مرسال عن رسول هللا الصحابي، وبعضهم رواه موقوفا عن صحابي، فأنت تأتي وتقول: هذا مرسل قد وافقه قول هذا

إذن يتقوى به. نقول: ال؛ ألن هذا مخرج واحد، فالبد أن تتعدد المخارج، فيكون مخرج المرسل يختلف عن مخرج الموقوف، بحيث يغلب على ظننا بأن هذا الموقوف الذي على هذا الصحابي

لى حينما قاله، قاله من غير أن يكون عنده علم بهذا المرسل، أو لم يخطئ بعض الرواة، فعمد إعلى جهة اإلرسال، فحينئذ -صلى هللا عليه وسلم-قول الصحابي فأخطأ، ونسبه إلى رسول هللا

في هذا األمر. -رحمه هللا تعالى-ال يكون هناك من فائدة. هذا خالصة ما قاله الشافعي

مراسيل الصحابة

عباس قال ابن الصالح: وأما مراسيل الصحابة، كابن: )-رحمه هللا تعالى-قال المصنف وأمثاله، ففي حكم الموصول؛ ألنهم إنما يروون عن الصحابة، وكلهم عدول، فجهالتهم ال تضر.

وهللا أعلم.

قلت: وقد حكى بعضهم اإلجماع، على قبول مراسيل الصحابة، وذكر ابن األثير وغيره في هم عن بعض ذلك خالفا . ويحكى هذا المذهب عن األستاذ أبي إسحاق اإلسفرايئني، الحتمال تلقي

Page 162: علوم الحديث   المستوى الثاني

إن شاء هللا -التابعين. وقد وقع رواية األكابر عن األصاغر، واآلباء عن األبناء، كما سيأتي . (.-تعالى

هذه مسألة أخرى من المسائل التي يتناولها علماء الحديث، وأيضا علماء األصول، وهي ما ، ويضاف إلى تسمى عندهم بمراسيل الصحابة. ما معنى مراسيل الصحابة؟ وكيف يكون مرسال

، وإنما أخذه عن -صلى هللا عليه وسلم-الصحابي؟ أي ما لم يسمعه الصحابي من رسول هللا ، وهذا عادة ما يكون من صغار الصحابة، -صلى هللا عليه وسلم-صحابي آخر عن رسول هللا

، فهم إما الذين لم يدركوا البعثة، وصاروا يحدثون بأخبار، نعلم بالضرورة أنهم لم يدركوا زمانها، وإما أنهم أخذوها عن صحابي آخر من كبار -صلى هللا عليه وسلم-أنهم أخذوها عن رسول هللا

: » -رضي هللا عنه-، كما قال أبو الدرداء -صلى هللا عليه وآله وسلم-الصحابة عن رسول هللا حدث بعض، ، كان بعضنا ي -صلى هللا عليه وسلم-ليس كل ما نحدثكم به، أخذناه عن رسول هللا

رضي هللا -كانوا كلهم عدوال أمناء -رضي هللا عنهم جميعا -؛ ألنهم «ويصدق بعضنا بعضا ، فهذا وإن سميناه مرسال إال أننا نعطيه حكم االتصال، ونعامله معاملة االتصال -عنهم أجمعين

م أنه ليس من حيث الحكم، وأما وصفه بكونه مرسال أي من حيث التسمية واالصطالح، ألننا نعل، بينه وبين -صلى هللا عليه وسلم-متصال ؛ ألن هذا الصحابي لم يسمع هذا الخبر من رسول هللا

واسطة، لكن لما تحققنا من أن الواسطة عن صحابي، -صلى هللا عليه وسلم-رسول هللا والصحابة كلهم عدول، فمعرفتنا بهذه الواسطة أو عدم معرفتنا غير مؤثر في الحكم.

صلى هللا -ه الحيثية صار الحكم سواء، سواء هذا الصحابي أخذ الخبر عن رسول هللا فمن هذ، -صلى هللا عليه وسلم-مباشرة، أم أخذه عن صحابي آخر، عن رسول هللا -عليه وآله وسلم

ونقول: إننا نعامله معاملة المتصل، أو نحكم باتصاله، وال نقول: إنه متصل حقيقة؛ ألنه لم هذا وصفوه بأنه مرسل.يتصل حقيقة؛ ول

بعض الباحثين ممن لم يعرف الفرق بين هذه االصطالحات يخلط، فيعمد إلى بعض ما وصفه العلماء من هذا الباب بأنه مرسل، يقول: ال، هذا مرسل صحابي، ومرسل الصحابي

حجة، واإلمام لم يقصد أنه ليس بحجة، إنما يقصد أنه من حيث التسمية هو مرسل، وإن كان من يث الحكم كالمتصل سواء بسواء. ح

تنبيه: والحافظ البيهقي في كتابه: "السنن الكبير" وغيره، : )-رحمه هللا تعالى-قال المصنف يسمي ما رواه التابعي عن رجل من الصحابة مرسال . فإن كان يذهب مع هذا إلى أنه ليس

. (مبحجة، فيلزمه أن يكون مرسل الصحابة، أيضا ليس بحجة. وهللا أعل

، ولم -صلى هللا عليه وسلم-التابعي أحيان ا يقول: عن رجل من الصحابة، عن رسول هللا -يسمي ذلك الصحابي، فبعض أهل العلم يعد ذلك من المرسل، كالبيهقي. والواقع أن البيهقي ليس

ابه: متفردا بهذ، وإنما موجود في كالم غيره من أهل العلم، ولكن من يتأمل صنيع البيهقي في كت"السنن الكبير" و"المعرفة" أيضا ، يتبين أن البيهقي ال يعل الحديث باإلرسال إذا كان على هذه الصفة، إال حيث يعرض ما هو أقوى منه، بل هو نص في بعض مواضع حيث رد بعض ما كان من هذا القبيل، وعلل ذلك بأنه إنما يقبله، إذا لم يكن عارضه ما هو أصح منه، هذا من

من ناحية أخرى: البد أن يكون هذا التابعي هو الذي وصف ذلك بأنه صحابي، يعني ناحية.التابعي هو الذي يقول عن رجل من الصحابة، لكن لو أن التابعي قال: عن رجل، ثم قال من بعد

التابعي، فوصف ذلك الرجل بكونه صحابي، فحينئذ ال يعترض على مثل البيهقي؛ ألن غير ل بالصحبة، وهو ليس صحابي، أو يتنازع في كونه صحابي، أما التابعي التابعي قد يصف الرج

ففي الغالب أنه أخذ ذلك عنه.

Page 163: علوم الحديث   المستوى الثاني

بعض أهل العلم فرق بين ما إذا صرح التابعي بسماعه لذلك الصحابي، أو لم يصرح، -وهذا كالم متجه وكالم صحيح؛ ألنه هب أنه سمى هذا التابعي ولم يسمع منه؟ أليس هناك من

ين من قد حدث عن بعض الصحابة من غير سماع، وروايتهم عنهم من قبيل اإلرسال، التابعكالزهري يحدث عن بعض الصحابة الذين لم يسمع منهم، مع أنه قد سماهم، فإذا قال الزهري

عن رجل من الصحابة، هل هذا يلزم منه اتصال؟ قد يكون هذا من جملة الصحابة الذين ليس له رط بعض أهل العلم كالصيرفي وغيره، أن يصرح بالسماع، ونجد بعض منهم سماع؛ فلهذا اشت

أهل العلم كالبخاري، واإلمام الحاكم النيسابوري وغيرهم، يعدون ذلك من المنقطع على هذه الحيثية، يعني أنه لم يتصل بين هذا التابعي والصحابي، ال أنه ينازع في كونه صحابيا .

عن رجل عن فالن، فبعض أهل العلم يجعله من المتصل، وكذلك إذا ورد في أثناء اإلسناد ويقول: هو متصل في إسناده مجهول. والبعض اآلخر: جعلوه من المنقطع. والبعض اآلخر:

جعلوه من المرسل.

والواقع أن هذا اختالف لفظي، فالكل متفق على كونه ليس محتجا به، إنما اختلفوا هل يسمى صل والعلة الجهالة، وليس اإلرسال أو االنقطاع؟ هذا اختالف منقطعا ؟ أم مرسال ؟ أم هو مت

لفظي، لكن على جميع األقوال هو غير محتج به.

. إجابات الحلقة الماضية

كان السؤال األول: قول التابعي: من السنة كذا هل هو من قبيل المرفوع؟

، لكن الصحيح أنه وكانت اإلجابة: قول التابعي: من السنة كذا، فيه خالف بين أهل العلم . نعم، هذا هو الراجح في المسألة. موقوف. وهللا أعلم

السؤال الثاني: هل يصح وصف الحديث بكونه شاذا ومقلوبا علل؟

وكانت اإلجابة: نعم، يصح وصفه بكونه مقلوبا ، بين فيه وجه الخطأ، أن كونه شاذا أفاد أن . وقع فيه الراوي. وهللا أعلم الحديث وقع فيه خطأ، ولم يبين نوع الخطأ الذي

يعني من قال من أهل العلم في الحديث: إنه شاذ، أو وصفه بأنه وقع فيه خطأ من غير أن يبين نوع ذلك الخطأ. أما من قال: إنه مقلوب، فقد زاد فائدة وهي: أن هذا الخطأ هو من قبيل

القلب في الروايات، وهللا أعلم.

. م فقيها ؟تقول: هل اإلمام أحمد محدثا أ

هو محدث فقيه، وإمام أهل السنة والجماعة، رحمه هللا ورضي عنه.

. تقول: لماذا لم يأخذ بعض الفقهاء بمرسل الصحابي، مع علمنا أن الذي ال شك فيه بعدالته؟

ال..، ليس الشأن في عدالة الصحابي، ال يختلف في ذلك أهل السنة، وإنما الشأن في سماع يث من ذلك الصحابي؛ ألنه لم يسمي ذلك الصحابي، ونحن نريد أن نعرف، التابعي لذلك الحد

هل هذا التابعي أخذ الحديث عن هذا الصحابي، أم بلغ به عن هذا الصحابي الذي أبهم اسمه؟ هو صحابي من حيث الصحبة، لم يراجع في ذلك، إنما الذين توقفوا في االحتجاج بذلك، ووصفوه

هذا التابعي سمع من هذا الصحابي، أم لم يسمع من ذلك الصحابي. باإلرسال، أي أننا ال نعرف

Page 164: علوم الحديث   المستوى الثاني

والتابعون كانوا يرسلون األحاديث عن الصحابي الذي يسمونه في األسانيد، كما أن الزهري يحدث عن بعض الصحابة الذين ليس له منهم سماع، فإذا جاء الزهري، وقال: عن رجل من

سمه هو من جملة الصحابة الذين ليس له منهم سماع، الصحابة، فلعل هذا الصحابي الذي أبهم ا ليس ذلك طعنا في الصحابة، وإنما راجع إلى مسألة االتصال وعدمه. وهللا أعلم.

-كافرا ثم أسلم بعد وفاة النبي -صلى هللا عليه وسلم-يقول: أولها: التابعي الذي رأى النبي لة، فهل ذلك يقبل منه سواء تحققنا أنه حضر ذكرتم أن روايته مقبولة متص -صلى هللا عليه وسلم

. هذا الحدث أم ال يستويان؟

أنا تكلمت في كونه يسمى مرسال أم ال؟ نحن اشترطنا في المرسل: أن يكون الذي رواه عن الرسول تابعي، وهذا تابعي، وقد سمع من الرسول، فلماذا لم يعده العلماء من المرسل، فنحن

صلى هللا عليه -ن المرسل؛ لكون هذا التابعي إنما أخذه من رسول هللا نقول: لم يعده العلماء ممباشرة، وإن كان وقت أن تحمله من النبي ليس مؤمنا ، لكن لما حدث به بعد أن آمن -وسلم

وأسلم قبل ذلك منه، فلم يعامل معاملة المرسل من هذه الحيثية، فهذا من حيث التعريف، وليس ات. يهتم بمثل هذه التفريع

يقول: السؤال األول: هل مقطوع التابعي الذي ال مجال فيه للرأي يكون له حكم الرفع؟ كقول (. أال يكون هذا من قبيل المرفوع من قطع تميمة من إنسان كان كعدل رقبةسعيد بن جبير: )

الذي ال مجال فيه للرأي؟ السؤال الثاني: عندما يحدث اختالف في بعض األحاديث كالرفع ف، يقول بعض األئمة، يفترض فيه الوقف، هل يلزم من هذا قول: الصواب فيه الوقف، والوق

هل يلزم أن صحة اإلسناد إلى الصحابي؟ أو هو وصف للرواية؟ قد يصح إلى الصحابي وقد ال يصح؟ يعني: إذا قال بعض األئمة في بعض األحاديث المختلف في رفعها ووقفها قال: أن هذا

صحابي، أو هو وصف بأن المحفوظ في الرواية هو الوصف؟صحة اإلسناد إلى ال

المسألة الثانية هذه من خصوصيات علم العلل، نحن نتكلم عن مسألة على فرض أن الرواية صحت بالفعل، لكن كيف تصح هذا مما نعالجه في أبواب علل األحاديث، ليس هذا موضع بيان

، فبعضهم رواه مرسال ، وبعضهم رواه موقوفا ، هذا، لكن نتكلم إذا كان الحديث اختلف فيه الرواةوالحديث واحد، وإنما ذلك من اختالف الرواة، فالمخرج واحد، فهي تعامل على أنها رواية واحدة، إما أن يصح فيها اإلرسال فيعامل معاملة المرسل، وإما أن يصح فيها الوقف فيعامل

.-إن شاء هللا تعالى-علل األحاديث معاملة الموقوف،أما كيف نحقق ذلك هذا موضوع في علم

إذا قال التابعي قوال مما ال يقال بالرأي، هل يعامل معاملة المرسل أم إجابة السؤال األول:ال؟ هذا إن كان إخبارا عن الغيبيات، فقد يكون إنما أخذه عن أهل الكتاب، أما إذا عبر بأن هذا

كون ذلك من قبيل المرسل؛ ألنه في الغالب مما يترتب عليه ثواب معين أو عقاب معين، فقد ي، كما ذكر الحاكم النيسابوري في -صلى هللا عليه وسلم-أنه أخذه بحديث المتصل إلى رسول هللا

مبحث المعضل، بأن من صور المعضل: أن يقول التابعي قوال من قبل نفسه مما ال يقال ، من وجه آخر -صلى هللا عليه وسلم-بالرأي، ويكون ذلك القول مسندا متصال إلى رسول هللا

فيكون معضال من هذه الحيثية، ومعنى كونه معضال من هذه الحيثية، أنه عامله معاملة المرفوع ؛ ألنه قول قاله التابعي، فكيف يوصف بكونه -صلى هللا عليه وسلم-المضاف إلى رسول هللا

فناه باإلعضال، فالغالب أنه يرويه معضل، إال إذا كان هذا التابعي يسنده عمن فوقه؟ وإذا وص، وهذا ما استحسنه اإلمام ابن الصالح، وسيأتي في نوع -صلى هللا عليه وسلم-عن رسول هللا

. -إن شاء هللا-المعضل

Page 165: علوم الحديث   المستوى الثاني

يقول: إذا علمنا أن الصحابي هو الذي سقط، والصحابة كلهم ثقات، فهل نحكم على هذا .الحديث بالصحة؟

صحابي، فالحديث صحيح متصل ال غبار عليه. إذا تيقنا من أن الساقط

. يقول: نرجو توضيح قول الحافظ البيهقي في سننه عن المرسل؟

تعرض في كتابه: السنن الكبير وغيره، إلى الروايات -عليه رحمة هللا تعالى-اإلمام البيهقي ا عن التابعي، عن رجل من الصحابة، من غير أن يسميه، عن ر -سول هللا التي يقع فيها كثير

ا بأنها مرسلة. فبعضهم قال: إنما سماها مرسلة، ومع ذلك -صلى هللا عليه وسلم ، فيصفها كثير هو يحتج بها، فهو من باب تسمية مرسل الصحابي مرسل، مع أنه حجة عند علماء الحديث

عموما ، وإنما سماها مرسلة من حيث أن الصحابي لم يذكر اسمه فيها، وهو نص على أنه يحتج به، في مواضع، ونص على أنه ال يحتج بها إال إذا حيث عارضها ما هو أقوى منها، وأنا أقول: إن اإلرسال في هذه المواضع في الغالب يكون من باب غلبة ظن الناقد، بأن هذا التابعي، وإال سمى من أو وصف من روى عنه بأنه صحابي، إال أنه قد يكون لم يسمع منه، فيكون من باب

اع، من عدم االتصال، وليس باإلرسال، الذي نحن بصدد الكالم فيه، يعني أنه منقطع بين االنقطالتابعي وذلك الصحابي، فهو صحابي ال ينازع في صحبته، إنما ينازع في سماع ذلك التابعي

منه في هذا الحديث. وهللا أعلم.

. فضيلة الشيخ هال تفضلتم بطرح أسئلة هذه المحاضرة مشكورا ؟

اذكر أجمع تعريف للحديث المرسل؟ ال األول:السؤ

اذكر شرائط االحتجاج بالحديث المرسل؟ السؤال الثاني:

Page 166: علوم الحديث   المستوى الثاني

الدرس الحادى عشر

الحديث المنقطع

إن الحمد هلل تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، هادي له، وأشهد أال إله إال هللا وحده ال شريك له، من يهده هللا فال مضل له، ومن يضلل فال

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وبعد:

مع النوع العاشر من أنواع علوم الحديث: وهو نوع الحديث -إن شاء هللا تعالى-لقاؤنا اليوم المنقطع. وكما قلنا آنفا أن اإلرسال واالنقطاع واإلعضال والتدليس كل هذه األنواع وما كان

بسببها إنما هي صور من صور السقط في اإلسناد، وإنما يعد العلماء هذه األنواع ويسمون كل إن -نوع منها باسم يختص به بحسب موضع السقط في اإلسناد، وعدد الساقطين أيض ا، فنقرأ

مما يتعلق بهذا النوع: -رحمه هللا تعالى-ما قاله الشيخ اإلمام ابن كثير -شاء هللا تعالى

العاشر: المنقطع النوع

النوع العاشر: المنقطع. قال ابن الصالح: وفيه وفي الفرق : )-رحمه هللا تعالى-قال المصنف بينه وبين المرسل مذاهب.

قلت: فمنهم من قال: هو أن يسقط من اإلسناد رجل، أو يذكر فيه رجل مبهم.

حاق عن زيد بن يثيع ومثل ابن الصالح لألول: بما رواه عبد الرزاق عن الثوري عن أبي إس(، الحديث، قال: ففيه انقطاع في إن وليتموها أبا بكر فقوي أمين... عن حذيفة مرفوعا : )

موضعين:

أحدهما: أن عبد الرزاق لم يسمعه من الثوري، إنما رواه عن النعمان بن أبي شيبة الجندي (عنه . عنه. والثاني: أن الثوري لم يسمعه من أبي إسحاق إنما رواه عن شريك

الحديث المنقطع كالحديث المرسل كالهما من أنواع السقط في اإلسناد، إال أن علماء الحديث بمعنى واحد، -المرسل والمنقطع-تارة يطلقون هذين المصطلحين -عليهم رحمة هللا تعالى-

فيعبرون عن أي سقط يقع في اإلسناد في أي موضع منه، وعلى أي صفة كانت بأنه مرسل، أو من باب التوسع في االصطالح، فكلما وجد في -كما قلنا في اللقاء الماضي-ه منقطع، وهذا بأن

اإلسناد سقط سواء كان في أعلى اإلسناد، أو في نهاية اإلسناد، أو في أثناء اإلسناد، وسواء كان عدد الساقطين واحدا أو أكثر، فكل ذلك يصدق عليه اسم اإلرسال، ويصدق عليه اسم االنقطاع

من حيث االستعمال األغلب واألشهر يخصون -عليهم رحمة هللا تعالى-أيض ا، إال أن المحدثين المرسل بصورة، ويخصون المنقطع بصورة أخرى، فحيث أطلق المرسل فيعنى به: ما رفعه

-من غير أن يذكر الوسائط بينه وبين النبي -صلى هللا عليه وآله وسلم-التابعي إلى رسول هللا . أما االنقطاع فأشهر معانيه، وأكثر استعمال أهل العلم له، ما كان - عليه وآله وسلمصلى هللا

السقط في أثناء اإلسناد، وليس في أحد طرفيه، فإذا سقط راو من الوسط، أي: راو روى عن شيخ وهو لم يسمع من ذلك الشيخ، إنما سمع الخبر من رجل آخر عن ذلك الشيخ، ثم أسقط ذلك

تقى بالحديث إلى ذلك الشيخ، إذن هناك واسطة سقطت من الوسط، فهذا الذي يكثر اآلخر، وار تسميته بالمنقطع في اصطالح علماء الحديث.

Page 167: علوم الحديث   المستوى الثاني

وأشار المؤلف ها هنا إلى صورة أخرى من صور المنقطع: وذلك حيث يكون في اإلسناد اة: حدثني رجل عن فيأتي في اإلسناد مثال : قول بعض الرو -إبهام أحد الرواة-إبهام الراوي،

فالن، أو عن رجل عن فالن، أو شيخ عن فالن، وهو ال يسمي ذلك الرجل، وال ذلك الشيخ، إنما كاإلمام الحاكم -يشير إليه هكذا مبهما غير مذكور باسمه، فهذا أيضا عده بعض أهل العلم

سل، وأشرنا في من قبيل المنقطع، وبعضهم اعتبره من قبيل المر -النيسابوري رحمه هللا تعالى اللقاء الماضي أن من أهل العلم من جعله من قبيل المتصل حتى قال قائلهم:

وقولهم عن رجل متصل لكن في إسناده من يجهل

بمعنى أنه متصل من حيث أن كل راو مذكور، سواء ذكر باسمه، أو ذكر مبهما غير مسمى من المتصل، ولكن العلة التي ينبغي أن في اإلسناد، لكنه مذكور، فاعتبر هذا القائل أن ذلك يعد

يعلل الحديث بها ال اإلنقطاع وال اإلرسال، إنما هي جهالة ذلك الراوي، وعدم معرفتنا به، وهذا القول ضعيف، وإن عزاه بعض المتأخرين إلى األكثر من أهل العلم، وليس كذلك، فليس هو عند

يعدون ذلك: إما من المرسل، وإما من األكثر من أهل العلم، كذلك بل األكثر من أهل العلم المنقطع.

وجد ذلك في كالم كثير من أهل العلم كالبخاري وعلي بن المديني وأبو بكر األثرم واإلمام النسائي وغيرهم من أهل العلم. والعلة في ذلك واضحة في كون هذا الراوي روى عمن لم

أنه لم يسمع منه، فلو أن راويا روى يسمه، فإذا روى عمن لم يسمه فهو كما لو سماه، وعرفنا عمن سماه فعال ، قال: عن فالن، وذكره باسمه، ثم تبينا أنه لم يسمع من ذلك المذكورفي اإلسناد، أكنا نحكم للحديث باالنقطاع أم ال؟ كنا سنحكم على الحديث باالنقطاع، لكوننا قد عرفنا وعلمنا

لرواية سماع، فإذا قال هذا الراوي نفسه: حدثني أن هذا الراوي ليس له من الشيخ المذكور في اشيخ، أو عن شيخ وهو لم يذكره باسمه، عن فالن فهو كما لو أنه حدث عن فالن، هذا وهو لم

يسمع منه، فحيث تحققنا من أنه لم يسمع من شيخه الذي روى عنه وسماه، فنحن نؤمن تحققنا من أنه لم يسمع منه مباشرة. بالضرورة، أن هناك واسطة بينه وبين ذلك الذي سماه؛ ألننا

فإذا جاء هو نفسه في رواية أخرى، وقال: عن شيخ عن فالن، فهو لم يزد شيئا ، هو أكد المعنى الذي كنا متحققين منه؛ ألنه حينما روى عن شيخه، وهو لم يسمع منه، كنا قد علمنا بذلك أن بينه

ين هذه الواسطة ولم يسمها، هل أفادنا شيئا وبين ذلك الشيخ واسطة، فإذا جاء في موضع آخر وب جديدا ؟ لم يفدنا شيئا جديدا ؛ ألننا متحققين من عدم اتصال الرواية. فإذا جاء هو في رواية أخرى وبين أن هناك بينه وبين شيخه المذكور باسمه واسطة، وهو لم يسم تلك الواسطة، فهو أكد لنا

هو أنه لم يسمع ذلك من شيخه الذي سماه؛ فلهذا ال نحكم على المعنى الذي كنا متحققين منه، وهذه الرواية باالتصال، وإنما العلة كما ذهب إلى ذلك جمهور أهل العلم، إنما هي االنقطاع أو

اإلرسال.

وحينما نقول االنقطاع أو اإلرسال بناء على أن االنقطاع واإلرسال يعبر بكل منهما عن ذا مرسال أو منقطعا ، فهو من جهة واحدة، أما إذا قلنا أنه متصل فهذا اآلخر، فإذا سمعنا مثل ه

أمر آخر.

واعلم أن ألفاظ الرواية تختلف دالالتها من لفظ إلى آخر:

فهناك ألفاظ صريحة في السماع: كسمعت وحدثني وأخبرني، ومثل هذه األلفاظ التي تفيد - االتصال، وتفيد معنى السماع.

Page 168: علوم الحديث   المستوى الثاني

ة في عدم السماع: كقول الراوي: حدثت عن فالن، أخبرت عن فالن، وهناك ألفاظ صريح -نبئت عن فالن، بلغني عن فالن، ومثل هذه العبارات فهذه صريحة في عدم السماع؛ ألنها

تتضمن أن هناك مخبرا أخبر ذلك الراوي بهذه الراوية، وهو ليس مسمى في الرواية، فنحن هناك مبلغ، وهذا المبلغ غير مذكور في اإلسناد، نفهم من قول الراوي بلغني عن فالن: أن

فحينئذ هذه اللفظة يفهم منها: أن االنقطاع صراحة، وليس األمر على االحتمال.

وهناك ألفاظ تحتمل السماع وعدمه: كالعنعنة، كقول الراوي: عن فالن، أو قال فالن، أو -طيع أن نفهم منها سماعا كما ال روى فالن، أو حكى فالن، أو ذكر فالن، فهذه األلفاظ ال نست

نستطيع أن نفهم منها عدم سماع؛ ألنها تحتمل المعنيين جميعا ، فقول الراوي: قال فالن، قد يكون سمع منه ذلك القول، فهو يحكيه عنه، وقد يكون إنما أخبر بذلك القول عن ذلك القائل، فهو حينما

ما يفيد هذا المعنى، فنحن حينئذ ال نستطيع أن يقول قال من غير أن يبين أنه قال له مباشرة، أو نجزم بأن هذا اللفظ دال على السماع، كما أننا ال نستطيع أن نفهم منه عدم السماع أيض ا؛

الحتماله للمعنيين معا ، بخالف األلفاظ األخرى التي تدل على عدم االتصال صراحة، كمثل قول أو أنبئت أو مثل هذه العبارات.الراوي فيما ذكرنا بلغني أو حدثت أو أخبرت

فهذا يفهم -قول الراوي عن شيخ أو عن رجل -وقول الراوي "عن شيخ" هو من هذا القبيلمنه أن بينه وبين من سماه في الرواية واسطة، فهو كمثل قوله: بلغني عن فالن، أو حدثت عن

تحتمل أدنى شك.فالن، أو أخبرت عن فالن، وهذا يفيد االنقطاع إفادة واضحة صريحة ال

ذكر أمثلة للصورتين التي ذكرهما -عليه رحمة هللا تبارك وتعالى -هنا اإلمام ابن الصالح للحديث المنقطع:

الصورة األولى: أن يسقط من اإلسناد رجل بالفعل.

الصورة الثانية: أن يذكر فيه رجل مبهم غير مسمى.

اإلسناد رجل، ذكر مثاال سقط منه فهاتان صورتان، فمثل للصورة األولى وهي أن يسقط منرجالن ولم يسقط منه رجل واحد، لكن تالحظون أن الرجلين الذين سقطا إنما سقطا من

موضعين مختلفين في اإلسناد، وليس من موضع واحد، يعني لم يسقط الراوي وشيخه، إنما ع قد يكون بسقط سقط راو من مكان، وراو آخر من مكان آخر؛ ولهذا يذكر العلماء أن المنقط

رجل واحد من اإلسناد، وقد يكون أيضا بإسقاط رجلين بشرط عدم التوالي، أن يكون السقط لهذين الراويين من موضعين مختلفين في اإلسناد، أما إذا سقط الراوي وشيخه، أو التابعي

والصحابي، فحينئذ يكون من قبيل المعضل كما سيأتي.

إن شاء -هذا كما سيأتي في موضعه في الحديث المعضل فالفرق بين المعضل والمنقطع هو هذا من ناحية. -هللا تعالى

من ناحية أخرى: أنكم تالحظون أن السقط وقع في الموضعين بطريق التدليس كما سيأتي في نوع التدليس، أن الراوي المدلس إنما يعمد إلى أحاديث أخذها عن رجل عن شيخ، وهو قد سمع

هذا الحديث، أو غير هذه األحاديث، ثم يأتي إلى تلك األحاديث التي من الشيخ األعلى غيرأخذها عن هذا الشيخ بواسطة، فيسقط تلك الواسطة، ويرتقي بالحديث إلى شيخه الذي له منه سماع في الجملة، ولكن ليس له سماع منه في هذا الحديث خاصة، فهذا من صور التدليس.

Page 169: علوم الحديث   المستوى الثاني

وبين الثوري رجال أليس كذلك؟. عبد الرزاق له سماع فحينما ننظر عبد الرزاق أسقط بينهمن الثوري في الجملة، ولكنه لم يسمع منه ذلك الحديث خاصة، وعبد الرزاق موصوف

بالتدليس، فعليه يكون ذلك من قبيل التدليس، وليس من قبيل المنقطع.

وإنما أسقط كذلك الموضع اآلخر: الثوري لم يسمع ذلك الحديث من أبي إسحاق السبيعي، -بينه وبينه واسطة كما علمتم، والثوري أيضا موصوف بالتدليس، سفيان بن سعيد الثوري

أيضا موصوف بالتدليس، فحينئذ هذا يدخل تحت التدليس؛ ألن -رحمه هللا تعالى ورضي عنهالثوري له سماع من أبي إسحاق في الجملة، أي سمع منه غير ذلك الحديث، فتبين لنا من ذكر

ذا المثال أن الموضعين الذين وقعا فيهما السقط إنما وقع السقط على سبيل التدليس.ه

رحمه -ولهذا اعترض على ابن الصالح بعض أهل العلم، وهو الحافظ ابن ججر العسقالني فذكر أن هذا المثال يصلح للمدلس، وال يصلح للمنقطع، بناء على أن المنقطع البد أن -هللا تعالى

فيه ناتجا عن أن الراوي لم يسمع من شيخه أصال ، بمعنى أن يعرف من خالل يكون السقط التاريخ، بأن هذا الراوي لم يلتق بهذا الشيخ، ولم يسمع منه ال قليال وال كثيرا .

-عليه رحمة هللا-وما صنعه ابن الصالح صواب، وال يتعارض مع ما قاله الحافظ ابن حجر ا مستقال من أنواع السقط في اإلسناد، وإنما هو كما ذكرنا في لقاء ؛ ألن التدليس ليس نوعا معين

سابق عبارة عن وسيلة، يسلكها الراوي إلحداث السقط في الرواية، فالتدليس ليس نوعا مستقال من أنواع السقط، وإنما هو وسيلة إحداث السقط في الرواية، فالراوي الذي سمع من بعض

هناك أحاديث أخرى لهؤالء المشايخ لم يأخذها عنهم مباشرة، إنما المشايخ بعض األحاديث، ثم أخذها عنهم بواسطة، ثم لما روى هذه األحاديث عن هؤالء المشايخ، أسقط الوسائط التي بينه وبين هؤالء المشايخ، وارتقى باألحاديث عن المشايخ مباشرة، موهما السماع، هذا هو التدليس.

استعمل التدليس كوسيلة إلحداث السقط في الرواية، فإذا تبين أن ماذا فعل هذا الراوي؟ إنه هذه الرواية مدلسة، وأن الراوي سلك هذا المسلك إلحداث السقط في الرواية، فإذا كان الساقط الذي بينه وبين شيخه الذي دلس الخبر عنه واحدا ، فماذا نسمي هذه الرواية؟ نسميها منقطعة؛

مر إلى إحداث االنقطاع في الرواية، فصار التدليس وسيلة إلحداث ألن هذا التدليس آل به األاالنقطاع في الرواية، لو أنه أسقط ذلك المدلس بينه وبين شيخه رجلين، فمن أي األنواع ستكون هذه الرواية؟ ستكون من نوع المعضل، لماذا سميناها معضلة؟ ألن عدد الساقطين في موضع

ل هذه الوسيلة وهي التدليس؛ إلحداث اإلعضال في الرواية.واحد، ماذا فعل المدلس؟ استعم

إذن التدليس ليس نوعا من أنواع السقط، وإنما هو وسيلة يتبعها أو يسلكها الراوي؛ إلحداث السقط في الرواية، فإذا تبين أن الساقط رجل واحد كان الحديث حينئذ منقطعا ، أو تبين لنا أن

ذ معضال ، وهكذا فال تعارض بين كالم الحافظ ابن الصالح وال الساقط رجالن كان الحديث حينئ بين كالم الحافظ ابن حجر العسقالني، إذا فهمنا األمر على هذا النحو.

ولهذا نجد أن ابن الصالح نفسه ذكر هذا المثال بعينه في نوع المرسل الخفي، ومثل له والتدليس يجتمعان في صورة -قكما ذكرنا في لقاء ساب-باإلرسال الخفي، واإلرسال الخفي

متعددة بل من أهل العلم من يطلق على كل ذلك مصطلح التدليس، كل ما يندرج تحت اإلرسال الخفي أو تحت التدليس يسميه بعض أهل العلم بأنه من التدليس، بل أكثر أهل العلم يعتبرون

ا النحو نفهم لماذا جعل اإلرسال الخفي صورة من صور التدليس، وهذا أيضا إذا فهمناه على هذابن الصالح ذلك أيضا مثاال لإلرسال الخفي؛ ألن هذا الراوي وهو عبد الرزاق مثال قد عاصر

الثوري والتقى به، بل سمع منه بعض األحاديث، فعلى قول من يقول إن اإلرسال الخفي ه الحيثية قد والتدليس بمعنى واحد، أو أن اإلرسال الخفي صورة من صور التدليس، فمن هذ

Page 170: علوم الحديث   المستوى الثاني

تحقق في هذا المثال صورة اإلرسال الخفي؛ ألنه طريق توصلنا به إلى كون هذه الرواية غير متصلة، ولكنها طريق خفية غير واضحة، لتعاصر كل من الراوي وشيخه، بل ثبوت لقاءهم

بعضهم ببعض، بل ثبوت السماع أيضا في الجملة. فلما كان ذلك كذلك، ؟؟ استدللنا على الواقع في هذه الرواية بدليل آخر، دليل خارج لم يتبين لنا ذلك، قلنا -أو عدم االتصال-قطاع االن

إن ذلك خفي، كما نقول في العلة بأنها خفية؛ ألنه يتوصل إليها بطريق خفي وطرق دقيقة جدا وغامضة، ال يطلع عليها إال أهل االختصاص.

ولم يقع بينهما لقاء بالمرة، أو معاصرة لكن لو أن عبد الرزاق لم يعاصر الثوري أصال ،بالمرة، هل يكون ذلك خفيا ؟ فهذا يعرفه عامة الطلبة؛ ألن التواريخ تثبت أن هذا الرجل لم يكن

موجودا في هذا الزمان الذي فيه ذلك الشيخ، فلم يكن خفيا من هذه الحيثية.

بهذا الراوي وال الشيخ، وأثبتنا لكن إذا ثبت أن هذا الراوي لم يسمع ذلك الحديث، أو لم يلتقذلك عن طريق قواعد اإلرسال الخفي، يؤول بعد ذلك األمر إلى أن الحديث: إما منقطع، وإما

فيكون حينئذ منقطعا ، أو تبين -أي سقوط رجل واحد-معضل، فيتبين أن بينه وبين شيخه انقطاع ثية معضال ، ويكون حينئذ اإلرسال أن الساقط بينه وبين شيخه أكثر من راو يكون من هذه الحي

الخفي وسيلة استدللنا بها على ما وقع من سقط في هذه الرواية.

ومثل الثاني: بما رواه أبو العالء ابن عبد هللا بن الشخير ) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف (( .اللهم إني أسألك الثبات في األمر عن رجلين عن شداد بن أوس، حديث )

آخر لصورة أخرى من االنقطاع هو: أن يكون في اإلسناد رجل مبهم لم يسم في هذا مثالاإلسناد. ونحن أشرنا إلى هذا األمر، لكن تالحظون قوله: عن رجلين، معنى ذلك: أن ابن

الشخير بينه وبين شداد رجالن، وليس رجل واحد، ومع ذلك جعله مثاال للمنقطع، ولم يجعله ه، والذي سيتبين من خالل بحثنا فيه: أنه ما سقط من أثناء إسناده في مثاال للمعضل اآلتي ذكر

موضع واحد أكثر من راو. وهنا سقط أكثر من راو لقوله عن رجلين.

في نوع المنقطع؟ ثم لماذا تبعه -رحمه هللا تعالى-لماذا أدخله اإلمام المصنف ابن الصالح يتعقبه في ذلك ؟ ولم -رحمه هللا تعالى-على ذلك الحافظ ابن كثير

هناك جوابان:

-األمر األول: إما أن يكون سماه منقطعا بناء على القاعدة العامة، إذ أن المنقطع والمرسل يعبر بهما عن أي سقط يقع في اإلسناد، فكأنه أشار ها هنا إلى المعنى العام. -كما قلنا آنفا

لين لم يروي كل منهما عن اآلخر، األمر الثاني: أن قوله: عن رجلين يحتمل أن هذين الرجوإنما قرن أحدهما باآلخر، أي تابع أحدهما اآلخر، كما تقول مثال : حدثني فالن وفالن عن فالن، فهذه واسطة في الواقع، وليست واسطتان، ولكن هذا الذي حدثك أكثر من واحد، ولكنهم كلهم في

ثوك، وكلهم حدثوا عن الشيخ المذكور طبقة واحدة، لم يرو كل منهما عن اآلخر، وإنما كلهم حد فوقهم، فمن هذه الحيثية يكون أيضا منقطعا .

أمر آخر: لو فرضنا أن الرواية أصلها: عن رجل عن رجل عن شداد بن أوس، يعني أبو العالء ابن الشخير يقول: عن رجل عن رجل عن شداد بن أوس، فمن هذه الحيثية تكون معضلة

ممكن أن يقال في مثل ذلك: إن عدم معرفتنا بالمبهم األول، يجعلنا ال وليست منقطعة. لكن من النعتمد عليه فيما يرويه من الروايات، فلو أن الضعيف قال: حدثني فالن، هو ضعيف أم ال ؟ فهل

Page 171: علوم الحديث   المستوى الثاني

بإمكانك أن تثبت الرواية عن شيخ ذلك الضعيف، والضعيف بينك وبينه؟ ال تستطيع أن تقول: إنه حدث بحديث كما حدثك به -فيما زعم ذلك الضعيف-خ للضعيف إن هذا الشيخ الذي هو شي

عنه ذلك الراوي الضعيف؛ ألن ضعف هذا الراوي يجعلنا في ريبة فيما نسبه إلى مشايخه، فلو أن هذا المبهم األول الذي يروي عنه أبو العالء ابن الشخير قال: عن شيخ أو عن رجل عن

بهم غير معروف، فال نعتمد على ما ينقله من روايات، شداد بن أوس، فلنا أن نقول: إن هذا مأن هناك مبهم آخر بينه وبين أبو العالء ابن الشخير، وإن كان هذا -بمقتضى روايته-فال نثبت

ضعيفا ها هنا، ولكن قد نحتاج إليه في بعض الروايات.

ل ما ال يتصل ومنهم من قال: المنقطع مثل المرسل، وهو ك) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف صلى هللا عليه وآله -إسناده، غير أن المرسل أكثر ما يطلق على ما رواه التابعي عن رسول هللا

.-وسلم

قال ابن الصالح: وهذا أقرب، وهو الذي صار إليه طوائف من الفقهاء وغيرهم، وهو الذي .(ذكره الخطيب البغدادي في كفايته

رسل والمنقطع كالهما يطلقان بكثرة على كل ما لم هذا ما أشرنا إليه سابقا ، من أن الميتصل، على أي وجه كان، وفي أي موضع كان، وبأي عدد من الساقطين كان، هذا من ناحية،

صلى -إال أن المرسل في أكثر استعمال أهل العلم أنه يختص بما يرفعه التابعي إلى رسول هللا .-هللا عليه وآله وسلم

قال: وحكى الخطيب عن بعضهم: أن المنقطع ما روي عن ) -عالىرحمه هللا ت-قال المصنف (التابعي فمن دونه موقوفا عليه، من قوله أو فعله، وهذا بعيد غريب وهللا أعلم .

: أن المنقطع: هو ما كان موقوفا على -رحمه هللا تعالى-حكى الخطيب البغدادي في كفايته وأن ذكرنا أن هذا يعد من المقطوع، وليس من التابعين من أقوالهم أو أفعالهم، ونحن سبق

المنقطع؛ ولهذا استغرب ابن الصالح هذا القول، واعتبره بعيدا عن الصواب.

والواقع أن هذا راجع إلى جانب اصطالحي، سبق وأن تكلمنا في المقطوع، قلنا: إن هناك من طوع على إرادة المنقطع، أهل العلم من يطلق المنقطع على إرادة المقطوع، ومنهم من يطلق المق

عن الشافي والطبراني وغيرهما أن -عليه رحمة هللا-وهناك حكى اإلمام الحافظ ابن الصالح يستعملون المقطوع بمعنى المنقطع. -رحمهم هللا تعالى-هؤالء العلماء

أن فإذا كان هذا سائغا هناك فما الذي يجعله بعيدا ها هنا، وغريبا عن الصواب؟ فمن الممكن يكون ذلك محموال على جانب اصطالحي، ونحن قلنا المنقطع والمقطوع كالهما من حيث اللغة سواء، فهذا يعد من إطالق أحدهما على اآلخر، وإنما يستدل على المعنى الذي أراده هذا القائل

أو ذاك من خالل السياق وتأمل الكالم.

: أن يقول التابعي قوال من قبل وسيأتي في المعضل: أن من صور المعضل عند المحدثينصلى هللا عليه -نفسه، ثم يتبين لنا أن هذا القول له رواية أخرى مسندة مرفوعة إلى رسول هللا

، جعل ذلك الحاكم النيسابوري من صور المعضل، أن يكون الكالم من كالم التابعي، -وآله وسلمصلى -جه آخر مرويا عن رسول هللا إذن هذا مقطوع؛ ألنه موقوف على التابعي. ثم نجده من و

بإسناد متصل، فاإلمام الحاكم النيسابوري جعل ذلك من صورة المعضل، -هللا عليه وآله وسلمواستحسن ذلك االصطالح اإلمام ابن الصالح، فبعد أن ذكر كالم الحاكم والمثال الذي ذكره،

ى التابعي يكون بمنزلة لو أنه قال وهذا جيد حسن، لماذا؟ قال: ألن سقوط الصحابي مع وقفه عل

Page 172: علوم الحديث   المستوى الثاني

سقط من إسناده رجالن فيصح وصفه بالمعضل لهذه الحيثية، وهذا كالم صحيح، لكن ليس هذا قريب من هذا الكالم!! فلو أن التابعي قال كالما من قبل نفسه، وكان هذا الكالم مرويا عن

نسميه منقطعا ، وقد سماه من وجه آخر، فما المانع أن -صلى هللا عليه وآله وسلم-رسول هللا الحاكم النيسابوري معضال ، والمعضل بطبيعة الحال أشد من المنقطع، وقد استحسن ذلك منه

؟!! فأنا ال أرى أن هذا القول غريبا وال بعيدا عن -رحمه هللا تعالى-اإلمام ابن الصالح الصواب، بل هو جار على مقتضى االصطالح.

ناول هذه المسألة في المعضل: أن ذلك إنما يكون فيما ال يقال أيضا سيتبين لنا حينما نتبالرأي، وإال فما المانع أن يقول التابعي قوال من قبل نفسه، ويكون ذلك القول مرويا عن رسول

، فنحن حينئذ نعامل المرفوع معاملة المرفوع، والمقطوع معاملة -صلى هللا عليه وآله وسلم-هللا مرفوع، وهو حجة، وقد قال بمثله هذا التابعي، أو ذاك الصحابي، أو نحو المقطوع، فنقول هذا

ذلك، وكل ذلك ال يمنع من أن يكون ذلك مرويا عن ذلك التابعي، وأننا نعامله معاملة المقطوع، أي الموقوف على التابعي، وهللا أعلم.

حكم المنقطع:

ذكرنا حكم الحديث المرسل، طبعا حينما نتكلم عن المنقطع يحسن بنا أن نذكر حكمه، فبالضرورة يستحب هنا أن نذكر حكم الحديث المنقطع.

جاء عن اإلمام الجوزقاني في كتاب األباطيل والمناكير له، أنه قال: "المعضل أسوأ حاال من المنقطع، والمنقطع أسوأ حاال من المرسل، والمرسل ال يحتج به"، وساق عنه هذه العبارة اإلمام

بن حجر في نكته على كتاب ابن الصالح واستحسنها أيض ا، وهذا كالم صحيح، وذكرنا الحافظ افي المرسل أنه يحتج به بشرائط، فهذه الشراط من يريد أن يقوي المنقطع ويحتج به، ينبغي عليه على األقل أن يراعي ما اعتبره العلماء في تقوية الحديث المرسل، كما ذكرنا في اللقاء الماضي

المرسل أخف ضعفا من غيره من أنواع الحديث الضعيف، فالمرسل أحسن حاال من من أن المنقطع، فإذا كان األئمة يشترطون في االحتجاج بالمرسل شرائط، وقد ذكرناها في اللقاء

الماضي، فمن أراد أن يحتج بالمنقطع يلزمه أن يحقق هذه الشرائط أيضا في الحديث المنقطع، : أن -أو االحتجاج به-حال يصعب جدا ، ال سيما وأن من شرائط المرسل وتحقيقها بطبيعة ال

يكون الذي أرسله من كبار التابعين؛ لنطمئن إلى أنه في األعم األغلب لم يأخذ ذلك إال عن صحابي، أو تابعي كبير، فإذا أردنا أن نقيس على ذلك في المنقطع فنقول: إن المنقطع يحتج به

أقل من أن نطمئن إلى أن الواسطة بين من انقطع عنده الحديث وشيخه إذا انضم إليه غيره، فالواحد، وليس أكثر، ثم أن يكون أيضا من الثقات، وأن يكون قد صح اإلسناد إليه، وأن يكون ممن ال يعرف عنه الرواية عن الضعفاء والمجروحين، وهذا أمر يصعب تحقيقه ال سيما في

الطبقات النازلة وهللا أعلم.

نوع الحادي عشر: المعضلال

النوع الحادي عشر: المعضل: وهو ما سقط من إسناده ) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف (اثنان فصاعدا .

هذا هو تعريف الحديث المعضل هو: ما سقط من إسناده اثنان فصاعدا ، ولكن مع شرط من اإلسناد، أما إذا التوالي، أن يكون الراوي وشيخه أو الصحابي والتابعي كالهما سقط ذكره

سقط أكثر من راو من أكثر من موضع في اإلسناد فهذا ال يخرج عن كونه منقطعا ، كما سبق في نوع الحديث المنقطع.

Page 173: علوم الحديث   المستوى الثاني

(ومنه ما يرسله تابع التابعي.) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف

ن بينه وبين ، إذ-صلى هللا عليه وآله وسلم-يعني تابع التابعي يروي الخبر عن رسول هللا في أقل تقدير رجالن، وقد يكون الساقطون أكثر؛ ولهذا -صلى هللا عليه وآله وسلم-رسول هللا

صلى هللا عليه وآله -ذهب من ذهب من أهل العلم بأن صغار التابعين مراسيلهم عن رسول هللا إنما أسقط هي من قبيل المنقطعات أو المعضالت؛ لغلبة الظن بأن هذا التابعي الصغير -وسلم

رجالن أو أكثر. -صلى هللا عليه وآله وسلم-بينه وبين رسول هللا

قال ابن الصالح : ومنه قول المصنفين من الفقهاء: قال ) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف (. -صلى هللا عليه وآله وسلم-رسول هللا

اعتبر ذلك من -صلى هللا عليه وآله وسلم-قول المصنفين من الفقهاء: قال رسول هللا المعضل والحافظ ابن حجر اعتبره من المعلق، وليس من المعضل، والواقع أن بين اإلعضال واالنقطاع عموم وخصوص، فيشتركان في بعض الصور، وال يشتركان في بعض الصور

األخرى. والمالحظ أن التعليق إنما يختص بالمصنفات، وليس بالروايات المجردة، يعني ال تأتي ث مثال رواه إمام من األئمة فأسقط بينه وبين من حدث عنه رجلين، فتقول هذا معلق، إلى حدي

إنما هذا بالمعضل أشبه.

المعلق إذا جاء بعض األئمة فصنف كتابا من الكتب، وفي هذا الكتاب ذكر متون بغير إسناد، سمى معضال من هذه أو حاذفا من اإلسناد بينه وبين من علق الخبر عنه، فهذا هو التعليق، فقد ي

الحيثية، ولكن عادة المحدثين أن يسموا ذلك تعليقا ، ويخصون التعليق بالمصنفات، أما الرواية المجردة فإنما تكون إذا وقع في أثناءها سقوط أكثر من رجل، سواء كان هذا السقوط من وسط

، أما إذا كان في مصنف اإلسناد، أم بداية اإلسناد، أو آخر اإلسناد، فهذا باصطالح المعضل أشبه، أو -صلى هللا عليه وآله وسلم-البخاري مثال يصنف كتابا ، وفي الكتاب يقول: قال رسول هللا

يقول كذا وكذا، أو نحو هذه -صلى هللا عليه وآله وسلم-قال أبو هريرة: سمعت رسول هللا في تعريف المعلق "من العبارات، فهذا بالتعليق أشبه، ويعبر عن ذلك الحافظ ابن حجر بقوله

تصرف مصنف"، وهذا القيد ذكره في نزهة النظر، وكذلك ذكره في مقدمة تغليق التعليق له.

وقد سماه الخطيب في بعض مصنفاته: مرسال ، وذلك على : )-رحمه هللا تعالى-قال المصنف (مذهب من يسمي كل ما ال يتصل إسناده مرسال .

فيه: مرسل، وخرجه اإلمام ابن الصالح على القاعدة هنا الخطيب يستعمل المعضل، ويقول التي ذكرناها أكثر من مرة، من أن المرسل كالمنقطع أيض ا، كالهما يستعمالن على أي سقط

وقع في اإلسناد، مهما كان موضعه، ومهما كانت صفته، ومهما كان عدد السقط.

عمش عن الشعبي، قال: قال ابن الصالح: وقد روى األ: )-رحمه هللا تعالى-قال المصنف ( الحديث، قال: فقد ويقال للرجل يوم القيامة: عملت كذا وكذا؟ فيقول: ال.. فيختم على فيه ...)

، قال: فقد -صلى هللا عليه وآله وسلم-أعضله األعمش؛ ألن الشعبي يرويه عن أنس عن النبي (ى معضال .، فناسب أن يسم-صلى هللا عليه وسلم-أسقط منه األعمش أنسا والنبي

الصورة الثانية من -رحمهما هللا تعالى-هنا ذكر اإلمام ابن الصالح، وعنه الحافظ ابن كثير صور المعضل: وهو أن يكون كالم قاله التابعي من قبل نفسه، ثم يتبين لنا من خالل تتبع

ل، فهذا بإسناد متص -صلى هللا عليه وآله وسلم-الروايات أن هذا الكالم مروي عن رسول هللا المقطوع الموقوف على التابعي يمكن لك أن تسميه معضال ، وبعد أن عرفت أن هذا التابعي لم

Page 174: علوم الحديث   المستوى الثاني

-صلى هللا عليه وآله وسلم-يقل القول من قبل نفسه، إنما له أصل أخذه عنه، وأنه عن رسول هللا لتابعي أوقفه . فمن هذه الحيثية إذا نظرنا إلى الرواية نجد أنه قد سقط ذكر الصحابي، ثم هذا ا

-صلى هللا عليه وآله وسلم-على نفسه، فمن هذه الحيثية كان كما لو أنه أسقط بينه وبين النبي ، لكن ال -صلى هللا عليه وآله وسلم-رجلين، أو أنه لما كان كذلك كما لو أنه أسقط ذكر النبي

ا الحافظ ابن أذكر أن عبارة ابن الصالح هكذا، وإنما تصرف الحافظ ابن كثير فيها، وإنمالصالح إنما أراد أن تسمية ذلك باإلعضال بناء على الوقف مصحوبا معه سقوط ذكر

الصحابي. ونحن نالحظ أن المثال الذي ذكره الحاكم النيسابوري، وتبعه عليه اإلمام الحافظ ابن عملت كذا يقال للرجل يوم القيامة: نالحظ أنه مما ال يقال بالرأي، ) -عليه رحمة هللا-الصالح

( وهذا من األمور الغيبية التي ال تدرك عن طريق وكذا؟ فيقول: ال.. ، فيختم على فيه... االجتهاد والنظر، إنما هو مما ال مجال للرأي فيه، فمن هذه الحيثية نحن على يقين بأن هذا

لى هللا عليه ص-التابعي لم يقله من قبل نفسه، وإنما أخبر به، فلما وجدناه مرويا عن رسول هللا -صلى هللا عليه وآله وسلم-من وجه آخر مسندا عنه، متصال باإلسناد إلى رسول هللا -وآله وسلم

، عرفنا أن هذا هو مأخذ التابعي، وأن التابعي إنما أخذه من تلك الرواية المتصلة المسندة، ثم والواقع أنها منسوبة ، قال الكالم الذي تضمنته تلك الرواية، قاله من غير أن ينسبه إلى أحد،

، فمن هذه الحيثية كانت معضلة .-صلى هللا عليه وآله وسلم-ومضافة إلى رسول هللا

هناك استعمال آخر لمصطلح المعضل: وهو استعمال غير مشهور، لكنه موجود في كالم النكت أهل العلم، وأشار إليه، بل مثل له وذكر وتوسع فيه الحافظ ابن حجر العسقالني في كتابه

على كتاب ابن الصالح، وهو أن يأتي المعضل بما ال تعلق له باالتصال واالنقطاع أصال ، وإنما يأتي المعضل بمعنى المنكر، أو المستغلق الشديد، فقد وجد في كالم أهل العلم كابن عدي

: وغيره، واإلمام الجوزقاني وغيره أيض ا: أنهم يصفون بعض األحاديث بأنها معضلة، يقولون"هذا حديث معضل، الصواب فيه الوقف" "هذا حديث معضل ال يصح من هذا الوجه" "هذا حديث معضل ليس له أصل من حديث فالن" هل هذا له تعلق باالتصال واالنقطاع؟ ال.. قد

، ولكن يقصد بالمعضل -صلى هللا عليه وآله وسلم-تكون الرواية متصلة مسندة إلى رسول هللا له الحافظ ابن حجر العسقالني، وله أمثلة موجودة في كتب العلل، وكتب هنا المنكر، ومثل

الجرح والتعديل، وكتب التواريخ أيض ا، بعد ذلك سينتقل بنا المؤلف إلى مسائل ذكرها ابن بعد هذا النوع من أنواع الحديث، بعد المعضل، وإنما -عليه رحمة هللا تبارك وتعالى-الصالح

بالمعضل، وإنما مختصة بكل ما يتعلق بالسقط من اإلسناد، من أول هذه المسائل ليست مختصة هذه المسائل مسألة اإلسناد المعنعن فماذا قال؟

اإلسناد المعنعن

قال: وقد حاول بعضهم أن يطلق على اإلسناد المعنعن اسم ) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف اإلرسال أو االنقطاع.

نه متصل محمول على السماع، إذا تعاصروا مع البراءة قال: والصحيح الذي عليه العمل: أ من وصمة التدليس.

وقد ادعى الشيخ أبو عمرو الداني المقريء إجماع أهل النقل على ذلك، وكاد ابن عبد البر أن (يدعي ذلك أيضا .

ما معنى اإلسناد المعنعن؟ بعض الناس عندما يفسر اإلسناد المعنعن، يقول: اإلسناد المعنعن قول الراوي: عن فالن عن فالن كما قال البيقوني:هو

Page 175: علوم الحديث   المستوى الثاني

معنعن كعن سعيد عن كرم

وليس هذا هو المقصود من هذه المسألة، وإنما المقصود بالعنعنة، أو باإلسناد المعنعن هو: العنعة حيث تقع في حديث راو من الرواة عاصر شيخه الذي عنعن الحديث عنه، ولم يثبت في

التقى به، أو أنه سمع منه. فلم يقصد العلماء من قولهم مسألة العنعنة، كل لقاء، أو في رواية، أنهما يجيء في األسانيد من عن وعن وعن...، وإنما قصدوا ذلك حيث يستعمل العنعنة بعض

الرواة الذين عاصروا من حدثوا عنه، أو من عنعنوا عنهم، ولم يثبت في لقاء واحد، أنهم سمعوا التقوا بهم، بشرط أن يكون أيضا سالمين من وصمة التدليس، فال يكونوا من هؤالء المشايخ، أو

معروفين بالتدليس في الروايات، هذه هي المسألة.

حينما تقول مسألة العنعنة فتقصد هذه الصورة من العنعنة، وليس كل ما يجيء من األسانيد من عن وعن وعن هذا من ناحية.

قول عنعنة المعاصر، ما معنى المعاصرة؟ يعني لو من ناحية أخرى: ما معنى المعاصرة؟ نأن إنسانا عاش في زمان إنسان وكالهما قد عاشا في زمن واحد، فهذا عاصر هذا، سواء عاش فترة طويلة أو قصيرة في المعاصرة، قد تحققت، سواء تعاصرا خمس سنوات، عشر سنين،

صرة، ولكن المحدثين ال ستين سنة، كل ذلك يدل على حصول جنس المعاصرة، أصل المعايقصدون بالمعاصرة هذا المعنى على عمومه، وإنما يقصدون معاصرة معينة، هذه المعاصرة

بالمعاصرة التي يمكن معها اللقاء والسماع، طبعا هذا -رحمه هللا تعالى-يعبر عنها اإلمام مسلم نه، هذا أمر مفهوم ال يخفى عليكم، ليس كل من عاصر شيخا التقى به، فضال عن أن يسمع م

بداهة، يعني نحن هنا عاصرنا مشايخ كثيرين في أطراف األرض، فمن حيث الزمن، قد عشنا معا في زمن واحد، في عصر واحد، فالمعاصرة قد وجدت وتحققت، لكن هل التقينا بهم؟ أو

علما ، التقينا بكل من عاصرناه؟ ال... وهل كل من التقينا به أخذنا عنه علما ، وتحملنا عنه؟ ال... فال يلزم من وجود المعاصرة وجود -صلى هللا عليه وآله وسلم-وحديثا عن رسول هللا

اللقاء، وال يلزم أيضا من وجود اللقاء وجود السماع الذي هو الشأن في هذه المسائل، مسائل تي االتصال وعدم االتصال، فحينما نقول: عنعنة المعاصر، نقصد بالمعاصرة: المعاصرة ال

كثيرا ما -عليه رحمة هللا تبارك وتعالى-يمكن معها اللقاء والسماع؛ ولهذا نجد علماء الحديث يثبتون للراوي المعاصرة، بل واللقاء، وينفون السماع.

فأما الصورة األولى: أن تكون المعاصرة متحققة واللقاء غير متحقق، فهذا ال يحتاجون من األئمة يقول: فالن سمع أو لم يسمع، التقى أو لم يلتق، إلثبات المعاصرة، بل إذا وجدت إماما

فاعلم أنه يتكلم عن معاصر، وال يتكلم عن غير المعاصر.

وإذا وجدت إماما ينفي أن فالنا سمع من فالن، فتقول: لعله أيضا ينفي المعاصرة، فهم ال التقى أم لم يلتق؟ ولهذا ال يتكلمون إال فيمن تحققت معاصرته بالفعل، هل سمع أم لم يسمع؟ هل

تجد لفظ المعاصرة مستعمال عندهم بكثرة؛ ألنهم ال يحتاجون إليه؛ فإن المعاصرة إذا لم تتحقق لم يشغل العلماء أنفسهم بإثبات السماع أو بعدمه أو إثبات اللقاء أو بعدمه.

ون سماعه من ذلك فنجد علماء الحديث أحيانا يثبتون للراوي لقاءه بشيخه في الوقت الذي ينفالشيخ، كما نجد مثال ترجمة إبراهيم بن يزيد النخعي، سئل عنه أبو حاتم الرازي، وعن سماعه

وأرضاها، فقال: دخل على عائشة وهو صغير، ولكن -رضي هللا عنها-من عائشة، أم المؤمنين لم يسمع منها شيئا .

Page 176: علوم الحديث   المستوى الثاني

أم المؤمنين، ومع ذلك صرح بأنه لم إذن أثبت اللقاء أم ال ؟ أثبت اللقاء بينه وبين عائشة ، فمجرد -صلى هللا عليه وآله وسلم-يأخذ عنها علما ، ولم يسمع منها حديثا ترويه عن رسول هللا

اللقاء وحده ال يدل على السماع.

مكحول الشامي قال: دخلت على واثلة بن األسقع، هو دخل أم لم يدخل عليه؟ التقى به أم لم سمع؟ ماذا قال العلماء؟ قالوا: لم يسمع من واثلة بن األسقع مع تسلميهم يلتق؟ التقى، لكن هل

بأنه قال هذا الكالم، ولم يكن ذلك منهم تناقضا ، وال تعارضا ، وإنما هم يفهمون أن مجرد الدخول واللقاء بالشيخ ال يستلزم السماع منه؛ ولهذا نجد في كتب المراسيل، وكتب الرجال، العالم يثبت

بأنه رأى فالن، كما قالوا في أيوب بن أبي تميم مثال : رأى أنسا رؤية فقط، أو رأى فالن للراوي صلى هللا عليه وآله -ولم يسمع منه، أو صلى خلفه، ولم يسمع منه حديثا يروه عن رسول هللا

، فمن هذه الحيثية: العلماء يفرقون بين مجرد المعاصرة ومجرد اللقاء وإثبات السماع.-وسلم

تأملوا هذه المواضع التي تقع فيها -عليه رحمة هللا تبارك وتعالى-ن هذه الحيثية العلماء فمالعنعنة، نحن قلنا في قول سابق: بأن العنعنة أو قول الراوي: "عن" من األلفاظ المحتملة التي ال

تدل على السماع صراحة، وال تنفي السماع صراحة، بل هي تحتمل هذا المعنى وذاك. فلفظ عن" في حد ذاته ال يدل على السماع. فإذا استعملها المدلس، فنحن نعلم من شأن المدلس "

وعادته، أنه يستعملها في غير السماع؛ فلهذا حملناها على التدليس، حتى يتبين خالف ذلك إذا صدرت عن المعروف بالتدليس. لكن غير المدلس إذا قال "عن" فهل نحمل ذلك على االتصال

بد من تحقق شرائط أخرى تؤكد لنا أن هذا الراوي سمع هذا الذي يحدث به عن أم ال؟ أم الشيخه الذي قد عنعن عنه؛ ألنه إذا كان هذا الراوي غير معروف بالتدليس، لكن اإلرسال كان موجودا ، الراوي يروي عن شيخ له، وهو لم يسمع منه أصال ، هذا موجود أم ال؟ وال يسمى:

طاع. اإلرسال، ويسمى: االنق

فقضية التدليس وإن كنا نفسرها بأن يكون الراوي له سماع من الشيخ في الجملة، ثم يروي عنه ما لم يسمع منه، لكن حتى غير المدلس، قد يرسل أي: يروي عمن لم يسمع منه أصال ، ال

على قليال وال كثيرا ، فمن أجل هذا اعتنى العلماء بهذه المسألة، ووضع الضوابط والقواعد التي أساسها يتميز إن كان الراوي سمع الحديث أو لم يسمعه.

أيضا نحن قلنا: إن المعاصرة من حيث اللغة تطلق: على كل من عاش مع شيخه، ولو قليال من الزمن، فهذا قد عاصر، ولكن المعاصرة في اصطالح المحدثين كما قلنا: تقصر على

خالل معرفتنا بمناهج المحدثين: أن من أهل المعاصرة التي يمكن معها السماع؛ ولهذا نجد منالعلم من كان ال يسمع الحديث إال بعد بلوغه عشرين سنة، وهذا مذهب أهل الكوفة، أنهم كانوا

نون الصبي من طلب الحديث إال بعد بلوغ عشرين سنة، وقبل ذلك يشتغل بالعبادة، ال يمك الحديث مستقبال ، وأهل الشام، وكذلك أهل وبحفظ القرآن، وغير ذلك من العلوم التي تعينه على

مصر، إنما كانوا يطلبون الحديث بعد بلوغ ثالثين سنة، هذا عرف من منهج هؤالء العلماء، فمعنى هذا: أن من عاصر شيخه عشرين سنة، أو عاصر شيخه ثالثين سنة، هذا من حيث المبدأ

نه ألن يلتقي به، أو يسمع منه، ال سيما إذا كان هذا الراوي ليس من بلد ذلك الشيخ؛ ألن ال يمك عادة الرواة: أنهم كانوا إنما يسمعون من أهل بلدهم أوال ، ثم إذا فرغوا من العلم الذي عند مشايخ أهل بلدهم طافوا البالد، وسمعوا من علماء األمصار، فتكون الرحلة متأخرة عن بداية الطلب،

العشرين، فيرحل الواحد منهم بعد بلوغه ثالثين فإذا كان من شأن هؤالء أن يطلبوا الحديث فيسنة مثال ، أو كان من شأنه أن يطلب الحديث في الثالثين، فإنه سيرحل لطلب الحديث ممن هو

خارج بلده في األربعين مثال .

Page 177: علوم الحديث   المستوى الثاني

إذن من معرفتنا بتاريخ الرواه، ومعرفتنا بعادة هؤالء الرواة، ومعرفتنا بالمناهج التي سلكوها واشترطوها ألنفسهم في زمن تحمل الحديث، وزمن الرحلة، نستطيع أن نعرف معنى واتبعوها،

كون هذا الراوي عاصر شيخه معاصرة تمكنه من السماع من شيخه أم ال، فبعض الباحثين حينما يجد الراوي قد عاصر شيخه مثال ثالثين سنة، فيقول: هذه فترة طويلة، تمكنه من أن

ه، بينما العالم بمناهج العلماء ومسالكهم وبطرائقهم في ذلك، يعلم أن يلتقي به، ومن أن يسمع منهذه المدة ال تمكنه في الواقع بمفردها من أن يلتقي بهذا الشيخ، أو أن يسمع منه، ال سيما إذا كان

من غير أهل بلده، واحد من الكوفة، وواحد من الشام، هذا كوفي، ونحن -كما قلنا-هذا الشيخ الكوفة كانوا يبدؤن في طلب العلم في العشرين من عمرهم، ثم وجدناه يروي عن قلنا: إن أهل

بعض أهل الشام، فمعنى ذلك أنه رحل لطلب العلم، فنحن نتصور ابتداء بأنه البد أن يكون قد عاصر شيخه، مدة تزيد عن ثالثين سنة، أو تقرب من هذه المدة، حتى نستطيع أن نقول: إنه

هذا الشيخ أو ال؟ فمعرفتنا بهذه األمور مهمة جدا ، لمعرفة معنى المعاصرة، يمكن له أن يلتقي بفي مقدمة الصحيح، لما تكلم -عليه رحمة هللا-ومعنى إمكانية اللقاء الواردة في كالم اإلمام مسلم

عن هذه المسألة، من أنه ليس كل معاصر يمكن له أن يلتقي بشيخه، ومن نازع في هذا فهو سوسات المرئيات فنحن نعلم أنه ليس كل من عاصر رجال التقى به فضال عن أن ينازع في المح

يسمع منه.

هذه المسألة كما قلت كثرت فيها أقوال أهل العلم لما ترون من كونها غامضة خفية تحتاج إلى تأمل وتحتاج إلى فناء األعمار إلدراك ذلك؛ ولهذا صنف فيه العلماء المصنفات كالمراسيل

حاتم وغير ذلك. البن أبي

عن الحافظ ابن الصالح أنه قال: وقد حاول -رحمه هللا تعالى-هناك حكى االمام ابن كثير بعضهم أن يطلق على اإلسناد المعنعن اسم اإلرسال واالنقطاع بناء على عدم االكتفاء من

هو الراوي بمجرد المعاصرة وإمكانية أن يكون قد التقي بشيخه، وإنما اشترط مع ذلك كمامذهب البخاري وعلي بن المديني، وجمهور أهل العلم اشترط مع ذلك: العلم باللقاء، فرق بين

أن يكون اللقاء ممكنا ، وبين أن أعلم به، وأتحقق منه، فهناك من أهل العلم كالبخاري وابن قاء، المديني وغيرهما، يشترطون العلم باللقاء، وهناك كاإلمام مسلم من يشترط فقط إمكانية الل

وأما من نسب إلى اإلمام مسلم من أنه يكتفي بمجرد المعاصرة فهذا خطأ، ال يكتفي اإلمام مسلم بمجرد المعاصرة، وإنما المعاصرة التي يمكن معها أن يلتقي ذلك الشيخ بمن يروي عنهم، وهذا

ليس فقط من خصوصيات الرواة بل هذا أيضا حتى في إثبات الصحبة.

ال يعدونهم من الصحابة، مع أنهم قد التقوا -رحمهم هللا تعالى-لماء هناك من الرجال: العصلى هللا -لماذا ؟ وهؤالء هم الذين ولدوا في عهد النبي -صلى هللا عليه وآله وسلم-برسول هللا

، إال وهم أطفال، -صلى هللا عليه وسلم-ولم يثبت لهم سماع أو لقاء برسول هللا -عليه وآله وسلمأم ال؟ -صلى هللا عليه وسلم-م التكليف، أي عدم البلوغ، فهؤالء التقوا برسول هللا أي في سن عد

كان الواحد من صحابة رسول هللا -صلى هللا عليه وآله وسلم-ومعلوم أن هؤالء كان رسول هللا -صلى هللا عليه وآله وسلم-إذا ولد له مولود يذهب به إلى رسول هللا -صلى هللا عليه وآله وسلم-

، وهذا معروف في وقائع -صلى هللا عليه وسلم-ليبرك عليه، ويحنكه تيمنا وتبركا برسول هللا كثيرة.

-فالظن الغالب بأن هذا الصحابي، أو هذا الراوي، أو هذا الرجل الذي ولد في عهد النبي غ سن ، وهو لم يبل-صلى هللا عليه وآله وسلم-، وإن مات رسول هللا -صلى هللا عليه وآله وسلم

، أو ممن -صلى هللا عليه وسلم-التمييز، نحن يغلب على ظننا أن هذا ممن التقى برسول هللا صلى هللا عليه وآله -، أو ممن حنكه رسول هللا -صلى هللا عليه وآله وسلم-مسح عليه رسول هللا

Page 178: علوم الحديث   المستوى الثاني

عليه وآله صلى هللا-، ومع ذلك هم ال يعدونهم في الصحابة، لماذا؟ ألنهم لم يدركوا النبي -وسلماإلدراك الذي يمكنهم من أن يتحملوا عنه علما ، اإلدراك الذي يمكنهم من أن يتلقوا -وسلم

، -عليه الصالة والسالم-سنة، وعلما عنه -صلى هللا عليه وسلم-ويتحملوا ويأخذوا عن الرسول ن.فمن هذه الحيثية لم يثبت لهم العلماء معنى الصحبة بل عاملوهم معاملة المخضرمي

إذن إذا أردنا أن نتفهم هذه المسألة فينبغي أن نتفهمها على هذا النحو:

األمر األول: هناك فرق بين المعاصرة واإلدراك، واللقاء والسماع، فليس كل من عاصر أدرك والتقى، وليس كل من التقى سمع ممن التقى به.

الحديث أصال ، إال في سن األمر الثاني: أن نعرف عادة المحدثين بأن هناك من كان ال يطلبالعشرين، فالرحلة بالضرورة تكون بعد ذلك، وهناك من كان ال يطلب الحديث إال في سن

الثالثين، فبالضرورة تكون رحلته بعد ذلك؛ فلهذا نفهم معنى اإلدراك، ومعنى كون هذا الراوي نا هذه الضوابط، وهذه يمكن له أن يلتقي بفالن أو ال، يمكن له أن يلتقي بفالن إذا وضعنا أمام

أن نتفهم هذه -إن شاء هللا تعالى-المفاهيم، فإذا انتهينا من ذلك، وفهمناه حق الفهم، نستطيع المسألة، وهذا ما سنفصله بإذن هللا تعالى في اللقاء القادم، لكننا سنبني على تلك المقدمة التي

انتهينا منها، والحمد هلل.

ول اذكر أجمع تعريف للحديث المرسل؟وردتنا إجابات: كان السؤال األ

-صلى هللا عليه وآله وسلم-وكانت اإلجابة: الحديث المرسل: هو ما أضافه التابعي إلى النبي

؟ -صلى هللا عليه وسلم-هذا أجمع الجواب، وماذا تقول في التابعي الذي سمع من الرسول ما يخرج هذا النوع من هل هذا مرسل؟ ليس هذا مرسل، إذن البد أن نذكر في التعريف إلى -صلى هللا عليه وآله وسلم-اإلرسال، فنقول: هو ما أضافه التابعي الذي لم يسمع من النبي

. -عليه الصالة والسالم-النبي

السؤال الثاني: اذكر شروط االحتجاج بالحديث المرسل؟

وهي: وكانت اإلجابة: للحديث المرسل شروط حتى يحتج به في نفسه، وفيما يعضده،

أوال : شروطه في نفسه أن يصح اإلسناد إلى التابعي، ويكون هذا التابعي ثقة ال يروي إال عن ثقة ، وأن يكون من كبار التابعين.

ثانيا : شروط ما يعضده أم يسنده الحفاظ المأمونون باللفظ أو بالمعنى.

أن يأتي من وجه آخر مرسال .

المرسل الثاني.أن يكون شيوخ المرسل األول غير شيوخ

أن يوافقه رأي أو فتوى أحد الصحابة.

أن يوافقه رأي أو عمل أهل العلم، وهللا أعلم

نعم هذه إجابة، وافيه وهلل الحمد.

Page 179: علوم الحديث   المستوى الثاني

هل هذه الشرائط التي وضعها الشافعي للعمل بالحديث المرسل تلقاها العلماء بالقبول محدثين من ال يحتج بالمرسل، حتى لو وارتضوها أم أن هناك من العلماء سواء كانوا فقهاء أو

توافرت فيه هذه الشروط؟

ما الفرق بين المعنعن والمأنأن؟

كان يسأل عن شرائط الشافعي للمرسل هل تلقاها العلماء بالقبول ؟

تلقاها الناس بالقبول وأخذها كثير من أهل العلم بشرحها، وبيان -بطبيعة الحال-هذه الشرائط كاإلمام ابن رجب، واإلمام العالئي، واإلمام ابن رشيد السبتي، وكذلك مراد الشافعي منها،

الحافظ ابن حجر العسقالني وغيرهم من أهل العلم، أيضا الزركشي وأيضا ابن عبد الهادي، رحمه هللا -وكل هؤالء تلقوا هذه الكلمات من اإلمام الشافعي وشرحوها، وبينوا مغزى الشافعي

ذا من ناحية.منها، ه -تبارك وتعالى

من ناحية أخرى أنك إذا تتبعت صنيع أهل العلم كاإلمام أحمد بن حنبل مثال ، مع أنه لم ينص على قاعدة معينة في المرسل، لكن بتتبع صنيعه، وتعامله مع الرواية المرسلة، متى يحتج بها،

، وال يرده ومتى ال يحتج بها؟ يتبين من خالل ذلك أنه ال يحتج بالمرسل على سبيل اإلطالقعليه رحمة هللا -على سبيل اإلطالق، وإنما يقبله حيث ينضم بمثل ما ذكره اإلمام الشافعي

، وقد ذكر اإلمام ابن رجب في شرحه لكتاب علل الترمذي، أمثلة على ذلك من كالم -تعالى .-رحمه هللا تعالى-اإلمام أحمد بما يدل على كونه يسلك في ذلك مسلك اإلمام الشافعي

ال يتقيدون ببعض هذه -ال سيما العلماء المتأخرين-العلماء -أحيانا -يقول قائل: نحن نجد قدالشرائط، ككون التابعي كبيرا ، كون المسند إسناده صحيحا ، ونحن نقول: فرق بين أن يكون الحديث مثال له أدلة كثيرة، أي روايات عدة، فيتسامح العلماء في بعض الشرائط؛ ألن هذا

ف الموجود في بعض الشرائط ينجبر بكثرة الروايات، وينجبر بأدلة أخرى، وبقرائن الضعتحتف بالرواية، فمن هذه الحيثية قد يتسامح العلماء في بعض الشرائط؛ لكون الحديث مجبورا

بأشياء أخرى، فاالنضمام له اعتبار عند المحدثين، بل والفقهاء أيض ا، وكلما كثرت األدلة، د على صحة هذا المعنى، كلما كان التساهل في مفرداتها أكثر، أما كلما قلت وكثرت الشواه

فيكون التشدد، واالحتراز أشد مما لو كان الشواهد هناك أكثر، نجد مثال إذا كان الحديث متضمنا جانبا احتياطيا يعني يحمل معنى يحتاط في مثله، وهو ال يتعارض مع أصل من أصول

موافقا ألصول الشريعة، فحينئذ قد يتسامح العلماء في ذلك، والشواهد الشريعة، بل قد يكونعموما يتسامح فيها، بما ال يتسامح في األصول، قد يكون الخبر في فضائل األعمال، فالعلماء يتسامحون فيه؛ ألجل ذلك؛ ألنه ال ينشئ حكما جديدا ، وإنما يرغبك فيما هو ثابت من السنن، و

فالبد من فهم ذلك، وفهم السياق، العلماء حيث يستاهلون، أو حيث المستحبات وهكذا،يحترزون، إذا وضعت لنفسك هذه الضوابط تستطيع أن تتفهم لماذا العالم الواحد شدد هنا

وتساهل هنا؟ وهللا أعلم.

كان سؤاله ما الفرق بين المعنعن والمأنأن

-إن شاء هللا تعالى-الدرس، وسنكملها العنعنة أو المعنعن هي المسألة التي أثرناها في هذا في اللقاء القادم، المأنأن هو قول الراوي أن فالنا قال، أن فالنا فعل، أن فالنا ذهب، أن فالنا جاء، أن..، وال يستعمل عن، وهذه المسألة ستأتي بعد هذه المسألة أيضا في كتاب ابن كثير،

وسنبين الفرق بينها وبين العنعنة.

Page 180: علوم الحديث   المستوى الثاني

االنقطاع في رجلين، كما ذكرهم في مثال المنقطع، وكان األول فيهما ضعيفا ، إذا إذا كان كان االنقطاع كما ذكره في المثال الثاني في المنقطع، بما رواه أبو العالء عن عبد هللا بن

الشخير عن رجاء عن شداد، فضيلتكم قلتم إذا كان حملناهم على أنهم متواليين، وأن األول كان ذه النقطة لم تتضح بالنسبة لي يا شيخ ؟ضعيفا ، ه

يعني الضعيف إذا روى عن رجل هل تستطيع أن تثبت هذه الرواية عن ذلك الرجل، بتلك الرواية التي رواها عنه ضعيف؟ ال.. لماذا ؟ ألن هذا الضعيف ال يعتمد عليه فيما زعمه

لراوي الضعيف، ال يحتج بما وادعاه، عن هذا الرجل المبهم، هل هذا يحتج بحديثه؟ فهو بمنزلة ايجيء به، فهذا المبهم قال حدثني مبهم آخر، فنحن ال نستطيع أن نعتمد على المبهم األول، فيما

ادعاه على المبهم اآلخر، فال نثبت الرواية عن المبهم اآلخر؛ ألنها جاءت من طريق مبهم، معروفين، وليس على رواية والمسألة دائرة بين المبهمين، إنما نعتمد على رواية الثقات ال

المجاهيل الذين ال يعرفون، كما نجد مثال بعض الناس يقول فالن يقول كذا، تقول له من قال لك؟ قال حدثني رجل ثم تقول من هذا الرجل؟ يقول حدثه رجل فتجد الرجل، قد يكون قال كالما

صوابا ، لكن حينما وصل إليه عن هذه الوسائط.

ناقلوه فما آفة األخبار إال

وصل إليك الخبر بصورة أخرى لكثرة الوسائط بينك وبين الخبر، وهذه الوسائط من بينهم، من ال يحج به، وال يعتمد عليه.

هناك سؤال؟ إذا كان السؤال وسيلة في االنقطاع، والمعضل، فلماذا ذكر أنه نوع خاص من أنواع الحديث في كتاب اختصار علوم الحديث ؟

عني التصحيف والتحريف أليس هو وسيلة يقع بها الخطأ في الرواية؟ هذا سؤال عجيب، يالراوي الذي يخطيء قد يكون خطؤه عن التصحيف والتحريف، يعتمد على كتاب غير مصحح، وغير مقابل، فنشأ عن ذلك تغيير في الرواية، وخلل في الرواية، فتكون الرواية معلولة من قسم

فالتصحيف والتحريف: هو وسيلة وقوع الخلل في الرواية، الحديث المعلول، والعلة التصحيف. فصارت من هذه الحيثية معلولة، ومع ذلك أفردوا التصحيف والتحريف بنوع.

االضطراب: اضطراب الراوي بالحديث، مرة يرويه على وجه، ومرة يرويه على وجه ن ضبط الرواية، آخر، فنستدل باضطرابه على نفسه، واختالفه في الرواية، على أنه لم يحس

فتكون من هذه الحيثية من قسم المعلول، فصار االضطراب دليال للعلماء على أن هذا الراوي لم يضبط الرواية، وعلى أنها من قسم المعلول، ومع ذلك أفردوا المضطرب بنوع من أنواع

بة منهم في الحديث، نحن قلنا في أول درس بأن العلماء تفننوا في تنويع أنواع علوم الحديث، رغتضييق الخناق على كل خطأ من شأنه أن يتسرب إلى الرواية، وكل نوع من هذه األنواع علم

على حدة، تستطيع أن تتوسع فيه، وأن تفني فيه عمرك، حتى تستطيع أن تعرف متى نعرف إن لوال كان هذا الحديث مدلسا ، أو ليس مدلسا ، مرسال أو ليس مرسال ، مصحفا أو ليس مصحفا ، معأو ليس معلوال ، فكون العلماء يجعلون ذلك نوعا مستقال ال يعني أنه بمعزل عن غيره من

األنواع وهللا أعلم.

يقول: هل توافقوني على أن أكثر االنقطاع يقع في الطبقات األولى من السند؛ ولذلك اشتدت سبب؟عناية األئمة بإفادة االتصال فيها، وإن كانت اإلجابة نعم فما هو ال

Page 181: علوم الحديث   المستوى الثاني

نحن قلنا في لقاء سابق بأن المحدثين إنما يعتنون بمراعاة الضوابط الحديثية، سواء المتعلقة بالجرح والتعديل، والرجال، أو سواء متعلقة باالتصال واالنقطاع، أو سواء المتعلقة بعلل ا ، وال األحاديث، حيث يقع ذلك في الطبقات العليا؛ ألن وقوعه في الطبقات الدنيا ال يؤثر كثير

يشغلنا؛ ألن الحديث إذا كان له أصل في الكتب المتقدمة، فمهما أخطأ من جاء بعد ذلك، فرواه فخطؤه ال يضر ما دام أن الحديث ثابت، ومرفوع في الكتب المتقدمة، حديث يرويه أبو داود في

من سنن السنن مثال ، السنن متواترة عن أبي داود أم ال ؟ فجاء بعض المتأخرين فروى حديثا أبي داود في عهد البيهقي مثال ، فروى الحديث البيهقي بإسناده عن أبي داود ومن أبي داود إلى

، فأخطأ شيخ البيهقي في الحديث، خطأ شيخ البيهقي -صلى هللا عليه وآله وسلم-رسول هللا به يؤثر؟ الحديث معروف في كتاب أبي داود، ونحن نعرف على أي وجه رواه أبو داود في كتاالسنن، فخطأ من روى الحديث عن أبي داود ال يضر ما دام أن الحديث محفوظ متواتر، عن

؛ -صلى هللا عليه وآله وسلم-أبي داود، ويبقى النظر بعد ذلك في إسناد أبي داود إلى رسول هللا ومنهم ولهذا تكلم العلماء في اإلجازات مثال ، فمنهم من قبل اإلجازة، ومنهم من لم يقبل اإلجازة،

من قبل بعض صورها، ومنهم من لم يقبل الصور األخرى، ومنهم من توسع فأعطى اإلجازة لكل من خلق، وكل من لم يخلق بعد، كما توسع بعضهم، فقال اإلجازة للمعدوم، أو اإلجازة

للمجهول، في صور سيأتي بيانها، وهناك من أجاز من يجيء إلى يوم القيامة، وقال أجزت هذا كل المسلمين من كان في عصري، ومن كان في غير عصري، ولهذا بعض الناس الكتاب ل

يتعلق بمثل هذه األشياء، يقول عندي إجازة للكتاب الفالني لماذا؟ ألني مسلم، والمسلمون مجازون بهذا الكتاب، طبعا هذه إجازات ال يعتد بها وال يعتبر بها.

إنما منشؤه رغبتهم األكيدة في إبقاء -سابقكما قلنا في لقاء -المتأخرون توسعوا، وتوسعهم سلسلة اإلسناد، مسالة شرفية، ليس أكثر، أما أن روايتهم هذه ينبني عليها تصحيح الحديث أو ضعفه؟ ال إنما الحديث تبنى صحته أو ضعفه على األسانيد التي رويت في الكتب المشهورة

المتداولة المعروفة عند أهل العلم، وهللا أعلم.

: هل اعتبار أو تمشية بعض األئمة لمرسالت بعض التابعين، مثل سعيد بن المسيب، يقولكان من أجل تحقق الشروط التي ذكرتموها، أم بناء على استقراءهم التام لهذه الروايات ومعرفة

حالها؟

ال.. بل الشافعي نفسه نص، لما ذكر أن مراسيل ابن المسيب، عنده حسان، ذكر أنه وجدها ن أوجه أخرى، فاستحسنها لهذه العلة، من أنه وجدها مروية من أوجه أخرى مسندة إلى مسندة م

، بل ذكر أهل العلم بأن الشافعي لم يحتج بكل مراسيل -صلى هللا عليه وآله وسلم-رسول هللا سعيد بن المسيب، بل المراسيل التي أرسلها سعيد بن المسيب، ولم يجدها مسندة أو مروية من

لم يحتج بها اإلمام الشافعي، وذكروا لذلك أمثلة في كتب العلم.أوجه أخرى

سؤال في المنكر: هل فيه حديث منكر في الرواة إنما المتن صحيح؟

منكر في السند؛ ألن النكارة تقع في اإلسناد، وتقع في المتن، وهذا ما يفهم بأنه حكم نسبي، يث نفسه، كمتن صحيح، وثابت عن يعني حكمه متعلق برواية معينة، بسند معين، ولكن الحد

، فهذا حكم نسبي متعلق برواية معينة، وليس بالمتن نفسه، -صلى هللا عليه وآله وسلم-رسول هللا كما تقول: هذا الحديث معلول، تقصد علة في اإلسناد، أو خطأ تقصد خطأ في اإلسناد، بينما

.- عليه وآله وسلمصلى هللا-المتن نفسه، قد يكون صحيحا ، ثابتا عن رسول هللا

-حديث األعمال بالنيات هل يشك أحد في صحته، ال يشك أحد في صحته عن رسول هللا صلى هللا عليه وآله -، ولكن العلماء يقولون: إنما يصح عن رسول هللا -صلى هللا عليه وآله وسلم

Page 182: علوم الحديث   المستوى الثاني

-ه وسلمصلى هللا عليه وآل-من حديث عمر بن الخطاب، هو الذي رواه عن رسول هللا -وسلمكما روي عن أنس بن -صلى هللا عليه وآله وسلم-أما من رواه عن غير عمر عن رسول هللا

، فقالوا: كل -صلى هللا عليه وآله وسلم-مالك وكما روي عن أبي سعيد الخدري عن رسول هللا ذلك خطأ، منكر، وبعضهم قال: باطل ال أصل له، يقصدون المتن أم اإلسناد؟ اإلسناد ال يصح

إال من حديث عمر، فما رواه عن غير عمر من -صلى هللا عليه وآله وسلم-ن رسول هللا ع الصحابة فقد أخطأ في اإلسناد، وليس هذا حكما متعلق بالمتن، فالمتن صحيح ثابت.

يقول: إذا وجدنا للحديث المرسل شاهدا من حديث آخر مسند، وهو الصحيح فإنه يشهد ن باب أولى العمل بالمسند المتصل؟ بصحة الحديث المرسل، أليس م

-عليه رحمة هللا-هذا هو االعتراض الذي اعترض به بعض األحناف على اإلمام الشافعي والواقع: أن كالم الشافعي له مغزى عميق جدا ، يفهمه من له عناية عميقة بهذا العلم، أوال : أن

يح، كما قلنا في اللقاء الماضي، اإلمام الشافعي استدل بهذا المسند على أن المرسل نفسه صحيعني أننا لما وجدنا هذا المرسل الذي تحققت فيه الشرائط المعتبرة في كونه صالحا لالعتبار

صلى هللا عليه -وجدناه مرويا من وجه آخر، بلفظه، أو بمعناه، متصال مسندا ، إلى رسول هللا فنحن استدللنا بهذا -عليه وآله وسلم صلى هللا-بإسناد صحيح ثابت عن رسول هللا -وآله وسلم

صلى هللا عليه وآله -الصحيح على أن التابعي إنما أخذه عن ثقة عن صحابي عن رسول هللا ، فاستدل بهذا الصحيح -صلى هللا عليه وآله وسلم-، أو أخذه عن صحابي عن رسول هللا -وسلم

في المسألة حديثان صحيحان، المسند، على صحة مخرج المرسل نفسه، كما قال النووي فيصير أي المرسل بعد أن عرفنا صحة مخرجه، والصحيح اآلخر للمرسل فيكونان حديثين صحيحين، يقول: حتى لو عارضهما صحيح، أي صحيح لذاته ليس له إال إسناد واحد، لو عارضه إسناد

ترجيح، فيكون لذاته من وجه آخر، ولم يمكن الجمع قدمناهما عليه، فينفع أيضا هذا في باب العندنا حديثان صحيحان، يقدمان على حديث صحيح، إذا لم يمكن الجمع والتأويل، الذي ينفي

الخالف عن األحاديث وهللا أعلم.

قد يطلق المعضل بمعنى المنكر مثل لذلك؟ السؤال األول:

من يحكم أهل العلم أحيانا بعدم االتصال مع وجود تصريح الراوي بالسماع السؤال الثاني:شيخه، في الرواية علل ذلك؟ هذا السؤال سنشرحه تفصيال في اللقاء القادم، ولكن أردت أن

أنشط أذهان اإلخوة، وأن يرجعوا إلى الكتب، وال يكتفوا بالسماع فقط في المحاضرة.

Page 183: علوم الحديث   المستوى الثاني

الدرس الثانى عشر

مناهج علماء الحديث فى الحديث المعنعن

تغفره، ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إن الحمد هلل تعالى نحمده ونستعينه ونسمن يهده هللا فال مضل له، ومن يضلل فال هادي له، وأشهد أال إله إال هللا وحده ال شريك له،

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وبعد:

ما زلنا بصدد النوع المتعلق بالحديث المعضل، وتلك المسائل التي أردفها اإلمام ابن كثير بعا البن الصالح، بعد هذا النوع من أنواع علوم الحديث.ت

ذكرنا في اللقاء الماضي أن هذه المسائل ال تختص بنوع الحديث المعضل، وإنما هي تشمل كل األنواع المتعلقة باتصال الحديث أو عدم اتصاله، ووقفنا عند مسألة اإلسناد المعنعن، وذكرنا

ة، وقواعد كلية، تعين على تفهم هذه المسألة، فذكرنا معنى تمهيدا لهذه المسألة وأصوال عامالمعاصرة، ومعنى اإلدراك، واللقاء، والسماع، ومعنى اإلسناد المعنعن، وأنه ليس مقصودا به:

كل ما يجيء في األسانيد من العنعنة، وإنما يقصد حيث يطلق هذا االسم على هذه المسألة ت عن رجل قد عاصر شيخه، ولكن ال يعرف هل بخصوصها، أي إذا وردت العنعنة وصدر

إن شاء -سمع منه أم لم يسمع، فهذه هي المسألة، والعلماء لهم فيها أقوال وتفصيالت وتفريعات، -رحمهم هللا تبارك وتعالى-نحاول جاهدين هذه المرة أن نبين مناهج علماء الحديث -هللا تعالى

في هذه المسألة:

قال: وقد حاول بعضهم أن يطلق على اإلسناد المعنعن إسم ) -لىرحمه هللا تعا-قال المصنف اإلرسال أو االنقطاع.

قال: والصحيح الذي عليه العمل: أنه متصل محمول على السماع، إذا تعاصروا مع البراءة من وصمة التدليس.

ر أن وقد ادعى الشيخ أبو عمرو الداني المقريء إجماع أهل النقل على ذلك، وكاد ابن عبد الب يدعي ذلك أيضا .

قلت: وهذا هو الذي اعتمده مسلم في صحيحه، وشنع في خطبته على من يشترط مع المعاصرة اللقي، حتى قيل: إنه يريد البخاري، والظاهر أنه يريد علي ابن المديني، فإنه يشترط

لك ذلك في أصل صحة الحديث، وأما البخاري فإنه ال يشترطه في أصل الصحة، ولكن التزم ذ في كتابه الصحيح. وقد اشترط أبو المظفر السمعاني مع اللقاء طول الصحابة.

وقال أبو عمرو الداني: إن كان معروفا بالرواية عنه قبلت العنعنة. وقال القابسي: إن أدركه (إدراكا بينا.

العلم هذه المسألة كما أشرنا في اللقاء الماضي وقع فيها خالف شديد بين أهل العلم، فمن أهل من يذهب إلى أن المتعاصرين إذا كان الراوي عمن عاصره غير معروف بالتدليس فهذه

المعاصرة كافية لمثل هذه الرواية باالتصال، فإذا جاء المعاصر وروى عمن قد عاصره بصيغة عن، فهذا وحده يكفي باتصال هذه الرواية، اللهم إال أن يتبين عدم االتصال من وجه آخر أو

ر، وهذا القول نسبه بعضهم إلى اإلمام مسلم، ونحن في اللقاء الماضي قلنا: إن اإلمام بدليل آخمسلم ال يكتفي بمجرد المعاصرة، وإنما بالمعاصرة التي يمكن معها السماع أو اللقاء؛ ولهذا

Page 184: علوم الحديث   المستوى الثاني

شرحنا معنى المعاصرة في اللقاء الماضي، وذكرنا أن من عاش في زمن شيخه، أو أدرك من سنين، يقال: إنه عاصر أو أكثر من ذلك أيض ا، يقال له: عاصر، فهذا ما يفهم زمن شيخه خمس

من مقتضى المعنى اللغوي لهذه الكلمة.

ولكن لم يكن المحدثون يقصدون من المعاصرة هذا المعنى، وإنما يقصدون المعاصرة التي يث بعد بلوغ سن يمكن معها السماع، وذكرنا أن أهل الكوفة كانوا إنما يبدأون في سماع الحد

العشرين، وأن أهل مصر والشام كانوا يسمعون الحديث بعد بلوغ سن الثالثين، إذن من عاصر شيخه عشرين سنة، هذا في حد ذاته ال يمكنه من أن يسمع منه أو أن يأخذ عنه علما ، فضال عن

بلد أخرى، المشايخ الذين يكونون من غير بلد الراوي، كأن يكون الراوي من بلد، والشيخ منفحينئذ يبعد جدا أن تكون هذه المدة كافية بأن يلتقي هذا التلميذ بهذا الشيخ، ويسمع منه علما ،

.-صلى هللا عليه وآله وسلم-ويأخذ عنه حديثا يرويه عن رسول هللا

فإذن إذا فهمنا معنى المعاصرة على هذا النحو، وهي تلك المعاصرة التي يتمكن الراوي قي بهذا الشيخ، وأن يأخذ عنه علما فهذه هي المعاصرة الممكنة، أو التي تمكن معها أن يلت

صاحبها من أن يأخذ حديثا عن شيخه، أما ما كانت المعاصرة فيه متجردة عن هذا المعنى لم تصحبها ما يدل على اإلمكانية، أو ما يفيد اإلمكانية فهذا أمر مستبعد بطبيعة الحال، هذا يختلف

راو، ومن شيخ لشيخ، فمثال لو أن راويا كان بالمدينة المنورة، وقد أدرك قليال من من راو لمثال ، فهذا قد يتمكن من أن يسمع من عمر مع أنه لم -رضي هللا عنه-زمن عمر بن الخطاب

يدركه، فإن إدراكه له كان دون العشرين، أو أقل من ذلك، وذلك ألن عمر كان في بلده الذي أمير المؤمنين وقتئذ, -رضي هللا عنه-ا، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى كان عمر يعيش فيه

فالهمم مجتمعة، والدواعي مجتمعة في أن يلتقي به الناس، وأن يأخذوا عنه علما ، ال سيما إذا كان هذا الراوي عنه من المعروفين بطلب العلم، ومن المشتغلين به، وممن عرفوا بين أقرانهم

رصون على سماع العلم، ومجالسة أهل العلم.بأنهم يح

هناك أمور متعددة نستطيع أن نفهم على ضوئها معنى اإلمكانية، فما يمكن في حق راو قد ال يمكن في حق راو آخر، وما يمكن في حق شيخ قد ال يمكن في حق شيخ آخر، قد يكون الراوي

، أو هذا الشيخ دخل بلده، ولكنه وقت عاصر شيخه زمنا طويال ، وقد يكون الشيخ من أهل بلده أن دخل هذا الشيخ بلد الراوي، أو وقت أن دخل الراوي بلد الشيخ لم يكن أحدهما في البلد.

، قالوا: إن الحسن -رضي هللا عنه-كما قيل في سماع الحسن البصري من أبي هريرة هل العلم، وعلل ذلك ، كما هو قول جمهور أ-رضي هللا عنه-البصري لم يسمع من أبي هريرة

بها، فالوقت -رحمه هللا -بعضهم بأنه وقت أن كان أبو هريرة بالبصرة لم يكن الحسن البصري لم يوفق في أن -رضي هللا عنه-الذي كان يمكن للحسن البصري أن يلتقي فيه بأبي هريرة

د فيه اآلخر.يجتمع بأبي هريرة؛ ألنه صادف أن هذا الوقت كان كل منهما في بلد غير التي وج

متعلقة بمعرفة العلماء متى طلب العلم هذا -تواريخ الرواة-إذن هذه مسألة متعلقة بالتاريخ الراوي؟ ومتى رحل فيه؟ ومتى دخل البلد الفالنية ولم يدخل البلد الفالنية؟ وهذا كله يدركه

انب من تاريخ ويعرفون هذه األمور، وهذا ج -عليهم رحمة هللا تبارك وتعالى -علماء الحديث الرواة مهم جدا ، والعلماء يعتنون به غاية العناية.

فليست المسألة مرتبطة فقط بمجرد قاعدة كلية، فنقول: كل من عاصر فعنعته محمولة على السماع، أو كل من كان بإمكانه السماع فعنعنته محمولة على السماع، أبدا ، هذا يختلف كما قلنا

شيخ، فما يكون ممكنا في حالة، ال يكون ممكنا في حالة أخرى، لكن من راو لراو، ومن شيخ ل ما هو الضابط العام في هذه المسألة؟ البد أن يكون لنا من ضابط عام.

Page 185: علوم الحديث   المستوى الثاني

بعض الباحثين لما وجد العلماء ليس لهم في كل حكم من األحكام المتعلقة بهذا الباب قاعدة الرواية، وقد يكون هذا المعنى نفسه موجودا مطردة، فتارة يثبتون السماع مع وجود معنى في

في رواية أخرى ثم ال يحكمون بالسماع، وال باللقاء، وتارة يراعون في رواية معنى ما، وهذا المعنى نفسه يجعلونه في رواية أخرى، فيذهب إلى أنه ليس للعلماء في ذلك ضابط، وليس لهم

عليهم رحمة هللا تبارك -لتي يلجأ إليها العلماء قاعدة كلية وهذا ليس صوابا ، ففرق بين القرائن الضبط المسائل وتحرير المسائل الفرعية، وبين أن يكون هناك ضابط عام في كل ما -تعالى

يشمل هذه المسألة أو تلك، من حيث العموم، وما من مسألة من مسائل العلم إال ولها قاعدة وهذه القاعدة العامة حيث تنضم قرينة عامة، وضابط عام، ثم قد نخرج عن هذا الضابط العام

تخرجنا أو تجعلنا نتنازل عن هذا الضابط، أو نستثنيه في هذا الموضع خصوصا ، وذلك لما انضم للرواية من قرائن، أقول: هذا ليس منحصرا في مسألة دون أخرى، بل هو في كل مسائل

نحن نجد من الضوابط العامة العلم، بل في علم الحديث، وفي غير الحديث من العلوم، فمثال مثال عند علماء الحديث أنهم يقولون: زيادة الثقة مقبولة. هذه قاعدة موجودة، ونص عليها كثير

من أهل العلم، وجد ذلك في كالم اإلمام البخاري، ووجد أيضا في كالم اإلمام الدار قطني، لم، فما من إمام في الغالب إال وقد واإلمام أحمد بن حنبل، واإلمام الترمذي، وغيرهم من أهل الع

، أو الزيادة من الثقة مقبولة، ومع ذلك نجد هؤالء العلماء «زيادة الثقة مقبولة»نطق بهذه العبارة وغيرهم من أهل العلم، نجدهم في كثير من المواضع ال يقبلون زيادات الثقة، مع أنهم نصوا

الحكم على أفراد الروايات، وعلى األحكام على القاعدة من حيث المبدأ العام، ثم وجدناهم فيالجزئية المتعلقة بهذه األسانيد، أو بتلك الروايات، أحيانا يقبلون الزيادة، وأحيانا ال يقبلون

إن شاء -الزيادة، كما سيأتي في المسألة األخيرة في هذا النوع، وأيضا في باب زيادات الثقات حيانا وال يقبلونها أحيانا ، فهل هذا يعد تعارضا وتناقضا ؟ ال.. ، نجدهم يقبلون الزيادة أ-هللا تعالى

ليس هذا من باب التعارض، وال هو من باب التناقض، وإنما القاعدة العامة أن الزيادة من الثقة مقبولة.

في العلل الذي في آخر الجامع ينص على أن -رحمه هللا تعالى-وجدنا مثال اإلمام الترمذي لحافظ مقبولة، وكذلك ابن عبد البر، وكذلك اإلمام مسلم في كتاب التمييز، ذكروا أن الزيادة من ا

زيادة الحفاظ مقبولة، فهذه هي القاعدة العامة في هذا الباب، ثم وجدناهم هم أنفسهم وغيرهم من أهل العلم يخرجون عن هذه القاعدة، حيث تحتف بالرواية قرائن، ترجح لدى هؤالء الناقدين،

العلماء الكبار أن هذا الحديث أو هذه الزيادة في هذا الحديث بخصوصه ليست مقبولة؛ وهؤالءألن هذه القرائن صارت من القوة بحيث تقاوم القاعدة، لكن القاعدة تنفعنا حيث ال يكون هناك

قرائن، فحينئذ نستفيد بتلك القرائن ونعمل بمقتضاها.

في نوع األفراد من أنواع علوم -هللا تعالى رحمه-مثال نجد العلماء كابن الصالح مثال الحديث: ذكر أن ما يتفرد به ثقة فهو صحيح، وما يتفرد به الصدوق الذي هو دون الثقة فحديه حسن، وما يتفرد به الراوي الضعيف فحيدثه ضعيف، هذه قاعدة عامة، ضابط عام يحكم هذه

المسألة.

ها في كل المواضع، بل إذا وجد بعضهم أهل بعض الناس أخذوا هذه القاعدة العامة وطبقوالعلم يخالفون هذه القاعدة العامة في بعض المواضع أخذ يرد على العلماء بما تضمنته تلك

القاعدة العامة، وهذا خطأ في فهم كالم أهل العلم.

فابن الصالح ها هنا وضع لنا هذه القاعدة العامة، ثم هو نفسه لما تكلم عن العلة، وعن ذ، ذكر أن العلة والشذوذ يقعان في أحاديث الثقات، وأنه يستدل على قوع العلة في الشذو

Page 186: علوم الحديث   المستوى الثاني

الحديث، إما بتفرد الراوي بالرواية، أو بمخالفته لغيره مع القرائن المحتفة بالرواية التي ترجح جانب الخطأ على جانب اإلصابة.

قة إذا انضم إليه من القرائن ما إذن نفهم من كالم ابن الصالح في باب العلة أن ما يتفرد به الثيرجح جانب خطأه فيما تفرد به أنه يكون لهذا من المعلول المحكوم بخطئه، والذي يكون من قسم المردود، قد ينظر البعض فيقول هذا يتعارض مع ما قاله هو نفسه في باب األفراد، ألنه

جاء هنا فذكر أن ما يتفرد به هناك في باب األفراد قال: هو ما يتفرد به الثقة فهو صحيح، ثم الثقة حيث تنضم إليه القرينة الدالة على الخطأ يكون معلوال ، وليس بين الكالم تعارض بالمرة

عليهم رحمة -هنا، هنا وضع الضابط العام، وهنا أعمل القرائن، واستفاد بها، وعلماء الحديث حون بهذه القرائن جانبا على جانب، يستفيدون من القرائن في كل أبواب العلم، فيرج -هللا تعالى

أو قوال على قول، أو إذا كان األمر يحتمل معنيين أو يحتمل قولين، فراوية يحتمل فيها الصواب والخطأ فيرجحون أحد الجانبين بمقتضى القرائن التي تنضم إلى الرواية فترجح جانب الصواب

وجانب الخطأ وهذا من هذا الباب.

لة هو أيضا من هذا الباب، فمن حيث القاعدة العامة البد أن نكون كالمنا في هذه المسأمدركين عالمين بالسماع، أو بلقاء الراوي بشيخه، هذا البد أن نتحقق منه؛ ألن االتصال ال يتم إال بذلك، أن نعلم أن فالنا سمع، أو أن فالنا التقى بشيخه، وأخذ عنه علما ، فهذا البد أن نكون

د نختلف في طرق إثبات ذلك، هل يثبت ذلك بالتصريح بالسماع أم بما هو دون متحققين به، قذلك؟ بعضهم يذكر في كالمه: العلم بالسماع، بعضهم يذكر في كالمه اإلدراك، بعضهم يذكر في كالمه اللقاء، وكل ذلك إنما هو ألفاظ يريد بها شيء واحد، وهو أن نعلم أن اإلسناد متصل؛ ألن

يكن متصال لن تقوم به حجة.اإلسناد إذا لم

فقد يغلب على ظن الناقل، وعلى فهمه، أن هذه الرواية التي رواها ذلك الراوي سمعها من الشيخ، وإن لم يكن اللفظ صريحا في السماع، قد يفهم ذلك بأن هذا الراوي كثيرا ما يروي عن

ن ذلك بعض أهل العلم فيما هذا الشيخ، فهذا يغلب على ظنه أنه أخذ عنه والتقى به، كما عبر عقرأه علينا األخ بأن يكون معروفا باألخذ عن شيخه، بحيث يغلب على ظن الناقد أن هذا الراوي

قد أخذ عن شيخه فعال والتقى به لكثرة ما يروي عنه.

عالم آخر أو راو آخر قد يفهم من نفس القرينة عكس ما دلت عليه في الموضع األول، فعالم ذا الراوي كثيرا ما يروي عن هذا الشيخ، ولم يصرح عنه بالسماع، ولو مرة في آخر يقول: ه

حياته، فهذا يجعلني أرتاب في سماعه منه، لو أنه صرح بالسماع ولو مرة لكان ذلك كافيا ، لكن ما باله يروي عنه الكثير ثم ال يصرح، ونحن نتكلم عن رواة كانت لهم عادة يعرفها علماء

، كان الواحد منهم إذا كان عنده حديث عن شيخ فهو يعد من -حمة هللا تعالىعليهم ر-الحديث مظاهر الشرف، ومن الشيء الذي يفتخر به، أن يصرح بالسماع عن هذا العالم الكبير، فكان أمرا معروفا في عادتهم، أن الواحد منهم يحب أن يقول حدثنا فالن، ويتشوق إلى أن يقول:

نوعا من العلو، ونوعا من الشرف، أن ينسب لنفسه السماع من هذا حدثنا فالن، هذا طبعا الشيخ، فكونه مع كثرة ما يرويه عنه ال يصرح عنه بالسماع، هذا قد يشكل عند بعض الرواة

وعند بعض أهل العلم ريبة في تحقق سماع ذلك الراوي من ذلك الشيخ.

يانا أتعجب من القرائن حيث إذن القرائن ليست لها ضابط يضبطها، بل الضوابط، أنا أحأحيانا أفهم من صنيعهم ما يدل على السماع، -رحمهم هللا تعالى-يفهمها أهل العلم، أهل العلم

ويستندون في الحكم بالسماع أو باالتصال على قرائن خفية جدا ، يحار في فهمها الباحث اع بن أبي حدرد له المتخصص، من ذلك ما وجدته في ترجمة القعقاع بن أبي حدرد. القعق

صحبة، وأثبت العلماء له الصحبة بل أجمعوا على كونه صحابيا ، أجمعوا على كونه له صحبة

Page 187: علوم الحديث   المستوى الثاني

-رحمه هللا تعالى-، ثم وجدت البخاري -صلى هللا عليه وآله وسلم-وهو من صحابة رسول هللا له الصحبة، ثم في كتابه التاريخ الكبير لما ترجم للقعقاع بن أبي حدرد قال: له صحبة، أثبت

صلى هللا -ذكر له حديثا يرويه بعض الضعفاء عنه أي عن القعقاع هذا، قال: سمعت رسول هللا ثم قال البخاري: وال يصح حديثه، إذن الدليل الذي يمكن أن يستدل به على -عليه وآله وسلم

و ضعيف عند وسمع منه حديثا ، هذا الدليل وه -صلى هللا عليه وسلم-كونه التقى برسول هللا البخاري؛ ألن اإلسناد لم يصح فيه إلى القعقاع بن أبي حدرد، ثم إن البخاري صرح بأن حديثه

إال هذا -صلى هللا عليه وآله وسلم-ال يصح، وهذا الرجل ليس له في الدنيا حديث عن رسول هللا ه صحبة، الحديث، وهكذا البخاري قد ضعف الحديث كما ترى، ومع ذلك صدر الترجمة بقوله ل

فنحن نفهم من الترجمة أن البخاري لم يثبت صحبته بمقتضى الحديث:

أوال : ألن اإلسناد ضعيف.

ثانيا : ألن البخاري نفسه صرح بأن هذا الحديث غير صحيح، فما جاء فيه من تصريح ذلك ليه ليس هو الدليل الذي اعتمد ع -صلى هللا عليه وآله وسلم-الصحابي من السماع من رسول هللا

-في إثبات صحبة ذلك الصحابي، بل أشد من ذلك، وجدت البخاري -رحمه هللا تعالى-البخاري ذكر نفس الترجمة التي في التاريخ ذكرها أيضا في كتاب الضعفاء له، فذكر -رحمه هللا تعالى

القعقاع بن أبي حدرد في كتاب الضعفاء، وقال له صحبة، ثم ذكر الحديث، وقال ال يصح وبطبيعة الحال نحن نفهم من منهج البخاري أنه لم يقصد أن القعقاع بن أبي حدرد حديثه.

يستحق أن يدخل في كتاب الضعفاء، فليس هو عند البخاري ضعيفا ، كيف وقد صرح هو بكونه له صحبة؟ وإنما يقصد بإدخاله له في كتاب الضعفاء كما هي عادته في غير ما راو من الرواة:

لذي روي عنه بما يدل على كونه صحابيا ، ال يصح فهو أدخله في كتاب أن هذا الحديث ا الضعفاء لييبن ضعف هذه الرواية التي تضمنت صحبة هذا الراوي.

ما الدليل الذي اعتمد عليه البخاري فضال عن غيره من العلماء إلثبات صحبة ذلك وتحاول أن تلتمس دليال الصحابي؟ حقيقة حينما تنظر في كتب أهل العلم، وفي كتب الصحابة،

اعتمد عليه العلماء إلثبات صحبة هذا الصحابي، ال تجد دليال سوى هذا الحديث، وقد رأيته حديثا ضعيفا عند اإلمام البخاري، فما هو الدليل الذي اعتمد عليه البخاري مثال إلثبات صحبة

هذا الصحابي؟

في الترجمة -رحمه هللا-أن البخاري أخذت أبحث وأتتبع ترجمة هذا الراوي، فلفت نظري ذكر معلومة دقيقة غامضة، فقال: "زوج بقيرة" كلمة هكذا جاءت في الترجمة "زوج بقيرة"،

صلى هللا عليه وآله -بحثت عن بقيرة هذه فوجدتها امرأة لها صحبة، ولها رواية عن رسول هللا لكن هذا الذي -يبا أو مخطئاوقد أكون مص-وحديثها في المسند لإلمام أحمد، ففهمت -وسلم

عليه رحمة -ألتمسه من إشارة اإلمام البخاري، كأن هذه هي القرينة التي اعتمد عليها البخاري إلثبات صحبة ذلك الصحابي؛ ألنه إذا كانت امرأته وزوجته صحابية، ولها -هللا تبارك وتعالى

روفا من عادة الصحابة أنهم كانوا ، وقد كان مع-صلى هللا عليه وآله وسلم-رواية عن رسول هللا صلى هللا -إذا ولد لهم مولود أن يبرك عليه رسول هللا -كما ذكرنا في اللقاء الماضي -يتبركون

صلى هللا عليه وآله -، وأن يدعو له، فكذلك كانوا يتبركون بحضور رسول هللا -عليه وآله وسلمي غير موضع من اإلصابة مثل هذا ألفراحهم وأعرافهم، كما ذكر الحافظ ابن حجر ف -وسلم

المعنى، فكأن من أثبت الصحبة اعتمد على هذه القرينة، يعني إذا كان هو زوجا لصحابية صلى هللا -فالغالب أنه أيضا صحابي؛ ألنه يستبعد أن تلتقي زوجته، وأن تسمع من رسول هللا

، أو ال يلتقي هو -آله وسلمصلى هللا عليه و-، ثم ال يسمع هو من رسول هللا -عليه وآله وسلم .-صلى هللا عليه وسلم-برسول هللا

Page 188: علوم الحديث   المستوى الثاني

هذه قرائن قد يوافق عليها عالم، وقد يخالف فيها، قد يتفق عليها العلماء، وقد يختلفون فيها، كما ذكرنا في -هذه القرينة قد يفهم منها بعض العلماء السماع، وبعضهم ال يفهم منها السماع

مكحول دخلت على واثلة بن األسقع، وذكرنا أن بعض أهل العلم لم يفهم لما قال -اللقاء الماضي من ذلك االتصال، وقال إنما دخل على واثلة ولم يسمع منه.

بعض العلماء اآلخرين استدل بهذه الرواية نفسها على أن مكحوال التقى بواثلة بن األسقع، اء؛ ألنها مسألة ظنية وفهم يؤتاه وأن حديثه منه متصل، فالقرينة قد تختلف فيها أنظار العلم

الرجل، فهذا قد يفهم من الرواية شيء، وهذا قد يفهم من الرواية شيء آخر، تلك القرينة قد يفهم منها عالم شيء، وقد يفهم منها عالم آخر شيء آخر، هذه ليست لها ضابط، لكن القاعدة العامة

أنه البد أن يكون هناك ما يدل على االتصال.

على االتصال في األعم األغلب يكون بالتصريح به، بل أنا أعتبر أن التصريح وما يدل بالسماع في الغالب يكون من أضعف الدالالت على االتصال؛ ألن التصريح أحيانا يكون محتمال ألكثر من معنى، فهناك من الرواة من صرح بالسماع من بعض المشايخ، ثم قال العلماء: إنه لم

: سمعت، أو حدثنا، أو أخبرنا، أو هذه العبارات؛ ألن هناك من العبارات من قد يسمع مع أنه قالاستعملها بعض أهل العلم في اإلجازة مثال ، كأخبرنا، كان بعضهم يقول: أخبرنا فيما أخذه عن طريق اإلجازة؛ ولهذا بعضهم جعل "سمعت" أعلى من "حدثنا" و "أخبرنا" من حيث المنزلة.

وأخبرنا استعملتا في غير السماع بخالف سمعت. فهذه األلفاظ أحيانا تكون لماذا؟ ألن حدثنا ظنية في بعض الرواة.

كان يقول: خطبنا ابن عباس، خطبنا أبو هريرة، وجمهور -رحمه هللا تعالى-الحسن البصري ا قالوا: إنه لم يسمع من ابن عباس، وال من أبي هريرة، فما صنيعهم، وم -كما قلنا-أهل العلم

رضي -تعاملهم مع هذه األلفاظ الصريحة التي تدل على سماعه من الرجلين، من الصحابيين ؟-هللا عنهما

فمن أهل العلم من قال: هذا محمول على المجاز. قوله: خطبنا، أو أخبرنا أو حدثنا أبو ت هريرة. أي حدث قومنا، وهذا موجود في اللغة العربية، وموجود في كالم الناس العادي، أن

تقول مثال زارنا الرئيس الفالني، أو الملك الفالني، أو الوزير الفالني، هل هو زارك بشخصك، أم زارك مثال في بلدك، أو زار أهل بلدك، أو زار أهل هذه المؤسسة؟ فأنت تقول: زارنا أي زارنا معشر المصريين، وال تقصد أنه زارك بنفسه، وهذا موجود حتى في القرآن الكريم كما

في كتابه العزيز خاطب اليهود الذين -عز وجل-انتزع بعض العلماء دليال لهم من ذلك أن هللا في -عز وجل-بما فعله أسالفهم، يقول هللا -صلى هللا عليه وآله وسلم-كانوا في عهد النبي

صلى هللا -لنبي ﴾ هللا خاطب من اليهود الذين كانوا في عهد اوإذ قلتم يا موسى مواضع كثيرة: ﴿، وهل هؤالء هم الذين قالوا لموسى أم أجدادهم؟ أجدادهم هم الذين قالوا -عليه وآله وسلم

﴾ أي وإذ قلتم معشر اليهود، ولم يقصد الذين وإذ قلتم يا موسى لموسى، فكأن قول هللا تعالى ﴿ بخصوصهم. -صلى هللا عليه وآله وسلم-كانوا في عهد النبي

ن األلفاظ التي تسمح بها اللغة واالستعماالت التي وجدت في اللغة العربية، وهذا يعده وهذا مأهل العلم من المجاز، وموجود في استعمال الحسن البصري كثيرا ، وعند غير الحسن البصري

في نكته على كتاب ابن الصالح ذكر -رحمه هللا تعالى-أيض ا، والحافظ ابن حجر العسقالني ة على ذلك.أمثلة كثير

كذلك أيضا قد يكون التصريح بالسماع أصال خطأ من قبل بعض الرواة، يعني هذا التصريح الوارد في الرواية "حدثنا فالن" قد يكون أصال خطأ من قبل بعض الرواة، والراوي لم يقل

Page 189: علوم الحديث   المستوى الثاني

قال عن سمعت، وال حدثنا، وأل أخبرنا، من تلك األلفاظ التي تفيد معنى اللقاء والسماع، وإنما مثال ، أو عبارة أخرى، أو لفظة أخرى من األلفاظ المحتملة، ثم جاء بعض الرواة عنه فلم يضبط

اللفظ الذي ذكره شيخه، فإذا به يذكر عوضا عنه، لفظا داال على السماع، وهذا يقع كثيرا في على الروايات، ونجد في المراسيل البن أبي حاتم، وفي كتب العلل التصريح أو التنصيص

أخطاء الرواة التي من هذا القبيل، فيقول العلماء: هذا خطأ ليس ذلك من عبارة الراوي، وإنما هو من خطأ من جاء بعده.

من ذلك مثال : هناك راوي اسمه أسامة بن زيد الليثي، وهو يروي عن الزهري أحاديث هذين الرجلين أنهما كثيرة. ومعمر بن راشد الصنعاني أيضا يروي عن الزهري كثيرا ، من شأن

كثيرا ما يذكران في روايتهما عن الزهري ألفاظ التصريح بالسماع، ويأتي العلماء ويقولون: ذلك خطأ، لم يقل الزهري سمعت، إنما قال الزهري عن.

وهو -وقع ذلك في بعض األحاديث التي يرويها الزهري عن عبد الرحمن بن األزهر الصواب: عن عبد الرحمن، وليس حدثنا عبد الرحمن. وأيضا فقال اإلمام أحمد وغيره -صحابي

ولكن كانت له أخطاء وأوهام، من -وهو من أصحاب الحسن البصري-مبارك ابن فضالة أخطاءه وأوهامه أنه كان يعمد إلى أحاديث للحسن البصري، قال فيها الحسن: عن عمران بن

الحسن، حدثنا عمران بن حصين، عن حصين، عن عبد هللا بن المغفل، فإذا به هو يقول: عن الحسن، حدثنا عبد هللا بن المغفل، فتناول العلماء هذه الروايات بالنقد وذكروا أنها من األخطاء.

أحيانا الخطأ يكون من الراوي نفسه، اشتبه عليه، فيكون إنما سمع من بعض الشيوخ، فيظن ل الخفية التي يدركها العلماء.أن هذا شيخ آخر، فيشتبه عليه شيخ بشيخ، وهذا من العل

كان يقول: رأيت عمرو بن -من جملة الثقات-من ذلك: أن خلف بن خليفة، وهو من الثقات حريث. إذا نظرنا إلى المسألة تاريخيا فيستبعد جدا أن يلتقي خلف بن خليفة بعمرو بن حريث؛

يت؟ وعلى قول من قال: إنه ألن األصح من أقوال أهل العلم أنه ولد بعد وفاته، فكيف يقول رأأدرك عمرو بن حريث يعني أدركه سنتين أو ثالثة بما ال يمكنه من أن يلتقي به، اإلدراك الذي

رحمهما هللا -يدركه ويستوعبه ويتذكره؛ ولهذا أنكر ذلك اإلمام أحمد بن حنبل وسفيان بن عيينة ت أو رأيت عمرو بن وقال: لم يدرك عمرو بن حريث، هذا خطأ، هو يقول: أدرك -تعالى

حريث، وهما يقوالن: ال... هذا خطأ، دائما وأبدا نقول: إن نقاد الحديث أعلم بالراوي من نفسه التي بين جنبيه، فهم أدرى بحال الراوي من نفسه؛ ولهذا كان الرواة يرجعون إلى العلماء

لية ذهب إلى يحيى بن ليسألوهم عن أحاديث أنفسهم، كما ذكرنا في لقاء سابق: أن إسماعيل بن عمعين، وقال له: يا أبا زكريا كيف حال حديثي؟ انظر هو يسأله عن حديث نفسه، قال أنت

مستقيم الحديث، قال: كيف عرفتم ذلك؟ هو نفسه ال يدري كيف عرفوا؟ كيف عرفتم ذلك؟ قال: شرحناه سابقا ، عارضنا بها أحاديث الناس فوجدناها مستقيمة، أي أعملنا فيها مبدأ االعتبار، وقد

فعرفنا أنك توافق الثقات، فعرفنا أنك ثقة ، كما أنهم ثقات، فكان الرواة يرجعون إلى نقاد الحديث ليميزوا لهم صحيح حديثهم من سقيمه.

فخلف بن خليفة يقول: رأيت عمرو بن حريث، فجاء اإلمام أحمد وكذلك ابن عيينة وأنكروا حمد: لعله رأى ابنا من أبناء عمرو بن حريث فظنه عمرو ذلك غاية اإلنكار، حتى قال اإلمام أ

بن حريث، فانظر هذا خطأ من الراوي نفسه اشتبه عليه، هل هو رأى عمرو بن حريث نفسه، أم رأى واحدا من أبناءه؟ من الذي يدرك ذلك؟ نقاد الحديث، رغم أن الراوي يصرح بالسماع.

في مجلس نعيم بن حماد، ونعيم -مه هللا تعالىرح-مثال القصة المعروفة لما كان ابن معين فصار -رحمه هللا تعالى ورضي عنه-ابن حماد كان من مشايخه، وابن معين وقتها كان صغيرا

Page 190: علوم الحديث   المستوى الثاني

نعيم بن حماد يقول: حدثنا عبد هللا بن المبارك عن ابن عون وذكر أحاديث بهذا اإلسناد عن ابن معين: لم تسمع هذه األحاديث من ابن المبارك، المبارك عن ابن عون، فقال له اإلمام يحيى بن

وال سمعها ابن المبارك من ابن عون، الشيخ جالس يحدث بالحديث، وابن معين جالس له يعرف أحاديث الشيخ أكثر من الشيخ نفسه، ويميز -عليه رحمة هللا-بالمرصاد، ناقد إمام

الصواب والخطأ من أحاديث الشيخ أكثر من الشيخ نفسه.

يخ يقول: حدثنا وهو ثقة ال يتعمد كذبا ، لكن قد يخطيء نعيم بن حماد، فنعيم بن حماد فالشيقول: حدثنا عبد هللا بن المبارك عن ابن عون، فجاء ابن معين وقال: لم تسمع هذه األحاديث من ابن المبارك وال سمعها ابن المبارك من ابن عون، فغضب الشيخ وغضب من كان في المجلس،

ن معين من الشيخ أن يأتي بالكتاب ليكون حجة، الكتاب الذي هو األصل الذي أخذ عنه فطلب ابالشيخ تلك األحاديث، فدخل نعيم بن حماد بيته وخرج والكتاب في يده ويقول: من ذا الذي يقول إن ابن معين ليس بأمير المؤمنين في الحديث؟ نعم يا أبا زكريا أخطأت. هذا من تواضع العلماء

إنما أخذت هذه األحاديث عن غير ابن المبارك عن -رحمهم هللا تعالى ورضي عنهم-هم وإنصافابن عون فاشتبهت عليه هذه األحاديث هل أخذها من ابن المبارك؟ هل هي من أحاديث ابن

المبارك التي يرويها عن ابن عون؟ أم هي أحاديث غير ابن المبارك عن ابن عون؟ اشتبه على ذ هذه األحاديث عن شيخ ما، بينما هو أخذها عن شيخ آخر.الراوي فظن أنه أخ

ابن لهيعة: عبد هللا بن لهيعة كان يروي أحاديث كثيرة عن عمرو بن شعيب، وأنكر عليه العلماء تلك األحاديث التي يرويها عن عمرو بن شعيب، وقالوا: إنما أخذها من إسحاق بن أبي

روة متروك الحديث. فلما بلغ ابن لهيعة أن ابن فروة، عن عمرو بن شعيب، وإسحاق ابن أبي فوهب وهو أحد من كان ينكر عليه ذلك، أنه ينكر سماعه لهذه األحاديث من عمرو بن شعيب،

ويقول ابن وهب: متى أو من أين سمع ابن لهيعة هذه األحاديث من عمرو بن شعيب؟ فهو تها من عمرو بن شعيب قبل أن يلتقي أنكرعلى ابن لهيعة ذلك. فماذا قال ابن لهيعة؟ قال لقد سمع

أبواه، يعني قبل أن يولد.

إذن ابن لهيعة كان في قرارة نفسه يعتقد أنه سمع، ولكن النقاد بعلمهم ومعرفتهم، قالوا: لم يسمع، فمن نأخذ؟ قول الراوي نفسه أم قول أهل العلم والنقاد؟

جنبيه، والراوي في الواقع قد يتوهم نأخذ بقول النقاد؛ ألنهم أعلم بالرواي من نفسه التي بين شيئا ، ويظن أنه أخذه، ولكن في الواقع هو لم يأخذ ذلك، ولم يتحمله سماعا ، وإنما أخذه بواسطة، كما قال بعض أهل العلم: عبد هللا بن لهيعة آفته أنه كانت عنده أحاديث عن عطاء، سمع أحاديث

طاء، ومن ثالثة عن عطاء، ثم صار عن عطاء، وسمع من رجلين عن عطاء، ومن رجل عن عبعد يحدث بكل ذلك عن عطاء، اشتبهت عليه األحاديث، وبعض أهل العلم كابن حبان استدل

بهذا على كونه مدلسا ، وليس هذا من التدليس؛ ألنه لم يقصد اإليهام، وإنما هذا من الخطأ الذي يقع بسبب سوء الحفظ وقلة الضبط.

كما هو -طاء بن السائب، كان قد اختلط في آخر عمره كما وقع لعطاء الخراساني: عفوهيب بن خالد قال له كم حديثا سمعت من عبيدة السلماني؟ فقال ثالثين حديثا . فأنكر -معروف

ذلك اإلمام أحمد، وقال: لم يسمع من عبيدة السلماني ال قليال وال كثيرا ، ويدل ذلك على أنه كان قد اختلط.

بما سبق من معرفته من أن عطاء بن السائب لم يأخذ من عبيدة السلماني فاإلمام أحمد استدلشيئ ا، ثم بعد ذلك يقول: أنا أخذت ثالثين حديثا ، استدل بذلك على أنه اختلط، وأن ذلك راجع إلى سوء حفظه، وقلة ضبطه، فصار ال يميز عمن أخذ عنه، وبين من لم يأخذ عنه؛ ولهذا كان هذا

Page 191: علوم الحديث   المستوى الثاني

لثقات أكثر من ارتباطه بغير الثقات، فليس كل من قال: سمعت، وليس كل من األمر مرتبطا باقال: رأيت، وليس كل من قال: التقيت، وليس كل من قال: دخلت على فالن أو نحو ذلك: يقبل

ذلك منه، حتى يناط ويحاط بهذه الضوابط التي نحن نذكرها.

ل بها البعض على السماع أو عدمه، بل أحيانا يذكر العلماء عبارات، هذه العبارات قد يستدوالواقع أن هذا من دقائق علم علل األحاديث، والتي كثير من الباحثين ما يخلطون فيه، فيعمدون إلى أقوال قالها إمام ما، في موضع ما، على معنى ما، فإذا بهم يعمدون إلى جعل هذا الكالم في

القائل لهذه العبارة، من ذلك ما يأتي من موضع آخر، في مسألة أخرى، ال عالقة لها بما أراده أحكام لبعض أهل العلم فيما يتعلق بالنكارة اإلسنادية، ونحن حينما نتكلم عن العنعنة نحن نتكلم

عن إسناد مسألة أو مبحث متعلق باإلسناد.

أحيانا يأتي الراوي فيروي عن شيخ، أو يذكر في رواية أن فالنا روى عن فالن، سواء اع أو لم يصرح، فيأتي بعض أهل العلم فيقول: إن رواية فالن عن فالن ال تجيء، صرح بالسم

أو ليس لها نظام، أو ال تعرف في األسانيد، أو ال يعرف باألخذ عن فالن، أو ال يعرف بأنه سمع من فالن، فقد يتصور بعض الباحثين أن هذه األحكام متعلقة بمسألتنا هذه والواقع أنها متعلقة

علل أكثر من تعلقها بهذا الباب، كأن اإلمام يستنكر رواية هذا الراوي عن هذا الشيخ، بمبحث السواء صرح بالسماع أو لم يصرح، وإنما يخطيء في هذا راو ممن روى هذا اإلسناد عن هذا

الشيخ، وليس يثبت للراوي سماع أنه روى عن هذا الشيخ، ثم يذهب إلى كونه لم يسمع منه، هذا وإنما مراد أهل العلم من ذلك إعالل هذه التركيبة اإلسنادية، رواية فالن عن فالن ليس مرادا ،

هذا خطأ، كأن الحديث قد يكون من رواية غير هذا عن هذا، أو هذا عن غير هذا، كما وقع في قصة نعيم بن حماد.

ه نعيم بن حماد روى أحاديث عن ابن المبارك عن ابن عون فقال له ابن معين: لم تسمع هذمن ابن المبارك وال سمعها ابن المبارك من ابن عون، هل هو يعل األحاديث بما يتعلق

باالتصال واالنقطاع؟ كالمه ال تعلق له بهذه المسألة بالمرة، فهو ال يقول لنعيم: إنك تدلس عن ابن المبارك، بل قد يكون صرح بالسماع، وإن ثبت أنه لم يسمع، ثم هو يصرح، لكان سارقا ،

ارق يتهم لتعمده ادعاء ما لم يسمع، وإنما يقصد أن هذه األحاديث ليست من أحاديث هذا والسالشيخ، وأنت أخطأت، فالصواب أنها من رواية شيخ آخر عن ابن عون، وأنت جعلتها من رواية

ابن المبارك عن ابن عون، فليس هذا متعلقا بمسألة االتصال واالنقطاع بقدر ما هي متصلة األحاديث.بمسألة علل

وجد ذلك في كثير من أحكام أهل العلم فجاء بعض الباحثين فلما وجدوا مثل البخاري ومثل أبي حاتم الرازي يعلون األحاديث مثل ذلك عارضوهم، ونقضوهم بما ذهبوا إليه من اختيار االكتفاء بالمعاصرة، فيجد مثال البخاري يقول: فالن ال يعرف باألخذ عن فالن، فيأتي بعض

المتأخرين ويقول: ال إن فالنا قد عاصر شيخه معاصرة كافية بحيث يمكن أن يحكم باتصال هذه . -رحمه هللا تعالى-الرواية بناء على اختيار اإلمام مسلم

والواقع أن البخاري لم يقصد هذا المعنى، وهذه األحاديث على مذهب من يكتفي بالمعاصرة ، بل هي من شوائب الروايات وأخطائها.وغيره هي غير متصلة، بل غير محفوظة

من ذلك مثال : روى بعض الرواة عن ابن أبي ذئب عن أبي الزبير حديثا في حكم أكل ما اصطدتموه وهو الطائف يعني أكل السمك الذي يطفو على الماء بعد أن يموت في الماء، )

واب فيه أنه موقوف على ( وهذا الحديث الصحي فكلوه وما وجدتموه ميتا طافيا فال تأكلوه ، فاإلمام البخاري لما -صلى هللا عليه وآله وسلم-بعض الصحابة، وليس مرفوعا إلى رسول هللا

Page 192: علوم الحديث   المستوى الثاني

ال أعرف البن أبي ذئب عن أبي الزبير »فقال البخاري: -سأله الترمذي-سئل عن هذا الحديث ن ابن أبي ذئب وأبي ففهم بعض الناس أن اإلمام البخاري يعل الحديث باالنقطاع بي« شيئا

الزبير فاعترضه بأن ابن أبي ذئب قد عاصر أبا الزبير مدة كافية تمكنه من أن يلتقي به وأن يسمع منه والمعاصرة كافية على اختيار اإلمام مسلم، كما ذهب ذلك الذاهب.

والواقع أن هذا الحديث عند مسلم وعند البخاري وعند جميع األئمة خطأ؛ ألن البخاري هو اليقصد في الواقع أن يعل الحديث باالنقطاع، وإنما يقول: هذا اإلسناد رواية ابن أبي ذئب عن أبي الزبير ال توجد إال في هذا اإلسناد الغريب، لم يعرف أنه روى عنه أصال . فالخطأ ليس من ابن

جعل أبي ذئب، وال في أنه لم يسمع من ابن الزبير، وإنما الراوي عن ابن أبي ذئب أخطا حيثالحديث من رواية ابن أبي ذئب عن أبي الزبير، والصواب: أن الحديث رواية غير ابن أبي ذئب

عن أبي الزبير.

أحيانا يأتي في الروايات تصريح الراوي بالسماع، ومع ذلك العلماء يقولون: هذا خطأ كما لعات هن إن المخت أنه روى حديث ) -تبارك وتعالى-رحمه هللا -جاء عن الحسن البصري

مصرحا بالسماع، -صلى هللا عليه وآله وسلم-( رواه عن أبي هريرة عن رسول هللا المنافقات ج ذلك النسائي في كتابه السنن، « ولم أسمعه من غير أبي هريرة »بل قال في الرواية: خر

-هريرةولم أسمعه من غير أبي -الحديث بهذا السياق، وبهذه العبارة التي قالها الحسن البصري وهو يرى بين عينيه يرى تصريح الحسن البصري بالسماع -فعلق اإلمام النسائي على الحديث

فقال: الحسن البصري لم يسمع من أبي هريرة شيئا ، فجاء بعض الناس واعترض النسائي بأن الحسن البصري قد صرح بالسماع، فما بال النسائي يخرج الحديث وفيه تصريح بالسماع ثم

كم بأن النسائي لم يسمع من أبي هريرة، هو قد صرح بالسماع في الرواية، وإنما يذهب فيحالنسائي يخطيء واحدا ممن كان قبل الحسن ممن روى الحديث عن الحسن، فذكر في الحديث

تلك العبارة التي هي منافية لما هو محفوظ ومعروف، ومتقرر وثابت عنده من أن الحسن م يسمع من أبي هريرة.ل -رحمه هللا تعالى-البصري

إذن هناك اعتبارات كثيرة جدا ، لكن من حيث الضابط العام البد أن يكون الراوي قد صرح بالسماع في أقل تقدير، ال سيما إذا لم يكن هناك قرائن تجعلنا نتنازل عن هذا التصريح مثال ، من

خرج في كتابه الصحيح -رحمه هللا تعالى-األشياء التي وجدتها في كالم أهل العلم البخاري حديث يرويه أبو عبد الرحمن السلمي عن عثمان بن عفان ، وأبو عبد الرحمن السلمي عند

( حديث خيركم من تعلم القرآن وعلمه جمهور أهل العلم لم يسمع من عثمان بن عفان، حديث )وغيرهما مع أن شعبة وابن معين -رحمه هللا تعالى-معروف، هذا حديث خرجه اإلمام البخاري

نص بأن أبا عبد الرحمن السلمي لم يسمع من عثمان بن عفان، فاحتار الناس كيف يخرج البخاري هذا الحديث في صحيحه؟ وعنده نصوص أهل العلم الدالة على عدم سماع هذا الراوي

عن شيخه؟ وهو أبو عبد الرحمن السلمي، وهو تابعي حيث يروى عن عثمان وهو لم يسمع لما ترجم ألبي عبد الرحمن السلمي في كتاب التاريخ -رحمه هللا تعالى-البخاري منه، ثم وجدت

األوسط، ذكر هذا الحديث وذكر بعقبه عبارة قالها: أبو عبد الرحمن السلمي، كأنها هي القرينة لالستدالل على كون أبا عبد الرحمن -تبارك وتعالى-رحمه هللا -التي استأنس بها البخاري

، وهو أنه قال: أعني أبا عبد الرحمن -رضي هللا عنه-و التقى بعثمان بن عفان السلمي سمع أكان مقرئا معروفا ، وكان يقريء الناس في عهد عثمان إلى زمن الحجاج، قال أبو عبد الرحمن

وقال: شبعة بعقب الرواية التي « فهذا الذي أقعدني ذلك المقعد : » -رحمه هللا تعالى-السلمي أي في زمن « وكان يقريء الناس في إمرة عثمان إلى زمن الحجاج »يث: قال: هي لهذا الحد

عثمان إلى زمن الحجاج، فهذه هي القرينة التي فهمها البخاري، لم يرد تصريح بالسماع عنه، ولكن أوال أبا عبد الرحمن السلمي كان في نفس البلد التي فيها عثمان بن عفان، ثم كان يقريء

Page 193: علوم الحديث   المستوى الثاني

ان، ثم ذكر هو أنه إنما أقرأ الناس وجلس لهذا المقعد، وكان في إقراء الناس الناس في عهد عثم( فهذا هو الحديث الذي كان دافعا خيركم من تعلم القرآن وعلمه لما بلغه هذا الحديث وهو: )

له، ومشجعا له في أن يجلس ليقريء الناس القرآن، وقد ثبت تاريخيا أنه كان يقريء في زمن قرينة قوية على أن أبا عبد الرحمن السلمي إنما أخذ الحديث هذا من عثمان نفسه، عثمان. فهذه

ولم يأخذه بواسطة عن عثمان، ال سيما وأنه اشتهر عند القراء أن أبا عبد الرحمن السلمي قرأ فهذه قرائن استشهد بها اإلمام البخاري، واستأنس -رضي هللا عنه-القرآن على عثمان بن عفان

ل بها إلى هذه النتيجة، تلك القرائن في النهاية هي ظنية قد يختلف العلماء فيها، بها، وتوصفعلماء آخرون ال يعتبرون هذه القرائن، وال يلتفتون إليها، فهي مسائل اجتهادية، ولكن من حيث القواعد العامة البد أن نفهم هذا األمر: وهو أن األصل أن يثبت التصريح بالسماع، فإذا لم يثبت

لتصريح بالسماع ووجدت قرينة تغلب على الناقد الظن بأن هذا الراوي التقى بشيخه أوسمع امنه، فبها ونعمت. أما إذا لم توجد القرينة، وال وجد التصريح بالسماع فحينئذ ال ينتفع بذلك وال

يحكم باالتصال.

ا ألخذت حلقات، لكن نكتفي بهذا القدر في هذه المسألة ألنها مسألة طويلة جدا ولو تكلمنا فيهأظن أنا وضعت ضابطا عاما يعين الطالب في تفهم كالم أهل العلم المتعلق بهذه المسألة وهللا

أعلم.

اإلسناد المعنعن والمأنأن

وقد اختلف األئمة فيما إذا قال الراوي: "أن فالنا قال" هل ) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف حموال على االتصال حتى يثبت خالفه؟ أو يكون قوله: أن هو مثل قوله: "عن فالن"، فيكون م

فالنا قال، دون قوله: عن فالن، كما فرق بينهما أحمد بن حنبل، ويعقوب بن شيبة وأبو بكر البرديجي، فجعلوا "عن" صيغة اتصال، وقوله: أن فالنا قال كذا، في حكم االنقطاع حتى يثبت

خالفه.

في كونهما متصلين، قاله ابن عبد البر، وممن نص على وذهب الجمهور إلى أنهما سواء ذلك مالك بن أنس، وقد حكى ابن عبد البر اإلجماع على أن اإلسناد المتصل بالصحابي سواء

-صلى هللا عليه وآله وسلم-أو قال رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم-فيه أن يقول عن رسول هللا (. -ه وسلمصلى هللا عليه وآل-أو سمعت رسول هللا

هذه مسألة أخرى متفرعة عن المسألة السابقة، وهي ما يعبر عنها باإلسناد المأنن أو المأنأن.

الصورة األولى: أن يقول الراوي عن فالن، لكن يأتي كثيرا في األحاديث عن فالن أن فالنا ن، فهل المسألتان قال، أو أن فالنا فعل، أو أن فالنا دخل على فالن، أو أن فالنا ذهب إلى فال

سواء وأن ها هنا بمعنى عن أم ال؟

ذكر بعض أهل العلم كابن كثير ها هنا أخذا عن ابن الصالح: أن من العلماء من جعل عن وأن سواء، ومنهم من جعل أن بخالف عن. والواقع أن كالم أهل العلم ليس بينه اختالف حقيقة،

بها في مواضع أخرى، فلو أن الراوي قال: ولكن "أن" تختلف عن "عن" في مواضع، وتشتبه -صلى هللا عليه وآله وسلم-عن الحسن البصري عن أنس بن مالك أنه قال: سمعت رسول هللا

فهذه العنعنة.

قال: سمعت -رضي هللا عنه-فإذا جاء آخر: فقال: عن الحسن البصري أن أنس ابن مالك عن" و"أن" متشابهان سواء، ليس بينهما فرق فمثل هذا " -صلى هللا عليه وآله وسلم-رسول هللا

Page 194: علوم الحديث   المستوى الثاني

لماذا؟ ألن الحسن البصري بإمكانه أن يروي عن أنس، وقد أخذ عنه ففي حقه أن: "عن" و"أن" سواء.

لكن في األعم األغلب يختلفان في ما إذا استعملت أن في حكاية قصة، تلك القصة لم يدركها -ول: دخل سلمان الفارسي على رسول هللا ذلك الراوي، كأن يأتي مثال محمد بن سيرين، يق

. -صلى هللا عليه وآله وسلم-، أو دخل أبو الدرداء على رسول هللا -صلى هللا عليه وآله وسلمفمثل هذا العلماء يفرقون بين "عن" و"أن"؛ ألن قول محمد بن سيرين عن أبي الدرداء: "أنه

فالخبر عندهم هو أخذه عن طريق أبي دخل" هذا يفيد أمرا ، وهو أنه يروي عن أبي الدرداء، الدرداء سواء سماعا أو ليس سماعا ، نعم هو لم يسمع من أبي الدرداء، لكنه ذكر في الرواية ما يقتضي أنه يروي الحكاية عن أبي الدرداء، فأبو الدرداء هو المخبر بها سواء هو أخذ ذلك عنه

فحينئذ لو أنه قال: عن أبي الدرداء عن مباشرة أم أخذها بواسطة ثم أسقطها عن أبي الدرداء،، لقلنا: هل روى عن أبي الدرداء وسمع أو لم يسمع؟ -صلى هللا عليه وآله وسلم-رسول هللا

قضية أخرى.

، دخول أبي -صلى هللا عليه وآله وسلم-لكن حينما يقول: إن أبا الدرداء دخل على رسول هللا هل أدركه محمد بن سيرين؟ لم يدركه، -له وسلمصلى هللا عليه وآ-الدرداء على رسول هللا

ولم يكن محمد بن سيرين وقتها موجودا . -صلى هللا عليه وسلم-لماذا؛ ألنه كان في عهد النبي

هل ذكر في الرواية ما يدل على أن هذه القصة أخذها ابن سيرين عن أبي الدرداء؟ لم يذكر، م على شيخ اإلسالم ابن تيمية، هل أنا قلت لك هو ذكر قصة مجردة ، حينما نقول: دخل ابن القي

أنا أخذت ذلك عن ابن تيمية بطريق متصل أو غير متصل، أنا لم أخبرك بذلك، ولم أذكر في كالمي ما يفيد معنى الرواية أصال ، وإنما حكيت حكاية مجردة، حينما يقول: محمد بن سيرين

فهو أوال حكى حكاية ال يمكن -يه وآله وسلمصلى هللا عل-مثال دخل أبو الدرداء على رسول هللا له أن يدركها، ثم إنه لم يذكر في ألفاظه ما يدل على أنه أخذ ذلك عن أبي الدرداء، قد يكون

أخذها عن غير أبي الدرداء.

هذا يشكل في بعض المواضع التي تحتمل، يعني الراوي قد يكون له سماع من الشيخ أصال ، -دخلت على رسول هللا -رضي هللا عنها-يث عن عروة: أن عائشة كما يأتي في بعض األحاد، وهذا يوجد، وبعضه وجد في صحيح البخاري أيضا ، يأتي عروة -صلى هللا عليه وآله وسلم

، عروة سمع من عائشة -صلى هللا عليه وآله وسلم-فيقول: إن عائشة دخلت على رسول هللا شة، هو لم يقل أني أخذت هذا الخبر عن عائشة، أحاديث كثيرة، لكن هل هو هنا يروي عن عائ

ولم يذكر في روايته ما يدل -صلى هللا عليه وآله وسلم-وإنما قال: دخلت عائشة على رسول هللا على أنه أخذ ذلك عن عائشة مباشرة.

فعلماء الحديث يقولون: هذه صورة المرسل فيعاملونها معاملة المرسل من حيث األصل، لكن الراوي من شأنه اإلكثار عن شيخه ذلك، أو عن هذا الذي هو طرف في هذه القصة، إذا كان هذا

وهو عائشة هنا في هذه الرواية، فإنهم يقولون: وإن كان صورته صورة المرسل إال أنه محمول على االتصال؛ ألن عروة من شأنه أن يكثر من الرواية عن عائشة، فإذا قال: دخلت عائشة على

فالظن الغالب أنه أخذ ذلك عن عائشة. -هللا عليه وآله وسلمصلى -رسول هللا

فإذن المسألة ليس بينها خالف، وإنما لها تفصيل عند أهل العلم، أحيانا تكون "عن" بمنزلة "؛ ولهذا نجد في كتب علل األحاديث كثيرا ما يعل األئمة الحديث "أن"، و"أن" تختلف عن "أن

العلماء ويقولون: الصواب باألنأنة، وليس بعن، فيقولون الصواب: حيث وجد فيه بالعنعنة، فيأتي أنه قال: أن فالنا ، ولم يقل عن فالن، وهللا أعلم.

Page 195: علوم الحديث   المستوى الثاني

أنه أيضا حديث في سنن النسائي: أن محمد بن المنكدر، روى عن أبي قتادة األنصاري: )أن يحسن إليها، وأن فأمره -صلى هللا عليه وآله وسلم-كانت له جمة ضخمة كبيرة، فسأل النبي

(.يترجل كل يوم

فهذه الرواية تفيد أن محمد بن المنكدر يروي عن أبي قتادة، حيث قال: "عن" لكن في رواية صلى هللا -عن محمد بن المنكدر، أنه كانت له جمة، فدخل على رسول هللا أخرى جاء فيها: )

صلى هللا -قصة وقعت في حياة النبي ( الحديث، فهذه ليست كتلك؛ ألن هذه ال... -عليه وآله وسلم ، وليس لمحمد بن المنكدر أن يدركها، هذا خالصة هذه المسألة وهللا أعلم.-عليه وآله وسلم

وبحث الشيخ أبو عمرو ها هنا فيما إذا أسند الراوي ما ) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف ف له أحفظ منه أو أكثر عددا ، أرسله غيره، فمنهم من قدح في عدالته بسبب ذلك إذا كان المخال

ومنهم من رجح بالكثرة أو الحفظ، ومنهم من قبل المسند مطلقا ، إذا كان عدال ضابطا ، وصححه الزيادة »الخطيب وابن الصالح وعزاه إلى الفقهاء واألصوليين، وحكى عن البخاري أنه قال:

(«.من الثقة مقبولة

إن شاء هللا -زيادات الثقات وسيأتي تفصيلها هذه المسألة هي في الواقع صورة من صور عندما يفرد المؤلف لزيادات الثقات نوعا مستقال ، ولكن نشير ها هنا إلى ضابط عام -تعالى

نستعين به؛ لتفهم كالم أهل العلم المتعلق بهذه المسألة، هنا تناول الزيادة اإلسنادية، الزيادة حيث ه الرواة، فبعضهم يرويه موصوال ، واآلخر يرويه تقع في اإلسناد، يعني حديث اختلف في

مرسال ، فالوصل زيادة؛ ألن من وصل الحديث زاد على من أرسل، فيختلف الناس أحيانا ، الراوي الواحد يروي الحديث مرة موصوال ، ومرة مرسال ، يختلف على نفسه، ونحن نقول:

لى ذلك بحكايته عن البخاري، أنه قال: القاعدة العامة: إن الزيادة من الثقة مقبولة، هو أشار إ( حيث رواه شعبة وسفيان عن ال نكاح إال بولي الزيادة من الثقة مقبولة، قال ذلك في حديث: )

أبي إسحاق السبيعي مرسال ، ورواه آخرون موصوال بذكر الصحابي، أبو موسى األشعري في ن الثقة مقبولة، وحكم بقبول الزيادة، ووصل اإلسناد، فالبخاري قبل تلك الزيادة، وقال: الزيادة م

الحديث، وترجيح الوصل ها هنا على اإلرسال، وإن كان القول المنقول عن البخاري في ذلك، إنما روي عنه بإسناد فيه نظر، لكن هذا القول قال به غير واحد من أهل العلم، حتى اإلمام

ذكر هذا الحديث قبل تلك الزيادة، وحكم في الجامع له لما -رحمه هللا تبارك وتعالى-الترمذي بوصل ذلك الحديث.

فهل هذه الزيادة دائما وأبدا تكون مقبولة؟ نحن نقول من حيث األصل: القبول، ولكن قد ينضم إلى الرواية قرائن وتحتف بها معان، تلك المعاني وهذه القرائن، قد ترجح جانب اإلرسال

ون الذين أرسلوا أحفظ من الذي وصلوا، أو قد يكونوا على جانب الوصل، من ذلك مثال أن يكأكثر عددا ، فبطبيعة الحال: الخطأ بعيد عن الجماعة، وهو إلى الفرد أقرب، والصواب قريب من الجماعة وهو عن الفرد أبعد، وهكذا...، فهذه اعتبارات يراعيها العلماء، أحيانا ينظر العلماء إلى

د، بخالف الوقف فهو العادة المسلوكة المعهودة، والخطأ غالبا كون اإلرسال هو النادر الموجووأبدا ما يأتي موافقا للعادة، وجريا على الجادة، بخالف اإلرسال؛ ألن أغلب األحاديث في األعم

بخالف المراسيل، فهي خالف -صلى هللا عليه وآله وسلم-األغلب تكون متصلة إلى رسول هللا يعمد في الغالب، ال يعمد إلى الموصول فيرسله، وإنما يعمد إلى المعتاد، والذي يخطيء ال

المرسل فيوصله، يظنه أنه من جملة الموصوالت التي تروى بذلك اإلسناد، كما قيل لبعض الناس. كذلك الرفع والوقف: الرفع والوقف أيضا الوقف هو خالف الجادة، بخالف الرفع؛ ألن

يل لبعض الناس حيث كان يروي أحاديث عن أنس بن أغلب األحاديث تكون مرفوعة كما قيعني يرويها أنس عن رسول -صلى هللا عليه وآله وسلم-مالك، بعضها مرفوع إلى رسول هللا

Page 196: علوم الحديث   المستوى الثاني

-رضي هللا عنه-، والبعض اآلخر هي من أقوال أنس بن مالك -صلى هللا عليه وآله وسلم-هللا عن أنس عن -صلى هللا عليه وآله وسلم- فكان بعض من ال يميز ذلك، يرويه كله عن رسول هللا

فقيل له: يا رجل أال تميز ما يرويه أنس عن رسول هللا، -صلى هللا عليه وآله وسلم-رسول هللا وما يقوله أنس بنفسه، فقال: وهل الحديث إال عن رسول هللا، هو لم يرد عن ذهنه أن يكون

فغالب من ال يكون مميزا أو متقنا أو -صلى هللا عليه وآله وسلم-حديث وليس عن رسول هللا حافظا ، فضال عن الضعفاء والمتروكين غالبهم يخطئون من هذا النوع، ال سيما إذا كان هذا

إسناد من األسانيد الدارجة التي تأتي كثيرا ، وهو ما يعبر عنه المحدثون بأنه سلك الجادة.

في الغالب ما يقع فيها الخطأ، مثل محمد هناك أسانيد كثيرا ما تأتي في الروايات، وهذه هيبن المنكدر عن جابر، وغالبا ما يأتي من رواية الثوري عنه، الثوري عن محمد بن المنكدر عن جابر، هذا إسناد كثير الورود، فقد يكون في بعض األحاديث الثوري يروي الحديث عن محمد

مرسال ليس موصوال ، فيأتي بعض من ال -صلى هللا عليه وآله وسلم-بن المنكدر عن رسول هللا يحسن ضبط الحديث وحفظه، ماذا يفعل؟ فيقول: الثوري عن محمد بن المنكدر عن جابر عن

ظنا منه أنه من جملة ما يرويه محمد بن المنكدر عن -صلى هللا عليه وآله وسلم-رسول هللا يه: اإلرسال وليس الوصل، جابر، أنه من الموصوالت، بينما هذا الحديث بخصوصه: الصواب ف

فحينما سمع الحديث عن ابن المنكدر ظنه عن جابر عن رسول هللا، بينما هذا بخصوصه، ليس بل هو عن محمد بن المنكدر، عن رسول -صلى هللا عليه وآله وسلم-عن جابر عن رسول هللا

.-صلى هللا عليه وآله وسلم-هللا

كثير الورود، فأحيانا يروي حماد بن سالم عن حماد بن سالم عن ثابت عن أنس: هذا إسنادفيأتي بعض الناس فيخطيء فيوصل الحديث، -صلى هللا عليه وسلم-ثابت عن رسول هللا مرسال وهكذا. -رضي هللا تعالى عنهما-مالك عن نافع عن ابن عمر

سب للمحدثين فإذن هذه قرائن يستفيد بها العلماء، ويتكئون عليها، لترجيح اإلرسال، أما من ينبأنه إذا اختلف الوصل واإلرسال، فهم يرجحون المرسل أبدا ، هذا خطأ. قد يكون هو أمرا تغليبيا في أحكامهم، نعم ولكن هذا لماذا؟ ألنه في الغالب ما يكون اإلرسال هو الصواب؛ ألنه جار على

ادة هو الذي يقع فيه غير الجادة، بخالف الوصل فهو الموافق للجادة، وكما قلنا: الموافق للج الخطأ وأكثر. وهللا أعلم.

وإن شاء -كنا نريد أن ننتهي أيضا من التدليس في هذه المرة ولكن شاء هللا أمرا كان مفعوال ، نأتي عليه في اللقاء القادم. -هللا تعالى

وردتنا إجابات: كان السؤال األول: قد يطلق المعضل بمعنى المنكر مثل لذلك؟

ابة: استعمل المعضل وورد بمعنى المنكر شديد الخطأ، وورد ذلك عن الجوزاني وكانت اإلج وابن علي.

هذه إجابة معضلة، يعني زاد اإلعضال إعضاال واالستغالق استغالقا ، فعلماء الحديث نحن نعلم أن المعضل إنما هو من مباحث األسانيد، ومباحث االتصال واالنقطاع، فحيث أطلق

نى أن هناك أكثر من راو في موضع واحد قد سقطوا من اإلسناد، الراوي المعضل فإنما يعوشيخه، أو التابعي والصحابي، لكن وجد في استعمال أهل العلم كابن عدي والجوزجاني

وغيرهما من أهل العلم أن يقول: هذا حديث معضل والصواب فيه الوقف، هذا حديث معضل ال طأ فيه فالن، ونحو هذه العبارات، فهذا نفهم منه يصح من هذا الوجه، هذا حديث معضل أخ

بالضرورة أنه لم يقصد المعضل الذي هو من مباحث السقط في اإلسناد، وإنما يقصد به غرابة

Page 197: علوم الحديث   المستوى الثاني

هذا اإلسناد، أو خطأ في اإلسناد، أو في المتن، أو في الرواية عموما ، وهذا هو عالمة المنكر في األحاديث.

علم أحيانا بعدم االتصال مع وجود تصريح الراوي بالسماع من السؤال الثاني: يحكم أهل ال شيخه علل لذلك؟

وكانت اإلجابة: وذلك كقولهم روى فالن المعضالت، أو روى حديثا معضال ، أي شديد النكارة، وذلك وأن حدثنا وأخبرنا أحيانا تكون ظنية السماع، أو روى ذلك عن طريق اإلجازة،

اع خطأ من بعض الرواة.وقد يكون التصريح بالسم

أثناء الدرس هذه المرة، شرحنا ذلك وذكرنا بعض -بفضل هللا تعالى-طبعا نحن شرحنا األمثلة المتعلقة بذلك فال حاجة إلى اإلعادة.

لي سؤاالن يا شيخ: قلتم أن نعيم بن حماد لو قصد التصريح بالسماع من ابن المبارك عن ابن رقة ومن هو السارق؟عون لكان سارقا فما معنى الس

السؤال الثاني: ذكرتم أن قرينة البخاري في كون القعقاع صحابيا أنه تزوج بقيرة، أليس من المحتمل أن يكون القعقاع تابعيا تزوج صحابية؟

السؤال األول: أن نعيم بن حماد سرق وما معنى السرقة؟

وبين التدليس دقيق جدا ، طبعا السرقة تشتبه بالتدليس، شبيهة بالتدليس، لكن الفرق بينها عندما نأتي لمبحث التدليس سنتناول ذلك بالتفصيل، لكن نذكر الفرق ها هنا إجماال ، المدلس يروي عن شيخ له منه سماع في الجملة، أو ليس له منه سماع، وإنما عاصره فقط على رأي

عن فالن أنه قال كذا وكذا، بعض أهل العلم، لكنه يستعمل لفظا محتمال للسماع وعدمه، فيقول: أو أن فالنا قال، أو قال فالن، فهي عبارات ليست صريحة في التصريح بالسماع، بخالف

السارق، السارق لم يسمع من الشيخ، قد يكون سمع بعض األحاديث لكن لم يسمع هذا الحديث ذا يصرح بخصوصه، وقد ال يكون سمع أصال ، ثم يأتي يقول: حدثنا فالن، سمعت فالن، فه

بالسماع، والسارق من أجل هذا يكون متهما ؛ ألنه يدعي سماع ما لم يسمع، أما المدلس فهو يوهم فقط السماع وال يدعيه، يذكر لفظا يحتمل السماع وعدم السماع، هل هو قال لك: أنا لم

فصار أسمع؟ لم يقل لم أسمع، هل قال: سمعت؟ لم يقل سمعت، وإنما ذكر لفظا يحتمل المعنيين،األمر محتمال ، وهذا هو التدليس، أما إذا صرح بالسماع، وهو لم يسمع فهذا كذب، هذا إخبار

بخالف الواقع وهذا هو الكذب، ولذلك سمى هذا سارقا .

والسرقة لها صور أخرى، منها تركيب األسانيد والمتون على بعض، يعني حديث من انيد، وهو مشهور بذلك اإلسناد، فيأتي بعض األحاديث، هذا الحديث يروى بإسناد ما من األس

الناس فيركب على هذا المتن إسنادا آخر، ليغرب به على أقرانه، فيتوهم الناس أن عنده أسانيد ليست عند غيره، فيقبل الناس عليه لسماع تلك األحاديث بهذه األسانيد منه، فهذه أيضا سرقة،

ى هذا الوجه، وهو لم يسمعها ولم يتحملها على هذا ألنه ادعى أشياء لنفسه، وادعى أنه سمعها عل الوجه.

والسرقة كل ما كان فيه تغيير في الرواية، هو داخل في معنى السرقة؛ ولهذا قالوا: إن القلب في األسانيد، أو في المتون، يسمى سرقة.

Page 198: علوم الحديث   المستوى الثاني

ضي ر-القلب في األسانيد خاصة يعني كأن يكون الحديث مرويا مثال عن نافع عن ابن عمر ، فيأتي بعض الناس فيرويه عن سالم عن ابن عمر، ويقصد ذلك قصدا عن -هللا تعالى عنهما

خطأ، وإنما يقصد أن يغير التابعي الذي روى الحديث ليوهم الناس أن عنده حديث من غير الطريق المشهورة المعروفة، فهذا أيضا داخل في السرقة.

ث المنقطع، إذا قلنا إن الحديث المنقطع نوع من السؤال األول: يتعلق بالدرس الماضي الحديأنواع الحديث الضعيف، هل نقول: إن هناك أحاديث منقطعة في حكم المتصل، كرواية مثال أبي

عبيدة ابن عبد هللا بن مسعود عن أبيه، وروايه إبراهيم النخعي عن عبد هللا بن مسعود، م أبي عبد الرحمن السلمي عن معاذ، وطاووس عن معاذ، ونحو ذلك، مثل المثال الذي ذكرت

فقلنا: هذا منقطع لكن في حكم المتصل؟

أن أحيانا يصرح الراوي بالسماع، وال يقبل -حفظكم هللا-السؤال الثاني: ذكرتم في الدرس حديثه، لدي سؤال لكن هو يتعلق بالتدليس الدرس القادم أقول: إذا صرح المدلس بالسماع، لكن

فرواه بالعنعنة على جواز رواية الحديث بالعنعنة، أن يكون المدلس روى جاء من بعد المدلس الحديث وصرح بالتحديث، فجاء من بعده المدلس فرواه بالعنعنة، هذا مدعاة لرد الحديث مع أن المدلس صرح به، فكيف يعني أن هذه الصورة موجودة، وكيف يتحمل العلماء؟ وكيف يعرفون

ي العنعنة هل هي من المدلس أو من دونه من الرواة؟ المدلس صرح أو لم يصرح؟ يعن

يسأل عن القعقاع وزواجه من بقيرة أال يمكن أن يكون تابعيا تزوج من صحابية؟

كون البخاري ذكر ذلك في ترجمته، وال يظن بالبخاري أن يذكره إال لفائدة، هذا كأنه في علم وهللا أعلم. -ه وآله وسلمصلى هللا علي-البخاري أن زواجهما كان في عهد النبي

كان سؤاله األول: عن المنقطع أنه نوع من الضعيف هل هناك منقطع في حكم المتصل؟

نحن ذكرنا في اللقاء الماضي ما يفيد هذا المعنى، لما قلنا مثال إبراهيم النخعي حيث يروي نا أنه إذا عن ابن مسعود، هو لم يسمع ابن مسعود، إنما أخذ من أصحاب ابن مسعود، فذكر

عرف مخرج الحديث، وأنه عن الثقات، فحينئذ يعامل معاملة المتصل، وإن كان في الصورة كالمنقطع، وكما قال أخونا الفاضل جزاه هللا خيرا في رواية أبي عبيدة عن ابن مسعود، أيضا

ولم أبو عبيدة لم يسمع من أبيه؛ ألنه مات أبوه وهو صغير، وقيل وهو حمل، يعني لم يدركه يلقي به، ولم يأخذ عنه علما ، ولكن قال العلماء: كعلي بن المديني وغيره: أنه أخذ علم أبيه من أهل بيته، يعني إذن هو أخذه عن أصحاب أم مسعود، وأهل بيت ابن مسعود، فإذن ألجل هذا

لسنن اعتمد العلماء على هذه الرواية، رغم أنه ليس له سماع من أبيه؛ ولهذا نجد النسائي في افهذا مما يتبين منه « هذا حديث جيد وأبو عبيدة لم يسمع من ابن مسعود » في مواضع يقول:

يفترق حكمهم على الرواية من حيث االتصال واالنقطاع، -عليهم رحمة هللا تعالى-أن العلماء ومن حيث القبول والرد، من حيث االتصال واالنقطاع يقولون: فالن سمع أو لم يسمع، هذه

ة مجردة بحتة، لكن هل هناك أدلة أخرى يستعان بها لمعرفة إن كان الحديث مأخوذا به قضيعليه رحمة -مقبوال أي يعامل معاملة المتصل له حكم االتصال، فهذا أمر آخر كما ذكر الشافعي

المرسل يقويه بأمور أخرى. -هللا

تصل، إذا نظرنا إليه نظرة فالمرسل في حد ذاته ليس متصال ، وال يمكن أن يعامل معاملة الم مجردة، ولكن لما انضم إليه ما انضم مما ذكره الشافعي كان من هذه الحيثية محتجا به مقبوال .

يقول: ما هو الفرق بين قولهم هذا حديث منكر، وهذا الراوي منكر الحديث؟

Page 199: علوم الحديث   المستوى الثاني

را سوى هذا حديث منكر: هو حكم على حديث بعينه، قد يكون الراوي لم يرو في الدنيا منكهذا الحديث، فهذا الحديث في حد ذاته منكر، لكن ال يستلزم أن يوصف الراوي بأنه منكر

الحديث.

لكن قولهم في الراوي منكر الحديث: معنى ذلك: أن المناكير غلب على أحاديثه وكثرت في أحاديثه كما ذكر اإلمام مسلم ،حيث قال: وعالمة الحديث المنكر في حديث المحدث إذا ما

عرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفط والرضا خالفت روايته روايتهم، أو لم تكد توافقها، هنا هذا منكر، هذا حديث منكر، لكن الراوي نفسه كيف يوصف بأنه منكر الحديث، أو أن المناكير غلبت على أحاديثه بأن يكثر من تلك المناكير، فإذا كان األغلب من حديث كذلك

ان مهجور الحديث غير مقبوله وال مستعمله.ك

قلتم في حديث ابن أبي ذئب عن أبي الزبير في قصة السمك الطافي أن الصحيح فيه: أنه موقوف على عهد الصحابة فهل هو صحيح؟

عليه -العلماء رجحوا فيه الوقف، وهو روي موقوفا عن غير واحد من صحابة الرسول روا ذلك لكن تحقيق الموقوف نفسه من حيث الرواية أنا لم أشتغل ، فالعلماء ذك-الصالة والسالم

به، ولم أعتني به.

ذكرتم فضيلتكم أن قول النقاد يؤخذ به، عن قول الراوي، وأنهم أعلم من الراوي بنفسه، فإذا اخترنا قول الراوي بقرينة، يؤخذ به، فهل هناك ضوابط لهذه القرينة؟

وال : إن العلماء أعلم بالراوي وبحديثه من نفسه التي بين أنت خلطت بين أمرين، نحن قلنا أجنبيه، هذا قلناه في مناسبة. والقرائن التي يرجح بها العلماء كون الراوي سمع أو لم يسمع التقى أو لم يلتق، هذه القرائن كثيرة وال حصر لها، بل ليس لها ضابط؛ ألنها مسائل ظنية اجتهادية،

: هذا في مناسبة أخرى بارك هللا فيك.يفهمها العلماء لكن قلنا

يقول: إذا قيل في متن موقوف إنه من المرفوع حكما ما هو الضابط لذلك

طبعا كل متن موقوف ينظر فيه العلماء ويفهمون منه هل فيه ما يدل على الرفع، أو على م الرفع مما حكم الرفع أو ال؟ وليس له قاعدة عامة، ولكن العلماء ذكروا أمثلة مما يعطى حك

انتهينا من شرحه في وقته، ولكن هذا في الواقع داخل أيضا في القرائن، نحن قلنا: إنهم يحكمون برفع ذلك بناء على قرائن، إما لفظية وإما حالية، فهذه القرائن هو العلم، وهو الذي يفرق بيننا

رفون متى يستعملونها، وبين العلماء، هؤالء العلماء يعرفون القرائن، ويعرفون مواضعها، ويع ومتى ال يستعملونها، أما نحن فيكفينا أن نعلم القاعدة العامة، ونسأله تعالى أن يوفقنا لفهمها.

هناك سؤال يقول: في مسألة السماع واالختالف فيها هل هي علة ظاهرة أم علة خفية؟

اوي لم يسمع، وعرفنا أحيانا تكون ظاهرة وأحيانا تكون خفية، يعني إذا نظرنا إلى أن هذا الرذلك من طريق التاريخ، ولم يسمع أصال فحينئذ تكون العنعنة دليل على عدم االتصال، وهذه

مسألة ظاهرة؛ ألنها تعرف بإدراك التاريخ، وأحيانا نعرف ذلك بجمع الروايات فيأتي في رواية بين شيخه ذلك ما، هذا الراوي يروي عن شيخه بالعنعنة، ثم في رواية أخرى يذكر بينه و

واسطة، فنستدل بتلك الواسطة على أن اإلسناد األول لم يكن متصال ، وهذا من القرائن أيضا التي يتكيء عليها العلماء لمعرفة إن كان الراوي سمع أو لم يسمع، فإذا مرة حدث بالحديث

دللنا بذلك بالعنعنعة، ثم وجدناه مرة أخرى يروي عن نفس الشيخ بواسطة بينه وبين الشيخ، است

Page 200: علوم الحديث   المستوى الثاني

على أنه لم يسمع، ولم يكن إسناده األول، الذي ورد فيه بالعنعنة لم يكن متصال ، وال ناشئا عن سماع ولقاء، هذه قرينة أيض ا، فهذا هو الخفاء؛ ألننا استدللنا على عدم االتصال بروايات أخرى،

ومعرفتنا به، فهذه علة بجمع الطرق، وجمع األسانيد، أما إذا كان ذلك يدرك عن طريق التاريخ، ظاهرة، وفي النهاية ظاهرة أو خفية، كل ذلك قادح في الرواية، وهي اختالفات لفظية،

واصطالحية، وتفريعات ألهل العلم ليس ينبني عليها كبير فائدة، المهم أن الحديث معلول سواء بعلة ظاهرة أو بعلة خفية، النتيجة واحدة.

اعه من الراوي فيخطيء، هل هذا يقدح في ضبطه وحفظه يقول: عندما يشتبه على الثقة سم ؟

إذا أخطأ في القليل النادر فذلك ال يؤثر عليه، أما إذا كان ذلك غالبا عليه يخطيء كثيرا في الروايات، فالحكم ما ذكرناه من أن من كثرت المناكير في روايته فهو منكر الحديث، أي

ضعيف الحديث.

الحكم بين عن فالن، وأن فالنا؟ متى يختلف السؤال األول:

ما حكم تدليس الشيوخ؟ وهللا أعلم. السؤال الثاني:

Page 201: علوم الحديث   المستوى الثاني

الدرس الثالث عشر

لحديث المدلسا

إن الحمد هلل تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ال إله إال هللا وحده ال شريك له، من يهده هللا فال مضل له، ومن يضلل فال هادي له، وأشهد أن

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وبعد:

اليوم بإذن هللا تعالى سنتناول النوع الثاني عشر من أنواع علوم الحديث, وهو الحديث في هذا النوع الحديث المدلس وأنواع -رحمه هللا تعالى-المدلس، وسيتناول الحافظ ابن كثير

من أحكام. التدليس وما يتعلق بذلك

والتدليس كما أشرنا في لقاء سابق حيث قلنا: إن التدليس ال يعد نوعا مستقال من أنواع السقط من اإلسناد، وإنما هو وسيلة يسلكها الراوي إلحداث السقط في اإلسناد، فالسقط قد يكون

ع المتعلقة باالنقطاع أو باإلعضال أو باإلرسال كما سبق أن عرفنا ذلك من خالل دراسة األنوا بذلك.

أما التدليس فهو وسيلة إلحداث السقط، فالراوي يتبع هذه الطريقة أو يسلك هذا السبيل وهو التدليس؛ إلحداث السقط في الرواية, فتؤول الرواية بعد أن وقع فيها السقط عن طريق التدليس

إلى كونها منقطعة، أو كونها مرسلة أو كونها معضلة.

الخفية جدا والتي تشتمل على صورة متعددة، كان يسلكها الرواة والتدليس من األنواع المعروفون بالتدليس، كل كان يسلك طريقة معينة إلحداث السقط في الرواية وإيهام االتصال, وما هي بمتصلة، كل ذلك سنعرفه من خالل معرفتنا بهذه األنواع وصورها وما يتعلق بها من

أحكام.

الرحمن أوال : ما يتعلق بالنوع األول من أنواع التدليس وهو تدليس يقرأ علينا الشيخ عبد اإلسناد:

النوع الثاني عشر المدلس، والتدليس قسمان:: )-رحمه هللا تعالى-قال المصنف

أحدهما: أن يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه، أو عمن عاصره, ولم يلقه, موهما أنه سمعه كنا عند سفيان بن عيينة فقال: قال الزهري: كذا, فقيل له: » منه، ومن األول قول ابن خشرم:

أسمعت منه هذا؟ قال: حدثني به عبد الرزاق عن معمر عنه، وقد كره هذا القسم من التدليس ألن أزني »جماعة من العلماء وذموه، وكان شعبة أشد الناس إنكارا لذلك، ويروى عنه أنه قال:

«.أحب إلي من أن أدل س

« التدليس أخو الكذب»الصالح وهذا محمول على المبالغة والزجر، وقال الشافعي: قال ابن، ومن الحفاظ من جرح من عرف بهذا التدليس من الرواة, فرد روايته مطلقا ، وإن أتى بلفظ

رحمه هللا .-االتصال، ولو لم يعرف أنه دلس إال مرة واحدة كما قد نص عليه الشافعي

لصحيح التفصيل بين ما صرح فيه بالسماع فيقبل، وبين ما أتى فيه وا»قال ابن الصالح: قال: وفي الصحيحين من حديث جماعة من هذا الدرب, كالسفيانين « بلفظ محتمل فيرد

Page 202: علوم الحديث   المستوى الثاني

واألعمش, وقتادة وهشيم وغيرهم، قلت: وغاية التدليس أنه نوع من اإلرسال لما ثبت عنده، ح بشيخه فيرد من أجله (، وهللا أعلم. وهو يخشى أن يصر

هذا هو النوع األول من أنواع التدليس وهو ما يسمى بتدليس اإلسناد أو تدليس السماع، سماه رحمه هللا -بتدليس السماع, وقد ذكر له الحافظ ابن الصالح -رحمه هللا تعالى-الحافظ العالئي صورتين: -تبارك وتعالى

بالتدليس, والذي كان ذلك من شأنه يعني الراوي الذي عرف -الصورة األولى: أن يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه، أو عمن عاصره ولم يلقه موهما أنه قد سمعه منه. -وديدنه

إذن ها هنا صورتان من صور تدليس السماع أو تدليس اإلسناد أن يأتي الراوي الذي عرف ن قد لقيه بالفعل، أي: عنه تعاطي التدليس, واستعمال التدليس حيث يروي الروايات, فيعمد إلى م

الشيخ الذي لقيه وسمع منه جملة من األحاديث، ولكن هناك أحاديث أخرى لم يأخذها عن الشيخ مباشرة, إنما سمعها من رجل آخر عن الشيخ، ثم صار بعد أن أخذها على هذا الوجه قد أسقط

مباشرة من غير ذلك الرجل الذي هو الواسطة بينه وبين شيخه وحدث بتلك األحاديث عن الشيخ أن يذكر بينه وبين الشيخ هذا الرجل الذي أخذ األحاديث عنه.

فهذه صورة أولى، أن يكون الراوي المدلس معروف باألخذ عن الشيخ، وقد سمع منه جملة من األحاديث إال أن هناك طائفة من تلك األحاديث أو من أحاديث أخرى هذا الراوي المدلس لم

ة إنما أخذها بواسطة عن الشيخ، فلما أراد أن يروي تلك األحاديث التي يأخذها عن الشيخ مباشرأخذها بواسطة أوهم أنها من جملة ما أخذه عن الشيخ مباشرة, فأسقط الواسطة بينه وبين شيخه,

ثم صار يحدث بها عن الشيخ مباشرة، هذه صورة أولى.

منه ال قليال وال كثيرا, وإنما أخذ الصورة الثانية: أال يكون قد التقى بالشيخ أصال , ولم يسمعأحاديث لهذا الشيخ بواسطة بينه وبين ذلك الشيخ, فأراد أن يرويها فأسقط هذه الواسطة أيضا

بينه وبين الشيخ، وحد ث بها عن الشيخ مباشرة.

الصورة األولى تفترق عن الصورة الثانية، الصورة األولى الراوي المدلس له من شيخه لة, ولكن في غير هذه األحاديث التي دلسها عنه.سماع في الجم

أما الصورة الثانية، فالراوي ليس له من الشيخ سماع أصال وال أحاديث سمعها منه بالمرة, إنما كل األحاديث التي يحدث بها عن ذلك الشيخ أخذها بواسطة عن هذا الشيخ ثم لما أراد أن

يحدث بها أسقط الواسطة بينه وبين شيخه.

ا في السماع؛ ألنه إن ذكر لفظا بطبي عة الحال هو في كلتا الحالتين هو ال يذكر لفظا صريح صريحا في السماع سيكون هذا من باب الكذب، وهو ما يسمى عند العلماء بالسرقة, وسيأتي

تفصيل القول فيه، وأشرنا إليه في اللقاء الماضي.

رحمه -هو الحافظ ابن حجر العسقالني الصورة الثانية من تلك الصورتين، بعض أهل العلم وال يعدها من التدليس, وإنما يجعلها صورة خاصة بما يسمى باإلرسال الخفي, ومن -هللا تعالى

هنا ندرك الفرق بين التدليس واإلرسال الخفي.

ابن الصالح وطائفة من أهل العلم ال يفرقون من هذه الحيثية بين التدليس واإلرسال الخفي, الق مصطلح التدليس أو اسم التدليس على تلك الصورتين جميعا , سواء كانت ويسوغون إط

Page 203: علوم الحديث   المستوى الثاني

الصورة األولى التي فيها الراوي له من شيخه سماع في الجملة ثم صار يحدث عن شيخه بما لم يسمع منه إنما أخذه بواسطة عنه، أو الصوة الثانية حيث ال يكون الراوي المدلس له من شيخه

وال كثيرا , ال في تلك األحاديث وال في غيرها من األحاديث. سماع أصال ال قليال

فهذا كله داخل في مسمى التدليس عند الحافظ ابن الصالح, ومن قبله الحاكم النيسابوري في كتاب علوم الحديث، وأيضا الخطيب البغدادي, وإن اختلف الناس في فهم كالم الخطيب البغدادي

جح أن الخطيب البغدادي يجعل أيضا ذلك من جملة التدليس.المتعلق بهذا األمر, لكن الرا

الحافظ ابن حجر يرى أن الصورة الثانية حيث ال يكون الراوي له من شيخه سماع أصال رحمهم هللا -يعدها من اإلرسال الخفي, وال يسميها تدليس ا ونحن نقول: إن العلماء المتقدمين

سا , فمصطلح التدليس يطلق بكثرة في كالم العلماء كانوا يسمون كل ذلك تدلي -تبارك وتعالىالمتقدمين على الصورتين جميعا , سواء من كان له من شيخه سماع في الجملة أو من ليس له

سماع أصال , ثم صار يحدث عن شيخه بما لم يسمع منه موهما أنه قد سمعه من الشيخ, وما هو سمعه من الشيخ.

بوستي كثيرا في كتاب الثقات, وغيره كثيرا ما ينفي عن من ذلك نجد مثال ابن حبان الالراوي أنه سمع من شيخه ثم يسمي روايته عنه تدليسا , من ذلك مثال يقول: لم يسمع من فالن, تلك كلها أخبار مدلسة... لم يسمع من فالن وهذه أحاديث مدلسة، لم يسمع من فالن وإنما يدلس

أنه لم يأخذ عنه ال قليال وال كثيرا ، ثم حكم أو وصف روايته عنه، فما دام أنه لم يسمع، يعنيعنه بأنها من التدليس, وهذا عند الحافظ ابن حجر يسمى إرساال خفيا, ولكن كما قلت عامة

يسمون كل ذلك تدليس ا. -رحمهم هللا تعالى-المتقدمين

على كتاب التدليس, وساق لما مثل في كتاب الكفاية له -رحمه هللا تعالى-الخطيب البغدادي أخبارا للعلماء من األخبار التي تدل على التدليس ووصف بعض الرواة بالتدليس ذكر أقواال هذه األقوال بعضها متعلق بالصورة األولى وبعضها متعلق بالصورة الثانية، وسمى كل ذلك تدليسا ،

م أحمد بن حنبل أنه سئل عن سعيد حتى إن من أول ما ذكره في هذا الباب قوال مأثورا عن اإلمابن أبي عروبة، فقال ابن أبي عروبة لم يسمع من فالن وفالن وفالن وفالن وعدد جماعة من مشايخه الذين روى عنهم, وهو لم يسمع منهم, واعتبر ذلك الخطيب مثاال على التدليس, وهذا

مع منه ال قليال وال كثيرا ، يدل على أن الخطيب يفهم أن التدليس يشمل رواية الراوي عمن لم يسلما ذكرها اإلمام الذهبي -رحمه هللا تعالى-حتى هذه المقولة المنسوبة إلى اإلمام أحمد بن حنبل

في ترجمته البن أبي عروبة من كتاب الميزان فسرها، فبعد أن ذكرها عن اإلمام أحمد قال: يعني يدلس عن هؤالء الشيوخ.« يعني يدلس عنه»

هذا طويل واألمثلة في ذلك كثيرة وكثير من الرواة الذين وصفوا بالتدليس إنما والكالم في رحمه -قصد بوصفهم بالتدليس هذه الصورة خصوصا أي ما يسميه الحافظ ابن حجر العسقالني

باإلرسال الخفي وبطبيعة الحال هذا اختالف لفظي، هذا االختالف لفظي ليس -هللا تبارك وتعالىفسواء سميناه تدليسا أو إرساال خفيا فالحديث مهما كان ليس متصال ، فالتدليس مؤثرا في الحكم

وسيلة إلحداث السقط واإلرسال الخفي هو ليس متصال ؛ ألن اإلرسال الخفي الراوي لم يسمع من شيخه ثم صار يحدث عنه فمن هذه الحيثية ال يكون هذا الراوي روايته عن شيخه متصلة

لة, كما أن التدليس يفضي إلى كون الرواية متصلة بل هي منقطعة، فهي منقطعة غير متصفالنتيجة واحدة هذه ليست متصلة وتلك ليست متصلة, إنما الخالف بين أهل العلم في هذه

المسألة خالف لفظي من حيث التسمية هل نسمي ذلك تدليسا أو ال؟.

Page 204: علوم الحديث   المستوى الثاني

لم هي من االختالفات اللفظية ونحن ذكرنا في لقاءات سابقة أن كثيرا من اختالفات أهل العالراجعة إلى جانب اصطالحي بحت، من حيث التسمية هل يسوغ لنا أن نسمي هذا النوع بهذا

االسم أو ال يسوغ لنا؟ فاختالفهم في التسمية ال يعني اختالفهم في الحكم الذي تستحقه تلك ا تسميتها فقد نسميها تدليسا الرواية, فالرواية عند الجميع غير محتج بها لكونها ليست متصلة، أم وقد نسميها إرساال خفيا وفي النهاية هي ليست متصلة, وال محتج بها.

الفرق بين التدليس والسرقة:

هناك فرق بين التدليس والسرقة، نجد في كتب الجرح والتعديل وفي تراجم الرواة يقولون: ديث؟. فالن يسرق الحديث. ما معنى قول المحدثين: فالن يسرق الح

هذا المصطح من المصطلحات التي استعملها العلماء في الجرح والتعديل يقصدون به معان، بعضها يتعلق بهذا الباب, وهو التدليس؛ ألن بين السرقة والتدليس شبه من بعض األوجه، عرفنا أن المدلس ال يستعمل صيغة صريحة في السماع؛ ألنه إن استعمل صيغة صريحة في السماع

ون كاذبا في ذلك؛ ألن شيخه لم يحدثه ولم يسمع منه مباشرة, إنما أخذ الخبر بواسطة عن فسيكشيخه ثم أسقط الواسطة وارتقى بالخبر إلى شيخه، فهو إن روى الحديث عن شيخه بصيغة

صريحة في السماع هل يكون صادقا أم كاذبا ؟ يكون كاذبا ؛ ألنه إن قال سمعت الشيخ الفالني يحدث بكذا أو بكذا حينئذ يكون مخبرا بخالف الحقيقة مخبرا بخالف الواقع وهذا يقول كذا أو

هو الكذب, لكن المدلس ال يفعل هذا, إنما يروي نعم عن الشيخ حيث لم يسمع منه, ولكن يستعمل صيغة ليست صريحة في السماع, إنما توهم السماع فقط, وكما قالوا: إن في المعاريض

لمندوحة عن الكذب.

هو ال يصرح ألنه إن صرح وقع في طائلة الكذب والعياذ باهلل وإنما يذكر لفظا محتمال ، يقول: عن فالن، أنت إذا سمعته بإمكانك أن تقول عن، وإذا لم تسمعه أيضا بإمكانك أن تقول

عن؛ ألن عن ليست لفظة صريحة في السماع, أنت تقول: قال فالن كذا وكذا، هل أنت قلت أنه خصوصا حتى تقول مثال : قال لي، لم تقل: قال لي, إنما قلت: قال، قد يقول قال لك أو قاله لك

قال لغيرك فأنت لم تذكر لفظا صريحا في االتصال وال في السماع حتى تتهم بإخبارك بخالف الواقع, وإنما ذكرت لفظا محتمال ، فهذا المدلس، المدلس يستعمل مثل هذه األلفاظ بينه وبين

يما لم يسمعه من شيخه بخالف السارق.شيخه ف

ح بالسماع ويكذب في ذلك, ونحن قلنا: إن السرقة كذب فيعمد إلى أحاديث هو السارق يصر لم يسمعها من الشيخ إنما أخذها بواسطة عن الشيخ, فليست هي من أحاديثه التي أخذها عن

ويقول: حدثنا الشيخ الفالني الشيخ مباشرة، وإنما هي أحاديث بعض الناس ادعاها لنفسه, فيأتيوهو لم يحدثه, وهو لم يسمع منه ذلك الذي يحدث به عنه وإنما أخذها عن بعض الرجال

اآلخرين الذين أخذوا عن الشيخ, ثم صار هو نفسه يدعيها لنفسه، يدعي السماع يدعي سماع هذه ها لنفسه فكأنه سرق األحاديث, وهو لم يسمعها فهذا سارق، ألنه عمد إلى أحاديث الناس فادعا

ما عند الناس, فهذه سرقة.

فهذا هو الفرق بين السارق والمدل س، المدلس يستعمل صيغة ليست صريحة في السماع إنما هي صيغة محتملة، أما السارق هو يدعي السماع ويذكر صيغة ال تحتمل إال السماع واالتصال

ا لم يسمع.فلهذا يكون كاذبا؛ ألنه لم يسمع، وإنما ادعى سماع م

هذا الجزء المتعلق بالسرقة والذي له ارتباط ببابنا هذا، وإال فالسرقة أعم من ذلك تطلق على معان أخرى أيضا ليس لها تعلق باالتصال واالنقطاع إنما له تعلق بأبواب العلة.

Page 205: علوم الحديث   المستوى الثاني

ب الراوي األسانيد على المتون، -رحمهم هللا تعالى-ذكر العلماء أن من السرقة أن يرك لماء الحديث حينما يقولون: هذا حديث صحيح هذا حديث محفوظ ال يقصدون صحة المتن ع

فقط, بل صحة المتن بهذا اإلسناد, فإذا تغير اإلسناد مع كون المتن صحيحا فحينئذ يقولون هذا حديث غير محفوظ, هذا حديث باطل, هذا حديث ال أصل له، مع أن المتن نفسه قد يكون

صلى هللا عليه وآله وسلم.- محفوظا عن رسول هللا

فعلماء الحديث يتعاملون مع اإلسناد كما لو أنه رواية يحتاجون من تمييز محفوظها من غير محفوظها, صحيحها من غير صحيحها كما يعاملون المتن بهذا القانون أيضا .

صلى هللا-وذكرنا في لقاء سابق حديث األعمال بالنيات، هو حديث صحيح عن رسول هللا ، ولكن العلماء -صلى هللا عليه وآله وسلم-أم ال؟ صحيح ثابت عن رسول هللا -عليه وآله وسلم

يقولون إنما يصح من حديث يحيى بن سعيد األنصاري، عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة صلى هللا عليه وآله -عن رسول هللا -رضي هللا عنه-بن وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب

فهذا هو إسناد هذا الحديث, وال يصح في الدنيا إال بهذا اإلسناد، فمن رواه بإسناد آخر -وسلمأعني من روى هذا المتن نفسه بإسناد آخر، يأتي العلماء يقولون: هذا خطأ هذا ال أصل له هذا ا منكر، هذا باطل ويستعملون هذه األلفاظ الدالة على خطأ تلك الرواية، وإنما يقصدون بالخطأ هن

أي خطأ اإلسناد أي رواية هذا المتن بهذا اإلسناد هذا غير صحيح غير صواب، إنما المتن فبعض -رضي هللا عنه وأرضاه -صحيح ولكن باإلسناد الذي سمعتموه، عن عمر ابن الخطاب

الرواة قد يخطيء فيعمد إلى متون صحيحة مشهورة معروفة محفوظة ولكنه يرويها بأسانيد انيدها التي رويت بها وتعرف بها، قد يقع ذلك عن سبيل الخطأ من بعض أخرى ليست هي أس

الرواة، كما عمد جرير بن حازم إلى حديث يرويه يحيى بن أبي كثير عن عبد هللا بن أبي قتادة إذا أقيمت أنه قال: ) -صلى هللا عليه وآله وسلم-األنصاري عن قتادة األنصاري عن رسول هللا

( فالحديث صحيح سندا ومتنا ، يعني أنه من حديث أبي قتادة تى تروني الصالة فال تقوموا ح صلى هللا عليه وآله وسلم.-األنصاري عن رسول هللا

فجاء جرير بن حازم فأخطأ حيث روى المتن نفسه بإسناد آخر، فقال حدثني ثابت البناني عن إذا أقيمت الصالة فال تقوموا أنه قال: ) -صلى هللا عليه وآله وسلم-أنس بن مالك عن رسول هللا

( هل هذا أخطأ في المتن؟ لم يخطيء في المتن, وإنما أخطأ في اإلسناد حيث جاء حتى تروني لهذا المتن بإسناد آخر وهذا اإلسناد ليس هو إسناد هذا المتن فهذا يسمى قلب، هذا من أنواع

إن شاء هللا تعالى.-القلب في األحاديث، وسيأتي له نوع مستقل

جرير بن حازم صدوق ثقة ، ولكن العلماء قالوا هو أخطأ في ذلك, فقلبه هنا نشأ عن تعمد أو عن خطأ غير متعمد؟ خطأ غير متعمد، لكن هناك من الرواة من كان يتعمد فعل ذلك, يعمد إلى

ثم يرويها بأسانيد أخرى غير األسانيد التي عرفت -أعني المتون المشهورة-األحاديث المشهورة ها.ب

لماذا يفعل هذا؟ ليغرب على الناس؛ ألن الناس جميعا يعرفون أن هذا المتن إنما إسناده هو هذا اإلسناد، فهو إن جاء بإسناد آخر للمتن يكون عنده ما ليس عند غيره, فيقبل الناس على

س السماع منه،؛ ألنه عنده إسناد غريب لهذا المتن المعروف المشهور، هذا كان يفعله بعض النا ممن رق دينه، ولم يتقيد بآداب الرواية.

فإذن هذا يسمى سارق، لماذا هو سارق؟ ألنه ركب سندا على متن عمد إلى المتون المحفوظة المشهورة فرواها بأسانيد غير أسانيدها المعروفة المشهورة, وإنما بأسانيد أخرى

Page 206: علوم الحديث   المستوى الثاني

فالمتون هي نفسها متون غريبة ال أصل لها، بل هي منكرة باطلة، منكرة أي األسانيد, وإال هذا يسمى أيضا سارق. -صلى هللا عليه وآله وسلم-صحيحة ثابتة عن رسول هللا

الذي يتعمد قلب الروايات وقلب األسانيد وتركيب األسانيد على المتون، هذا يسمى عند العلماء بسارق الحديث.

الرواية أو تزينها وتحسنها إذن السرقة بمعناها العام يقصد بها ذلك األمر، هو أن تغير في حتى تظهر على غير صورتها الحقيقية ليقبل الناس على السماع منك والمجيء والرحلة إليك

حتى يسمعوا منك ما ليس موجودا عند غيرك من رواة الحديث.

تدليس اإلسناد ذكر له اإلمام ابن كثير نقال عن ابن الصالح مثاال تالحظون أن هذا المثال لم فيه الصيغة أصال ال محتملة وال غير محتملة، فيقول ابن خشرم: كنا عند سفيان بن عيينة تذكر

فقال: قال الزهري كذا، فقيل له أسمعت منه هذا؟ قال حدثني به عبد الرزاق عن معمر عنه.

أوال : الصواب في هذا الموضع فقال الزهري كذا وكذا هذه صواب الرواية كما رواها في أصله، ولكن -رحمه هللا تبارك وتعالى-ة، وكما نقلها أيضا ابن الصالح الخطيب في الكفاي نقل كالم ابن عيينة بنوع من التصرف. -رحمه هللا تعالى-الحافظ ابن كثير

يعني أن ابن عيينة قال: الزهري عن فالن عن فالن عن فالن، ولم يذكر صيغة وهذا أيضا يغة وإنما قد يكتفي بأن يقول الزهري يعني أنا تدليس، فليس بالضرورة للمدلس أن يذكر ص

أروي عن الزهري، وهذا موجود في األسانيد، تجد أغلب الذين يروون الموطأ مثال عن مالك يقولون مالك عن الزهري عن فالن مالك عن فالن عن فالن, فيكون مالكا هكذا من غير صيغة

ذفوا الصيغة؛ ألنه كما لو قال عن الزهري بينه وبين مالك واعتاد طائفة من رواة الحديث أن يح أو أن الزهري قال أو روى أو نحو هذه العبارات.

ثم تبين لنا بعد أن سئل ابن عيينة هل سمع الحديث من الزهري أم حدث به عن الزهري, تبين لنا أن بين ابن عيينة والزهري كم رجل؟ رجالن؛ ألنه سمعه من عبد الرزاق عن معمر

عن الزهري.

ذن هذا الحديث يدخل في قسم المعضل؛ ألنه تبين أنه بين ابن عيينة والزهري فيه رجالن فإعلى التوالي، فهذا بالمعضل أشبه وهذا نخرجه على ما قلناه سابقا من أن هذا المدلس استعمل التدليس إلحداث السقط في الرواية فلما أسقط رجال سميناه منقطعا, ولما اسقط رجلين سميناه

، وهذا يبين لك الرابط بين هذه األنواع كلها فإذا استعمل المدلس طريقة التدليس إلحداث معضال السقط في الرواية ثم تبين لنا أن بينه وبين من دلس عنه رجل، يكون الحديث حينئذ منقطعا أو

نما هي رجالن فأكثر يكون الحديث حينئذ معضال وهذا يبين لك أن التدليس ليس نوعا مستقال وإوسيلة يسلكها المدلس إلحداث السقط في الرواية فإما أن تكون بعد معرفتنا بالسقط وبعدد

الساقطين, إما أن تكون من المنقطع وإما أن تكون من المعضل.

هناك صورة من صور التدليس اإلسناد خفية جدا، يسميها بعض أهل العلم بتدليس التسوية، ، وسماها اإلمام ابن رشيدن السبتي، بتدليس التجميل، والمعنى وبعضهم يسميها بتدليس التجويد

واضح من خالل هذه التسمية, حيث إن الراوي المدل س يريد أن يزيل من الرواية ما يكون سببا للقدح فيها، أو سببا لتضعيفها والحكم عليها بالرد وعدم القبول, ويبقي فيها ما يزينها ويحسنها

ناظر وكأن الحديث ليس فيه ما يدعو إلى رده وعدم قبوله، كأن يكون ويجملها، بحيث تظهر للفي اإلسناد راو ضعيف مثال ، وهذا الراوي الضعيف وجوده في اإلسناد سبب لعدم االحتجاج

Page 207: علوم الحديث   المستوى الثاني

بهذا الحديث فيعمد المدلس إلى إسقاط ذلك الراوي الضعيف وإبقاء الثقات، فيذهب الناظر من عن ثقة، وليس في أثناء اإلسناد راو ضعيف، قد يكون اإلسناد أول وهلة أن الحديث يرويه ثقة

نازال بالنسبة لهذا الراوي المدلس، وقلنا سابقا إن النزول هو كثرة الوسائط فيكون اإلسناد نازال .

فيريد أن يحذف من اإلسناد بعض الرواة الذين بسببهم نزل إسناده كما في هذا اإلسناد الذي ينة سمع من الزهري الكثير, ولكن هذا الحديث أخذه بواسطتين عن بين أيدينا سفيان بن عي

الزهري فصار بالنسبة إليه نازال , ألنه كان بإمكانه أن يأخذه عن الزهري مباشرة فيكون فيه عاليا وهذا من أغراض التدليس، من أغراض التدليس الرغبة في العلو، أن يكون الراوي بعض

يخ لم يأخذها منه إنما أخذها بواسطة أو واسطتين من ذلك الشيخ, األحاديث التي يرويها ذلك الشوهو ال يريد أن يروي الحديث نازال ، بهذه الوسائط التي بينه وبين شيخه الذي له منه سماع في غير ذلك الحديث من األحاديث, فيسقط تلك الوسائط إليهام العلو، فكذلك لمدلس التسوية يكون

ببه نزل اإلسناد، فيسقطه ويروي الحديث من غير ذكر ذلك الرجل لتقل في أثناء اإلسناد راو بسالوسائط في إسناده فيوهم العلو، لكن العلماء ذكروا أن التسوية تفترق عن التدليس الذي سبق بيانه بأن الذي يعمد إلى استعمال التسوية ال يسقط شيخه مباشرة، ال يسقط شيخه الذي أخذ

الحديث عنه.

ى: كما قلنا هو يروي عن شيخ لم يسمع منه ذلك الحديث بينه وبين ذلك الشيخ الصورة األولرجل آخر هو الذي أخذ ذلك المدلس الحديث عنه فيسط حينئذ المدلس شيخه أم شيخا آخر؟ هو يسقط شيخه المباشر، أما الذي يستعمل التسوية فهو يبقي على شيخه وال يسقطه من اإلسناد

ثال أو شيخ شيخ شيخه, يعني رجال من أعلى اإلسناد، أي من هو فوق وإنما يسقط شيخ شيخه م شيخه في اإلسناد.

حينئذ يسمى هذا النوع من التدليس بتدليس التسوية، فيكون مثال الراوي المدلس أخذ الحديث عن شيخ وهذا الشيخ أخذه عن شيخ آخر وهذا اآلخر أخذه عن شيخ ثالث، فيعمد المدلس إلى

خ الذي بين الشيخين، ثم يروي الحديث كأن يكون هذا الشيخ الذي بين الشيخين إسقاط الشيضعيفا ، وهو يريد أال يروي عن هذا الضعيف، أو يكون بسببه نزل اإلسناد فهو يريد أن يرويه

بعلو وهذا خفي جدا. لماذا هو خفي جدا؟.

ن الشيخ الثالث، الذي هو ألنه في األعم األغلب يكون شيخ هذا المدلس قد يكون له سماع مشيخ شيخه، فإذا كان هذا الشيخ شيخ المدلس له سماع في الجملة، من الشيخ األعلى، وهو ليس معروفا بالتدليس فلربما توهم الناس أن الحديث متصل, وليس فيه ما يدعو إلى تضعيفه؛ ألن

عنته, وال هو ضعيف شيخه المباشر ليس معروفا بالتدليس حتى تحمل عنعنته أو يتوقف في عنرحمهم هللا -حتى يتوقف في قبول حديثه, وألجل هذا كان خفيا جدا ال يطلع عليه إال كبار النقاد

تبارك وتعالى.

من ذلك حديث يرويه هشيم بن بشير عن يحيى بن سعيد األنصاري عن الزهري.

خذ هذا الحديث من العلماء قالوا: هشيم دلس ها هنا التسوية، ألن يحيى األنصاري لم يأالزهري مباشرة، نعم يحيى األنصاري أخذ غير هذا الحديث من الزهري, لكن هذا الحديث بعينه لم يأخذه يحيى األنصاري عن الزهري مباشرة، إنما أخذه عن مالك عن يحيى عن

الزهري.

إذن الحديث كان قد تحمله هشيم على هذا النحو، هشيم عن يحيى األنصاري عن مالك عن الزهري، وهذا إسناد نازل بالنسبة إلى هشيم، وهو يريد أن يقلل الوسائط بينه وبين الزهري،

Page 208: علوم الحديث   المستوى الثاني

فأسقط مالكا من الوسط، نعم مالك ثقة ولكن بسببه نزل إسناد هشيم في الحديث فأسقط مالكا من الوسط فصار الحديث يرويه هشيم عن يحيى بن سعيد األنصاري عن الزهري، فقال العلماء هذا الحديث وقع فيه تدليس التسوية، وهشيم بن بشير أسقط مالكا من الوسط إليهام العلو في اإلسناد

وما هو بإسناد عال, بل هو بالنسبة إلى هشيم بن بشير يعتبر إسنادا نازال .

أحيانا يكون هذا الراوي الذي سقط ضعيفا ، وهنا يكمن الخطر، لماذا؟ ألن هذا الضعيف بعدم سناد ثم شيخه الراوي الذي روى عنه وشيخه كالهما قد التقيا في غير هذا الحديث ذكره في اإل

أو سمع الراوي عنه من شيخ شيخه في غير هذا الحديث فيتوهم الناس أن اإلسناد متصل، يعني هب أن الواسطة بين يحيى األنصاري والزهري رجل ضعيف هل أنت ستطلع على علة في

، والزهري إمام حافظ، ثم إن يحيى األنصاري سمع من الزهري الحديث؟ يحيى األنصاري ثقةوليس هو معروف بالتدليس فأنت حينما تنظر لإلسناد هكذا تتوهم أنه إسناد صحيح والواقع أن

يحيى األنصاري لم يأخذ الحدبث من الزهري مباشرة, إنما أخذه عن رجل ضعيف عن اد أن اإلسناد صحيح ومتصل وليس األمر الزهري, فمن هذه الحيثية يتوهم الناظر في اإلسن

عليهم رحمة هللا -كذلك، من أجل هذا كان هذا األمر خفيا جدا وال يطلع عليه إال األئمة النقاد تبارك وتعالى.

تدليس العطف:

هناك نوع آخر من التدليس يسمى بتدليس العطف كل ذلك متعلق باإلسناد، وكان هشيم بن ماذا يفعل هذا الذي يعمد إلى هذا النوع من التدليس، -رحمه هللا تعالى-بشير من أفعل الناس له،

تدليس العطف، أن يروي الراوي عن شيخين سمع هو الحديث من أحدهما ولم يسمع من اآلخر، ولكن بسياقته لهما في سياق واحد مقرونا أحدهم باآلخر يتوهم السامع أنه أخذ الحديث عن

أحدهما دون اآلخر، أقول كان هشيم يفعل ذلك، هشيم بن بشير جلس الرجلين بينما هو أخذه عن مرة مجلسا ، أو كما تحكى هذه القصة قال له أصحابه: يا هشيم أال تحدثنا بمجلس ليس فيه

تدليس؟ فقال سأفعل فوعدهم, فلما انعقد المجلس وجلس الناس لسماع األحاديث غير المدلسة من ا هناك رواة معروفين شغلته التدليس كبقية بن الوليدي يسميه هشيم, وهذا أمر يعتبر عزيزا جد

الذهبي شيخ المدلسين إمام المدلسين وله قصص في ذلك طويلة جد ا، حتى قال عبد الرزاق لما قدم مكة في الموسم، وجلس في بعض البيوت فلم يجد أصحاب الحديث قد أتو إليه ليسمعوا منه

إلى مكة في الموسم والناس يعرفون أن عبد الرزاق موجود فاستنكر نفسه، صعب جد ا أن يذهب ومع ذلك ال أحد يأتي إليه يسمع منه الحديث، فذهب وتعلق بأستار الكعبة، وقال يا رب مالي أكذاب أنا؟ أمدلس أنا؟ أبقية بن الوليد أنا؟ فاستنكر نفسه واستعجب، ما الذي جعل الناس ال

لوليد، فكان بقية بن الوليد عالمة على التدليس, إذا ذكر بقية يقبلون علي, هل أنا مثل بقية بن ا .-رحمهم هللا جميعا -فليذكر التدليس، البد أن يذكر التدليس مع ذكر بقية بن الوليد

فالمهم هشيم بن بشير وعد أصحابه أن يعقد مجلس ا ليس فيه تدليس فجلس وقال حدثنا اإلسناد حصين وإبراهيم، يقول حصين حصين، ومغيرة عن إبراهيم جملة أحاديث بهذا

وإبراهيم، عن مغيرة بن مقسم، فلما انقضى المجلس وكل طلبة العلم ظنوا أن هذا المجلس ليس فيه تدليس, فبعد أن انتهى المجلس قال هل دلست لكم اليوم؟ قالوا: ال لم تدلس, قال: بل دلست،

نه، إنما سمعته من األول يقول مثال قالوا: كيف قال كل من قرنته مع األول فأنا لم أسمعه محدثنا حصين وإبراهيم فهو لم يسمع من إبراهيم يعني كأنه يقدر في نفسه حدثنا حصين وروى إبراهيم أو وعن إبراهيم أو وقال إبراهيم هو لم يسمع تلك األحاديث من إبراهيم إنما سمعها من

حصين.

Page 209: علوم الحديث   المستوى الثاني

رحمه هللا -عي، وأبو إسحاق السبيعي ويحكى مثل ذلك أو شبيه بذلك عن أبي إسحاق السبيكان أيضا يدلس لكن ليس بهذه الكثرة، يذكر له حديث قيل إنه تدليس وليس هو تدليس, -تعالى

لكن نذكره حتى نشرح مراده منه، جلس مرة فقال: ليس أبو عبيدة ذكره, ولكن عبد الرحمن بن يد أن يوهمك أنه سمعه من عبد األسود عن ابن مسعود، فبعض الناس قال: هذا تدليس وأنه ير

الرحمن, وهو لم يسمعه من عبد الرحمن؛ ألنه لم يقل حدثني عبد الرحمن وإنما قال ولكن عبد الرحمن، لكن هل قال ولكن سمعته منه؟ لم يقل ذلك لكن العلماء بينوا أنه لم يدلس في ذلك كما

في كتاب فتح الباري له في -رحمه هللا تبارك وتعالى-شرح ذلك الحافظ ابن حجر العسقالني شرح صحيح البخاري.

تدليس القطع:

هناك أيضا نوع آخر من أنواع التدليس يسمى بتدليس القطع، ويسمى أيضا بتدليس السكوت، تدليس القطع أو تدليس السكوت، ما هو هذا النوع من التدليس؟ كان يتعاطاه رجل يسمى عمر

يحكى عنه هذا النوع من التدليس، ماذا كان يفعل، بن علي المقدمي، وهذا رجل صدوق, ولكنكان يجلس في المجلس, ويقول: حدثنا ثم يسكت, وعندما يسكت, ينوي القطع األعمال بالنيات،

ينوي القطع حدثنا ثم قال: هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. فهو قال: حدثينا, وسكت، ثم نوى ه تعلق بحدثنا ثم قال هشام كما قال ابن عيينة الزهري في نيته القطع أن ما يأتي بعد حدثنا ليس ل

هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، هذا يسمى بتدليس القطع، والصواب أن بينه وبين هشام واسطة سمى ذلك الحافظ ابن حجر بتدليس القطع, وسماه في موضع آخر بتدليس السكوت.

اع، من أغرب ما رأيته وهذا ليس إذن هذه أشهر صور التدليس المتعلقة باإلسناد وبالسمموجودا في كتب المدلسين، لكن رأيته في ترجمة عمرو بن عبيد المبتدع المعروف، عمرو بن عبيد معروف أنه كان قد جالس الحسن فترة ثم اعتزله, فهو يعلم مكانة اإلمام الحسن البصري

فكان يجلس -ورضي عنه رحمه هللا تعالى-عند الناس, وأن قوله مقبول, وأن كلمته مسموعة في مجالسه الخاصة أعني عمرو بن عبيد هذا ويأتي الروايات الباطلة واألقوال الشاذة ثم يقول وهذا من قول الحسن, وهذا من قول الحسن وهذا من قول الحسن، فيتوهم بعض السامعين أنه

بالحسن، يقصد من قول الحسن البصري وإنما مراده وهذا من قولي الحسن، فهو يصف قولهوهذا من قولي الحسن وهذا تدليس خبيث جدا نبه عليه العلماء وذكروه في بعض الكتب ولكنه

ليس مشهورا ألن أصال عمرو بن عبيد أصال متروك الحديث.

التدليس قضية تاريخية:

وهنا تكمن فائدة في غاية األهمية، أن التدليس قضية تاريخية فالن يدلس أو ال يدلس كان ى التدليس أو ال يتعاطى التدليس، هي قضية متعلقة بالتاريخ، يعني ال يطلع عليها إال من يتعاط

كان يعرف هذا الرجل ويعرف عادته في الروايات, ويعرف أنه كان يتعاطى التدليس، وليس بإمكاننا نحن المتأخرون أن نتوصل إلى أن فالنا يدلس أو غيره يدلس بناء على نظرتنا في

لماذا؟ قد يأتي مثال بعض الرواة فيروي الحديث مرة بواسطة ومرة بغير واسطة، الروايات، ويتبين لنا من خالل البحث والتفتيش والتتبع للروايات أن هذا الحديث لم يسمعه ذلك الراوي من هذا الشيخ، فقد يتوهم بعض الناس يقول إذن فالن مدلس ألنه حدث عن شيخه بما لم يسمعه منه،

ن صورته صورة التدليس, لكن ال يعامل الراوي الذي عرف ذلك عنه أو وجد ذلك هذا وإن كافي بعض أحاديثه معاملة المدلس، ال يعامل معاملة المدلس، لماذا ال يعامل معاملة المدلس ألمر بسيط جدا وهو أن الذي يخطيء في األحاديث قد يفعل ذلك عن غير قصد، يعني الراوي حينما

ة عن شيخه ثم ينسى شيخه فيحدث به عن شيخ شيخه هو لم يقصد إيهام يسمع الحديث مرالسماع ولم يقصد أن يسقط بينه وبين شيخه واسطة وإنما وقع ذلك منه عن غير قصد، فهذا

Page 210: علوم الحديث   المستوى الثاني

يعتبر من باب األخطاء واألوهام التي قد تقع من بعض الرواة ال سيما إذا كان هذا الراوي ة عبد هللا بن لهيعة، عبد هللا بن لهيعة سمع أحاديث من عطاء ضعيفا في الحفظ كما كان ابن لهيع

وسمع عن رجل عن عطاء وعن رجلين عن عطاء وعن ثالثة عن عطاء، ثم صار يحدث بكل ذلك عن عطاء وروى عن عمرو بن شعيب أحاديث وإنما أخذها من إسحاق بن أبي فروة

ل حملها العلماء على التدليس؟ لم والمثنى ابن الصباح عن عمرو بن شعيب فهذه األحاديث, هيحملها العلماء على التدليس وإنما حملوها على الخطأ غير المقصود، وإال فابن لهيعة كان يجزم

بسماعه لهذه األحاديث من عمرو بن شعيب ومن عطاء بن أبي رباح, كان يجزم ويصرح ب كما ذكرنا في اللقاء وينكر على من ينكر عليه عدم سماعه لتلك األحاديث من عمرو بن شعي

الماضي لما ابن وهب أنكر عليه سماعه لتلك األحاديث من عمرو بن شعيب فقال ابن وهب من أين أو متى سمع هذه األحاديث ابن لهيعة من عمرو بن شعيب فلما بلغ ذلك ابن لهيعة قال: لقد

ه الحيثية هو كان سمعتها من عمرو بن شعيب قبل أن يلتقي أبواه، يعني قبل أن يولد، فمن هذيجزم بنسبتها فلو كان يقصد اإليهام لكان بذلك سارقا , ويتهم بالكذب؛ ألنه يدعي سماع ما لم

يسمع والعلماء مسلمون بأن ابن لهيعة صدوق في دينه ال يتعمد كذبا , وال يتعمد اإلخبار بخالف ود.الواقع, إنما وقع ذلك وأمثاله منه على سبيل الخطأ والوهم غير المقص

فإذا وجدت ضعيفا في اإلسناد فعلى ما صورته التدليس فال تعامله معاملة المدلس وإنما قل هذا خطأ من هذا الراوي نشأ عن عدم إتقانه وضبطه للحديث.

-أمر آخر هناك كتب اعتنى أصحابها فيها بجمع الموصوفين بالتدليس كالحافظ ابن حجر في هذا الكتاب -رحمه هللا تعالى-سين والحافظ ابن حجر في كتابه طبقات المدل -رحمه هللا تعالى

جمع كل من قيل فيه يدلس سواء كان التدليس بمعناه األول، أو التدليس بالمعنى اآلخر الذي يسميه الحافظ ابن حجر العسقالني باإلرسال الخفي، أو سواء كان يدلس تدليس الشيوخ اآلتي

يدلس تدليس اإلجازة أي الصيغة يعني يستعمل األلفاظ أو سواء كان -إن شاء هللا تعالى-شرحه المتعلقة باإلجازة يعبر عن اإلجازة بألفاظ ال تدل على اإلجازة وإنما تستعمل في السماع أيضا

كل ذلك ذكره الحافظ ابن حجر في كتابه طبقات المدلسين فليس معنى أن الحافظ ابن حجر ذكر أبدا معاملة المدلس، بل البد أن تعرف نوع التدليس الذي الراوي في طبقات المدلسين أنه يعامل

يتعاطاه وكيف التعامل مع هذا النوع من أنواع التدليس؟ هذا مهم جدا.

أمر آخر نجد أحيانا بعض أهل العلم يعل حديثا ألن فالنا ربما يكون دلسه، وهذا الراوي بالتدليس, وال مذكورا في جملة الذي وصف بالتدليس في هذا الحديث بخصوصه ليس معروفا

وصف -رحمه هللا تعالى-المدلسين عند علماء الحديث، مثال وجدت اإلمام أبا حاتم الرازي الليث بن سعد في موضع في كتاب علل الحديث البنه وصفه بأنه ربما يكون دلس هذا الحديث

معروفا بالتدليس، ونجد قال أخشى أن يكون الليث دلس هذا الحديث مع أن الليث بن سعد ليس مثال سفيان بن عيينة في بعض األحاديث التي يرويها عن سعيد بن أبي عروبة,قال اإلمام أبو

حاتم الرازي: ولم يذكر ابن عيينة الخبر فيه يعني لم يذكر التصريح بالسماع بينه وبين ابن أبي أبا حاتم الرازي في ذلك بأن عروبة فهذا أيضا مما يوهم الخبر, فتعقب بعض الباحثين اإلمام

سفيان بن عيينة ال يدلس إال عن الثقات كما قد نص على ذلك ابن حبان وغيره من أهل العلم، هناك من المدلسين من ال يدلس إال عن الثقات، كابن عيينة نص على ذلك اإلمام الدارقطني

وابن عبد البر وكذلك ابن حبان من قبلهما.

عل هذا الحديث واستظهر أن ابن عيينة لم يأخذه عن ابن أبي فاإلمام أبو حاتم الرازي عروبة مباشرة وأنه وقع فيه تدليس.

Page 211: علوم الحديث   المستوى الثاني

وكما قلت في المثال األول الليث بن سعد استظهر اإلمام أبو حاتم الرازي بأن الليث قد يكون على إنما دلس ذلك الخبر, مع أن الليث بن سعد ليس موصوفا بالتدليس، وهذا ينبغي أن نخرجه

القاعدة العامة, وهي أن من ال يعرف بالتدليس األصل أن ال يعامل معاملة المدلس كما أن من عرف بالتدليس األصل أن يعامل معاملة المدلس لكن هذه القاعدة العامة قد تحتف بها قرائن

فتجعلنا نميل إلى إعمال تلك القرائن, وأن نتغاضى عن القاعدة في هذا الموضع بخصوصه،؛ القرينة هنا قويت بحيث تزاحم هذا األصل العام الذي نحن نعرفه، وهذا غالبا يظهر لدى ألن

العلماء حيث يكون هناك قرينة إسنادية أو معنى إسنادي أو معنى متني استنكره ذلك العالم, فالعالم يستنكر الحديث سواء استنكر جزءا في اإلسناد أو جزءا في المتن.

لماضي إلى طرف من نكارة اإلسناد، إذا روي عن راو عن شيخ ونحن أشرنا في اللقاء اوهو ليس معروفا باألخذ عن ذلك الشيخ، وهذه من معاني النكارة اإلسنادية, وهناك النكارة

المتنية, والنكارة المتنية تقع في المتون حيث خطأ من قبل بعض الرواة إن هو روى الحديث يف أو نحو ذلك، فيستظهر العالم أن هذا الحديث خطأ بالمعنى، أو وقع له فيه تصحيف أو تحر

في حد ذاته, ثم ينظر في اإلسناد فال يجد علة يراها كافية للطعن في ذلك الذي ترجح لديه أنه خطأ وأنه منكر وأنه باطل وأنه ال أصل له، إال أن يعلق ذلك على أن يكون هذ الراوي لم يسمع

س معروفا بالتدليس وإنما هذا حكم كما نقول مثال الثقة ذلك الخبر من شيخه مع أنه قد يكون ليحديثه صحيح, لكن قد نستظهر في حديث ما بأنه أخطأ فيه, وهذا ال ينفي أن الثقة حديثه صحيح

والعكس أيضا صحيح.

قد نقول الراوي الضعيف، سيء الحفظ حديثه غير صحيح، وقد نستظهر في حديث ما بأن ب في ذلك الحديث بل قد يرجح رواية الضعيف أحيانا حيث هذا الراوي الضعيف قد أصا

القرائن تنضم على رواية الثقة كما قال اإلمام أبو بكر األثرم في بعض األحاديث حيث خالف الثوري في بعض األحاديث شريك القاضي فقال: وشريك القاضي قد قدم على الثوري في

ر األحاديث, هذا ليس نقدا للقاعدة العامة, حيدثين, وإن كان الثوري مقدما على شريك في سائوإنما هذا كما نقول دائما وأبد ا مرتبط بالقرائن المحتفة بالرواية وعلى ضوئها تترجح لدى النقاد

إن كان هذا الحديث محفوظا أو ليس بمحفوظ, والراوي سمعه أو لم يسمعه.

لتقديم هذا الحديث حير العلماء مثال حديث يرويه قتيبة بن سعيد عن الليث بن سعد في جمع اكثيرا وجمهور أهل العلم على أنه حديث خطأ, وأن المخطيء فيه قتيبة بن سعيد، بل وصفه

اإلمام الحاكم النيسابوري بأنه حديث موضوع وأدخله وجعله مثاال للحديث الشاذ، قتيبة بن سعيد يث خطأ األئمة فيه قتيبة بن سعيد.يرويه عن الليث، قتيبة يروي عن الليث كثيرا ولكن هذا الحد

البخاري ذهب إلى قتيبة بن سعيد وقال: من كان معكم لما سمعتم هذا الحديث من الليث بن خالد المدائني يدخل األحاديث على الشيوخ » سعد. قال: كان معنا خالد المدائني فقال البخاري:

ي المتروك الضعيف جدا وأن فاستظهر البخاري أن الحديث إنما مخرجه عن خالد المدائن« قتيبة إنما أخذه عن خالد المدائني عن الليث، ثم نسي قتية ثم صار يحدث به عن الليث مباشرة مصرحا بالسماع، هو توهم أنه من حديث الليث وأنه أخذه عن الليث مباشرة فحمل األئمة ذلك

عد ولو كان يقصد التدليس على الخطأ غير المقصود, وإال فهو قد صرح بالسماع من الليث بن سأو إيهام السماع لما استعمل الصيغة الصريحة, فلما استعمل الصيغة الصريحة, ونحن نعلم أنه ال يتعمد كذبا وال يتعمد اإلخبار بخالف الواقع, حملنا ذلك على الخطأ غير المقصود، قرائن في

بعض الروايات يستدل بها على ذلك.

تدليس الشيوخ:

Page 212: علوم الحديث   المستوى الثاني

م الثاني من أقسام التدليس وهو تدليس الشيوخ:نأتي إلى القس

وأما القسم الثاني من التدليس فهو اإلتيان باسم الشيخ أو : )-رحمه هللا تعالى-قال المصنف كنيته على خالف المشهور به، تعمية ألمره ، وتوعيرا للوقوف على حاله، ويختلف ذلك

منه أو نازل الرواية ونحو ذلك، وتارة باختالف المقاصد, فتارة يكره كما إذا كان أصغر سنا يحرم كما إذا كان غير ثقة ، فدلسه لئال يعرف حاله أو أوهم أنه رجل آخر من الثقات، على وفق اسمه أو كنيته، وقد روى أبو بكر بن مجاهد المقريء عن أبي بكر بن أبي داود فقال: حدثنا عبد

ن النقاش المفسر فقال: حدثنا محمد بن سند نسبه هللا بن أبي عبد هللا، وعن أبي بكر محمد بن حس (إلى جد له, وهللا أعلم.

هذا النوع من التدليس هو أن يسمي شيخه باسم غير معروف به, وغير مشهور به ولكنه يصدق عليه ويصح نسبته به وتسميته به، فإما أن يلقبه بلقب خاص غير معروف أو قد يكون

سبة صحيحة أو ينسبه إلى جده بدال من أن ينسبه إلى أبيه منسوبا بنسبة غير معروفة لكنها نمباشرة ينسبه إلى جده مثل عبد هللا بن لهيعة بن عقبة، فبعضنا إذا أراد أن يدلسه يقول عبد هللا بن عقبة هو صادق نسبه إلى جده, ولكنه غير معروف بهذه النسبة الناس يعرفون عبد هللا بن

ال حدثنا عبد هللا بن عقبة الذي يتبادر إلى ذهن السامع أنه رجل لهيعة, فإذا جلس في المجلس وقآخر غير عبد هللا بن لهيعة, وهذا ما من عالم إال وتعاطاه واستعمله, وهو ليس بعيب في حد ذاته، اللهم إال أن يؤدي ذلك إلى عدم معرفة الراوي على الحقيقة فيتوهم أنه مجهول فإن كان

على الناس معرفة هذا الثقة وعليه يعمي عليهم معرفة حال الحديث هو ثقة في الحقيقة فيعمي الصحيح، وإن كان هو ضعيفا في الحقيقة فحينئذ يكون قد أوهم أنه رجل آخر غير ذلك الضعيف

فيحتار الناس هل هو ثقة أو ليس ثقة ، وأغلب الرواة المجاهيل حينما تنظر في كتب الرجال لهم أو عينهم لهذا السبب حيث إن بعض الرواة عنهم ذكروهم وتجد رواة مجاهيل إنما جهل حا

بغير ما يعرف من أسمائهم، حتى هناك واحد اسمه محمد بن سعيد المصلوب وهذا كان زنديقا صلبه أبو جعفر المنصور على الزندقة كان يروي األحاديث المكذوبة إلفساد الدين, كان بعض

الناس حاله كان يدلس اسمه، فكما يقول العلماء الناس يروي عنه ويحدث عنه ولكي يعمي علىقلب اسمه على خمسين وجها , أنت تجد الحديث الواحد يروى عنه هو حديث واحد مرة يسمى باسم ومرة يسمى باسم آخر، ومرة يسمى باسم ثالث وهكذا، ولهم يتفننون في ذلك طبعا , لهم

أغراض في ذلك بعضها مذموم وبعضها قد يكون محمودا .

من أغرب ما وجدته أن بعض الرواة روى عن بعض الشيوخ فسماه بهذا االسم عبد هللا بن آدم, فاحتار الناس من عبد هللا بن آدم هذا؟ لم يجب على ذلك إال اإلمام أبو حاتم الرازي فقال هو

بن آدم، فالن وإنما سماه عبد هللا ألن الناس جميعا عباد هلل والناس جميعا أبناء آدم فسماه عبد هللاوجدت أنا شبيها بذلك في بعض األسانيد، هناك حديث يرويه عن الزهري رجل اسمه محمد بن

يزيد اآلدمي وهذا رجل ضعيف، وهذا الحديث مما تفرد به عن الزهري و استنكر عليه، ثم وجدت له إسنادا آخر نفس الحديث وجدته برواية رجل آخر عن الزهري، وهذا الرجل اآلخر

محمد بن رباح، فتعلق بهذا الحديث بعض أهل البدع, وأراد أن يصححه ويقويه فقال إن اسمه محمد بن يزيد اآلدمي لم يتفرد به بل تابعه محمد بن رباح، فأخذت أبحث عن محمد بن رباح هذا فلم أجده ولم أجد له ذكرا في كتب الرجال, وال حتى ذكروه فقالوا مثال مجهول ما ذكروه

و نفسه هذا الرجل الذي يريد أن يقوي الحديث لم يذكر له ترجمة ولم يجد له ترجمة بالمرة، وهأصال, وإنما وجده هكذا في األسانيد، ثم تأملت الرواية فوجدتها من هذا القبيل مدلسة تدليس الشيوخ، الرجل اسمه محمد بن يزيد واآلخر اسمه محمد بن رباح كأن الذي دلس نظر إلى

لزيادة، ورباح من الربح, وهو الزيادة، فدلس اسم الراوي على هذا النحو يعني المعنى يزيد من اروى اسمه بالمعنى، وهذا له أمثلة في األحاديث ووجدت له نظائر في كالم أبي حاتم وغيره من

Page 213: علوم الحديث   المستوى الثاني

وأنا كتبت في ذلك -رحمهم هللا تعالى-أهل العلم وهذا خفي جدا ال يطلع عليه إال نقاد الحديث أخرجه قريبا ، المهم هذا هو التدليس. بحثا لعلي

هناك من العلماء متقدمهم ومتأخرهم كان يفعل ذلك ولكن بما ال يخفى على السامعين، مثال كما ذكر أن أبو بكر بن مجاهد كان يروي عن أبي بكر بن أبي داود، أبو داود هو السجستاني

ولكن ما قال عبد هللا بن أبي داود، وإنما وأبو بكر ابنه، فيسميه عبد هللا؛ ألنه هو اسمه عبد هللاقال عبد هللا بن أبي عبد هللا هو كل واحد يكنى أو يصلح أن يكنى بابنه، أنا اسمي طارق وأبي اسمه عوض هللا, فأستطيع أن أقول ماذا طارق بن أبي طارق أذكر قصة في كتاب المجروحين

أبي ذئب فقالوا له: إنما هو محمد بن البن حبان، رجل جلس يحدث الناس فقال حدثني ذئب بن عبد الرحمن بن أبي ذئب وليس ذئب بن أبي ذئب فقال إذا كان أبوه ذئب فهو ذئب، أمر طبيعي،

وهل تلد الذئاب إال الذئاب.

فهذا هو المأخذ، أحيانا يكون خفي جدا وال يطلع عليه إال النقاد من ذلك راو اسمه عطية بن ل طلبه للعلم كان قد سمع من أبي سعيد الخدري، وسمع جملة من سعد العوفي كان في أو

األحاديث عن أبي سعيد الخدري واشتهر ذلك بين الناس, أنه التقى بأبي سعيد الخدري وأخذ عنه صار يجلس مجالس محمد بن -رضي هللا عنه-بعض الحديث ثم لما مات أبو سعيد الخدري

السائب الكلبي.

تابعي ولكنه متروك الحديث, وكان يروي المراسيل كثيرا ، فكثيرا ما محمد بن السائب الكلبي يعني مرسال؛ ألنه تابعي إذا قال: قال رسول -صلى هللا عليه وآله وسلم-يقول: قال رسول هللا

هذا يعد من قبيل الروايات المرسلة، فأخذ يسمع منه أشياء كثيرة -صلى هللا عليه وآله وسلم-هللا أي: -صلى هللا عليه وسلم-سير, عن محمد بن السائب الكلبي عن رسول هللا أغلبها في التف

المراسيل، ثم صار بعد ذلك يحدث بتلك المراسيل التي أخذها عن الكلبي، ولكن كنى الكلبي بأبي صلى هللا -سعيد, فصار يحدث عن الكلبي بتلك المراسيل التي حدث بها الكلبي عن رسول هللا

صلى هللا عليه وآله -جلس عطية العوفي يقول حدثنا أبو سعيد عن رسول هللا في -عليه وآله وسلم، وال يقول الخدري؛ ألنه إن قال: الخدري, يكون كاذبا، فيقول حدثنا أبو سعيد عن رسول -وسلم صلى هللا عليه وآله وسلم.-حدثنا أبو سعيد قال قال: رسول هللا -صلى هللا عليه وآله وسلم-هللا

يتوهمون أن أبا سعيد هو الخدري بينما هو محمد بن السائب الكلبي والعلماء بينوا فالسامعون ذلك وفضحوا حال عطية العوفي في ذلك.

أحيانا العلماء يستعملون ذلك الختبار الطلبة يريد أن يعرف إن كان هذا الطالب يفهم أو ال شيخ فيأتي في السؤال فيغرب عليه فيحدثه عن شيخ ويسميه باسم غير معروف أو يسأله عن

بقلب اسمه أو بنحو ذلك حتى يختبر ذكاءه ويختبر معرفته كما يذكر أن اإلمام الذهبي لما ذهب « من أبو محمد الهاللي ؟»إلى ابن دقيق العيد أراد ابن دقيق العيد أن يختبر معرفته، فقال له: نى بأبي محمد فأعجب ذلك ابن فأجاب الذهبي على البديهة بأنه سفيان بن عيينة ألنه هاللي, ويك دقيق العيد, أعجبه استحضار الذهبي وسرعة بديهته في الجواب.

تدليس الشيوخ عرفناه, الراوي المدلس تدليس الشيوخ يسقط أحدا من اإلسناد ال يسقط أحدا من اإلسناد, فقط هو يذكر شيخه باسم غير معروف, فإن عرفنا حقيقة هذا الرجل الذي سمي

معروف فال تأثيرا لذلك في الرواية، فيعامل الراوي بمقتضى ما نعرف من حاله. باسم غير

Page 214: علوم الحديث   المستوى الثاني

أما إن لم نعرفه فيكون الحديث حينئذ في حكم ما يرويه الراوي المجهول, فهذا هو الحكم المتعلق بتدليس الشيوخ، إن استطعنا أن نعرف هذا الشيخ الذي قلب اسمه على غير وجهه

حاله عدالة أو ضعفا ، أما إن لم نستطع معرفة هذا الراوي على حقيقته فيعامل الراوي بمقتضى فسيكون الحديث حينئذ يرويه راو ال نعرفه وفي الغالب يحكم العلماء بأنه راو مجهول فيعامل

معاملة ما يرويه المجاهيل من الرواة.

من - تعالىرحمه هللا-أحاديث الصحيحين نحن نجد مدلسين كما أشار إلى ذلك ابن الصالح أن هناك أحاديث يرويها بعض المدلسين وهي في الصحيحين, فما تعاملنا مع هذه األحاديث؟ مع أنها في الصحيحين مدلسة يعني معنعنة جاءت بصيغة غير صريحة في السماع وهؤالء الرواة

معروفون بالتدليس.؟

نة وهي في الصحيحين هي العلماء يقولون: إن أحاديث الصحيحين التي رواه المدلسون بالعنعاطلعا على وجه -رحمهما هللا تبارك وتعالى-محمولة على االتصال، إما أن البخاري ومسلما

آخر من األوجه يتبين من خالله االتصال كأن يكون الراوي روى الحديث مرة بالتصريح ج الرواية التي ليس فيها تص ريح لكنه يعلم بالسماع ومرة بغير التصريح بالسماع, فالبخاري خر

أن الراوي قد صرح في رواية أخرى وإنما خرج الرواية التي فيها العنعنة في كتابه الصحيح لغرض من أغراض التصنيف كأن تكون هي األعلى إسنادا بالنسبة إليه، فاختارها لعلوها وما

واية فيها من عنعنة مجبور بالروايات األخرى التي فيها تصريح ذلك الراوي بالسماع في رأخرى, وقد يكون العلماء يتعاملون مع هذا الراوي المدلس مع بعض مشايخه بتعامل خاص كاألعمش إذا ما روى عن أبي صالح فإنه كثيرا كان ما يروي عن أبي صالح فحمل األئمة

عنعنته أبدا عنه على االتصال؛ ألنه ال يدلس عنه عن كبار مشايخه.

ال تحكم على الحديث لمجرد العنعنة بأنه غير متصل أو بأنه وهذا هو ما ننادي به دائما أنك مدلس بل ينبغي أن تستفيد بجهود العلماء فإذا وجدت مدلسا في الرواية عليك أال تسارع وال تبادر إلى إعالن الحديث بالعنعنة وإنما عليك أن تستفيد من جهود العلماء فتنظر كيف تعامل

ها على االتصال أم على التدليس؟ هل احتجوا بها أم لم العلماء مع هذه الرواية؟ هل حملويحتجوا بها هل استشهدوا بها أم لم يستشهدوا بها وهكذا فينبغ أال تكون أحكامك على الروايات بمعزل عن أحكام أهل العلم لكن القاعدة العامة أن المدلس ال يقبل حديثه إال إذا صرح بالسماع,

باتصال روايته, فإذا وجدنا أهل العلم تسامحوا معه في هذا فإذا لم يصرح توقفنا فيه الحكمالحديث وحملوه على االتصال لدليل آخر أو لقرينة انضمت إلى الرواية فنحن نستفيد بجهود أهل

العلم وال نهمل هذه القرائن التي اعتبروها بل نعتبر معتبرهم ونأخذ بأقوالهم ونستفيد بنقدهم وإلى هنا نكون بفضل هللا تعالى قد أتينا على نوع -رضي عنهمرحمهم هللا تعالى و-وعلمهم

التدليس بصوره وما يتعلق بها من أحكام، نسأل هللا تعالى التيسير والتوفيق.

وردتنا إجابات عدة على أسئلة الحلقة الماضية: كان السؤال األول: متى يختلف الحكم بين عن فالن أو أن فالنا ؟

حكم بين عن وأن إذا كان الراوي لم يشهد هذه الرواية أو القصة فال وكانت اإلجابة يختلف ال تكون أن بمعنى: عن، ولو رواها بالصيغة: عن فيعرف أنه أخطأ والصواب أن يقول: أن.

هذه الجملة األخيرة ال محل لها من اإلعراب, يعني ال وجه لها في الجواب وال نشغل أنفسنا ول كالمه هو الصواب، أنه إذا كان الراوي بإمكانه أن يشهد بالرد عليها, لكن ما ذكره في أ

Page 215: علوم الحديث   المستوى الثاني

القصة فعن وأن بالنسبة إليه سواء, أما إذا كان لم يكن بإمكانه أن يدرك القصة وإنما وقعت في زمن ال يدركه وال يمكن أن يكون موجودا فيه أو يدركه، فحينئذ تكون "عن" ليست كـ"أن"، فإذا

لرواية عمن قد ذكره فوقه، أما إذا قال: "أن" فحينئذ يحكي قصة قال عن فنحن نعلم أنه يروي اهو لم يدركها ولم يذكر أن هذا المذكور في القصة هو الذي حدثه بها فيكون من هذه الحيثية

منقطعا أو يخالف العنعنة من حيث االستعمال والداللة في هذا الباب.

السؤال الثاني: ما حكم تدليس الشيوخ ؟

بة: تدليس الشيوخ هو أشنع أنواع التدليس وأسوأها وهو من قسم المردود إال أن وكانت اإلجا يعرف أن هذا الراوي ال يروي إال عن ثقة وعرف ذلك الشيخ الذي أسقطه.

هذا جواب من أشنع األجوبة إنما قالوا ذلك في تدلس التسوية ولم يقولوا ذلك في تدليس ذكرنا أن هناك من كبار الحفاظ وكبار العلماء من الشيوخ, ونحن ذكرنا حكم تدليس الشيوخ و

استعمله, ولكن النهاية أننا إذا عرفنا الراوي رغم أنه دلس اسمه إذا عرفنا حقيقته وأنه هو فالن فنعامله بما نعرفه من حاله من ثقة أو ضعف أما إذا لم نعرفه ولم نعرف أنه فالن الذي مسمى

لمجهول.في األسانيد فحينئذ نعامله معاملة ا

أريد أن أسأل سؤالين هل يعتبر قول الحسن البصري خطبنا ابن عباس أو حدثنا ابن عباس نوعا من أنواع التدليس؟.

السؤال الثاني: وصف أحد األئمة النقاد لراو ما بأنه مدلس هل يكفي في إثبات التدليس حتى لو لم نجد مثاال صحيحا على ذلك؟

حد األئمة النقاد لراو ما بأنه مدلس هل يكفي في إثبات التدليس السؤال الثاني: يقول: وصف أحتى لو لم نجد مثاال صحيحا على ذلك؟ مثاال في األحاديث العلماء وصفوه بالتدليس لكن ال

يوجد عندنا مثال من األحاديث أنه دلس ؟

اال ذكرني كل األحاديث التي رواها صرح فيها بالسماع مثال ، أنا ال أعرف هذا لو تعرف مثبه، لكن عامة نحن نستفيد بأحكام العلماء بأن فالنا يدلس لكن مع ذلك ال نحكم على رواية معينة وقعت فيها عنعنة وقعت فيها عنعنة للتدليس أبدا هكذا حتى لو كانت مما صححه العلماء فينبغي

ي الصحيحين وقد أن نعتبر وأن نستفيد من جهود أهل العلم ال سيما إذا كانت تلك الروايات فتلقى العلماء الصحيحين بالقبول, فاألصل كما قلت: إن المدلس يتوقف في عنعنته وفرق بين التوقف وبين عدم القبول، التوقف معناه أن ننظر، نضع روايته تحت المنظار لننظر هل فعال

حديث هذا مما دلسه؛ ألن عن ليست صريحة في عدم السماع، حتى نبادر إلى الحكم بتضعيف الالذي وقعت فيه عنعنة، وإنما عن معناها أن الراوي يحتمل أن يكون سمع واحتمال أال يكون

سمع يحتمل أن يكون دلس ويحتمل أال يكون دلس، فإذا وجدناه صرح في مكان آخر فهذا يقوي جانب السماع على جانب التدليس أو وجدنا العلماء اآلخرين صححوا تلك الرواية، أو أدخلها

ري ومسلم في صحيحيهما، فهذا مما يرجح عندنا أن هذه الرواية مما لم يقع فيها تدليس البخا رغم أنها واردة بالعنعنة.

إذن ال نحكم على األحاديث بمعزل عن كالم أهل العلم وإال فصيغة عن في حد ذاتها ليست دليال على التدليس, وإنما هي تحتمل التدليس كما أنها أيضا تحتمل السماع.

ؤاله األول كان هل يعتبر قول الحسن البصري خطبنا ابن عباس نوع من أنواع التدليس؟س

Page 216: علوم الحديث   المستوى الثاني

نحن قلنا هو قال كان يصرح بالسماع على ضرب من التأويل يقول: خطبنا أي خطب قومنا، وحدث قومنا وأخبر قومنا، أو نحو هذا الكالم، فالعلماء لم يجعلوا ذلك في حد ذاته مثاال على

أن هذه من صيغ التدليس، وإن ذكروا أن من صيغ التدليس أن أبا نعيم األصفهاني التدليس، والكان أحيانا يقول أخبرنا فيما تحمله عن طريق اإلجازة، الذي تحمل -رحمه هللا تعالى-الحافظ

عن طريق اإلجازة ال يطلق لفظ اإلخبار وال لفظ التحديث، وإنما يقيد فيقول أخبرنا إجازة، فيقيد اإلخبار, هذا سوغه أهل العلم لكن أن يقول أخبرنا هكذا من غير أن يقيد ذلك بكونه إجازة بهذا

يوهم أنه سمع، الحافظ الذهبي قال: هذا ضرب من التدليس ونوع من أنواع التدليس.

إذن صارت كلمة "أخبرنا" في عرف المحدثين لها أكثر من معنى أحيانا تدل على السماع السماع، وهذا كما قلنا في اللقاء الماضي حتى هذه الصيغة إذا وردت عن وأحيانا ال تدل على

الراوي ال نستطيع أن نجزم بأنها دالة على االتصال, نجزم بأنها دالة على االتصال. وهللا أعلم.

يقول: إذا كان الراوي قد عرف بالتدليس واشتهر به فلم يقبل حديثه ولم يأخذ عند المحدثون ؟ ما رتبة حديثه؟وما حكم حديثه

ذكرنا هذا، قلنا إن العنعنة حتى من المدلس ليست نصا في عدم السماع، نحن ذكرنا في لقاء سابق أن األلفاظ التي يستعملها الرواة منها ما هو صريح في السماع مثل حدثنا وأخبرنا

أو وسمعت، ومنها ما هو صريح في عدم السماع، مثل: بلغني عن فالن، أو حدثت عن فالن أخبرت عن فالن أو نحو هذه العبارات، هذه كلها تتضمن أو أن هناك واسطة بينك وبين فالن, وهناك عبارات تحتمل المعنيين، ليست صريحة في السماع وال في عدم السماع كعن فالن، أو ي كقال فالن أو كحدث فالن، أو كأخبر فالن، أو أن فالنا قال، أو هذه العبارات فهذه العبارات فحد ذاتها ليست دليال على االنقطاع وليست نصا على عدم السماع، لكنها تحتمل األمرين وإن كان احتمالها لعدم السماع أقوى في حق المدلس؛ ألن المدلس استعملها فيما ليس له فيه سماع،

ة من ولكن مع ذلك هذا ليس معناه أن نهمل أحكام العلماء، نحن لما قلنا نتوقف إذا وجدنا العنعنالمدلس نتوقف في هذه الرواية، وهذا يدعونا إلى مزيد بحث وتتبع في كالم أهل العلم وفي

أسانيد هذه الرواية، حتى ننظر كيف تعامل العلماء مع هذه الرواية هل احتملوها من هذا الراوي أو لم يحتملوها؟ هل حملوها على السماع أم لم يحملوها على السماع؟ هل احتجوا بها أو

ستشهدوا أم لم يحتجوا بها ولم يستشهدوا بها كل ذلك البد أن يكون بحثنا محاطا بها ومناطا بها ا وال نطلق األحكام هكذا جزافا لمجرد أننا لم نقف على تصريح للراوي بالسماع في هذا الحديث.

وهذا كما نقول في بقية المسائل, يعني عندنا راوي تفرد بحديث تفرده دليل على خطأ؟ ال,التفرد ليس يلزم منه الخطأ, لكن قد يكون قرينة على الخطأ, فالتفرد منه ما هو صواب ومنه ما هو االختالف بين الرواة، إذا وجدنا اختالفا هل معنى ذلك أن هناك خطأ؟ قد يكون االختالف

اختالفا معه خطأ وقد ال يكون معه خطأ قد يكون االختالف قادحا وقد ال يكون قادحا , فإذا وجدنا بين الروايات وإذا وجدنا تفردا من بعض الرواة ال ينبغي أن نبادر للحكم بكون هذه الرواية

خطأ, بل علينا أن نتتبع كالم أهل العلم وأن ننظر في كتب العلل والكتب المتخصصة في عالج على أنها مثل هذه األشياء لننظر كيف تعامل األئمة مع هذه الرواية أو تلك؟ هل تعاملوا معها

من األخطاء أم ليست من األخطاء؟ هل تعاملوا معها على أنها متصلة أم ليست متصلة؟ فال تحكم على الحديث بمعزل عن كالم أهل العلم وإال فليس هذا العلم مقطوع النسب، بل هذا العلم

له أئمة أفنوا فيه األعمار وميزوا الصحيح من غير الصحيح، والمحفوظ من غير المحفوظ المتصل من غير المتصل وهللا أعلم.و

متى يقبل حديث من عرف بتدليس التسوية؟. السؤال األول:

Page 217: علوم الحديث   المستوى الثاني

ما الفرق بين التدليس والسرقة ؟ وهللا أعلم. السؤال الثاني:

Page 218: علوم الحديث   المستوى الثاني

الدرس الرابع عشر

باب علل األحاديث

وسيئات أعمالنا، إن الحمد هلل تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا من يهده هللا فال مضل له، ومن يضلل فال هادي له، وأشهد أال إله إال هللا وحده ال شريك له،

وأشهد أن محمد ا عبده ورسوله وبعد:ستنتناول أبوابا من أبواب علوم الحديث هذه األبواب كلها تتناول -إن شاء هللا تعالى-من اليوم

األبواب السابقة على هذه األبواب كانت متعلقة باالتصال باب العلة، باب علل األحاديث،سنتناول أبوابا -إن شاء هللا تعالى-واالنقطاع في اإلسناد، أما من هذا النوع الثالث عشر فصاعدا

-إن شاء هللا تبارك وتعالى-متعددة كل باب منها يعالج جانبا من جوانب علل األحاديث، وسنبين من تلك األنواع عالقة هذا النوع بباب العلة، والجانب الذي يعالجه من عند تناولنا لكل نوع

أبواب العلة, فسيتضح لنا ما سنذكره اآلن إجماال أن هذه األنواع بعضها يتعلق بموجبات اإلعالل, أي األسباب التي يعل الحديث بها. وبعضها يتعلق بصور العلل التي تقع في الروايات،

يطلق عليها -رحمهم هللا تعالى-األحاديث المعلولة، فهي عند العلماء وبعضها يتعلق بأسماء بعد ذلك. -إن شاء هللا تعالى-أسماء متعددة، كل ذلك سيتبين لنا

وهناك ظواهر العلة أي األشياء التي إذا نظرنا إليها وإذا تحققنا من وجودها في الرواية يظهر ة.لنا ويتبين لنا أن علة وخطأ وقع في الرواي

النوع الثالث عشر: وهو الحديث الشاذ والذي بعده الحديث المنكر وهذان النوعان يتعلقان بموجبات العلة، أي األسباب التي تدفع الناقد وتدفع اإلمام الحافظ إلى الحكم على الحديث بكونه

يف الشاذ اختلفت أقوالهم في تعر -رحمهم هللا تعالى-خطأ أو بكونه معلوال غير مقبول، والعلماء كما اختلفت أقوالهم أيضا في تعريف الحديث المنكر، وسيتبين لنا من خالل قراءتنا لكالم ابن

علينا به من شرح وبيان -تبارك وتعالى-كثير المتعلق بهذا الباب وذاك، وكذلك ما يفتح هللا ا اثنان يعبر بهما لمراد أهل العلم من أقوالهم هذه فيتبين لنا العالقة بين هذين النوعين, وهل هم

عن شيء واحد, أم كل نوع منهما يعتبر نوعا على حدة ال تعلق وال ارتباط بينه وبين النوع اآلخر.

يقرأ علينا المذيع ما يتعلق أوال بالنوع الثالث عشر الحديث الشاذ:ثقة النوع الثالث عشر الشاذ، قال الشافعي: وهو أن يروي ال: )-رحمه هللا تعالى-قال المصنف

حديثا يخالف ما روى الناس، وليس من ذلك أن يروي مالم يرو غيره، وقد حكاه الحافظ أبو يعلى الخليلي القزويني عن جماعة من الحجازيين أيضا قال: والذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ

ويرد ما ما ليس له إال إسناد واحد، يشذ به ثقة أو غير ثقة فيتوقف فيما شذ به الثقة وال يحتج بهشذ به غير الثقة، وقال الحاكم النيسابوري: هو الذي ينفرد به الثقة وليس له متابع. قال ابن

( فإنه تفرد به عمر, وعنه علقمة, وعنه األعمال بالنيات الصالح: ويشكل على هذا حديث )عيد محمد بن إبراهيم التيمي، وعنه يحيى بن سعيد األنصاري، قلت: ثم تواتر عن يحيى بن س

هذا، فيقال: إنه رواه عنه نحو من مائتين, وقيل: أزيد من ذلك، وقد ذكر له ابن منده متابعات وكذلك حديث عبد » غرائب وال تصح، كما بسطناه في مسند عمر, وفي األحكام الكبير، قال:

ه وآله صلى هللا علي-أن رسول هللا ) -رضي هللا تعالى عنهما-هللا بن دينار عن عبد هللا بن عمر صلى -أن رسول هللا ( وتفرد مالك عن الزهري عن أنس )نهى عن بيع الوالء وعن هبته -وسلم

( وكل من هذه األحاديث الثالثة في دخل مكة وعلى رأسه المغفر -هللا عليه وآله وسلموقد قال مسلم للزهري تسعون حرفا ال يرويها « الصحيحين من هذه الوجوه المذكورة فقط

الذي قاله مسلم عن الزهري، من تفرده بأشياء ال يرويها غيره، يشاركه في نظيرها غيره، وهذا

Page 219: علوم الحديث   المستوى الثاني

جماعة من الرواة، فإذن الذي قاله الشافعي أوال هو الصواب أنه إذا روى الثقة شيئا خالفه فيه الناس فهو الشاذ, يعني المردود, وليس من ذلك أن يروي الثقة ما لم يرو غيره، بل هو مقبول

ن عدال ضابطا حافظا , فإن هذا لو رد لردت أحاديث كثيرة من هذا النمط, وتعطلت كثير إذا كا من المسائل عن الدالئل. وهللا أعلم،.

وأما إن كان المنفرد به غير حافظ، وهو مع ذلك عدل ضابط فحديثه حسن، فإن فقد ذلك (فمردود. وهللا أعلم.

ددة عن أهل العلم في تعريفه، هناك عبارة واردة الحديث الشاذ، هذا الحديث وردت عبارات متع، وأخرى عن اإلمام أبي يعلى الخليلي في مقدمته لكتابه " -رحمه هللا تعالى-عن اإلمام الشافعي

اإلرشاد إلى معرفة علماء البالد" وكذلك تعريف ثالث لإلمام أبي عبد هللا الحاكم النيسابوري وم الحديث "، وهذه التعريفات الثالثة هي أشهر ما ورد أودعه نوع الشاذ من كتابه " معرفة عل

من تعريفات ألهل العلم في هذا النوع من أنواع علوم الحديث.للحديث -رحمه هللا تبارك وتعالى-يتبين من خالل هذه التعريفات أن تعريف اإلمام الشافعي

الشاذ يجمع وصفين:وي الذي حكم على حديثه بأنه شاذ إنما هو الوصف األول: أن هذا الحديث الذي يرويه ذلك الرا

راو ثقة وليس راويا ضعيفا ثم هو لم يتفرد فحسب إنما تفرد مع مخالفته لغيره، ألن المخالفة هي تفرد وزيادة، هناك من تفرد بالحديث ولم يرو غيره الحديث ال موافقا له وال مخالفا له، لكن

د به مخالفا لما قد رواه غيره من الثقات المعروفين, هناك من تفرد بحديث فجاء حديثه الذي تفرظاهر عبارة كالمه، أنه يشترط في الشاذ هذين -عليه رحمة هللا تعالى-فاإلمام الشافعي

أعنى هذا -الوصفين معا أن يكون الراوي ثقة من جهة وأن يكون مخالفا لغيره، فإن هو تفرد ن حديثه حينئذ شاذا بينما يحكم على حديثه بالشذوذ إذا إن هو تفرد فقط ولم يخالف، لم يك -الثقة

رحمه هللا تبارك -جمع مع تفرده المخالفة للناس، يعني جماعة الثقات، فقال اإلمام الشافعي وليس من ذلك أن يروي ما لم يروه « أن يروي الثقة حديثا يخالف ما روى الناس: »-وتعالى

لشافعي وحكاها عنه بعض أصحابه، وأسندها اإلمام غيره، وهذه العبارة وردت عن اإلمام االحاكم النيسابوري، في معرفة علوم الحديث وغير الحاكم أيضا ذكرها ورواها في بعض

ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة »قال -عليه رحمة هللا-المصنفات، أن اإلمام الشافعي ، فترى «الثقة حديثا يخالف فيه الناس حديثا ال يرويه غيره إنما الشاذ من الحديث أن يروي

العبارة كما تراها جامعة لهذين الوصفين فهو يتكلم عن الثقات ال يتكلم عن غير الثقات، ثم هو يتكلم عن الثقة المخالف، وليس عن الثقة المتفرد، فالثقة حيث يتفرد يكون حديثه مقبوال غير

يحكم على حديث الثقة بالشذوذ حيث يتفرد مع مردود، وال يحكم عليه حينئذ بكونه شاذا إنما مخالفته لما رواه الثقات الحفاظ.يظهر منها أنه لم يتقيد بما تقيد به -رحمه هللا تبارك وتعالى-عبارة اإلمام أبي يعلى الخليلي

من حيث وصف الراوي ومن حيث المخالفة، فهو -رحمه هللا تبارك وتعالى-اإلمام الشافعي لى ما يرويه الثقة وغير الثقة، وسواء تفرد أو خالف فحينئذ كل ذلك يسميه اإلمام يطلق الشاذ ع

-رحمه هللا تبارك وتعالى-أبو يعلى الخليلي بأنه شاذ بل حكى ذلك عن أكثر حفاظ الحديث فقال بعد أن حكى كالم الشافعي ونسبه إلى جماعة من علماء الحجاز وهذا كما قلت في مقدمة كتابه

والذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إال إسناد واحد يشذ به شيخ ثقة »ال: اإلرشاد قكان أم غير ثقة، فما كان عن غير ثقة فمتروك ال يقبل وما كان عن ثقة فيتوقف فيه وال يحتج به

فإذن عبارة اإلمام أبي يعلى الخليلي يفهم منها أن الشاذ ال يختص بالثقات، كما قد دلت عبارة «وإنما الشاذ عنده يقع في أحاديث الثقات وفي أحاديث -رحمه هللا تبارك وتعالى-إلمام الشافعي ا

غير الثقات، فقال ما يشذ به شيخ ثقة كان أو غير ثقة ثم ذكر في آخر كالمه فما كان عن غير رد به ثقة فمتروك ال يقبل وما كان عن ثقة فيتوقف فيه، وال يحتج به، نعم اختلف الحكم فيما تف

الثقة وما تفرد به غير الثقة عند اإلمام أبي يعلى الخليلي، ولكنه سمى الجميع شاذا وتالحظون في عبارته أنه لم يشترط المخالفة، بل مجرد تفرد الثقة أو غير الثقة يسمى في عرفه شاذا ، إال

Page 220: علوم الحديث   المستوى الثاني

إلى رده وال نبادر أن تفرد من كان من الثقات يتوقف فيه وال يحتج به، يعني يتوقف فيه ال نبادر إلى الحكم بضعفه وإنما نتوقف لحين ما يتبين األمر، لعلنا نجد له ما يقويه أو يأخذ بيده، فحينئذ نرفعه وننجيه من الخطأ أو الخطر الذي وقع فيه أو أوهمت تلك الرواية وقوعه فيه، فحيئذ نأخذ

بيده ونرقيه إلى مصاف الحجة وإال يبقى على شذوذه ورده.يتفرد به غير الثقات فهذا متروك أبدا ال يعرج عليه وال يلتفت إليه، فالذي نالحظه من أما ما

عبارة اإلمام أبي يعلى الخليلي أنه أوال : ال يشترط ثقة الراوي كما دل على ذلك عبارة اإلمام جرد وهو أيضا ال يشترط المخالفة بل مجرد تفرد الثقة أو م -رحمه هللا تبارك وتعالى-الشافعي

تفرد غير الثقة كل ذلك يسمى عنده شاذا بصرف النظر عن الحكم الذي يستحقه تفرد هذا أو تفرد ذاك.

للحديث الشاذ، فهو أوال : فرق بين -رحمه هللا تعالى-ثم يأتي تفرد اإلمام الحاكم النيسابوري عه، ترجم الشاذ والمعلول، فبعد أن ترجم للحديث المعلول وتكلم عن أجناسه وصوره وأنوا

ترجمة أخرى للحديث الشاذ, ثم قال والشاذ غير المعلول، فإن المعلول حديث قد عرف فيه وجه الخطأ، بإرسال ما قد وصله أو رفع ما قد أوقفه يعني من خالل اختالف الرواة يتبين لنا خطأ المخطيء وإصابة المصيب، فإذا استدللنا على خطأ المخطيء وإصابة المصيب باالختالف

لواقع بين الرواة هذا يوصل الحديث بينما الناس يرسلونه هذا يرفع الحديث بينما الناس ايوقفونه، فباالختالف بين الرواة في إسناد الحديث أو في متنه يتبين لنا خطأ من قد أخطأ في

روايته فحينئذ نسمي روايته معلولة.، أما الشاذ فهو غير المعلول في إذن العلة عند اإلمام الحاكم النيسابوري مرتبطة باالختالف

منهجه وفي عرفه، فالشاذ عنده يذكر اإلمام الحاكم النيسابوري بأنه حديث فرد يتفرد به ثقة وليس أصل متابع، يعني أن يأتي ثقة ليتفرد بحديث وهذا الحديث يتضمن حكما ، أو يتضمن

أصال في غيره، أصال نرجع معنى، وهذا المعنى ال يوجد في غير ذلك الحديث، يعني ال نجد له إليه فنعرف بمقتضى ذلك األصل أن ذلك الحديث الذي رواه ذلك الثقة معروف محفوظ، وندفع

عنه ذلك الشذوذ الذي وقع فيه.أما إذا كان الحديث الذي يرويه ذلك الثقة ليس له أصل نرجع إليه أو متابع يدل عليه ويقويه

تدل على -رحمه هللا تعالى-ا فعبارة الحاكم النيسابوري ويأخذ بيده، فحينئذ يكون الحديث شاذدخول الشاذ في أحاديث الثقات وهو لم يتعرض إلى أحاديث غير الثقات، لكنه يدل كما دل عليه كالم أبي يعلى الخليلي بأن الشذوذ يقع مع التفرد، ولو اشترط لالستدالل عليه أن يقع اختالف

ا جاء بحديث أو بمعنى أو بأصل ليس له أصل ومتابع يدل عليه بين الرواة فهو ذكر أن الثقة إذ فحينئذ يكون ذلك الحديث شاذا في عرف اإلمام الحاكم النيسابوري.

إذن الشافعي يشترط في كالمه الوارد عنه أن يكون الراوي ثقة ثم يخالف أبو يعلى الخليلي ال الثقات أو من غير الثقات هو عنده شاذ يشترط ال الثقة وال المخالفة فكل ما وقع فردا من قبل

والحاكم النيسابوري إنما تعرض لحديث الثقة حيث يتفرد وذكر أنه يكون شاذا حيث ال يوجد له أصل متابع أي أنه وقع فردا أيضا فهو موافق ألبي يعلى في هذه الجزئية.

عبد الرحمن استدرك على كما قد قرأ علينا أخونا -رحمه هللا تبارك وتعالى-اإلمام ابن الصالح تعريف أبي يعلى الخليلي وتعريف الحاكم النيسابوري، باألحاديث التي تفرد بها بعض الثقات

دخل (، وحديث )األعمال بالنيات وقد صححها العلماء، فاستدرك عليه أو أورد عليه حديث )ه األحاديث التي قد (، ونحو هذمكة وعلى رأسه المغفر -صلى هللا عليه وآله وسلم-رسول هللا

تفرد بها بعض الثقات، وهي في الصحيحين وقد تلقاها الناس بالقبول وصححها العلماء، يريد بذلك اإليراد على الحاكم النيسابوري وعلى أبي يعلى الخليلي في جعلهما تفرد الثقة شاذا وأنه ال

لحديث شاذا ما هو مجرد التفرد يكون تفرد الثقة شاذا إلى مع المخالفة، فحينئذ يكون التفرد أو ا وإنما لما انضم إليه من مخالفة الراوي لما قد رواه الناس أو ال قد رواه الحفاظ وهكذا.

رحمه هللا تبارك -فحينئذ يكون الحديث شاذا وعلى ضوء ذلك اختار الحافظ ابن الصالح ح دال على اشتراط تعريف اإلمام الشافعي ألن تعريف اإلمام الشافعي كما هو واض -وتعالى

Page 221: علوم الحديث   المستوى الثاني

األمرين، وهو أن يكون الراوي ثقة من جهة ومن جهة أخرى خالف غيره ولم يتفرد فحسب.ولكننا بإمكاننا أن نجمع بين هذه األقوال وال نضرب بعضها ببعض، فنحمل كالم اإلمام الشافعي

بالحفظ، ألن على الثقة الحافظ وليس على الثقة الذي لم يوصف -عليه رحمة هللا تبارك وتعالى-الثقات مراتب ودرجات فهذا ثقة وهذا ثقة ولكن ليس كل من وصف بكونه ثقة هم جميعا في مرتبة واحدة، بل هناك الثقة واألوثق وهناك الحافظ واألحفظ وهناك الثبت واألثبت، وهناك

المتقن واألتقن وهكذا فهي مراتب بعضها فوق بعض.أنه قصد بالثقة في كالمه -عليه رحمة هللا تبارك وتعالى-ي فنستطيع أن نحمل كالم اإلمام الشافع

الثقة الذي هو من الحفاظ الذين هم في أعلى درجات الثقات بينما أبو يعلى الخليلي وأيضا الحاكم النيسابوري إنما تكلموا عن الثقات عموما فيدخل في كالمهم من كان من أدنى مراتب الثقات.

في كالمه، حيث -رحمه هللا تعالى-ذكره اإلمام أبو يعلى الخليلي ولعل مما يرشد إلى ذلك ماما يتفرد به شيخ ثقة كان أم »وصف ذلك الثقة الذي يتفرد بذلك الحديث، بأنه شيخ ثقة، فقال:

يعبر بها -عليهم رحمة هللا تبارك وتعالى-فكلمة شيخ في عرف العلماء علماء الحديث « غير ثقةالحفاظ، تجد في كتب الجرح والتعديل ال سيما في عبارة أبي حاتم عن الراوي الذي هو دون

يسأالن كثيرا عن بعض الرواة فيقوالن: -رحمهما هللا تبارك وتعالى-الرازي وأبي زرعة فهذه العبارة في عرف علماء الحديث يفهم منها أن هذا الراوي الذي وصف بكونه « فالن شيخ»

يكونون من الحفاظ فهم ال يوصفون بكونهم شيوخا وإنما شيخا ليس من الحفاظ، بخالف الذين يقال في حقهم حفاظ.

فالحفاظ هم أعلى مراتب الثقات، والحافظ أصال في عرف علماء الحديث هو الراوي الذي أكثر من سماع الحديث وإسماعه، من تحمل الحديث وروايته، أي أنه سمع من أهل بلده سمع وجمع

بلده ثم رحل البلدان واألمصار وسمع من القريب والبعيد فال تكاد تجد الحديث الذي يرويه أهلحديثا إال وهو عنده كمثل اإلمام سفيان الثوري ومثل شعبة بن الحجاج، ومثل مالك بن أنس

هؤالء هم الحفاظ الكبار فهم الذين يوصفون بالحفظ بخالف من -رحمهم هللا جميعا -والزهري ممن لم يسمع إال من أهل بلده مثال أو لم يسمع إال حديثا أو حديثين هو دون هؤالء في المرتبة

أو ثالثة، أو لم يسمع إال القليل من العلم، ولم يعرف بمجالسة العلماء، وال بالرحلة في طلب العلم، وال بالسماع من العلماء الذين خارج مصره وبلده، فهؤالء وإن كان منهم الثقات.

ن بأنهم حفاظ، وإنما نقول فيهم شيوخ، وهؤالء الشيوخ منهم الثقات فالثقات منهم ال يوصفوومنهم غير الثقات، بل والحفاظ أيضا منهم الثقات ومنهم غير الثقات، وإنما لفظ الحفظ يعبر به عن كونه من المكثرين سماعا وإسماعا ، من المكثرين سماعا للحديث وإسماعا له، ولفظ الشيخ

يفد إلى هذه المرتبة، بل هو لم يتحمل من الحديث أن من العلم إال القليل ولم يعبر به عن كونه لميشتغل برواية العلم اشتغال غيره من الحفاظ، لكن قد يكون الرجل حافظا ، يعني مكثرا من سماع

الحديث وإسماعه ولكنه يخطيء، وقد يكون ضعيفا في روايته للحديث لم يتقن حفظ ذلك وي بأنه حافظ هو عبارة عن قضية إكثاره بصرف النظر عن كونه ثقة أم الحديث، فوصف الرا

غير ثقة.ووصف الراوي بكونه شيخا هو عبارة عن كونه مقال سواء كان ثقة أو غير ثقة فحينما يأتي

العلماء أو أبو يعلى الخليلي في كالمه هذا ويقول إن الشاذ ما يتفرد به أو يشذ به شيخ، فوصفه يخ أي أنه ليس من الحفاظ، ثم يقول ثقة كان أم غير ثقة أدركنا أنه يتكلم عن الثقات أوال بأنه ش

الذين ليسوا بحفاظ أو عن الضعفاء الذين ليسوا بحفاظ، فهؤالء هم الذين ينظر في حديثهم حيث يتفردون وال يقبل حديثهم لكون التفرد في واقع األمر إنما يقبل من المكثر الذي بإمكانه أن يطلع

على ما لم يطلع عليه غيره وأن يحصل من العلم ما لم يحصله غيره، أما الذي هو مقل من سماع الحديث وإسماعه، ولم يسمع من الحديث إال القليل فأنى لمثل ذلك أن يأتي بما ال يعرفه

الناس وأنى لمثل ذلك أن يأتي بما ال يعرفه الحفاظ الكبار الذين أفنوا أعمارهم في سماع الحديث وروايته.

فمن أجل هذا نفهم أن كالم أبي يعلى الخليلي لم يقصد كبار الحفاظ، وال الثقات الذين هم في

Page 222: علوم الحديث   المستوى الثاني

أعلى درجات الثقات، وإنما يقصد بالثقات في كالمه ذلك الثقات الذين لم يوصفوا بالحفظ ولم الحاكم يعرفوا بكثرة سماع الحديث وإسماعه وعلى هذا المعنى نستطيع أن نحمل كالم اإلمام

النيسابوري فإنه لم يقصد من الثقات مجرد الثقة أي كل الثقات وإنما قصد بالثقات ما قصدهم أبو وهم من كانوا دون الحفاظ، واألمثلة التي ذكرها الحاكم -رحمه هللا تبارك وتعالى-يعلى الخليلي

إنه لم يذكر حديثا النيسابوري على الشاذ في كتابه معرفة علوم الحديث ترشد إلى هذا المعنى، ف يرويه ثقة من كبار الثقات وال من كبار الحفاظ، هذا من ناحية.

من ناحية أخرى أبو يعلى الخليلي نفسه لن نتكلم عن الشيخ قال ما سمعتم وعرفتم معناه وهو كان أيضا في تلك المقدمة التي هي مقدمة كتاب اإلرشاد كان قد تناول ما يتفرد به الحفاظ،

رحمه هللا -المه أن ما يتفرد به الحفاظ غير ما يتفرد به غير الحفاظ فذكر في كالمه وظهر من كقال وما يتفرد به حافظ عن إمام أو عن حافظ فهو صحيح متفق عليه، ما يتفرد -تبارك وتعالى

به حافظ ثقة حافظ عن إمام أو الحفاظ فهو صحيح متفق عليه، فانظر لما تكلم عن تفرد الحفاظ صحيح متفق عليه بينما لما تكلم عما يتفرد به الشيوخ ثقات كانوا أم غير ثقات بين أن بين أنه

حديثهم يكون شاذا دل كالمه في الموضعين على أنه لما تكلم عن الثقات في الشاذ لم يتكلم عن ن الثقات الذين هم حفاظ، إنما تكلم عن الثقات الذين لم يبلغوا إلى مرتبة هؤالء الحفاظ، فإن نح

فهمنا كالم هؤالء العلماء جميعا على هذا النحو نستطيع أن نجمع بين أقوالهم وال نضرب بعض متعلقا بما يرويه كبار الحفاظ -رحمه هللا تعالى-كالمهم ببعض فيكون كالم اإلمام الشافعي

وليس بما يرويه من دونهم ممن لم يوصفوا بالحفظ ويكون كالم أبي يعلى الخليلي والحاكم لنيسابوري متعلقا بالثقات الذين هم شيوخ وليسوا بالثقات الذين هم من الحفاظ الذين سمعوا ا

الكثير بحيث يتمكنون أو يحتمل من أمثالهم أن يأتوا بما ال يعرفه غيرهم أو أن يتفردوا بأحاديث ال توجد عند غيرهم.

ذ منه قاعدة مضطردة في كل ال نستطيع أن نأخ -رحمه هللا تبارك وتعالى-على أن كالم الشافعي موضع من المواضع، وال أن نأخذ من كالمه في الشاذ هاهنا حيث وصف الحديث الشاذ بأن راويه ثقة وأنه خالف ال نستطيع أن نقول إن ذلك يكون قاعدة مضطردة بحيث ال يطلق الشاذ

عندما نتكلم عن -الىإن شاء هللا تع-عند اإلمام الشافعي إال على ما رواه الثقة، بل سيتبين لنا أوسع مما قد توهمه تلك العبارة بحيث -عليه رحمة هللا تعالى-الحديث المنكر أن كالم الشافعي

نستطيع إن نقول إن الشافعي يطلق أيضا الشاذ ال على ما رواه الثقة فقط بل أيضا على ما رواه إن شاء هللا -لحديث المنكر الراوي الضعيف فنرجيء الكالم حول هذه النقطة عندما نتكلم عن ا

.-تعالىثم ذكر اإلمام ابن الصالح في نهاية كالمه أن ما يتفرد به الحفاظ الثقات فهو صحيح وإن كان المنفرد غير حافظ يعني ثقة ولكنه ليس من الحفاظ فهو حديث يكون في منزلة الحديث الحسن،

نا في اللقاء السابق أن هذا هو القاعدة أما ما تفرد به غير الثقات فهو من قسم المردود ونحن أشرالعامة، ولكن عندما نتكلم عن قضية التفرد، تفرد راو عن شيخ ما نحن ال ننظر في حال الراوي

فحسب، إنما ننظر في حال الراوي من جهة وفي عالقته بشيخه الذي تفرد بالحديث عنه من مدى أهليته لقبول ما تفرد به من جهة أخرى، بل ننظر في حال الراوي أيضا وأيضا ننظر في

مثله, فهناك من الرواة من قد يحتمل تفرده عن شيخ، وال يحتمل تفرده عن شيخ آخر، الراوي هو الراوي، ولكنه إن روى عن الشيخ الفالني فيحتمل منه تفرده، أما إن روى عن شيخ آخر فال

حديث الشيخ اآلخر كمثل مثال ، يحتمل منه تفرد لماذا؟ ألنه أتقن حديث ذلك الشيخ، ولم يتقن جعفر بن برقان وهذا راو من جملة الثقات.

جعفر بن برقان عندما يروي عن اإلمام محمد بن شهاب الزهري فحديثه منكر أبدا ، العلماء ال يقبلون حديثه عن محمد بن شهاب الزهري. أما إن روى عن غير الزهري من الشيوخ الذين

بن األصم وميمون بن مهران مثال فالعلماء يقبلون تفرداته عن حفظ حديثهم وأتقنهم كيزيد هؤالء، بينما إذا تفرد عن الزهري فالعلماء ال يقبلون تفرده، لماذا؟ ألنه لم يحسن إتقان حديث

الزهري ولم يحفظه كما ينبغي ولم يتخصص كتخصص غيره في حديث الزهري بينما هو أتقن

Page 223: علوم الحديث   المستوى الثاني

، فالعلماء ميزوا بين ما يرويه عن الزهري وما يرويه حديث غير الزهري، وحفظه كما ينبغيعن غير الزهري، فإن هو روى عن الزهري كان حديثه شاذا بل ومنكرا بينما إن روى عن

غير الزهري كان حديثه من هذه الحيثية مقبوال صحيحا ، ال يوصف ال بشذوذ وال بنكارة.حن نقول هذا الراوي نقبل تفرده هذا التفرد إذن قضية قبول تفرد الراوي ليست مرتبطة بحاله، ن

هو وصف للراوي أم للرواية وصف للرواية ال للراوي فنحن نقول هذا راو ثقة أو ضعيف، نقبل حديثه هذا وال نقبل حديثه هذا، ألنه تفرد بهذا الحديث ولم يتفرد بهذا الحديث فقبولنا هو

الراوي إلى الرواية فال ينبغي أن نتقيد بحال للراوي أم للرواية فنحن حينما ننتقل من بحثنا في الراوي، ألن الراوي بشر ككل البشر، يصيب كما يصيب الناس ويخطيء كما يخطيء الناس وال يدعي أحد مهما كان بالغا في الحفظ واإلتقان والحفظ والتثبت أنه معصوم عن الخطأ وأنه

من جبال الحفظ إماما من أئمة الحديث مأمول أن يقع الخطأ من قبله، بل مهما كان الراوي جبال إال والبد أن تجد له أخطاء وإن قلت والفرق بين الثقة وغير الثقة أن الثقة أخطاؤه قليلة، أما غير الثقة فأخطاؤه كثيرة، لكن ال تجد في الدنيا راويا مهما كان بالغا في الثقة والحفظ واإلتقان سلم

لست أعجب ممن » -رحمه هللا تبارك وتعالى-ى بن معين من الخطأ ولهذا يقول اإلمام يحيعليهم رحمة -فالخطأ من سمة اإلنسان فلهذا كان العلماء « يخطيء، إنما أعجب ممن ال يخطيء

لكي يستدلوا على خطأ الثقة, خطأ الضعيف أمر سهل بمعرفتنا بأنه من عادته -هللا تبارك وتعالىع أن نستدل على خطئه بتفرده أو بخالفه، لكن الحكم الخطأ ولهذا ضعفه العلماء، فنحن نستطي

عليهم -على خطأ الراوي الثقة أمر في غاية الصعوبة ولهذا لم يتكلم فيه إال كبار نقاد الحديث رحمة هللا تبارك وتعالى.

فنحن حينما نقول هذا الراوي ثقة ولكن حديثه ثقة فنحن ال نكتفي بحال الراوي نفسه وإال فحاله كونه أصاب ألنه ثقة، وإنما نستدل على خطئه بأمر آخر وهو عالقته بالرواية التي تشير إلى

رواها، عالقته بالشيخ الذي روى الحديث عنه، هل هو ممن يتقن حفظ حديث ذلك الشيخ أم ال؟ كما قلنا هناك من الرواة يتقن إذا روى عن بعض الشيوخ كحماد بن سلمة، إذا روى عن ثابت

أثبت الناس في ثابت البناني، أما إذا روى عن غير ثابت البناني فاألخطاء البناني فهو من أخطاء تقع في روايته ألنه أتقن حديث ثابت البناني ولم يتقن حفظ حديث غيره من مشايخه

وهكذا في كثير من رواة الحديث إذا روى عن شيخ فهو ثقة فيه، وإذا روى عن شيخ آخر فهو التفرد أو األمر مرتبط بحال الراوي ثم هو مرتبط بعالقة الراوي يخطيء إذا ما روى عنه فإذن

بشيخه ثم هو مرتبط بالحديث الذي رواه فليس كل من يحتمل منه حديث يحتمل منه سائر األحاديث فقد يحتمل من الراوي حديث ألن الحديث وجد فيه من المعاني ما يمكن لمثل هذا

يتضمن معنى آخر هذا المعنى ال يحتمل من مثل هذا الراوي أن يتفرد بمثلها ولكن حديث آخر الراوي أن يؤخذ منه أن يقبل منه قد يكون هذا المعنى يحتمل أن يؤخذ من راو آخر, ثقة آخر ولكن هذا الثقة بعينه ال يحتمل من مثله أن يتفرد بمثل هذا الحديث ولهذا كان األمر في هذا

اط بالراوي من جهة وبأهليته مدى أهليته للتفرد بما الدرب ليس مناطا بهذا الراوي وإنما هو منقد تفرد به فتارة يحتمل منه تفرده وتارة ال يحتمل منه تفرده بحسب المعاني التي تقترن بروايته

سواء في اإلسناد أو في المتن. الحديث المنكر:

ننتقل إلى النوع اآلخر وهو الحديث المنكر:نوع الرابع عشر المنكر، وهو كالشاذ إن خالف راويه الثقات ال) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف

فمنكر مردود وكذا إن لم يكن عدال ضابطا وإن لم يخالف فمنكر مردود، وأما إن كان الذي تفرد (به عدل ضابط حافظ قبل شرعا وال يقال له منكر وإن قيل له ذلك لغة.

عن -رحمه هللا تبارك وتعالى-ن الصالح هذا النوع من أنواع علوم الحديث أفرده اإلمام ابالحديث المنكر بينما دل كالمه في النوعين أنهما عنده سواء وإن كان أفرد هذا عن ذلك كل

بترجمة إال أنه جعل المنكر والشاذ من حيث المعنى سواء، ولهذا أحال في كالمه على المنكر رحمه هللا تبارك -مام ابن الصالح على ما قد سبق بيانه له في نوع الحديث الشاذ ثم إن اإل

Page 224: علوم الحديث   المستوى الثاني

-رحمه هللا تبارك وتعالى-في نوع المنكر مثل له بحديث أخطأ فيه اإلمام مالك بن أنس -وتعالىوهو إمام حافظ ثقة ال يختلف -رحمه هللا ورضي عنه-ومعلوم أن مالك هو مالك، مالك النجم،

خطؤه في اإلسناد روى حديثا عن عليه وال يختلف فيه ومع ذلك لما أخطأ في حديث ما وكان بعض الرواة فسماه بغير اسمه أو أخطأ في اسمه سماه باسم أخيه فالعلماء أنكروا ذلك عليه

وخطأوه فيه فعدى اإلمام ابن الصالح ذلك الحديث مثاال عن المنكر بينما الذي أخطأ في ذلك اإلمام مالك وهو ثقة.

ف غيره في تسمية هذا الراوي في اإلسناد فاستدل اإلمام إذن عندنا اإلمام مالك وهو ثقة وقد خالابن الصالح بذلك على أن روايته هذه من قبيل األحاديث المنكرة وهو قد سبق في الشاذ أنه

اختار أن الشاذ ما يرويه ثقة مخالفا وهنا ثقة خالف فجعله مثاال للمنكر فدل صنيعه في البابين .على أن الشاذ والمنكر عنده سواء

وهذا هو الذي عليه جمهور أهل العلم أن الشاذ والمنكر من حيث التسمية كالهما سواء، لكن رأى خالف ذلك، وتعقب اإلمام ابن -رحمه هللا تبارك وتعالى-الحافظ ابن حجر العسقالني

الصالح في ذلك وذهب إلى أن الشاذ هو ما قد سبق بيانه من أن يكون الراوي ثقة وقد خالف، لمنكر البد وأن يكون راويه ضعيفا ثم هو أيضا يخالف، فإذا روى الراوي الثقة حديثا بينما ا

مخالفا هو عند ابن حجر ال يسمى منكرا بينما يسمى شاذا ، ال يسمى عند ابن حجر منكرا إنما يسميه شاذا ، متى يسمي الحديث منكرا يعني الحافظ ابن حجر إذا كان راويه المخالف ثقة، هذا الراوي ثقة وقد خالف هذا الراوي الذي تفرد به وقد خالف البد أن يكون ضعيفا ، ضعيف خالف

يكون حديثه عند ابن حجر منكرا ، أما إذا كان الثقة مخالفا فحديثه عند ابن حجر شاذ أبدا وال يسميه أيضا منكرا .

د ابن حجر يختلف عن المنكر, فالشاذ عند ابن حجر شاذ أبدا وال يسميه أيضا منكرا ، فالشاذ عنكالهما يشترط فيه المخالفة فهذا خالف وذاك خالف ولكن المخالف الذي يحكم على حديثه

بالشذوذ رواي ثقة أما المخالف الذي يحكم على حديثه بالنكارة هو راو ضعيف, وهذا بطبيعة ر أهل العلم هو ما الحال يخالف ما عليه جمهور أهل العلم والذي عليه أكثر أهل العلم وجمهو

من أن الشاذ والمنكر سواء وهما -رحمه هللا تبارك وتعالى-ذكره اإلمام ابن الصالح مصطلحان، يعبر بهما عن معنى واحد سواء كان الذي روى الحديث ثقة أم ضعيف، وسواء

تفرد فقط أم خالف وإن كان ابن الصالح يشترط مع ذلك المخالفة، و لكن حتى عنصر المخالفة م يقع موقع اتفاق بين أهل العلم فوجدنا الشاذ عند علماء الحديث يطلق ال مع المخالفة ووجدنا ل

المنكر عند علماء الحديث يطلق من الثقات غير المخالفين أو من الثقات المخالفين، ومن الضعفاء المتفردين غير المخالفين فكل ذلك وجد في صنيع أهل العلم، فمثال من أمثلة ذلك نذكربعض األمثلة الواردة عن أهل العلم التي عبروا فيها أو استعملوا فيها المنكر مع أن الراوي ثقة

سواء تفرد أو خالف من ذلك حديث يرويه همام بن يحيى، وهمام بن يحيى من الثقات صلى هللا عليه وآله -كان النبي المعروفين، رواه عن ابن جريج عن الزهري عن أنس قال: )

( هذا الحديث أنكره جماعة من أهل العلم على همام بن يحيى دخل الخالء وضع خاتمهإذا -وسلموخطأوه فيه من هؤالء األئمة هو اإلمام أبو داود السجستاني في كتابه السنن، فقال هذا حديث

منكر، فأوال وصفه بأنه منكر مع أن الراوي ثقة ثم ذكر وجه النكارة فيه ثم قال: والوهم فيه من ولم يروه إال هما فهذا متفرد، وهو ثقة وقد وصف أبو داود حديثه بأنه منكر.همام

ثم أنه عبر عن النكارة بأنه وهم أي خطأ فهو لم يقصد النكارة أي مطلق التفرد، كما قد يتوهمه البعض بأنه يحكم تفردا مجردا بل ذكر أنه أخطأ في ذلك الحديث.

ه بالتفرد ال باالختالف، ومع ذلك وصفه اإلمام بأنه فهذا ثقة أخطأ في حديث واستدل على خطئ، من ذلك حديث أيضا -رحمه هللا تعالى-منكر ولم يتقيد بما تقيد به الحافظ ابن حجر العسقالني

أبو األحوط سالم بن سليم، وهذا من الثقات -رحمه هللا تبارك وتعالى-ذكره اإلمام النسائي القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بردة بن نيار األثبات، يرويه عن سماك بن حرب عن

( هذا حديث يرويه ثقة أم ال؟ ماذا قال اإلمام اشربوا في الظروف وال تسكروا مرفوعا )

Page 225: علوم الحديث   المستوى الثاني

فوصفه بالنكارة مع أن « هذا حديث منكر » النسائي بعد أن خرجه في كتابه السنن قال: ، إذن هو يطلق المنكر هنا على الغلط أم المخطيء فيه ثقة وليس ضعيفا غلط فيه أبو األحوص

على مطلق التفرد على الغلط، أخطأ فيه أبو األحوص سالم بن سليم ال نعلم أن أحدا تابعه عليه من أصحاب سماك بن حرب، وسماك ليس بالقوي وكان يقبل التلقين، ثم أخذ يبين ذلك قال: قال

لخطأ ممن من أبي األحوص وهو الثقة إذن ا« كان أبو األحوص يخطيء في هذا الحديث»أحمد الثبت، ثم قال خالفه شريك في إسناده ولفظه، شريك من الضعفاء، فقدم رواية الضعيف هنا على

رواية الثقة الثبت بعد أن ترجح لديه إصابة هذا الضعيف فيما خالف فيه الثقة وبطبيعية الحال سماك بن حرب. هو لم يخالفه شريك فحسب بل خالفه أيضا غيره من أصحاب

إذن الشاهد من هذا الكالم هو أن اإلمام النسائي صرح بأن الخطأ من أبي األحوص وهو ثقة من الثقات ثم وصف ذلك الخطأ بأنه منكر فدل على أن ما يخطيء فيه الثقة يصلح أن يعبر عنه بأنه

منكر.لرحمن بن أبي الموال، أيضا ذكر بعض أصحاب اإلمام أحمد لإلمام أحمد حديثا يتفرد به عبد ا

فقال اإلمام أحمد عبد الرحمن بن أبي الموال ليس به بأس، إذن هو من جملة الثقات، ثم قال ليس يرويه غيره، -صلى هللا عليه وآله وسلم-يروي حديثا عن ابن المنكدر عن جابر عن النبي

ديث منكر.إذن هو تفرد أم ال؟ تفرد إذن هو ثقة وقد تفرد ليس يرويه غيره، وهو حإذن عندنا اإلمام أحمد وثق الراوي ثم ذكر أال يتفرد بحديث ثم ذكر أن هذا الحديث منكر، قد يقول قائل لعله إنما قصد بالنكارة هنا حكاية مطلق التفرد وليس األمر كذلك بما سيتبين لنا من

ويه غيره ال بأس به نعم ليس ير»خالل بقية كالم اإلمام أحمد، فقيل له : يا إمام هو منكر، قال: يعني الراوي ليس به بأس، قال وأهل المدينة إذا كان حديث غلط يقولون محمد بن المنكدر «

عن جابر، وأهل البصرة يقولون ثابت عن أنس يحيلون عليهما يعني يسلكون الجادة التي أشرنا إليها في اللقاء الماضي.

غلط وأنه منكر مع أن الذي تفرد به إذن هو صرح أن الحديث غلط أم ال؟ صرح بأن الحديثأحد الثقات، وسأل بعض أصحاب اإلمام أحمد اإلمام أحمد عن حديث يرويه الوليد بن مسلم عن األوزاعي، األوزاعي ثقة من الثقات إمام معروف، يرويه عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة

قال هذا من خطأ « نكر هذا حديث م»فقال اإلمام أحمد -رضي هللا عنه-عن أبي هريرة األوزاعي، يعني هو يخطيء هنا من ؟ األوزاعي وهو من الثقات المعروفين، ولكنه ترجح لديه

« واألوزاعي كثيرا ما يخطيء إذا ما روى عن يحيى بن أبي كثير » أنه أخطأ ثم قال: وصف ذلك فاألوزاعي ثقة وقد تفرد بالحديث عن ابن أبي كثير وقد خطأه فيه اإلمام أحمد ثم

الخطأ بأنه منكر فدل على أن المنكر يقع في كالم أهل العلم على ما أخطأ فيه الثقة وال يتقيد ذلك رحمه هللا تبارك وتعالى.-بما يرويه الضعفاء كما قد ذهب إلى ذلك الحافظ ابن حجر

أن الحافظ ابن حجر أيضا اشترط مع ذلك أمرا آخر حيث فرق بين الشاذ والمنكر, لكن قبلفي معالجتهم لألحاديث -عليهم رحمة هللا تعالى-نتناول هذه النقطة، إذا تأملنا صنيع األئمة

والروايات يتبين لنا أن ما اشترطه الحافظ ابن حجر من ضعف الراوي لكي يوصف حديثه بأنه -لىعليهم رحمة هللا تعا-منكر اشتراط يخالفه واقع المحدثين، لماذا؟ معلوم أن علماء الحديث

عندما يتكلمون في الرواة بالجرح والتعديل إنما يرجعون إلى رواية الراوي وعرضها على رواية الثقات بقدر موافقته للثقات بقدر موافقته للثقات بقدر ما يعرفون أنه ثقة، وبقدر ما يخالف

، الثقات أو يتفرد عنهم بما ال يعرف من حديثهم بقدر ما يحكمون على أنه ضعيف سيء الحفظونجد في كالمهم في جرح الرواة ما يدل على هذا المعنى، حيث نجد في كالمهم مثال فالن منكر الحديث، يخطيء كثيرا ، أحاديثه مناكير، يروي المناكير، وهذه العبارات من عبارات الجرح في

عرفهم فهم يعبرون عن أن هذا الراوي يخطيء أو أنه ال يحتمل للمتفرد أو أنه سيء الحفظ -عيف الحفظ، بأن األحاديث المناكير في أحاديثه وقعت كثيرة، من ذلك مثال أن اإلمام مسلم ض

وعالمة المنكر في حديث المحدث إذا ما عرضت روايته »قال: -رحمه هللا تبارك وتعالى «.للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضى خالفت روايته روايتهم أو لم تكد توافقها

Page 226: علوم الحديث   المستوى الثاني

تدل على نكارة الحديث بأن هذا الراوي الذي رواه خالف غيره أو تفرد خالفت إذن نحن نسروايته روايتهم، أو لم تكد توافقها، واإلمام شعبة بن الحجاج لما سئل من الذي يترك حديثه؟

يعني إذا روى عن الحفاظ « إذا روى عن المعروفين ما ال يعرفه المعروفون ترك حديثه »قال: ري مثال ما ال يعرفه أصحاب هذا اإلمام المعروفون فحينئذ يكون ذلك دليال الكبار كمثل الزه

على ضعفه فإذا أكثر من ذلك يكون متروك الحديث، وهذا معنى أيضا قول مسلم فإذا كان األغلب من حديثه كذلك، كان مهجور الحديث غير مقبوله وال مستعمله.

سئل مرة عن بعض الرواة عن أسامة -رك وتعالى عليه رحمة هللا تبا-انظر مثال ، اإلمام أحمد بن زيد الليثي فضعفه اإلمام فقال له ابنه عبد هللا يا إمام إنه حسن الحديث يعني أحاديثه حسنة قد يكون أراد بأن أحاديثه غرائب هللا أعلم، أو يكون أنه في اجتهاد عبد هللا بن اإلمام أحمد أنه لم

إذا تدبرت » أحاديث ذلك الراوي، فقال اإلمام أحمد البنه: ير من النكارة ما رأى أبوه فيواإلمام ابن معين سئل مرة عن محمد بن كثير الكوفي، سأله ابن « أحاديثه فستعرف النكرة فيها

جنيد صاحبه فقال ليس به بأس، فقال له ابن جنيد إنه جاءنا بأحاديث مناكير، قال ما هي فذكر له إن كان الشيخ حدث بهذا فهو كذا وإال فإني قد »، فقال ابن معين: حديثين منكرين من أحاديثهيعني أنه بنى الحكم على الراوي, حكم على الراوي بمقتضى « رأيت حديث الشيخ مستقيما

رواياته فلما وجد روايات هذا الراوي منكرة فيها من األخطاء ما فيها فيها من دالئل الخطأ ما وي نفسه ضعيفا ، أو كذابا .فيها استدل على ذلك بأن الرا

يحكمون على الراوي بأنه ضعيف بعد أن تظهر -عليهم رحمة هللا تعالى-إذن علماء الحديث النكارة في رواياته، إذن حكم األئمة على الروايات بأنها منكرة سابق لحكمهم على الراوي بأنه

ا الراوي إال لما رأو ضعيف، فهم ما ضعفوه إال بعد أن رأو أحاديثه مناكير، هم ما ضعفوأحاديثه مناكير, فقالوا مثال فالن منكر الحديث يستدلون بذلك على أنه ضعيف، لو أنهم يرو

أحاديثه منكرة هل كانوا سيضعفونه؟ ال فكيف أنا أجيء فأقلب المسألة وأقول يشترط للحكم على ة بأنها منكرة قبل أن الحديث بأنه منكر أن يكون الراوي ضعيف، وهم أصال حكموا على الرواي

يعرفوا ضعف الراوي، فالرواية المنكرة هي الرواية التي ترجح لدى أهل العلم بأنها خطأ في إسنادها أو في متنها سواء استدلوا على ذلك الخطأ بالتفرد أو باالختالف وسواء كان الراوي

سابق على الراوي بأنه ضعيفا أو ثقة ، ألن الحكم على الرواية بأنها منكرة عند علماء الحديثضعيف، فإذا وجدوا أحاديث الراوي مخالفة لما يرويه الناس أو تفرد بما ال يحتمل أن يتفرد به أمثاله قالوا هذا حديث منكر فإذا وجدوه يكثر من ذلك قالوا هذا راو منكر الحديث، فيكون حينئذ

ى الحديث بالنكارة سابق للحكم ضعيفا فهم ضعفوه بعد أن عرفوا أنه منكر الحديث، فالحكم علعليه هو بكونه ضعيفا فكيف أنا أقول ال يحكم على الحديث بأنه منكر إال إذا كان الراوي

ضعيفا ، هذا أمر في غاية األهمية.أيضا نجد أن من العلماء من يطلق الشاذ على ما أخطأ فيه الضعيف، بطبيعة الحال كالم أبي

خفاء به ونحن قلنا معنى كالم شرحناه في أول هذا الدرس. يعلى الخليلي في ذلك واضح الفإن اإلمام الترمذي لما تكلم عن الحديث -رحمه هللا تبارك وتعالى-أيضا كالم اإلمام الترمذي

الحسن وجدناه استعمل في عبارته مصطلح الشاذ، ماذا قال اإلمام الترمذي في تعريف الحديث نا هذا حديث حسن فإنما أردنا به حسن إسناده عندنا، كل وما ذكرنا في كتاب»الحسن، قال:

حديث يروى ال يكون في إسناده من يتهم بالكذب وال يكون الحديث شاذا ويروى من غير وجه «.نحو ذلك فهو عندنا حديث حسن

اشترط لوصف الحديث بالحسن ثالثة أوصاف أو ثالثة شروط: -عليه رحمة هللا-إذن هو اإلمام ول: أن يكون الراوي سالما من التهمة بالكذب، قد يكون ضعيفا ولكنه لم يبلغ في الشرط األ

ضعفه إلى حد أن يتهم بالكذب.الوصف اآلخر أن يكون الحديث سالما من الشذوذ أي ال يكون مخالفا لما صح وثبت من أوجه

أخرى. الشرط الثالث أن يروى من غير وجه نحوه.

Page 227: علوم الحديث   المستوى الثاني

ألول أو في شرح الشرط األول هو أن يكون الراوي ليس متهما نحن قلنا في تعريف الشرط ابالكذب قد يكون ضعيفا ، لكنه لم يبلغ في الضعف إلى حد أن يتهم بالكذب ثم اشترط بعد ذلك أن يكون الحديث نفسه سالما من الشذوذ، لو أن الشذوذ ال يقع إال في أحاديث الثقات، كما يذهب إلى

هل كان الترمذي في حاجة إلى أن -رحمه هللا تبارك وتعالى-قالني ذلك الحافظ ابن حجر العسيشترط في الحديث الحسن أن يكون سالما من الشذوذ؟ هو تكلم عن الحديث الذي يرويه راو ضعيف، نعم هو لم يبلغ في الضعف إلى حد أن يكون متهما بالكذب لكنه من جملة الضعفاء،

يرويه ذلك الراوي الضعيف سالما من الشذوذ نفهم من ومع ذلك اشترط أن يكون الحديث الذيهذا أن الشذوذ في عرف اإلمام الترمذي يقع في الحديث الذي يرويه الراوي الضعيف، ولو لم

يكن في عرفه يقع في حديث الراوي الضعيف لما احتاج إلى أن يحترز منه في الحديث الحسن، الكذب، وال يشترط بعد ذلك أن يكون الحديث سالما ألنه يكفيه أن ال يكون في إسناده من يتهم ب

من الشذوذ لماذا؟ ألن الشذوذ ال يقع في أحاديث الضعفاء ولكن لما اشترط مع ذلك أن يكون هذا الراوي الذي هو ليس متهما بالكذب وهو من جملة الضعفاء حديثه سالما من الشذوذ فهمنا

يقع في أحاديث غير -عليه رحمة هللا تبارك وتعالى-وعقلنا أن الشذوذ في عرف اإلمام الترمذي الثقات، وأحاديث الرواة الضعفاء، وهذا أمر واضح.

نحن مثال نقرب المسألة أكثر اشترطنا في الحديث الصحيح أن يكون من رواية الثقات، ثم قال حاديث الثقات.وال يكون الحديث شاذا وال معلال , نحن نفهم من هذا أن الشذوذ والعلة يقعان في أ

لو أن الشذوذ والعلة ال يقعان في أحاديث الثقات، لما كان الشتراط المحدثين في الحديث الصحيح أن يكون سالما من الشذوذ والعلة معنى، الكتفوا بأن يرويه الثقة، أو العدل الضابط،

أن يكون سالما من وال يكون شاذا وال معلال ، لكن لما اشترطوا هذا في الحديث الذي يرويه الثقةالشذوذ والعلة فهمنا وعقلنا أن الشذوذ والعلة يقعان في أحاديث الثقات، فكذلك نحن أيضا نقول

في كالم اإلمام الترمذي. -رحمه هللا تعالى-، اإلمام الشافعي -رحمه هللا تبارك وتعالى-نعود إلى عبارة اإلمام الشافعي

قة حديثا ال يرويه غيره، إنما الشاذ من الحديث أن يروي قال ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثأراد أن يضع قاعدة -رحمه هللا تعالى-الثقة حديثا يخالف فيه الناس، هل اإلمام الشافعي

مضطردة للحديث الشاذ بحيث أنه ال يوصف الحديث بأنه شاذ إال إذا رواه ثقة وقد خالف، عيف في عرف اإلمام الشافعي ال يسمى شاذا ؟ هل بمعنى آخر الحديث الذي يرويه الراوي الض

عبارته تدل على ذلك ؟.نحن ال نكاد نفهم هذا من كالم الشافعي، إنما الشافعي تكلم عن الحديث الشاذ، وأن الحديث الذي تفرد به راو ثقة بأن هذا ال نسميه شاذا حتى يخالف فيه الناس، فحينئذ يكون هذا الحديث شاذا

ه، أما غير الثقة هل تعرض اإلمام الشافعي له بكالم؟ هل ذكر أنه يدخل في الشاذ محكوما بخطئأو ال يدخل، ما ذكر وال تعرض لذلك في كالمه فقط هو تناول حديث الثقة حيث يتفرد بأن هذا

ال يكون شاذا لمجرد تفرده بل البد أن يصحب ذلك مخالفته لجماعة الحفاظ.الم الشافعي كما قد استدل البعض على أن الشافعي ال يسمي ما ومن هنا ال نسطيع أن نستدل بك

رواه الضعيف مخالفا أو متفردا ال يسميه شاذا ، ويقول إن الحديث الذي يرويه ضعيف متفردا أو مخالفا إنما هو منكر، نحن نقول ال كالم الشافعي ال يدل على ذلك وإنما الشافعي تكلم عن

عن صورة واحدة، والمتأمل لكالم الشافعي يظهر له أنه حتى لم صورة واحدة والمتأمل تكلم يقصد أن يضع قاعدة لكل أنواع األخطاء، بحيث أن كل ما رواه غير الثقات أو كل ما رواه

الضعفاء ال يندرج عنده في اسم الشاذ هو أصال يتكلم عن أحاديث الثقات؛ ألن هذا هو الذي يقع أنه كان يعقد -عليه رحمة هللا تبارك وتعالى -دة اإلمام الشافعي فيه اإليهام ويقع فيه اللبس وعا

مجالس يناظر فيها بعض أقرانه من المخالفين له في بعض المسائل، فلعل بعض من كان جالسا في المسألة بحديث يرويه بعض الثقات -عليه رحمة هللا تعالى-في مجلسه استدل اإلمام الشافعي

حديث شاذ، حيث قد تفرد به بعض الرواة، فاإلمام الشافعي رد عليه فعارضه ذلك المخالف بأنه ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة حديثا ال يرويه غيره، إنما الشاذ من الحديث »ذلك وقال:

Page 228: علوم الحديث   المستوى الثاني

«.أن يروي الثقة حديثا يخالف فيه الناستفرد الضعيف ال إذن فهمنا كالم الشافعي على هذا النحو، فال نستطيع أن نستدل به على أن

يسمى شاذا ، أو أن مخالفة الضعيف ال تسمى شذوذا ، ال نفهم هذا من كالم الشافعي وأنا كنت قد في كتاب إغاثة -رحمه هللا تعالى-فهمت ذلك الكالم حتى وقفت على كالم لإلمام ابن القيم

ن هذا الكالم لم يقصد م -عليه رحمة هللا-اللهفان ذكر في غضون كالمه أن اإلمام الشافعي وضع قاعدة عامة مضطردة, وإنما قال هذا الكالم في أثناء مناظرة بينه وبين أصحابه، فقال فيها ذلك الكالم، وعلى هذا األساس فال نستطيع أن نفهم أن هذا وضعه اإلمام الشافعي كقاعدة، وإنما

ت ولم يتعرض لما متعلق بالصورة التي ذكرها ذلك المخالف، فالمخالف تعرض لما يرويه الثقاإنما قال الشافعي ذلك في بعض -رحمه هللا تعالى-يرويه غير الثقات، فقال اإلمام ابن القيم

مناظراته لبعض من رد الحديث بتفرد الراوي به، فلما وجد هذا المخالف قد رد الحديث لمجرد يخالف فيه الناس، لكن تفرد ذلك الثقة قال له: ال ليس هذا شاذا إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثا

ما شأن الحديث الذي تفرد به الضعيف، هل يسميه اإلمام الشافعي منكرا ، أم يمنع من تسميته شاذا ؟.

الواقع أننا ال نستبعد أن يكون اإلمام الشافعي يسميه شاذا والواقع أن هذه العبارات الشذوذ بمعنى واحد، لكن يغلب على استعمال والنكارة إنما هي عبارات تأتي على ألسنة العلماء كثيرا

بعض العلماء، لفظ ويغلب على استعمال عالم آخر لفظ آخر تجد اإلمام الشافعي قلما يقول منكر إنما يستعمل الشاذ كثيرا ، اإلمام أحمد قلما يقول: شاذ إنما يستعمل منكر كثيرا ، وأنتم تعلمون أن

ثيرا من األحاديث بالنكارة وقد ذكرنا في بدايات اإلمام أحمد تكلم في أحاديث كثيرة ووصف ك الدرس أنه أطلق النكارة على أحاديث قد تفرد بها مثل األوزاعي ومثل غيره من الثقات.

وسماها أحاديث منكرة مع أنها عنده أخطاء والواقع أن اإلمام أحمد ال يعقل مثال في كثرة ما أو ليس عنده أحاديث ينطبق عليها وصف الحديث تكلم من األحاديث أنه ليس عنده أحاديث شاذة

الشاذ ولكن اإلمام أحمد يعبر عن الشذوذ بالنكارة وغيره يعبر عن النكارة بالشذوذ وكلهم أراد بالنكارة أو بالشذوذ الخطأ, فالخطأ عندهم يعبر عنه بلفظ يدل عليه فبعضهم يستعمل لفظ المنكر,

قصده هو الذي قصده اآلخر, هذا قصد أن الرواية وبعضهم يستعمل لفظ الشاذ والمعنى الذي وقع فيها خطأ في إسنادها أو متنها، وذاك أيضا قصد أن الرواية وقع فيها خطأ في إسنادها أو

متنها ولم يقصد أحدهما بالشذوذ غير ما قصده اآلخر بالنكارة، وإنما قصدوا معنى واحدا .ا ترون الخالف في هذه المسألة في الواقع هو هذا خالصة ما أردت بيانه في هذا الموضوع وكم

خالف لفظي, فالشاذ والمنكر عند علماء الحديث قسم من المردود لكن ما هو الشاذ وما هو المنكر من حيث التسمية؟ هل الشاذ يشترط في وصف الحديث به أن يكون الراوي موصوفا

في الراوي وصف ما؟ بوصف ما، والرواية موصوفة بوصف ما، كذلك المنكر هل يشترط والرواية موصوفة بوصف ما، كل ذلك راجع إلى الجانب االصطالحي المتعلق بهذا االسم، لكن في النهاية الشاذ والمنكر عند جميع أهل العلم هو قسم من أقسام الحديث المردود الذي ال يحتج

المنكر أبدا منكر وهللا -رحمه هللا تعالى-به وال يعتبر به وال يلتفت إليه كما قال اإلمام أحمد أعلم.

وردتنا إجابات، كان السؤال األول متى يقبل حديث من عرف بتدليس التسوية؟وكانت اإلجابة يقبل تدليسه بشرط أن يصرح بالسماع وذلك في جميع السند من أوله إلى منتهاه،

وهللا أعلم . في أوائل فتح الباري، -تعالى رحمه هللا-الشرط أشار إليه الحافظ ابن حجر العسقالني اهذ

في بعض مؤلفاته كما في -رحمه هللا تبارك وتعالى-وكذلك صرح باشتراطه الشيخ األلباني إلسماعيل القاضي، -صلى هللا عليه وآله وسلم-تعليقاته على كتاب فضل الصالة على النبي

وي موصوفا بتدليس وهناك مواضع أخرى متناثرة في كالم هذين العالمين، أنه إذا كان الراالتسوية فينبغي أن يصرح بالسماع أو يكون إسناده من شيخه فصاعدا مسلسال بالسماع لنأمن من أنه لم يسقط من الوسط رجال بين رجلين؛ ألن هذا هو الذي يفعله مدلس تدليس التسوية وال شك

Page 229: علوم الحديث   المستوى الثاني

أنا حينما نظرت في الرواة أن هذا هو ما يقتضيه النظر، ولكن إذا كنت متأمال لصنيع أهل العلم فالذين عرفوا بتدليس التسوية فوجدت العلماء يعاملونهم معاملة المدلس العادي، اللهم إال أن يكون من عادة ذلك الراوي كبقية بن الوليد مثال ، كان يروي عن األوزاعي عن يوسف بن سفر وهو

كون اإلسناد كله مسلسال متروك فيسقط يوسف بين األوزاعي وشيخه، هل يشترط بعد ذلك أن يبالسماع إنما ننظر عادة هذا الراوي المدلس تدليس التسوية فإن كان من شأنه أن يسقط شيخ

شيخه وال يسقط أحدا ممن فوق شيخ شيخه فنعامل هذا الراوي بمقتضى ما عرفنا من عادته وإال سل اإلسناد بالتصريح فاألصل لكي نطمئن إلى أنه لم يقع فيه هذا النوع من التدليس أن يتسل

بالسماع، بقي بن الوليد له شأن آخر، بقي بن الوليد كان أحيانا يدلس الحديث هو نفسه يدلس ثم يأتي بعض أصحابه الذين رووا عنه الحديث فيذكرون صيغ التحديث يتساهلون في ذلك، وكما

ون في هذه األلفاظ قال غير واحد من أهل العلم إن المصريين والشاميين عموما كانوا يتساهلفيذكرونها في غير موضعها يعني الراوي يقول عن فهو يقول حدثنا أو سمعت أو أخبرنا كانوا يتساهلون في هذه األلفاظ وكانت عندهم نوع مسامحة فيها، وهذا مذهب لبعض أهل العلم أنهم

مذهبه التفرقة يطلقون مثل هذه األلفاظ في غير السماع، أو ال يفرقون حتى لو كان الشيخ نفسهأو كان مدلسا فالعبارة في عرفه تختلف من لفظة إلى لفظة فينبغي االحتراز من ذلك وأال يغتر أوال بأي تصريح يرد في الرواية، بل قد يكون من هذا الذي أخطأ فيه بعض الرواة ثم إن كان

ا إنما هو يسقط الراوي المدلس تدليس التسوية عرف من عادته أنه ال يسقط من الطبقات العلي شيخ شيخه فيعامل بما عرف من طريقته وعادته وهللا أعلم.

السؤال الثاني: ما الفرق بين التدليس والسرقة؟وكانت اإلجابة: السرقة وهو ذلك الذي يسوي األسانيد بمعنى أنه يزينها بحذف ما فيها من

سناد بآخر والفرق بين السرقة الضعفاء وإبقاء الثقات أو إبدال الضعفاء بآخرين ثقات أو إبدال إوالتدليس أو اإلرسال فإن المدلس المرسل ال يصرح بالسماع بل يأتي بصيغة محتملة، بخالف

السارق فإنه يصرح بالسماع ويكذب في ذلك وهللا أعلم. نعم هذه إجابة طيبة.

هناك سؤال، تقول: ما الغرض من اإلسقاط في تدليس القطع؟ما في أي نوع من أنواع التدليس إيهام العلو من جهة, اإلسناد قد هو الغرض من اإلسقاط عمو

يكون نازال فهو يريد أن يوهم أنه أخذه بعلو ولم يأخذه بنزول، هذا من أكبر األسباب التي يقع بسببها التدليس وهو أن الراوي يريد أن يعلو باإلسناد يريد أن يعلو باإلسناد بعد أن تحمله

في تدليس القطع هو عمر بن علي المقدم يفعل هذا، عمر بن علي يقول بنزول، نعم كما يقع حدثنا ثم يقول هشام بن عروة عن أبيه عن أبيه عن عائشة، وينوي القطع هو لم يسمعه من

هشام بن عروة وإنما أخذه بواسطة عن هشام وأوهمك أنه أخذ من هشام وهو لم يأخذ من هشام، ن يوهمك العلو في اإلسناد، وما هو بإسناد عال، هذا النوع إنما أخذه بواسطة عن هشام يريد أ

من أنواع التدليس موهم جدا نحن نعلم أن المدلس ال يأتي بصيغة صريحة في السماع هذا قال حدثنا ثم سكت ناويا القطع ثم قال هشام بن عروة، السامع له سيتوهم أنه قال حدثنا هشام بن

فأنت تقول هو لم يقع فيه تدليس ألنه قد صرح بالسماع وهو عروة فيكتب حدثنا هشام بن عروة،لم يقصد التصريح بالسماع إنما بعد حدثنا في نيته وفي قصده ينفصل عما بعد حدثنا، إذن هو

أراد الفصل بين حدثنا وما بعدها، فالسامع قد ال يتنبه إلى هذا فيقول عمر بن علي المقدمي قال حا بالسماع فتتوهم عدم التدليس والواقع أن هناك تدليس فلهذا حدثنا هشام بن عروة فتجد تصري

ذهب بعض أهل العلم إلى أن هذا ال يصرح حتى ال يقبل منه حتى لو ورد في الرواية بالسماع ال يقبل منه لهذه العلة وهللا أعلم.

حمد بن بسم هللا الرحمن الرحيم والصالة والسالم األتمان األكمالن على خير خير هللا سيدنا م، لي كلمة بسيطة أرجو من شيخنا عبد الرحمن أن يفتح لي -صلى هللا عليه وسلم-عبد هللا

المجال, وأنا لن أطيل فيها، فأنا من خارج البالد المصرية هذه المشاركة هي تنبيه وشكر وثناء الدين، ورجاء وسؤال, أما عن التنبيه فأقول إن علم الحديث ال تخفى أهميته على المشتغل بعلوم

Page 230: علوم الحديث   المستوى الثاني

فال يستقيم قول المفسر واألصولي والفقيه إال به فهو حلية للعالم.أما الشكر والثناء فأشكر شيخنا طارق على هذا الشرح الجيد المميز ففيه القوة العلمية والتحقيق

الجيد, والتصوير المتقن, والبيان الواضح, على نهج المحدثين, واإلنصاف والتوضيح بدليل دب الجم مع علماء الحديث رحمهم هللا عز وجل, وهذا الثناء من حق شيخنا علينا االستقراء واأل

كما أقرت ذلك النصوص من الكتاب والسنة. أن يطعم كالمه التأصيلي في جميع أحواله -حفظه هللا عز وجل-أما الرجاء فأنا أرجو من شيخنا

باألمثلة ألنها مبينات لألقوال والمقاصد.لتحقيق في مسألة المخالفة هل هي شرط للحكم على الرواية بالشذوذ أم ال؟هذه أما سؤال: أريد ا

مسألة. الثانية: هل في التطبيق العملي نجد مثال أن راويين قد خالفا راويا واحدا فنحكم على رواية

الروايين بالشذوذ في مقابل الرواية الواحدة. ه المادة ويعتبر مخال إذا لم يتقنها؟ هذا أوال .ما القدر الواجب على طالب العلم أن يتقنه من هذ

ثانيا : أنا لم أدرس مادة علوم الحديث نخبة الفكر هل تنصحني أن أدرسها أوال ثم أختبر في هذه المادة ؟ أو ال بأس يمكن أختبر في هذه المادة دون أن آخذ نخبة الفكر؟

لفة هل شرط في الحكم على الرواية كان له سؤاالن سؤاله األول: عن التحقيق في مسألة المخا بالشذوذ؟

وبعد: -صلى هللا عليه وعلى آله وصحبه وسلم-بسم هللا والصالة والسالم على رسول هللا إنما يعلون الرواية ويحكمون بخطأ الراوي الذي جاء -عليهم رحمة هللا تبارك وتعالى-العلماء

بها بأحد طريقين: الطريق األولى: التفرد.

األخرى: المخالفة. الطريقوليس كل تفرد دليال على الخطأ فهناك تفرد ال يكون كافيا على الحكم على الرواية بالخطأ

حديث األعمال بالنيات قد وقع فيه تفرد ومع ذلك العلماء صححوا الحديث بل تلقوه بالقبول، فيها الراوي.ونحن نعلم أن هناك أحاديث أخرى تفرد بها بعض الرواة والعلماء قد خطأوا

بل الراوي الواحد أحيانا يقبل منه بعض تفرداته وأحيانا أخرى ال يقبل منه بعض تفرداته كقتيبة بن سعيد، قتيبة بن سعيد احتج به العلماء كثيرا ، ومع ذلك لما تفرد بحديث الليث بن سعد في

حديث شاذ, ومنهم من الجمع بين الصالتين جمع التقديم أنكروا ذلك عليه بل منهم من قال هذا قال هو حديث موضوع، مع أن الذي تفرد به إنما هو ثقة وقد احتجوا به في مواضع كثيرة متفردا بما قد جاء به، الطريق األولى كما قلت التفرد وليس هو مجرد التفرد هو الدليل على

الخطأ إنما التفرد المصحوب بالقرينة الدالة على الخطأ.التي يستدل بها على خطأ الرواية االختالف بين الرواة، وأيضا ليس كل كذلك الطريق الثانية

اختالف يقع بين الرواة يكون دليال على الخطأ وإنما االختالف المصحوب بالقرينة الدالة على ذلك وكم نرى في الصحيحين من أحاديث وقع في أسانيدها بعض اختالف ومع ذلك هي

ا بمثل هذا االختالف ألنه لم يؤثر قدحا اختالف غير مؤثر صحيحة عند أهل العلم، ولم يعلوهفي صحة الحديث، بينما هناك صور كثيرة من االختالف نجدها عند علماء الحديث دليال على

خطأ ذلك الذي خالف الجمهور أو خالف الثقات أو خالف من هو أوثق منه وأرجح فإذن ال يال على الخطأ وال االختالف دليل على الخطأ وإنما نستطيع أن نقول بأن دائما وأبدا التفرد دل ذلك مصحوبا بالقرينة الدالة على ذلك.

العلماء الذين اشترطوا المخالفة في الحكم على الحديث بكونه شاذا هم قيدوا ما قد وسعه العلماء، يها فنحن نقول أبدا هذا شرط غير مشترط ولكن ال شك أن أغلب أخطاء الثقات إنما يستدل عل

بالمخالفة لكن أن يكون ذلك شرطا هذا محل البحث عندنا نحن نقول ليس شرطا بل قد نستدل على خطأ الراوي بكونه تفرد مع ما انضم إلى تفرده من قرينة دلت على خطئه كما أنه قد

يخالف أصال ومع ذلك ال نحكم بخالفه على خطئه بل قد يكون مصيبا فيما قد خالفه فيه غيره.

Page 231: علوم الحديث   المستوى الثاني

المسألة راجعة إلى اعتبار القرائن المحتفة بكل رواية رواية وبكل راو راو فيما قد رواه من إذنالروايات متفردا أو مخالفا فالذين قاال باشتراط المخالفة في الشذوذ نحن نجد أن اشتراطهم هذا

ات وقد حكم تضييق, فأين هم من األحاديث التي قد تفرد بها الرواة وقد حكم العلماء الرواة الثقالعلماء بكونها أخطاء فهذا قتيبة بن سعيد الذي تفرد بالحديث عن الليث بن سعد من خالفه؟ لم

لما تفرد عن يحيى بن أبي -رحمه هللا تعالى-يخالفه أحد إنما قد تفرد فقط، اإلمام األوزاعي ن اشترطنا كثير وقد خطأه اإلمام أحمد في ذلك الحديث من خالفه؟ لم يخالفه أحد، فنحن إ

المخالفة للحكم على الحديث بالشذوذ أو بالنكارة فحينئذ نكون مقيدين ألنفسنا بينما العلماء كانوا يتوسعون في هذه المسألة بحسب ما يتبين للباحث الناقد الخبير بنظرته الثاقبة في الرواية فبقدر

أخطأ سواء تفرد فقط أو إدراكه للقرائن ومعرفته بها يترجح لديه إن كان هذا الثقة أصاب أو تفرد مع مخالفته لغيره وهللا أعلم.

ما معنى قول المحدثين فالن شيخ؟. السؤال األول: ما وجه إطالق المنكر على أحاديث أحد الثقات؟ السؤال الثاني:

كلها ستتناولها -إن شاء هللا تعالى-طبعا هذه المسألة مسألة التفرد ستالحظون أن األبواب اآلتية ما قد فاتنا تبيينه في هذه المرة. -إن شاء هللا تعالى-جوانب متعددة فيمكن أن نستدرك فيها من

Page 232: علوم الحديث   المستوى الثاني

الدرس الخامس عشر

المتعلق باالعتبار والمتابعات والشواهد

إن الحمد هلل تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ومن يضلل فال هادي له، وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له، من يهده هللا فال مضل له،

وأشهد أن محمد ا عبده ورسوله وبعد:

مع نوع آخر من أنواع علوم الحديث وهو النوع الخامس -إن شاء هللا تعالى-موعدنا اليوم السابقين عشر وهو المتعلق باالعتبار والمتابعات والشواهد، هذا النوع يعتبر متمما للنوعين

مما يتعلق بأبواب علل األحاديث. -إن شاء هللا تعالى-وممهدا لألنواع اآلتية بعده

ذكرنا في اللقاء الماضي أن الحديث الشاذ أو المنكر إنما يحكم بشذوذه أو بنكارته إما بالتفرد نعرف وإما باالختالف الواقع بين الرواة فكيف نعرف إن كان الراوي تفرد أو لم يتفرد؟ كيف

إن كان تابعه غيره ووافقه غيره على ما روى أم لم يوافق على ذلك؟ كيف نعرف إن كان خالفه عليهم رحمة هللا تبارك -غيره فيما روى أم لم يخالف في ذلك؟ ذلك ما يعرفه علماء الحديث

ات, بطريق االعتبار، االعتبار أي اعتبار الروايات أي تتبع الروايات استقراء الرواي -وتعالىسبر الروايات في كتب الحديث وفي صدور الرجال، ليظهر لهم بعد أن يجمعوا األحاديث

الواردة في هذا الباب أو عن هذا الراوي أو عن هذا الصحابي أو نحو ذلك، فيجمعون هذا كله ويجعلونه في صعيد واحد ليتبين لهم من تفرد ومن ووفق من قبل غيره ومن خولف من قبل

ة، فهذا هو موضوع حديثنا المتعلق باالعتبار وما ينتج عنه من معرفة المتابعات غيره من الروا والشواهد.

بالتفصيل والشرح -إن شاء هللا تعالى-يقرأ علينا المذيع ما يتعلق بهذا الباب ثم نأتي عليه والبيان:

هد النوع الخامس عشر في االعتبار والمتابعات والشوا) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف صلى -مثاله، أن يروي حماد بن سلمة عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي

حديثا فإن رواه غير حماد عن أيوب أو غير أيوب عن محمد أو غير محمد -هللا عليه وآله وسلمفهذه متابعات، فإن -صلى هللا عليه وآله وسلم-عن أبي هريرة أو غير أبي هريرة عن النبي

معناه من طريق أخرى عن صحابي آخر، سمي شاهدا لمعناه وإن لم يرو بمعناه أيضا روي حديث آخر فهو فرد من األفراد ويغتفر في باب الشواهد والمتابعات من الرواية عن الضعيف القريب الضعف، ما ال يغتفر في األصول، كما يقع في الصحيحين وغيرهما مثل ذلك، ولهذا

(وهللا أعلم.« يصلح لالعتبار، أو ال يصلح أن يعتبر به »عض الضعفاء: يقول الدارقطني في ب

كما قلنا إذا أرادوا أن يعرفوا هذا الحديث الذي رواه ذلك -رحمهم هللا تعالى-علماء الحديث الراوي هل هذا الراوي تفرد به أم ال؟ تابعه غيره أم ال؟ خالفه غيره أم ال؟ يجمعون روايات هذا

والروايات األخرى الواردة في هذا الباب الذي يندرج تحته ذلك الحديث الذي الراوي من جهةجاء به ذلك الراوي األول، ثم يجعلون ذلك في صعيد واحد ويتأملونه ويدرسونه وينظرون فيه نظرة النقد والبحث فيتبين لهم من خالل تلك النظرة أن هذا الراوي تفرد ألنه لم يأت بما جاء به

اة فيحكمون بتفرده أو أنه وافقه غيره فيجدون هذا الراوي قد تابعه غيره أو جاء غيره من الروغيره بمثل ما جاء به إسنادا ومتنا أو متنا فقط, كل ذلك وارد ويوجد له أمثلة كثيرة في

أنه جاء بما قد خالف فيه -رحمهم هللا تعالى-الروايات، راو آخر جاء بحديث فيتبين للعلماء

Page 233: علوم الحديث   المستوى الثاني

ملون هذا معاملة االختالف وينظرون هل هذا من االختالف المؤثر أم ليس من غيره، فيعا االختالف المؤثر هل هذا االختالف يقدح في الحديث أو ال يقدح في الحديث؟

الطريق التي يسلكها العلماء لمعرفة إن كان هذا الراوي تفرد أو لم يتفرد توبع أو لم يتابع عتبار، هذا هو االعتبار أو معنى االعتبار في اصطالح خولف أو لم يخالف يسمى عندهم باال

عليهم رحمة هللا تبارك وتعالى.-علماء الحديث

ولهذا تجد كما أشار اإلمام ابن الصالح تجد العلماء يقولون: فالن يصلح لالعتبار وفالن ال ره يصلح لالعتبار، هذا راجع إلى حال الراوي نفسه فليس كل من روى رواية وافق فيها غي

يكون ذلك كافيا ألن نعتبر بروايته أو أن نستشهد بروايته أو أن نستأنس بروايته وهذا سيأتي لكن هذا هو المقصود من كلمة االعتبار حيث ترد في كالم المحدثين -إن شاء هللا تعالى-تفصيله

.-إن شاء هللا تعالى-وإن كان لها معنى آخر سيأتي تفصيله

بار ينتج عنه معرفة المتابعات ومعرفة الشواهد، ويقولون المتابعة أن العلماء قالوا هذا االعتيأتي الراوي بما قد جاء به غيره إسنادا ومتنا فالراوي لم يتفرد إنما وجدنا راويا آخر وافقه فيما جاء به من شيخه فصاعدا ثم المتن هو المتن الذي جاء به الرجالن فنسمي تلك متابعة وهو مثل

ث يرويه حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة لذلك بحديوهذا المثال ذكره من قبله ابن حبان في مقدمة كتابه -صلى هللا عليه وآله وسلم-عن رسول هللا

الصحيح، لو أننا وجدنا حماد بن سلمة لم يرو الحديث عن أيوب وغيره، حينئذ سنقول إن حماد الحديث ولم يتابع عليه لكننا إذا وجدنا غير حماد يروي الحديث أيضا عن أيوب بن سلمة تفرد ب

فحماد حينئذ تفرد أم توبع من قبل غيره؟ توبع من قبل غيره فهو لم يأت بالحديث وحده عن أيوب، بل جاء به غير حماد أيضا عن أيوب فإذن حماد لم يتفرد بالحديث عن أيوب وإنما وافقه

ذلك الحديث عن أيوب، فحماد إن وافقه غيره فنسمي تلك الموافقة متابعة وتجد غيره في رواية في كالم علماء الحديث فالن تابعه فالن يقصدون بالمتابعة هذا المعنى أي أن غيره وافقه في

بالمتن أيضا -صلى هللا عليه وآله وسلم-رواية الحديث نفسه عن شيخه فصاعدا إلى رسول هللا فرد ولم يأت بشيء من قبل نفسه، ولم يأت بشيء لم يتابعه عليه غيره، بل جاء بما فالراوي لم يت

قد وافقه عليه غيره وتابعه عليه غيره، فتلك متابعة وهي من أعلى درجات المتابعات وتسمى بالمتابعة التامة.

عدا لماذا هي تسمى بالمتابعة التامة، ألن هذا الغير الذي وافق األول، وافقه من شيخه فصاأي في كل ما جاء به من الرواية، في اسم شيخه وشيخ شيخه، إلى آخر اإلسناد ثم المتن هو المتن فلم يخالفه في جزء من الرواية فضال عن كلها، فإذا وافقه هذا المتابع في الرواية كلها

متابع لحماد يسمى تلك المتابعة تامة ألنه تابعه على الرواية بكمالها بكل جزئياتها، لكن هب أن البن سلمة لم يوافقه على رواية الحديث عن أيوب، وإنما وافقه فقط في رواية الحديث عن محمد بن سيرين، بمعنى غير حماد روى الحديث عن غير أيوب عن محمد بن سيرين، فهو قد وافقه

صلى هللا عليه -في مخرج الحديث وأنه عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن رسول هللا لكنه لم يوافقه في جعله الحديث من حديث أيوب خاصة وإن وافقه من شيخ أيوب -ه وسلموآل

فصاعدا فهذه أيضا متابعة هي جزء من متابعة أو صورة من صور المتابعات، ولكنها تسمى متابعة قاصرة، ألنها ليست في كل الرواية وإنما في بعضها هو تابعه على جزء من الرواية ولم

كل الرواية، وإال فما زال حماد بن سلمة متفردا بجعله الحديث عن أيوب وقد يكون يتابعه على مخطئا حماد بن سلمة في ذلك والحديث إنما يحفظ عن غير أيوب عن ابن سيرين، ثم جاء حماد بن سلمة فجعله عن أيوب عن ابن سيرين فهذا الجزء الذي تفرد به حماد بن سلمة هذا القدر من

تفرد به حماد بن سلمة هو جعل الحديث عن أيوب خاصة هو لم يتابع عليه ولم الرواية الذي

Page 234: علوم الحديث   المستوى الثاني

يوافق عليه من قبل غيره فحينئذ قد ينسب حماد بن سلمة إلى الخطأ فنقول أخطأ حماد في جعله الحديث عن أيوب وإن كان الحديث محفوظا عن شيخ أيوب وهو محمد بن سيرين، فلهذا سمينا

القاصرة وإن كانت مندرجة تحت اسم المتابعات عموما . هذه الصورة بالمتابعة

أيضا لم نجد الحديث يرويه غير حماد ال عن أيوب وال عن ابن سيرين، وإنما وجدنا غير ، إذن الحديث -رضي هللا عنه-حماد يرويه عن غير أيوب عن غير ابن سيرين عن أبي هريرة

-يث من حديث أبي هريرة عن رسول هللا القدر الذي اتفق عليه الراويان هو فقط جعل الحد وإن اختلفوا في شيخ حماد وفي شيخ شيخ حماد. -صلى هللا عليه وآله وسلم

رضي هللا عنه -ولكنهم اتفقوا فقط في جعل الحديث عن هذا الصحابي الجليل أبي هريرة الحديث من متن -صلى هللا عليه وآله وسلم-ثم فيما رواه أبو هريرة عن رسول هللا -وأرضاه

أيضا من المتابعات ولكنها أيضا متابعة -رحمه هللا تبارك وتعالى-فتلك كما يشير ابن الصالح قاصرة وهي دون القاصرة األولى ألنه كلما كانت نسبة الموافقة بين الروايتين أقل كلما كانت

هذه المتابعة أضعف وأقل داللة على دف التفرد ودفع الخطأ عن حماد بن سلمة.

ن لو أننا وجدنا الحديث نفسه بنفس المتن الذي جاء به حماد بن سلمة عن أيوب عن ابن لكوجدنا المتن نفسه المنسوب -صلى هللا عليه وآله وسلم-سيرين عن أبي هريرة عن رسول هللا

ولكن من رواية صحابي آخر، ليس عن أبي هريرة -صلى هللا عليه وآله وسلم-إلى رسول هللا ن أبي سعيد الخدري، فهذا ماذا نسميه؟.ولكن مثال ع

يذكر أن ذلك يسمى شاهدا حتى ولو كان اللفظ هو اللفظ, -رحمه هللا تعالى-الحافظ ابن حجر حتى ولو كان الحديث هو الحديث، وهذه الصورة لم تقع في كالم اإلمام ابن الصالح إال على

صلى هللا -ر أبي هريرة عن رسول هللا أنها من المتابعات ألنه ذكر في كالمه أنه إذا رواه غي قال فهذه متابعات. -عليه وآله وسلم

ابن حجر جعل ذلك أيضا من الشواهد جعل هذه الصورة فيما إذا اختلف الصحابي والمتن هو المتن، فيجعل ذلك من الشواهد ما دام أن الصحابي للحديث اختلف ما دام أن الصحابي

كان بنفس اللفظ الذي جاء به الصحابي اآلخر. اختلف فالحديث حديث آخر حتى لو

ابن الصالح يخص الشاهد بما كان بالمعنى فقط فإذا وجدنا صحابيا آخر يروي حديثا آخر يتضمن هذا المعنى الذي تضمنه الحديث الذي جاء -صلى هللا عليه وآله وسلم-عن رسول هللا

فتلك هي الشاهدة عند ابن الصالح -مصلى هللا عليه وآله وسل-به أبو هريرة عن رسول هللا ولكنها عند اإلمام ابن حجر العسقالني هي من الشاهد وانضموا أيضا إلى الشاهد فيما إذا تغير الصحابي حتى وإن كان الحديث بنفس لفظ الحديث المشهود له، وهذه بطبيعة الحال اختالفات

رد هذان اللفظان كل منهما في موضع اآلخر لفظية ال تأثير لها وإال فالشاهد والمتابع كثيرا ما يفربما يعبرون عن الشاهد بالمتابعة والمتابعة بالشاهد وهذا من باب التوسع في االصطالح، لكن

يقصدون من ذلك ماذا؟ يقصدون من -عليهم رحمة هللا تبارك وتعالى-المهم أن علماء الحديث و لم يتابع خولف أو لم يخالف حتى يبنون ذلك معرفة إن كان الراوي تفرد أو لم يتفرد توبع أ

على ذلك إن كان هذا الحديث محفوظا أم ليس محفوظا صوابا أو ليس صوابا .

فإذا كان الحديث كما ترون ال هو وقع في صورة من صور المتابعات التامة أو القاصرة وال من األفراد, وهذا من وجدنا له شاهدا بمعناه في رواية أخرى فحينئذ نحكم على الحديث بأنه

التفرد المطلق؛ ألن الحديث ال يروى له من وجه آخر ال عن هذا الصحابي وال عن هذا التابعي

Page 235: علوم الحديث   المستوى الثاني

وال بالمعنى وال باللفظ فإذن صار الحديث من هذه الحيثية فردا وهو من التفرد المطلق الذي لم يرو على أي صفة وال على أي وجه آخر من أوجه أخرى.

اهد والمتابعات إنما يغتفر فيها، ماذا يغتفر؟ في األصول، وهذا كالم صحيح؛ ثم ذكر أن الشوألن األصل إذا كان عندنا ثابتا من الممكن أن نؤيده وأن نستشهد له وأن نقويه أكثر بما قد ال يقوم بنفسه ألننا فرق بين أن أعتمد رواية أو أن أعتمد رواية أو أن أستشهد بها لتقوية ما هو

فال -صلى هللا عليه وآله وسلم-ذا كان عندنا أصل صحيح ثابت محفوظ عن رسول هللا معتمد فإبأس بعد ذلك أن أضم إلى هذا األصل الصحيح بعض الروايات التي فيها ضعف ما من سوء حفظ بعض الرواة أو قلة ضبطهم أو انقطاع خفيف في اإلسناد ما دام أن هذا كله الغرض منه

م ما هو أصل في ذاته مدعم ومؤسس على أصل صحيح لكن فرق بين تقوية ما هو قوي، تدعيهذه الصورة وبين أن أعمد إلى روايات كلها ضعيف وكلها ليس لها أصل يرجع إليه ثم أقول إن

باب الشواهد يتسامح فيه.

إنما يتسامح في باب التسامح فيما إذا كان المشهود له صحيحا ثابتا أصال ثم بعد ذلك ننظر يقويه ويؤكده ويدعمه أكثر.فيما

هذا الباب الذي هو من أبواب علل األحاديث وكما ترون هو باب يحتاجه كل ناظر في الحديث فالذي يريد أن يعرف صحة الحديث من عدم صحته البد وأنه سيحتاج إلى باب

االعتبار، ألنه سيكون بين يديه حديث إسناد ومتن هو يريد أن يحكم عليه ويميز هل هو منالصحيح أم ليس من الصحيح؟ هل هو من المحفوظ أم ليس من المحفوظ؟ فالبد أن يعرف هذا

الراوي الذي تفرد به أم لم يتفرد؟ تابع أم لم يتابع؟ خولف أم لم يخالف؟ ألن بمعرفته لهذه األمور سينبني على ذلك الحكم الذي يستحقه ذلك الحديث من حيث القبول أو الرد، فإذن ما من

إال وهو في حاجة إلى هذا النوع من أنواع علوم الحديث.باحث

مع هذا النوع من أنواع -عليهم رحمة هللا تبارك وتعالى-وبالنظر في تعامل علماء الحديث يدققون جدا في نقاط في غاية األهمية -رحمهم هللا تبارك وتعالى-علوم الحديث يتبين أنهم

عليهم رحمة -ط وال يعتبرها حيث اعتبرها علماء الحديث وكثير من الباحثين يغفل عن هذه النقا-فرأيت أن ألخصها في عدة نقاط ألبين من خالل هذه النقاط مناهج علماء الحديث -هللا تعالى

في اعتبار الروايات وتمييز المحفوظ منها من غير المحفوظ. -عليهم رحمة هللا تبارك وتعالى

عندما يعتبرون الروايات ال ينظرون - تبارك وتعالىعليهم رحمة هللا-فأوال : علماء الحديث ال شك أن -صلى هللا عليه وآله وسلم-فقط في الروايات المرفوعة المتصلة إلى رسول هللا

هو من أفضل األسانيد وأفضل -صلى هللا عليه وآله وسلم-المرفوع المتصل إلى رسول هللا يجمعون كل ما يندرج تحت هذا الباب مما الروايات، ولكن علماء الحديث حيث يعتبرون هم

يمكن أن يستدل به على صحة الحديث أو عدم صحته، فحينئذ هم ال يكتفون عندما يعتبرون أي يجمعون ويحصرون الروايات الموجودة في كتب الحديث وفي صدور الرجال ال يكتفون فقط

بل - عليه وآله وسلمصلى هللا-بالروايات المرفوعة أو الروايات المتصلة إلى رسول هللا يجمعون كل شيء يمكن أن يندرج تحت هذا الباب.

يعني إذا « إذا كتبت فقمش ثم إذا رويت ففتش » -رحمه هللا تعالى-كما قال أبو حاتم الرازي أردت أن تجمع الروايات لتعتبرها فاجمع الغث والثمين فاجمع كل ما ينفع وما ال ينفع فرب خطأ

صواب، ورب حديث يرشدك إلى معنى في حديث آخر، ورب رواية يهدي إلى كثير من الترشدك إلى علة وقعت في رواية أخرى فينبغي عليك أن تكثر من الجمع ولهذا كان اإلمام علي

فالبد « الباب إذا لم تجمع طرقه ال يتبين خطؤه »يقول -رحمه هللا تبارك وتعالى-بن المديني

Page 236: علوم الحديث   المستوى الثاني

ذي يتميز به علماء الحديث عن غيرهم فعلماء الحديث ال أن تكثر من الجمع وهذا هو األمر اليكتفون بالنظرة السطحية في اإلسناد فيقولون هذا إسناد يشتمل على رواة هذا الراوي ثقة وذاك ثقة، وهذا ثقة وكل قد سمع من شيخه إذن الحديث صحيح، هذه نظرة سطحية ال يعتبرها علماء

هرها وإنما يتتبعون الروايات فلربما كان هذا الثقة وإن الحديث وال يكتفون بها وال يغترون بظاكان هو من جملة الثقات أخطأ في هذا الحديث بخصوصه، فكيف نميز إن كان هذا الحديث مما

أصاب فيه أو مما أخطأ فيه؟.

بجمع الروايات وضرب بعضها ببعض وعرض بعضها على بعض فيتبين من ذلك ما المخطيء.أصاب فيه المصيب وما أخطأ فيه

فلربما مثال كان الحديث مما اختلف فيه الرواة رفعا ووقفا بعضهم يروي الحديث مرفوعا والبعض اآلخر يرويه موقوفا والذي رفع أخطأ بينما الصواب مع من قد وقف الحديث، فإن أنت

الحديث لم تعرف من الباب إال المرفوعات لن تتنبه إلى هذا الخالف الواقع بين الرواة في رفع ووقفه.

وبناء على هذا ستخفى عليك علة هذا الحديث حيث قد وقفه الحفاظ وأخطأ في رفعه بعض الرواة فالبد إذن من جمع الموقوفات على الصحابة والتابعين حتى يتبين من خالل ذلك ما ختالف اختلف فيه الرواة رفعا ووقفا ، قد يكون الخالف الواقع بين الرواة من قبل أو من جهة اال

في وصل الحديث وإرساله بعضهم يوصل الحديث وبعضهم يرسله، فإن أنت لم تعتني إال بجمع الموصوالت ولم تكترث روايات المرسلة وباالعتناء بجمعها فلربما كان الحديث الصواب فيه

اإلرسال ثم أخطأ من أخطأ فوصله، الحديث وأنت لم تتطلع إال على تلك الرواية الموصولة، فال تنبه إلى علة الحديث، والعكس كذلك قد يكون الحديث صحيح من جهة الرفع والوقف، يعني من ت

رفعه أصاب ومن وقفه أصاب هذا وجه وذاك وجه, وهذا ما اختلف مخرجه عن مخرج اآلخر، فالعلماء يعتبرون ذلك مقويا للحديث فيعتبرون الموقوف مؤيدا للرفع حينئذ قد يكون الحديث

ال ومرسال من وصله أصاب، ومن أرسله أيضا أصاب وهذا مختلف مخرجه صحيحا موصوعن مخرج هذا، فالعلماء يعتبرون أن الموصول مؤيدا للمرسل كما أن المرسل مؤيدا للموصول

عليه رحمة هللا تبارك -كما سبق وأن شرحنا ذلك في باب المرسل لما ذكرنا أن اإلمام الشافعي صلى هللا عليه وآله -لمرسل بالمسند الصحيح المتصل إلى رسول هللا يقوي الحديث ا -وتعالى وأنه أيضا يقوي المرسل بما جاء عن الصحابة والتابعين من أقوالهم. -وسلم

إذن ينبغي لطالب العلم أن يكون ملما بكل ما جاء في الباب من مرفوعات وموقوفات من الخطأ، أو لمعرفة ما يتقوى به ومتصالت وغير متصالت فكل ذلك ينفعه لتمييز الصواب

إلى -رحمه هللا تبارك وتعالى-الحديث وما ال يتقوى به الحديث، وقد أشار اإلمام أحمد بن حنبل » من طريق الميموني أنه قال: -رحمه هللا تبارك وتعالى-هذا المعنى، فروى الخطيب البغدادي

هللا ممن يكتب اإلسناد المتصل ويدع تعجب أبو عبد هللا يعني أحمد بن حنبل، تعجب أبو عبداإلمام أحمد تعجب من هذا الرجل الذي يهتم بكتابة الروايات المتصلة ويدع « كتابة المنقطعات

كيف يكون هو « ربما كان المنقطع أقوى إسنادا »كتابة الروايات المنقطعة، ثم قال اإلمام أحمد ن الحديث قد يكون اختلف في وصله منقطع وأقوى من المسند؟ كيف يكون هذا؟ المعنى أ

وإرساله ومن وصله سيء الحفظ أو في حفظه بعض الخلل بينما من أرسله هو حافظ متقن أثبت، فالذي جاء بالمرسل راو ثقة والذي جاء بالمتصل دونه في الوثاقة فحينئذ يكون المنقطع

ذي جاء بها ليس في مع ما فيه من انقطاع أثبت وأقوى وأرجح من الرواية الموصولة ألن الالمنزلة وفي الحفظ واإلتقان كمنزلة ذاك الذي جاء بالرواية المرسلة، ولهذا استشكل ذلك

« تكتب اإلسناد متصال وهو ضعيف»الميموني فقال: بينه لي كيف يكون ذلك؟ قال اإلمام أحمد

Page 237: علوم الحديث   المستوى الثاني

لذي جاء به يعني من جاء بهذا اإلسناد رجل ضعيف ويكون المنقطع أقوى إسنادا يعني لكون امن الثقات أو من األثبات فحينئذ يكون المنقطع علة للمتصل, فإن أنت لم تعرف من الروايات إال

عليهم -ما كان متصال أو ما كان مرفوعا فتخفى عليك العلل الخفية التي امتاز علماء الحديث بمعرفتها. -رحمة هللا تبارك وتعالى

عليها في هذا الباب.هذه النقطة األولى التي أريد التنبيه

النقطة الثانية: أن كلمة االعتبار لها عند علماء الحديث معنيان نحن اآلن نتكلم عن معنى -عليهم رحمة هللا تبارك وتعالى-االعتبار هذا المصطلح حيث يرد على ألسنة علماء الحديث

فهذا راو يصلح كلمة االعتبار، نحن ذكرنا في أول الدرس أن االعتبار يأتي بمعنى التقوية،لالعتبار وذاك ال يصلح لالعتبار، أي أن هذا الراوي يصلح الحديث ألن يستأنس به ويستشهد به

ويعتبر به لتقوية الرواية األخرى التي جاءت موافقة له فهذا معنى معروف ولكن ليس هو هما السامع أو المعنى الوحيد لكلمة االعتبار، وكثيرا ما يأتي االعتبار بغير هذا المعنى فيتو

القاريء أن قائله لم يقصد باالعتبار إال ذلك المعنى الذي هو معروف مشهور لدى الناس، وإال فاالعتبار يأتي أحيانا بمعنى آخر وهو بمعنى المعرفة واالختبار، وهذا كل الناس فيه سواء, كل

برونها ثم يتمخض من يعتبرون رواياتهم ويخت -عليهم رحمة هللا تعالى-الناس أو علماء الحديث عليه رحمة هللا -تلك االختبارات إن كان الراوي ثقة أو غير ثقة، كما مثال اإلمام ابن معين

لما جاءه إسماعيل بن علية وقال له: يا إمام، يا أبا زكريا، كيف حال حديثي؟ -تبارك وتعالى حاديث الناس فوجدناها عارضنا بها أ»قال وكيف عرفتم ذلك؟ قال: « أنت مستقيم الحديث»قال:

«.مستقيمة

إذن اإلمام ابن معين لما جمع أحاديث إسماعيل بن علية واختبرها بأن عرض هذه األحاديث على أحاديث غيره من الناس تبين له أن هذا الرجل يوافق الثقات كثيرا فاستدل بذلك على كونه

من الثقات.

ال يستحق أن يكون ثقة بل هو رجل ضعيف، رجل آخر قد يعتبر العلماء حديثه فيتبين لهم أنه-كمثل مثال ما جاء عن اإلمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين لما كان بصنعاء، اإلمام أحمد

دخل على ابن معين في يوم من األيام فرآه يكتب صحيفة معمر بن راشد عن -رحمه هللا تعالى، أبان بن أبي - عليه وآله وسلمصلى هللا-أبان بن أبي عياش عن أنس بن مالك عن رسول هللا

عياش هذا متروك الحديث، فما الذي يشغل ابن معين في كتابة هذه الصحيفة وهو يعلم أنها موضوعة، فقال له يا أبا زكريا تكتب هذه الصحيفة وتعلم أنها موضوعة؟! قال نعم يا أبا عبد هللا

فيجعل مكان أبان ثابت البناني أكتب هذه الصحيفة وأعلم أنها موضوعة حتى ال يجيء كذابفأقول له كذبت إنما هذه أحاديث معمر عن أبان عن أنس وليست أحاديث معمر عن ثابت عن أنس فيميز بين هذه األحاديث، هو يحفظ الخطأ ويحفظ األحاديث الضعيفة واألحاديث الباطلة

حاديث يعرف مخرجها والموضوعة حتى يعرف أوال : أحوال رواتها، ثم إذا ما سئل عن هذه األ وأنها عن أبان بن أبي عياش وليست عن ثابت البناني فيميز الصواب من الخطأ.

عليهم رحمة هللا -وهكذا كان العلماء يعتبرون األحاديث ولهذا وجدنا مثال بعض العلماء تى يعبر بهذا المعنى يعبر عن االعتبار أو يطلق لفظ االعتبار على هذا المعنى ح -تبارك وتعالى

في روايات الكذابين، كيف يكون الكذاب يصلح لالعتبار، يقصد باالعتبار أي أننا نكتب أحاديث رحمه هللا تبارك -الكذابين لنختبرها ال لنستشهد بها أو نستأنس بها، يقول اإلمام أبو يعلى الخليلي

وإن »ذابين كذابين فهو صرح بأنهم ك« وإن جماعة كذابين »في كتاب " اإلرشاد " له -وتعالىجماعة كذابين روو عن أنس بن مالك ولم يروه كأبي هدبة إبراهيم بن هدبة وهذا كذاب، ودينار

وهذا كذاب، وموسى الطويل، وخراش، وهؤالء من أشهر الكذابين في الحديث، قال: وهذا

Page 238: علوم الحديث   المستوى الثاني

خل في ألن األحاديث التي تد« وأمثاله ال يدخله الحفاظ في كتبهم ال يدخلونه أصال في الكتبالكتب هي األحاديث التي يحتجون بها أو يستشهدون بها أما ما ال يصلح لالحتجاج وال

لالستشهاد فال ينفع في الكتب، ثم قال: وإنما يكتبونه اعتبارا ليميزوه عن الصحيح، إذن هم يكتبونه االعتبار هنا بمعنى المعرفة ليتميز الصحيح من غير الصحيح.

غرض من االعتبار فقط مجرد معرفة أن هذا شاهد وهذا متابع والوقوف النقطة الثالثة: ليس العند هذه الحرفيات وإنما الغرض من معرفة الشواهد والمتابعات واالعتبار تمييز األحاديث,

تمييز الحديث إن كان محفوظا أو غير محفوظ، صحيحا أو غير صحيح, هذا هو األساس ولهذا في كالمه الذي قاله في مقدمة كتابه الصحيح والذي - تعالىعليهم رحمة هللا-اإلمام ابن حبان

لما ذكر هذا المثال فيما يرويه حماد بن سلمة عن -رحمه هللا تعالى-اختصره اإلمام ابن الصالح الذي »قال: -صلى هللا عليه وآله وسلم-أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن رسول هللا

إلى إلصاق الوهم بحماد بن سلمة، بل ننظر هل روى هذا الحديث عن يلزمها أي ابتداء أال نبادر حماد بن سلمة أصحابه؟ أم واحد فقط هو الذي تفرد بالحديث عن حماد؟ فإن كان الحديث رواه عن حماد جماعته أصحابه فالخطأ حينئذ من حماد، أما إذا كان الذي تفرد عن حماد رجل واحد

«.يلصق الوهم بذلك الراوي الضعيف ويبرأ حماد منه ال سيما إذا كان ضعيفا فحينئذ

ابن معين -رحمه هللا تبارك وتعالى-وهذا كالم شبيه بقصة معروفة وردت عن ابن معين رحمه هللا تبارك -كان إمام الحديث وإمام في علل الحديث وإمام في الجرح والتعديل وكان

شيخ، من شيوخ كثيرين، ومن غير حريصا على أن يسمع الحديث الواحد من غير -وتعالىوجه، هذا هو االعتبار، ليعرف ما اتفق فيه الرواة وما اختلف فيه الرواية، ما تفرد به بعضهم وما لم يتفرد به بعضهم ليعرف إصابة المصيب وخطأ المخطئ، أراد أن يميز من المخطئ في

ن من شأنه الخطأ أحيانا , تلك األحاديث التي يخطئ فيها حماد بن سلمة ألن حماد بن سلمة كافقضية خطأ حماد كانت مسلمة عند ابن معين وكان مفروغا منها ولكن بحثه إنما هو: هل تلك األحاديث التي وقعت خطأ في أحاديث حماد هل كل هذه األخطاء المخطيء فيها هو حماد أم

بعضها قد يكون الخطأ فيها عن غير حماد؟.

يوخه الذين أخذوا عن حماد بن سلمة، فدخل عليه وقال فذهب إلى عفان بن مسلم وهو من شفقال: ما سمعتها إلى اآلن! « يا عفان أريد أن أسمع كتب حماد بن سلمة التي عندك »له:

تعجب، يعني كيف ابن معين على كثرة ما طلب من العلم إلى اآلن لم يسمع كتب حماد بن سلمة فقال وهللا ال « عة عشر رجال وأنت الثامن عشرال قد سمعتها من سب»مع شهرة هذه الكتب قال:

إنا لنسمع الحديث من ثالثين وجها ثم » -رحمه هللا تعالى-حدثتك، طبعا ابن معين كان يقول يعني هو ما زال في الثامن عشر، فقال وهللا ال حدثتك، فقال إن هما إال درهمان « نخطئ فيه

ى بن إسماعيل التبوزكي، إن هما إال درهمان فأنقلب إلى البصرة فأسمعها من التبوزكي موسأؤجر دابة إلى البصرة وأدخل على موسى بن إسماعيل التبوزكي واسمعها منه، فدخل على

موسى بن إسماعيل التبوزكي كانت يسيرة جدا يذهب إلى البصرة يأتي من البصرة يذهب إلى ل التبوزكي وقال له أريد أن الكوفة عميلة سهلة طافوا البلدان، فدخل على موسى بن إسماعي

أسمع كتب حماد بن سلمة التي عندك، قال لم تسمعها حتى اآلن! قال قد سمعتها من سبعة عشر رجال وأنت الثامن عشر، فتعجب التبوزكي من يحيى بن معين، طبعا التبوزكي شيخ محدث

ن روى الحديث وليس ناقد وليس من الحفاظ كما ذكرنا في اللقاء الماضي الفرق، ليس كل مقد سمعتها من سبعة »يكون ناقدا ، ابن معين محدث ناقد كأحمد بن حنبل كالبخاري وهكذا، قال

هذه هي القاعدة موضع الشاهد -، قال: وماذا تفعل بهذا؟ فقال: «عشر رجال وأنت الثامن عشروما أخطئ إن حماد بن سلمة كان يخطئ فأريد أن أميز بين ما أخطأ فيه حماد بنفسه » -عندناأرأيت الدقة، دقة المحدثين هو يعلم أن الحديث خطأ لكن يريد أن يعرف الخطأ من حماد « عليه

Page 239: علوم الحديث   المستوى الثاني

أم من الراوي عنه، إنصاف، وليس كهذه األيام كلما وجدت راويا ضعيفا يكون هو المخطئ قد يكون شيخه الذي أخطأ وهو لم يخطيء في هذا الحديث وإذا وجدت في اإلسناد أكثر من راومن الممكن أن يتوجه إليه الخطأ فال تبادر إلى إعالل الحديث بالرجلين فلربما كان الخطأ من أحدهما واآلخر بريء من ذلك والعلماء لهم في ذلك جوالت وأمثلة ذلك كثيرة ال يسعها المقام.

إن حماد بن سلمة كان يخطئ فأريد أن أميز بين ما أخطأ فيه حماد بنفسه وما أخطئ عليه »ذا رأيت أصحاب حماد قد اتفقوا على شيء عرفت أن الخطأ من حماد أما إذا وجدت أصحاب فإ

حماد قالوا شيئا وواحد منهم هو الذي تفرد بهذا الوجه الخطأ عرفت أن الخطأ من هذا الواحد هذا هو االعتبار.« وليس من حماد فأميز بين ما أخطأ فيه حماد بنفسه وما أخطئ عليه

يستفيدون بذلك، بماذا؟ بمعرفة من المخطئ في -ليهم رحمة هللا تبارك وتعالىع-إذن العلماء الرواية ومن المصيب فيها؟ وهل هذه الرواية من الممكن أن تؤثر في الرجل نفسه فتكون سببا

في تجريح العلماء له أم ال؟

ابن معين نقطة أخرى أو فائدة أخرى من فوائد االعتبار وهو معرفة تمييز الرواة كما فعلهكذا عرف أن حماد بن سلمة يخطئ وأن هذه األحاديث أخطأ فيها وتلك لم يخطئ هو فيها وإنما

أخطأ فيها بعض الرواة اآلخرون فيجمعون كل ذلك ليعرفوا كم حديثا رواه ذلك الراوي؟ وكم ؤه كان حديثا أصاب فيه؟ وكم حديثا أخطأ فيه؟ فيميزون بين إصاباته وأخطائه فإن كثرت أخطا

ذلك دليال على سوء حفظه أما إذا كانت أخطاؤه قليلة بقدر إصاباته أو في جنب إصاباته فهي ال تؤثر عليه جرحا وإن كانت تلك األحاديث هي محكوم بكونها أخطاء.

الفائدة األخيرة هناك فرق بين ثبوت المتابعة أو الشاهد وبين أن يعتد بها ويدفع بمقتضاها ي الرواية، ليس كل متابعة تجيء في الروايات يكون لها التأثير الذي يرجى من التفرد الواقع ف

المتابعة، يعني وجدنا كذابا تابع راويا ، المتابعة وجدت أم ال؟ وجدت لكن متابعة الكذاب تنفع؟ ال تنفع، ووجود متابعة الكذاب وعدمها سواء.

الواقع، صورية ال حقيقة لها في األمر اآلخر: قد تكون المتابعة صورية ال حقيقة لها فيالواقع يعني الحديث فرد تفرد به الراوي ثم جاء بعض الضعفاء فروى رواية أخرى تضمنت متابعة لبعض الرواة للحديث فأوهم ذلك المتابعة، ومع ذلك ال يعتد العلماء بهذه المتابعة وال

يحكمون بمقتضاها وال يدفعون التفرد عن الراوي األول.

نحن نعلم أن حديث األعمال بالنيبات حديث فرد تفرد به يحيى األنصاري عن محمد مثاله، صلى هللا -بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب عن رسول هللا

من المتفرد بهذا الحديث محمد بن إبراهيم التيمي، هكذا العلماء قالوا، هذا -عليه وآله وسلمد محمد بن إبراهيم التيمي وإن كان حديثا صحيحا ، نحن كما قلنا ليس كل ما الحديث من أفرا

تفرد به الراوي يكون ضعيفا بل من األفراد ما هو صحيح ومنه ما هو غير صحيح.

جاء بعض الرواة ممن في حفظهم بعض الضعف ولكن لم يكونوا ضعفاء يعني نستطيع أن عن الربيع بن جابر الضبي عن محمد بن عمرو نقول صدوق في الجملة، هذا راو روى حديثا

بن علقمة عن محمد بن إبراهيم التيمي، إذن صار محمد بن عمرو بن علقمة متابعا ليحيى األنصاري العلماء ماذا قالوا؟ قالوا: هذا خطأ هذا باطل هذا ال أصل له إنما الحديث حديث يحيى

طأ في ذلك، فتلك متابعة وردت أم ال؟ األنصاري ومن رواه عن غير يحيى األنصاري فقد أخوردت ولكنها ناتجة عن خطأ بعض الرواة أي أبدل راويا براو فأوهم التعدد، أوهم أن الحديث يرويه أكثر من راو والواقع أنه لم يروه إال راو واحد، ويقع أيضا هذا في الشواهد، مثاله مثال

Page 240: علوم الحديث   المستوى الثاني

دة األنصاري عن أبي قتادة األنصاري عن حديث يحيى بن أبي كثير عن عبد هللا بن أبي قتا( هذا إذا أقيمت الصالة فال تقوموا حتى تروني أنه قال ) -صلى هللا عليه وآله وسلم-رسول هللا

حديث صحيح ولكن هكذا إسناده، هو من حديث أبي قتادة األنصاري ومن رواه عن غير أبي صدوق ولكنه يخطيء أحيانا فرواه قتادة األنصاري فقد أخطأ، فجاء جرير بن حازم وهو رجل

إذ أنه قال ) -صلى هللا عليه وآله وسلم-عن ثابت البناني عن أنس بن مالك عن رسول هللا ( قال العلماء هذا خطأ، الحديث ليس من حديث أنس بن أقيمت الصالة فال تقوموا حتى تروني

ابي ها هنا أخطأ في ذلك.مالك أبدا إنما هو من حديث أبي قتادة األنصاري فمن أبدل الصح

إذن الشواهد أيضا قد تأتي وال يعتد بها العلماء وال يحكمون بمقتضاها، لكونها خطأ من قبل بعض الرواة.

قد يكون الحديث مع ذلك الحديث تفرد به راو واحد ومع ذلك ظهر أن هناك راو آخر يرويه، لروايات تبين أن أحد الرجلين أخذ ولكن بعد التتبع والصبر واالعتبار والتفتيش في الكتب وا

الحديث من اآلخر، فبعد أن كانت الرواية توهم التعدد تبين أن إحدى هذه الروايات راجع إلى اآلخر أحد المخرجين راجع إلى مخرج الرواية األخرى فصار في الرواية رواية فردة غريبة ال

عروة بن الزبير عن عائشة تعدد فيها من ذلك حديث يرويه محمد بن إسحاق عن الزهري عن ( صالة بسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك ) -صلى هللا عليه وآله وسلم-عن رسول هللا

هذا الحديث حديث موضوع، ولكن أنت إذا تأملت اإلسناد تقول هذا اإلسناد محمد بن إسحاق عن - عنهارضي هللا-صدوق والزهري إمام حافظ وعروة كذلك يرويه عن عائشة أم المؤمنين

فلو أن محمد بن إسحاق توبع بأي متابعة فإن هذا ينفعنا، -صلى هللا عليه وآله وسلم-رسول هللا فوجدنا راويا آخر اسمه معاوية بن يحيى الصدفي قد تابع محمد بن إسحاق، فالباحث الذي ال

يقول محمد بن يتأمل األسانيد وال يعرف مسالك العلماء في اعتبار الروايات قد يغتر بذلك وإسحاق لم يتفرد بالحديث بل تابعه معاوية بن يحيى الصدفي وهو إن كان فيه ضعف لكن مثل

هذا ينفع في باب الشواهد والمتابعات، ولكن تبين ألهل العلم كأبي زرعة وغيره من نقاد الحديث قطه أن محمد بن إسحاق أصال أخذ الحديث من معاوية بن يحيى الصدفي عن الزهري ثم أس

ألنه كان يدلس وارتقى بالحديث إلى الزهري على سبيل التدليس مباشرة فرجع الحديث إلى أنه من حديث معاوية بن يحيى الصدفي فألجل هذا لم يكن تلك المتابعة موضع اعتداد وال يبنى اب عليها دفع التفرد المنسوب إليه الراوي وهللا أعلم، هذا ما أردت أن أنبه عليه فيما يتعلق بب

االعتبار.

النوع السادس عشر في األفراد، وهو أقسام: تارة ينفرد به ) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف الراوي عن شيخه كما تقدم أو ينفرد به أهل قطر كما يقال تفرد به أهل الشام أو العراق أو

لحافظ الحجاز أو نحو ذلك، وقد يتفرد به واحد منهم فيجتمع فيه الوصفان وهللا أعلم، ولالدارقطني كتاب في األفراد في مائة جزء ولم يسبق إلى نظيره وقد جمعه الحافظ محمد بن

(طاهر في أطراف رتبه فيها.

نحن قلنا: إن من أسباب رد الرواية أن يتفرد بها الراوي وذكرنا أيضا أنه ليس كل تفرد ذلك التفرد فترشد الناقد إلى يكون دليال على خطأ الراوي، وإنما يقع ذلك حيث تنضم قرينة إلى

أن خطأ في الرواية قد وقع، هنا تكلم عن التفرد وسيتكلم في أواخر الكتاب عن الحديث الغريب وكثير من المسائل التي يطرحونها في باب األفراد موجودة أو معادة هناك في باب الغريب

أيضا .

فرد به ال يتابعه عليه غيره، وأن تكلم هنا على أن الحديث الفرد هو الذي يرويه راو واحد يتهذا التفرد منه ما هو تفرد مطلق ومنه ما هو تفرد نسبي التفرد المطلق أي أن يكون الحديث ال

Page 241: علوم الحديث   المستوى الثاني

يروى في الدنيا إال بهذا اإلسناد ال يروى بغير هذا اإلسناد ولو على أي وجه من األوجه بخالف بعض الرواة، ولكن إذا رويته عن روايا التفرد النسبي فقد يكون الحديث مشهورا معروفا عن

(فهو إذا أقيمت الصالة فال تقوموا حتى تروني آخر فهو غريب، كما ذكرنا مثال في حديث )محفوظ مشهور يرويه الناس عن يحيى بن أبي كثير باإلسناد إلى أبي قتادة األنصاري، أما

ير بن حاتم عن ثابت البناني.روايته عن ثابت البناني عن أنس فذلك يعد غريبا تفرد به جر

هذه غرابة مطلقة أم بالنسبة إلى حديث ثابت؟ بالنسبة إلى حديث ثابت عن أنس وإال فالحديث مشهور من غير طريق ثابت فهو مشهور عن يحيى بن أبي كثير عن عبد هللا بن أبي قتادة عن

رد حيث ينسب إلى بلد وأحيانا يستعملون التف -رضي هللا عنه وأرضاه-أبي قتادة األنصاري معينة فيقولون هذه سنة ال تعرف إال عند المكيين هذه سنة ال تعرف إال عند البصريين ونحو

ذلك وغالبا ما يكون اإلسناد مسلسال برواة هذه البلد فيقولون هذه سنة تفرد بها أهل البلد الفالنية ة إلى أهل هذه البلد ويقصدون واحدا أو تفرد بها واحد من بلد معينة فينسب التفرد تفرد هذه السن

منهم ال أنهم جميعا رووا الحديث وإال لو أنهم رووا ذلك الحديث لما كان فردا من هذه الحيثية وأحيانا يقولون هذا الحديث فرد بالنسبة إلى الثقات يعني لم يروه ثقة عن الزهري إال مالك، كما

زهري ثقة إال مالك، وإال فقد رواه عن الزهري غير قالوا في حديث المغفر قالوا لم يروه عن المالك من غير الثقات، أما الثقات فلم يروه إال مالك عن الزهري، هذا هو ما يتعلق بهذه

االصطالحات الواردة في هذا الباب إجماال، وأيضا لي نقاط وتنبيهات في هذا الباب أريد أن أنبه يغفلون عن بعض المسائل وبعض التفريعات المتعلقة إخواني عليها ألن كثيرا من طلبة العلم

بهذا الباب فيقعون في أخطاء وفي سوء فهم لبعض كلمات العلماء الواردة في هذا الباب.

كانوا يذمون عموما األفراد والغرائب -عليهم رحمة هللا تبارك وتعالى-أوال : علماء الحديث ن األفراد والغرائب الغالب فيها الضعف ويمدحون المشاهير، ويمدحون رواية المشاهير أل

بخالف األحاديث التي يرويها أكثر من واحد فهي أبعد ما تكون عن الخطأ والضعف ولهذا كان يقول ال تكتبوا هذه األحاديث الغرائب فإنها مناكير وعامتها عن -رحمه هللا تعالى-اإلمام أحمد

حيحة إال أن يتبين خطأ هذا الراوي الثقة، الضعفاء، طبعا إذا كانت عن الثقات فهي أحاديث صشر الحديث الغريب التي ال يعمل بها وال يعتمد »يقول -رحمه هللا تعالى-وكان اإلمام أحمد

وكان « شر العلم الغريب وغير العلم الظاهر الذي قد رواه الناس »وقال اإلمام مالك « عليهايعني المشهور « لذي يجيئك من ها هنا وها هنا العلم ا» -رحمه هللا تعالى-عبد هللا بن المبارك

هذا هو العلم، وكان اإلمام أحمد ينكر الذي يطلب األسانيد الغريبة التي أخطأ فيها الرواة يعني « يجيئون بثالثين إسنادا أو بنحو ذلك ما أقل العلم عندهم »ويستكثر من ذلك وقال:

لرواة وقيل البن معين لماذا ال تسمع بعض يضيعون الوقت في سماع األخطاء التي أخطأ فيها ااألحاديث الغرائب قال: ألهاكم التكاثر، يعني أن تستكثروا من األشياء التي ال منفعة من وراءها

وال تأثير فيها وال رجاء من ورائها.

كما قلنا ال يعتبرون مجرد -عليهم رحمة هللا تبارك وتعالى-األمر الثاني: علماء الحديث ة، وإنما العلة التفرد مع ما انضم إليه من دليل يدل على الخطأ أو من قرينة ترجح التفرد عل

جانب الخطأ فهذا هو التفرد الذي يكون خطأ أو التفرد الذي يعل به الحديث وأنا كنت قد جمعت ذلك في أبيات ال بأس أن تعرفوها لتكون ضابطا عاما لألسباب التي إذا انضمنت إلى التفرد

دليال على الخطأ, ويكون موجبا إلعالل الحديث وهذه المعاني التي ضمنتها هذا النظم يكون ذلكليست جامعة لكل القواعد التي يمكن أن تنضم إلى التفرد فيكون ذلك دليال على خطأ الراوي أو

عليهم رحمة هللا تبارك -على علة الحديث, وإنما هذا أكثر ما يستعمل ويوجد في كالم أهل العلم .-وتعالى

Page 242: علوم الحديث   المستوى الثاني

قلت:

وكثر اإلعالل بالتفرد لدى أئمة الحديث العمد •

وجاء ذم الفرد عن جمهور العلما والمدح للمشهور •

فقو االعالل به إن تقترن به قرينة كأن يكون من•

نازل أو من هم دون أهل الحفظ واإلتقان أو مقل•

أو عن إمام مكثر أصحابه قد جمعوا حديثه•

ة أو أن يكون الخبر إسناده أو متنه مستنكرأو كتبه مشهور•

أو جرت العادة باشتهار ما كان مثله من األخبار•

أو اعترى الرواية اختالف يقدح وهو عندهم أصناف•

فهذه ضوابط عامة لمعرفة المعاني التي إذا ما انضمت إلى التفرد كان ذلك دليال على خطأ ني بشيء من اإليجاز ليتسع لنا المقام:هذا الراوي المتفرد ونحن نشرح هذه المعا

أوال : أن يكون التفرد الذي وقع في الرواية من قبل راو متأخر نازل في الطبقة ونحن ذكرنا لما ذكر الحفاظ الثقات ورتبهم -رحمه هللا تبارك وتعالى-في لقاء سابق ما ذكره اإلمام الذهبي

كر في كل طبقة طبقة من كان في هذه على الطبقات من الصحابة حتى إلى زمن مشايخه، فذالطبقة من كبار الحفاظ من كبار الثقات الحفاظ فبعد أن سمى هذه الطبقات وسمى األعالم

فهؤالء الحفاظ الثقات إذا انفرد الرجل منهم من التابعين فحديثه » الحفاظ في هذه الطبقات، قال: انظر تغير الحكم باختالف « غريب صحيح، وإن كان من األتباع أي أتباع التابعين قيل صحيح

لم يقل صحيح حينئذ ثم قال: « وإن كان من أصحاب األتباع قيل غريب فرد»الطبقة ثم قال: هو ال يتكلم عن الضعفاء وإنما يتكلم عن الثقات الحفاظ « ويندر تفردهم فتجد اإلمام منهم »ثالثة ثم قال وأما من بعدهم فأين فتجد اإلمام منهم عنده مائة ألف حديث ال يكاد ينفرد بحديثين»

وقد يسم جماعة من الحفاظ الحديث الذي ينفرد »ثم قال: « ما ينفردون به ما علمته وقد يوجد يعني يسمون تفرد « به مثله شيء وهو من الثقات وحفص بن غياث وهو أيضا من الثقات منكرا

ن كان المنفرد من طبقة مشيخة األئمة فإ»هؤالء الثقات مناكير؛ ألنهم نازلون في الطبقة ثم قال: يعني شيوخ البخاري وشيوخ مسلم إذا انفردوا أطلقوا النكارة على ما انفرد به مثل عثمان بن

هو يتكلم عن الثقات الحفاظ ثم بين أن « أبي شيبة وأبي سلمة التبوزكي وقالوا هذا حديث منكرالطبقة وقد رأيت أننا كلما نزلنا بالطبقة تفرد هؤالء الثقات الحفاظ يختلف الحكم عليه باختالف

كلما كان التفرد أقرب من الضعف منه إلى القبول.

فمن ينفرد »قال في كرام معروف له قال: -عليه رحمة هللا تبارك وتعالى -واإلمام البيهقي رد به هو إنما يتكلم عما ينفرد به الثقات ال ما ينف« اليوم بحديث ال يوجد عند غيره ال يقبل منه

الضعفاء، فمن ينفرد اليوم بحديث ال يوجد عند غيره لم يقبل ذلك منه وبطبيعة الحال هذه مسألة وتحتاج إلى كالم طويل وإنما نجتزيء اليوم على إشارات لعل يكون فيها هداية دقيقة جدا

لطالب العلم.

Page 243: علوم الحديث   المستوى الثاني

الحديث أن يكون السبب اآلخر من األسباب التي إذا ما انضمت إلى التفرد كان ذلك علة فيالتفرد من قبل واحد ليس من الحفاظ وإنما هو من دون الحفاظ ونحن ذكرنا في اللقاء السابق أن من دون الحفاظ يسمون بالشيوخ، وهؤالء تفرداتهم ليست كتفردات الحفاظ، الحافظ سمع كثيرا،

نه التفرد.سمع فأوعى فبإمكانه أن يأتي بما ال يعرفه غيره، فيتفرد مثل ذلك ويحتمل م

أما من لم يطلب من العلم إال القليل لم يسمع من العلم إال الحديث والحديثن والثالثة ولم يرحل إنما سمع من أهل بلده فقط فأنى لمثل هذا أن يأتي بشيء ال يعرفه غيره من الثقات الحفاظ.

لحفاظ المتقدمين وأما أكثر ا» -رحمه هللا تبارك وتعالى-ولهذا يقول اإلمام ابن رجب الحنبلي يعني لم تقع خالف مجرد « فإنهم يقولون في الحديث إذا انفرد به واحد وإن لم يرو الثقات خالفه

ثم بين أن ليس كل تفرد يكون علة « يقولون إنه ال يتابع عليه ويجعلون أن ذلك علة فيه»تفرد، ديثه كالزهري اللهم إال أن يكون ممن كثر حفظه واشتهرت عدالته وح»في الحديث فقال:

هؤالء كبار الحفاظ يحتمل من مثلهم أن يأتوا بما ال يعرف عند غيرهم، قال وربما « ونحوهيستنكرون بعض تفردات الثقات الكبار أيضا ولهم في كل حديث نقد خاص ليس عندهم لذلك

ضابط يضبطه، إنما عموما الثقات الحفاظ األصل أن تقبل تفرداتهم، أما الشيوخ الذين اليعرفون بكثرة السماع والرواية فهؤالء األصل عدم قبول تفرداتهم اللهم إال أن يتبين في حديث ما أن هذا الحافظ أخطأ فيه فال يقبل منه أو أن هذا الشيخ أصاب فيه فيقبل ذلك منه وهذا راجع

إلى االعتبارات األخرى والقرائن المحتفة بالرواية.

د رواه راو مقال من الرواية كما نحن قلنا المكثر يحتمل المعنى الرابع: أن يكون الحديث قمن مثله أن يأتي بما ال يعرفه غيره أما المقل هو أصال لم يرو إال القليل من الحديث فأنى لمثل

ال يؤخذ العلم إال ممن شهد له »هذا أن يأتي بشيء ال يعرفه غيره ولهذا كان ابن عون يقول: وكان اإلمام شعبة بن الحجاج خذوا العلم من المشهورين، « سبالطلب واشتهر ذلك بين النا

عن عبيد هللا بن علي بن أبي رافع، -رحمه هللا تبارك وتعالى-وسئل اإلمام أبو حاتم الرازي فهذ العبارة تدل على أن الراوي في جملة الثقات « ال بأس بحديثه ليس منكر الحديث»فقال:

ال هو يحدث بشيء »قيل له يا إمام أيحتج بحديثه؟ قال: وإن كان من أدنى مراتب الثقات، ثميعني مقل من الرواية فمثل هذا ال يحتمل منه أن يحتج بما تفرد به إنما يصلح « يسير هو شيخ

في الشواهد، يصلح في أن يستأنس بروايته، في أن يعتبر بروايته فيقوى بها رواية أخرى لكن وجد عند غيره فهذا أمر آخر.أن يعتمد عليه وأن يؤخذ منه أصل ال ي

وكما جاء عن أبي حاتم أيضا في موضع آخر لما سئل عن بعض الشيوخ أيحتج به قال: ال يقصد بالشيوخ إال المعنى الذي شرحناه سابقا من أنهم من « من كل ألف شيخ يحتج بشيخ »

اإلمام أحمد عن دون الحفاظ، المقلون، الذين ال يعرفون بكثرة السماع ورواية الحديث، وسئل انظر معنى أنها مشهورة أنه لم « أما األحاديث المشهورة»إسماعيل بن زكريا الخلقاني، فقال: أما األحاديث المشهورة التي يرويها فهو فيها مقارب »يتفرد بها وإنما يرويها غيره أيضا ،

يعني فيما تفرد به. « الحديث صالح، ولكن ليس ينشرح الصدر لها

ليس يعرف بطلب لم يتفرغ لم يفن عمره في « ألنه ليس يعرف بالطلب »ذا؟ قال: قيل له لماطلب الحديث, وإنما جلس مجالس قليلة أو سمع أحاديث قليلة وليس كالذي أفنى عمره في طلب

إذن هو عنده من جملة الثقات، ومع ذلك « ما كان به بأس»الحديث، وقال في رواية أخرى: ب، أي مقل في الرواية لم يعتن بالرواية العناية الكبيرة فألجل هذا ال لكونه ليس معروفا بالطل

ليس به »يعتمد عليه وال يحتج بما تفرد به، وهذا الراوي نفسه لم سئل عنه يحيى بن معين قال: صالح »وابن معين إذا قال ليس به بأس فهو عنده من الثقات، ثم قال في موضع آخر: « بأس

نحن نقول صالح الحديث ليس به بأس « ال, الحجة شيء آخر»ه قال: قيل له أيحتج ب« الحديث

Page 244: علوم الحديث   المستوى الثاني

واضح هذا الكالم من حيث ما يستحقه الراوي من حيث منزلته في الجرح والتعديل لكن الحجة شيء آخر، ألن الحجة بالحديث ليس متوقفا على حال الراوي فقط كما قلنا في اللقاء السابق حال

بول ذلك الذي تفرد به من عدم أهليته لذلك، وقال اإلمام الذهبي الراوي من جهة ومدى أهليته لقإن مجاهد هذا شيخ محله الصدق »في حديث رواه مجاهد بن وردان عن عروة عن عائشة قال:

إذن هو من جملة الثقات ولكنه مع ذلك مقل من الحديث، فقال الذهبي ماهو كالزهري « مقل ن جملة الثقات لكن ليس كهؤالء الكبار الحفاظ.وهشام بن عروة في التثبت، وهو إن كان م

فتفرده بالجهد أن يكون صحيحا غريبا ولو »كيف نتعامل مع حديث مثل هذا الرجل؟ قال: إذن لم يعامله معاملة الزهري وهشام بن عروة من كبار الحفاظ لما « استنكر حديثه هذا لساغ

رجل مقل.قد شرحه من أنه ليس مكثرا من سماع الحديث بل هو

معنى آخر من المعاني التي إذا ما انضمت إلى الرواية كان ذلك دليال عى خطأ الراوي المتفرد بها، أن يكون الراوي الذي تفرد تفرد بالحديث عن بعض كبار الحفاظ، الذين لهم

أصحاب قد حفظوا أحاديثهم، أحاديث هذا الحافظ واعتنوا بها غاية العناية واشتغلوا بها غاية لشغل ولم يخفى عليهم وإن جاز أن يخفى على بعضهم حديثا من أحاديث ذلك اإلمام الحافظ ا

الكبير كالزهري مثال .

هناك طائفة من رواة الحديث تخصصوا في الزهري، طول عمره عايش يدرس حديث الزهري فقط كأن هذا اإلمام الزهري جامعة من الجامعات العلمية فهذا الطالب أفنى عمره

ان وحفظ حديث الزهري على وجه الخصوص، فهذا بطبيعة الحال يكون أعلم الناس بحديث إلتقالزهري، فهو يعرف كل ما حدث به من حديث، ويعرف أنه حدث عن الشيخ الفالني بكذا حديث، وعن هذا الشيخ بكذا حديث، الموصوالت في حديثه كذا وكذا، المراسيل كذا وكذا

ات كذا وكذا، صنف أحاديث الزهري وحفظه واعتنى بها غاية المرفوعات كذا وكذا، الموقوف العناية.

فمثل هذا يصعب عليه أن يخفى عليه حديث من أحاديث الزهري ال سيما أن الزهري حفاظ حديثه ليس واحد أو اثنان بل جماعة كثيرون كمالك وابن عيينة ومعمر وزهير وهكذا، فهؤالء

دنا حديثا يرويه واحد ليس من هؤالء الحفاظ يتفرد به عن جميعا اعتنوا بحديث الزهري فإذا وج الزهري والحديث ليس معروفا عند واحد من هؤالء الحفاظ العارفين بحديث الزهري.

لو قلنا قد يخفى على مالك، لكن ما باله خفي أيضا على ابن عيينة؟ ما باله خفي على شعيب خفي على يونس؟ صعب جدا أن يخفى الحديث بن أبي حمزة؟ ما باله خفي على عقيل؟ ما باله

على كل هؤالء الذين تخصصوا على حديث الزهري، ثم يطلع عليه رجل ليس معروفا بصحبة في مقدمة -رحمه هللا تبارك وتعالى-الزهري وال االعتناء بحديثه، كما قال اإلمام مسلم

فرد به المحدث من الحديث وحكم أهل العلم والذي نعرف من مذهبهم في قبول ما يت»الصحيح: أن يكون قد شارك الثقات من أهل العلم والحفظ في بعض ما رووا، وأمعن في ذلك على

موافقتي لهم فإذا وجد كذلك ثم زاد بعد ذلك حديثا أو شيئا ليس عند أصحابه قبلت زيادته فأما من غيره، أو لمثل هشام تراه يعمد لمثل الزهري في جاللته وكثرة أصحابه الحفاظ لحيدثه وحديث

بن عروة وحديثهما عند أهل العلم مبسوط مشترك، قد نقل أصحابهما عنهما حديثهما على االتفاق منهم في أكثره، فيروي هذا الرجل المتفرد عن مثل هؤالء فيروي عنهما أو عن أحدهم

مما عنده العدد من الحديث مما ال يعرفه أحد من أصحابهما، وليس ممن قد شاركهم في الصحيح «.فغير جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس

Page 245: علوم الحديث   المستوى الثاني

من ذلك أحاديث أعلها اإلمام مسلم نفسه في كتاب التمييز, وعلل عدم قبوله لها بمثل تلك القاعدة التي قد أشار إليها في مقدمة كتابه الصحيح، من ذلك أنه ذكر في هذا الكتاب حديثا

صلى هللا عليه وآله -اسم عن عائشة عن رسول هللا يرويه المعافى بن عمران عن صليح عن القيعني ليس مشهورا عن المعافى « هذا الحديث ليس بمستفيض عن المعافى »ثم قال: -وسلم

وإنما تفرد به رجل واحد عن المعافى، قال إنما رواه هشام بن بهرام وهشام بن بهران منن جملة عمران لم يحتمل اإلمام مسلم منه ذلك التفرد مع الثقات, لكن لما تفرد بمثل هذا عن المعافى بن

وهو شيخ من الشيوخ أي ليس من »ما قال هو حافظ: « وهو شيخ»أنه من جملة الثقات، قال: قال: « الكبار الحفاظ وإن كان ثقة ولكنه ال يحتمل أن يتفرد بحديث عن مثل المعافى بن عمران

تفرد، فهذا اإلمام مسلم قد نص على القاعدة إذن« وهو شيخ من الشيوخ وال يقر الحديث بمثله»ثم هو ذكر في كالمه مثاال يصدق عليها، واألمثلة على هذا كثيرة جدا، وبطبيعة الحال المعنى

بمثل هذا المثال. -عز وجل-قد اتضح بفضل هللا

حديث آخر رواه رجل اسمه يحيى بن آدم عن سفيان الثوري عن زبيد بإسناده حديثا يرفعه وهذا »سئل ابن معين عن يحيى بن آدم فوثقه ثم قال: -صلى هللا عليه وآله وسلم-لى رسول هللا إ

لو كان هذا الحديث صحيحا أو هكذا صحيحا لرواه الناس جميعا »قال: « الحديث خطأ أو وهمألن سفيان الثوري من كبار الحفاظ الذين تخصص فيه جماعة من أصحابه، فكيف « عن سفيان

لحديث عن جماعة أصحاب الثوري ثم ال يطلع عليه إال من ال يعرف باالعتناء بحديث خفي ا الثوري بل قد يكون من جملة من جرب عليه الخطأ فيما إذا روى عن سفيان الثوري.

أيضا قرينة أخرى من تلك القرائن التي إذا ما انضمت إلى التفرد دل ذلك على خطأ الراوي يث نفسه إسنادا أو متنا مشتمال على نكارة، العلماء نظروا في السند المتفرد وهو أن يكون الحد

فوجدوا خطأ وقع في اإلسناد نكارة معنى منكرا في اإلسناد أو نظروا إلى المتن فوجدوا فيه معنى منكرا أيضا فالنكارة التي تقع في اإلسناد أو تقع في المتن ترشد علماء الحديث إلى أن هذا

ال »تفرد بذلك الحديث أخطأ في ذلك الحديث؛ ألن الحديث الشاذ كما قال شعبة: الراوي الذي والخطأ الواقع في الرواية البد أن يكون من ورائه « يجيئك الحديث الشاذ إال من الرجل الشاذ

مخطيء في اإلسناد فإذا كانت الرواية قد وقع في إسنادها أو متنها خطأ فالبد وأبدا أن يكون إذا وجدوا خطأ في اإلسناد -عليهم رحمة هللا تبارك وتعالى-في الرواية فالعلماء هناك مخطيء

أو المتن نظروا في اإلسناد، هل وقع تفرد أم ال؟

فإن وقع تفرد استدلوا بتفرد هذا الراوي على أن هذا مما أخطأ فيه إذ لو كان صوابا لما تفرد من جملة الثقات عن الثوري عن سليمان مثله بمثله، من ذلك حديث يرويه عبد الرزاق وهو

-صلى هللا عليه وآله وسلم-أن رجال سأل النبي الشيباني عن يزيد بن األصم عن ابن عباس: ) (.فقال: أحج عن أبي؟ قال: نعم إن لم تزده خيرا لم تزده شرا

أن الحديث معروف بغير هذه الزيادة، وهو ثابت في قصة شبرمة، في الحج عن الغير ولكن : -عليه الصالة والسالم-يتضمن المتن هذه الزيادة استنكرها العلماء وهو ما ينسب إلى النبي

(فالعلماء أنكروا ذلك الحديث غاية اإلنكار وحملوا ذلك على نعم، إن لم تزده خيرا لم تزده شر)-البر أن هذا من أخطاء عبد الرزاق، وأنه هو المتفرد بذلك الحديث حتى قال اإلمام بن عبد

هذا الحديث قد حملوا فيه على عبد الرزاق النفراده به عن الثوري من بين » -رحمه هللا تعالىلما وجدوا المعنى منكرا ووجدوا الراوي متفردا قالوا حينئذ هذا الخطأ إنما هو « سائر أصحابه

من جراء ذلك التفرد.

ديث ال يوجد في الدنيا عند النفراده به عن الثوري من بين سائر أصحابه وهذا ح»يقول: « أحد بهذا اإلسناد إال في كتاب عبد الرزاق أو في كتاب من أخرجه من كتاب عبد الرزاق

Page 246: علوم الحديث   المستوى الثاني

يعني هو يرجع إلى عبد الرزاق، ولم يروه أحد عن الثوري غيره وقد خطئوه فيه وهو عندهم صلى هللا عليه وآله -خطأ، قالوا يعني قال علماء الحديث: هذا لفظ منكر ال تشبهه ألفاظ النبي

بما ال يدري هو هل هو ينفع أم ال ينفع؟ فهذا -صلى هللا عليه وآله وسلم-كيف يأمر النبي -وسلم مثال لنكارة المتن.

مثال آخر لنكارة اإلسناد ما ذكرناه في لقاء سابق من أن يكون اإلسناد مشتمال على رواية ن هذا الشيخ ال تعرف إال في هذه الرواية شيخ عن شيخ أو راو عن شيخ ورواية هذ الراوي ع

الغريبة، فيقول العلماء: مثال فالن عن فالن ال يجيء، أو ليس له نظام، أو ال يعرف باألخذ عن فالن، فهذا معنى يستنكر الحديث من أجله، من ذلك مثال حديث داود بن عبد هللا، هارون بن

ملك بن أبي سليمان عن نافع، قال العلماء: عبد إسحاق الهمداني عن عبد هللا بن نمير عن عبد الالملك بن أبي سليمان ليس له رواية عن نافع أصال ، وإنما الصواب عبد الملك بن جريش، عن نافع أخطأ من أخطأ فروى الحديث عن عبد الملك بن أبي سليمان عن نافع، والصواب عن عبد

الملك بن جريج عن نافع.

ث كان عنده عن عبد الملك عن نافع، فظن هو أن عبد الملك هذا ماذا فعل الراوي كأن الحديهو بن أبي سليمان فنسبه اجتهادا ال رواية فوقع في الخطأ، فرواية هذا الراوي عن هذا الشيخ غير معروفة وإنما المعروف رواية ابن جريج عن نافع، وليس ابن أبي سليمان عن نافع، وهذا

يستدلون به على خطأ يقع في -عليهم رحمة هللا تبارك وتعالى-اء يقع في األسانيد كثيرا والعلمالرواية، هناك من القرائن الدالة على الخطأ االختالف، االختالف بطبيعة الحال يرشدنا إلى أن

إن شاء هللا -الذي تفرد أخطأ واالختالف له صور كثيرة وأحكام لكل صورة وكل ذلك سنفصله الخالف بعضها سنتكلم عليها في باب االضطراب والبعض اآلخر عندما نتكلم عن صور -تعالى

في باب مختلف الحديث، وهللا أعلم.

فضيلة الشيخ وردتنا إجابات على أسئلة الحلقة الماضية وكان السؤال األول: ما معنى قول المحدثين فالن شيخ؟

طلب ولم يبلغ في وكانت اإلجابة: يطلق المحدثون لفظ الشيخ على الراوي الذي لم يشتهر بال الحديث مبلغ الحفاظ الثقات، فإطالق شيخ على الراوي ليس توثيقا وال تجريحا .

كالمه صحيح ولكن النتيجة التي توصل إليها محتاجة نوعا من البيان، نحن نقول: الشيخ، لو د ذاتها قال المحدثين شيخ أي ليس حافظا ، لكن قد يكون ثقة وقد ال يكون ثقة أما كلمة شيخ في ح

فال نستطيع أن نفهم منها التوثيق كما ال نستطيع أن نفهم منها التجريح كما قالوا في كلمة حافظ، فكلمة حافظ وحدها ال تدل على التوثيق كما ال تدل على التوثيق كما ال تدل على التجريح فقد

ن الشيخ ثقة مثال يكون الحافظ ضعيفا وقد يكون الحافظ ثقة كما قد يكون الشيخ ضعيفا وقد يكومحمد بن حميد الرازي وصفوه بالحفظ ثم ضعفوه بل ضعفوه جدا ، سليمان بن داود الشازاكوني قالوا: هو حافظ وصفوه بالحفظ ومع ذلك ضعفوه جدا، محمد بن عمر الواقدي وصفوه بالحفظ

قال ابن وضعفوه أيضا جدا ، نوح بن أبي مريم وصفوه بالحفظ ومع ذلك اتهموه بالكذب حتى فهو كان حافظا جامعا للعلوم ولكنه لم يكن صادقا .« جمع كل شيء إال الصدق »حبان:

إذن كلمة حافظ في حد ذاتها ال تدل على التوثيق كما ال تدل على التجريح، إنما تدل فقط على وثيق أن الراوي من المكثر سماعا للحديث ورواية، كذلك كلمة شيخ ال تدل بمفردها ال على الت

وال على التجريح إنما تدل على أنه دون الحفاظ، وقد يكون ثقة وقد ال يكون ثقة.

السؤال الثاني: ما وجه إطالق المنكر على أحاديث الثقات؟

Page 247: علوم الحديث   المستوى الثاني

وكانت اإلجابة: من المعلوم عند أهل الحديث أن حكمهم على الرواية والمتن سابقا لحكمهم على الراوي، سواء كان ثقة أو غير ثقة.على الراوي، وبذلك فإنهم ينكرون الحديث

معنى إطالق المنكر على أحاديث بعض الثقات أي أن هذا الثقة أخطأ في هذا الحديث فالمنكر هنا بمعنى الخطأ وليس هذا تضعيفا للراوي وإال فهو ثقة وإنما يقصدون أنه وإن كان من جملة

نكر لهذه الحيثية, وهللا أعلم.الثقات إال أن هذا الحديث المعين قد أخطأ فيه، فهو م

كنت أريد أن أسأل عن الحديث الضعيف الصالح للتقوي بغيره هل يقويه أهل الحديث بحديث أو برواية موقوفة إن لم يكن المخرج متحدا وهل يختلفون في ذلك؟

السؤال الثاني: هو استشارة أكثر من أن يكون سؤاال بحسب اطالعي الضعيف على كتب أن األحاديث الضعيفة التي يقويها األئمة بالشواهد فقط من غير وجود متابعات الحديث وجدت

لم أجد عليها أمثلة كثيرة تصلح ألن تكون عضدا للقاعدة بهذا الحجم فأنا أسأل من خالل ممارستكم الطويلة للحديث هل توافقونني على هذه النتيجة أو ال؟

لذي يتقوى بالرواية الموقوفة، هل يختلفون السؤال األول: كان يسأل عن الحديث الضعيف ا في ذلك؟

ال شك أن هذا من المسائل االجتهادية، لكن نحن تكلمنا من حيث األصل العام من حيث األصل العام أن الموقوف يصلح في تقضية المرفوع ولكن من حيث التطبيق قد نختلف، أنت

ذا الحديث وأنا ال أرى ذلك في هذا ترى أن هذا الحديث أو هذا األثر الموقوف يصلح لتقوية هعلى الجزئيات اختالفهم في -عليهم رحمة هللا تعالى-الحديث بخصوصه فتختلف أحكام العلماء

الجزئيات ال يدل على اختالفهم في القاعدة العامة أو في الكليات، فهذا من جهة.

الضعيف بالموقوف إنما يقوون الحديث -عليهم رحمة هللا تعالى-من جهة أخرى أن العلماء صلى هللا عليه وآله -يعني يقوون المعنى الذي تضمنه وليس معناه أنه ثابت عن رسول هللا

لكونه موافقا ألثر موقوف على صحابي وإنما هذا يلجئون في األعم األغلب إليه حيث -وسلمى تتضمن يحتاجون إلى الرواية أو إلى الترجيح بين روايات، رواية تتضمن معنى ورواية أخر

معنى آخر، وكلتا الروايتين فيهما ضعف هذه فيها ضعف وتلك فيها ضعف فإذا وجدنا رواية موقوفة وافقت إحدى الروايتين فهذه ترجح هذه على تلك وهذا ترجيح للمعنى الذي تضمنته

، يعني أنها صالحة للحجة حينئذ -صلى هللا عليه وآله وسلم-الرواية وليس لنسبتها إلى رسول هللا وهللا أعلم.

كانت له استشارة عن األحاديث التي تقوم بالشواهد أنها قليلة وضعيفة في كتب أهل العلم فما .رأيكم

هي ليست قلية ولكن كثير من المشتغلين بالحديث ال يميزون بين الضعيف الذي يصلح ون في لالعتبار والضعيف الذي هو منكر أو باطل أو ال أصل له فتجد بعض الباحثين ينظر

الروايات الموجودة في أي كتاب وجد، الرواية التي يسوقها ابن عدي مثال في الكامل وابن عدي إنما يسوق األحاديث في الكامل ليستدل بها على ضعف الراوي الذي ترجم له، إذن هي عنده لتي أحاديث مناكير أخطاء إسنادية، كذلك العقيلي كذلك ابن حبان في المجروحين، كذلك الكتب ا

تعنى بغرائب الروايات كالطبراني في معاجمه ال سيما المعجم األوسط والصغير، وكذلك اإلمام الدارقطني في كتاب الغرائب واألفراد إلى غير ذلك، فهم يجمعون أو يذكرون في هذه الكتب ن األحاديث التي أخطأ فيها الرواة وغالب األخطاء إنما تكون في اإلسناد، فيأتي بعض المتأخري

Page 248: علوم الحديث   المستوى الثاني

أو المعاصرين ممن ال يدرسوا هذا الباب جيدا إذا بهم يجمعون هذه الروايات من كل صعيد ومن كل باب ويقولون هذه تتقوى إنما العلماء ينكرون بعضها أو ينكرون هذه الروايات وهي أخطاء عندهم والحديث قد يكون معروفا من وجه واحد فجاء هؤالء الضعفاء فكل منهم جاء له

قبله فتلك مناكير وأخطاء إسنادية والخطأ ال يعتبر به والمنكر ال يعتبر به، إنما يعتبر بوجه من بالضعيف الذي يحتمل أن يكون صوابا ويحتمل أن يكون خطأ حينئذ ينتفع بتلك الروايات

وتصلح في الترجيح واالعتضاد وتقوية ما نريد أن نقويه بها، أما أن نعمد إلى أخطاء الرواة ر والشواذ وما ال أصل له فنضم بضعه إلى بعض ونقوي ذلك ببعض فهذا خطأ وهذا والمناكي

الذي أشار إليه اإلمام أحمد لما سئل عن األحاديث الفوائت فقال األحاديث عن الضعفاء قد يحتاج إليها في وقت يعني تصلح في باب االعتبار والمنكر أبدا منكرا المنكر ال يصلح أبدا حتى ولو

قبل الثقات، ألن الثقة إذا أخطأ وترجح لدينا خطؤه فال معنى بعد ذلك إلى أن نستفيد كان من بروايته للتقوية، ألننا معنى أننا استفدنا بروايته للتقوية أنه لم يخطيء، ونحن مقرون بأنه أخطأ,

وهللا أعلم.

هناك عدة أسئلة:السؤال األول: ما الفرق بين الشاذ وزيادة الثقة؟

ثم إن هذا السؤال أصال خطأ، يعني هذه -إن شاء هللا تعالى-في الدرس القادم هذا سيأتي -التركيبة هذا السؤال أن تجعل الشاذ في جهة وزيادة الثقة في جهة مقابلة هذا خطأ، فسيتبين لنا

في الدرس القادم أن زيادة الثقة منها ما هو شاذ ومنها ما هو غير شاذ، وهللا -إن شاء هللا تعالى علم.أ

السؤال الثاني: هل يشترط في الشاذ المخالفة؟

نحن تكلمنا فيه في اللقاء الماضي وباستفاضة وذكرنا مذاهب العلماء في ذلك ونحن نقول أنه ال يشترط فيه المخالفة بل من الشاذ ما يستدل على شذوذه بالتفرد، حيث ال يكون المتفرد أهال

ا، أو الصورة الثانية أال يستدل على شذوذه بالمخالفة، وهللا للتفرد بمثل هذه الرواية التي تفرد به أعلم.

فضيلة الشيخ هل يشترط في المتابعة التامة أن يكون متنها هو نفس المتن األصل بال زيادة أو نقصان يعني زيادة كلمة أو نقصان كلمة؟

ذلك بما ال يؤثر على إذا كان االختالف بين الروايتين اختالفا طفيفا يعني زيادة لفظة أو نحوالمعنى الذي تضمنه الحديث فهذا يتسامحون فيه وال يدققون فيه، أما إذا كان االختالف يدل على اختالف المعنى أو ترجح لدى العلماء أن ذاك حديث وذاك حديث آخر هذا حديث قاله رسول هللا

صلى هللا -ه رسول هللا في واقعة وفي مناسبة وهذا حديث آخر قال -صلى هللا عليه وآله وسلم-في واقعة أخرى أو في مناسبة أخرى فحينئذ يتعاملون مع الحديثين معاملة -عليه وآله وسلم

الشواهد هذا حديث وهذا حديث آخر.

أما إذا ظهر لهم أن الواقعة واحدة وأن الحديث واحد وأن القصة واحدة وأن المناسبة واحدة وهللا أعلم. فحينئذ يعاملون ذلك معاملة المتابعات

اذكر مثاال على إطالق االعتبار بمعنى المعرفة؟السؤال األول:

اذكر مثاال على النكارة اإلسنادية؟السؤال الثاني:

Page 249: علوم الحديث   المستوى الثاني

وهللا أعلى وأعلم وأعز وأكرم.

Page 250: علوم الحديث   المستوى الثاني

الدرس السادس عشر

باب زيادة الثقة

ئات أعمالنا من يهده إن الحمد له نحمده ونستعينه ونستغفره ونعود باهلل من شرور أنفسنا وسيهللا فال مضل له ومن يضلل فال هادي له وأشهد أال إله إال هللا وحده ال شريك له وأشهد أن

محمدا عبده ورسوله، وبعد:

في شرح اختصار علوم الحديث له وموعدنا -رحمه هللا تعالى-فما زلنا مع الحافظ ابن كثير لنوع المختص بتناول مبحث زيادة الثقة.اليوم إن شاء هللا مع النوع السابع عشر وهو ا

وهذا المبحث كالمباحث السابقة وأيض ا الالحقة إنما كلها مباحث تدور حول علل األحاديث، وكما قلنا آنفا إن كل نوع من تلك األنواع أو مبحث من تلك المباحث يتناول جانب العلة من جهة

رحمهم هللا -ب كبير، هذا الباب العلماء من الجهات ومن جانب من الجوانب؛ ألن باب العلة باتفننوا في تقسيمه وتنويعه فكل نوع من األنواع التي يشير إلى أنها تتناول جانبا من -تعالى

جوانب العلة إنما تعالج هذا الباب أعني باب العلة من ناحية من نواحيه، وجانب من جوانبه.

جوانب علل األحاديث المتعلقة فيما يزيده هذا النوع الذي هو زيادة الثقة يتناول جانبا من الرواة بعضهم على بعض في الروايات في األسانيد أو في المتون وهذا ما سنعرفه ونعرف

من خالل كالم الحافظ ابن كثير ونسأل هللا تعالى التيسير في شرح -إن شاء هللا تعالى-تفصيله مراده، وبيان ما تناوله من معارف وعلوم.

النوع السابع عشر في زيادة الثقة، إذا تفرد الراوي بزيادة : )-رحمه هللا تعالى-قال المصنف في الحديث عن بقية الرواة، عن شيخ لهم وهذا الذي يعبر عنه بزيادة الثقة، فهل هي مقبولة أم

ال؟ فيه خالف مشهور، فحكى الخطيب عن أكثر الفقهاء قبولها وردها أكثر المحدثين ومن الناس إن اتحد مجلس السماع لم تقبل وإن تعدد قبلت ومنهم من قال: تقبل الزيادة إذا كانت من من قال

غير الراوي بخالف ما إذا نشط فرواها تارة وأسقطها أخرى، ومنهم من قال إذا كانت مخالفة ن في حكم لما رواه الباقون لم تقبل وإال قبلت كما لو تفرد بالحديث كله، فإنه يقبل تفرده به إذا كا

ثقة ضابطا أو حافظا وقد حكى الخطيب على ذلك اإلجماع.

-أن رسول هللا وقد مث ل الشيخ أبو عمر زيادة الثقة بحديث مالك عن نافع عن ابن عمر: )فرض زكاة الفطر في رمضان على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من -صلى هللا عليه وسلم

ت مالك عن نافع، وقد زعم الترمذي أن مالكا تفرد ( ، فقوله: "من المسلمين" من زياداالمسلمين بها وسكت أبو عمرو على ذلك.

ولم يتفرد بها مالك فقد رواها مسلم من طريق الضحاك بن عثمان عن نافع، كما رواها مالك، وكذا رواها البخاري وأبو داود والنسائي من طريق عمر بن نافع عن أبيه كمالك.

( تفرد أبو مالك سعد بن جعلت لي األرض مسجدا وطهور)قال: ومن أمثلة ذلك حديث: صلى هللا -( عن ربعي بن حراش عن حذيفة عن النبي وتربتها طهورطارق األشجعي بزيادة )

رواه مسلم وابن خذيمة وأبو عوانة اإلسفراييني في صحاحهم من حديثه وذكر أن -عليه وسلم (دة الثقة.الخالف في الوصل واإلرسال كالخالف في قبول زيا

Page 251: علوم الحديث   المستوى الثاني

هذا النوع من أنواع علوم الحديث وكما أشرنا يتعلق بجانب من جوانب علل األحاديث التي تعتري الروايات.

رحمهم هللا -معلوم أن علل األحاديث أصلها إنما تعتري أحاديث الثقات، وقلما يعبر المحدثون معلول، وأن وجد ذلك في عن العلة أو الخطأ الذي يقع فيه الراوي الضعيف بأنه من ال -تعالى

كالمه إال أنه نادر الوجود.

فإذن نحن اآلن حينما نتكلم عن العلة فنحن نتكلم عن الثقات أي روايات الثقات بمعنى أننا نتناول الروايات التي أخطأ فيها الراوي الثقة، عرفنا من بداية هذا العلم أن الحديث ال يقبل من

ذ سالما من العلة مع أن راويه من الثقات المقبولين، فإذن هذا الثقة إال إذا كان سالما من الشذوالراوي الثقة المقبول إذا ثبت في حديثه شذوذ أو علة كان ذلك مانعا من االحتجاج بحديثه

واألخذ به إذن نحن حينئذ نتناول أحاديث الثقات ونضع أيدينا على المواضع القليلة التي ربما يكون الثقة قد أخطأ فيها.

ن في اللقاءات السابقة تكلمنا عن الشذوذ وتكلمنا عن النكارة وتكلمنا أيضا عن األفراد نحوعرفنا حكم كل نوع من تلك األنواع وكل رواية من الروايات التي تندرج تحتها فعرفنا أن

الحديث الذي يتفرد به الراوي الثقة هو حديث صحيح اللهم إال أن يتبين خطؤه فيما قد تفرد به ن من هذه الحيثية حديثا خطأ يسميه بعض العلماء بالمعلول وربما سموه بالحديث الشاذ فما فيكو

-إن شاء هللا تعالى-هي العالقة التي تربط هذا النوع الذي هو التفرد بالنوع الذي سنتناوله اليوم م عن وهو ما يتعلق بزيادات الثقات، فالحديث الفرد قد يكون من رواة الثقات، ونحن هنا نتكل

الزيادة التي يجيء بها الراوي الثقة، فهل من عالقة تربط تفرد الثقة بزيادته؟.

نعم إن تفرد الثقة حين يطلقه العلماء، إنما يقصدون بالدرجة األولى الحديث الذي يجيء به الراوي الثقة وال يجيء به غيره، فغيره لم يوافقه ولم يخالفه وهو لم يخالف من قبل غيره ولم

من قبل غيره، فقط هو تفرد بهذا الحديث وجاء به من قبل نفسه أي متفردا به عن شيخه يوافقالذي حدثه به، ولم يرويه غيره من الرواية في هذا الحديث ال على جهة الموافقة وال على جهة

المخالفة.

عم هي بينما زيادة الثقة، تختلف عن التفرد من هذه الحيثية، فالزيادة حيث يجيء بها الثقة نزيادة لم يأت بها غيره، نعم ولكنها ليست زيادة مجردة، وإنما هي زيادة مقترنة برواية أخرى،

تلك الرواية التي هي أصل الحديث وقع االتفاق فيها بين الرواة وإنما االختالف في موضع ديث قد التفرد فقط في تلك الزيادة التي اشتملت عليها رواية ذلك الراوي الذي زادها، فأصل الح

يكون رواه الناس، رواه أكثر من راوي رواه جماعة من الرواة كل الرواة رووا الحديث إال أن هذا القدر هذه الزيادة التي اشتملت عليها رواية ذلك الراوي سواء كانت تلك الزيادة في اإلسناد

إنما تفرد أو في المتن هي القدر الذي تفرد به ذلك الراوي فقط فهو لم يتفرد بأصل الحديث بجملة فيه، بكلمة فيه، بعبارة فيه وتلك الجملة أو الكلمة أو العبارة ينبني عليها حكم زائد عن الحكم الذي أخذناه من الرواية الناقصة فمن هذه الحيثية كان هو نوع تفرد ألن الراوي تفرد

ا هو تفرد بجزء من بطبيعة الحال بهذا القدر الذي زاده على غيره ولكنه ليس تفردا مطلقا وإنم الرواية وإال فاصل الرواية هو موافق عليها من قبل غيره ممن جاء بها ورواها عن شيخه.

فهذا هو الفارق بين كالمنا في التفرد وكالمنا اليوم في زيادات الثقات، ولهذا نجد بعض أهل ع أن الذي زاد لم العلم بل أكثر أهل العلم يعبرون كثيرا عن الزيادة بالخالف أو بالمخالفة م

يخالف إنما اآلخرون سكتوا عن ذكر الزيادة، هم لم يذكروا شيئا يخالف ما ذكره، إنما سكتوا عن ذكر ما ذكره، لم يذكروا ما ذكره وبطبيعة الحال فرق بين أن تخالف وبين أن تأتي بشيء لم

Page 252: علوم الحديث   المستوى الثاني

لغير، ولكن مع يرويه غيرك، فليس كل ما جئت به مما ال يرويه غيرك يكون مخالفا لرواية ا ذلك يعبر العلماء على الزيادة بالمخالفة لماذا اعتبر العلماء الزيادة من أبواب المخالفة؟.

اعتبر العلماء الزيادة من أبواب المخالفة؛ ألنهم اعتبروا سكوت من من شأنه أن يذكر كأنه سكوت من من نفى ما ذكره ذلك الذي جاء بالزيادة من غير أن يوافق عليها، نقول مرة أخرى

شأنه ومن من عادته أن يذكر مثل هذه الزيادة مجرد سكوته يعتبر كما لو أنه قال: هذه الزيادة ليست في الحديث كما أنه لو قال هذه الزيادة لم يذكرها شيخي، هذه الزيادة غير محفوظة في

أو من شأنه الحديث هذه الزيادة ال أصل لها في الحديث، فاعتبروا سكوت من من شأنه أن يتكلمأن يذكر مثل هذه الزيادة سكوته عنها بمنزلة لو أنه عرفها ولم يذكرها لكونه يعلم أنها ليست من

في كتاب العلل له كثيرا ما يقول -رحمه هللا تعالى-الحديث، ولهذا نجد مثال اإلمام الدارقطني ال كذا فيذكر ما يزيده هذا الحديث اختلف فيه عن الزهري فرواه فالن فقال كذا ورواه فالن فق

بعض الرواة على بعض في إسناد الحديث أو في المتن فيسمي ذلك كله اختالفا.

عندما نتكلم في حكم الزيادة لماذا تكون الزيادة حينئذ بمنزلة -إن شاء هللا تعالى-وسنعرف يه اختالف الخالف بين الرواة وليس هو بمنزلة التفرد أو بمنزلة الحديث المستقل الذي لم يقع ف

بين الرواة.

هناك عالقة أخرى بين نوعين من أنواع الحديث أحدهما هذا النوع، وهو زيادة الثقة، والنوع السابق وهو ما يسميه العلماء بالحديث الشاذ هناك عالقة تربط هذين النوعين أيضا الحديث

الشاذ وزيادة الثقة.

ديث يرويه راوي ثقة ويستدل على خطئه نحن عرفنا من الحديث الشاذ ومن دراستنا له أنه حإما بتفرده حيث ال يكون أهال للتفرد أو بمخالفته لغيره من الثقات الذين هم أكثر منه عددا أو أقوى منه حفظا فنحن حكمنا على هذه الرواية بأنها شاذة، وذكرنا أن الشاذ من قسم المردود

الذي ال يحتج به وال يلتفت إليه وال يعرج عليه.

ليوم نتكلم عن الزيادة التي يزيدها الثقة أي على غيره من الثقات الذين لم يذكروا تلك وا الزيادة، فهل من عالقة تربط النوعين؟.

هذا ثقة وهذا ثقة هذا خالف وهذا زاد ونحن قلنا إن الزيادة تندرج تحت أنواع المخالفة أو عموم وخصوص فكل رواية شاذة قد االختالف بين الرواة، ال شك أن بين الشذوذ وزيادة الثقة

جاء بها ثقة، وزيادة الثقة هي نوع من األحاديث التي قد يندرج بعضها تحت الحديث الشاذ فنستطيع أن نقول: أو زيادة الثقة منها ما هو شاذ ومنها ما ليس بشاذ فإذا ترجح لدينا أن هذا

بالرواية على الصواب ولم يخطيء الثقة الذي زاد في روايته تلك الزيادة أصاب فيما زاد وأتى في زيادته هذه فحينئذ تكون تلك الزيادة محفوظة ثابتة صحيحة فإذا ترجح لدينا أن هذا الذي زاد في الرواية أخطأ فيما زاده ولم يأت به على الصواب وإنما أخطأ في ذلك فحينئذ تكون روايته

شاذة.

ها كانت محفوظة صحيحة أما إذا ترجح لدينا إذن الزيادة إذا كانت من الثقة وترجح لدينا ثبوت خطئها أو خطأ من جاء بها فحينئذ نسميها رواية شاذة.

هناك من طلبة العلم من يقول الفرق بين الشاذ وزيادة الثقة متوهما أن الزيادة من الثقة تكون الزيادات مقبولة أبدا فيذهب إلى أن الشاذ هو المردود وأن زيادة الثقة هو ما كان مقبوال من

Page 253: علوم الحديث   المستوى الثاني

والروايات، وليس هذا بكالم صحيح بل من الزيادة ما يكون شاذا ومنها ما يكون غير شاذ، أي محفوظا صحيحا.

أما الشاذ فهو مردود أبدا فحينئذ يكون بين الشذوذ وزيادة الثقة عالقة تداخل عموم رواية وخصوص وليس الشاذ في جانب وزيادة الثقة في جانب آخر، أليس الذي زاد في ال

وحكمنا بأنها زياده شاذة أليس هذا الراوي ثقة، وقد زاد في روايته زيادة ومع ذلك وصفناها بأنها شاذة إذن من روايات الثقات ما هو شاذ، كما أن من زيادة الثقات ما هو صحيح محفوظ لم

يخطيء فيه الرواة ولم يستحق أن يوصف بكونه شاذا .

يتعلق بحسن تصور هذه المسألة وهذا الباب من أبواب هذان أمران في غاية األهمية مما علل األحاديث، وهو الذي يتعلق بزيادات الثقات.

ننتقل إلى نقطة أخرى وهي أيض ا من النقاط الجوهرية من هذا الباب والتي على أساسها وبما -رحمهم هللا تعالى-نستطيع أن نفهم هذا الباب وكالم أهل العلم فيه على ما أرده العلماء

يتعلق بموضوع زيادة الثقة، ما هو الفلك الذي تدور حوله هذه المسألة؟ نحن حينما ننظر في الروايات نجد أن بعض الرواة قد يخالف البعض اآلخر في إسناد الحديث أو متنه، ومن صور

االختالف ما يندرج تحت اسم الزيادة بل بإمكانك أن تجعل كل صور الخالف مندرجة تحت اسم ادة؛ ألنه ما من راو يخالف غيره من الرواة في شيء من الزيادة إال وقد زاد عليه، إال أن الزي

هذه الزيادة قد تكون زيادة مجردة أي زيادة لم يذكرها الراوي اآلخر أو الرواة اآلخرون.

وقد تكون إنما ذكروها على صفة أخرى أو على هيئة أخرى، فحينئذ ال تخرج عن كونها حن إذا تأملنا األسانيد والمتون نجد الرواة حينما يختلفون فيما بينهم سواء كان أيضا زيادة ن

االختالف إسناديا أو الخالف متنيا نجد أن بعض الرواة أو بعض صور الخالف يصدق عليه -اسم الزيادة فمثال هذا الراوي وصل الحديث أي رواه موصوال بذكر الصحابي عن رسول هللا

وآخر روى الحديث نفسه ولكنه أرسله لم يذكر الصحابي بين التابعي -وسلمصلى هللا عليه هذا الرجل روى الحديث متصال فكل راو من رواة الحديث -صلى هللا عليه وسلم-والرسول

روى الحديث عن شيخه الذي سمع منه والذي روايته عنه تكون من جهة الروايات المتصلة، يا من الوسط فبينما غيره يروى الحديث متصال إذا به وراو آخر روى الحديث مسقطا راو

يروي الحديث ناقص ا أي منقطع ا غير متصل، أليس االتصال زيادة على االنقطاع أليس الوصل زيادة على اإلرسال، فكل هذه الصورة من زيادات األسانيد.

ناد بغير نسب قد يكون الحديث مرويا عن رجل لم يسم وهو الرجل المبهم الذي يذكر في اإلسيقول عن رجل أو عن شيخ أو عن امرأة أو عن بعض الحي أو نحو هذه العبارات التي ال يفهم

منها عين ذلك الراوي الذي روى تلك الروايات، وهذه التي نسميها بالمبهمات، أي راو غير المبهم معروف باإلسناد لم ينسب بما نعرفه به ثم يأتي راو آخر يروي الحديث نفسه فيسمي ذلك

فيقول هو فالن بن فالن، أليس الذي سمى هذا المبهم قد زاد زيادة لم يذكرها اسم الراوي، هنا زيادة أيضا في اإلسناد الزيادات األخرى التي تكون بإضافة الخبر فهناك من يضيف الخبر إلى

ا رفع وهناك من يضيفه إلى الصحابي أو إلى التابعي فهذ -صلى هللا عليه وسلم-رسول هللا وهذا لم يضفه إلى -صلى هللا عليه وسلم-الحديث وهذا وقف الحديث، هذا أضافه إلى النبي

صلى هللا -تلك زيادة فالذي رفع الحديث ونسبه وأضافه إلى النبي -صلى هللا عليه وسلم-النبي عي.زاد زيادة لم يذكرها ذلك الذي أوقف الحديث سواء على الصحابي أو على التاب -عليه وسلم

إذن هنا مواضع أو صور متعددة للزيادات اإلسنادية، هناك أيضا صور للزيادات المتنية: المتن قد يكون الرواة اشتركوا في روياته كل قد روى الحديث ولكن يأتي بعض الرواة فيزيد فيه

Page 254: علوم الحديث   المستوى الثاني

لف زيادة ينبني عليها حكم من األحكام لم يذكرها غيره من رواة الحديث والحديث الذي ذكر المؤ -صلى هللا عليه وسلم-أن رسول هللا من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر ) -رحمه هللا تعالى-

( هكذا الحديث عند جمهور فرض زكاة الفطر من رمضان على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى ( زيادة متنية زيادة ذكرهامن المسلمين زاد فيه ) -رحمه هللا تعالى-الرواة ولكن اإلمام مالك ا

مالك من دون سائر أصحاب نافع، وإن كان كما ذكر اإلمام ابن كثير غير مالك أيضا روى تلك الزيادة عن نافع فقد رواها عمر بن نافع وكذلك الضحاك بن عثمان وقد أخرج البخاري رواية الضحاك بن عثمان لكن عندما يعتقد أن مالكا متفردا بتلك الزيادة حتى لو لم يكن مالك متفردا بها فهي زيادة تفرد بها هؤالء دون غيرهم فلم يذكرها كل الرواة الذين رووا الحديث عن نافع

وإنما ذكرها بعضهم ولم يذكرها البعض اآلخر هذه زيادة متنية.

فإذن موضوع هذا الباب أو هذا النوع من أنواع علوم الحديث ما يأتي من زيادات يتفرد بها رواة سواء كانت الزيادات إسنادية أو زيادات متنية، فهذه هي بعض الرواة ولم يذكرها بقية ال

-عليهم رحمة هللا تبارك وتعالى-موضوع هذا الباب وهو المحيط الذي يدور فيه كالم أهل العلم عليهم رحمة هللا -وإذا تأملنا هذه الزيادات سواء منها ما كان إسناديا أو متنيا نجد أن العلماء

بينها باعتبارات أخرى فيقولون هناك زيادة مع اختالف المخارج وهناك يفرقون -تبارك وتعالى زيادة مع اتحاد المخارج، ما معنى هذا الكالم؟.

صلى -معنى هذا الكالم أنه قد يكون الحديث حديثا واحدا يرويه صحابي واحد عن رسول هللا ويرويه عن هذا ويرويه عن هذا الصحابي تابعي واحد، عن هذا الصحابي -هللا عليه وسلم

التابعي رجل واحد، هو الذي رواه عن ذلك التابعي، ثم روى الحديث عن هذا التابعي أو الراوي عنه جماعة من الرواة عدد من الرواة فبعضهم روى الحديث عن هذا التابعي عن الصحابي عن

، وقد زاد فيه زيادة لم يذكرها بقية الرواة.-صلى هللا عليه وسلم-رسول هللا

ن نحن نتحدث اآلن عن حديث واحد ال عن حديثين عن رواية بعينها يرويها صحابي واحد إذيرويها عن هذا الصحابي تابعي واحد، إذن نحن نتكلم عن -صلى هللا عليه وسلم-عن رسول هللا

-حديثين أم عن حديث واحد؟ حديث واحد رواه تابعي واحد عن صحابي واحد عن رسول هللا ولم يظهر من خالل تأمل الرواية أن هذه القصة أو تلك الرواية التي -لمصلى هللا عليه وس

تضمنت أو ال يفهم منها التعدد أو -صلى هللا عليه وسلم-يحكيها ذلك الصحابي عن رسول هللا اختالف الوقائع أو اختالف المناسبات بل هي واقعة واحدة وحكاية واحدة يرويها صحابي واحد

ويرويها عن ذلك الصحابي تابعي واحد ثم جاء الناس - عليه وسلمصلى هللا-عن رسول هللا الذين رووا الحديث عن ذلك التابعي فاختلفوا فمنهم من ذكر الحديث بإسناده عن ذلك التابعي عن

ناقصا ومنهم من زاد فيه زيادة فهذا اختالف أو -صلى هللا عليه وسلم-الصحابي عن رسول هللا احد.زيادة وقعت في حديث و

وهذا ما نعبر عنه باتحاد المخرج كالصورة التي ذكرها المؤلف، فالحديث يرويه نافع عن ثم روى الحديث عن نافع جماعة منهم مالك -صلى هللا عليه وسلم-ابن عمر عن رسول هللا

وغير مالك من الرواة ولكن مالكا زاد في هذا الحديث زيادة لم يذكرها بقية الرواة هل هذان ن مستقالن؟ هل هذان حديثان كل حديث منهما مستقل عن اآلخر فنعامل تلك الزيادة كما حديثا

أنها لو أنها حديث مستقل أبدا بل هي من جملة الحديث، هي قطعة من حديث غاية ما هنالك أن بعض الرواة ذكرها وبعضهم لم يذكرها فنحن نريد أن نبحثه هل الذي ذكرها وزادها في الرواية

ذلك أم أخطأ؟.أصاب في

ونحن حينما نتعامل مع هذا النوع من الزيادات وهي التي تكون مع اتحاد المخرج أي في حديث واحد نتعامل معها على أنها نوع من الخالف؛ ألنها إذا اتحد المخرج وكان الحديث واحدا

Page 255: علوم الحديث   المستوى الثاني

ضرورة غيره لم فالبد من أن يكون الراوي الذي زاد حفظ أو لم يحفظ، ألننا إذا قلنا إنه حفظ فباليحفظ الذي لم يذكر الزيادة فتصويبنا لهذا الراوي فيما زاده وفي الرواية يستلزم تخطئتنا

لآلخرين الذين لم يذكروها بخالف ما إذا كانت الزيادة مع تعدد المخارج، كيف تكون الزيادة مع تعدد المخارج؟.

اسبتين مختلفتين في واقعتين تكون الزيادة مع تعدد المخارج عندنا حديثان مختلفان في من-صحابي وتلك رواها عن رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم-مختلفتين هذه رواها عن رسول هللا

صحابي آخر إذن هما حديثان وليس حديثا واحدا هذا روي بإسناد ما عن -صلى هللا عليه وسلمآخر عن صحابي آخر وذاك روي بإسناد -صلى هللا عليه وسلم-هذا الصحابي عن رسول هللا

.-صلى هللا عليه وسلم-عن رسول هللا

صلى هللا -إذن نحن اآلن بين حديثين مختلفين ال عالقة ألحدهما باآلخر هذا قاله رسول هللا في مناسبة أخرى ومعلوم أنه -صلى هللا عليه وسلم-في مناسبة وهذا قاله رسول هللا -عليه وسلم

ينزل -صلى هللا عليه وسلم-كان رسول هللا -هللا عليه وسلمصلى -كما علم من سنة رسول هللا عليه الوحي تباعا كان من الممكن أن يقول قوال ثم تأتي زيادة حكم في مناسبة أخرى في وقت

آخر في واقعة أخرى فحينئذ مثل هذه الزيادات تعامل كل زيادة منها على أنها حديث مستقل وإن لة كان مقبوال محتجا به وال يعارض بالحديث اآلخر الذي لم صح إسناده وسلم من الشذوذ والع

تذكره فيه الزيادة التي تضمنها الحديث الذي اشتمل على تلك الزيادة.

-رضي هللا عنه وأرضاه-مثال المثال الذي ذكره أيضا المؤلف وهو حديث حذيفة بن اليمان في حديث حذيفة بن اليمان في ( هكذا جعلت لنا األرض مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا )

(.جعلت لنا األرض مسجدا وطهورغير حديث حذيفة )

إذن حديث حذيفة تضمن زيادة حكم، تضمن زيادة معنى لم يوجد في بقية األحاديث، ولكن غير -صلى هللا عليه وسلم-هكذا هو حديث حذيفة وهكذا حذيفة سمع الحديث من رسول هللا

صلى هللا عليه -الزيادة التي ذكرها حذيفة في حديثه عن رسول هللا حذيفة سمع الحديث بغير هذههل نعارض هذا بهذا ال بل هذا حديث مستقل وذاك حديث مستقل فنقبل هذا وثم بعد ذلك -وسلم

نفهم األحاديث بعد أن انضم بعضها إلى بعض ونفهم بعضها ببعض فيكون هذا من باب المطلق ص وهكذا.والمقيد أو من باب العام والخا

وال يكون ذلك من بابنا الذي نتحدث فيه اآلن وهو المتعلق بالزيادة التي تقع في حديث معين ويرويه عن ذلك الصحابي تابعي -صلى هللا عليه وسلم-يرويه صحابي واحد عن رسول هللا

واحد ثم يأتي الناس ويختلفون في رواية ذلك الحديث عن ذلك التابعي عن الصحابي وبعضهم يد فيه ما لم يذكره بقية الرواة.يز

أحيانا يكون الحديثان يختلفا في المخرج من حيث النظر في األسانيد، ولكن مع ذلك يعلم بأدلة أخرى أن هذين الحديثين وإن تعددا في المخرج أي كل منهما يرويه صحابي غير

موع هذه الروايات الصحابي الذي يروي اآلخر إال أن هذه األدلة األخرى التي انضمت إلى مجيدل على أن هذا الصحابي وذاك الصحابي إنما يرويان شيئا واحدا ، ويحكيان قصة واحدة،

ا قاله رسول هللا في -صلى هللا عليه وسلم-أو فعله رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم-ويذكرا أمر في الظاهر األمر مناسبة واحدة، فحينئذ نعامل هذه الروايات معاملة ما اتحد مخرجه وإن كان

على التعدد.

Page 256: علوم الحديث   المستوى الثاني

في صفة صالة -صلى هللا عليه وسلم-من ذلك، األحاديث الكثيرة التي وردت عن رسول هللا -الكسوف، وردت أحاديث متعددة عن صحابة متعددين هذا يروي صفة معينة عن رسول هللا

صلى هللا -من صالة الكسوف وآخر يروي صفة معينة عن رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -صلى هللا عليه وسلم-من صفة الكسوف وآخر يروي صفة معينة عن رسول هللا -عليه وسلم

في صالة الكسوف كل ذكر هيئات مختلفة غير التي ذكرها اآلخر، فمن حيث النظرة السطحية في تلك الروايات نحن نقول هذه متعددة المخارج فمن الممكن أن نتعامل معها كما أنها أحاديث

-فرقة ووقائع متعددة فحينئذ ال نعارض بعضها ببعض بل نقول من الممكن أن يكون الرسول متصلى مرة على هذا النحو ومرة أخرى على نحو آخر ومرة ثالثة على -صلى هللا عليه وسلم

نحو ثالث، فحينئذ نحمل األحاديث على تعدد الوقائع وال نعارض بعضها ببعض وال نقول إن دات بل هذا من باب التنوع، هذا وراد بطبيعة الحال.هذا من باب الزيا

لم يصل في -صلى هللا عليه وسلم-ولكن العلماء يقولون إنه من الثابت تاريخيا أن رسول هللا حياته صالة الكسوف إال مرة واحدة يوم أن توفي ابنه إبراهيم وفي هذا اليوم كسفت الشمس،

صلى هللا -ى بالناس هذه المرة ولم يثبت أن رسول هللا قام فصل -صلى هللا عليه وسلم-والرسول صلى صالة الكسوف في حياته في غير هذه المرة. -عليه وسلم

إذن الوقائع التاريخية وهذا دليل خارج الرواية لما عرف من أدلة أخرى الثابت تاريخيا أن حياته وما دام أن مرة واحدة في -صلى هللا عليه وسلم-صالة الكسوف إنما صالها رسول هللا

هذا األمر قد تقرر على هذا النحو فالبد أن نعقل ونفهم أن هؤالء الصحابة جميعا إنما يروون صالة واحدة ويحكون صالة واحدة، فإذا وجدنا هذه الروايات عن هؤالء الصحابة مختلفة

غيره في صفة صالته للكسوف غير الذي -صلى هللا عليه وسلم-فبعضهم يحكي عن رسول هللا فحينئذ نتعامل مع هذه الروايات وكما لو أنها متحدة المخرج.

فنقول البد أن هناك من أصاب وهناك من أخطأ، وهذا ما ذهب إليه جمهور أهل العلم، كان يصلي صالة -صلى هللا عليه وسلم-فذهبوا إلى تصحيح الروايات التي جاءت أن رسول هللا

وضعفوا بقية األحاديث التي جاءت بخالف ذلك.الكسوف في كل ركعة ركوعان وسجودان،

-صلى هللا عليه وسلم-وهذا بخالف ما جاء في صالة الخوف، فإن الثابت من سنة رسول هللا صلى صالة الخوف أكثر من مرة فتارة يكون العدو أمامه -صلى هللا عليه وسلم-أن رسول هللا

نحو آخر وهكذا فتعددت هيئات فيصلي على نحو ما وتارة يكون العدو خلفه فيصلي علىوصفات صالة الخوف ورويت روايات كثيرة في هذا ولهذا العلماء لم يردوا بعضها ببعض ولم يعارضوا بعضها ببعض بل تعاملوا معها كما لو أن كل صالة منها إنما فعلت في مناسبة معينة

الخوف عن في واقعة معينة ولم يعارضوا بعضه ببعض فإذا صحت صفة من صفات صالة فهي صفة صحيحة يعمل بها إذا احتيج إلى هذه الصفة أو تلك -صلى هللا عليه وسلم-رسول هللا

الهيئة في وقت من األوقات أو في مناسبة من المناسبات أو في غزوة من الغزوات.

إذن فهمنا العالقة أو الفرق بين اتحاد المخرج واختالف المخرج، إذا فهمنا هذا األمر على يقبلون الزيادة -عليهم رحمة هللا تبارك وتعالى-النحو نستطيع أن نفهم لماذا علماء الحديث هذا

أحيانا ويردونها أحيانا أخرى، بل نستطيع أن نفهم أصل هذه المسألة عند علماء الحديث علماء من قبل أن ينظروا في الزيادة هل هي من المقبول أم -عليهم رحمة هللا تبارك وتعالى-الحديث

المردود ينظرون ابتداء ويحررون ويحققون هذه النقطة الجوهرية وهو هل هؤالء الرواة يحكون شيئا واحدا أم كل منهما يحكي شيئا غير الذي حكاه اآلخر؟.

Page 257: علوم الحديث   المستوى الثاني

فإن ترجح لديهم أن كل منهم يحكي شيئا غير الذي حكاه اآلخر فإن ترجح لديهم أن الجميع ه اآلخر لم يعارضوا رواية بعضهم ببعض بل يقبلون من كل منهم يحكي شيئا غير الذي يحكي

كل ما جاء به من الرواية سواء زاد أو نقص، أما إذا ترجح لديهم أن الرواية جميعا يروون شيئا واحدا فحينئذ البد أن هناك من حفظ وهناك من لم يحفظ وهناك من أصاب وهناك من أخطأ

مألفاته إذا اتحد المخرج فالبد من الترجيح .وكما يقول الحافظ ابن حجر في غير موضع من

وهذا ما نقصده يعني إذا تحقق لدينا أن هؤالء الرواة جميعا يروون شيئا واحدا فحينئذ البد من الترجيح.

فإذن كيف نعرف أن هؤالء الرواة جميعا يروون شيئا واحدا أم يروون شيئا متعددا ؟ نعرف ميعا عن تابعي واحد مثال عن صحابي واحد عن رسول ذلك عندما نرى الحديث يرويه هؤالء ج

، هؤالء الرواة حيث زاد بعضهم على بعض في الحديث هل من ذكر -صلى هللا عليه وسلم-هللا ، أم ذكرها فيما ينسبه ويضيفه -صلى هللا عليه وسلم-الزيادة هو ذكرها فيما ينسبه إلى رسول هللا

؟. -صلى هللا عليه وسلم-إلى غير رسول هللا

صلى هللا عليه -إذا نظرنا نظرة سطحية فنحن نجد أن الزيادة إنما فيما أضيف إلى رسول هللا لماذا ألن هؤالء الرواة جميعا رووه عن هذا التابعي كحديث مالك عن نافع عن ابن عمر -وسلم

ك لم يزد من المسلمين بينما غير مال -صلى هللا عليه وسلم-فمالك زاد فيما يضيفه إلى رسول هللا فقد يقول قائل إذن ما المانع في قبول -صلى هللا عليه وسلم-تلك الزيادة فيما أضافه إلى النبي

صلى هللا -هذه الزيادة ولماذا توقف بعض أهل العلم في قبولها والكل يحكي شيئا عن رسول هللا بي شيئا عن وقد يقول الرسول في شيء وال يقوله في وقت آخر، وقد يحفظ الصحا -عليه وسلمصلى -في وقت وربما ال يحفظه هذا الصحابي عن رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم-رسول هللا

في مناسبة أخرى، هذا بطبيعة الحال يكون كالما صحيحا لو أن الجميع إنما -هللا عليه وسلمالمسألة ولكن ليست هي -صلى هللا عليه وسلم-اختلفوا فيما ينسبونه ويضيفونه إلى رسول هللا

التي تناولها المحدثون ويسمونها بزيادة الثقة إنهما توقف من توقف من أهل العلم في بعض صلى هللا -الزيادات التي يجيء بها الثقات؛ ألن بحثهم ليس فيما أضافه الراوي إلى رسول هللا

عن إنما بحثهم فيما أضافه الراوي إلى شيخه خصوصا، فمثال مالك يروي الحديث -عليه وسلم نافع وغير مالك أيضا روى الحديث عن مالك.

إنما بحثهم هل فعال -صلى هللا عليه وسلم-بحث المحدثين ليس فيما يضاف إلى رسول هللا نافعا روى هذا الحديث بتلك الزيادة أم ال؟ هل فعال نافع الذي هو شيخ مالك وغيره، لما روى

م ال؟ فالبحث هنا ليس فيما أضيف إلى رسول هللا هذا الحديث فعال جاء في حديثه بتلك الزيادة أوإنما فيما أضيف لذلك الراوي الذي وقع الخالف عليه في ذكر هذه -صلى هللا عليه وسلم-

الزيادة أو عدم ذكرها، هذا هو موضع البحث عند علماء الحديث هل فعال نافع جاء بالزيادة أم ال؟.

من عدم ذلك لكن -صلى هللا عليه وسلم- ثم بعد ذلك ننظر في مدى صحتها إلى رسول هللاونحن بعد لم نحقق نسبتها إلى التابعي -صلى هللا عليه وسلم-كيف نحقق صحتها إلى رسول هللا

روى حديثا -رحمه هللا تعالى-الذي رواها أو رويت عنه من قبل بعض أصحابه فهذا نافع وبعض أصحاب نافع جاء بالحديث أصحاب نافع جاءوا بالحديث عن نافع من غير تلك الزيادة

عن نافع بهذه الزيادة.

إذن الناس اختلفوا في حديث نافع، فهو يريد أن يعرف أعني الباحث المحقق المدقق، يريد أن يعرف هل فعال نافع حيث روى هذا الحديث عن ابن عمر جاء فعال بتلك الزيادة في حديثه أم أن

Page 258: علوم الحديث   المستوى الثاني

فيها عن نافع، وإنما نافع يروي الحديث بدونها، يتجلى بعض من ذكر هذه الزيادة عن نافع أخطأ ذلك المعنى عندما نجد المحدثين أحيانا يناقشون هذه الزيادة ويحققون ثبوتها أو عدم ثبوتها في

صلى هللا -حديث بعينه مع أنهم قد يكونوا مسلمين من صحتها، أي صحة نسبتها إلى رسول هللا ولكن في حديث آخر. -عليه وسلم

ينجلي لك المعنى الذي يقصده المحدثون من هذه المسألة وما هو البحث الذي يريدونه من هناسئل مرة عن حديث يرويه -رحمه هللا تعالى-خالل كالمهم فيها، مثال اإلمام أحمد بن حنبل

وأرضاها -رضي هللا عنها-محمد بن فضيل بإسناد عن األعمش بإسناده عن عائشة أم المؤمنين كان يلبي في الحج يقول: لبيك اللهم لبيك لبيك ال شريك -صلى هللا عليه وسلم-هللا أن رسول )

( محمد بن فضيل روى الحديث عن األعمش لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك ال شريك لكلبيك لبيك ال شريك لك لبيك إن الحمد بإسناده إلى عائشة أم المؤمنين بهذا اللفظ التام الكامل، )

(.مة لك والملك ال شريك لكوالنع

هو صحيح -صلى هللا عليه وسلم-هذا السياق وهذا اللفظ وهذا المتن المنسوب إلى رسول هللا ال ينازع في ذلك أحد ، فلقد رواه البخاري ومسلم من -صلى هللا عليه وسلم-إلى رسول هللا

كان يلبي -ى هللا عليه وسلمصل-أن رسول هللا حديث عبد هللا ابن عمر ابن الخطاب بهذا اللفظ )في الحج يقول: لبيك اللهم لبيك لبيك ال شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك ال شريك

ال غبار -صلى هللا عليه وسلم-( فقضية نسبة وإضافة وصحة هذه اإلضافة إلى رسول هللا لك عليها.

يث حيث رواها عن األعمش ومع ذلك اإلمام أنكر على محمد بن فضيل وخطأه في هذا الحدبهذا اللفظ قال اإلمام أحمد: قوله: "والملك ال شريك لك" هذه الزيادة ليست في حديث عائشة إنما

صلى هللا عليه -هي في حديث ابن عمر هل هو ينازع في صحة هذه الزيادة عن رسول هللا ع في صحتها في حديث أبدا فهي صحيحة بدليل أنه أثبتها في حديث ابن عمر وإنما يناز -وسلم

عائشة خاصة.

فهو يقول: إن محمد بن فضيل أخطأ على األعمش حيث زاد في روايته لحديث عائشة تلك الزيادة وإنما هذه الزيادة ليست هي من حديث عائشة إنما هي من حديث عبد هللا بن عمر أخطأ

لبيك اللهم لبيك ) محمد بن فضيل حيث أدرجها في حديث عائشة، إذن حديث عائشة الصواب فيه( فهو في حديث ابن عمر والملك ال شريك لك( أما )لبيك ال شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك

وليس في حديث عائشة، وفعال عندما ننظر في حديث عائشة وهو أيضا قد أخرجه البخاري نجد ها رواية البخاري خرجه من غير طريق محمد بن فضيل بغير هذه الزيادة التي اشتملت علي

محمد بن فضيل.

أم في صحتها عن -صلى هللا عليه وسلم-إذن بحث اإلمام أحمد في صحتها عن رسول هللا األعمش؟ في صحتها عن األعمش هل األعمش حيث روى الحديث رواه بهذه الزيادة أم ال؟

ا فاإلمام أحمد نظر في هذه الرواية من غير طريق محمد بن فضيل فوجد أصحاب األعمش رووالحديث عن األعمش بغير هذه الزبادة، فترجح لديه أن هذه اإلجابة خطأ في حديث األعمش

وعليه فهي خطأ في حديث عائشة، ولم يأت بها إال محمد بن فضيل فمن هذه الحيثية هي خط، أم في نسبته إلى األعمش خاصة. -صلى هللا عليه وسلم-لكن هذا خطأ في نسبته إلى رسول هللا

صلى -وضوع زيادات الثقات العلماء ال ينظرون في قضية ثبوتها إلى رسول هللا هذا هو ممن عدم ذلك، هذا أمر بطبيعة الحال يعتنون به ولكن ليس هو الفلك الذي يدور -هللا عليه وسلم

حوله هذا الموضوع، هذه نتيجة بعد أن ننظر هل هي صحت عن األعمش أم لم تصح؟ ثم ننظر

Page 259: علوم الحديث   المستوى الثاني

عمش أم لم تصح ثم بعد ذلك ننظر في صحتها أو عدم صحتها إلى هل هي صحت عن غير األونحن لم -صلى هللا عليه وسلم-لكن كيف نثبتها إلى رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم-رسول هللا

.-صلى هللا عليه وسلم-نستطع أن نثبتها إلى من رواها عن رسول هللا

مقبولة أو ال تكون مقبولة، الزيادة في من إذن هنا نفهم معنى قول المحدثين إن الزيادة تكونأو أين أو متى، يقصدون الزيادة عن هذا الراوي الذي أوقع الخالف وإن كان موضوع الزيادة

ألنه -صلى هللا عليه وسلم-مما يتعلق باالختالف على الراوي وليس باالختالف على رسول هللا فهو مقبول أبدا؛ ألن كل ما حكي عن -سلمصلى هللا عليه و-إذا كان اختالفنا عن رسول هللا

-مما صح إسناده إلى الصحابي الذي يرويه عن رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم-رسول هللا صلى هللا -فهو حجة يحتج به، ونحمل ذلك على أنه مما قاله رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم

ابة يزيد بعضهم على بعض ولم في موضع ولم يقله في موضع آخر، ومازال الصح -عليه وسلمصلى هللا عليه -يتوقف أهل العلم وال أحد منهم في قبول ما يرويه الصحابة عن رسول هللا

مهما زاد بعضهم على بعض وإنما ما دام أن البحث يدور حول هل هذا الراوي الذي -وسلمواية أم لم يحدث يدور حوله الحديث والذي اختلف هذه الزيادة من عدمها هل هو حدث بهذه الر

بها فحينئذ يختلف األمر لماذا يختلف األمر ؟ يختلف األمر ألن هذا الراوي الذي وقع الخالف في ذكر هذه الزيادة من عدمها هذا الراوي هو معصوم من الخطأ؟.

ليس معصوما من الخطأ، من الممكن أن يخطيء من الممكن أن يزيد في الرواية شيئا ثم بعد ى نفسه ويتبين له الخطأ في موضع آخر أليس هذا الراوي من الممكن أن يقول ذلك يستدرك عل

قوال ثم يرجع عنه بعد ذلك أليس هذا الراوي من الممكن أن يقول خطأ منكرا باطال ال يستقيم مع -األصول وال يستقيم مع المعروف المشهور الثابت، لكن هذا يمكن أن يقال في حق رسول هللا

؟. -سلمصلى هللا عليه و

صلى هللا عليه -بل كل ما قاله رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم-ال بأبي وأمي رسول هللا هو حق، حتى وإن لم نفهم نحن وجه كالمه في بعض األحاديث كما قال اإلمام ابن -وسلم

يتعارض -صلى هللا عليه وسلم-: ليس حديث من أحاديث رسول هللا -رحمه هللا تعالى-خزيمة ية األحاديث ومن وجد من ذلك شيئا حتى أبين له وجه الحديث، أو نحو ما قال اإلمام ابن مع بق

رحمه هللا تعالى.-خزيمة

ومن هنا ننظر في نقطة جوهرية أخرى من النقاط المتعلقة في هذا الباب، بعض أهل العلم لرد الزيادة؟ بطبيعة ورد في كالمه أن الزيادة تكون مقبولة ما لم تقع منافية فهل يشترط المنافاة

وقد تعارض هذان -صلى هللا عليه وسلم-الحال لو أن عندنا حديثان مضافان إلى رسول هللا الحديثان وتضمن أحدهما حكما يتعارض مع الحكم الذي تضمنه الحديث اآلخر، ولم يمكن أن

لماء الحديث نجمع بين هذين الحديثين بنوع أو بوجه من أوجه التأويل والجمع المعروفة عند ع والفقه واألصول بما يكون بعيدا عن التكلف أو التعسف.

إذا لم نستطع ذلك فإننا بالضرورة سنلجأ إلى الترجيح ومعنى لجوئنا إلى الترجيح هو أننا سنقبل إحدى الروايتين وسنرد األخرى، نرجح رواية على رواية نقبل رواية ونرد األخرى،

اها أحفظ، ألن من رواها أثبت؛ ألن من رواها أكثر أو غير نقبل هذه ألنها أقوى، ألن من رو ذلك من المرجحات الكثيرة التي سنتناولها بالتفصيل في نوع مختلف الحديث.

إذن ترجيحنا للرواية معناها معنى ذلك أن الرواية األخرى صارت من قسم المرودود وهذا ما هو أرجح، ما هو أقوى، لماذا الذي يدخل في اسم الحديث الشاذ؛ ألنه خالف ما هو أوثق،

وال -صلى هللا عليه وسلم-لجأنا إلى الترجيح هنا؛ ألن الحديثان إنما يضافان إلى رسول هللا

Page 260: علوم الحديث   المستوى الثاني

فلما وجدنا تعارضا مما -صلى هللا عليه وسلم-يمكن أن يتعارض شيء ينسب إلى رسول هللا ى أنه من خطأ الراوي وليس حملنا ذلك عل -صلى هللا عليه وسلم-يضاف وينسب إلى رسول هللا

فرسول هللا بريء من ذلك الخطأ وبريء -صلى هللا عليه وسلم-من خطأ مضاف إلى رسول هللا من ذلك التعارض وبريء من ذلك التناقض إنما وقع التعارض والتناقض فيما يضاف إلى

لماذا؟. -صلى هللا عليه وسلم-رسول هللا

هو الذي أخطأ -صلى هللا عليه وسلم-يس رسول هللا ألن هناك من روى الحديث أخطأ فيه ولإنما الذي أخطأ هو الراوي الذي روى الحديث فاستدللنا على خطئه بمخالفة غيره له بما جاء به،

فلما وقع التنافي بين الروايتين لجأنا إلى الترجيح وأنا أركز لماذا لجأنا إلى التركيز؟.

، لكن إذا كان الحديثان غير -لى هللا عليه وسلمص-ألن الحديثان يضافان إلى رسول هللا صلى هللا عليه -أو أحدهما مضاف إلى رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم-مضافين إلى رسول هللا

أو كالهما إنما أضيفا لغير رسول -صلى هللا عليه وسلم-واآلخر لم يضف إلى رسول هللا -وسلملترجيح؟ ما الضرورة إلى اللجوء إلى الترجيح لو أن هل سنلجأ إلى -صلى هللا عليه وسلم-هللا

عندنا قوال قاله صحابي في مسألة باجتهاده وقول قاله صحابي آخر باجتهاده فهذا قال قوال وذاك قال قوال آخر، هل سنقول هذان القوالن قد تعارض، إذن هناك راو أخطأ فيما نسبه إلى أحد

الصحابيين؟.

يقول الصحابي قوال باجتهاده فيخطيء وهذا من باب الراجح ل، لماذا؟! من الممكن أنوالمرجوح اختالف االجتهاد من الممكن أن يصيب ذلك الصحابي ومن الممكن أن يخطيء، لكن

ليس كل ما يجيء عن الصحابة من قول أو اجتهاد يتعارض مع ما قاله غيرهم من الصحابة د الصحابة أخطأ في ذلك ال؟ هذا أصاب فيما يلزم منه أن يكون أحد الرواة الذين رووا عن أح

نقله عن ذلك الصحابي وهذا أصاب فيما نقله عن الصحابي اآلخر وإنما هذا اجتهد فأصاب وهذا .-إن شاء هللا تعالى-اجتهد فأخطأ والكل مأجور

كذلك األمر عندنا اإلمام نافع مولى عبد هللا بن عمر واإلمام الزهري محمد بن شهاب ا اجتهد في مسألة فقال قوال، ثم نفس المسألة اجتهد فيها نافع فقال قوال آخر، اختلفت الزهري هذ

اآلراء أم ال؟ اختلفت اآلراء ماذا نقول نحن؟ نقول هناك من أصاب إما أن الزهري أصاب وإما أن نافعا هو الذي أصاب لكن هل سنضعف ما قاله الزهري؛ ألنه يخالف ما قاله نافع لمجرد أن

ا خالفه ال بل هذا صحيح إلى الزهري وهذا صحيح إلى نافع إال أن اختالف هذا تغاير مع نافعاختالف هذا فأحدهما أصاب واآلخر أخطأ، كذلك ما يتعلق باالختالف الواقع في الزيادة هو

صلى هللا عليه وسلم.-اختالف على راوي وليس اختالفا على رسول هللا

فع، فبعضهم زاد الزيادة في حديث نافع وبعضهم لم يزد تلك كما قلنا الناس اختلفوا على ناالزيادة في حديث نافع، هل نحن لكي نرد هذه الزيادة في حاجة إلى أن تقع منافية، اشتراط

أما ما يضاف إلى واحد -صلى هللا عليه وسلم-المنافاة كي نردها هذا فيما يضاف إلى رسول هللا لك نلجأ إلى الترجيح فنرجح رواية من أصاب ورواية من من الرواة قد يقع غير مناف ومع ذ

أخطأ.

يعني حديثنا هذا مالك رواه بالزيادة وغيره مالك رواه بغير الزيادة عندما نقول كقول من ذهب من أهل العلم أن هذه الزيادة غير مقبولة، هل هو ال يقبلها بمعنى أنه يخطأ الصحابة أو

ء الراوي الذي زادها عن نافع، هذا الراوي لكي نحكم يخطيء رسول هللا أبدا وإنما يخطيبخطأه البد أن تقع روايته منافية قد ال تكون نافية بل قد تستقيم مع بقية األحاديث ومع ذلك ال

يقبلها العلماء ألن بحث العلماء هل فعال نافع حدث بها أم ال؟.

Page 261: علوم الحديث   المستوى الثاني

لتي أنكرها اإلمام أحمد في وقد ذكرنا في المثال السابق مثال محمد بن فضيل في الزيادة ا( هل هذه الزيادة منافية البد من أنها صحت من رسول والملك ال شريك لكحديث عائشة وهي )

في حديث آخر ولكن شأن اإلمام أحمد هل فعال محمد بن فضيل حفظ -صلى هللا عليه وسلم-هللا عليه فيها محمد بن ذلك أم لم يحفظ هل األعمش حدث بهذه الزيادة أم لم يحدث وإنما أخطأ

فضيل.

إذن هنا ال نقول هذه الزيادة لم تقع منافية فيجب قبولها هذا الكالم يقال فيما يضاف إلى صلى هللا -، مثال حديث أبي موسى األشعري عن رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم-رسول هللا ( والهرج القتل يها الهرجبين يدي الساعة أياما يرفع فيه العلم ويظهر ف أنه قال: ) -عليه وسلم

، العلماء قالوا قوله -صلى هللا عليه وسلم-هكذا الحديث يروى عن أبي موسى عن رسول هللا إنما هو مما قاله أبو -صلى هللا عليه وسلم-والهرج القتل هذا خطأ ليس هو من كالم رسول هللا

لوارد للحديث، فهذا بعقب الحديث تفسيرا للهرج ا -رضي هللا عنه وأرضاه-موسى األشعري من غير فصل، -صلى هللا عليه وسلم-يسمى إدراجا ألنه جعل كالم الراوي من جملة كالم النبي

فهذا إدراج هو كالم للصحابي أم ال؟ هل هذا الكالم يتعارض مع أصل الحديث؟.

هو ال يتعارض مع أصل الحديث هو يفسر الحديث ومع ذلك العلماء قالوا هذا الصواب في ومع -صلى هللا عليه وسلم-ث أبي موسى أنه من كالم أبي موسى وليس من كالم رسول هللا حدي

ذلك فقد صح كما في صحيح مسلم من حديث عبد هللا بن عمرو بن العاص أنه روى عن رسول أنه قال: والهرج -رضي هللا عنه-هذه الزيادة، أم حديث أبي هريرة -صلى هللا عليه وسلم-هللا

.-صلى هللا عليه وسلم-ا ذلك إلى رسول هللا القتل مضيف

إذن هذه الزيادة صحيحة المعنى ال تتعارض مع أصل الحديث وال تتنافى معه ومع ذلك ناقش العلماء في صحتها في حديث أبي موسى خاصة مع تسلميهم أنها أوال: غير متعارضة وال

أسبغوا الوضوء ، )-عليه وسلم صلى هللا-منافية ألصل الحدي ثم إنها قد رويت عن رسول هللا ( حديث أبي هريرة معروف، وتكلم العلماء في أن هذه الزيادة هي من ويل لألعقاب من النار

والذي أدرجها إنما أدرجها -صلى هللا عليه وسلم-قول أبي هريرة وليست من قول رسول هللا أحسنوا الوضوء فإني في أول الحديث؛ ألن أبا هريرة لما وجد قوما ال يحسنون الوضوء قال

( فالقدر الذي أضافه أبو ويل لألعقاب من النار يقول: ) -صلى هللا عليه وسلم-سمعت أبا القاسم ( أما قوله أسبغوا ويل لألعقاب من النار هو قوله ) -صلى هللا عليه وسلم-هريرة إلى رسول هللا

س هذا في حديث أبي هريرة الوضوء فهو من قوله هو، العلماء قالوا الصواب أن هذا مدرج لي( إنما هو من كالم أبي هريرة مع أسبغوا الوضوءيعني ) -صلى هللا عليه وسلم-من كالم النبي

أنه قال: -صلى هللا عليه وسلم-أنه صح من حديث عبد هللا بن عمرو بن العاص عن رسول هللا حة هذه الزيادة ( فالمعنى صحيح ومع ذلك نازع العلماء وناقشوا في صأسبغوا الوضوء )

وقبولها في حديث أبي هريرة خاصة.

فإذن من يشترط في رد الزيادة أن تقع منافية، هذا لم يفهم موضوع المسألة نحن اآلن ال إنما نتكلم فيما أضيف إلى هذا الراوي، -صلى هللا عليه وسلم-نتكلم فيما أضيف إلى رسول هللا

يكون الراوي فهم من الحديث فهما، فهذا الفهم قد هل فعال هذا الراوي حدث بالحديث أم ال؟ قدال يكون متعارضا وقد يعبر لفهمه للحديث بألفاظ تحمل معاني غير المعاني التي اشتمل عليها

أصل الحديث، فهو من هذه الحيثية غير متعارضة وال غير منافية إنما هي زيادة مجردة، إما أن -صلى هللا عليه وسلم-الممكن أن يكون الرسول تكون محفوظة وإما أن ال تكون محفوظة من

قال ذلك، ومن الممكن أال يكون قالها.

Page 262: علوم الحديث   المستوى الثاني

بحثنا اآلن هل فعال وقع ذلك في حديث الراوي الذي اختلف عليه في ذكر هذه الزيادة من صلى هللا -عدمها أم ال؟ فإذا ترجح لدينا أنه زادها فحيئد نقبلها، وإذا صح إسناده إلى رسول هللا

فالحديث صحيح بما اشتمل عليه من تلك الزيادة، لكن إذا ترجح لدينا أن هذه الزيادة -وسلمعليه لم يقلها ذلك الراوي الذي وقع عليه الخالف في ذكرها فنحن ال نقبلها حتى وإن كانت صحيحة

صلى هللا -نهى رسول هللا المعنى حتى ولو كانت ال تتعارض مع أحاديث أخرى مثال حديث )( هذا الحديث يرويه إسماعيل بن علية بإسناده عن أبي هريرة عن عن التزعفر -لمعليه وس

عن أن يتزعفر -صلى هللا عليه وسلم-نهى رسول هللا بلفظ ) -صلى هللا عليه وسلم-رسول هللا ( فروى شعبة هذا الحديث عن إسماعيل بن علية بالمعنى فأخطأ خطأه في ذلك العلماء، الرجل

فماذا قال؟.

صلى هللا عليه -أن رسول هللا اه بإسناه عن إسماعيل بن علية بإسناده إلى أبي هريرة )رو( شعبة ظن أن اللفظ الذي جاء به يؤدي نفس المعنى الذي رواه له نهى عن التزعفر -وسلم

إن شعبة -رحمه هللا تعالى-إسماعيل بن علية لكن بين اللفظين فرق حتى قال إسماعيل بن علية نهى عن أن ) -صلى هللا عليه وسلم-حديث واحد أوهم علي فيه حدثته أن رسول هللا حدث عني ب

( ومعلوم نهى عن التزعفر ) -صلى هللا عليه وسلم-( فحدث عني أن رسول هللا يتزعفر الرجلأن لفظ ابن علية أن يتزعفر الرجل أخف من لفظ شعبة الذي هو أعم، فيشمل الرجال ويشمل

شتملت حينئذ رواية شعبة أو اللفظ الذي جاء به شعبة على زيادة حكم لم توجد أيضا النساء، فقد افي أصل الحديث ال تتعارض من الممكن أن يكون الرسول قال هذا ومن الممكن أن يكون قال

صلى هللا -هذا وليس بين الحكمين تنافي وليس بين الحكمين تعارض فلو صح أن رسول هللا -وعموما ألخذنا بذلك الحكم ولكن لم يصح ذلك عن رسول هللا نهى عن التزعفر -عليه وسلم

ألنه لم يصح عن الذي روى الحديث الذي روى الحديث روى بلفظ -صلى هللا عليه وسلم الخصوص بينما جاء شعبة له بلفظ العموم.

فإذن ال نقول حينئذ إن هذه الرواية العامة ال تتنافي مع الرواية الخاصة فإذن ال تعارض والإنما فيما -صلى هللا عليه وسلم-تنافي فلنقبلها ألن بحثنا اآلن ليس فيما يضاف إلى رسول هللا

يضاف إلى الراوي نفسه قد يروي الراوي الحديث بلفظ من قبله بمقتضى ما فهمه من الحديث كما فعل شعبة، وأحيانا يغير كما في حديث العالء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة: )

( قد يكون اللفظ الوارد في الحديث محتمال ألكثر من كل صالة ال يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداجمعنى، فيأتي بعض الرواة فيحمله على بعض المعاني دون بقية المعاني فحينئذ يكون قد غير في

سياق الحديث وفي المعنى الذي تضمنه الحديث.

يشتمل على أكثر من معنى فهل إذا - عليه وسلمصلى هللا-هل إذا كان اللفظ الذي قاله النبي أنت حملته على معنى من تلك المعاني هل يكون في ذلك تنافي أو تعارض؟ أبدا ليس في هذا تنافي ألن اللفظ الذي جئت به يدخل في اللفظ الذي جاء به غيري، ولماذا؟ لما روى وهب بن

( ماذا قال العلماء؟ قرأ فيها بفاتحة الكتاب ال تجزيء صالة ال يجرير هذا الحديث فقال: فيه )قالوا هذا خطأ أخطا فيه وهب بن جرير ألنه حمل الخداج المذكور في الرواية األصلية على عدم اإلجزاء، فهو لم يفهم من الخداج سوى عدم اإلجزاء وغيره قد يفهم من ها عدم الكمال،

لمعنيين.واللفظ يحتمل لهذا ويحتمل لهذا فهو حمله على أحد ا

بطبيعة الحال المعنى الذي حمل الرواية عليه هو ال يتنافى مع أصل الحديث ومع ذلك هو خطأ؛ ألنه ضيق ما اشتمل عليه اللفظ النبوي ألن اللفظ النبوي أعم من أن يكون مشتمال على

ى من المعنى الذي اشتمل عليه اللفظ الذي جاء به الراوي، إذن نحن هنا انتهينا بفضل هللا تعالنقاط جوهرية في هذا الباب وكيفية فهم هذا الباب وفهم كالم أهل العلم فيه ولكنه لم ينته بعد

Page 263: علوم الحديث   المستوى الثاني

فالكالم فهي يحتاج إلى لقاء آخر فإن شاء هللا تعالى نكمله في اللقاء القادم بإذن هللا تعالى وستجدون ما يسركم.

المعرفة؟. كان السؤال األول: اذكر مثاال على إطالق االعتبار على معنى

وكانت اإلجابة: االعتبار قد يكون معناه المعرفة واالختبار وذلك بأن تعرض أحاديث الراوي على رويات الثقات فإن وافق عرف ذلك مثال ذلك، ما رواه الشافعي عن مالك بن عبد هللا بن

لك ( ظن بعضهم أن الشافعي تفرد به عن ماالشهر تسع وعشروندينار عن ابن عمر مرفوعا، ) لكن وجدنا للشافعي متابعا عن مالك وهو عبد هللا بن مسلمة القعنبي

هو األخ قال كالم طيب جد، لكن المثال ال ينطبق على اإلجابة نحن نتكلم عن إطالق االعتبار بمعنى االختبار وليس بمعنى االستشهاد والتقوية وإنما ذكرنا نحن في اللقاء السابق ما

لما كان ابن معين يسمع أحاديث -رحمهما هللا تعالى-نبل وابن معين كان من شأن أحمد بن حالضعفاء أحاديث كأبان بن أبي عياش ويكتبها ويحتفظها ليميزها ويعرفها ويعرف ما أصاب فيه

ما قد يعمد إليه الكذابين من تغيير أبان بجعل ثابت البناني مكانه فهذا هو االعتبار وهذا هو عتبار بمعنى المعرفة واختبار أحاديث الراوي.المعنى المقصود من اال

السؤال الثاني: اذكر مثاال عن النكارة اإلسنادية؟

وكانت اإلجابة: ذكر في الكامل من حديث إسماعيل أبي أويس عن مالك عن ابن أبي الزبير ( الحديث قال: حديث منكر عن مالك ال إذا وضع بين يدي أحدكم طعام...عن جابر مرفوعا )

فه إال من حديث بن أبي أويس عنه، وابن أبي أويس هذا روى عن خاله مالك أحاديث أعر غرائب ال يتابعه أحد عليها.

هذا المثال ال يصلح في النكارة.

هل الحديث الذي رواه أبو هريرة في إطالة الغرة في الوضوء من الزيادات الثقات وإذا كان كذلك أين هي الزيادة؟

( هذا هو الحديث، ثم ي يأتون يوم القيامة غرا محجلين من أثر الوضوءإن أمت نعم الحديث )فمن استطاع أن ( قال العلماء قوله: )فمن استطاع أن يطيل غرته فليفعلزاد بعضهم فيه زيادة )

-صلى هللا عليه وسلم-( هذا من قول أبي هريرة وليس من قول رسول هللا يطيل غرته فليفعلمناسبة، فقط هي بنت حكما هذا حكم فهمه أبو هريرة من أصل وتالحظون أنها زيادة غير

الحديث وغيره فهم من أصل الحديث خالف ما فهم أبو هريرة، لكن ال شك أن عدم توفيق أبو هريرة من فهم الحديث على وجهه ال يدل على أن ما قاله يتنافى مع الحديث فلفظ الحديث يحتمل

ومع ذلك العلماء قالوا هذه من قول أبي –عنه وأرضاه رضي هللا -هذا الذي فهمه أبو هريرة ولم يشترطوا المنافاة لردها ولعدم -صلى هللا عليه وسلم-هريرة وليس من قول رسول هللا

صلى هللا عليه وسلم.-تصحيحها عن رسول هللا

يقول: كيف نفرق بين زيادة الثقة والشاذ عند قراءتنا البن حجر؟

من أفضل الذين كتبوا في هذا الموضوع وفرقوا بين - تعالىرحمه هللا-الحافظ ابن حجر الرواية الشاذة والرواية المحفوظة، ونحن قلنا ال تقول كيف نفرق بين الشاذ وبين زيادة الثقة، ألن الشاذ أصال زيادة ثقة ورواية ثقة؛ ألن الشاذ جاء به ثقة عن ضعيف، جاء به راوي ثقة

Page 264: علوم الحديث   المستوى الثاني

ولكن نقول كيف نميز بين الزيادة التي يجيء بها الثقة فتكون شاذة فإذن هو يعتبر زيادة من ثقة والزيادة التي يجيء بها الثقة فتكون محفوظة، وهذا بطبيعة الحال يرجع فيه إلى كتب علل

األحاديث، وما قاله العلماء المتخصصون في الحكم على األحاديث.

ا وقال في بعض المصنفات األخرى يقول: الخطيب البغدادي قال: مر بقبول زيادة الثقة مطلق بالتفصيل نرجو إلقاء الضوء على هذه المسألة وبيان آخر القولين للخطيب وأرجحهما؟

-هذا تابع للنظر في الثقة من هو الثقة الذي تقبل زيادته، وهذا أيضا سنتناوله في اللقاء القادم .-إن شاء هللا تعالى

دة؟ تقول: كيف نعرف أن في هذه الرواية زيا

من عرض الروايات بعضها على بعض فحينما نقف على رواية، ثم نقف على بقية الرويات األخرى التي رواها الرواة عن هذا الشيخ أو لهذه الرواية نعرف من زاد ومن نقص فبعرض

الروايات بعضها على بعض نعرف الذي زاد في الرواية والذي نقص منها وبطبيعة الحال هذا لل األسانيد والمتون علل األحاديث عموما ، فال ينبغي أن يستقل اإلنسان فيها من أدق مباحث ع

رحمهم هللا تعالى.-بحكم بل ينبغي أن يسترشد دائما وأبدا بأقوال أهل العلم

قلنا أن الملحظ في زيادة الثقة عن نقطة جوهرية وهي ما زاده الراوي نفسه وليس ما أضيف فكيف نعرف في هذه الرواية هذا القدر الزائد الذي نبحث -مصلى هللا عليه وسل-إلى الرسول

أم هو -صلى هللا عليه وسلم-فيه هل هو من زيادة الراوي كيف نعرف هل هو من قول الرسول مما أضيف إلى الراوي؟

إال بعد أن -صلى هللا عليه وسلم-بطبيعة الحال نحن ال نستطيع أن نثبت ذلك عن رسول هللا فرع من إثباته عمن رواه عنه -صلى هللا عليه وسلم-عنه ألن إثباته عن النبي نثبته عمن رواه

صلى هللا عليه -فإذا لم نستطع أن نثبته عمن رواه عنه فكيف نستطيع أن نثبته عن رسول هللا فالمسألة مرتبط بعضها ببعض ومرتب بعضها على بعض. -وسلم

صلى هللا عليه -كثيرة بأن الرسول هل في حديث صفة التحليق في التشهد، وردت رواياتكان يحرك -صلى هللا عليه وسلم-كان لم يحرك السبابة ووردت رواية أن الرسول -وسلم

السبابة فهل هذه تعتبر من روايات الثقة وهل هي مقبولة؟

بال شك من روايات الثقة ألن الذي زادها زائدة بن قدامه فهي من زيادة الثقات ولكن كما قلنا إن شاء هللا -ائما وأبدا تكون زيادة الثقة من المقبول فمنه الشاذ ومنه غير الشاذ وهذا ليس د نفصل فيه القول في اللقاء القادم. -تعالى

الناس متباينون في عصرنا في استعمال المتابعة فمنهم المفرق ومنهم المفرط أرجو التعليق أن يتخذه حيالها؟ على هذه القضية وذكر الموقف الذي يجب على طالب العلم

ال شك أن الشواهد والمتابعات التي يجيء بها الرواة سواء كانوا من الثقات أو من الضعفاء الذين لم يشتد ضعفهم، هذه الشواهد وتلك المتابعات ما ترجح لدينا ولدى أهل العلم أنها صحيح

الروايات، أما ما كان فهي بطبيعة الحال محتج بها بمفردها فتزداد قوة بما انضم إليها من بقيةمنها من قبل الرواة الضعفاء أو الذين لم يشتد ضعفهم فهذه ينتفع بها بطبيعة الحال ويسترشد بها في تعضيد الروايات وتقوية الروايات وترجيح بعض الروايات على بعض كما قال اإلمام أحمد

Page 265: علوم الحديث   المستوى الثاني

اء قد يحتاج إليها في بن حنبل رحمه لما سئل عن األحاديث الفوائد قال األحاديث عن الضعف وقت أي في باب الشواهد و المتابعات والمنكر أبدا منكر.

وفرق بين أن تكون الرواية يرويها ضعيف وبين أن تكون الرواية منكرة، فالتي يرويها الضعيف هي تحتمل النكارة وعدم النكارة قد تكون صوابا وقد تكون خطأ فاألمر فيها على

ما وأبدا يأتي بالمنكر أحيانا يأتي بغير المنكر، فإذا وجدنا الضعيف االحتمال ليس الضعيف دائروى الرواية فقد يكون ذلك من قبيل ما حفظه ذلك الضعيف وإن كان قليال أو يكون من قبيل

المنكر فإن ترجح لدينا أنه من قبيل المنكر لمن نعرج عليه ولم نلتفت إليه، وال نشغل به الوقت، مرين ننظر فيه ونعرضه على الروايات األخرى لنرجح فيه جانب اإلصابة أو أما إذا احتمل األ

جانب الخطأ، فإذا ترجح فيه جانب اإلصابة أو جانب الخطأ فإذا ترجح فيه جانب اإلصابة فهذا ينتفع به أما إذا ترجح فيه جانب الخطأ فهذا ال ينتفع به كالمرسل مثال فالمرسل فيه سبب يمنعنا

ولكن ليس كل مرسل منكرا فمن المرسل ما هو منكر ومن المرسل ما ليس من االحتاج به بمنكر فإذا ترجح لدينا أن هذا المرسل ليس منكرا فنحن ننتفع به في تقوية األحاديث وترجيح

بعضها على بعض أما إذا ترجح أنه من قبيل المنكر فهذا وجوده كعدمه، وهللا أعلم.

شاذ وزيادة الثقة؟.ما العالقة بين ال السؤال األول:

هل يلزم من عدم المنافاة بين الرواية المزيدة والرواية الناقصة قبول الزيادة؟. السؤال الثاني:

Page 266: علوم الحديث   المستوى الثاني

عشرالسابع الدرس

تابع باب زيادة الثقة

إن الحمد هلل تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, ضل له, ومن يضلل فال هادي له، وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له، من يهده هللا فال م

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد:

في اللقاء الماضي حول زيادة الثقة، وذكرنا في ما ذكرناه أن هذا -تعالى–تكلمنا بحمد هللا األحاديث التي تقع في الباب من أبواب علوم الحديث إنما هو يعالج جانبا من جوانب علل

الروايات من قبل بعض الثقات، فالثقة إذا ما أخطأ قد يكون خطؤه بالزيادة أو بالنقصان، بالتقديم أو بالتأخير، باإلبدال، أي القلب، إبدال شيء بشيء آخر في اإلسناد أو في المتن، وتناولنا معنى

نها وبين الحديث الشاذ، ثم انتهينا إلى ما الزيادة والعالقة بينها وبين التفرد والعالقة األخرى بيذكره بعض أهل العلم من أن الزيادة إنما تكون مقبولة من الراوي الثقة الذي جاء بها ما لم تقع منافية لغيرها من الروايات سواء للرواية الناقصة التي لم تذكر فيها تلك الزيادة، أو للروايات

وهذه النقطة كانت في حاجة إلى -هللا عليه وآله وسلمصلى -األخرى التي رويت عن رسول هللا إن شاء هللا -إيضاح تكلمنا عليها في اللقاء الماضي بشيء من اإلجمال، ونحاول جاهدين اليوم

أن نزيدها تفصيال وتبيينا . -تعالى

-ال شك أن الزيادة إذا ما وقعت منافية بمعنى أنها تتعارض مع ما صح من سنة رسول هللا فإنها حينئذ إن لم يمكن التوفيق بينها وبين الصحيح الثابت فتكون من -هللا عليه وآله وسلمصلى

قسم الحديث المردود؛ ألنها كما ترون وقعت منافية تتعارض مع الثابت المتقرر المحفوظ عن ، فهذه الزيادة التي زادها ذلك الراوي في حديثه إذا -صلى هللا عليه وآله وسلم-رسول هللا

دناها تتعارض مع أصل الحديث، أي الحديث بدون هذه الزيادة أو تتعارض مع الثابت وجفليس من شك أنها حينئذ تكون زيادة -صلى هللا عليه وآله وسلم-المحفوظ من سنة رسول هللا

مردودة غير مقبولة والعلماء يستدلون بمنافاتها للصحيح الثابت على كونها غير محفوظة, وعلى لذي جاء بها إنما أخطأ في ذلك السيما إذا كان إنما جاء بها وغيره من الرواية الذين أن الراوي ا

لم يذكروا تلك -صلى هللا عليه وآله وسلم-رووا الحديث نفسه عن شيخه فصاعدا إلى رسول هللا الزيادة، فهذا مما يقوي أن الراوي لم يحفظ الحديث:

روى الحديث نفسه.أوال : لكونه جاء بما لم يأت به غيره ممن

ثاني ا: لكون زيادته التي جاء بها مخالفة لما رواه غيره من الرواة.

فكل ذلك إذا انضم بعضه إلى بعض يرجح لدى الباحثين الناقدين أن هذا الراوي الذي جاء بتلك الزيادة أخطأ ولم يصب.

المنافية فقط، بمعنى لكن هل معنى هذا أن رد الزيادة وعدم قبولها البد وأن يقع في الرواية أننا ال نرد الزيادة إال إذا جاءت منافية للرواية األصلية الناقصة التي لم ترد فيها الزيادة، أو

بحيث أن الزيادة إذا جاءت -صلى هللا عليه وسلم-للرواية األخرى المروية عن رسول هللا ون أو غير منافية للثابت موافقة لما رواه اآلخرون أو جاءت غير مخالفة لما قد رواه اآلخر

هل معنى ذلك أنه يلزم حينئذ أن تكون مقبولة؟ -صلى هللا عليه وسلم-المحفوظ عن رسول هللا

Page 267: علوم الحديث   المستوى الثاني

ال، بل نقول: رغم أنها أحيان ا ال تكون منافية ، وال تكون معارضة للروايات األخرى، فأحيانا مع التنافي وعدمه، وإنما يدور مع تكون مقبولة، وأحيانا تكون غير مقبولة، واألمر ليس دائرا

مدى حفظ ذلك الراوي لهذه الزيادة مع عدم ذلك بحسب الدالئل والقرائن التي تحتف بالرواية فتدل الباحث الناقد على أن هذا حفظ وهذا لم يحفظ، أن هذا أصاب وهذا لم يصب، تعالوا بنا

ننظر مثال إلى الزيادات بأنواعها:

وهناك زيادات أخرى تكون في المتون كما مثلنا لذلك في اللقاء قلنا: كزيادات إسنادية،الماضي، وأنت إذا نظرت إلى مجموع هذه الزيادات تجد أن أغلبها ال يكون منافيا للرواية

تارة يقبلونها، وتارة ال يقبلونها، وليس القانون -رحمهم هللا تعالى-الناقصة، ومع ذلك العلماء م المنافاة، بحيث ما كان منافيا ال يقبل، وما لم يكن منافيا يقبل أبدا ، بل عندهم هو المنافاة أو عد

نجد العلماء أحيان ا تكون الزيادة غير منافية ومع ذلك ال يقبلونها في ذلك الحديث ذهابا منهم إلى أن الراوي الذي زادها أخطأ وإن لم يخطئ الخطأ الفاحش الذي يفضي بالرواية أو الحكم عليها

، فالزيادة -صلى هللا عليه وآله وسلم-نها منافية أو معارضة لما قد ثبت وصح عن رسول هللا بأاإلسنادية مثال ال يقع بينها تناف، نحن ذكرنا من الزيادات اإلسنادية ما يختلف الرواة في وصل الحديث وإرساله، بعض الرواة يوصل الحديث، والبعض اآلخر يرسله، هل هناك من تناف بين

لوصل واإلرسال؟ هل اإلرسال يتنافى مع الوصل؟ هل الوصل يتنافى مع اإلرسال؟ ليس هناك امن تناف، التنافي عند العلماء الذين اشترطوا المنافاة لرد الزيادة هو أنه يلزم من قبول الرواية

، بينهما الزائدة رد الناقصة، أو من قبول الناقصة رد الزائدة بحيث أن الروايتين ال يجتمعان أبدا تعارض واضح، ال يمكن بينهما الجمع والتوفيق والتأويل، بحيث تستقيم هذه الروايات وتجتمع

على معنى من المعاني، فهذا هو معنى التنافي عندهم، يعني إذا قبلت هذه فيلزمك أن ترد األخرى؛ ألن األخرى متعارضة مع األولى، فهل نجد نحن في اختالف الرواة في وصل

إرساله نوعا من التنافي؟ ليس هناك نوعا من التنافي، فقد يكون الحديث صحيحا عن الحديث وموصوال ، وقد يكون الحديث أيضا رواه بعض التابعين عن -صلى هللا عليه وسلم-رسول هللا مرسال وليس هناك من تعارض وال تنافي بين الوصل -صلى هللا عليه وسلم-رسول هللا

ممكن أن يكون الحديث صحيحا بالوجهين جميعا ، فبعضهم روى الحديث واإلرسال، بل من الوبعضهم لم ينشط فأرسل الحديث، لم ينشط -صلى هللا عليه وسلم-موصوال عن رسول هللا

بحيث يذكر كل رواة الحديث فرواه مرسال من غير ذكر الصحابي فيه، فهل هذا تعارض؟ إنما الرواية.هذا تنوع في الرواية، هذا تنوع في

تارة يرجحون اإلرسال -عليهم رحمة هللا تبارك تعالى-ومع ذلك نحن نجد علماء الحديث على الوصل، وتارة يرجحون الوصل على اإلرسال، وتارة يقبلون الرواية على الوجهين

موصولة ومرسلة ويقولون: كل ذلك صواب، فالرواية صحت باإلسناد الموصول إلى رسول هللا كما أن الذي أرسلها لم ينشط ليذكر اإلسناد بتمامه فرواه ناقصا ، رواه -يه وسلمصلى هللا عل-

بغير ذكر الصحابي فيه، لمعنى من المعاني التي من أجلها يقع اإلرسال في الرواية، فإذن أحيان ا يرجحون الوصل، وأحيانا يرجحون اإلرسال، وأحيانا يقبلون الوصل واإلرسال جميعا ، وحينئذ

موصولة -صلى هللا عليه وآله وسلم-رجح لديهم أن الرواية محفوظة عن رسول هللا إذا تومرسلة، فحينئذ يكون عندنا في الباب حديثان أو طريقان طريق موصول وطريق مرسل، فهذا

يقوي هذا ويؤيده.

فإذن نحن ال نرى تعارضا بين وصل الحديث وإرساله، ومع ذلك وجدنا علماء أهل الحديث ا ما يعمدون إلى إعمال الترجيح في مثل هذا، وال يقبلون اإلرسال -م رحمة هللا تعالىعليه- كثير

والموصول أبدا ، بحجة أنه ليس هناك من تناف بين الوصل واإلرسال، فعدم وجود التنافي لم

Page 268: علوم الحديث   المستوى الثاني

يمنعهم من الترجيح، عدم وجود التنافي لم يمنعهم من سلوك مسلك الترجيح، فتارة يرجحون وتارة يرجحون اإلرسال. الوصل،

الرفع والوقف، اختالف الرواة في رفع الحديث ووقفه، هذا يرفع الحديث ويضيفه إلى رسول وهذا يوقفه على بعض الصحابة أو التابعين، فهل أنتم تجدون من -صلى هللا عليه وآله وسلم-هللا

تناف وتعارض بين األمرين؟.

وقد قال بمثله -صلى هللا عليه وآله وسلم-ل هللا ما المانع أن يكون الحديث قد قاله رسو، هل -صلى هللا عليه وآله وسلم-صحابي من الصحابة الكرام، فجاء كالمه موافقا لكالم النبي

هناك من تناف؟ ليس هناك من تناف وال تعارض، ومع ذلك نجد العلماء يسلكون مسلك الترجيح ة يرجحون المرفوع على الموقوف وتارة يرجحون فيما اختلف فيه الرواة رفعا ووقفا، فتار

الموقوف على المرفوع، وأحيانا أخرى يقبلون الرواية مرفوعة وموقوفة بحسب القرائن والدالئل التي تنضم إلى الرواية، فترجح جانبا على جانب، فرغم أنه ال تعارض وال تناف بين

لترجيح، فتارة يرجحون هذا، وتارة يرجحون الرفع والوقف، إال أن العلماء أيضا سلكوا مسلك اهذا بحسب الدالئل والقرائن، ولم يقولوا: إن الوقف والرفع ال يتعارضان إذن يجب قبول زيادة

وإنما كما قلت: يلجئون إلى -عليهم رحمة هللا تبارك تعالى-الرفع أبدا لم يقل ذلك علماء الحديث واية، والتي على أساسها يترجح جانب الوقف أو جانب الترجيح وإلى إعمال القرائن المحتفة بالر

الرفع.

تعالوا بنا ننظر في الزيادات المتنية، هذه زيادات في اإلسناد، هناك زيادات أخرى في المتن، إذا ما وجدوا تلك الزيادة المتنية التي وقعت -عليهم رحمة هللا تعالى-فهل العلماء علماء الحديث صلى هللا -لرواية الناقصة أو للرواية األخرى المروية عن رسول هللا في المتن غير معارضة ل

إذا وجدوها كذلك غير منافية هل يقبلونها أبدا ؟ ال، ال يقبلونها أبدا ، بل تارة يقبلونها، -عليه وسلموتارة ال يقبلونها رغم أنها لم تقع منافية ، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على أن الميزان الذي

كه المحدثون ويزنون به قبول الزيادة أو عدم قبولها ليس هو التنافي وعدمه، وإنما ما يدل يسلعليه الروايات والقرائن المحتفة بها من كون الراوي حفظ الزيادة أو لم يحفظها، حتى وإن كان

الحديث مع ذلك أو الزيادة غير منافية ألصل الحديث.

-ضي عن زيادة من المسلمين التي زادها اإلمام مالك باألمس القريب تكلمنا في اللقاء المافي حديث صدقة الفطر، زيادة "من المسلمين" هي زيادة انبنى عليها -رحمه هللا تبارك تعالى

حكم ال شك، ولكن هل بينها وبين أصل الحديث تعارض؟ ليس بينها وبين أصل الحديث على أن زكاة الفطر تجب على كل من تعارض وال تنافي، فأصل الحديث بدون هذه الزيادة يفيد

عنده عبد ذكرا كان أو أنثى، مسلما كان أو غير مسلم، فالحديث يحتمل هذه المعاني، يحتمل أن يكون الذي يخرج عنه زكاة الفطر مسلما أو غير مسلم، فجاءت الزيادة وبينت أن زكاة الفطر

من العبيد، وليس من كان غير مسلم من إنما تجب على من كان العبد المسلم، من كان مسلما العبيد، فهل هذه الزيادة تتعارض مع أصل الحديث؟ ال تتعارض، وإنما وضحت المعنى المراد

من الرواية الناقصة وبينت ذلك في تلك الزيادة، فالرواية الناقصة تحتمل أن العبد المسلم، والعبد ية الزائدة بينت أن هذه الزكاة إنما تختص الكافر كالهما يخرج عنه زكاة الفطر، فجاءت الروا

بالعبد المسلم دون الكافر، فهي لم تتعارض مع الحديث وإنما بينت المراد منه على وجه التحديد؛ ألن الحديث بدونها كان يحتمل أكثر من معنى، فإذن هذا ال تعارض وال تناف، ومع ذلك اختلف

ء بها ثقة من الثقات، بل هو من كبار الحفاظ وهو أهل العلم في قبول هذه الزيادة مع أن الذي جارغم أنه أيضا لم يتفرد بها كما ذكرنا وأشرنا إلى ذلك، -رحمه هللا تعالى-اإلمام مالك بن أنس

بل وافقه على ذكرها غيره.

Page 269: علوم الحديث   المستوى الثاني

فاألئمة حينما ردوا الزيادة لم يردوها ألنها منافية، هم لم يفهموا منها المنافاة، هم أدرى بفهم ، وإنما ردوها ألنهم رأوا أنهم زيادة تفرد بها واحد -صلى هللا عليه وآله وسلم-ث رسول هللا حدي

دون سائر الناس، فأين كان بقية الرواة الذين هم من أصحاب نافع عن هذا الحديث حتى يخفى عليهم ذلك الحكم، وال يطلع عليه إال واحد منهم، هذا هو منظور الحديث الذي يراعيه علماء

عليهم رحمة هللا تبارك تعالى. -حديث ال

فإذن الزيادة لم تقع منافية ومع ذلك بعضهم قبلها وبعضهم لم يقبلها، ولم يأت من قبلها ويقول للذي لم يقبلها: إنها ليست منافية، ولم يعترض عليه بذلك؛ ألنه يعلم أنه لم يردها لكونها منافية،

تفرد بها واحد في نظره ثم أن مثل هذه الزيادة لو وإال فهي ليست بمنافية، وإنما ردها؛ ألنهكانت محفوظة لما خفيت على سائر أصحاب نافع الذين رووا ذلك الحديث، فمن هذه الحيثية

إنما يقبلون الزيادة أو ال يقبلونها بحسب من جاء بها من -عليهم رحمة هللا تبارك تعالى-العلماء تدل على إن كان الراوي حفظ أو لم يحفظ، ونحن نعلم الرواة، وبحسب القرائن المحتفة والتي

ا من الزيادات التي يردها علماء الحديث في بعض األحاديث، هم أنفسهم يصححونها من أن كثير ، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على أن -صلى هللا عليه وآله وسلم-حيث النسبة إلى رسول هللا

المنافاة وعدم المنافاة؛ ألنه لو كان األمر راجعا إلى الميزان الذي يسلكونه ويتبعونه ليس هوفهم -صلى هللا عليه وآله وسلم-المنافاة فكيف وهذا حديث هم نفسهم يصححونه عن رسول هللا

يصححون ذلك، ولكن مع ذلك قد -صلى هللا عليه وآله وسلم-من حيث نسبته إلى رسول هللا ذلك خطأ من قبل بعض الرواة، في ذلك الحديث تأتي تلك الزيادة في رواية بعينها فيرون

. -صلى هللا عليه وآله وسلم-بخصوصه وإن كان المعنى الذي جاء به ثابتا عن رسول هللا

لما تكلم في زيادة محمد بن فضيل عن األعمش في -رحمه هللا تعالى-اإلمام أحمد بن حنبل اللهم لبيك ال شريك لك لبيك، إن الحمد لبيك لحديث عائشة أم المؤمنين في التلبية في الحج: )

( نازع اإلمام أحمد في صحتها، والملك ال شريك لك( فزيادة )والنعمة لك والملك ال شريك لكوخط أ محمد بن فضيل في زيادته لها في حديث عائشة خاصة ، مع أنه هو نفسه يصححها عن

هو الذي يرويه عبد هللا بن عمر ، ولكن في حديث آخر، و-صلى هللا عليه وآله وسلم-رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم.-عن رسول هللا -رضي هللا عنهما-بن الخطاب

فهل اإلمام أحمد ينازع في صحة الحديث عن رسول هللا؟ ال ينازع في صحة الحديث عن ، إنما ينازع في صحة تلك الزيادة في حديث عائشة خاصة، -صلى هللا عليه وسلم-رسول هللا

و أن األمر عند اإلمام أحمد يرجع إلى المنافاة وعدم المنافاة، فهذا ليس بينهما تناف، كيف وقد فلوإنما قضية اإلمام أحمد أنه يريد أن يحقق، هل -صلى هللا عليه وآله وسلم-صح عن رسول هللا

هذه الزيادة في حديث عائشة خاصة؟ أم ال؟ والذي ترجح لديه: أن ذلك ليس من حديث عائشةصلى هللا -إنما هو من حديث عبد هللا بن عمر بن الخطاب, فهو الذي روى ذلك عن رسول هللا

رضي هللا -أعني تلك الزيادة خاصة ، وإال فأصل الحديث قد روته عائشة وابن عمر -عليه وسلمة غاية ما هنالك أن عائشة لم تأت بتلك الجمل -صلى هللا عليه وسلم-عن رسول هللا -عنهم جميعا

التي في آخر تلك التلبية.

عليه رحمة هللا -فإذن لو كان األمر راجعا إلى المنافاة وعدم المنافاة لما كان اإلمام أحمد صلى هللا عليه -نازع في صحة هذه الزيادة وإال فهو يصححها ويثبتها عن رسول هللا -تعالى وسلم.

صلى هللا -بوي الوارد عن رسول هللا أحيان ا يكون الحديث محتمال ألكثر من معنى، اللفظ النهذا اللفظ يحتمل أكثر من معنى, فيأتي بعض الرواة فيروي الحديث بالمعنى -عليه وآله وسلم

الذي فهمه فيسوقه بلفظ من قبل نفسه وهذا اللفظ الذي جاء به من قبل نفسه في الواقع إنما يحمل

Page 270: علوم الحديث   المستوى الثاني

في أصل الحديث من هذه الحيثية؛ ألنه يتعارض، اللفظ النبوي على بعض معانيه، فإذن هو ال ينا، فهو لم -صلى هللا عليه وآله وسلم-غاية ما هنالك أنه عي ن بعض ما يندرج تحت كالم النبي

، ولم يأت بشيء يتعارض معه وال ينافيه، كمثل ما -عليه الصالة والسالم-يعارض كالم النبي ال رحمن عن أبيه عن أبي هريرة حيث قال: )رواه وهب بن جرير في حديث العالء بن عبد ال

(.تجزئ صالة ال يقرأ فيها بفاتحة الكتاب

هذا العلماء قالوا: ذلك خطأ من وهب بن جرير، روى الحديث بالمعنى فأخطأ، والصواب في لفظه وهو الذي يرويه شعبة، والمحفوظ عن شعبة من رواية كبار أصحابه عنه، والذي رواه

كل صالة ال يقرأ ن العالء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة بلفظ: )أيضا غير شعبة عصلى هللا -( هذا اللفظ الصحيح المنسوب والمضاف إلى رسول هللا فيها بأم القرآن فهي خداج

ورد فيه لفظ: الخداج ولفظ الخداج معناه: النقص، وعدم اإلتمام, فالنقص قد -عليه وآله وسلمة، قد يكون نقصا في أصل الصحة، وقد يكون نقصا للكمال، فاللفظ يكون نقص في أصل الصحيحتمل المعنيين جميعا ، غاية ما هنالك أن وهب -صلى هللا عليه وسلم-الذي ورد عن رسول هللا

(، فحمل أو ففهم هو من الرواية عدم ال تجزئبن جرير رواه بلفظ دال على أحد المعنيين فقال: ) يتعارض؟.اإلجزاء، فإذن هل هذا

يحتمل عدم اإلجزاء وعدم الكمال، فأنا حينما -صلى هللا عليه وسلم-ال شك أن لفظ النبي مستعمال لفظا يدل على عدم اإلجزاء -صلى هللا عليه وسلم-أروي الحديث عن رسول هللا

فروايتي ال تتناقض، وال تنافي الحديث في أصله، ولكنها قيدت ما أطلق في الحديث، فالحديث يحتمل أكثر من معنى، فجاء الراوي فحمله على معنى واحد، فألجل هذا لم يقبل األئمة منه ذلك

رغم أنه ال يقع بين روايته والرواية األصلية أي تناف، واضح؟ ومع ذلك لم يقبلوا ذلك منه، واعتبروا ذلك من أوهامه، وأخطائه في األحاديث.

في اللقاء الماضي، وهو حديث التحريك، تحريك كذلك السؤال الذي سألني عنه األخ الكريم اإلصبع في الصالة، أي في التشهد، حديث وائل بن حجر في المسألة والذي يرويه زائدة بن قدامة عن من؟ من حديث وائل عن عاصم بن كليب في حديث وائل بن حجر، حفاظ الحديث

زائدة بن قدامة متفردا عن يرون الحديث عن عاصم بن كليب بدون ذكر زيادة التحريك، بينما سائر الحفاظ يزيد في الحديث عن عاصم بن كليب زيادة تحريك اإلصبع.

هل التحريك أو عدم التحريك يتنافى مع الرواية الناقصة؟ الرواية الناقصة لم تتعرض للتحريك ال بإثبات وال بنفي، ال بإثبات وال بنفي، بينما زائدة بن قدامة زاد في رواية تلك

يادة، فزاد معنى آخر فوق المعنى الذي رواه الناس وهو التحريك، فهل هذا فيه تناف؟ ليس الزفيه تناف هذا ال يتنافى مع هذا، ولكن ليس هذا موضوع علم الحديث وال ما يشغل المحدثين أنه

هل -صلى هللا عليه وآله وسلم-يقع تنافي أو ليس متناف، نحن اآلن نبحث ماذا فعل رسول هللا عال فعل التحريك أو لم يفعل؟ قد يكون من الجائز أن يكون فعل التحريك، ومن الجائز أن ال ف

أو عدم -صلى هللا عليه وسلم-يكون فعل، وهذا األمر الذي يكون جائزا وقوعه من رسول هللا فهو غير مناف، وهو غير -صلى هللا عليه وسلم-وقوعه ما دام أن هذا األمر جائز في حقه

فقضية المنافاة غير موجودة هاهنا؛ -صلى هللا عليه وسلم-د إذا ما صح عن رسول هللا مستبعألنه إن صح أنه حرك فهذا ال يتنافى مع عدم التحريك، كما أنه إن صح أنه لم يحرك فهذا ال

غبار عليه وال يرد الحديث ألنه هذا مما اتفق عليه حفاظ الحديث.

Page 271: علوم الحديث   المستوى الثاني

أنه كان يحرك لقبلنا ذلك، ال ألنه غير - عليه وسلمصلى هللا-فلو ثبت وصح عن رسول هللا مناف ألصل الحديث ولكن ألنه جاء باألصول الصحيحة وبالروايات الصحيحة المحفوظة عن

، ونحن دائما وأبدا نقول: نحن في علم الحديث ال ندرس -صلى هللا عليه وآله وسلم-رسول هللا ما يحتمل أن يقع، وإنما ندرس ما وقع بالفعل، حينما ما يمكن أن يقع، أو ما يسوغ أن يقع، أو فنقول: هذا حديث ضعيف؛ -صلى هللا عليه وآله وسلم-يأتي الراوي فينسب حديثا إلى رسول هللا

قال هذا القول أو فعل -صلى هللا عليه وسلم-ألنه لم يصح على أصول المحدثين أن رسول هللا ال يصح؟ وهذا أمر سائغ، قد فعله غير النبي فلماذا ال يفعله ذلك الفعل، فيأتي واحد ويقول: لماذا

؟ نقول له: نحن اآلن ال ندرس في ما يمكن أن يفعله الرسول أو ال -صلى هللا عليه وسلم-النبي -أن يفعله أو ال يفعله، أو فيما يجوز للنبي -صلى هللا عليه وسلم-يفعله، أو فيما يسوغ للنبي

يفعله أو ال يفعله، ال، هذا ليس موضوع حديثنا، إنما موضوع حديثنا، أن -صلى هللا عليه وسلم-، وما صح أنه قاله -صلى هللا عليه وآله وسلم-أننا ندرس ما فعله بالفعل، وما صح أنه فعله

، وليس ما يمكن أن يقوله أو ما يجوز أن يقوله، هذا الذي يفرق بين النظرة -صلى هللا عليه وسلم الحديثية وغيرها.

ولهذا نحن ال ننازع في أن زيادة التحريك غير منافية ألصل الحديث، هذا ال نزاع فيه، نحن ال ننازع في هذا، بالعكس من الممكن أن يكون الرسول فعل التحرك، ومن الممكن أن ال يكون فعل التحريك، فهذا جائز بطبيعة الحال، لكن بمقتضى أصول المحدثين هل هو فعل أم لم يفعل؟

جاء في سنته أشياء كثيرة أنه فعلها -عليه الصالة والسالم-و الذي ندرسه اآلن، الرسول هذا هأو قالها، الرسول صلى هللا ع ليه وسلم أكل طعاما ما، شرب شرابا ما، قال: دعاء ما، صلى

على هيئة معينة، أو على كيفية معينة، واضح هذا الكالم؟ فهذه األمور لماذا أثبتناها عن رسول ؟ ألنه جائز أن يفعلها؟ أم ألنه فعلها بالفعل؟.-صلى هللا عليه وسلم-هللا

عليه الصالة -ألنه فعلها بالفعل، وصح عن طريق الرواية وأصول المحدثين أن النبي فعل ذلك بالفعل، وصح بالروايات الصحيحة واألصول المستقيمة أن هذا مما يضاف -والسالم

عليه وآله وسلم.صلى هللا-وينسب إلى رسول هللا

ا بأنها أحاديث ضعيفة، مع أنها لم تشتمل معنا منكرا ، ونحن نحكم على أحاديث ضعيفة كثير رغم أنها قد -صلى هللا عليه وآله وسلم-وال معنا باطال من الممكن أن ال يصح عن رسول هللا

، أو فعله -الة والسالمعليه الص-تكون قد حملت معنا مستقيما جائز أن يكون قد قاله الرسول ، ومع ذلك نحن نقول هذا غير صحيح عن رسول هللا، ما معنى -عليه الصالة والسالم-الرسول

فعل ذلك الفعل، أو قال -صلى هللا عليه وسلم-قولنا: غير صحيح؟ أي: لم يصح أن رسول هللا ذلك القول.

ال ندرس هل هو ينافي فهذا كذلك، حينما ندرس حديث التحريك أو غيره مما هو شبيه بهأصل الرواية أو ال ينافي أصل الرواية بطبيعة الحال لو نافى فهذا إن دل على شيء إنما يدل

؛ ألن المنافي ال ينسب إلى رسول -صلى هللا عليه وسلم-على عدم صحة وثبوته عن رسول هللا صلى هللا عليه -قض سنته ؛ ألن رسول هللا ال تتعارض سنته، وال تتنا-عليه الصالة والسالم-هللا

وآله وسلم.

فحينما ننظر في الحديث نجد أن الحديث يرويه عاصم بن كليب، واختلف الناس عنه فرواه جمهور الناس الثقات الحفاظ بغير زيادة التحريك، وجاء زائدة بن قدامة وهو نعم من جملة

هذا هو الخطأ أو هذه هي الثقات ولكنه واحد مخالفا الجماعة جماعة الحفاظ فهذا هو الشاذ،الطريق التي يستدل بها على خطأ ذلك الراوي السيما وأنه ممن خالفه كبار الحفاظ كالثوري

وأمثاله، هؤالء حفاظ كبار.

Page 272: علوم الحديث   المستوى الثاني

قد يقول قائل: ما المانع أن يكون عاصم بن كليب نفسه حدث بحديث مرة بالزيادة ومرة بغير أمر وارد، وال ننازع فيه من حيث الجواز، الزيادة، نقول: جائز، هذا ال نشك فيه، هذا

واالحتمال هذا أمر وارد، ولكن إن صح ذلك فهو أدل على ضعف الزيادة، لماذا؟ ألنه يدل على أن عاصم بن كليب نفسه لم يضبط الحديث كما ينبغي؛ ألن عاصم بن كليب ليس كالثوري،

لون في الرواية والتلوع فيها بحيث وليس كهشام بن عروة، من كبار الحفاظ الذين يحتمل منهم التيروي الحديث مرة على وجه، ومرة أخرى على وجه آخر، وإنما هو غاية ما هنالك أنه يوصف

بأنه صدوق، يعني هو من أقل مراتب الثقات، وليس هو من كبار الحفاظ، وليس هو من بار، الذين من المكثرين حديثا ، كالزهري وأبي هشام وابن عروة، أمثال هؤالء الحفاظ الك

الممكن أن يكون عندهم الحديث الواحد بأكثر من إسناد وأكثر من وجه، وإنما هو دون ذلك بكثير، فلو صح أنه روى الحديث أكثر من مرة، مرة بالزيادة, ومرة بدون الزيادة، فهذا إن دل

ئدة بن على شيء يدل على أنه نفسه هو لم يتقن حفظ الحديث، وأنه هو المخطئ فيه، وليس زا قدامة.

يقول قائل: رجعنا إلى ترجمة زائدة بن قدامة فوجدنا بعض أهل العلم يقول فيه: إنه كان ال يروي الحديث إال إذا سمعه ثالث مرات، يستدل بذلك على تثبته وإتقانه، وهذا أمر عادي، هكذا

الثين وجها ثم إنا لنسمع الحديث من ث» كان شأن غير زائدة أيضا ، هذا يحيى بن معين يقول: فهذا ليس فيه مزيد إتقان, وال دليل على تثبت، وال على شيء يتفرد به عن سائر « نخطئ فيه

الثقات، بل هذا كان شأن عامة الثقات، الحفاظ المتقنين، فهذا ابن معين يقول: نسمع الحديث من ن قبول الزيادة أو ثالثين وجها ثم نخطئ فيه، فما بالك بمن يسمعه من ثالثة أوجه، الشاهد: أ

عدم قبولها ليس راجعا إلى المنافاة وعدم المنافاة، وإنما راجع إلى الدالئل والبراهين، والقرائن المحتفة بالرواية التي تدل على حفظ الراوي أو عدم حفظه لتلك الزيادة.

الزيادة ينظرون إلى -عليهم رحمة هللا تعالى-ونحن قلنا في اللقاء الماضي أن علماء الحديث ، -صلى هللا عليه وآله وسلم-على أنها من المضاف إلى الراوي ال من المضاف إلى رسول هللا

يعني قول المحدثين: هذا حديث صحيح عن الزهري، ما معناه؟ معناها: أن الزهري قال هذا ر إلى القول، أو فعل ذلك الفعل، قال هذا القول أو فعل ذلك الفعل، هذا هو ما يتعلق بنسبة الخب

من عزي إليه وأضيف إليه.

لكن ما بعد ذلك من استقامة هذا القول أو الفعل، أو عدم استقامة هذا القول والفعل، أو معارضة هذا القول والفعل أو معارضة هذا القول والفعل ألقوال اآلخرين وأفعالهم، أو معارضة

، هذا أمر آخر.-لمصلى هللا عليه وس-هذا القول والفعل للثابت من سنة رسول هللا

قال قوال أو روى حديثا أو اجتهد أو فعل فعال ثم -رحمه هللا ورضي عنه-فلو أن الزهري صلى هللا عليه وآله -تبين أن هذا القول أو ذاك الفعل مخالف للثابت المحفوظ عن رسول هللا

نقول: الزهري هل يكون ذلك طاعنا في صحة هذا الخبر عن الزهري؟ ال يكون طاعنا ، -وسلماجتهد في هذه المسألة فأخطأ، وكل الناس يصيبون ويخطئون، ولكن ليس لمجرد أن قوله أو

أن ذلك يكفي لرد -صلى هللا عليه وسلم-فعله جاء مخالفا للثابت المحفوظ من سنة رسول هللا عل، غاية الخبر عن الزهري نفسه، ال نقول: هو ثبت أن الزهري قال هذا القول، أو فعل ذلك الف

ما هنالك أنه لم يوفق إلى الصواب في هذه المسألة.

-، بخالف رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم-وهكذا هو الشأن في كل من كان غير رسول هللا ال تتعارض، وال تتناقض، وال -صلى هللا عليه وسلم-، فإن سنته -صلى هللا عليه وآله وسلم

صلى هللا عليه وآله -الصحيحة الثابتة عنه - عليه وسلمصلى هللا-تتنافى، بل كل أقواله وأفعاله وال يأتيه الباطل من بين يديه وال من خلفه. -عز وجل-إنما هي وحي من عند هللا -وسلم

Page 273: علوم الحديث   المستوى الثاني

إذن حينما نقول هذا الكالم فالبد أن ندرك أن مسألة زيادات الثقات هي من المضاف إلى ، وحينما نقول: هذه الزيادة مقبولة -صالة والسالمعليه ال-الراوي ال من المضاف إلى الرسول

صلى هللا عليه -أو ليست مقبولة، فليس معنى ذلك أننا نضعف األحاديث المضافة إلى رسول هللا وإنما نقصد أن هذا الراوي الذي زاد هذه الزيادة في روايته عن هذا الشيخ أخطأ حيث -وسلم

أن هذه الزيادة لم يقلها ذلك الشيخ، قد يكون غير زاد هذه الزيادة على هذا الشيخ، والصواب:هذا الشيخ قال هذه الزيادة كما قلنا في حديث التلبية في الحج فهذا هو المفهوم الذي أريد أن

-عليهم رحمة هللا تعالى-أوصله إلخواني في معالجة هذه المسألة وفي فهم كالم علماء الحديث المتعلق بهذه المسألة.

من النقاط التي ينبغي لطالب العلم أن يتفهمها حول هذا الموضوع: وهي ما نقطة أخيرة يتعلق بالراوي أو بصفة الراوي الثقة الذي تقبل زيادته، صفة الراوي الثقة الذي تقبل زيادته من

هو؟ من هو ذلك الراوي، كلمة ثقة.

ق، هناك الحافظ نحن ذكرنا في لقاءات سابقة أن الثقة مراتب ودرجات، هناك الثقة واألوثواألحفظ، هناك المتقن واألتقن، وهناك من يقولون فيه ثقة ويقصدون به وصفه بالعدالة والضبط معا ، وهناك من يقولون فيه ثقة ويقصدون به وصفه بالعدالة دون الضبط، أليس هذا صحيحا ؟.

ماء بقبول فكلمة ثقة من الكلمات التي تحمل معاني كثيرة فمن هذا الثقة الذي يقول العل زيادته، هل كل هؤالء؟ أم يقصدون نوعا معينا من الثقات؟ وطائفة معينة من الثقات؟.

بطبيعة الحال، علماء الحديث عندما يقصدون طائفة معينة من الثقات، وليس كل من قالوا فيه ثقة وليس كل من وصفوه بهذا الوصف، إنما يقصدون ثقة معينة، من هذا هو الثقة المعين؟.

عالوا بنا نتذكر ما قلناه في مسألة اإلفراد ومسألة الشاذ، ذكرنا هناك أن التفرد إنما يقبل من تالثقات الحفاظ الذين يمكن لمثلهم أن يطلعوا على ما لم يطلع عليه غيرهم, بخالف الراوي الذي

لشيوخ ليس من الدنيا إال أحاديث قليلة، سمع مجلسين ثالثة من بعض الشيوخ، فحمل عن هؤالء اأحاديث قليلة، هل مثل هذا يمكن أن يتفرد بأشياء ال توجد عند غيره من الحفاظ؟ بحيث يطلع

هذا على قلة ما طلب من العلم، يطلع على أحاديث عن هؤالء الحفاظ ال يعرفها أصحاب هؤالء الحفاظ الذين جالسوهم وعرفوا أحاديثهم وحفظوها على أكمل وجه؟ هل هذا أمر معقول؟.

هناك كبار أصحابه كمالك وابن عيينة وأمثالهما، هؤالء -رحمه هللا تعالى-الزهري يعني تخصصوا في الزهري، وأفنوا أعمارهم في حفظ حديث الزهري، وأتقنوه غاية اإلتقان، وعرفوا

-كل ما رواه الزهري من موصوالت ومراسيل وموقوفات، فهم أدرى الناس بحديث الزهري يخفى على هؤالء جميعا حديث من أحاديث الزهري؟ ثم ال يطلع عليه ، فكيف-رحمه هللا تعالى

إال راو ربما جالس الزهري مجلس من الجالس، أو التقى به في طريق من الطرقات، أو نحو هذا، هل يمكن لهذا الرجل الذي لم يجالس الزهري إال ساعة من نهار أن يعلم من علم الزهري

ما يخفى على كبار أصحابه؟!!.

بيعة الحال هذا أمر مستبعد جدا، بخالف ما إذا روى ما رواه أصحاب الزهري، فإنه بطحينئذ يستدل بتلك الموافقة على أنه حفظ ولم يخطئ أما أن يزيد على أصحاب الزهري أشياء ال يعرفها أصحاب الزهري الذين عايشوا الزهري وأتقنوا حديثه وأفنوا أعمارهم في حفظ حديث

ر ال يقبل من مثل هذا الراوي، وهذا ما أشار إليه اإلمام مسلم في مقدمة وضبطه، هذا أملما تكلم عن مثل هؤالء الرواة في أنه ال يقبل حديثهم، وهذا ما أشار -رحمه هللا تعالى-الصحيح

لما سئل عن الراوي الذي يترك حديثه قال: إذا -رحمه هللا تعالى-إليه اإلمام شعبة بن الحجاج

Page 274: علوم الحديث   المستوى الثاني

شهورين ما ال يعرفه المشهورون فأكثر ترك حديثه، يعني يعمد إلى المشهورين روى عن المكالزهري مثال فيروي عن هذا المشهور أحاديث ال تعرف عند أصحابه المشهورين، فهذا دليل

فإذا كان األغلب من حديثه » على خطئه فإذا أكثر من ذلك ترك حديثه، كما قال اإلمام مسلم: «.يث غير مقبوله وال مستعمله كذلك كان مهجور الحد

إذن الراوي الذي يقبل تفرده البد أن يكون أيضا من الحفاظ الذين يحتمل من مثلهم أن يأتوا بأشياء ال يعرفها غيرهم، فإذا كان هذا حال التفرد فما ظنك بالزيادة؟ ومعلوم أن الزيادة ليس

رواه الناس، ولكن الناس رووا تفردا فقط، بل تفرد مع مخالفة؛ ألن الذي زاد روى ما قدالحديث بغير الزيادة التي أضافها هو إلى تلك الرواية، فهو لم يرو حديثا مستقال حتى نقول: لعله اطلع على ما لم يطلع عليه غيره مع بعد هذا االحتمال أيضا ، لكنه روى ما قد رواه الناس، ولكن

هو جاء إلى ما قد رواه الناس فزاد فيه شيئا إذن الناس جميعا رووا الحديث بغير هذه الزيادة، ثمالناس عرفوا الرواية، واطلعوا عليها، وسمعوها من الشيخ، إال أنهم لم يسمعوها بهذا السياق،

وهذا التمام، فجاء ذلك الراوي فزاد.

فإذن كل من ال يقبل تفرده من الرواة، ال تقبل زيادته، نستطيع أن نقول قاعدة: كل من ال ل تفرده من الرواة ال تقبل زيادته، واضح هذا الكالم؟ بل هذا أولى، كل من ال يقبل تفرده من يقب

الرواة ال تقبل زادته من باب أولى، حتى على قول من يقول: إن الذي زاد كما لو أنه تفرد بالحديث من أصله، نقول: ومتى كان الذي تفرد بالحديث من أصله يقبل حديثه أبدا ، بل الراوي الذي يتفرد بالحديث من أصله ال يقبل أبدا حتى ولو كان من جملة الثقات وإنما يقبل حيث يكون عنده األهلية التي تمكنه من قبول ما يتفرد به من الروايات، فإذا لم يكن عنده تلك األهلية، فال

-رك تعالىعليهم رحمة هللا تبا-يقبل تفرده حتى ولو كان من جملة الثقات، ولهذا وصف العلماء الراوي الذي تقبل زيادته بأنه من الحفاظ، وليس من جملة الثقات؛ ألنه روى شيئا رواه غيره

من الناس ثم زاد، فمعلوم أن هذا ال يقبل زيادته إال إذا كان معروفا من شأنه أنه طلب من العلم معه غير بحيث أكثر مما طلب غيره، واطلع على روايات أكثر مما اطلع غيره، وسمع ما لم يس

يمكن أن نقول: إنه عنده ما ليس عند غيره، أما رجل قليل في الطلب لم يطلب العلم كما طلبه غيره، ولم يرحل كما رحل غيره، ولم ينفق األوقات واألموال في سماع الحديث كما أنفق غيره،

عليه بكثرة فكيف مع ذلك يتفرد بأشياء ويكون عنده علم عن الشيخ ال يعرفه غيره ممن يمتاز السماع، وبكثرة الرحلة وطول طلب العلم.

ولهذا جاء عن اإلمام الشافعي واإلمام مسلم بن الحجاج في مقدمة الصحيح وكذلك في كتاب التمييز له، وكذلك اإلمام الترمذي في العلل الذي في آخر الجامع قال: إنما تقبل الزيادة ممن

له عنه اإلمام البيهقي في كتاب القراءة خلف اإلمام، يعتمد على حفظه وكذلك ابن خزيمة فيما نقوكذلك اإلمام الدارقطني فيما حكاه عنه الحاكم النيسابوري في سؤاالته وكذلك السهمي، وكذلك اإلمام ابن عبد البر في مواضع من التمهيد، وكذلك الخطيب البغدادي في الكفاية، كل هؤالء

الحافظ، وليس من جملة الثقات، وليس من عامة الثقات، ذكروا أن الزيادة إنما تقبل من الثقة وإنما ممن جمع مع ثقته أن يكون حافظا أي سمع الكثير بحيث يكون يحتمل من مثله أن يأتي

بأشياء ال تعرف عند غيره.

ساق جملة من هذه األقوال للعلماء الدالة على -رحمه هللا تعالى-الحافظ ابن حجر العسقالني في كتاب -رحمه هللا تعالى-إنما تقبل من الحافظ ثم ذكر خالصة هذه األقوال، فقال أن الزيادة

النكت على كتاب ابن الصالح: فحاصل كالم هؤالء األئمة أن الزيادة إنما تقبل ممن يكون حافظا متقنا ، حيث يستوي مع من زاد عليهم في ذلك، فإن كانوا أكثر عددا منه، يعني الذين لم يذكروا

زيادة، أكثر عددا منه، أو كان فيهم من هو أحفظ منه، أي الذين لم يذكروا الزيادة، أو كان هو ال

Page 275: علوم الحديث   المستوى الثاني

نفسه غير حافظ، وإنما هو مجرد من جملة الثقات، قال: ولو كان في األصل صدوقا يقول الحافظ: فإن زيادته حينئذ ال تقبل.

في -رحمه هللا تعالى-العسقالني وهذا هو التحقيق في هذه المسألة, ولهذا الحافظ ابن حجر حيث أطلقوا القول بقبول -رحمهم هللا تعالى-كتاب نزهة النظر تعجب من بعض علماء الشافعية

عليه رحمة هللا تبارك -الزيادة من كل ثقة من غير شرط أو قيد مع أن إمامهم اإلمام الشافعي ان ا يقبلها, وأحيان ا ال يقبلها، بل هو ، فصل في ذلك ولم يقبل الزيادة في كل موضع، بل أحي-تعالى

نص في موضع من الرسالة له على أن الزيادة ال تقبل أبدا بل رد أحيان ا زيادة اإلمام مالك في .-رحمه هللا تعالى ورضي عنه-بعض األحاديث، ومالك هو مالك

مع اشتراطهم ويتعجب أيضا من بعض الذين قالوا بقبول الزيادة مطلقا من كل ثقة من الثقاتفي الحديث الصحيح أن يكون سالما من الشذوذ ويفسرون الشاذ بأنه مخالفة الثقة لمن هو أوثق أو أرجح، وهذا تناقض؛ ألن هذا الذي يشترط في الحديث الصحيح أن يكون سليما من الشذوذ،

وى الناس حديثا ويقول: إن الشاذ أن يأتي الثقة بحديث يخالف فيه غيره، فماذا هم قائلون فيما رعن شيخ بغير زيادة ثم خالفهم واحد فذكر الزيادة، هل يقبلون هذه الزيادة أبدا من غير قيد أو شرط؟ فإن قبلوها فلن يكون عندهم في الدنيا حديث شاذ، فليأتوا لنا بمثال على الحديث الشاذ

رحمه هللا -والشافعي حينئذ؛ ألنكم تقولون: إن الشاذ أن يروي الثقة حديث يخالف فيه غيره، يقول: ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة شيئا ال يرويه غيره، إنما الشاذ -تعالى ورضي عنه

من الحديث أن يروي الثقة حديثا يخالف فيه الناس.

وهذا قد خالف؛ ألنه روى حديثا واحدا يرويه غيره أيضا ثم خالفهم حيث زاد في روايته شيئا ، وهم أكثر منه عددا ، أو أقوى منه حفظا ، ومع ذلك لم يذكروا ما زاده في الرواية، لم يذكروه هم

فهذه صورة الشاذ؛ ألنه رجل واحد مثال وهم جماعة، أو دونهم في الحفظ وهم أحفظ، ومع ذلك زاد عليهم زيادة فهذه صورة من صور الخالف بين الرواة في الروايات، فإذن هذه صورة

ذا قالوا: هذا ليس بشاذ بل نقبله ذلك بدون قيد أو شرط، نقول لهم: أنتم الحديث الشاذ فإ متناقضون ومتعارضون؛ ألن هذا معناه أنه ليس في الدنيا حديث شاذ.

أيضا هناك من علماء األصول والفقهاء ممن يقول بقبول الزيادة مطلقا مع اعتمادهم في يء فيه نوع تعارض وتناقض، كيف تقولون وصف الرواة بالثقة على المحدثين، وهذا أيضا ش

بقبول الزيادة مطلقا من كل ثقة وتعتمدون في التوثيق في معرفة الثقات من غير الثقات؛ ألن هذا ثقة وهذا غير ثقة؟ تعتمدون في ذلك على المحدثين.

والمحدثون أصال إنما بنو ثقة الثقة، وضعف الضعيف على غير الميزان الذي أنتم تسيرون يه، بل في الواقع أنتم تخالفون المحدثين في األصول التي بنو عليها التوثيق، كيف هذا؟ من عل

أن من جاء بالزيادات في الروايات فأكثر من ذلك -عليهم رحمة هللا تعالى-أصول المحدثين يكون ذلك دليال على ضعفه, هكذا هو منهج المحدثين، المحدثون يعتبرون الراوي إذا خالف

فإن خالفهم في مرة أو مرتين يكون ذلك دليال على خطئه فيما خالف فيه ولكن ال يطعنون غيره، في الراوي بمجرد ذلك، فإذا أكثر من ذلك يستدلون بذلك على سوء حفظه فيطلقون عليه

أوصاف الضعف، فيقولون: فالن ضعيف سيء الحفظ أو نحو ذلك، ويكون ذلك من جملة الرواة الضعفاء.

فق الثقات في أكثر ما يروي، فحينئذ يصفونه بأنه من جملة الثقات وذكرنا قبل ذلك أما إذا والما قال: وعالمة المنكر في حديث المحدث إذا ما عرضت -رحمه هللا تعالى-كالم اإلمام مسلم

Page 276: علوم الحديث   المستوى الثاني

روايته للحديث، على رواية غيره من أهل الحفظ والرضا خالفت روايته روايتهم أو لم تكد توافقها.

الميزان عند المحدثين الموافقة للغير، فبقدر موافقة الراوي للحفاظ بقدر ما يستدل بذلك فإذن على ثقته، وبقدر مخالفته لهم، أو تفرده بما ال يحتمل فحينئذ يكون ذلك دليال على ضعفه، فإذا كان األغلب من حديثه كذلك كان مهجور الحديث غير مقبوله وال مستعمله، لمن ابن معين لما

اءه إسماعيل بن علية فقال له ابن علية: يا أبا زكريا كيف حال حديثي؟ قال: أنت مستقيم جالحديث، قال: وكيف عرفتم ذلك؟ قال عرضنا بها أحاديث الناس فوجدناها مستقيمة، إذن

الميزان هو الموافقة للحفاظ، الموافقة للثقات.

ه زيادة فإنهم يخطئون في تلك وعلماء الحديث يعتبرون الراوي إذا روى حديثا فزاد فيالزيادة في الغالب إذا لم يكن حافظا ، فإذا أكثر من الزيادة في األحاديث تكلموا في حفظه وضعفوه، فيكون هذا الراوي عند المحدثين ضعيفا ، صح الكالم؟ يكون هذا الراوي عند

على الثقات، يكون حينئذ من المحدثين ضعيفا ، بينما إذا لم يكثر من الزيادة ولم يقع في الزيادة جملة الثقات، فيأتي األصولي ويقول: هذا ثقة، هذا راوي ثقة، فنحن نقبل زيادته أبدا ، نقول له:

وهذا الضعيف الذي ضعفه العلماء ألنه يزيد في الروايات ماذا ستعمل معه؟ هل هو عندك قول له: إن المحدث إنما ضعيف؟ نعم هو عنده ضعيف؛ ألنه يأخذ أحكام الرواة من المحدثين فن

ضعفه ألنه يزيد في الرواية ويكثر من ذلك، وأنت ال تعتبر الزيادة خطأ وال اإلكثار منها دليل على الضعف، فيلزمك أن توثق هذا الضعيف الذي ضعفه المحدث؛ ألنه يزيد في الروايات.

ع الرواة الذين يكثرون تعالوا بنا ننظر في هذه األمثلة التي تبين منهج المحدثين في التعامل ممن الزيادات وأن ذلك يستدل به على ضعفهم وسوء حفظهم، اإلمام ابن الجنيد سأل اإلمام يحيى

: ليس به بأس، قال: -رحمه هللا-بن معين عن محمد بن كثير الكوفي، فقال له اإلمام ابن معين ان الشيخ حدث بهذا فهو إنه يأتينا بأحاديث منكرات قال: وما هي؟ فجاءه بحديثين فقال: إن ك

كذاب وإال فإني فقد رأيت حديث الشيخ مستقيما .

تعالوا بنا نتأمل هذه الحكاية الراوي كان عند ابن معين أوال من جملة الثقات؛ ألنه قال: ليس لم يقل إن هذه -رحمه هللا-به بأس، لما وجده يزيد في الروايات ضعفه بل كذبه، لماذا ابن معين

ثقة فأنا أقبلها؛ ألنها كان وثقة قبل ذلك، لم يتعامل معه على هذا القانون، بل اعتبر الزيادات منهذه الزيادات دليل على كذبه لما ترجح إليه أنه يفتعل تلك األحاديث مع أنه كان قد وثقه من قبل وهذا يدل على أن الذي يزيد في الروايات في نظر ابن معين يستدل بتلك الزيادات التي يجيء

بها على سوء حفظه إذا لم يكن بطبيعة الحال حافظا مبرزا .

سأله اآلجري عن -رحمه هللا تعالى-شبيه بهذه القصة قصة جاءت عن أبي داود السجستاني مسلمة بن محمد الثقفي، فقال له يعني اآلجري: إن ابن معين يقول: ليس بشيء، يعني اآلجري

اود، حدثنا عنه مسدد بأحاديث مستقيمة، إذن أبو داود يقول له: إن ابن معين ضعفه، فقال أبو دال يجد ما يستدل به على ضعف هذا الرجل، فقال له اآلجري: حدث هذا عن هشام بن عروة عن

( وهو حديث موضوع باطل، فماذا قال إياكم والزنج فإنهم خلق مشوهأبيه عن عائشة بحديث: )دته مقبولة، أم قال: من حدث بهذا فاتهمه، فلما وجده اإلمام أبو داود؟ هل قال: نعم ولكنه ثقة فزيا

يروي المنكر متفردا به على غيره ماذا قال؟ قال: من حدث بهذا فاتهمه، ولم يقل: إنها زيادة من ثقة فلنقبلها، مع أنه كان يثقه أول األمر.

ف، فقال سئل عن عثمان بن واقد العمري، فقال: هو ضعي -رحمه هللا تعالى-أيضا أبو داود له اآلجري السائل يعني: إن الدوري حكى عن ابن معين أنه كان يوثقه، إذن هو عنده توثيق ابن

Page 277: علوم الحديث   المستوى الثاني

معين أم ال؟ قد كان يمكن أن يكتفي به، وأن يبني عليه أن كل ما جاء هذا الراوي من زيادات لفا ابن معين في فيقبلها ؛ ألنها زيادة من ثقة أبدا ، ماذا قال أبو داود؟ قال: ال بل هو ضعيف مخا

من قال: ) -صلى هللا عليه وآله وسلم-ذلك، حدث هذا الرجل انظر، حدث هذا الرجل أن النبي ( قال: وهذا ال يقول به غيره، ماذا فعل هذا الرجل؟ هو أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل

ضعفه، لماذا ضعفه ثقة عند ابن معين، وأبو داود يعرف توثيق ابن معين له، ومع ذلك أبو داودمن أتى الجمعة (، إنما الحديث: )والنساءأبو داود؟ ألنه روى هذا الحديث بزيادة، بزيادة إيه؟ )

( بطبيعة الحال يتضمن حكما زائدا فإنه ضعفه ألجل والنساء( فلما زاد في الحديث: )فليغتسلوهو ليس أهال لحفظ مثل هذا، فدل ذلك على أن المحدثين إذا وجدوا الراوي يزيد في الروايات

هذه الزيادة فإنهم حينئذ يضعفونه.

سئل عن الحجاج بن أرطاطة، قال له السائل: لماذا -رحمه هللا تعالى-اإلمام أحمد بن حنبل هو عند الناس ليس بشيء؟ يعني لماذا العلماء يضعفونه؟ والناس يضعفونه؟ قال: ألنه يزيد في

ويزيد فيه زيادة.الروايات، قلما يروي شيئا إال

إذن سبب تضعيف العلماء للحجاج بن أرطأطة ماذا؟ أنه يزيد في الروايات.

إذن صار إكثار هذا الراوي من الزيادة دليال على سوء حفظه وقلة ضبطه عند علماء الحديث.

أيض ا البرزعي سأل أبا زرعة عن حديث يرويه عبد هللا بن نافع مولى ابن عمر عن ابن فذكر له حديثا رفعه ذلك الراوي بينما أصحاب نافع -صلى هللا عليه وسلم-ول هللا عمر عن رس

ال يرفعون ذلك الحديث إنما يروونه موقوفا ، إذن هذا زاد أم ال؟ زاد، فماذا قال اإلمام أبو زرعة؟ قال بعد أن خطأه في رفع ذلك الحديث، وأن الصواب فيه الوقف.

ل، إذا روى مثل هذا وأسنده رجل آخر, يعني أن مما نستدل قال: وبمثل هذا يستدل على الرجبه على ضعف الراوي أن يزيد في الروايات مخالفا لغيره ممن لم يذكره في الرواية تلك

الزيادة، وهو زاد ماذا هنا؟ زاد الرفع، واآلخرون يوقفون الحديث.

بن نافع هذا في رفعه ولهذا قال البرزعي شارحا لكالم أبي زرعة، قال: يعني أن عبد هللا لهذا الحديث يستدل بذلك على سوء حفظه وقلة ضبطه.

إذن صار من أدلة المحدثين على ضعف الراوي أنه يزيد في الروايات، وهذا الفقيه أو األصولي ال يرى الزيادة أصال دليال على الخطأ فهو ال يرى اإلكثار منها دليال على سوء

ؤالء الرواة الذين ضعفهم علماء الحديث لكونهم يزيدون في الحفظ, فعليه أن يعمد إلى ه الروايات فيوثقهم.

لما سئل عن إبراهيم بن الحاكم بن أبان، قال: عندما -رحمه هللا تعالى-اإلمام أحمد بن حنبل كنا عنده يعني باليمن، عندما كنا عنده، لم يكن به بأس، إذن هو كان في األول إيه؟ من جملة

اإلمام أحمد، عندما كنا عنده لم يكن به بأس، ثم بلغنا بعد أنه يزيد في الروايات، قال الثقات عندعبد هللا: فلم يحمده أبي، إذن هو كان عنده من جملة الثقات أم ال؟ فلما بزيادات لماذا لم يقبلها

ذلك، منه اإلمام أحمد، كان باإلمكان أن يقول: هذه من ثقة فلنقبلها، لم يقل ذلك، بل ضعفه لإلكثاره من تلك الزيادات، فهذا إبراهيم بن الحاكم بن أبان كان عند اإلمام أحمد ثقة، ثم ضعفه

بعد ذلك اإلمام أحمد لكونه يزيد في الروايات.

Page 278: علوم الحديث   المستوى الثاني

هذا األصولي يخالف اإلمام أحمد في هذا األصل؛ ألنه ال يعتبر اإلكثار من الزيادة دليال على دة دليال على الخطأ وقد رأيت اإلمام أحمد وثقه في أول الضعف؛ ألنه ال يعتبر أصل الزيا

األمر، فيلزم ذلك األصولي أن يقول: له عندي فقه، وما استدل به اإلمام أحمد من كونه يزيد في الروايات على أنه ضعيف ال يرقى دليال عندي، ولكنهم ال يفعلون هذا، ولهذا يقعون في

الثقة مطلقا ، ثم هذا الثقة الذي يعتمدون في أنه من جملة التناقض، فإذا بهم يقبلون الزيادة من الثقات، إنما يعتمدون في توثيقه على المحدثين هم الذين يقولون: فالن ثقة، وفالن غير ثقة.

ثم هم يخالفون المحدثين في األصل والقاعدة التي بنا المحدثون عليها كيف يعرفون إن كان اوي غير ثقة، وهذا في غاية العجب، وفي غاية التناقض.هذا الراوي ثقة، وإن كان هذا الر

فهذا ما أردت أن أوضحه حول زيادات الثقات، وأظن أنني بفضل هللا تعالى قد أتيت على أكثر األمور أو الجوانب التي يحتاجها طالب العلم لمعالجة هذه المسألة، والتي كثر الكالم فيها

ر أهل االختصاص, ولهذا فإنني دائما وأبدا أنصح وتشعب، وكثر الخالف فيها السيما من غيطلب العلم أن يرجع في كل علم إلى أهل االختصاص، عجبت من بعض الناس ممن جلس

لتدريس علم الحديث، فذكر حديثا أو جملة أو رواية وقعت زيادة في بعض األحاديث، والتي ة خطأ، فإذا بهذا المتحدث حكم بعض أهل العلم من المتخصصين في علم الحديث بأنها زياد

يقول: نعم نحن نعلم أن هناك خالف بين المحدثين في زيادة الثقات, وغير المحدثين والراجح في هذه المسألة ما ذهب إليه غير المحدثين، وهذا من أعجب األعاجيب، أن تعمد إلى مسألة من

ير المتخصصين في أخص مسائل الحديث ومن أخص مسائل علل األحاديث، فتأخذ فيها بقول غالحديث، وهذا في غاية العجب، وهذا يدل على عدم المنهجية في مدارسة العلوم، وفي معرفة

كيفية الوصول إلى الصواب والخطأ.

من بداهيات العلوم أنك تأخذ العلم من أهله، من أهل االختصاص فيه فال تعمد إلى مسألة من غة فتأخذها من غير المتخصصين في هذه خصوصيات علم الفقه مثال أو خصوصيات علم الل

العلوم، بل عليك أن تأخذها من المتخصصين فإذا لم تفهم وجه كالمهم فعليك أن تسأل أهل االختصاص وأن ترجع إليهم لمعرفة الصواب والخطأ والواقع أن عدم فهمك إنما هو راجع إلى

عدم اطالعك أنت على مناهج المتخصصين في هذا العلم.

تعالى سنتكلم على ذلك عن الحديث المعلول، وال شك أننا تكلمنا عن العلة من إن شاء هللاجوانب عدة، ولكن من شأن المحدثين أنهم يفردون لهذا النوع بابا مستقال ، فاألبواب السابقة ا من األبواب التي ستأتي متعلقة بالعلة، األبواب السابقة متعلقة بعلل األحاديث، كما أن كثير

بعد باب العلة أيضا هي متعلقة بباب العلة، فكل ذلك استيعابه وفهمه ومعرفته يعينك على أيضا معرفة علل األحاديث، وليس علل األحاديث هو ذلك النوع المفرد الذي أفرده بترجمة في كتب مصطلح الحديث وإنما في هذا الباب عامة يتكلمون عن العلة إجماال من حيث التقسيم والتفريع،

ا ما يتعلق بكل جزئية من جزئيات هذا الباب، أو بكل مسألة من مسائله، أو بكل جانب من أمإن شاء هللا -جوانبه فهذا يؤخذ من مجموع هذه األبواب التي سبقت العلة, والتي تأتي بعده

، نكتفي بهذا القدر وننظر إن كان هناك بعض األسئلة أو االستفسارات من إخواننا نسأل -تعالى تعالى التيسير في الجواب عنها. هللا

إجابات الحلقة الماضية.

كان السؤال األول: ما هي العالقة بين الحديث الشاذ وزيادة الثقة؟

وكانت اإلجابة:

Page 279: علوم الحديث   المستوى الثاني

الحديث الشاذ قد انفرد الراوي به أصال من غير أن يشاركه أحد من الرواة، وأما الزيادة من نه انفرد بزيادة دونهم، وعلى ذلك فالعالقة بين الشاذ الثقة فقد روى الراوي ما روى غيره لك

وزيادة الثقة بينهما عموم وخصوص فكل شاذ يعتبر زيادة من الثقة، وليس كل زيادة من الثقة .تعتبر شاذا ، أو شذوذ

نحن نقول: أوال الشذوذ ليس مختصا بالتفرد، ال شك أن من الشاذ ما تفرد به من ليس أهال ه الرواية التي تفرد بها، لكن أيضا من الشاذ أن يروي الثقة حديثا يخالف فيه للتفرد بمثل هذ

، فنحن نقول: إن كل ذلك شاذا ، إن كل ذلك من الشاذ، -رحمه هللا تعالى-الناس كما قال الشافعي سواء خالف غيره فاستدللنا بالمخالفة على خطئه، أو تفرد فاستدللنا بتفرده حيث ال يكون أهال

رد على خطئه، فكل ذلك يسمى شاذا .للتف

أما زيادات الثقات فهي صورة من صور األخطاء، أو صورة من صور الخالف بين الرواة، منه ما يكون خطأ ومنه ما ال يكون خطأ، فإذا ترجح كون الذي زاد أصاب فروايته محفوظة

ة . ليست شاذة، أما إذا ترجح أنه أخطأ فحينئذ نحكم على روايته بكونها شاذ

إذن زيادات الثقات منها ما هو شاذ، ومنها ما ليس بشاذ، أما الشاذ فهو مردود أبدا ، بخالف زيادات الثقات، فمنها المقبول ومنها ما ليس مقبوال ، فما ترجح فيه إصابة الراوي فيما زاد فهذا

وصف بكونه مقبول ليس شاذا وال خطئا وما ترجح عدم إصابته في ذلك فهو من المردود الذي ي شاذا وهللا أعلم.

السؤال الثاني: هل يلزم من عدم المنافاة بين الرواية المزيدة والرواية الناقصة قبول الزيادة؟

وكانت اإلجابة:

. ال يلزم من عدمها أن تقبل الزيادة، بل يرجع ذلك إلى القرائن المحتفة باإلسناد والمتن

في أول الحلقة. -تعالى–اه بفضل هللا صحيح، هذا كالم صحيح، وأنا طبعا فصلن

» أن الحاكم قال: -رحمهما هللا-يقول: لي سؤاالن في باب التدليس: نقل السيوطي عن الحاكم أهل الحجاز، وأهل الحرمين، ومصر، والعوالي، وخراسان، وأصبهان، وبالد فارس، وما رواء

دليسا أهل الكوفة، ونفر يسير من أهل النهر ال نعلم أحدا من أئمتهم دلسوا، وأكثر المحدثين تفما صحة هذا القول؟ وإن صح فما العلة من انتشار التدليس بين الكوفيين « البصرة

والبصريين؟ هذا هو السؤال األول.

السؤال الثاني: هل يشترط في تدليس التسوية أن يكون الشيخ الذي يسقطه المدلس ضعيفا ؟ . فهل يؤثر ذلك في قبول الرواية؟وإن كان الساقط في اإلسناد ثقة

طبعا كالم الحاكم النيسابوري هو من اإلطالقات في موضع التقييد، والحافظ ابن حجر العسقالني وكذلك العراقي في نكتهما على كتاب ابن الصالح تعقباه في ذلك وذكر أن هناك من

ذكر في كالمه ما يفهم بالد الحجاز وغيرها من عرف بالتدليس، ولكن كأن الحاكم النيسابوريمنه أن اإلكثار من التدليس بحيث يكون الراوي من شأنه التدليس دائما وأبدا ، وكثيرا في رواياته، أما إذا وقع التدليس منه في مواضع قليلة فلم يدخل في كالم الحاكم وهللا أعلم.

Page 280: علوم الحديث   المستوى الثاني

لم أن التدليس له صور لكن أيضا عندما نتكلم عن هذه المسألة مسألة التدليس عموما ، نحن نعمتعددة، ونحن ذكرنا في درس التدليس وشرح أنواع التدليس ذكرنا ما يتعلق بتدليس اإلسناد،

وتدليس الشيوخ، وتدليس العطف، وتدليس القطع، وتدليس التسوية، فلعل اإلمام الحاكم ا، وأنت تالحظ أن النيسابوري إنما يقصد بأشهر أنواع التدليس التي هي من شأنها أن تقع كثير

الكوفة والبصرة والعراقان كان في هذه الفترة من أشهر البالد التي فيها نهضة علمية، وكثر فيها ا، وهذه أرض خصبة لوجود التدلس، نحن ذكرنا التنافس بين طلبة العلم وكثر فيها الرواة كثير

لو وإيهام العلو حيث من أغراض التدليس، العلو أو إيهام العلو، واإلنسان إنما يسعى إلى العيكون له أقران كثيرون لهم أساليب أخرى لهذه األحاديث هو يريد أن يعلو على أقرانه حيث

يكون قد سمع الحديث بنزول، وإنما يريد أن يوهم أنه سمع بعلو بخالف البالد األخرى فلم يكن رة كشهرتها في البصرة هذا المعنى موجودا بكثرة فيهم؛ ألن الرواية في هذه البالد لم تكن مشهو

وبالد العراق عموما ؛ ألنها كانت عاصمة اإلسالم وقتئذ وكان أكثر رواة الحديث في هذه البالد، وهللا أعلم.

. كان سؤاله الثاني فضيلة الشيخ عن إذا سقط ثقة هل يؤثر في صحة الحديث؟

أن يكون الراوي نعم، تدليس التسوية بطبيعة الحال ال يشترط في وصف الرواية بالتسويةالذي سقط من بين الشيخين ضعيفا , بل قد يكون ثقة أيضا ، كما ذكرنا وقتها، في الحديث الذي

رواه هشيم بن بشير عن يحيى األنصاري عن الزهري، وإنما يحيى األنصاري سمعه من مالك ومع ذلك عن الزهري، ماذا أسقط هشام بن بشير؟ أسقط مالكا ، واإلمام مالك إمام حافظ ثقة،

سمو ذلك تسوية ، فال يشترط في التسوية أن يسقط راوي ضعيف، بل قد يسقط راوي ثقة، بل ال يشترط أصال في التدليس أن يسقط راوي ضعيف، يعني قد يسمع الراوي من شيخه الثقة حديثا م عن شيخ ثم يسقط شيخه، ويرتقي بالحديث إلى شيخه، فهذا دلس أم لم يدلس؟ دلس، ولكن هو ليسقط ضعيفا ، إنما أسقط ثقة؛ ألن ليس من أغراض المدلسين دائما وأبدا إيهام صحة ما ليس

ا العلو، والعلو يتحقق بإسقاط الضعيف أو بإسقاط الثقة؛ ألنه بصحيح، وإنما من أغراضهم كثير وأبدا يريد أن يقلل الوسائط بينه وبين شيخ ما، من رواة الحديث، فيجوز أن يقلل الوسائط دائما

ليرقى بالحديث ويوهم أنه عنده بعلو، بينما هو عنده بنزول، فال يشترط أن يكون الساقط من الضعفاء، لكن ضرره يكون أشد إذا ما كان الساقط ضعيفا ؛ ألنه مع ذلك يوهم صحة ما ليس بصحيح، إذا كان الساقط من بين الشيوخ ضعيفا فحينئذ يتوهم الناس صحة الحديث وبينما هو

ليس بصحيح لكون مخرجه عن ضعيف وليس عن الثقات. وهللا أعلم.

فضيلة الشيخ هناك سؤال يقول: هل الزيادة من الثقات يكون متعمدا ؟ وإن كان كذلك فهل ثم . فرق بين هذا وبين الزيادة بسبب سوء الحفظ؟

ادته في باب زيادة الراوي إذا تعمد الزيادة في الحديث حينئذ يكون كذابا ، وحينئذ ال نناقش زيالثقات؛ ألننا نقول: زيادات الثقات يعني البد أن يكون الراوي ثقة، والذي يتعمد الزيادة في

الحديث، هذا يلفق األحاديث ويركب فيها ما ليس منها، فليس هذا بثقة أصال ، واضح هذا الكالم؟ مثال من إدراج في فنحن نتكلم عن الزيادة التي تقع وهما خطأ من الراوي، كمثل ما يقع

صلى هللا عليه وآله -الحديث، ماذا يفعل المدرج؟ الصحابي مثال روى الحديث عن رسول هللا ثم بعد أن روى الحديث عن رسول هللا قال كالما من قبل نفسه، هذا الكالم الذي قاله من -وسلم

إنما يريد أن يشرح -له وسلمصلى هللا عليه وآ-قبل نسه هو ال يريد أن ينسبه إلى رسول هللا كلمة في الحديث مثال ، أو يفرع على الحديث أو يستنبط حكما من الحديث، فبعد أن انتهى من

الحديث قال: هذا القول من قبل نفسه واجتهاده، فالراوي عنه ينبغي أن يفرق بين ما رواه نفسه. وما قاله من قبل -صلى هللا عليه وسلم-الصحابي عن رسول هللا

Page 281: علوم الحديث   المستوى الثاني

أسبغوا : وجد قوما ال يحسنون الوضوء، فقال: )-رضي هللا عنه وأرضاه-فمثال أبو هريرة ( فإذن أبو هريرة فرق بين كالمه الوضوء، فإني سمعت أبا القاسم يقول: ويل لألعقاب من النار

( فهم ارويل لألعقاب من الن، كالم رسول هللا هو: )-صلى هللا عليه وسلم-وبين كالم رسول هللا منه أبو هريرة أن من ال يسبغ الوضوء يشمله ذلك الوعيد، فقال لهم: أسبغوا الوضوء فإني

سمعت رسول هللا يقول كذا وكذا، فقوله في حديث أبي هريرة هو من قول أبي هريرة وليس من ، فإذا روى الراوي الحديث عن أبي هريرة ينبغي أن -صلى هللا عليه وسلم-قول رسول هللا

فماذا يقول؟. -رضي هللا عنه-ق وأن يفرق وأن يفصل بين كالم النبي وكالم أبي هريرة يفر

مر أبو هريرة على قوم ال يحسنون الوضوء فقال: أسبغوا الوضوء فإني سمعت يقول: )(، هكذا فصل الكالم، لكن بعض يقول: ويل لألعقاب من النار -صلى هللا عليه وسلم-رسول هللا

، فماذا -عليه الصالة والسالم-ئ وال يميز كالم الراوي من كالم رسول هللا الناس أحيان ا يخطيقول: أسبغوا الوضوء ويل -صلى هللا عليه وسلم-يقول؟ عن أبي هريرة قال: سمعت رسول هللا

لألعقاب من النار، فماذا فعل هذا؟ أدمج الكالم بعضه ببعض، وجعل الكل مضافا إلى رسول يقولون: هذا أخطأ حيث أدرج في كالم النبي ما ليس منه، إنما هو من كالم هللا، فيأتي العلماء

، ماذا فعل هذا الراوي؟ زاد؛ ألنه زاد -عليه الصالة والسالم-الراوي، وليس من كالم رسول هللا في كالم النبي ما ليس منه، عن خطأ أو عن تعمد؟ عن خطأ، لو تعمد لكذبه العلماء، التهموه

بذلك.

قع ذلك منه على سبيل الخطأ فإن العلماء ال يقبلون منه ذلك الخطأ ولكنهم ال يطعنون أما إذا وفي حفظه وال في عدالته، وإنهم يقولون: هذا خطأ يتجنب، والصواب أن هذا من كالم رسول هللا، وهذا من كالم أبي هريرة، وأن هذا الراوي أخطأ في هذا الحديث، نعم إذا أكثر من الخطأ

بيل فإنهم يتكلمون فيه حينئذ وهللا أعلم. من هذا الق

. يقول: نرجو من فضيلتكم تلخيص أوصاف الثقة الذي تقبل زيادته في نقاط محددة؟

الثقة الحافظ الذي وصف بالحفظ، نحن قلنا في لقاء سابق أن الحافظ هو الحافظ هو الذي ا لم يطلع عليه غيره، أكثر من سماع الحديث وإسماعه، بحيث يمكن لمثل هذا أن يطلع على م

الحافظ هو الذي سمع من أهل بلده، وطاف البلدان، فسمع من علماء األمصار مثل هذا طلب ا، وأفنى عمره في طلب العلم فمثل هذا يمكن له أن يطلع على ما لم يطلع عليه غيره العلم كثير

ليس مكثرا من طلب وأن يحفظ ما لم يحفظه غيره، أما الثقة الذي هو ليس مكثرا من الحفظ، والعلم، فلم يصفه العلماء بالحفظ فهذا ال يعتمد عليه في مثل هذه الزيادة نحن ال نعتمد أصال عليه إذا تفرد بحديث عن مثال مثل الزهري، لكون أصحاب الزهري لم يطلعوا على هذا الحديث ولم

زهري مع روايتهم يرووه، فكيف إذا زاد على أصحاب الزهري زيادة ال يرويها أصحاب الألصل الحديث، فالثقة الذي نقصده، ما يعبر عنه بعض مشايخنا بقوله: األوثق، إن قالوا: ثقة ويقصدون األوثق، أي: أعلى مراتب الثقات، وهذا ما نعبر عنه بالثقة الحافظ، جمع مع الثقة

واإلتقان والتثبت جمع مع ذلك الحفظ، وكثرة سماع الحديث، وهللا أعلم.

ة الشيخ سؤاله الثاني يقول: ما هي المراجع التي تنصحنا بها أن نرجع إليها لالستزادة فضيل . من البحث في مسألة زيادة الثقة؟

من حيث الجانب التأصيلي: تجد كتاب شرح علل الترمذي لإلمام ابن رجب الحنبلي، فهو في سقالني أيضا ، تكلم في غاية القوة، وكذلك النكت على كتاب ابن الصالح للحافظ ابن حجر الع

هذه المسألة بشيء من التوسع، هذا من حيث التأصيل.

Page 282: علوم الحديث   المستوى الثاني

أما من حيث التمثيل ومعرفة األقوال الجزئية للعلماء على مواضع الزيادات: فكل كتب العلل، السيما علل ابن أبي حاتم الرازي، هذا الكتاب ممتع جدا، ومما يمتاز به هذا الكتاب على

أنك تجد غالبا شرحا للعلة وتوضيحا لها وبيانا لها وتفصيال لموضعها بخالف بقية كتب العلل، ا ولكنه ال يفصل كتفصيل أبي حاتم وأبي زرعة -مثال علل الدارقطني, نعم يشير إلى العلة كثير

، كذلك العلل التي تروى عن اإلمام أحمد سواء من رواية عبد هللا أو غيره -رحمهما هللا تعالىفي التاريخ -رحمه هللا تعالى-اب اإلمام أحمد بن حنبل، كذلك الكالم اإلمام البخاري من أصح

، أيضا تجد في كالمهم أمثلة -رحمه هللا تبارك تعالى-الكبير أو فيما يرويه عنه اإلمام الترمذي، كثيرة على باب العلة، والزيادة خاصة، وهللا أعلم.

. تفرد به البخاري على ما تفرد به مسلم؟يقول: بالنسبة للتفرد لماذا يقدم ما

هذه مسألة ثانية، التفرد في مثل هذا الكالم ليس هو التفرد الوارد في كالم العلماء، إنما التفرد في سؤالك هذا أن يتفرد البخاري بحديث عن بقية أصحاب كتب األصول الستة، فهذا تفرد

يكون الحديث أصال فردا ؛ ألنه رواه غير مصطلح اصطلح عليه العلماء المتأخرون، وإال فقد الالبخاري عن شيخ البخاري فالحديث ليس مما تفرد به البخاري حقيقة ، وإنما هو رواه حيث لم

يروه الخمسة الباقون من أصحاب كتب األصول أو هو رواه ولم يروه مسلم خاصة فهو تفرد به رواه، ولكن في غير الصحيح، واضح؟ بالنسبة إلى مسلم، في كتاب الصحيح، بل قد يكون مسلم

أو تفرد به مسلم دون البخاري، يقصدون تفرده عن البخاري، في كتاب الصحيح خاصة ، وإال قد يكون مسلم نفسه يرويه خارج الصحيح، أو البخاري نفسه يرويه خارج الصحيح، أو قد يكون

ا في غيرهما يرويه أيضا ، فهذا ليس التفرد الذي نقصده في باب األفرا د هنا، والذي نجده كثير كتب علل األحاديث إنما نقصد بالتفرد في كالمنا التفرد حيث ال يكون الحديث إال عند هذا

الراوي، سواء في عند البخاري أو عند مسلم أو عند أبو داود أو عند الترمذي هذا ال يعنينا لمن خرج الحديث، وهللا أعلم.

. لة هذه المحاضرة؟فضيلة الشيخ هال تفضلتم بطرح أسئ

ما صفة الثقة الذي تقبل زيادته؟ السؤال األول:

اذكر العالقة بين الزيادة وعلم الجرح والتعديل؟. السؤال الثاني:

وهللا أعلى وأعلم وأعز وأكرم

Page 283: علوم الحديث   المستوى الثاني

الدرس الثامن عشرعشر

باب علل الحديث

شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إن الحمد هلل تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باهلل من من يهده هللا فال مضل له، ومن يضلل فال هادي له، وأشهد أال إله إال هللا وحده ال شريك له،

وأشهد أن محمد ا عبده ورسوله، وبعد:

إخواني الكرام اليوم موعدنا بإذن هللا تعالى مع النوع الثامن عشر من أنواع علوم الحديث، ديث المعلل، ومعرفة هذا النوع من أنواع علوم الحديث تعتبر من أهم وهو المتعلق بمعرفة الح

معارف هذا العلم الشريف، فهذا العلم الشريف وهو علم علل األحاديث هو من أدق أنواع علوم الحديث وأغمض هذه األنواع بحيث لم يتكلم في هذا النوع إال أفراد قليلون جدا من علماء

الكبار المبرزون في هذا العلم كاإلمام شعبة بن الحجاج، ويحيى الحديث وهم الحفاظ النقاد القطان وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين والبخاري ومسلم والدارقطني وابن عدي وأمثال هؤالء األئمة الكبار، وهم الذين إليهم المرجع في هذا الباب بحيث ال يؤخذ إال عنهم أو عمن كان في

ندما نتكلم عن علل األحاديث.منزلتهم ومكانتهم العلمية، ع

فنحن ابتداء نتكلم عن الرواة الثقات، هذا الراوي الثقة الذي روى الحديث، بطبيعة الحال من الممكن أن يصيب ومن الممكن أن يخطيء وإن كان صوابه أكثر بكثير من أخطائه التي ربما

من أبواب علوم الحديث، تقع في أحاديث قليلة، فعندما نعالج علل األحاديث وندرس هذا البابفينبغي أن نكون متصورين لهذا األمر ابتداء، أننا نبحث عن األخطاء القليلة التي ربما يكون ذلك الثقة أخطأ فيها فيما روى من روايات، هو روى الكثير من األحاديث التي أصاب فيها

ولكنه أخطأ في حديثين ثالثة أخطأ في قليل من األحاديث التي رواها.

يفة الناظر في هذا الباب من أبواب علم الحديث وهو علل األحاديث، هو تحديد هذا القليل وظالنادر هذا العدد القليل الذي أخطأ فيه ذلك الراوي الثقة وتمييزه عن األحاديث األخرى التي

أصاب فيها ذلك الراوي الثقة فإذن نحن بصدد علم دقيق جدا ألن الراوي الذي بين أيدينا راو من الثقات، بل قد يكون من كبار الثقات من الحفاظ، ولكنه أخطأ في موضع أو موضعين، في

حديث أو حديثين، في حرف أو حرفين، وظيفتنا نحن من خالل دراستنا لهذا العلم الشريف وهو علم علل األحاديث أن نضع أيدينا على هذا القدر القليل الذي ربما يكون ذلك الثقة أخطأ فيه،

تكلموا في هذا العلم كالما طويال وصنفوا فيه المصنفات -رحمهم هللا تبارك وتعالى-ماء والعلالكبيرة والكثيرة، وسنحاول جاهدين من خالل هذا الدرس أن نضع أيدينا على بعض النقاط

تكون له -إن شاء هللا تعالى-الهامة التي ال ينبغي لطالب العلم أن يتغفلها أو أن تخفى عليه فإنها فيهم، يقرأ -عليهم رحمة هللا تعالى-نبراسا يستضيء به لمعرفة هذا الباب وتفهم أقوال أهل العلم

ما يفتح هللا به -إن شاء هللا تعالى-علينا أخونا المذيع ما قاله ابن كثير في هذا الباب ثم نقول علينا.

، وهو فن خفي على النوع الثامن عشر، المعلل من الحديث) -رحمه هللا تعالى-قال المصنف وإنما يهتدي « معرفتنا بهذا كهامة عند الجاهل»كثير من علماء الحديث حتى قال بعض حفاظهم

إلى تحقيق هذا الفن الجهابزة النقاد منهم، يميزون بين صحيح الحديث وسقيمه، ومعوجه، لوس، فكما ال ومستقيمه، كما يميز الصيرفي البصير بصناعته بين الجياد والزيوف والدنانير والف

يتمارى هذا كذلك ال يقطع ذلك بما ذكرناه، ومنهم من يظن ومنهم من يقف، بحسب مراتب

Page 284: علوم الحديث   المستوى الثاني

صلى هللا عليه -علومهم وحذقهم واطالعهم على طرق الحديث، وذوقهم حالوة عبارة الرسول التي ال يشبهها غيرها من ألفاظ الناس، فمن األحاديث المروية ما عليه أنوار النبوة، -وسلم

ومنها ما وقع فيه تغيير لفظ أو زيادة باطلة، أو مجازفة أو نحو ذلك، يدركها البصير من أهل هذه الصناعة، وقد يكون التعليل مستفادا من اإلسناد، وبسط أمثلة ذلك يطول جدا وإنما يظهر

بالعمل، ومن أحسن كتاب وضع في ذلك وأجله وأفحله، كتاب العلل لعلي بن المديني شيخ خاري، وسائر المحدثين بعده في هذا الشأن على الخصوص، وكذلك كتاب العلل لعبد الرحمن الب

بن أبي حاتم، وهو مرتب على أبواب الفقه، وكتاب العلل للخالل، ويقع في مسند الحافظ أبي بكر البزار من التعاليل ما ال يوجد في غيره من المسانيد، وقد جمع أزمة ما ذكرناه كله الحافظ

ير أبو الحسن الدارقطني في كتابه في ذلك، وهو من أجل كتاب، بل أجل ما رأيناه وضع في الكبهذا الفن، لم يسبق إلى مثله، وقد أعجز من يريد أن يأتي بعده، فرحمه هللا وأكرم مثواه، ولكن يعوذه شيء البد منه، وهو أن يرتب على األبواب، ليقرب تناوله للطالب أو أن تكون أسماء

بة الذين اشتمل عليهم مرتبين على حروف المعجم ليسهل األخذ منه فإنه مبدد جدا ال يكاد الصحا (يهتدي إنسان إلى مطلوبه بسهولة وهللا الموفق.

تطلق على معان متعددة، فعلماء -عليهم رحمة هللا تبارك وتعالى-العلة عند علماء الحديث للفظ العلة، مصطلح العلة يقصدون بالعلة تارة حيث يستعملون هذه ا -رحمهم هللا تعالى-الحديث

معنى وتارة معنى آخر، ولكن هذه المعاني يجمعها معنى القدح المؤثر في الرواية ضعفا ، إال أن بعض أهل العلم، يخص مصطلح العلة بالقدح الذي يكون خفي، وهو الذي ال يطلع عليه بمجرد

تدل عليه بتتبع الروايات وعرض بعضها على النظر في الرواية وفي اإلسناد وإنما يكتشف ويسبعض فمن خالل ذلك يظهر من أصاب ومن أخطأ في الرواية، فمن هذه الحيثية تكون الطريقة

لالستدالل على كون الرواية قد وقع فيها علة، أي: خطأ، -رحمهم هللا تعالى-التي سلكها العلماء -عليهم رحمة هللا تعالى-ظ وكبار نقاد الحديث إنما هي طريقة خفية ال يطلع عليها إال كبار الحفا

.

فهذا معنى من معاني العلة عند علماء الحديث وهو أشهر معانيها، وهناك من يطلق العلة رحمه هللا -على ما يقدح في الرواية سواء كان ظاهرا أو خفيا أشار إلى ذلك الحاكم النيسابوري

افظ ابن الصالح في كتابه في علوم الحديث أيضا في معرفة علوم الحديث له، وكذلك الح -تعالىفكل سبب يكون قادحا في الرواية يسمى في اصطالح هؤالء العلماء علة، أي: أن الحديث يعتل به ويؤثر في الرواية قدحا يفضي إلى عدم قبولها سواء كان ذلك خفيا كما في القول األول أو في

ا فاالنقطاع مثال اإلرسال هذا خلل في الرواية أو سبب في الرواية يمنع المعنى األول أو ظاهر من االحتجاج بها وهو ظاهر.

وكذلك ضعف حال الراوي كأن يكون الحديث من رواية ضعيف أو كذاب أو متروك أو نحو هؤالء، فوجود هؤالء في الرواية أو تفرد مثلهم بالرواية يمنع من االحتجاج بها فنقول هذا

ذا الراوي الضعيف أو بتفرد هذا الكذاب بذلك الحديث، هذا موجود وإن الحديث معلول بتفرد هكان هذا استعماله قليال فأغلب العلماء حيث يطلقون العلة يقصدون السبب الغامض السبب الخفي الذي ال يكون ظاهرا في الرواية وإنما الرواية من حيث الظاهر ظاهرة السالمة، ظاهرة السالمة

من تلك العلة.

ة الصحة إذا نظرت إليها نظرة سطحية تستطيع أن تحكم عليها بكونها ثابتة صحيحة، ظاهرليس فيها ما يمنع من االحتجاج بها وإنما يستدل العلماء المتخصصون النقاد الحفاظ على عدم االحتجاج بتلك الرواية بأسباب أخرى تنضم إلى تلك الرواية إما برواية أخرى دلت على خطأ

ة أو خالف بين الرواة، فهذا وصل الحديث وذلك أرسله هذا رفعه وذلك أوقفه في تلك الرواي

Page 285: علوم الحديث   المستوى الثاني

فهذا الخالف يستدل بمثله على خطأ من أخطأ وإصابة من أصاب، فضال عن القرائن التي .-إن شاء هللا تبارك وتعالى-تحتف بالرواية فتدل على ذلك، وسيأتي طرف من ذلك قريبا

يطلقون العلة على القادح سواء كان -م رحمة هللا تبارك وتعالىعليه-وحينما نقول إن العلماء حينما يتعاملون مع -عليهم رحمة هللا تبارك وتعالى-ذلك القادح ظاهرا أو خفيا فعلماء الحديث

العلة، يتعاملون معها من عدة جوانب، ونحن ذكرنا في لقاء سابق أن هذه األبواب التي تسبق أيضا بعد باب العلة إنما كلها تناقش وتعالج باب العلة ولكن كل نوع من باب العلة و التي ستأتي

تلك األنواع يعالج هذا الباب من جهة من الجهات، ومن جانب من الجوانب.

والمتأمل لهذه األبواب يجد أن هذه األبواب يخدم بعضها بعض ا ويفيد بعضها بعض ا. ولكن حديث والخطأ الواقع أو الذي ربما يكون قد وقع في كيف نستفيد من هذه األبواب لمعرفة علة ال رواية من الروايات من قبل بعض الثقات.

إذا تأملت باب العلة أخي الكريم تجد أن العلة التي تقع في الحديث تشتبه بالعلة التي تقع في ة البدن بطريقة كبيرة جدا، فإذا نظرت إلى العلة التي تعتري البدن وهي المرض، وكذلك العل

التي تعتري الحديث تجد وجه تشابه أو أوجه من التشابه عظيمة جدا وكبيرة جدا إذا قست هذا وكيف يتوجه كالمهم سواء -عليهم رحمة هللا تعالى-على هذا يمكنك أن تتفهم مذاهب العلماء

فيما يتعلق باألسانيد أو المتون التي قد اعتراها بعض العلل.

يمرض تظهر عليه ظواهر المرض عالمات تدل على المرض، إن اإلنسان أو البدن حينما هذه العالمات ليست هي المرض ولكنها دالئل على المرض، فالبدن حينما يمرض مثال ترتفع درجة حرارته، ارتفاع درجة الحرارة هل هو المرض، أم هو دليل على وجود مرض في هذا

المرض بنفسه، كذلك الطبيب يستدل البدن؟ هو دليل على وجود مرض في هذا البدن وليس هو على المرض بأدلة، هذه األدلة يفمهما هذا الطبيب، وهو الذي يستطيع أن يشخص هذا المرض.

هذه األدلة التي استدل بها الطبيب على هذا المرض الذي اعترى ذلك البدن، هل هذه األدلة رض في هذا البدن، هي المرض نفسه؟ ليست هي المرض وإنما هي دالئل على وجود ذلك الم

ثم يأتي الطبيب فيشخص المرض فيقول المرض الذي أصاب ذلك البدن هو المرض الفالني هو النوع الفالني من األمراض التي تعتري األبدان فهو الذي يضع يده على نوع المرض الذي ك أصاب ذلك البدن، ثم نبحث بعد ذلك عن األسباب التي كانت من وراء إصابة ذلك البدن بذل

المرض هناك أسباب، كانت من وراء إصابة ذلك البدن بهذا المرض هذه.

األسباب هل هي المرض أم هي المتسبب في وقوع المرض في ذلك البدن األسباب ليست هي المرض وإنما هي التي تسببت في إصابة ذلك البدن بهذا المرض كأن يكون مثال تعرض

سبب من األسباب التي تكون سببا إلصابة ذلك البدن لهواء ملوث أو أكل طعاما ملوثا فهذا هو بهذا المرض.

إذن نحن أمام مرض وأمام دالئل وعالمات على المرض وأمام أسباب لهذا المرض، وأمام أنواع األمراض التي تعتري األبدان.

فكذلك نحن حينما نعالج علل األحاديث، فاألحاديث تمرض كما يمرض البدن، وتعتل كما ن وكذلك حينما نتناول علل األحاديث نستطيع أن نتفهمها على هذا اإلطار فهناك يعتل البد

األمراض نفسها، فنعرف أن هناك علة أصابت هذا الحديث، فهناك أنواع العلل التي تصيب األحاديث كما أن هناك أنواع األمراض التي تعتري األبدان وكذلك هناك دالئل وعالمات يظهر

Page 286: علوم الحديث   المستوى الثاني

ديث قد أصابه خلل، أو علة، أو مرض، فهذه الدالئل وهذه العالمات ليست من خاللها أن هذا الحهي العلة نفسها، وإنما هي عالمات على وقوع العلة دالئل يستدل بها على وقوع العلة وهناك

ظواهر، هذه الظواهر التي تظهر في الحديث المعلول يفهمها العالم المتخصص، كما أن الطبيب لبدن المريض، فكذلك العالم المتخصص في علم الحديث وفي علل يفهمها حينما ينظر في ا

األحاديث يفهم هذه الظواهر ويفهم هذه األمور التي قد ال تظهر لغيره وهذا ما يسمى عند المحدثين بالقرائن التي يستدل بها العالم الخبير الحافظ الناقد البصير، على أن علة أو خلال ما

وقع في تلك الرواية.

سباب لوقوع الراوي في الخلل، لوقوع العلة في الحديث، كأن يكون الراوي مثال وهناك أحد ث من حفظه أو روى الحديث بالمعنى فلم يأت بالمعنى الذي هو أصل الحديث، أو تصرف في الحديث كأن يكون اعتمد على كتاب من الكتب التي لم تصحح ولم تقابل، فحينئذ وقع فيه

ه عليم فهذا كله يكون سببا في وقوع الخلل في الرواية ووقوع الخطأ تصحيف وتحريف ما هللا ب من قبل الراوي، فيما روى من الحديث.

وهناك أسماء، فكما أن األمراض البدنية لها أسماء يعبر عنها بمصطلحات ما، فكذلك الخلل هذا الفن.أو العلة التي تعتري األحاديث يعبر عنها بأسماء متعددة يعرفها أهل االختصاص في

إذا نظرنا إلى علة الحديث على هذا النحو سيتبين لنا كل ذلك، وسنجد أن هناك علة وهناك دليل على العلة وهناك ظواهر على العلة وهناك أسباب لوقوع هذه العلة في الحديث، كما أن

عتري هناك أسماء متعددة ألسماء علل األحاديث، فمثال حينما ننظر في العلل واألمراض التي تالروايات، هناك نجد أنواع ا للعلل كالقلب واإلدراج الراوي أخطأ فلما أخطأ نتج عن خطئه قلب

في الرواية إبدال في الرواية، تغيير في الرواية، وذاك أخطأ أيضا ولكن خطأه من نوع آخر نقص أو غير النوع الذي أخطأ به األول كأن يكون أدرج في الرواية ما ليس منها أو زاد فيها أو

قدم فيها أو أخر، فهذه أنواع تقع من العلل في الرواية وكل ذلك ناشيء عن أسباب إما أن الراوي حدث من حفظه وهو لم يحسن حفظ الحديث وإما أنه اعتمد على كتاب غير مقابل وغير مصحح فوقع فيه من التصحيف والتحريف ما وقع نتج عن ذلك خلل في الرواية بسبب رواية

اوي من ذلك الكتاب الذي لم يصحح ولم يقابل.ذلك الر

هناك دالئل العلة، أو موجبات العلة التي يستدل بها العلماء على أن خطأ في الرواية وقع، وهو ما أشرنا إليه حينما تكلمنا عن الشاذ والمنكر وهو ما يتعلق بالتفرد، قد يكون هناك تفرد،

خطأ وقع في الرواية أو اختالف بين الرواة، فهذا وهذا التفرد يستدل به العلماء على أن الخطأاالختالف يوجب إعالل الرواية وكل ذلك بطبيعة الحال حيث ينضم القرينة، وهذه هي الظاهرة التي يتنبه إليها اإلمام الناقد البصير المدقق في الروايات واألسانيد وهناك قرينة تنضم إلى التفرد

رواة، فيظهر لهذا الناقد البصير من خالل هذه الظواهر أن أو قرينة تنضم إلى الخالف بين ال خطأ وقع في الرواية وأن الحديث قد اعتراه علة من العلل.

وهناك أسماء لألحاديث المعلولة فيقولون هذا حديث شاذ، هذا حديث منكر هذا حديث باطل، من صور العلل هذا حديث ال أصل له وربما قالوا أيضا موضوع، والموضوع ما هو إال صورة

في الروايات.

إذن هناك تشابه قريب جدا وواضح جدا بين العلة التي تعتري الرواية والعلة التي تعتري البدن.

Page 287: علوم الحديث   المستوى الثاني

عليهم رحمة -حينما ننظر إلى موجبات العلة، نالحظ أن موجبات العلة التي ذكرها العلماء ع القرينة، يعني التفرد وحده ال يدل في الرواية، قالوا التفرد واالختالف م -هللا تبارك وتعالى

على علة في الحديث، واالختالف وحده ال يدل أيضا على علة في الحديث، وإنما التفرد المصحوب بالقرينة الدالة على الخطأ فذلك علة في الحديث، أو االختالف المصحوب بالقرينة

الدالة على الخطأ فذلك أيضا علة في الحديث.

ا تكلمنا في الحديث الشاذ ذكر العلماء هناك أن الشذوذ يدرك أحيانا بالتفرد ثم نجد أننا حينموأحيانا باالختالف مع القرينة أيضا الدالة على الخطأ فذكروا أن من موجبات الحكم على الحديث بأنه شاذ أن يكون الحديث وقع فيه تفرد من قبل بعض الرواة الذين ليسوا هم أهال

الخالف بين الرواة فيستدل بذلك الخالف على أن الراوي أخطأ فيحكم على للتفرد، أو أن يقع الحديث حينئذ بأنه من الشاذ.

تالحظون إخواني الكرام أن هناك وجه تشابه بين الشاذ والمعلول، فالشاذ ذكروا فيه أنه يه أنه يستدل على شذوذ الرواية إما بالتفرد أو باالختالف مع القرينة، كذلك المعلول ذكروا ف يستدل على كون الحديث معلوال بالتفرد أو باالختالف مع القرينة الدالة على الخطأ.

حينما عرفوا الحديث الصحيح استثنوا من -رحمهم هللا تبارك وتعالى-ثم نجد علماء الحديث د هو المسن»في تعريفه: -رحمهم هللا تعالى-األحاديث الصحيحة ما كان شاذا أو معلوال فقالوا

«.المتصل بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ أو علة

ونحن هنا نالحظ أن الشذوذ والعلة بابهما واحد، فالشذوذ والعلة كالهما يدرك بالتفرد مع القرينة أو باالختالف مع القرينة، فلعل قائال يقول: فلماذا العلماء اشترطوا انتفاء الوصفين في

انتفاء أن يكون شاذا أو أن يكون معلوال ونحن نعرف من وصفهم للشاذ الحديث الصحيح، ووصفهم للمعلول أنهما بمعنى واحد، فهال اكتفوا باستثناء واحد منهما مادام أن اآلخر بمعناه، فقالوا مثال وال يكون شاذا أو ال يكون معلوال ، ومن خالل معرفتنا بالشاذ والمعلول يتبين أنهما

ما استشكله بعض أهل العلم، إذا كان الشاذ والمنكر كالهما يدرك بالتفرد واالختالف سواء وهذا مع اصطحاب القرينة فما الفرق بينهما إذن؟.

والواقع أن العلماء الذين اشترطوا في الحديث الصحيح أن يكون سالما من الشذوذ والعلة ول كالهما يدرك باألمرين معا كانوا مصيبين في ذلك؛ ألن جعل الحديث الشاذ والحديث المعل

التفرد واالختالف هذا ليس موضع اتفاق بين علماء الحديث، بل من علماء الحديث من يعتبر المعلول هو الخطأ الذي يقع في الرواية والذي يستدل عليه باالختالف بين الرواة، أما إذا كان

ذا وال يسميه معلوال وهذا صنيع الخطأ مما يستدل عليه بالتفرد الذي ال يحتمل، فهذا يسميه شافلعل الحافظ ابن الصالح حينما ذكر في تعريف -عليهم رحمة هللا تعالى-طائفة من أهل العلم

الحديث الصحيح أن يكون سالما من الشذوذ والعلة أراد أن يكون تعريفه جامعا لجميع مذاهب هب إلى التفرقة بين الشاذ والمعلول فإن كنت ممن يذ -عليهم رحمة هللا تبارك وتعالى-المحدثين

فترى الشاذ هو الخطأ المستدل عليه بالتفرد الذي ال يحتمل وترى المعلول هو الخطأ المستدل عليه بالتفرد الذي ال يحتمل وترى المعلول هو الخطأ المستدل عليه باالختالف بين الرواة فقد

ما يشمله مذهبك بحيث ال يكون أتيت لك في تعريفي للحديث الصحيح ما يدخل في مذهبك و تعريفي الحديث للصحيح غير كامل.

وأنا كنت قد جمعت من ذلك أمثلة عن أهل العلم تدل على ذلك بطبيعة الحال الحاكم النيسابوري في كتاب علوم الحديث صرح بذلك فإنه أفرد للشاذ نوعا في أفرد للمعلول نوعا

ث الشاذ وفي كالمه في الحديث الشاذ بأن الشاذ غير على حدة وذكر في ذلك في بدايته في الحدي

Page 288: علوم الحديث   المستوى الثاني

الشاذ من الروايات غير المعلول، فإن المعلول ما يوقف على : »-رحمه هللا تعالى-معلول فقال «.علته أنه دخل حديث في حديث أو وهم فيه راو أو أرسله واحد فوصله واه

باالختالف بين الرواة فهذا إذن كالمه يدل على أن المعلول هو ما يستدل فيه على الخطأ وصل وذاك أرسل فنستدل بذلك الخالف على خطأ من أخطأ وإصابة من أصاب هذا رفع وهذا وقف فنستدل بذلك الخالف الواقع بين الرواة على تمييز المصيب من المخطيء بخالف الشاذ

« لذلك الثقة فأما الشاذ فإنه حديث يتفرد به ثقة من الثقات وليس للحديث أصل متابع»فقال: يعني حيث يكون ذلك الثقة ممن يحتمل من مثله التفرد بمثل هذه الرواية.

فإن الشاذ هو: الخطأ المستدل عليه بالتفرد الذي ال يحتمل، بخالف المعلول فإنه: الخطأ الذي يستدل عليه باالختالف بين الرواة. وبهذا ينجلي لك الفرق بين الشاذ والمعلول عند هؤالء

ء.العلما

أحيانا يصف الحديث بأنه ليس معلوال ثم -رحمهم هللا جميعا-ولهذا تجد بعض أهل العلم يضعفه بأنه شاذ أو منكر بل ربما يجمع بين الوصفين في حكمه على حديث واحد فيقول: هذا

حديث شاذ ال أعلم له علة، فنفيه للعلة ليس تصحيحا منه للحديث، وإنما هو ينفي أن يكون د وقع فيه خالف يستدل بمثله على خطأ الرواية وإنما استدللنا على خطئها بأن راويها الحديث ق

ليس أهال ألن يتفرد بمثلها فصار السبيل الذي استدللنا به على خطأ الراوي في تلك الرواية هو التفرد الذي ال يحتمل.

ال يسمى شاذا أما إذا كان السبيل هو االختالف بين الرواة فذلك في عرف هؤالء العلماءفي كتاب -رحمه هللا تعالى-وإنما يسمى حديثا معلوال ، من ذلك مثال خرج اإلمام الدارقطني

الغرائب واألفراد له حديثا ، خرج هذا الحديث ثم ذكره بإسناده ثم قال: وهذا الحديث ليس ه: ليس بمحفوظ، وال أعرف له علة، قال هذا الحديث ليس بمحفوظ وال أعرف له علة، قول

بمحفوظ أي هو حديث شاذ، ألن المحفوظ عكس أو مقابل الشاذ فكل ما ليس بمحفوظ هو شاذ وكل شاذ فليس هو بمحفوظ فوصفه للحديث بأنه ليس بمحفوظ يدل على أنه عنده حديث شاذ.

ثم قال: وال أعرف له علة، أي ال أعرف هناك خالف بين الرواة ألعرف من خالل هذا طأ الذي وقع فيه الراوي في هذه الرواية ولكن الراوي ليس أهال للتفرد فكان الخالف طبيعة الخ

حديثه ليس محفوظا من هذه الحيثية، أو كان حديثه شاذا من هذه الحيثية.

في كتاب العلل له حديث -رحمه هللا تبارك وتعالى-من ذلك أيضا ذكر اإلمام الدارقطني ( وهو موقوف على أبي اني هذا أوردني الموارد لسعمر بن الخطاب عن أبي بكر الصديق )

( هذا لساني هذا أوردني الموارد أنه أمسك بلسانه ثم قال: ) -رضي هللا عنه وأرضاه -بكر الحديث يرويه زيد بن أسلم واختلف الناس فيه على زيد بن أسلم، فمنهم من يرويه عن زيد بن

ن منقطعا ، ألن زيد بن أسلم لم يسمع من أسلم عن عمر عن أبي بكر، وهو من هذه الحيثية يكوعمر بن الخطاب، ومنهم من يذكر بين زيد وعمر أسلم والد زيد فيكون متصال من هذه الحيثية، وبعضهم من يغير في اإلسناد على غير هذا النحو وبعضهم يرفعه وبعضهم يجعله من قول أبي

.-رضي هللا عنه وأرضاه-هريرة

الحديث كما ترون، لكنهم هل اختلفوا في أنه من حديث زيد بن أسلم، المهم الناس اختلفوا في لم يختلفوا في أنه من حديث زيد بن أسلم، هو حديث زيد بن أسلم، إنما اختلف الناس فيما قاله

زيد بن أسلم في الرواية، هل رواه عن عمر مباشرة أم عن سالم عن عمر أم رفعه أم وقفه المهم الحديث، وأنه من حديث زيد بن أسلم وليس من حديثه غيره من الناس.أنهم اتفقوا على مخرج

Page 289: علوم الحديث   المستوى الثاني

ثم وجدنا الدارقطني ذكر له رواية أخرى، هذه الرواية األخرى يرويها رجل اسمه النضر بن إسماعيل أبو المغيرة القاسم وهو رجل ضعيف، هذا رجل ضعيف الحفظ، فإذا به يجيء لهذا

عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي الحديث بإسناد من قبل نفسه، فيرويه( ماذا فعل ذلك الرجل؟ أتى لهذا الحديث لساني هذا أوردني المواردبكر الصديق أنه قال: )

بإسناد آخر غير اإلسناد الذي يرويه الناس، فالناس جميعا يروونه من حديث زيد بن أسلم ال لضعيف يرويه من حديث من؟ يرويه من حديث يروونه من حديث غيره، فإذا بهذا الرجل ا

وهو من أصح األسانيد -رضي هللا عنه-إسماعيل بن أبي خالد بإسناد آخر عن أبي بكر الصديق رضي هللا عنه وأرضاه.-عن أبي بكر الصديق

لما تعرض لهذا -رحمه هللا تعالى-هذا رجل ضعيف ومع ذلك فوجئنا بأن الحافظ الدارقطني وال أعرف له علة، يعني يكفي أن الراوي ضعيف فهذا علة في الحديث، وتفرده اإلسناد قال:

عن إسماعيل بن أبي خالد هذه عالمة الحديث المنكر تفرد الضعيف عن الحفاظ هذا من النكارة فكيف والناس يروون الحديث بغير هذا اإلسناد كيف خفي هذا اإلسناد على حفاظ الحديث ثم جاء

بإسناد هو من أنظف األسانيد وأصحاها، ولهذا قال اإلمام الدارقطني ال هذا الضعيف فأتى بهأعلم له علة، هل قوله: ال أعلم له علة معناه أنه يصححه؟ كال وإنما يقصد أنه لم يروه أحد آخر

عن إسماعيل بن أبي خالد على وجه آخر غير هذا الوجه الذي جاء به أبو المغيرة القاص، ي وقع فيه أبو المغيرة القاص وأنه هو تفرد محض، فقوله ليس فيه علة ليتبين وجه الخطأ الذ

ليس هو تصحيحا منه للحديث وإنما حكاية أنه لم يقع اختالف على إسماعيل بن أبي خالد حتى ننظر في هذا الحديث هل الحديث له أصل عن إسماعيل ولو على وجه آخر وعلى صورة

ا الرجل الضعيف عن إسماعيل بن أبي خالد فقال ال أخرى وعلى رواية أخرى لم يروه غير هذ أعرف له علة أو ليس له علة.

فكأن قوله: ليس له علة أو ال أعرف له علة هو كمثل قوله هو نفسه أو غيره من العلماء أو غيره من العلماء في مثل هذه األحاديث ليس له أصل أو ال أعرف له أصال أو ال أعلم له أصال

طل منكر بهذا الوجه.أو هو حديث با

لما سئل عن الحديث نفسه الذي جاء -رحمه هللا تعالى-ويؤكد ذلك أن اإلمام أحمد بن حنبل به أبو المغيرة القاص هذا ماذا قال؟ قال عبد هللا بن اإلمام أحمد: سألت أبي عن النضر بن

يعني كان يخطيء «لم يكن يحفظ اإلسناد»إسماعيل أبي المغيرة القاص، يعني كيف حاله؟ قال: كان ال يحفظ اإلسناد »في األسانيد والمشكلة هنا إسنادية ال متنية وإال فالمتن غيره يرويه أيضا ،

بينما الدارقطني يقول: ليس له علة إذا باإلمام « روى هذا عن إسماعيل بن أبي خالد حديثا منكرا ول الدارقطني ليس له علة هو أحمد يصفه بأنه منكر، فهل من هذا تعارض؟ ل، نحن قلنا: إن ق

معناه أنه لم يقع اختالف على إسماعيل بن أبي خالد يستدل بذلك الخالف على خطأ من أخطأ وإصابة من أصاب، ولكنه تفرد محض، وهذا التفرد المحض لما جاء من قبل من ال يحتمل منه

إنما يلتئم -هللا تعالى رحمهم-التفرد صار من هذه الحيثية منكرا فكالم أحمد وكالم الدارقطني وال يتعارض وال يتناقض إذا فهمناه على هذا النحو.

رأيت أبا بكر يقول اإلمام أحمد روى هذا عن إسماعيل بن أبي خالد حديثا منكرا ، عن قيس )( قال اإلمام أحمد ونحن نروي عنه يعني هذه أخذ بلسانه فقال لساني هذا أوردني الموارد

ا هو حديث زيد بن أسلم، وليس حديث إسماعيل بن أبي خالد.الحديث نرويه وإنم

إذن كالم األئمة كما ترون، إذا فهمنا اصطالح كل إمام ومنهجه في معالجة األسانيد والروايات نستطيع أن نتفهم كالمهم وال نبادر إلى ضرب كالم بعضهم ببعض أو زعم أن هذا

Page 290: علوم الحديث   المستوى الثاني

تعارض في الواقع إذا ما فهمنا مناهج هؤالء الكالم يتعارض مع هذا الكالم وليس بين الكالم .-رحمهم هللا تعالى-العلماء على ما عرف من مناهجهم

» مثال آخر: وهو في كتاب العلل البن أبي حاتم الرازي، اإلمام ابن أبي حاتم الرازي يقول: -ر سألت أبو زرعة عن حديث رواه بقية بن الوليد، عن عبيد هللا بن عمر عن نافع عن ابن عم

أنه لم يكن يرى بالقذ والحرير ) -صلى هللا عليه وآله وسلم-عن النبي -رضي هللا تعالى عنهمافقال أبو زرعة هذا حديث منكر يعني إسنادا يقصد بالنكارة هنا اإلسنادية، يعني (« للنساء بأس

ماذا هذا ليس من حديث عبيد هللا وال من حديث نافع وال من حديث ابن عمر، انظر أبو زرعة يعني هل تعرف له « تعرف له علة»ثم سأله ابن أبي حاتم فقال: « هذا حديث منكر»يقول:

علة؟ قال: ال، ووصفه بأنه حديث منكر، ثم سأله السائل هل تعرف له علة؟ قال ال أعرف له علة، هل معنى ذلك أن قوله: منكر بناه على غير أساس؟ ال هو يقول ليس له علة، كما لو قال

أصل، أو هو منكر باطل ال أصل له ثم قال له: تعرف له علة، أي تعرف رواية أخرى ليس لهتدل على وجه الخطأ الذي وقع في هذه الرواية فنستدل بذلك الخالف على معرفة الخطأ الواقع في تلك الرواية فقال له: ال، ال أعرف رواية أخرى يستدل بها على مثل ذلك فدل على أنه إنما

الراوي الذي جاء بها ليس أهال ألن يتفرد بمثل هذه الرواية، فصارت النكارة ها هنا أنكرها ألن راجعة إلى التفرد الذي ال يحتمل.

واألمثلة على ذلك كثيرة في كالم أهل العلم وكل ذلك إن دل على شيء إنما يدل على أن خطأ الرواية أحيانا إنما يعلون الحديث أو يحكمون ب -عليهم رحمة هللا تعالى-هؤالء العلماء

بالتفرد وأحيانا باالختالف ومع ذلك فتارة يجعلون التفرد وحده دليال كافيا ، ويسمون ذلك شاذا أو منكر، وإما إذا وقع اختالف بين الرواية استدللنا بهذا االختالف على الخطأ الواقع في الرواية

فهذا الذي يعبرون عنه بأنه من المعلول.

حيث زاد في تعريف -عليه رحمة هللا تبارك وتعالى-قه اإلمام ابن الصالح ومن هنا ندرك فالحديث الصحيح وال يكون معلوال فجمع بين استثناء الشذوذ واستثناء العلة ليكون الحديث

الصحيح سالما من كل ما يمكن أن يكون قادحا في الرواية.

لول، هناك نقطة أخرى نريد أن نتكلم فهذا ما يتعلق بالفرق بين الحديث الشاذ والحديث المعفيها حول هذا الباب من أبواب علوم الحديث وهو ما يتعلق بموجبات اإلعالل، فنحن نعل

الرواية كما ذكرنا بالتفرد الذي ال يحتمل أو بالتفرد الذي ال يحتمل أو باالختالف الواقع بين الرواة.

ا طرفا من أهم القرائن التي إذا انضمت التفرد تكلمنا عنه باستفاضة في درس مستقل، وذكرنإلى التفرد كانت سببا إلعالل الرواية والحكم بخطأ من جاء بها وتكلمنا وقتها بذكر أمثلة كثيرة

الدالة على هذا األمر، والتي ورد فيها قرائن كثيرة كمثل -رحمهم هللا تعالى-عن أهل العلم حفاظ أو تفرد الطبقات النازلة بخالف ما إذا كان التفرد عن الحفاظ أو تفرد من ليس من كبار ال

التفرد واقعا في الطبقات العليا إلى آخر ما ذكرناه وقتئذ.

لكن االختالف الذي يقع في الروايات، متى يكون دليال على خطأ ومتى ال يكون دليال على الخطأ وما هي صور الخالف الواقعة في الروايات؟.

أن يذكروا ذلك في نوع الحديث المضطرب، فيذكرون -تعالى رحمهم هللا-اعتاد العلماء طرفا من االختالف وأنواع االختالف بين الرواية وأنواع ذلك االختالف ومتى يكون قادحا

Page 291: علوم الحديث   المستوى الثاني

ومتى ال يكون قادحا نحاول بقدر اإلمكان أن نضع طالب العلم على قانون عام، وإطار عام باالختالف. ليتفهم من خالله كالم أهل العلم المتعلق

طبعا ستجد في كتابك الذي بين يديك بعد الحديث المعلول نوع المضطرب وهما المكمالن عن الحديث -رحمه هللا تبارك وتعالى-لبعض، كالهما يكمل اآلخر فلنقرأ ما قاله ابن كثير

المضطرب ثم نأتي بالشرح لذلك مع استكمال ما تبقى من مبحث الحديث المعلول.

النوع التاسع عشر المضطرب، وهو أن يختلف الرواة فيه : )-رحمه هللا تعالى-قال المصنف على شيخ بعينه، أو من وجوه أخر متعادلة، ال يترجح بعضها على بعض وقد يكون تارة في

(اإلسناد وقد يكون في المتن، وله أمثلة كثيرة يطول ذكرها، وهللا أعلم.

في اإلسناد وتارة يكون في المتن، وتارة يقع االختالف الذي يقع في الرواية تارة يكون الخالف في اإلسناد والمتن معا ، وهذا الخالف الذي يقع في الروايات أحيانا يؤثر ضعفا وأحيانا ال يؤثر ضعفا ، أحيانا يؤثر في الرواية فيكون قادحا في تلك الرواية وأحيانا يكون اختالف ا غير

ختلف فيه الرواة، فبعضهم يوصله وبعضهم يرسله، بعضهم مؤثر كأن يكون الحديث مثال ايرفعه وبعضهم يوقفه، ثم تبين للنقاد أن من وصل الحديث أصاب، أو أن من رفع الحديث

أصاب لكونه من الحفاظ الثقات، الذين يحتمل من مثلهم مثل هذه الرواية، فحينئذ ما جاء من لى محمل االختالف بل تعامل معاملة التنوع روايات أخرى مخالفة للرواية األولى، ال تحمل ع

في الرواية، فكأن الذي وصل الحديث أصاب في ذلك وحفظ الحديث على وجهه ثم من أرسله لم ينشط فلم يذكر الحديث بإسناده كامال فأسقط من اإلسناد راويا أو أكثر ألنه لم ينشط لذكر اإلسناد

جاء بالرواية على وجهها ال يعارض وال ينكر تاما وهذا ال يقدح في رواية ذاك، فمن نشط فعليه بمخالفة من خالفه ممن لم يأت بالرواية على وجهها الصحيح، كذلك من رفع ومن وقف، فقد يرفع الثقات الحديث ويكون رفعهم للحديث صوابا فهذا ال يعل بوقف من أوقفه لكن أحيانا

الذي أرسل هو الذي أصاب والذي يكون الذي وقف هو الذي أصاب والذي وهو الذي أخطأ وصل هو الذي أخطأ، فحينئذ العلماء يعتبرون الوصل معلوال باإلرسال والرفع معلوال بالوقف

فيكون ذلك علة لهذا.

إذن البد من تمييز ذلك وذلك إنما يتميز بالرجوع إلى أهل العلم، قد يقول قائل: نحن نجد إلرسال، مرة يرجحون الرفع ومرة يرجحون العلماء مرة يرجحون الوصل ومرة يرجحون ا

الوقف، العلماء متعارضون متناقضون ليس عندهم منهجية، هكذا يقول بعض بسطاء العلم، أو يدركون -عليهم رحمة هللا تبارك وتعالى-بعض من ال علم عنده وهؤالء لم يفهموا ألن العلماء

كيف يعرفون ذلك يعرفون ذلك أنه ليس كل اختالف قادحا ، لكن من الخالف ما هو قادح، بالظواهر التي أشرنا إليها، أو بالقرائن التي تحتف بالرواية فمن خالل معرفتهم بهذه القرائن

وتلك الظواهر ومعرفتهم بمدى تأثيرها في الرواية ضعفا ، حينئذ يستدلون بهذه الظواهر أو تلك خرى لم توجد فيها مثل هذه القرائن القرائن على أن خطأ وقع في هذه الرواية بينما في رواية أ

ولم توجد فيها مثل هذه الظواهر، فلم يكن ذلك معال للرواية عندهم فإذن هم عندهم فهم ومعرفة وهذا أمر في كل العلوم ما من علم إال وأهله المختصون به هم الذين يدركون غوامضه ودقائقه

تظن أنك مريض بمرض ما ثم دخلت وال يتبين ذلك لكل الناس، ولو أنك ذهبت إلى طبيب وأنتعلى الطبيب فالطبيب بخبرته ومعرفته رجل أفنى عمره في هذا الجانب، فبطبيعة الحال تكون

خبرته أكثر منك ومعرفته أدق منك تقول لك ال أنت لست مريض هو توهم فقط أنت لست نفس مريض إنما هذا توهم، يدخل عليه مريض آخر عنده نفس األعراض نفس اإلحساس و

المشاعر ونفس الظواهر، ثم يقول: فعال هذا مريض، وربما يتوهم المريض أنه مريض بمرض ما، ويقول له: ال أنت عندك مرض آخر وهكذا كل هذا يعرفه أهل االختصاص في كل علم،

Page 292: علوم الحديث   المستوى الثاني

فكذلك علماء الحديث ينظرون في هذا الحديث ويقولون هذا صواب وهذا خطأ، هذا يتعارض مع ارض مع هذا، وعندهم قوانين بطبيعة الحال ولكنهم عندهم فهم ومعرفة لتطبيق هذا وهذا ال يتع

هذه القوانين وتنزيلها على الروايات واألسانيد والمتون وليست عندهم قواعد صماء عمياء بكماء ال فقه فيها.

هم يميزون -عليهم رحمة هللا تبارك وتعالى-هذا قد يكون عند أمثالنا، لكن هؤالء العلماء جاء -رحمه هللا تعالى-لك كثيرا حتى كما يحكون في كتب الرجال أن اإلمام أبا حاتم الرازي ذ

له رجل من جلة أصحاب الرأي يعين من الفقهاء ولكن ليس من العارفين بالحديث، ومعه جزء حديثي فيه جملة من األحاديث، وعرضه على أبي حاتم الرازي، وقال له: يا إمام ما حال هذه

يث؟ فنظر اإلمام في الكتاب أو في الجزء الحديثي وقال هذا حديث باطل وهذا حديث األحادكذب وهذا حديث ال أصل له وهذا حديث منكر وهذا حديث خطأ وسائر هذه األحاديث صحاح،

فتعجب الرجل وقال له: سبحان هللا من أخبرك بهذا هل كنت جالسا مع واضع هذا الكتاب هذا باطل وأن هذا منكر وأن هذا موضوع وأن هذا كذب وأن هذا وأخبرك بأن هذا صحيح وأن

ال أصل له، قال أبدا أنا ال أعرف أصال من صاحب هذا الكتاب، قال سبحان هللا أتدعي الغيب؟ قال ما هذا ادعاء غيب ولكن هذا علم قد أوتيناه وليس لك أن تفهمه، معنى ذلك أنه علم ال يقوم

م يقوم على التخمين، ال ولكن مثلك ال يفهمه ألنك ينبغي لكي على أسس وليس معناه أنه عل تفهمه أن تفني عمرك كما أفنيت أنا عمري لفهمه.

فتعجب الرجل فقال: وما الدليل على صحة ما تقول؟ قال الدليل أن تذهب لمن رزق هذا العلم لم، وإن اختلفنا مثلي وأن تعرض عليه تلك األحاديث، فإن أجاب مثل جوابي فاعلم حقيقة هذا الع

فاعلم أن كال قال برأيه، قال ومن تحسن مثل ما تحسن؟ قال أبو زرعة الرازي، قال: أو يقول أبو زرعة مثل ما تقول: قال سبحان هللا هذا عجب سبحان هللا فذهب إلى أبي زرعة من غير أن

على تلك يخبره بأحكام أبي زرعة عليه، ودفع إلى أبي زرعة الكتاب فإذا بأبي زرعة يحكماألحاديث بمثل أحكام أبي حاتم، فتعجب الرجل قال: سبحان هللا تتفقان من غير مواطئة بينكما، تعجب الرجل فقال له أبو حاتم نعم حتى تعلم حقيقة هذا العلم، وأننا لم نتكلم إال بعلم، ولم نقل

-ة الرازي بالظن أو بالحدس قال: وكيف تتفقان من غير مواطئة فضرب له مثاال أبو زرعقال: لو أنك جئت بقطعة من الزجاج وهذه القطعة ليست جوهرة وإنما هي -رحمه هللا تعالى

شبيهة بالجوهرة ليست هي جوهرة وإنما هي شبيهة بالجوهرة ثم أعطيتها إلنسان وليس عنده د علم بالجواهر وال تمييز بين الجيد والرديء بين الصحيح وغير الصحيح، بين الحقيقي والتقليليس عنده تمييز فمن الممكن أن يدخل عليه األمر، بخالف ما إذا أتيت بهذه الزجاجة التي هي في صورة الجوهرة ودفعتها إلى رجل خبير بالجواهر فإنه من حين ما ينظر فيها يقول هذا ال

يساوي شيئا هذا تقليد.

ر ودفعته إلى الصيرفي كذلك العملة إذا أتيت بدينار مثال هذا دينار حقيقي وهذا دينا مزوفيقول هذا جيد وهذا رديء، هذا مزور وهذا حقيقي نميز هذا ألنه خبير به لماذا؟ ألنه أفنى

عمره في هذا، هذه هي القصة أنه رجل أفنى عمره في هذا الجانب فهو أدرى به فكذلك نحن فنا ما يمكن أن ومعرفتنا به عر -صلى هللا عليه وآله وسلم-لكثرة مخالطتنا لحديث رسول هللا

يكون صحيحا وما ال يمكن أن يكون صحيحا ولهذا كثير من األحكام التي ترد عن علماء علل األحاديث ال يفهمها بسطاء العلم، أو ال يفهمها المتخصصون في غير الحديث من العلوم، ليس

لرازي واحد لمثل هذا أن يعترض على المحدثين ألنهم هم أدرى بهذا الجانب، واحد كأبي حاتم اكأبي زرعة الرازي البخاري مسلم الدارقطني ابن عدي هؤالء أفنوا أعمارهم في معرفة هذه

األحاديث، أفنوا أعمارهم لدرجة أن اإلمام أبو زرعة الرازي، أبو زرعة الرازي وأبو حاتم كانا تم: قل من قرينين، فأبو زرعة الرازي مرة كان جالسا مع أبي حاتم الرازي فقال له يا أبا حا

Page 293: علوم الحديث   المستوى الثاني

يفهم هذا الشأن، كانوا يتكلمون في القرن الثالث وليس اليوم، يا أبا حاتم: قل من يفهم هذا الشأن ربما يتخالجني شيء في الحديث أو يظهر لي نوع من أخطاء الشيوخ فال أجد من يشفيني حتى

م وأبو زرعة في أجلس معك، فقال له أبو حاتم وكذلك أنا، أنا ال أجد من يفهمني أيضا فأبو حاتالقرن الثالث يعني في النهضة العلمية وكثرة علماء الحديث ال يجدون من يفهمهم فكيف بزمننا

وقد كانوا إذا عدوا فقد صاروا أقل من »هذا، حتى قال ابن الجوزي وهو في القرن الخامس هذا في القرن الخامس أما اآلن فالحمد هلل ال يوجد أحد مطلقا .« القليل

بطبيعة الحال بعض الناس يقول هذه طالسم أو هذه أمور غامضة! أبدا هي لها أصول وهذا وأسس ولكن لكي تفهمنها أفن عمرك، الذي يتعلم أي علم من علوم الدنيا يفني فيها عمره، فأنت

ولكن كيف تفهم وأنت -إن شاء هللا تعالى-إذا فرغت وقتك وجهدك ومالك لتعلم هذ الشأن ستفهم ذا الشأن وال تعرف منه إال رتوش أو ال تعرف منه إال القليل.بعيد عن ه

.-عليهم رحمة هللا تعالى-هكذا كان علماء الحديث

يدركون الواقع بين -عليهم رحمة هللا تبارك وتعالى-االختالف كما قلنا يدرك والعلماء كذلك وأحيانا يكون الرواة، فتارة يكون الخالف مضرا ومؤثرا في الرواية ضعفا وتارة ال يكون

هذا الخالف الواقع بين الروايات الخالف الواقع بين الروايات في الواقع هو راجع إلى مخرج واحد هذا يقول شيئا وهذا يقول شيئ، وهذا يقول شيئا آخر ثم يأتي العلماء فيقولون كل ذلك

اية هي رواية واحدة، شيء واحد ولكن الرواة ظهرت رواياتهم وكأنهم متباينة ومتعددة وفي النهوبمعرفة طبيعة هذه الرواية وتلك ومخرج هذه الرواية ومخرج تلك، يتبين أن هذه الروايات في الواقع إنما هي رواية واحدة، إال أن تعبير الرواة تغير فأوهم االختالف وما هو من االختالف.

حديث يرويه الحسن -تأملوا األحاديث؛ ألن اآلن نعالج أسانيد-من ذلك مثال حديث يرويه صلى هللا عليه وآله -البصري وإبراهيم النخعي والزهري وهؤالء الثالثة يروونه عن رسول هللا

مرسال ، ما هذا الحديث؟. -وسلم

فإذا رجل من -صلى هللا عليه وآله وسلم-أن الناس كانوا يصلون خلف النبي حديث )أن يعيدوا -صلى هللا عليه وآله وسلم-األعراب سقط في حفرة فضحك الناس فأمرهم النبي

( وهذا حديث ضعيف والعلماء ال يحتجون به، ومن اشهر العلماء الذين الوضوء والصالة معا هذا الحديث تعالى بنا -عليهما رحمة هللا تعالى-ردوه اإلمام أحمد بن حنبل واإلمام الشافعي

صلى هللا عليه -والزهري عن النبي نتأمل أسانيد، يروى عن الحسن البصري وإبراهيم النخعي ، فأنت حينما تنظر عندنا مراسيل ثالثة، نحن ذكرنا في مبحث المرسل أن المرسل -وآله وسلم

يتقوى بمرسل مثله، ولكن اشترطنا في تقوية المرسل أن يكون مخرج هذا يختلف عن مخرج ولكن تعالى بنا ماذا هذا، ونستدل على ذلك بأن يكون شيوخ هؤالء ليسوا شيوخ المرسل اآلخر

قال اإلمام أبو داود بعد أن أشار إلى هذه المراسيل المتعددة؟ قال: روي هذا عن الحسن البصري يعني مرسال قال ومخرجها -صلى هللا عليه وآله وسلم-وإبراهيم النخعي والزهري عن النبي

ات، قال: رواه إبراهيم كلها إلى أبي العالية، يعني هو حديث واحد، وليس هناك تعدد في الروايعن أبي هاشم الرماني عن أبي العالية، ورواه الزهري عن سليمان بن أرقم عن الحسن وقال

حفص المنقاري أنا حدثت الحسن به عن أبي العالية.

إذن اختالف بين الرواة، تعدد في المخارج، إيهام التعدد، فتبين بعد التتبع واالستقراء أن سند أبي العالية وهذا المرسل الذي من أجله تكلم العلماء في مراسيل أبي الحديث كله راجع إلى م

العالية واعتبروها من أوهى المراسيل وهو أبو العالية الرياحي، وهذا الذي قال فيه اإلمام الشافعي أبو العالية الرياحي مراسيله رياح أي ال قيمة لها وال يعتمد عليها.

Page 294: علوم الحديث   المستوى الثاني

أوهم تعدد ا بين الروايات والواقع أنها رواية واحدة وحينئذ فإذن هنا االختالف في الواقع قد صار األمر راجعا إلى رواية واحدة تتعامل على أنها رواية واحدة وليس عددا من الروايات.

-عليهم رحمة هللا تبارك وتعالى-هناك أمر آخر متعلق بهذه النقطة نحن ذكرنا أن العلماء قرينة الدالة على ذلك ويعلون الحديث الذي وقع االختالف فيه يعلون الحديث الفرد حيث تنضم ال

حيث وقعت القرينة الدالة أيضا على ذلك، فهذه القرائن كيف نفهمها بطبيعة الحال هذه القرائن منها ما هو قرينة إسنادية ومنها ما هو قرينة متنية.

المحدثين أن يتكلم في هذا الجانب القرائن اإلسنادية ال يطلع عليها إال األئمة النقاد وليس لغير بل المحدثين هم فقط الذين يتكلمون في القرائن، ويعرفون معانيها، وكيف يستدل بها على خطأ الرواية التي وقعت من الراوي أما غير المحدثين فليس لهم أن يقحموا أنفسهم في هذا الجانب؛

ألنه من أخص خصوصيات علم علل األحاديث.

إما الرواية بالعلة الراوي لم يحفظ الحديث على وجهه فرواه بالمعنى الذي أسباب العلة، هوفهمه فجائت روايته على غير ما دل عليه أصل الرواية، أو التصحيف والتحريف بسبب

االعتماد على كتاب غير مصحح وغير مقابل.

أن العلة، إما أنواع العلل القلب واإلدراج، وهذان أكثر األخطاء وقوع ا في الرواية والواقعتقع بالزيادة، وإما بالنقصان، وإما بالتغيير، واإلبدال، فإذا وقعت بالزيادة أو النقصان فذلك لو أن

بعضه في باب الزيادة، زيادات الثقات ال يأتي بعضه في باب اإلدراج الحديث المدرج، وهو النوع الذي بعد ذلك.

ير وباإلبدال، القلب يقع في اإلسناد ويقع في كذلك أيضا القلب؛ ألن العلة أيضا تقع بالتغيالمتن، يعني مثال حديث يروى عن نافع عن ابن عمر فيأتي بعض الرواة فيرويه عن سالم عن

ابن عمر ماذا فعل هذا؟ أبدل راويا بآخر هذا يسمى عند العلماء بالقلب.

ر الحكم أو يقدم ما حقه وهناك القلب في المتون، أن يبدل كلمة بكلمة، أو جملة بجملة، فيتغيأن يؤخر أو يؤخر ما حقه أن يؤخر كما ذكروا أمثلة على ذلك كثيرة، من أشهرها حديث ابن

( في السبعة حتى ال تعلم شماله ما تنفق يمينه ) -رضي هللا عنهما-عمر حديث أبي هريرة تى ال تعلم شماله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها ح الذين يظلهم هللا في ظله يوم ال ظل إال ظله، )

( فهذا قلب، وهكذا الشأن حتى ال تعلم يمينه ما تنفق شماله ( فقال بعض الرواة: )ما تتنفي يمينه بطبيعة الحال القلب سيأتي له باب على حدة، والمدرج سيأتي له باب على حدة السبيل إلى

خاص، تكلمنا عن االعتبار إدراك العلة، االعتبار والتتبع وتكلمنا عن االعتبار والتتبع في لقاء والشواهد المتابعات وتكلمنا عما يتعلق بهذا الباب من أبواب علوم الحديث بهذا العرض والسياق يتبين لنا أمر في غاية األهمية أن هذه األنواع كلها في الواقع إنما هي مجتمعة وليست متناثرة،

هذه األبواب سواء منها ما يتعلق بمعنى أنك ال تستطيع أن تتكلم في العلة إال إذا أدركت كلبموجبات العلة أو ما يتعلق بأسباب العلة أو ما يتعلق بأنواع العلة، كل ذلك يخدم بعضها بعضا

عليهم -ولهذا إذا فهمت هذه األبواب على هذا النحو تستطيع أن تتفهم لماذا أحيانا علماء الحديث أكثر من وصف فتجد مثال الحديث الواحد هذا يصفون الحديث الواحد ب -رحمة هللا تبارك وتعالى

يقول هذا حديث شاذ وعالم آخر يقول هذا حديث مقلوب فيتبادر إلى بعض الناس أن بين كالم -العلماء اختالف، هذا قال إنه شاذ وهذا قال إنه مقلبو فما هذا التعارض الذي وقع فيه العلماء

-نما التعارض من سوء فهمك لصنيع العلماء والواقع أنه ليس تعارضا وإ -رحمهم هللا تعالىألن وصف العالم للحديث بأنه شاذ هو معناه أن هذا الحديث في نقد ذلك -عليهم رحمة هللا تعالى

العالم صار وقع فيه نوع من الخطأ، وهذا النوع من الخطأ كما قلنا الشذوذ عند بعض أهل العلم

Page 295: علوم الحديث   المستوى الثاني

: الخطأ المستدل عليه بالتفرد أو باالختالف بين هو الخطأ المستدل عليه بالتفرد أو عند بعضهمالرواة، فقول العالم في هذا الحديث إنه حديث شاذ، معناه أنه وقع فيه خطأ وأنني استدللت على الخطأ الواقع في تلك الرواية إما بالتفرد وإما باالختالف، لكن هل بين لنا نوع ذلك الخطأ؟ لم

خر الذي قال هذا حديث مقلوب، أفادنا فائدة أخرى، فهو يذكر لنا نوع ذلك الخطأ، العالم اآلموافق األول في أن الحدي وقع فيه خطأ ولكنه زاد فائدة على األول وهو أن الخطأ الذي وقع

في تلك الرواية هو من قبيل القلب في الروايات.

شاذ، إذن ذكر في كالمه النوع الخطأ الذي وقع فيه الراوي، إذن وصف األول للحديث بأنهحكم بأنه خطأ، وأنه وجد في هذه الرواية ما يوجب الحكم بخطئها، أما العالم اآلخر فزاد نوع الخطأ الذي وقع فيه ذلك الراوي فقال: هو مقلوب. أي: أن الخطأ الذي أشار إليه العالم األول

اك والذي حكم بوقوعه في تلك الرواية هو من نوع القلب في الروايات، كذلك أيضا هل هنتعارض مثال بين وصف الحديث بكونه شاذا ووصفه بكونه مدرجا؟ ال ليس هناك من تعارض،

فالعالم الذي وصف الحدي بأنه شاذ هو حكم بقوله ذلك أن خطأ وقع في الرواية من غير أن يتعرض إلى نوع الخطأ الذي وقع في هذه الرواية فقط أشار إلى أن خطأ وقع أما العالم اآلخر

ف الحديث بأنه مدرج ماذا أفاد حكمه أفاد حكما زائدا على حكم العالم األول وهو أن الذي وصالخطأ الذي وقع فيه ذلك الراوي هو من قبيل اإلغراب في الروايات، أي أنه نص على نوع

الخطأ الذي وقع في هذه الرواية، إذن هل هناك من تعارض؟ ليس هناك من تعارض.

هذا تناقض أو أن هذا تعارض من باب االختالف بين أهل بعض بسطاء العلم يتصور أن يشرح بعضه بعض ا -رحمهم هللا تعالى-العلم وليس هذا من باب االختالف بل كالم أهل العلم

ويبين بعضها بعض ا ويوضح بعضه بعض ا ويكمل بعضها بعض ا.

أن أكون قد وفقت -تبارك وتعالى-هذا ما أردت أن أوجزه في هذه الحلقة األخيرة وأسأل هللا في هذه الحلقات إلى توضيح طرف أو شيء ولو قليل من هذا العلم الشريف.

وأسأل هللا تعالى أن يكون ذلك وقع موقع القبول وموقع الفائدة عند إخواني المستمعين أسأل هللا تعالى التوفيق والسداد في القول والعمل إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى هللا على سيدنا

محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

وردتنا إجابات عدة على أسئلة الحلقة الماضية، وكان السؤال األول ما هي صفة الثقة الذي تقبل زيادته؟

كانت اإلجابة: ليس كل من وصف بالثقة تقبل زيادته وال ما تفرد به وإنما يقبل من األئمة هم حضرا وسفرا وكانوا ألصق بهم من الحفاظ المتقنين الذين مارسوا أحاديث مشايخهم والزمو

غيرهم.

هذا بطبيعة الحال هو األصل في الباب، ولكن قد تدل القرائن في بعض األحاديث على قبول الزيادة ممن دون الحافظ أو في بعض األحاديث األخرى على عدم قبول الزيادة من بعض

ون متى يعملونها ومتى ال الحفاظ، والقرائن إنما تعامل بقدرها والعلماء المتخصصون يعرف يعملونها.

السؤال الثاني: اذكر العالقة بين زيادة الثقة وبين علم الجرج والتعديل؟

Page 296: علوم الحديث   المستوى الثاني

وكانت اإلجابة : علم الجرح والتعديل يوضح لنا منزلة الراوي في الحفظ ودرجة عدالته من الثقة فقط وكيف هو من شيوخه ومعرفة هذه األمور مما تحدد لنا من هو الثقة الحافظ المتقن

والذي هو الركيزة األولى في تحديد من تقبل زيادته ومن ترد ومن ينظر فيها وهللا أعلم.

عليهم رحمة -الزيادة هي صورة من صور االختالف بين الروايات والعلماء علماء الحديث اإلمام يستدلون بخالف الراوي كثيرا للحفاظ على كونه سيء الحفظ، كما قال -هللا تبارك وتعالى

واعلم أن أكثر الذين تكلم فيهم الحفاظ إنما »في كتابه "الموقظة " -رحمه هللا تعالى-الذهبي وال شك أن كثرة الراوي من الزيادات في األحاديث هو مما « تكلموا فيهم لمخالفتهم لألسباب

زيد في الرواية يعد خالفا منه، فإكثاره يعد إكثارا من االختالف فإذا كان الراوي من شأنه أن يكثيرا على ما يذكره الحفاظ يكون ذلك دليال على سوء حفظه وقلة ضبطه فيكون ذلك موجبا

لتضعيفه فصارت زيادات الكثيرة موجبة لتضعيفه وكان ذلك نتيجة ثمرة حاله، في علم الجرح الزيادة من والتعديل أنه يكون ضعيفا وإنما ضعفناه بالنظر في روايته التي زاد فيها، فصارت

األدلة التي يستدل بها على حال الراوي، فانتقلنا من حال الرواية إلى حال الراوي، انتقلنا من علم العلل إلى علم الجرح والتعديل ومن هنا نعلم أن علم علل األحاديث هو األساس الذي يقوم

عليه علم الجرح والتعديل.

ول هل هي من باب واحد أم أنها مختلفة؟ أول األسئلة: ما الفرق بين الحديث المعلل المعل

النقطة الثانية: أفضل المؤلفات عن العلة في عصرنا الحاضر على حسب علمه؟

النقطة الثالثة تكلم في الدرس الماضي عن الزيادة، وحقيقة أشبعها الشيخ بحثا هل هناك أيضا مؤلف أيضا مستقل في هذا الباب أم ال؟

الفرق المعلل والمعلول؟سؤاله األول كان يسأل عن

بطبيعة الحال هذا العلماء تكلموا فيه من الجانب اللغوي فمن حيث اللغة تكلم العلماء فيه بكالم طويل تجده أو اعتاد علماء المصطلح أن يذكروا ذلك في أول مبحث الحديث المعلول في كتب

المحدثين أنهم استعملوا علوم الحديث، ولكننا بطبيعة الحال نتجاوز هذه النقطة؛ ألن اصطالحهذا وهذا وهذا، ووجد في كالم المحدثين المعلول بكثرة، ومن أشهر ما ذكروه في ذلك قصة

بشأن حديث كفارة المجلس، لما سأله مسلم -رحمهما هللا تعالى-اإلمام مسلم مع اإلمام البخاري ولكنه معلول، فأخذ مسلم عن الحديث فقال له مسلم: هل في الدنيا أصح من هذا؟ فقال له: نعم،

ويقول له يا طبيب علل الحديث أخبرني عن -رحمه هللا تعالى-يقبل ما بين عينيه ويقبل رأسه فأبى إال أن يخبره بعلة « استر ما ستره هللا، استر ما ستره هللا »علة الحديث فقال البخاري:

الحديث.

اء الحديث قديما وحديثا يستعملون المهم أن الحديث استعمل في كالمه المعلول، وما زال علمالمعلول في كالمهم وإن كان هذا من حيث البحث اللغوي لهم فيه تفصيل ونحن نتكلم في صناعة

حديثية فنتجاوز الجانب اللغوي المهم أن نعبر عن المصطلح الذي وجد في استعمال علماء الحديث وهللا أعلم.

العلة في العصر الحاضر؟ كان سؤاله الثاني يسأل عن أفضل المؤلفات في

طبعا كل كتب التخاريج هي تعتبر من كتب العلل، فال ينبغي عليك أن تنظر في الكتاب بقدر ما تنظر في صاحبه فإن كان صاحبه من المبرزين في معرفة علل األحاديث ومعرفة غوامضها

Page 297: علوم الحديث   المستوى الثاني

ديث فبطبيعة الحال ودقائقها فعليك أن تقتني كل كتبه حتى وإن لم يكتب على الكتاب علل األحاكل هذه الكتب مليئة بعلل -رحمه هللا تبارك وتعالى-كتب الحافظ ابن حجر وكتب الشيخ األلباني

األحاديث وفيها علم جم.

أمر آخر أنا أل أنصح طالب العلم عموما أن يبحث في جانب العلة خصوصا من الكتب لم إنما هو علم للعلماء المتقدمين هم المعاصرة بقدر ما يبحث عن الكتب المتقدمة؛ ألن هذا الع

الذين يتفردون به وهم الذين لهم الكالم فيه فبقدر فهمك لهؤالء العلماء ولكالمهم وبمسالكهم في مسألة العلة بقدر ما تتقن هذا الباب، كما أشار إلى ذلك ابن رجب الحنبلي في شرح علل

أن يدمن النظر في كتب األئمة المتقدمين الترمذي قال: فمن أراد أن يتوسع في هذا العلم فعليه كأحمد بن حنبل وابن معين والبخاري ومسلم والدارقطني وابن عدي وأمثال هؤالء العلماء،

فأمثال هؤالء العلماء هم الذين تؤخذ عنهم علل األحاديث وكلما أمعنت النظر وتدبرت في كالم تعينك لتفهم إعالل هؤالء العلماء ثم إن هؤالء األسالف كلما قويت عندك الملكة التي على األقل

من هللا عليك بأن تحاكيهم وأن تسير على دربهم فذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء.

يسأل عن الزيادة عن كتب مؤلفة في هذا الفن؟

نفس السؤال سؤلنا عنه في اللقاء الماضي فأنا قلت من حيث التأصيل كتاب شرح علل سع الحافظ ابن رجب الحنبلي في تأصيل مسألة الزيادة وكذلك الترمذي البن رجب الحنبلي تو

الحافظ ابن حجر العسقالني في نكته على كتاب ابن الصالح أما من حيث التطبيق العملي فكل كتب العلل هي تصلح أن تكون مشتملة على أمثلة للزيادات.

ر مع أنه لم يجد له يقول: عندما قال أبو زرعة البي حاتم عن حديث بقية بن الوليد أنه منكرواية أخرى تعارضه يستدل بها على خطئه فمن أين علم أبو زرعة نكارة هذا الحديث مع أنه

ال يختلف مع غيره؟

أنت إذا نظرت إلى اإلسناد فهو يرويه بقية بن الوليد عن عبيد هللا بن عمر ، عبيد هللا بن ظ كبار فأنى لمثل بقية بن الوليد أن عمر من الحفاظ الثقات كالزهري وكهشام بن عروة فهم حفا

يتفرد عن عبيد هللا بن عمر ال يعرف عند أصحاب عبيد هللا بن عمر هذا من ناحية، فهذا تفرد ال يحتمل، ونحن قلنا التفرد عن الحفاظ فليس كل أحد يقبل منه تفرده عن كبار الحفاظ، هذا من

ناحية.

لحفاظ، وال هو من كبار الثقات، بل بعضهم من ناحية أخرى بقية بن الوليد ليس من كبار اتكلم في حفظه، والراجح أنه إنما كالم من تكلم فيه راجع إلى أنه كان يدلس عن المجروحين وهو لم يصرح بالسماع من عبيد هللا بن عمر، فالظاهر أنه أخذه عن ضعيف عن عبيد هللا ثم

ح بالسماع فهو ليس أهال أل ن يتفرد مثله عن مثل عبد هللا بن أسقطه مدلسا الخبر بل لو صر فهذه قرائن إسنادية. -رضي هللا تعالى عنهما-عمر