Top Banner
ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ: ﺍﻟﻨﺎﻓﻊ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﺤﺸﺮ ﻓﻲ ﺷﺮﺡ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﺍﻟﺤﺎﺩﻯ ﻋﺸﺮ ﺍﻟﻤﺆﻟﻒ: ﺍﻟﻌﻼﻣﺔ ﺍﻟﺤﻠﻲ ﺍﻟﺠﺰﺀ:٧٢٦ : ﺍﻟﻮﻓﺎﺓ ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ: ﻣﻦ ﻣﺼﺎﺩﺭ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺸﻴﻌﺔ ﺍﻹﻣﺎﻣﻴﺔ(ﻫـ٨٢٦ ﻭﻓﺎﺓ) ﺗﺤﻘﻴﻖ: ﺷﺮﺡ : ﺍﻟﻤﻘﺪﺍﺩ ﺍﻟﺴﻴﻮﺭﻱ ﺍﻟﻄﺒﻌﺔ: ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ١٩٩٦ - ١٤١٧ : ﺳﻨﺔ ﺍﻟﻄﺒﻊ ﺍﻟﻤﻄﺒﻌﺔ: ﻟﺒﻨﺎﻥ- ﺑﻴﺮﻭﺕ- ﺍﻟﻨﺎﺷﺮ: ﺩﺍﺭ ﺍﻷﺿﻮﺍﺀ ﻟﻠﻄﺒﺎﻋﺔ ﻭﺍﻟﻨﺸﺮ ﻭﺍﻟﺘﻮﺯﻳﻊ ﺭﺩﻣﻚ: ﻣﻼﺣﻈﺎﺕ:
128

النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر العلامة الحلي

Jul 28, 2015

Download

Documents

Ahmed Saleh
Welcome message from author
This document is posted to help you gain knowledge. Please leave a comment to let me know what you think about it! Share it to your friends and learn new things together.
Transcript
Page 1: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

الكتاب: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشرالمؤلف: العالمة الحلي

الجزء:الوفاة: ٧٢٦

المجموعة: من مصادر العقائد عند الشيعة اإلماميةتحقيق: شرح : المقداد السيوري (وفاة ٨٢٦هـ)

الطبعة: الثانيةسنة الطبع: ١٤١٧ - ١٩٩٦ م

المطبعة:الناشر: دار األضواء للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان

ردمك:مالحظات:

Page 2: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

النافع يوم الحشرفي

شرح الباب الحادي عشر

(١)

Page 3: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

حقوق الطبع محفوظة للناشرالطبعة الثانية

١٤١٧ ه - ١٩٩٦ مدار األضواء للطباعة والنشر والتوزيع

ص ب ٤٠ / ٢٥ غبيري -، و ٦٦٤١ / ١١٣ الحمرا.تلكس ٢٣٧١٧ بيدر أو ٢٣٤٠٧ هادي - بيروت - لبنان

(٢)

Page 4: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

النافع يوم الحشرفي

شرح الباب الحادي عشرللعالمة أبي منصور جمال الدين الحسن بن يوسف الحلي

" ٦٤٨ - ٧٢٦ ه "شرح

الفقيه الفاضل المقداد السيوري" المتوفى سنة ٨٢٦ ه "

دار األضواء

(٣)

Page 5: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

بسم الله الرحمن الرحيم

(٤)

Page 6: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

كلمة الناشربسم الله الرحمن الرحيم

... إنها المؤسسة الثقافية المتفاعلة بصدق وأمانة مع بيئتها والمساهمة فيتوعية القارئ العربي المؤمن، واألخذ بيده نحو األفضل واألمثل

ال بد لها أن تبحث عن كل أثر قيم في موضوع ديني، أو تاريخي،أو اجتماعي، أو تربوي، وتضعه في متناول القراء.

وهكذا هي (دار األضواء).ويسرها اليوم أن تقدم (الباب الحادي عشر) بحلة جديدة، مع

التصحيح، والتعليق، واستخراج المصادر.وهذا الكتاب الذي تضافرت في تأليفه وشرحه، جهود أعاظم

العلماء، ونال اهتمام أهل المعرفة والعلم قد طبع عدة طبعات، لمترض طموحات وآمال (الدائرة الثقافية والدينية في دار األضواء)،

(٥)

Page 7: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

فعمدت إلى بذل جهود جبارة إلخراج هذا الكتاب بحلته الجديدة، فلهامزيد الشكر.

والله ولي التوفيق.بيروت سنة ١٩٨٩ م ١٤٠٦ ه. دار األضواء

(٦)

Page 8: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

الباب الحادي عشرللعالمة الحلي قدس سره

بشرح الشيخ المقداد بن عبد الله بن محمد بن الحسينابن محمد السيوري الحلي األسدي

وكان عالما فاضال متكلما له كتب منها شرح نهج المسترشدين فيأصول الدين (طبع) وكنز العرفان في فقه القرآن (طبع) والتنقيح الرائع في

شرح مختصر الشرائع، وشرح باب حادي عشر وهو الذي بين يديك، وشرحمبادئ األصول وهو يروي عن الشهيد محمد بن مكي وشرح ألفية الشهيد

ونضد القواعد وشرح فصول الخواجة نصير الدين واللوامع.وترجم له صاحب روضات الجنات (ص ٦٦٦) ونقل عن صاحب

رياض العلماء أن له ولدا يسمى بعبد الله وهو الذي ألف له المقداد األربعينحديثا، توفي سنة ٨٢٦ ودفن بالمشهد المقدس الغروي *، ومسيور قرية منقرى الحلة (لؤلؤة البحرين رقم ٦٩ ص ١٧٢) (الذريعة ١ / ١١٥) (الكنى

واأللقاب ج ٣ ص ١٠).

(٧)

Page 9: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

ترجمة المؤلفالعالمة أبو منصور الحلي

الحسن بن يوسف بن علي بن مطهر أبو منصور العالمة الحلي مولداومسكنا ولد عام ٦٤٨ ه وتوفي عام ٧٢٦ ه. تتلمذ على المحقق الحلي صاحب

الشرائع وعلى نصير الملة والدين الطوسي وعلى والده وعلى علي بنعمر الكاتبي القزويني وعلى غيرهم من األساطين ومناظراته ألهل الخالف في

مجلس السلطان محمد خدا بنده وتسببه في تشيع البالد والعباد (٢) وقال السيدمصطفى في كتابه ونعم ما قال ويخطر ببالي أن ال أصفه أو ال يسع كتابي هذا

علومه وتصانيفه وفضائله ومحامده، له أكثر من سبعين كتابا، منها مختلفالشيعة، وتبصرة المتعلمين، ومصابيح األنوار، وكشف المراد، األلفين فيشرح تجريد االعتقاد، وكتاب تذكرة الفقهاء، ومدارك األحكام وقواعد

األحكام ونهج الحق وكشف الصدق بطلب من السلطان خدابنده ورد عليهالفضل بن روزبهان في إبطال الباطل فانبرى له القاضي التستري في إحقاقالحق ثم من المتأخرين العالمة المظفر في دالئل الصدق، وجملة كتب فيتفسير القرآن وشرح نهج البالغة والعقائد والفقه واألصول والفلسفة الخ...

ومن كتبه منهاج الصالح في اختصار المصباح وهو عشرة أبواب والبابالحادي عشر جزء منه ملحق به ألنه خارج عن المصباح، والمصباح هو

--------------------(١) قصص ذلك في روضات الجنات ومجالس المؤمنين ورحلة ابن بطوطة

(٩)

Page 10: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

مصباح المتهجد للشيخ الطوسي، وأخبار العالمة في لؤلؤة البحرين وفي رجالابن داود وروضات الجنات وأعيان الشيعة ورجال الميرزا وأمل اآلمل قال

البحراني فإنه بحر العلوم الذي ال يوجد له مساجل وكعبة الفضائل التي تطويإليها المراحل، دفن بالغري في جوار سيده أمير المؤمنين (عليه السالم) (٣).

--------------------(١) لؤلؤة البحرين للبحراني صاحب الحدائق رقم ٨٢ (دار األضواء).

(١٠)

Page 11: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

بسم الله الرحمن الرحيممقدمة المؤلف

الحمد لله الذي دل على وجوب وجوده افتقار الممكنات (١)، وعلىقدرته وعلمه إحكام المصنوعات (٢)، المتعالي عن مشابهة الجسمانيات (٣)،

المنزه بجالل قدسه عن مناسبة الناقصات، نحمده حمدا يمأل أقطار األرضوالسماوات، ونشكره شكرا على نعمة المتظاهرات المتواترات، ونستعينه على

دفع البأساء، وكشف الضراء (٤) في جميع الحاالت.--------------------

(١) الممكن وهو الذي ال يتحقق وجوده وال عدمه لذاته، أي من غير سبب خارج عنه،واستمرارية الوجود في الممكن تفتقر إلى استمرارية علة الوجود وهكذا حتى نحكم بوجوب

وجود واجب الوجود، وذلك بدليل بطالن التسلسل وإن ال بد له من نهاية. راجع تجديداإلعتقاد للطوسي ص ٦٧ - ٦٩ وأسفار صدر الدين الشيرازي.

وفي نهج البالغة... الدال بقدمه على حدوث خلقه وبحدوث خلقه على وجوده مستشهد بحدوثاألشياء على أزليته،... فصار كل ما خلق حجة له ودليال عليه... بانت األشياء منه

بالخضوع له والرجوع إليه...(٢) عجبت لمن شك في الله وهو يرى خلقه... الذي أظهر من آثار سلطانه وجالل كبريائه ما حير

مقل العقول من عجائب قدرته - نهج خ ١٩٥ وفي كتاب الله (أفي الله شك فاطر السماواتواألرض) إبراهيم: ١٠ يستدل بحاجة النظام المتسق البديع إلى منظم، (محاضرات في

العقيدة اإلسالمية للبهادلي ص ٢٣٣).(٣) وكمال االخالص له نفي الصفات عنه... ال تقع له األوهام على صفة... حد األشياء عند

خلقه لها إبانة له من تشبهها - النهج.(٤) البأساء والضراء: الشدة.. مؤنثتان من غير تذكير.

(١١)

Page 12: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

والصالة على نبيه محمد (صلى الله عليه وآله) صاحب اآليات والبينات،المكمل بطريقته وشريعته سائر الكماالت، وعلى آله الهادين من الشبه

والضالالت، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم من الزالت (١)، صالةتتعاقب عليهم، كتعاقب اآلنات (٢).

أما بعد، فإن الله تعالى لم يخلق العالم عبثا فيكون من الالعبين (٣) بللغاية وحكمة متحققة للناظرين، وقد نص على تلك الغاية بالتعيين فقال:

(وما خلقت الجن واإلنس إال ليعبدون) (٤)فوجب على كل من هو في زمرة العاقلين، إجابة رب العالمين، ولما

كان ذلك متعذرا بدون معرفته باليقين، وجب على كل عارف مكلف تنبيهالغافلين، وإرشاد الضالين، بتقرير مقدمات ذوات أفهام وتبيين.

فمن تلك المقدمات المقدمة الموسومة بالباب الحادي عشرمن تصانيف شيخنا، وإمامنا، العالم، األعلم، األفضل، األكمل، سلطان

أرباب التحقيق، أستاذ أولي التنقيح والتدقيق، مقرر المباحث العقلية،مهذب الدالئل الشرعية آية الله في العالمين، وارث علوم األنبياء والمرسلين،

جمال الملة والدين: أبي منصور الحسن بن يوسف بن علي بن المطهرالحلي، قدس الله روحه، ونور ضريحه.

--------------------(١) إشارة لقوله تعالى: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا = ٣٣ -

األحزاب.(٢) اآلنات: الوقت الذي أنت فيه، والمعنى تعاقب اللحظات يقال (آن فآن).

(٣) وقوله تعالى: (أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا) وقوله تعالى (وما خلقنا السماوات واألرض ومابينما العبين) العالم [لكل] ما يعلم به في األصل كما لخاتم لما يختم به غلب استعماله

في ما سوى الصانع تعالى شأنه.(٤) الذاريات ٥٦.

(١٢)

Page 13: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

فإنها مع وجازة لفظها، كثيرة العلم، ومع اختصار تقريرها كبيرةالغنم، وكان قد سلف مني في سالف الزمان، أن أكتب شيئا يعين على حلها

بتقرير الدالئل والبرهان، إجابة اللتماس بعض األخوان، ثم عاقتني عنإتمامه عوائق الحدثان ومصادمات الدهر الخوان إذا (*) كان صادا (١) للمرء عن

بلوغ إرادته، وحائال بينه وبين طلبتهثم اتفق االجتماع والمذاكرة في بعض األسفار، مع تراكم (٢) األشغالوتشويش األفكار، فالتمس مني بعض السادات األجالء، أن أعيد النظر

والتذكر لما كنت قد كتبت أوال، والمراجعة إلى ما كنت قد جمعت، فأجبتملتمسه، إذ قد أوجب الله تعالى علي إجابته.

هذا مع قلة البضاعة، وكثرة الشواغل المنافية لالستطاعة، وها أناأشرع في ذلك مستمدا من الله تعالى المعونة عليه، ومتقربا به إليه وسميته(النافع يوم الحشر في شرح باب الحادي عشر) وما توفيقي إال بالله، عليه

توكلت وإليه أنيب (٣).--------------------

* في األصل " إذ ".(١) صد يصد عنه صدودا، اعترض، وصده عن األمر منعه وصرفه والخوان من المبالغة في

الخيانة.(٢) ركم الشئ يركمه إن جمعه إن وألقى بعضه على بعض وارتكم الشئ وتراكم

(٣) فائدة: إن قلت الثناء على الصفات الذاتية حمد وإسنادها إلى الذات ال يليق باالختيار وإال لزمخلوها عنها وحدوثها وزيادتها عليها والكل باطل كما تقف عليه إن شاء الله تعالى في مواضع

من هذا الكتاب.قلت: الصفات مبدأ األفعال االختيارية والحمد عليها باعتبار تلك األفعال فالمحمود عليه فعل

اختياري بحسب التحقيق والمآل، أو نقول الحمد هنا مجاز عن المدح كما في قوله تعالى(عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) (س. ط).

(١٣)

Page 14: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

المقدمةفي بيان وجوب معرفة أصول الدين، وفيها أمور:

األمر األولفي بيان وجه تسمية هذا الكتاب ومعاني الوجوب واألصول والدين (*).قال: قدس الله روحه (١)، (الباب الحادي عشر، فيما يجب على عامة

المكلفين من معرفة أصول الدين) (٢).أقول: إنما سمي هذا الباب: الحادي عشر ألن المصنف اختصر

(مصباح المتهجد) الذي وضعه الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه الله فيالعبادات واألدعية، ورتب ذلك المختصر على عشرة أبواب، وسماه كتاب

--------------------* ليس في األصل.

(١) أي العالمة الحلي وهو بداية كالمه (قد) ٧(٢) إنما سميت شريعة الرسول (ص) دينا الشتماله على ترتب الجزاء على األعمال، كالحدود في

الدنيا والثواب والعقاب في المآل، إعلم أن العلم القطعي بأصول الدين واجب وجوبا عينياعلى كل مكلف، إما إجماال كما في عوام المكلفين، أو تفصيال كما في خواص المكلفين

(س، ط).وأصول الدين خمسة التوحيد والعدل والنبوة واإلمامة والمعاد.

وإلى ذلك ذهب السيد محمد باقر الصدر (قد) في محاضراته في التفسير الموضوعي (م ح).

(١٥)

Page 15: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

(منهاج الصالح في مختصر المصباح).ولما كان ذلك الكتاب في فن العمل، والعبادات، والدعاء، استدعى

ذلك إلى معرفة المعبود والمدعو، فأضاف إليه هذا الباب.قوله: (فيما يجب على عامة المكلفين):

الوجوب: في اللغة: الثبوت والسقوط، ومنه قوله تعالى: (فإذاوجبت جنوبها) (١)، واصطالحا الواجب: هو ما يذم تاركه على بعض

الوجوه (٢)، وهو على قسمين:واجب عينا: وهو ما ال يسقط عن البعض بقيام البعض اآلخر به،

وواجب كفاية: وهو بخالفه. (٣)والمعرفة من القسم األول (٤): فلذلك قال يجب على عامة المكلفين.

والمكلف: هو اإلنسان الحي، البالغ العاقل، فالميت، والصبي،والمجنون ليس بمكلفين.

واألصول: جمع األصل: وهو ما يبتنى عليه غيره.والدين: لغة: الجزاء، ومنه قول النبي (صلى الله عليه وآله): (كما

--------------------(١) الحج ٣٦.

(٢) قيل قيد، بقوله بعض الوجوه، يتناول الواجب الموسع والمميز، ألن الموسع ال يذم تاركه إالعلى بعض الوجوه وهو ما إذا تركه في جميع الوقت، وكذلك المميز ال يذم تاركه إال إذا أخلفيه بجميع الخصال، والطاهر أنه ال يحتاج إلى القيد ألن الواجب في الموسع والمميز أو األمرالكلي الصادق على أنواع الموسع في أول الوقت وأوسطه وآخره على كل خصلة من الخصال

المتعددة في المميز واألمر الكلي ال يتحقق إال بترك جميع جزئياته.(٣) أي الذي يسقط وجوبه إذا قام به بعض المكلفين على الوجه المطلوب.

(٤) أي الواجب العيني.

(١٦)

Page 16: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

تدين تدان (١).واصطالحا: وهو الطريقة، والشريعة وهو المراد هنا، وسمي هذا الفن

أصول الدين ألن سائر العلوم الدينية من الحديث، والفقه، والتفسير مبتنيةعليه فإنها متوقفة على صدق الرسول، وصدق الرسول متوقف على ثبوت

المرسل وصفاته وعدله وامتناع القبح عليه.وعلم األصول، وهو ما يبحث فيه عن وحدانية الله تعالى، وصفاته

وعدله ونبوة األنبياء، واإلقرار بما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله) وإمامةاألئمة (عليهم السالم)، والمعاد.

قال: (أجمع العلماء (٢) كافة على وجوب معرفة الله تعالى، وصفاتهالثبوتية (٣) والسلبية (٤) وما يصح عليه وما يمتنع عنه والنبوة واإلمامة والمعاد).

أقول: اتفق أهل الحل والعقد من أمة محمد (صلى الله عليه وآله) علىوجوب هذه المعارف وإجماعهم حجة اتفاقا، أما عندنا فلدخول المعصوم(عليه السالم) فيهم (٥)، وأما عند الغير فلقوله: (صلى الله عليه وآله): (ال

--------------------(١) مجمع البحرين (٥٠٧) ط. حجري باب النون).

(٢) قوله أجمع العلماء كافة الخ... إثباته بالجمع المعتبر للعموم بقوله كافة، كالتصريح في أنهال خالف ألحد [فيه] مع أن األشاعرة بأسرهم يخالفون في بعض ما ادعى عليه االجماع

فإنهم ال يقولون بامتناع شئ عليه تعالى وإن كان قبيحا، إذ ال حسن وال قبح عقليين عندهمفيجوزون أن يدخل األنبياء النار وخصص نعيم الجنان بالكفار وال يعتقدون اإلمامة الحق.

(٣) الثبوتية: القدرة واالختيار والعلم والحياة واإلرادة والكراهة واإلدراك وأنه متكلم قديم أزلي باقأبدي صادق ونحو ذلك.

(٤) السلبية: والسلب بمعنى النفي - أنه ليس بمركب وأنه ليس بجسم وال عرض وال جوهر وأنه اليقال به أين وال متى وال في أي جهة وأنه ال يصح عليه اللذة وال األلم وأنه ال يتحد بغيره وأنه

ليس محال للحوادث وأنه ال تراه األبصار وال تدركه وأنه تعالى ال شريك له وال وال الخ...(٥) االجماع إذا لم يكشف على نحو القطع عن قول المعصوم ال قيمة علمية له عند اإلمامية،والحجة ليست في الحقيقة لإلجماع بل لقول المعصوم المنكشف به، فهي في المنكشف ال

في االجماع الكاشف، فيد خل في السنة وال يكون دليال مستقال في مقابلها (أصول المظفر ٣/ ١٠٥ بتصرف).

(١٧)

Page 17: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

تجتمع أمتي على خطأ).والدليل على وجوب المعرفة سندا لإلجماع على وجهين:

عقلي، وسمعيأما الدليل العقلي (*)، فلوجهين:

األول: أنها دافعة للخوف الحاصل لإلنسان من االختالف، ودفع الخوفواجب، ألنه ألم، نفساني يمكن دفعه (*)، فيحكم العقل بوجوب دفعه، فيجب دفعه.

الثاني: أن شكر المنعم واجب، وال يتم إال بالمعرفة.إما أنه واجب، فإلستحقاق الذم عند العقالء بتركه.

وأما أنه ال يتم إال بالمعرفة فألن الشكر إنما يكون بما يناسب حالالمشكور، فهو مسبوق بمعرفته وإال لم يكن شكرا، والباري تعالى منعم،

فيجب شكره، فيجب معرفته.ولما كان التكليف واجبا في الحكمة كما سيأتي، وجب معرفة مبلغه

وهو النبي (صلى الله عليه وآله) وحافظه وهو اإلمام (عليه السالم)، ومعرفة المعادالستلزام التكليف وجوب الجزاء.

وأما الدليل السمعي فلوجهين:--------------------

* في األصل: أما األول.* رفعه.

(١٨)

Page 18: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

األول: قوله تعالى: (فاعلم أنه ال إله إال لله) (١)، واألمرللوجوب.

والثاني: لما نزل قوله تعالى: (إن في خلق السماوات واألرض واختالفالليل والنهار آليات ألولي األلباب) (٢)، قال النبي (صلى الله عليه

وآله): (ويل لمن الكها بين لحييه ثم لم يتدبرها) (٣).رتب الذم على تقدير عدم تدبرها أي عدم االستدالل بما تضمنته اآلية

عن ذكر األجرام السماوية واألرضية بما فيها من آثار الصنع والقدرة والعلمبذلك الدالة على وجود صانعها، وقدرته وعلمه، فيكون النظر واالستدالل

واجبا وهو المطلوب (١).قال: (بالدليل ال بالتقليد).

أقول: الدليل لغة هو المرشد والدال، واصطالحا هو ما يلزم من العلم--------------------

(١) محمد ١٩.(٢) آل عمران ١٩٠.

(٣) روى مثله في تفسير البرهان (١ / ٣٣١).(١) عن أبي جعفر (عليه السالم) تكلموا في خلق الله وال تكلموا في الله، فإن الكالم في الله ال يزداد

صاحبه إال تحيرا.- وعنه (ص) اذكروا عن عظمة الله ما شئتم وال تذكروا ذاته، فإنكم ال تذكرون شيئا إال وهو أعظم

منه.- عنه (ص) إياكم والتفكر في الله ولكن إذا أردتم أن تنظروا إلى عظمة الله تعالى فانظروا إلى عظم

خلقه.- عن أبي عبد الله (عليه السالم) قال: يا بن آدم لو أكل قلبك طائر ما أشبعه [لم يشبعه] وبصرك لو وقع

عليه خرق إبرة لغطاه، تريد أن تعرف بهما ملكوت السماوات واألرض، إن كنت صادفا فهذهالشمس خلق من خلق الله فإن قدرت أن تمأل عينيك منها فهو كما تقول ومثل ذلك كثير -

توحيد كالصدوق باب ٦٧ ح ١ و ح ٣ و ح ٥ و ح ٢٠ ص ٤٥٤

(١٩)

Page 19: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

به العلم بشئ آخر.ولما وجبت المعرفة وجبت أن تكون بالنظر واالستدالل، ألنها ليست

ضرورية، ألن المعلوم ضرورة هو الذي ال يختلف فيه العقال، بل يحصلالعلم بأدنى سبب من توجه العقل إليه، واالحساس به، كالحكم بأن الواحدنصف االثنين، وأن النار حارة، والشمس مضيئة، وأن لنا خوفا وغضبا وقوة

وضعفا غير ذلك.والمعرفة ليس كذلك لوقوع االختالف فيها، ولعدم حصولها بمجرد

توجه العقل إليها، ولعدم كونها حسية، فتعين األول النحصار العلم فيالضروري والنظري فيكون النظر واالستدالل واجبا، ألن ما ال يتم الواجب

المطلق (١) إال به، وكان مقدورا عليه فهو واجب، ألنه إذا لم يجب ما يتوقفعليه الواجب المطلق، فإما أن يبقى الواجب على وجوبه أوال.فمن األول: يلزم تكليف ما ال يطاق، وهو محال كما سيأتي.

ومن الثاني: يلزم خروج الواجب المطلق عن كونه واجبا مطلقا وهومحال أيضا.

والنظر: هو ترتيب أمور معلومة للتأدي إلى أمر آخر.وبيان ذلك: هو أن النفس يتصور المطلوب أوال، ثم يحصل

المقدمات الصالحة لالستدالل عليه، ثم يرتبها ترتيبا يؤدي إلى العلم به.وال يجوز معرفة الله تعالى بالتقليد.

--------------------(١) الواجب المطلق هو الذي يجب في كل وقت عينه الشارع ألدائه وهو واجب على كل مكلف

إال لمانع وقيل ورد به النمر من غير تقييد (ح).

(٢٠)

Page 20: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

والتقليد: هو قبول قول الغير من غير دليل (١)، وإنما قلنا ذلكلوجهين:

األول: إنه إذا تساوى الناس في العلم، واختلفوا في المعتقدات فأماأن يعتقد المكلف جميع ما يعتقدونه فيلزم إجماع المتنافيات، أو البعض دون

بعض، فأما أن يكون لمرجح أوال، فأن كان األول فالمرجح هو الدليل،وإن كان الثاني فيلزم الترجيح بال مرجح وهو محال.

الثاني: إنه تعالى ذم التقليد بقوله: (قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمةوإنا على آثارهم مقتدون) (٢).

وحث على النظر واالستدالل بقوله تعالى: (ائتوني بكتاب من قبل هذاأو أثارة من علم إن كنتم صادقين) (٣).

قال: (فال بد من ذكر ما ال يمكن جهله على أحد من المسلمين،ومن جهل شيئا من ذلك خرج عن ربقة المؤمنين، واستحق العقاب

الدائم).--------------------

(١) قوله والتقليد أو قول الغير من غير دليل، كما تسأل عالما عن استحباب القنوت ووجوبهفيقول مستحب فتعتقد ذلك وفقا العتقاده خالفا لبعضهم فإنه قد اكتفى، وادعى الفقهاء

االجماع على عدم جواز التقليد في أصول الدين وأقاموا البراهين العقلية والنقلية على ذلك.فائدة: عن أبي جعفر (عليه السالم) ليس لله على الخلق أن يعرفوا وللخلق على الله أن يعرفهم ولله

على الخلق إذا عرفهم أن يقبلوا.وقوله (عليه السالم) وقد قيل له أصلحك الله [هل] جعل الله في الناس أداة ينالون بها المعروفة فقال ال فقيل

له فهل كلفوا المعرفة قال ال على الله البيان ال يكلف الله نفسا إال ما آتاها - أصول الكافي (١/ ١٦٣) وتوحيد الصدوق باب ٦٤ ح ٧ و ح ١١ ص ٤١٢ و ح ص ص ٤١٤.

(٢) الزخرف ٢٣ (قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون) وفي آية رقم٢٢ (بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون) فما في المتن خطأ.

(٣) األحقاف ٤.

(٢١)

Page 21: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

أقول: لما وجبت المعارف المذكورة بالدليل السابق اقتضى ذلكوجوبها على كل مسلم، أي مقر بالشهادتين، ليصير بالمعرفة مؤمنا لقولهتعالى: (قالت األعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) (١)، نفىعنهم اإليمان مع كونهم مقرين باإللهية والرسالة لعدم كون ذلك بالنظر

واالستدالل، وحيث أن الثواب مشروط باإليمان (٢) كان الجاهل بهذه المعارفمستحقا للعقاب الدائم، ألن كل من ال يستحق الثواب أصال مع اتصافه

بشرائط التكليف، فهو مستحق للعقاب باالجماع.والربقة: بكسر الراء وسكون الباء حبل مستطيل فيه عرى تربط فيها

البهم واستعاره المصنف هنا للحكم الجامع للمؤمنين، وهو واستحقاق الثوابالدائم والتعظيم.

قال: (وقد رتبت هذا الباب على فصول:--------------------

(١) الحجرات ١٤.(٢) قال الفاضل المحقق الشيخ حسن في بعض مفرداته، حقيقة اإليمان الذي يخرج المكلف

بتحصيله [من] عهدة التكليف به في نفس األمر [أي] بالتصديق الجازم بأصول الخمسة.

(٢٢)

Page 22: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

الفصل األولفي إثبات واجب الوجود لذاته تعالى.

فنقول: كل معقول إما أن يكون واجب الوجود في الخارج لذاته،وإما ممكن الوجود لذاته، وإما ممتنع الوجود لذاته).

أقول: المطلب األقصى، والعمدة العليا في هذا الفن هو إثباتالصانع تعالى، فلذلك ابتدأ به، وقدم لبيانه مقدمة في تقسيم المعقول،

لتوقف الدليل اآلتي على بيانها.وتقريرها: أن كل معقول وهو الصورة الحاصلة في العقل، إذا نسبنا

إليه الوجود الخارجي، فأما أن يصح اتصافه به لذاته أو ال، فإن لم يصحاتصافه به لذاته فهو ممتنع الوجود لذاته كشريك الباري، فإن صح اتصافه به

فأما أن يجب اتصافه به لذاته أو ال.واألول: هو الواجب الوجود لذاته، وهو الله تعالى، ال غير.والثاني: هو ممكن الوجود لذاته، وهو ما عدا الواجب من

الموجودات.وإنما قيدنا الواجب بكونه لذاته، احترازا من الواجب لغيره، كوجوب

وجود المعلول عند حصول علته التامة، فإنه يجب وجوده، لكن ال لذاته،

(٢٣)

Page 23: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

بل لوجود علته التامة (١).وإنما قيدنا الممتنع أيضا بكونه لذاته، احترازا من الممتنع لغيره،

كامتناع وجود المعلول عند عدم علته.وهذان القسمان داخالن في قسم الممكن.

وأما الممكن، فال يكون وجوده لغيره، فال فائدة في قيده لذاته، إاللبيان أنه ال يكون إال كذلك، ال لالحتراز عن غيره (٢).

ولنتم هذا البحث بذكر فائدتين، يتوقف عليهما المباحث اآلتية.(األولى): في خواص الواجب لذاته، وهي خمسة.

األولى: أنه ال يكون وجوده واجبا لذاته ولغيره معا، وإال لكان وجودهمرتفعا عند ارتفاع وجود ذلك الغير، فال يكون واجبا لذاته، هذا خلف.

الثانية: أنه ال يكون وجوده ووجوبه زائدين عليه وإال الفتقر إليهما،فيكون ممكنا.

الثالثة: أنه ال يكون صادقا عليه التركيب ألن المركب مفتقر إلى أجزائه--------------------

(١) المراد بالوجود في الخارج هو كون الشئ له تحقق في نفسه مع قطع النظر عن [معقد][معني] في الذهن، واحترز بقوله لذاته عن الواجب لغيره كوجوب وجود المعلول عند

حصول علته التامة.- قال السيد الطباطبائي: المشهور بين الحكماء أن للماهيات وراء الوجود الخارجي وهو الوجود

الذي يترتب عليها فيه اآلثار المطلوبة منها وجودا آخر ال يترتب عليها فيها اآلثار يسمىوجودا ذهنيا، فاإلنسان الموجود في الخارج قائم ال في موضوع بما أنه جوهر ويصح أنيفرض فيه أبعاد ثالثة بما أنه جسم وبما أنه بنات وحيوان وإنسان ذو نفس نباتية وحيوانية

وناطقة ويظهر معه آثار هذه األجناس والفصول وخواصها واإلنسان الموجود في الذهن المعلوملنا إنسان ذاتا واجد لحده غير أنه ال يترتب عليه شئ من تلك اآلثار الخارجية (بداية الحكمة

ص ٣١).

(٢٤)

Page 24: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

المغايرة له، فيكون ممكنا، والممكن ال يكون واجبا لذاته (١).الرابعة: أنه ال يكون جزءا من غيره، وإال لكان منفصال عن ذلك

الغير، فيكون ممكنا.الخامسة: أنه ال يكون صادقا على اثنين، كما يأتي في دالئل

التوحيد.(الثانية): في خواص الممكن، وهي ثالثة:

األولى: أنه ال يكون أحد الطرفين أعني الوجود والعدم أولى به مناآلخر، بل هما معا متساويان بالنسبة إليه: ككفتي الميزان فإن ترجح إحداهما

فإنه إنما يكون السبب الخارجي عن ذاته، ألنه لو كان أحدهما أولى به مناآلخر، فإما أن يمكن وقوع اآلخر، أوال.

--------------------(١) سأل عبد الله األنصاري أبا عبد الله (عليه السالم) ما الدليل على أن لك صانعا، قال وجدت

نفسي ال تخلو من إحدى جهتين، إما أن أكون صنعتها وكانت موجودة أو صنعتها وكانتمعدومة، فإنك تعلم أن المعدوم ال يحدث شيئا فقد ثبت المعنى (توحيد الصدوق ص

.(٢٩٠- وقال له رجل ما أقول لمن يسألني فيقول لي بم عرفت ربك؟ قال (عليه السالم) إن سأل سائل

بما عرفت ربك قلت عرفت الله جل جالله بنفسي ألنها أقرب األشياء إلى و [ذلك] أنيأجدها أبعاضا مجتمعة األجزاء مؤتلفة، ظاهرة التركيب (متبينة الصنعة) مبنية على ضروب

من التخطيط والتصوير مزيدة [زائدة] من بعد نقصان ناقصة من بعد زيادة، قد أنشأ لهحواس مختلفة وجوارح [متباينة] من بصر وشم وسمع وذائق وال مس مجبولة على الضعف

والنقص والمهانة ال [تدرك] واحدة منها مدرك [مدركة] صاحبتها وال تقوى على ذلك عاجزةعن اجتالب المنافع إليها ودفع المضار عنها، واستحال في العقول وجود تأليف ال مؤلف له

وثبات صورة ال مصور لها فعلمت أن لها خالقا ومصورا صورها مخالفا لها [في] على جميعجهاتها [من جميع جهاتها] قال الله عز وجل وفي أنفسكم أفال تبصرون - الذاريات ٢١ -

التوحيد للصدوق باب ٤١ ح ٩ ص ٢٨٩.

(٢٥)

Page 25: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

فإن كان األول لم يكن األولوية كافية، وإن كان الثاني كان المفروضأولى به واجبا له، فيصبر الممكن أما واجبا، أو ممتنعا، وهو محال.

الثانية: أن الممكن محتاج إلى المؤثر، ألنه لما استوى الطرفان:أعني الوجود، والعدم بالنسبة إلى ذاته استحال ترجيح أحدهما على اآلخر إال

لمرجح، والعلم به بديهي (١).الثالثة: أن الممكن الباقي محتاج إلى المؤثر، وإنما قلنا ذلك ألن

االمكان الزم لماهية الممكن ويستحيل رفعه عنه، وإال لزم انقالبه من االمكانإلى الوجوب أو االمتناع.

وقد ثبت أن االحتياج الزم لالمكان، واالمكان الزم لماهية الممكنوالزم الالزم الزم، فيكون االحتياج الزما لماهية الممكن، وهو المطلوب.

قال: (وال شك في أن هنا موجودا بالضرورة، فإن كان الموجود (٢)واجبا لذاته فهو المطلوب، وإن كان ممكنا افتقر إلى موجد يوجده بالضرورة،فإن كان الموجد واجبا لذاته فالمطلوب (٣)، وإن كان ممكنا افتقر إلى موجد

آخر فإن كان األول دار، وهو باطل بالضرورة وإن كان ممكنا آخر تسلسل،وهو باطل أيضا.

--------------------(١) اختلف في علة احتياج األثر إلى المؤثر فقيل هو االمكان وقيل هو الحدوث، وقيل هو بشرط

الحدوث، والحق أنه االمكان فقط ألن ماهية األثر الذي هو المحدث [كما] اتصفت بالعدمتارة والوجود أخرى لم تكن مقتضية لشئ منها [منهما] ألن ما بالذات يدوم به ال بها بل

كانت هي من حيث هي قابلة [بما تكون] ممكنة فال بد من اتصافها بأحد األمرين من مرجعوهو محال، فعلم أنما هو من حيث االمكان نتدبر، والحكماء كلهم قائلون بأن علة الحاجة

إلى المؤثر هو االمكان (س ط) وإال لزم الترجيح من غير مرجح (ص).(٢) ليس في األصل.

(٣) أي فهو المطلوب.

(٢٦)

Page 26: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

ألن جميع آحاد تلك السلسة الجامعة لجميع الممكنات تكون ممكنةبالضرورة فتشترك في امتناع الوجود لذاتها فال بد لها من موجد خارج عنها

بالضرورة فيكون واجبا بالضرورة، وهو المطلوب).أقول: للعلماء كافة في إثبات الصانع طريقان:

األول: هو االستدالل بآثاره المحوجة إلى السبب على وجوده، كماأشار إليه في الكتاب العزيز بقوله تعالى: (سنريهم آياتنا في اآلفاق وفي

أنفسهم حث يتبين لهم أنه الحق) (١)، وهو طريق إبراهيم الخليل (عليهالسالم) فإنه استدل باألفول الذي هو الغيبة المستلزمة للحركة المستلزمة للحدوث

المستلزمة للصانع تعالى.الثاني: هو أن ينظر في الوجود نفسه، ويقسم إلى الواجب والممكن

حتى يشهد القسمة بوجود واجب صدر عنه جميع ما عداه من الممكنات وإليهاإلشارة في التنزيل بقوله تعالى: (أولم يكف بربك أنه على كل شئ

شهيد) (٢).والمصنف ذكر في هذا الباب الطريقين معا، فأشار إلى األولى عند إثبات

كونه قادرا وسيأتي (٣).--------------------

(١) فصلت ٥٣.

(٢) فصلت ٥٣.(٣) واعلم أن ما ذكره المصنف من االستدالل على وجود الواجب بتقسيم الوجود إلى الواجب

والممكن كما هو طريق الحكماء، وإليه اإلشارة بقوله تعالى (أولم يكف بربك أنه على كلشئ شهيد) وطريق المتكلمين هو حدوث العالم، وكل حادث ال بد له من محدث

بالضرورة، فأما أن يكون األول فيدور أو غيره فيتسلسل أو ينتهي إلى قديم ال يحتاج إلى سببأصال وهو المطلوب وهو الطريق الذي استدل به إبراهيم (عليه السالم).

واختار المصنف األول وإن كان سيشير إلى الثاني في مسألة كونه تعالى قادرا مختارا لكونه أقصرلتوقف الثاني على مقدمته أي حدوث العالم، ولكون االستدالل فيه بالنظر إلى الوجود وهو

أشرف وكالهما راجعان إلى إبطال الدور والتسلسل (طوعي).

(٢٧)

Page 27: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

وأما الثاني فهو المذكور هنا، وتقريره أن نقول: لو لم يكن الواجبتعالى موجودا، لزم إما الدور، أو التسلسل، والالزم بقسميه باطل

، فالملزوم وهو عدم الواجب مثله في البطالن، فيحتاج هنا إلى بيان أمرين.أحدهما: بيان لزوم الدور والتسلسل.

وثانيهما: بيان بطالنهما.أما بيان األمر األول: فهو إن هاهنا ماهيات متصفة بالوجود الخارجي

بالضرورة، فإن كان الواجب موجودا معها فهو المطلوب وإن لم يكن موجودايلزم اشتراكها بجملتها في االمكان، إذ ال واسطة بينهما، فال بد لها من مؤثرحينئذ بالضرورة فمؤثرها إن كان واجبا فهو المطلوب، وإن كان ممكنا افتقر

إلى مؤثر، (آخر يؤثره) فمؤثره إن كان ما فرضناه أوال لزم الدور، وإن كانممكنا آخر غيره ننقل الكالم إليه، ونقول كما قلناه أوال، ويلزم التسلسل، فقد

بان لزومهما (١).وأما بيان األمر الثاني: وهو بيان بطالنهما فنقول:

أما الدور: فهو عبارة عن توقف الشئ على ما يتوقف عليه كما يتوقف(أ) على (ب) و (ب) على (أ) وهو باطل بالضرورة إذ يلزم منه أن يكون

الشئ الواحد موجودا ومعدوما معا، وهو محال.--------------------

(١) [يتحرر] الدليل بوجه ال يحتاج معه إلى ذلك بأن نقول، الممكن ليس له وجود من نفسه بلوجوده من غيره فإذا لم يعتبر ذلك الغير لم يكن له وجود ولم يكن لغيره [عنه] وجود الستحالةأن يكون المعدوم موجودا، إذا تمهد هذا فنقول لو لم يكن في الوجود واجب الوجود لم يكن

لشئ من الممكنات وجود الالزم باطل بالضرورة فكذلك الملزوم، بيان المالزمة أنالموجودات إذا لم يكن بعضها واجبا فهي بأسرها ممكنة الستحالة كون الموجود ال واجبا والممكنا وإذا كانت كلها ممكنة والممكن قد قررنا أن ليس له وجود وال لغيره عنه وجود فال بد

من وجود واجب لتحصيل وجود الممكنات وهو المطلوب (س ط).

(٢٨)

Page 28: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

وذلك ألنه إذا توقف (أ) على (ب) كان (األلف) متوقفا على (ب)وعلى جميع ما يتوقف عليه، (ب)، ومن جملة ما يتوقف عليه (ب) هو(أ) نفسه فيلزم توقفه على نفسه، والموقوف عليه متقدم على الموقوف،فيلزم تقدمه على نفسه، والمتقدم من حيث إنه متقدم يكون موجودا قبل

المتأخر فيكون: (األلف) حينئذ موجودا قبل نفسه فيكون موجودا ومعدومامعا، وهو محال.

وأما التسلسل: فهو ترتب علل ومعلومات بحيث يكون السابق علة فيوجود الحقه وهو هكذا أيضا باطل ألن جميع آحاد تلك السلسلة الجامعة

لجميع الممكنات تكون ممكنة التصافها باالحتياج فتشترك بجملتها فياالمكان فتفتقر إلى مؤثر، فمؤثرها إما نفسها، أو جزؤها، أو الخارج عنها،

واألقسام كلها باطلة قطعا.أما األول: فالستحالة تأثير الشئ في نفسه، وإال لزم تقدمه على

نفسه، وهو باطل كما تقدم.وأما الثاني: فألنه لو كان المؤثر فيها جزؤها لزم أن يكون الشئ مؤثرا

في نفسه، ألنه من جملتها، وفي علله أيضا، فيلزم تقدمه على نفسهوعلله، وهو أيضا باطل.وأما الثالث: فلوجهين.

الوجه األول: أنه يلزم أن يكون الخارج عنها واجبا، إذ الفرضاجتماع جملة الممكنات في تلك السلسلة، فال يكون موجودا خارجا عنها إال

الواجب، إذ ال واسطة بين الواجب والممكن، فيلزم مطلوبنا.الوجه الثاني: أنه لو كان المؤثر في كل واحد واحد من آحاد تلك

السلسلة أمرا خارجا عنها، لزم اجتماع علتين مستقلتين على معلول واحد

(٢٩)

Page 29: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

شخصي، وذلك باطل ألن الفرض أن كل واحد من آحاد تلك السلسلة مؤثرفي الحقه، وقد فرض تأثير الخارج في كل واحد منها، فيلزم اجتماع علتين

على معلول واحد شخصي، وهو محال، وإال لزم استغناؤه عنهما حالاحتياجه إليهما، فيجتمع النقيضان، وهو محال.

فبطل التسلسل المطلوب، وقد بان بطالن الدور، والتسلسل، فيلزممطلوبنا، وهو وجود الواجب تعالى.

قال:

(٣٠)

Page 30: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

الفصل الثانيفي صفاته الثبوتية

وهي ثمانية:األولى: إنه تعالى قادر مختار، ألن العالم محدث، ألنه جسم وكل

جسم ال ينفك عن الحوادث، أعني الحركة والسكون، وهما حادثان،الستدعائهما المسبوقية بالغير، وما ال ينفك عن الحوادث فهو محدث

بالضرورة، فيكون المؤثر فيه، وهو الله تعالى قادرا مختارا ألنه لو كان موجبالم يتخلف أثره عنه بالضرورة، فيلزم من ذلك إما قدم العالم، أو حدوث الله

تعالى، وهما باطالن.أقول: لما فرغ من إثبات الذات، شرع في إثبات الصفات، وقدم

الصفات الثبوتية، ألنها وجودية، والسلبية عدمية، والوجود أشرف منالعدم، واألشرف مقدم على غيره، وابتدأ بكونه قادرا الستدعاء الصنع

القدرة (١).ولنذكر هنا مقدمة تشتمل على تصور مفردات هذا البحث.

--------------------(١) يمكن ارجاع الصفات الثبوتية إلى السلبية، فإن إثبات القدرة بمعنى سلب العجز عنه، والعلم

بمعنى سلب الجهل وهلم جرا، وفي الحقيقة ليس المعروف منه إال السلوب واإلضافات كماقال ابن أبي الحديد عرفوا إضافات وسلبا والحقيقة ليس توجد فيمكن تسميه الجميع صفات

التنزيه والجالل (س ط).

(٣١)

Page 31: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

فنقول القادر المختار هو الذي إن شاء أن يفعل فعل، وإن شاء أن يتركترك، مع وجود قصد وإرادة (١)، والموجب بخالفه، والفرق بينهما من

وجوه:األول: أن المختار يمكنه الفعل والترك معا بالنسبة إلى شئ واحد،

والموجب بخالفه.الثاني: إن فعل المختار مسبوق بالعلموالقصد، واإلرادة، بخالف الموجب.

الثالث: إن فعل المختار يجوز تأخره عنه، وفعل الموجب ال ينفكعنه، كالشمس في إشراقها، والنار في إحراقها.

والعالم كل موجود سوى الله تعالى.والمحدث هو الذي وجوده مسبوق بالغير، أو بالعدم (٢).

والقديم بخالفه.والجسم هو المتحيز الذي يقبل القسمة في الجهات الثالث.

والحيز والمكان شئ واحد، وهو الفراغ المتوهم الذي يشغله األجسامبالحصول فيه (٣).

--------------------(١) الفرق بين القصد واإلرادة، أن القصد أخص واإلرادة عام فيقال أراد الله تعالى وال يقال قصد

الله.(٢) المسبوق بالغير والعدم مثال زمان على مذاهب المتكلمين، وكل مسبوق بالغير مسبوق بالعدموبالعكس، وأما على مذهب الحكماء فالمسبوق بالغير أعم من أن يكون مسبوقا بالعدم أم ال فإن

بعض الممكنات مسبوق بالغير عندهم وليس مسبوقا بالعدم (سرح).(٣) الخير والمكان عند الحكماء مترادفان وأما عند المتكلمين فالحيز هو الفراغ المتوهم الذي من

شأنه أن يشغله الجسم والمكان أو الذي يستقر عليه الجسم كاألرض.

(٣٢)

Page 32: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

والحركة هي حصول الجسم في مكان بعد مكان آخر.والسكون هو حصول ثان في مكان واحد.

إذا تقرر هذا فنقول: كلما كان العالم محدثا، كان المؤثر فيه، وهوالله تعالى قادرا مختارا، فهنا دعويان:

األولى: إن العالم محدث.الثانية: أنه يلزمه إختيار الصانع.

أما بيان الدعوى األولى: فألن المراد بالعالم عند المتكلمين هوالسماوات واألرض وما فيهما وما بينهما، وذلك إما أجسام أو أعراض،

وكالهما حادثان:أما األجسام: فألنها ال تخلو من الحركة والسكون الحادثين: وكل ما ال

يخلو من الحوادث، فهو الحادث (١)، أما أنه ال يخلو من الحركةوالسكون، فألن كل جسم ال بد له من مكان ضرورة، وحينئذ إما أن يكون

البثا فيه، وهو الساكن، أو منتقال عنه، وهو المتحرك إذ ال واسطة بينهمابالضرورة.

وإما أنهما حادثان: فألنهما مسبوقان بالغير، وال شئ من القديمبمسبوق بالغير، فال شئ من الحركة والسكون بقديم فيكونان حادثين إذ ال

واسطة بين القديم والحادث.أما إنهما مسبوقان بالغير، فألن الحركة عبارة عن الحصول األول في

المكان الثاني، فيكون مسبوقا بالمكان األول ضرورة، والسكون عبارة عن--------------------

(١) في األصل: حادث.

(٣٣)

Page 33: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

الحصول الثاني في المكان األول، فيكون مسبوقا بالحصول األولبالضرورة.

وأما أن كل ما ال يخلو من الحوادث، فهو حادث: فألنه لو لم يكنحادثا لكان قديما وحينئذ إما أن يكون معه في تقدم شئ من تلك الحوادثالالزمة له، أو ال يكون، فإن كان األول لزم اجتماع القدم والحدوث معا فيشئ واحد، وهو محال، وإن كان الثاني يلزم بطالن ما علم بالضرورة، وهو

امتناع انفكاك الحوادث عنه، وهو محال.وأما األعراض، فألنها محتاجة في وجودها إلى األجسام، والمحتاج

إلى المحدث أولى بالحدوث.وأما بيان الدعوى الثانية: فهو أن المحدث لما اتصف ماهيته بالعدم

تارة، وبالوجود أخرى كان ممكنا، فيفتقر إلى المؤثر: فإن كان مختارا، فهوالمطلوب وإن كان موجبا، لم يتخلف أثره عنه، فيلزم قدم أثره، لكن ثبت

حدوثه، فيلزم حدوث مؤثره للتالزم، وكال األمرين محال.فقد بان أنه لو كان الله تعالى موجبا (١)، لزم إما قدم العالم، أو حدوث

الله تعالى، وهما باطالن، فثبت أنه تعالى قادر ومختار، وهو المطلوب (٢).--------------------

(١) قال الشيخ الطوسي (صانع العالم ال يخلو من أن يكون قادرا أو موجبا وهو علة أو سببوال يجوز أن يكون علة أو [وال] سببا ألنهما ال يخلوان من أن يكونا قديمين أو محدثين، فلو

كان محدثين الحتاجا إلى علة أخرى أو سبب أخر وذلك يؤدي إلى ما ال نهاية له من العللواألسباب، وإن كانا قديمين وجب أن يكون العالم قديما ألن العلة بموجب معلولها في الحالوالسبب يوجب المسبب إما في المال أو الثاني وكالهما يوجبان قدم األجسام وقد دللنا على

حدوثها فبطل بذلك أن يكون صانع العالم موجبا ولم يبق بعد ذلك إال أن يكون مختارا لهصفة القادرين (م) (االقتصاد فيما يتعلق باالعتقاد ص ٥٤).

(٢) حكي [...] عن السيد المرتضى والشيخ الطوسي رضي الله عنهما أنهما ممن نفى قدرةالباري تعالى قاال أنه خالف الحق وقولهما رحمهما الله بذلك عجيب (شرح ط).

(٣٤)

Page 34: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

قال: (وقدرته يتعلق بجميع المقدورات، ألن العلة المحوجة إليه هياالمكان ونسبة ذاته إلى الجميع بالسوية، فيكون قدرته عامة).

أقول: لما ثبت كونه قادرا في الجملة شرع في بيان عموم قدرته وقدنازع فيه الحكماء حيث قالوا: إنه واحد ال يصدر عنه إال واحد والثنوية (١)

--------------------(١) قال الشيخ الطوسي في كتابه االقتصاد فيما يتعلق باالعتقاد (ص ٥٣ طبع دار األضواء بيروت) فأول

ذلك أنه يجب أن يكون قادرا ألن الفعل ال يصح أن يصدر إال من قادر (م).وقال في (ص ٨٧) من شأن القادر على الشئ أن يكون قادرا على جنس ضده... والقديم تعالى

قادر على األجناس كلها (الحسن والقبيح...) ومن كل جنس على ما ال نهاية له ألنه قادرلنفسه على ما مضى وال اختصاص له بقدر دون قدر وال بجنس دون جنس وأيضا هو تعالى

قادر على تعذيب الكفار بال خالف وهو حسن، فإذا أسلم الكافر قبح عقابه ولم يخرج إسالمهإياه تعالى عن كونه قادرا فبان (والمراد بذلك) أنه قادر على القبح (م).

وقال الشيخ المفيد (إن الله جل جالله قادر على خالف العدل كما أنه قادر على العدل، إال أنه اليفعل جورا وال ظلما وال قبيحا وعلى هذا جماعة اإلمامية والمعتزلة كافة سوى النظام وجماعةمن المرجئة والزيدية وأصحاب الحديث والمحكمة ويخالفنا فيه المجبرة بأسرها والنظام ومن

وافقهم في خالف العدل والتوحيد، وأقول أنه سبحانه قادر على ما علم أنه ال يكون مما اليستحيل كاجتماع األضداد ونحو ذلك من المحال وعلى هذا إجماع أهل التوحيد إال النظام

وشذاذ من أصحاب المخلوق (م) (أوايل المقاالت).وبعد قول الشيخ المفيد (وعلى هذا جماعة اإلمامية) وما رأيت من قول الشيخ الطوسي فالظاهر أنه

قد اشتبه األمر على من نقل القول أعاله عن السيد المرتضى والشيخ الطوسي رحمهما الله(م).

وروى الصدوق في كتابه التوحيد بصفة أحاديث فمن زرارة عن أبي جعفر (عليه السالم) قال: فال يوصفبقدرة إال كان أعظم من ذلك وعن أبي عبد الله (عليه السالم) إن الله ال يوصف بعجز وعنه (عليه السالم) ال

تقدرقدرته، وعن عمر بن أذينة عن أبي عبد الله (عليه السالم) قال قيل ألمير المؤمنين (عليه السالم) هل

يقدر ربك أن يدخل الدنيا في بيضة من غير أن يصغر الدنيا أو يكبر البيضة؟ قال إن الله تباركوتعالى ال ينسب إلى العجز والذي سألتني ال يكون، أقول العجز في المقدور والله جعله

ممتنعا، فال ينسب تعالى إلى العجز إذ أنه من المحال الذي ال تتعلق به القدرة وال يلزم منذلك قصور فيها بل هو (أي المحال) قاصر غير قابل لها كسائر الممتنعات.

(١) وهم الذين قالوا إن في الوجود خيرا وشرا وأثبتوا أصلين اثنين مدبرين قديمين أحدهما النوروالثاني الظلمة.

(٣٥)

Page 35: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

حيث زعموا: أنه ال يقدر على الشر، والنظام (١) حيث إعتقد: أنه ال يقدرعلى القبيح، والبلخي (٢) حيث منع قدرته على مثل مقدورنا، والجبائيان (٣)

حيث أحاال قدرته على عين مقدورنا.والحق خالف ذلك كله، والدليل على ما ادعيناه أنه قد انتفى المانع

بالنسبة إلى ذاته وبالنسبة إلى المقدور، فيجب التعلق العام (٣).أما بيان األول: فهو أن المقتضى لكونه تعالى قادرا هو ذاته، ونسبتها

إلى الجميع متساوية لتجردها (٤)، فيكون مقتضاها أيضا متساوي النسبة وهوالمطلوب.

وأما الثاني: فألن المقتضى لكون الشئ مقدورا هو إمكانه واالمكان--------------------

(١) النظام أبو إسحاق إبراهيم بن سيار بن هاني البصري ابن أخت أبي الهذيل العالف شيخالمعتزلة، والنظام أحد رؤساء المعتزلة أستاذ الجاحظ وأحمد بن الخالط، كان في أيام هارون

الرشيد... وإياه عنى أبو النواس بقوله:فقل لمن يدعي في العلم معرفة * حفظت شيئا وغابت عنك أشياء

ولقب بالنظام لنظمه الخرز وبيعها في سوق البصرة، وقالت المعتزلة بل لحسن كالمه، وقديطلق النظام على غيره كالعالم الفاضل األعرج النيسابوري، إال أنه هنا منصرف إلى المعتزلي

(الكنى واأللقاب ج ٣ بتصرف).(٢) البلخي أبو القاسم من زعماء المعتزلة رئيس الفرقة الكعبية من مؤلفاته عيون المسائل

والجوابات ذكره المسعودي في مروج الذهب.(٣) أبو علي علي بن محمد بن عبد الوهاب... بن أبان مولى عثمان بن عفان وابنه أبي هاشم عبد السالم

ابن محمد ويقال لهما الجبائيان وكالهما من رؤساء المعتزلة (الكنى واأللقاب ٢ / ١٤١).(٤) إيجاد المقدور ال يستلزم مباشرته للفاعل نفسه فالباري تعالى يقدر على إيجاد الحركة بواسطة

إيجاد الجسم المتحرك (ط).(٥) عن الزمان والمكان والجهة وغير ذلك مما يوجب عليه الحاجة فليس شئ أقرب إليه من شئ حتى

تكون القدرة عليه لذلك دون األخرى (س ط).

(٣٦)

Page 36: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

مشترك بين الكل، فيكون صفة المقدورية أيضا مشتركا بين الممكنات وهوالمطلوب، وإذا انتفى بالنسبة إلى القادر وبالنسبة إلى المقدور وجب

التعلق العام وهو المطلوب.واعلم أنه ال يلزم من التعلق الوقوع، بل الواقع بقدرته تعالى هو

البعض وإن كان قادرا على الكل، واألشاعرة وافقوا في عموم التعلق (١)وادعوا معه الوقوع، كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى.

قال: (الصفة الثانية: أنه تعالى عالم، ألنه فعل األفعال المحكمةالمتقنة، وكل من فعل ذلك فهو عالم بالضرورة).

أقول: من جملة الصفات الثبوتية كونه تعالى عالما، والعالم هوالمتبين له األشياء بحيث تكون حاضرة عنده غير غائبة عنه (٢)، والفعل

المحكم المتقن هو المشتمل على أمور غريبة عجيبة والمستجمع لخواصكثيرة، والدليل على كونه عالما وجهان:

--------------------(١) واعلم أن دالئل السمع كثيرة بعموم قدرته فمن الكتاب قوله تعالى: (وهو على كل شئ

قدير)ومن السنة قوله (عليه السالم) إن الله ال يوصف بعجز كيف وهو وما قدروا الله حق قدره فال

يوصف بقدر إال كان أعظم من ذلك.وعن أبي عبد الله (عليه السالم) قال: لما صعد موسى (عليه السالم) إلى الطور فناجى ربه عز

وجل قال يا رب أرني خزائنك فقال يا موسى إنما إذا أردت أن أقول له كن فيكون (سط).

(٢) العلم هو الكشف وهو على قسمين انطباعي وحضوري.واألول ممتنع عليه تعالى فتعين الثاني.

ودالئل العلم أربعة األول األحكام الثاني التجرد، الثالث استناد األشياء إليه، الرابع االختيار أياختيار الصانع في مخلوقاته دليل على علمه تعالى بها.

* علمه تعالى عبارة عن ظهور األشياء عنده وانكشافها لديه ال بمعنى أنها لم تكن ظاهرة ثمظهرت بل بمعنى أنها حاضرة لديه غير غائبة عنه (س ط).

(٣٧)

Page 37: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

األول: أنه مختار، وكل مختار عالم، أما الصغرى: فقد مر بيانها،وأما الكبرى: فألن فعل المختار تابع لقصده ويستحيل قصد شئ من دون

العلم به.الثاني: أنه فعل األفعال المحكمة المتقنة وكل من كان فعله كذلك فهو

عالم بالضرورة. أما أنه فعل ذلك فظاهر لمن تدبر مخلوقاته.أما السماوية: فما يترتب على حركاتها من خواص الفصول األربعة

وكيفية نضد تلك الحركات، وأوضاعها وهو مبين في فنه (١).وأما األرضية: فما يظهر من حكمة المركبات الثالث، واألمور الغريبةالحاصلة فيها، والخواص العجيبة المشتملة عليها ولو يكن إال في خلق

اإلنسان لكفى الحكمة المودعة في إنشائه وترتيب خلقه وحواسه، وما يترتبعليها من المنافع كما أشار إليه بقوله: (أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله

--------------------(١) وقد ذكر بعض أهل العلم أنهم قد رأوا في اإلنسان اثني عشر ألف (خاصية) وقالوا ما جهلنا

أكثر مما علمنا.- ومن أحب الوقوف على تقرير شديد التدبير وبدائع صنع اللطيف الخبير فعليه برسالة (المفضل

بن عمر) المنقولة عن الصادق (عليه السالم) (توحيد المفضل).- فإن قلت قد يصدر عن بعض الحيوانات العجم األفعال العجيبة كما في النحل، فإنه على ما ذكر

يبني البيت المسدس المشتمل على الحكم التي ال يهتدي (إليها) المهندسون ويعجز عنإدراك أغراضها الحاذقون، وكذلك العنكبوت وأشباههما مع أنها ليس من أولي العلم.

قلت: لم ال يكون لها من العلم بقدر ما تهتدي مصالحها بأن يخلقها الله تعالى عالمة بتلك اآلثاروألهمها حين الحاجة إليها لطفا بها وحفظا لبقاء نوعها كما في قوله تعالى (وأوحى ربك إلى

النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون) (٦٨ سورة النحل) (ط).وفي آخر كالم أمير المؤمنين (عليه السالم) في وصف النملة قوله: ولو ضربت في مذاهب فكرك

لتبلغ غاياته ما دلتك الداللة إال على أن فاطر النملة هو فاطر النخلة لدقيق تفصيل كل شئوغامض اختالف كل حي وما الجليل واللطيف والثقيل والخفيف والقوي والضعيف في خلقه

إال سواء (نهج البالغة خ ١٨٥ / ٢٢٧).

(٣٨)

Page 38: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

السماوات واألرض وما بينهما إال بالحق) (١) فإن من العجائب المودعة فيبنية اإلنسان أن كل عضو من أعضائه له قوى أربعة جاذبة وماسكة وهاضمة

ودافعة.أما الجاذبة: فحكمتها أن البدن لما كان دائما في التحليل افتقر إلى

جاذبة تجذب بدل ما يتحلل منه.وأما الماسكة: فألن الغذاء المجذوب لزج، والعضو أيضا لزج فال بد

له من ماسكة حتى تفعل فيه الهاضمة.وأما الهاضمة: فألنها تغير الغذاء إلى ما يصلح أن يكون جزءا

للمغتذي.وأما الدافعة: فهي التي تدفع الغذاء الفاضل مما فعلته الهاضمة المهيأ

لعضو أخر إليه، وأما أن كل من فعل األفعال المحكمة المتقنة فعالم، فهوبديهي لمن زاول األمور وتدبرها.

قال: (وعلمه يتعلق بكل معلوم لتساوي نسبة جميع المعلومات إليهألنه حي، وكل حي يصح أن يعلم كل معلوم، فيجب له ذلك، الستحالة

افتقاره إلى غيره).أقول: الباري تعالى عالم بكل ما يصح أن يكون معلوما، واجبا كان

أو ممكنا، قديما كان أو حادثا، خالفا للحكماء حيث منعوا من علمهبالجزئيات على وجه جزئي، لتغيرها المستلزم لتغير العلم الذاتي.

قلنا المتغير هو التعلق االعتباري ال العلم الذاتي.والدليل على ما قلناه أنه يصح أن يعلم كل معلوم فيجب له ذلك.

--------------------(١) الروم ٨.

(٣٩)

Page 39: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

أما أنه يصح أن يعلم كل معلوم فألنه حي، وكل حي يصح منه أنيعلم، ونسبة هذه الصحة إلى جميع ما عداه نسبة متساوية فيتساوى نسبة

جميع المعلومات إليه أيضا.وأما أنه صح له تعالى شئ وجب له، فألن صفاته تعالى ذاتية،

والصفة الذاتية متى صحت وجبت، وإال الفتقر في اتصاف الذات بها إلىالغير، فيكون الباري تعالى مفتقرا في علمه إلى غيره، وهو محال.

قال: (الثالثة، أنه تعالى حي ألنه قادر فيكون حيا بالضرورة).أقول: من صفاته الثبوتية كونه تعالى حيا فقال الحكماء وأبو الحسين

البصري (١) حياته عبارة عن صحة اتصافه بالقدرة والعلم، وقال األشاعرة هيصفة زائدة على ذاته مغايرة لهذا الصحة (٢)، والحق هو األول إذ األصل عدم

الزائد، والباري تعالى قد ثبت أنه قادر عالم، فيكون حيا بالضرورة وهوالمطلوب.

قال: (الرابعة: أنه تعالى مريد وكاره ألن تخصيص األفعال بإيجادهافي وقت دون آخر ال بد له من مخصص، وهو اإلرادة وألنه تعالى أمر ونهى،

وهما يستلزمان اإلرادة والكراهة بالضرورة.أقول: اتفق المسلمون على وصفه باإلرادة (٣) واختلفوا في معناها فقال

--------------------(١) في األصل أبو الحسن البصري والصحيح أبو الحسين وهو محمد بن علي بن الطيب البصري

المتكلم على مذهب المعتزلة له تصانيف منها المعتمد في الفقه وكتاب المحصول توفيببغداد عام ٤٤٦.

(٢) هكذا في األصل.(٣) فائدة: الذي يعلم من صريح كالم األئمة (عليهم السالم) الوارد في اإلرادة، وهو أن اإلرادة

عن الله تعالى نفس العقل واالحداث وإنها من صفات األفعال ال الذات، من ذلك صحيحةصفوان بن يحيى عن أبي الحسن (عليه السالم) قال قلت ألبي الحسن (عليه السالم)

أخبرني عن اإلرادة من الله ومن الخلق [المخلوق].قال: فقال: اإلرادة عن الخلق [المخلوق] الضمير وما يبدو له بعد ذلك من الفعل، وأما من اللهعز وجل فإرادته إحداثه ال غير ذلك، ألنه ال يروي وال يهم وال يتفكر وهذه الصفات منفية عنه

وهي من صفات الخلق، فإرادة الله هي الفصل ال غير ذلك يقول له كن فيكون بال لفظ والنطق بلسان وال همة وال تفكر وال كيف لذلك كما أنه بال كيف [ال كيف له] انتهى (توحيد

الصدوق ح ١٧ ص ١٤٧) وقوله ال كيف أي ال كيف إليجاده كما ال كيف لنفسه ألن كيفيةالفعل من قبل كيفية الفاعل (ح ط).

- والهم باألمر حديث النفس بعقله والفرق بين الهم بالشئ والقصد إليه أنه قد يهم بالشئ قبل أنيريده ويقصده بأن يحدث نفسه وهو مع ذلك مقبل على فعله، قوله تعالى (وهموا بما لم

ينالوا) من قولهم هممت بالشئ أردته وقصدته (م ن).

Page 40: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

(٤٠)

Page 41: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

أبو الحسين البصري: هي عبارة عن علمه تعالى بما في الفعل من المصلحةالداعي إلى إيجاده،.

وقال البخاري: معناها أنه غير مغلوب وال مكروه فمعناها إذن سلبيولكن هذا القائل أخذ الزم الشئ في مكانه.

وقال البلخي: هي في أفعاله (عبارة عن) علمه بها، وفي أفعال غيره(عبارة عن) (١) أمره بها فإن أراد العلم المطلق فليس بإرادة كما سيأتي، وأنأراد العلم المقيد بالمصلحة فهو كما قال أبو الحسين البصري وأما األمر فهو

مستلزم لإلرادة ال نفسها.وقالت األشاعرة والكرامية (٢) وجماعة من المعتزلة: أنها صفة زائدة

مغايرة للقدرة والعلم مخصصة للفعل، ثم اختلفوا، فقالت األشاعرة ذلكالزائد معنى قديم وقالت المعتزلة والكرامية: هو معنى حادث، فالكراميةقالوا: هو قائم بذاته تعالى، والمعتزلة قالوا: ال في محل، وسيأتي بطالن

--------------------(١) ليس في األصل.

(٢) الكرامية: أصحاب أبي عبد الله محمد بن كرام، وهو يثبت الصفات إال أنه ينتهي فيها إلىالتجسيم والتشبيه (الشهرستاني).

(٤١)

Page 42: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

الزيادة، فإذن الحق ما قاله أبو الحسين البصري، والدليل على ثبوت اإلرادةمن وجهين:

األول: إن تخصيص األفعال بااليجاد في وقت دون وقت آخر وعلىوجه دون آخر مع تساوي األوقات واألحوال بالنسبة إلى الفاعل والقابل ال بد له

من مخصص، فذلك المخصص، أما القدرة الذاتية فهي متساوية النسبةفليست صالحة للتخصيص، وألن من شأنها التأثير وااليجاد من غير ترجيح،وأما العلم المطلق فذلك تابع لتعيين الممكن وتقدير صدوره فليس مخصصا

وإال لكان متبوعا.وأما باقي الصفات فظاهر أنها ليست صالحة للتخصيص، فإذن

المخصص هو علم خاص مقتضى لتعيين الممكن ووجوب صدوره عنه، وهوالعلم باشتماله على مصلحة ال تحصل إال في ذلك الوقت، أو على ذلك الوجه

وذلك المخصص هو اإلرادة (١).الثاني: أنه تعالى أمر بقوله: (أقيموا الصالة) (٢)، ونهى بقوله:

(وال تقربوا الزنى) (٣)، واألمر بالشئ يستلزم إرادته ضرورة، والنهي عنالشئ يستلزم كراهته ضرورة، فالباري تعالى مريد وكاره وهو المطلوب،

وهيهنا فائدتان.األولى: كراهيته تعالى هي علمه باشتمال الفعل على المفسدة الصارفة

عن إيجاده، كما أن أرادته هي علمه باشتماله على المصلحة الداعية إلىإيجاده.

--------------------(١) وال يخفى ما فيه من المنافاة لما سبق فعليك بإمعان النظر لتحصيل التوفيق فإن لم تجده

فاعتصم بكالم أهل العصمة فإنه عصمة من الهلكة (س ط).(٢) البقرة ٤٣.

(٣) اإلسراء ٣٢.

(٤٢)

Page 43: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

الثانية: إن إرادته ليست زائدة على ما ذكرناه، وإال لكانت إما معنىقديما كما قالت األشاعرة فيلزم تعدد القدماء، أو حادثا، فأما في ذاته كما

قالت الكرامية فيكون محال للحوادث وهو باطل كما سيأتي إن شاء اللهتعالى، وأما في غيره فيلزم رجوع حكمه إلى الغير ال إليه، وإما ال في محل

كما تقول المعتزلة ففيه فسادان:األول: يلزم منه التسلسل، ألن الحادث مسبوق بإرادة المحدث فهي

إذن حادثة وننقل الكالم إليه ويتسلسل.الثاني: استحالة وجود صفة ال في محل.

قال: (الخامسة: أنه تعالى مدرك ألنه حي فيصح أن يدرك وقد وردالقرآن بثبوته له فيجب إثباته له).

أقول: قد دلت الدالئل النقلية على اتصافه تعالى باإلدراك وهو زائدعلى العلم فإنا نجد تفرقة ضرورة بين علمنا بالسواد والبياض والصوت الهائل

والحسن وبين إدراكنا لها، وتلك الزيادة راجعة إلى تأثر الحاسة، لكن قددلت الدالئل العقلية على استحالة الحواس واآلالت عليه تعالى فيستحيل ذلك

الزائد عليه فإدراكه هو علمه تعالى حينئذ بالمدركات.والدليل على صحة اتصافه به هو ما دل على كونه عالما بكل المعلومات

من كونه حيا فيصح أن يدرك، وقد ورد القرآن بثبوته له فيجب إثباته له فإدراكههو علمه بالمدركات، وذلك هو المطلوب.

قال: (السادسة: أنه تعالى قديم، أزلي: باق، أبدي، ألنه واجبالوجود، فيستحيل العدم السابق والالحق عليه).

أقول: هذه الصفات األربع الزمة لوجوب وجوده.فالقديم واألزلي: هو المصاحب لمجموع األزمنة المحققة والمقدرة

(٤٣)

Page 44: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

بالنسبة إلى جانب الماضي.والباقي: هو المستمر الوجود المصاحب لجميع األزمنة.

واألبدي: هو المصاحب لجميع األزمنة محققة كانت أو مقدرة بالنسبةإلى الجانب المستقبل، والسرمدي يعم الجميع.

والدليل على ذلك هو أنه قد ثبت أنه واجب الوجود فيستحيل عليه العدممطلقا، سواء كان سابقا على تقدير أن ال يكون قديما أزليا أو الحقا على

تقدير أن ال يكون باقيا أبديا وإذا استحال العدم المطلق عليه ثبت قدمه وأزليتهوبقاؤه وأبديته وهو المطلوب.

قال: (السابعة: إنه تعالى متكلم باالجماع، والمراد بالكالم الحروفواألصوات المسموعة المنظمة، ومعنى أنه تعالى متكلم أنه يوجد الكالم في

جسم من األجسام، وتفسير األشاعرة غير معقول).أقول: من جملة صفاته تعالى كونه متكلما، وقد أجمع المسلمون

على ذلك واختلفوا بعد ذلك في مقامات أربع:األول: في الطريق إلى ثبوت هذه الصفة، فقالت األشاعرة هو

العقل، وقالت المعتزلة هو السمع، وهو قوله تعالى: (وكلم الله موسىتكليما) (١)، وهو الحق لعدم الدليل العقلي، وما ذكروه دليال فليس بتام،

وقد أجمع األنبياء على ذلك، وثبوت نبوتهم غير موقوف عليه إلمكاناالستدالل على النبوة بغير القرآن من المعجزات أو بالقرآن ال من حيث أنه

كالم بل من حيث أنه معجز، وال شك في تغاير المعجزين فيجب إثباته.الثاني: في ماهية كالمه فزعم األشاعرة أنه معنى قديم قائم بذاته يعبر

عنه بالعبارات المختلفة [المتغيرة] مغاير للعلم والقدرة وليس بحرف وال صوت--------------------

(١) ١٦٤ النساء.

(٤٤)

Page 45: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

وال أمر وال نهي وال خبر وال استخبار وغير ذلك من أساليب الكالم، وقالتالمعتزلة والكرامية والحنابلة هو الحروف واألصوات المركبة تركيبا مفهما

والحق األخير لوجهين:الوجه األول: أن المتبادر ألفهام العقالء هو ما ذكرناه، ولذلك ال

يصفون بالكالم من لم يتصف بذلك كالساكت واألخرس.الوجه الثاني: أن ما ذكروه غير متصور فإن المتصور إما القدرة الذاتية

التي تصدر عنها الحروف واألصوات، وقد قالوا هو غيرها، أو العلم وقد قالواهو غيره، وباقي الصفات ليست صالحة لمصدرية ما قالوه، وإذا لم يكن

متصورا لم يصح إثباته إذ التصديق مسبوق بالتصور.الثالث: فيما تقوم به تلك الصفة، أما األشاعرة فلقولهم بالمعنى

قالوا: أنها قائم بذاته تعالى، وأما القائلون بالحروف والصوت فقد اختلفوا،فقالت الحنابلة والكرامية: إنه قائم بذاته تعالى فعندهم هو المتكلم بالحرفوالصوت، وقالت المعتزلة واإلمامية وهو الحق: إنه قائم بغيره ال بذاته كما

أوجد الكالم في الشجرة فسمعه موسى (عليه السالم).ومعنى أنه متكلم أنه فعل الكالم ألقام به الكالم، والدليل على ذلك

أنه أمر ممكن والله تعالى قادر على كل الممكنات، وأما ما ذكروه فممنوع وسندالمنع من وجهين.

الوجه األول: أنه لو كان المتكلم من قام به الكالم لكان الهواء الذيتقوم به الحرف والصوت متكلما وهو باطل، ألن أهل اللغة ال يسمعون المتكلم

إال من فعل الكالم، ال من قام به الكالم، ولهذا كان الصدى غير متكلم،وقالوا: تكلم الجني على لسان المصروع، العتقادهم أن الكالم المسموع

من المصروع فاعله الجني.الوجه الثاني: أن الكالم إما المعنى وقد بان بطالنه، أو الحروف

(٤٥)

Page 46: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

والصوت وال يجوز قيامهما بذاته، وإال لكان ذا حاسة لتوقف وجودهما علىوجود آلتيهما ضرورة، فيكون الباري تعالى ذا حاسة وهو باطل.

الرابع: في قدمه وحدوثه، فقالت األشاعرة بقدم المعنى، والحنابلةبقدم الحروف، وقالت المعتزلة بالحدوث (١)، وهو الحق لوجوه:األول: أنه لو كان قديما لزم تعدد القدماء، وهو باطل، ألن القول

بقدم غير الله كفر باالجماع، ولهذا كفرت النصارى إلثباتهم قدم األقنوم.الثاني: أنه مركب من األصوات والحروف التي يعدم السابق منها بوجود

الحقه، والقديم ال يجوز عليه العدم.الثالث: أنه لو كان قديما لزم الكذب عليه، والالزم باطل فالملزوم

مثله، بيان المالزمة أنه أخبر بإرسال نوح (عليه السالم) في األزل بقوله: (إنا--------------------

(١) قال الشارح في شرح [] هذه المسألة لم يدركها الحكماء، وتفرد المسلمون بالبحثعنها وهي أول مسألة بحث المتكلمون في صدر اإلسالم عن تفاصيلها وبذلك سمي هذا الفن

بعلم الكالم، واألشاعرة خالفوا في التفسير تارة وفي الحديث أخرى فقالوا المراد من الكالمنفس المعاني وهي قديمة قائمة بذاته وإن كانت مدلوال عليها بالعبارات الجارية ومنهم من

جعله حقيقة فيها مجازا في العبارات ومنهم من عكس، ومنهم من جعله مشتركا ثم إنهم قالوا إن تلكالمعاني وإن كانت مختلفة التسمية من كونها أمرا ونهيا وخبرا واستخبارا لكن المرجع

في الحقيقة إلى حقيقة واحدة ومعنى واحد (ش ط ن).- والحنابلة والكرامية وافقونا في تفسير الكالم وخالفونا في الحدوث فزعموا أن تلك الحروف

واألصوات قديمة قائمة بذاته تعالى حتى نقل عن بعضهم أنه قال جهال أو تجاهال حتى الجلدوالغالف قديمان فضال عن المصحف وتشبثوا لذلك أنه لو كان حادثا لكان إما قائما بذاته أو

بغيره... [كان في محل] والكل باطل.والجواب أنا قد بينا أنه حادث وقائم بالغير وال مانع من ذلك والنقل الصحيح دل عليه فثبت (س

ط).- واعلم أنه يلزم األشاعرة وهؤالء القول بتعدد القدماء وكونه تعالى آمرا وناهيا للمعدومين ومخالفة

نص الكتاب [على] كونه محدثا كقوله تعالى (وما يأتيهم من ذكر من ربهممحدث) والمراد به القرآن (ش ط).

(٤٦)

Page 47: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

أرسلنا نوحا إلى قومه) (١)، ولم يرسله إذ ال سابق على األزل فيكون كذبا.الرابع: أنه يلزم منه العبث في قوله: (وأقيموا الصالة وآتوا

الزكاة) (٢)، إذ ال مكلف في األزل، والعبث قبيح، فيمتنع عليه تعالى.الخامس: قوله تعالى: (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إال

استمعوه) (٣)، والذكر هو القرآن لقوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا لهلحافظون) (٤)، (وإنه لذكر لك ولقومك) (٥)، وصفه بالحدوث فال يكونقديما، فقول المصنف وتفسير األشاعرة غير معقول إشارة إلى ما ذكرناه في

هذه المقامات.قال: (الثامنة: إنه تعالى صادق، ألن الكذب قبيح بالضرورة والله

تعالى منزه عن القبيح، الستحالة النقص عليه).أقول: من صفاته الثبوتية كونه صادقا، والصدق هو األخبار المطابق

والكذب هو األخبار غير المطابق، ألنه لو لم يكن صادقا لكان كاذبا، وهوباطل، ألن الكذب قبيح ضرورة، فيلزم اتصاف الباري تعالى بالقبيح، وهو

باطل لما يأتي، وأيضا الكذب نقص والباري تعالى منزه عن النقص.--------------------

(١) نوح ١.(٢) البقرة ٤٣.(٣) األنبياء ٢.(٤) الحجر ٩.

(٥) الزخرف ٤٤.

(٤٧)

Page 48: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

الفصل الثالثفي صفاته السلبية

وهي سبع:قال: األولى: أنه تعالى ليس بمركب، وإال لكان مفتقرا إلى أجزائه،

والمفتقر ممكن) (١).أقول: لما فرغ من الثبوتية، شرح في السلبية، وتسمى األولى صفات

االكرام، والثانية صفات الجالل، وإن شئت كان مجموع صفاته، صفاتجالل، فإن إثبات قدرته، باعتبار سلب العجز عنه، وإثبات العلم باعتبار

سلب الجهل عنه، وكذا باقي الصفات، وفي الحقيقة المعقول لنا من صفاتهليس إال السلوب واإلضافات.

وأما كنه ذاته وصفاته فمحجوب عن نظر العقول وال يعلم ما هو إال هو.وقد ذكر المصنف هنا سبعا.

األولى: أنه ليس بمركب، والمركب هو ما له جز، ونقيضه البسيط،وهو ما ال جز له ثم التركيب قد يكون خارجيا كتركيب األجسام من

--------------------(١) إعلم أن هذه الصفات كلها يمكن سلبها عنه بدليل واحد بأن يقال الله تعالى واجب الوجود

لذاته كما تقدم، والتركيب يقتضي االمكان [وهو خ] و [الجسمية] تقتضي االمكان وهوخ وهلم جرا (س ط).

(٤٩)

Page 49: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

الجواهر (١) األفراد، وقد يكون ذهنيا: كتركيب الماهيات والحدود مناألجناس والفصول.

والمركب بكال المعنيين: مفتقر إلى جزئه، المتناع تحققه وتشخصهخارجا وذهنا بدون جزئه، وجزؤه غيره ألنه يسلب عنه فيقال: الجزء ليس

بكل، وما يسلب عنه الشئ فهو مغاير له، فيكون [المركب] (*) مفتقرا إلىالغير فيكون ممكنا، فلو كان الباري جلت عظمته مركبا، لكان ممكنا وهو

محال.قال: (الثانية: أنه تعالى ليس بجسم وال عرض وال جوهر (٢) وإال

الفتقر إلى المكان، والمتنع انفكاكه من الحوادث فيكون حادثا وهومحال).

أقول: الباري تعالى ليس بجسم خالفا للمجسمة (٣)، والجسم هو ماله طول وعرض وعمق، والعرض هو الحال في الجسم وال وجود له بدونه،

والدليل على كونه ليس بجسم وال عرض وجهان:--------------------

(١) قد يطلق الجوهر في العرف العام على الشئ النفيس كالجواهر المثمنة، وقد يطلق في العرفالخاص على حقيقة الشئ وذاته، يقال الفصل هو المقول على كثيرين متفقين بالحقائق في

جوهره أي في ذاته (شرح طريحي).ليس في األصل.

(٢) [والجوهر] عند المتكلمين كل متحيز، لكن عند بعضهم أن قبل القسمة فهو الجسم وإال فهوالجوهر الفرد، وعند بعضهم أن قبل القسمة في جهة فقط فهو الخط، وفي جهتين فهو

السطح وإال فهو الجسم و [ظاهر] أنه ال خالف معنوي بينهم وعند الحكماء أنه أن يكونالجوهر محال لجوهر آخر وهو الهيولي ويسمونها المادة أيضا أو حاال في جوهر آخر وهو

الصورة أو مركبا منهما وهو الجسم، أو ال يكون حاال وال محال وال مركبا منهما وهو المفارقفإن تعلق بالجسم تعلق تدبير فهو النفس وإال فهو العقل (س. ط).

(٣) المجسمة: مثل الظاهرية أتباع داود الظاهري والحنابلة والكرامية ويجمعهم اسم المشتبهةحيث شبهوا الخالق بالمخلوق، قالوا إن الله جسم ثم اختلفوا فيما بينهم في كيفياته وتركيبه.

(٥٠)

Page 50: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

األول: أنه لو كان أحدهما لكان ممكنا، والالزم باطل فالملزوم مثله.بيان المالزمة إنا نعلم بالضرورة أن كل جسم فهو مفتقر إلى المكان، وكل

عرض فهو مفتقر إلى المحل والمكان، والمحل غيرهما فيفتقران إلىغيرهما، والمفتقر إلى غيره ممكن، فلو كان الباري تعالى جسما أو عرضا

لكان ممكنا.الثاني: أنه لو كان جسما لكان حادثا وهو محال.

بيان المالزمة أن كل جسم فهو ال يخلو من الحوادث، وكل ما يخلومن الحوادث فهو حادث وقد تقدم بيانه، فلو كان جسما لكان حادثا لكنه قديم

فيجتمع النقيضان.قال: (وال يجوز أن يكون في محل وإال الفتقر إليه، وال في جهة وإال

الفتقر إليها).أقول: هذان وصفان سلبيان:

األول: أنه ليس في محل خالفا للنصارى وجمع من المتصوفة،والمعقول من الحلول وهو قيام موجود بموجود على سبيل التبعية، فإن أرادوا

هذا المعنى فهو باطل، وااللزم افتقار الواجب وهو محال، وإن أرادوا غيرهفال بد من تصوره أوال ثم الحكم عليه بالنفي واالثبات.

الثاني: أنه تعالى ليس في جهة، والجهة مقصد المتحرك ومتعلقاإلشارة الحسية، وزعمت الكرامية (١) أنه تعالى في الجهة الفوقية لما تصوروه

--------------------(١) فإن الكرامية اتفقوا على أنه من جهة لكن اختلفوا في كيفيته، فالهيصمية على أنه فوق العرش

في جهة ال نهاية لها وبينه وبين العرش بعد غير متناه والعابدية على أن بينهما بعدا متناهيا،وبعض الهيصمية على أنه على العرش بال فصل، كما زعمه المجسمة والحق نفي الجهة

عنه بكل جهة (س ط) كل هذه الفرق من المجسمة والمشبهة.

(٥١)

Page 51: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

من الظواهر النقلية، وهو باطل، ألنه لو كان في الجهة لكان، أما معاستغنائه عنهما فال يحصل فيها، أو مع افتقاره إليها فيكون ممكنا، والظواهر

النقلية لها تأويالت ومحامل مذكورة في مواضعها (٢).ألنه لما دلت الدالئل العقلية على إقناع الجسمية ولواحقها عليه، وجب

تأويل غيرها الستحالة العمل بهما، وإال الجتمع النقيضان أو الترك لهما،وإال الرتفع النقيضان، أو العمل بالنقل واطراح العقل، وإال لزم اطراح النقل

أيضا إلطراح أصله، فيبقى األمر الرابع وهو العمل بالعقل وتأويل النقل.قال: (وال يصح عليه اللذة واأللم (١) المتناع المزاج عليه تعالى).

أقول: األلم واللذة أمران وجدانيان فال يفتقران إلى تعريف، وقد يقالفيهما: اللذة إدراك المالئم من حيث هو مالئم، واأللم إدراك المنافي من

حيث هو مناف، وهما قد يكونان حسيين، وقد يكونان عقليين، فإن االدراكإن كان حسيا فهما حسيان وإال فعقليان.

إذا تقرر هذا فنقول: أما األلم فهو مستحيل عليه إجماعا من العقالء إذال منافي له تعالى، وأما اللذة فإن كانت حسية فكذلك ألنها من توابع

المزاج، والمزاج يستحيل عليه تعالى وإال لكان جسما.وإن كانت عقلية فقد أثبتها الحكماء له تعالى وصاحب الياقوت منا،

--------------------(١) مثل قوله تعالى (الرحمن على العرش استوى) وقوله تعالى (وهو القائم فوق عباده) وقوله

تعالى (ويخافون ربهم من فوقهم) (س ط).(٢) اللذة واأللم من توابع المزاج وهو له ضد وامتناع المتبوع والمعروض يستلزم امتناع التابع

والعارض، أما كونهما من قوابعه فألن اللذة عبارة عن ميل المزاج إلى االعتدال كما يجدهاإلنسان حال أكل المستلذ، واأللم عبارة عن ميل المزاج عن االعتدال كما يجده حال شرب

الدواء المر هكذا فسرهما بعض المتكلمين (شرح ط).

(٥٢)

Page 52: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

ألن الباري تعالى متصف بكماله الالئق به الستحالة النقص عليه، ومع ذلكفهو مدرك لذاته وكماله، فيكون أجل مدرك ألعظم مدرك بأتم إدراك وال نعني

باللذة إال ذلك.وأما المتكلمون فقد أطلقوا القول بنفي اللذة، إما العتقادهم نفي

اللذات العقلية، أو لعدم ورود ذلك في الشرع الشريف، فإن صفاته تعالىوأسماءه توقيفية، ال يجوز لغيره التهجم بها إال بإذن منه ألنه وإن كان جائزا

في نظر العقل لكنه ليس من األدب لجواز أن يكون غير جائز من جهة النعلمها.

قال: (وال يتحد بغيره المتناع االتحاد مطلقا).أقول: االتحاد يقال على معنيين: مجازي وحقيقي.

أما المجازي: فهو صيرورة الشئ شيئا آخر بالكون، والفساد، أمامن غير إضافة شئ آخر كقولهم: [كما يقال]، صار الماء هواء وصار الهواء

ماء، أو مع إضافة شئ آخر كما يقال: صار التراب طينا بانضياف الماءإليه.

وأما الحقيقي: فهو صيرورة الشيئين الموجودين شيئا واحدا موجودا.إذا تقرر هذا فاعلم أن األول مستحيل عليه تعالى قطعا، الستحالة

الكون والفساد عليه.وأما الثاني فقد قال بعض النصارى: إنه اتحد بالمسيح فإنهم، قالوا:

اتحدت الهوتية الباري مع ناسوتية عيسى (عليه السالم)، وقالت النصيرية: أنهاتحد بعلي (عليه السالم) وقال المتصوفة (١): إنه اتحد بالعارفين.

--------------------(١) روى الشيخ السعيد محمد بن محمد بن النعمان [أي الشيخ المفيد] بإسناده إلى محمد بن

الحسين بن أبي الخطاب أنه قال قد كنت مع الهادي علي بن محمد عليهما الصالة والسالمفي مسجد النبي (ص) فأتاه جماعة من أصحابه منهم أبو هاشم الجعفري وكان رجال بليغا

وكان له منزلة عظيمة عنده (عليه السالم) ثم دخل المسجد جماعة من الصوفية وجلسوا في جانبمستدير وأخذوا بالتهليل فقال (عليه السالم) ال تلتفتوا لهؤالء الخداعين فإنهم خلفاء [خلفاء

خ. ل] الشياطين ومخربوا قواعد الدين يتزهدون لراحة األجسام ويتهجدون لصيد [لتصييد خل] األنعام، ال يهللون إال لغرور الناس وال يقللون الغذاء إال لمأل النسناس [العساس خ ل]

واختالس قلب الدفناس [األنفاس خ ل] أورادهم الرقص والتصدية وأذكارهم الترنم والتغنيةفال يتبعهم إال السفهاء وال يعتقد بهم إال الحمقاء فمن ذهب إلى زيارة أحدهم [فكأنما ذهبإلى زيارة الشيطان] ومن أعان أحدا منهم فكأنما أعان يزيد ومعاوية وأبا سفيان، فقال رجل

من أصحابه وإن كان معترفا بحقوقكم قال فنظر إليه شبه المغضب وقال دع ذا عنك من اعترفبحقوقنا لم يذهب في عقوقنا أما ترى أنهم أحسن طوائف الصوفية، والصوفية كلهم مخالفونا

وطريقتهم مغايرة لطريقتنا وإن هم إال نصارى ومجوس هذه األمة أولئك الذين يجهدون فيإطفاء نور الله والله متم نوره ولو كره الكافرون (س ط) رواه باختالف الشيخ القمي في سفينة

Page 53: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

البحار (٢ / ٥٨) مادة صوف.

(٥٣)

Page 54: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

فإن عنوا غير ما ذكرناه فال بد من تصوره أوال ثم يحكم عليه، وإن عنواما ذكرناه فهو باطل قطعا، ألن االتحاد مستحيل في نفسه فيستحيل إثباته

لغيره.أما استحالته فهو أن المتحدين بعد اتحادهما إن بقيا موجودين فال اتحادألنهما اثنان ال واحد، وإن عدما معا فال اتحاد أيضا، بل وجد ثالث، وإنعدم أحدهما وبقي اآلخر فال اتحاد أيضا ألن المعدوم ال يتحد بالموجود.

قال: (الثالثة: إنه تعالى ليس محال للحوادث المتناع انفعاله عن غيرهوامتناع النقص عليه).

أقول: إعلم أن صفاته تعالى لها اعتباران.أحدهما: بالنظر إلى نفس القدرة الذاتية، والعلم الذاتي إلى غير ذلك

من الصفات.وثانيهما: بالنظر إلى تعلق تلك الصفات بمقتضياتها كتعلق القدرة

(٥٤)

Page 55: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

بالمقدور والعلم بالمعلوم، فهي بهذا المعنى ال نزاع في كونها أمورا اعتباريةإضافية متغيرة بحسب تغير المتعلقات وتغايرها.

وأما باالعتبار األول فزعمت الكرامية (١) أنها حادثة متجددة بحسب تجددالمتعلقات، قالوا: إنه لم يكن قادرا في األزل ثم صار قادرا، ولم يكنعالما ثم صار قادرا، ولم يكن عالما ثم صار عالما، والحق خالفه فإن

المتجدد فيما ذكروه هو التعلق االعتباري، فإن عنوا ذلك فمسلم وإال فباطللجهتين:

(األولى): أنه لو كانت صفاته حادثة متجددة لزم انفعاله وتغيره،والالزم باطل فالملزوم مثله.

بيان اللزوم من وجهين:األول: أن صفاته ذاتية فتجددها مستلزم لتغير الذات وانفعالها.

الثاني: أن حدوث الصفة يستلزم حدوث قابليته في المحل لها، وهومستلزم النفعال المحل وتغيره، لكن تغير ماهيته تعالى وانفعالها محال، فال

يكون صفاته حادثة وهو المطلوب.(الثانية): أن صفاته تعالى صفات كمال الستحالة النقص عليه، فلو

كانت حادثة متجددة لزم خلوه من الكمال، والخلو من الكمال نقص، تعالىالله عنه.

قال: (الرابعة: أنه يستحيل عليه الرؤية البصرية ألن كل مرئي فهو ذو--------------------

(١) فإنهم زعموا أنه مريد وكاره بإرادة وكراهة حادثتين في ذاته وكذلك زعموا أنه لم يكن قادرا فياألول ثم صادر قادرا، ولم يكن عالما ثم صار عالما، والحق خالف ذلك المتناع انفعاله عن

غيره فإن يستلزم تغير ذاته والمتغير ممكن فبعد الواجب ممكنا.

(٥٥)

Page 56: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

جهة ألنه أما مقابل أو في حكم المقابل بالضرورة فيكون جسما وهو محال،ولقوله تعالى (لن تراني) (١)، ولن النافية للتأبيد).

أقول: ذهب الحكماء والمعتزلة إلى استحالة رؤيته بالبصر لتجرده،وذهب المجسمة والكرامية إلى جواز رؤيته بالبصر مع المواجهة، وأمااألشاعرة فاعتقدوا تجرده، وقالوا بصحة رؤيته، وخالفوا جميع العقالء،

وتحذلق بعضهم وقال ليس مرادنا بالرؤية االنطباع أو خروج الشعاع، بلالحالة التي تحصل من رؤية الشئ بعد حصول العلم به.

وقال بعضهم: معنى الرؤية هو أن ينكشف لعباده المؤمنين في اآلخرةانكشاف البدر المرئي.

والحق أنهم إن عنوا بذلك الكشف التام فهو مسلم فإن المعارف تصيريوم القيامة ضرورية، وإال فال يتصور منه إال الرؤية، وهو باطل عقال

وسمعا (٢).--------------------

(١) سورة األعراف آية ١٤٣. قال تعالى (ال تدركه األبصار وهو يدرك األبصار وهو اللطيفالخبير)، وقال (عليه السالم) ال تدركه األبصار بمشاهدة العيان ولكن أدركته القلوب

بحقائق اإليمان. وخالف األشاعرة، بأن حقيقة الرؤية بالبصر، [أي وجود صورة المرئيوانطباعه فيه أو خروج خارج منه يتصل بسطح المرئي وكالها ممتنع في حقه تعالى ألن الصورة

والسطح من عوارض الجسم وهو ممتنع عليه كما مر (س ط).قالت األشاعرة إن الله موجود وكل موجود يرى جوابه إن الكيفيات النفسية موجودة كالعلموالشجاعة واللذة واأللم ومع ذلك ال ترى عيانا وأما قوله تعالى (إلى ربها ناظرة) فالمراد بهالنظر بالعقل والبصيرة ال بالعين والبصر، وقد نفت األشاعرة التجسيم وأثبتت الرؤية فوقعت

في التناقض ألن إثبات الرؤية هو إثبات للجسم والمجسمة كفرة روي عن الرضا (عليه السالم) من قالبالتجسيم والجبر فهو كافر.

(٢) من األخبار ما رواه الصدوق في كتاب التوحيد (باب ٨ ح ٣ ص ١٠٨) عن عاصم بن حميدقال: ذاكرت أبا عبد الله (عليه السالم) فيما يروون من الرؤية فقال: الشمس جزء من سبعينجزءا من نور الكرسي والكرسي جز من سبعين جزءا من نور العرش والعرش جز من سبعين

جزءا من نور الحجاب والحجاب جزء من سبعين جزءا من نور الستر فإن كانوا صادقينفليمألوا أعينهم من الشمس ليس دونها سحاب (حجاب).

(٥٦)

Page 57: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

أما عقال: فألنه لو كان مرئيا لكان في جهة فيكون جسما، وهوباطل، لما تقدم،

بيان األول أن كل مرئي فهو إما مقابل أو في حكم المقابل كالصورة فيالمرآة وذلك ضروري، وكل مقابل أو في حكمه فهو في جهة، فلو كان

الباري تعالى مرئيا لكان في جهة.وأما سمعا فلوجوه.

األول: أن موسى (عليه السالم) لما سأل الرؤية أجيب: ب (لنتراني) (١)، ولن لنفي التأبيد نقال عن أهل اللغة، وإذا لم يره موسى (عليه

السالم) لم يره غيره بطريق أولى.الثاني: قوله تعالى: (ال تدركه األبصار) (٢)، تمدح بنفي إدراك

األبصار له فيكون إثباته له نقصا.الثالث: أنه تعالى استعظم طلب رؤيته ورتب الذم عليه والوعيد فقال:

(فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقةبظلمهم) (٣)، (وقال الذين ال يرجون لقائنا لوال أنزل علينا المالئكة أو نرى

ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا) (٤).--------------------

(١) األعراف ١٤٣.(٢) األنعام ١٠٣.(٣) النساء ١٥٣.(٤) الفرقان ٢١.

(٥٧)

Page 58: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

قال: (الخامسة: في نفي الشريك عنه للسمع (١) وللتمانع فيفسد نظامالوجود، والستلزامه التركيب الشتراك الواجبين في كونهما واجبي الوجود فال

بد من مائز).أقول: اتفق المتكلمون والحكماء على سلب الشريك عنه تعالى

لوجوه:األول: الدالئل السمعية الدالة عليه، وإجماع األنبياء (عليهم السالم)

وهو حجة هنا لعدم توقف صدقهم على ثبوت الوحدانية.الثاني: دليل المتكلمين، ويسمى دليل التمانع هو مأخوذ من قوله

تعالى: (لو كان فيهما آلهة إال الله لفسدتا) (٢).وتقريره أنه لو كان معه شريك لزم فساد نظام الوجود، وهو باطل.

بيان ذلك: أنه لو تعلقت إرادة أحدهما بإيجاد جسم متحرك فال يخلوإما أن يكون لآلخر إرادة سكونه (٣) أوال، فإن أمكن، فال يخلو إما أن يقعمرادهما فيلزم اجتماع المتنافيين، أو ال يقع مرادهما فيلزم خلو الجسم عن

الحركة والسكون، أو يقع مراد أحدهما ففيه فسادان:أحدهما: الترجيح بال مرجح.--------------------

(١) أما السمعي فالكتاب العزيز مشحون به كقوله تعالى (قل هو الله أحد) وقوله تعالى (وإلهكم إلهواحد) وقوله تعالى (وقضى ربك أال تعبدوا إال إياه) وقوله تعالى (ولو كان معه آلهة كمايقولون البتغوا إلى ذي العرش سبيال) وقوله (وال تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم

ملوما مدحورا) (وال تجعل مع الله إلها آخر فتقعد ملوما مخذوال) وظاهر أن هذه المسألة اليتوقف إثبات السمع عليها.

(٢) األنبياء ٢٢.(٣) وفي األصل سكونه وكذلك في المطبوع والمقصود إرادة سكون الجسم المتحرك.

(٥٨)

Page 59: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

وثانيهما: عجز اآلخر.وإن لم يمكن لآلخر إرادة سكونه فيلزم عجزه، إذ ال مانع إال تعلق

إرادة ذلك الغير لكن عجز اإلله باطل، والترجيح بال مرجح محال، فيلزمفساد النظام وهو محال أيضا.

الثالث: دليل الحكماء، وتقريره أنه لو كان في الوجود واجب الوجودلزم إمكانهما.

وبيان ذلك: أنهما حينئذ يشتركان في وجوب الوجود، فال يخلو إما أنيتميزا أو ال، فإن لم يتميزا لم تحصل االثنينية (١)، وإن تميزا لزم تركب كلواحد منهما مما به المشاركة ومما به الممايزة، وكل مركب ممكن فيكونان

ممكنين، هذا خلف.قال: (السادسة: في نفي المعاني واألحوال عنه تعالى ألنه لو كان

قادرا بقدرة، وعالما بعلم، وغير ذلك الفتقر في صفاته إلى ذلك المعنىفيكون ممكنا، هذا خلف.

أقول: ذهبت األشاعرة إلى أنه تعالى قادر بقدرة، وعالم بعلم، وحيبحياة، إلى غير ذلك من الصفات، وهي معان قديمة زائدة على ذاته قائمة

بها.وقالت البهشمية (٢) إنه تعالى مساو لغيره من الذوات، وممتاز بحالة

--------------------(١) الستلزام االثنينية مزجة ما بينهما حتى يكونا اثنان فتصبر الفرجة ثالثا بينهما قديما معهما، فيلزم

القول بثالثة ثم يلزمهما ما لزم في االثنين من المفرجة فيلزم القول بخمسة ثم يتنامى في العددإلى ما ال نهاية في الكثرة وهو باطل.

ومما يشهد بالتوحيد إجماع األنبياء الصادقين وتواتر األخبار عن األئمة األطهار (عليه السالم) (سط).

(٢) البهشمية: أصحاب أبي علي الجبائي وابنه أبي هاشم وقد اختلفوا ببعض المسائل (المللوالنحل للشهرستاني).

(٥٩)

Page 60: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

تسمى األلوهية وتلك الحالة توجب له أحواال أربعة.وهي القادرية، والعالمية، والحيية، والموجودية:

والحال عندهم صفة لموجود، وال توصف بالوجود وال بالعدم، والباريقادر باعتبار تلك القادرية، وعالم باعتبار تلك العالمية، إلى غير ذلك،وبطالن تلك الدعوى ضروري، ألن الشئ إما موجود أو معدوم إذ ال

واسطة بينهما.وقالت الحكماء والمحققون من المتكلمين: إنه تعالى قادر لذاته،

وعالم لذاته إلى غير ذلك من الصفات، وما يتصور من الزيادة من قولنا:ذات عالمة وقادرة فتلك األمور اعتبارية زائدة في الذهن (١) ال في الخارج،

وهو الحق.[قلنا] إنه لو كان قادرا بقدرة، أو قادرية أو عالما بعلم أو عالمية إلى

غير ذلك من الصفات لزم افتقار الواجب في صفاته إلى غيره، ألن تلكالمعاني واألحوال مغايرة لذاته قطعا، وكل مفتقر إلى غيره ممكن، فلو كانت

صفاته زائدة على ذاته لكان ممكنا، هذا خلف.--------------------

(١) مر كالم بعض األصحاب [يظن في] زيادة الصفات في الخارج لما في الذهن، بل صرحبعضهم بذلك واألجود نفي الزيادة (س ط) ألن الصفة عرضي والعرض ال يكون ذاتا فاليكون نفس الذات فال يعتبر [إنها كذلك] صفة باعتبار أخر بعد اعتبار الذات بل الذات

المقدسة اقتضت القدرة والعلم وغير ذلك من الصفات فعنوا بالمقتضيات التي اقتضتها ذاتهالصفات فعبروا عنها بذلك ولعل كالم أمير المؤمنين (عليه السالم) يؤمي إلى هذا حيث قال وكمال

االخالص له نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف وشهادة كل موصوف أنهغير الصفة فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ومن قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزأه ومن جزأه فقد

جهله (س ط).ضابطة كلما يوجد من صفاته تعالى دون النقيض فهو من صفات الذات ومعه فمن صفات

األفعال (سرح ط)

(٦٠)

Page 61: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

قال: (السابعة: أنه تعالى غني ليس بمحتاج، ألن وجوب وجودهدون غيره يقتضي استغناؤه عنه وافتقار غيره إليه).

أقول: من صفاته السلبية كونه ليس بمحتاج إلى غيره مطلقا ال في ذاتهوال في صفاته، وذلك ألن وجوب الوجود الثابت له يقتضي استغناؤه مطلقا عن

مجموع ما عداه.فلو كان محتاجا لزم افتقاره فيكون ممكنا تعالى الله عنه، بل الباري

جلت عظمته مستغن عن مجموع ما عداه، والكل رشحة من رشحاتوجوده، وذرة من ذرات فيض جوده.

قال:

(٦١)

Page 62: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

الفصل الرابعفي العدل (١).وفيه مباحث:

األول: العقل قاض بالضرورة أن من األفعال ما هو حسن كرد الوديعةواالحسان والصدق النافع، وبعضها ما هو قبيح كالظلم والكذب الضار (٢).

ولهذا حكم بهما من نفى الشرائع كالمالحدة (٣)، وحكماء الهند وألنهما لو--------------------

(١) العدل لغة هو التسوية بين الشيئين وعند المتكلمين هو العلوم المتعلقة بتنزيه ذات الباري عنفعل القبيح واالخالل بالواجب (م ن).

(٢) اإلمامية والمعتزلة ذهبوا إلى أن من األفعال [ما هو] منها حسن دون تجرد من حكم الشرعومنها ما هو قبيح كذلك، لكن منها ما يدركه العقل بالضرورة كحسن االحسان وقبح العدوانومنها ما يدرك بالنظر كحسن فعل الشرائع وقبح تركها وكما نعلم بقبح الصدق الضار وحسنالكذب النافع ومنها ما ال يستقل بإدراكه العقل ال ضرورة وال نظرا كحسن صوم آخر يوم من

شهر رمضان وقبح صوم اليوم الذي يليه، فإن ذلك يكون الشرع كاشفا عنه، فاألمر كاشفعن حسنه والنهي كاشف عن قبحه، وذهبت األشاعرة إلى أنه ال حسن وال قبح أصال والمرجعفي ذلك إلى الشارع فما حسنه فهو حسن وما قبحه فهو قبيح وهذا المذهب في غاية السقوط

(س. طريحي).(٣) يريدون بالملحدة اإلسماعيلية الذي ال يعملون بالشرع مع غيبة اإلمام، وبالهند هم [أهل]

الهند كالبراهمة الذين ال يعملون بالشرع وال يحسنون بعثة األنبياء وهذان الفريقان يحكمانبالحسن والقبح العقليين (مجمع البحرين) وقال قوله تعالى يلحدون في أسمائه أي يميلون

في صفاته إلى غير ما وصف به نفسه.

(٦٣)

Page 63: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

انتفيا عقال النتفيا سمعا النتفاء قبح الكذب حينئذ من الشارع).أقول: لما فرغ من مباحث التوحيد شرع في مباحث العدل، والمراد

بالعدل هو تنزيه الباري تعالى عن فعل القبيح، االخالل بالواجب ولما توقفذلك على معرفة الحسن والقبح العقليين قدم البحث عنه.

واعلم أن الفعل ضروري التصور، وهو إما أن يكون له وصف زائدعلى حدوثه أوال، والثاني كحركة الساهي والنائم، واألول إما أن ينفر العقل

من ذلك الزائد أو ال، واألول هو القبيح، والثاني وهو الذي ال ينفر العقلمنه، إما أن يتساوى فعله وتركه وهو المباح، أو ال يتساوى فإن ترجح تركه

فهو إما مع المنع من النقيض فهو الحرام وإال فهو المكروه وإن ترجح فعله فإمامع المنع من تركه وهو الواجب أو مع جواز تركه فهو المندوب.

إذا تقرر هذا فاعلم أن الحسن والقبح يقاالن على ثالثة معان:األول: كون الشئ صفة كمال كقولنا: العلم حسن، أو صفة نقص

كقولنا: الجهل قبيح.الثاني: كون الشئ مالئما للطبع كالمستلذات، أو منافيا له كاآلالم.الثالث: كون الحسن ما يستحق على فعله المدح، عاجال والثواب

آجال، والقبيح ما يستحق على فعله الذم عاجال والعقاب آجال.وال خالف في كونهما عقليين باالعتبارين األولين.

وأما باالعتبار الثالث فاختلف المتكلمون فيه فقالت األشاعرة: ليس فيالعقل ما يدل على الحسن والقبح بهذا المعنى، بل الشرع فما حسنه فهو

الحسن، وما قبحه فهو القبيح.وقالت المعتزلة واإلمامية: في العقل ما يدل على ذلك فالحسن حسن

في نفسه، والقبيح قبيح في نفسه، سواء حكم الشارع بذلك أو ال، ونبهوا

(٦٤)

Page 64: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

على ذلك بوجوه:األول: إنا نعلم ضرورة حسن بعض األفعال كالصدق النافع،

واالتصاف، واالحسان ورد الوديعة، وإنقاذ الهلكى، وأمثال ذلك، وقبحبعض كالكذب الضار، والظلم، واإلساءة غير المستحقة، وأمثال ذلك من

غير مخالجة شك فيه.ولذلك كان هذا الحكم مركوزا في جبلة اإلنسان فإنا إذا قلنا لشخص:

إن صدقت فلك دينار، وإن كذبت فلك دينار، واستوى األمران بالنسبة إليه،فإنه بمجرد عقله يميل إلى الصدق.

الثاني: أنه لو كان مدرك الحسن والقبح هو الشرع ال غير، لزم أن اليتحققا بدونه، والالزم باطل فالملزوم مثله.

أما بيان اللزوم: فالمتناع تحقق المشروط بدون شرطه ضرورة.وأما بيان بطالن الالزم فألن من ال يعتقد الشرع وال يحكم به

كالمالحدة، وحكماء الهند يعتقدون حسن بعض األفعال، وقبح بعض منغير توقف في ذلك فلو كان مما يعلم بالشرع لما حكم به هؤالء.

الثالث: أنه لو انتفى الحسن والقبح العقليان انتفى الحسن القبحالشرعيان، والالزم باطل اتفاقا فكذا الملزوم.

وبيان المالزمة: بانتفاء قبح الكذب حينئذ من الشارع إذ العقل لميحكم بقبحه، وهو لم يحكم بقبح كذب نفسه، وإذا انتفى قبح الكذب منه

انتفى الوثوق بحسن ما يخبرنا بحسنه، وقبح ما يخبرنا بقبحه.قال: (الثاني: في أنا فاعلون باالختيار والضرورة قاضية بذلك،

للفرق الضروري بين سقوط اإلنسان من سطح ونزوله منه على الدرج، وإال

(٦٥)

Page 65: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

المتنع تكليفنا بشئ فال عصيان، ولقبح أن يخلق الفعل فينا ثم يعذبنا عليهوللسمع (١).

--------------------(١) وما أحسن ما حكاه [المصنف] في بعض كتبه عن أبي الهذيل العالف قال [حمار] بشرأعقل من بشر ألن حمار بشر إذا أتيت به إلى جدول صغير وضربته للعبور فإنه [يطفره] ولو

أتيت به إلى جدول كبير لم يطفره ألنه يفرق بين ما يقدر على [طفره] وبين ما ال يقدر وبشرال يفرق بين المقدور له وغيره.

أقول في مجمع البحرين الطفرة الوثوب في ارتفاع.والسمع الوارد هنا في الكتاب والسنة:

فمن األول قوله تعالى كل أمر بما كسب رهين وقوله لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت فويل للذينيكتبون الكتاب بأيديهم ويقولون هو من عند الله إلى غير ذلك مما هو صريح في إضافة الفعل

إلى العبد.ومن الثاني ما رواه الشيخ الصدوق محمد بن بابويه في كتاب التوحيد (باب رقم ٥ ح ٢ ص ٩٦

باختالف كبير في األلفاظ) ورواه الكراجكي في كنز الفوائد غالف في األلفاظ (١ / ٣٦٦)بسنده المتصل إلى اإلمام علي بن موسى الرضا (عليهما السالم) قال خرج أبو حنيفة ذات

يوم من عند الصادق (عليه السالم) فاستقبل موسى بن جعفر (عليهما السالم) فقال له ياغالم ممن المعصية، قال يا شيخ ال تخلو من ثالث أما أن تكون من الله تعالى [وليست منه]

وليس من العبد شئ فليس للحكيم أن يأخذ عبده بما لم يفعله وأما أن يكون من العبدومن الله والله أقوى الشريكين وليس للشريك األكبر أن يأخذ األصغر بذنبه، وأما أن يكون من

العبد وليس من الله شئ فإن شاء عفا وإن شاء عاقب [ما في التوحيد فيه اختالف كبير فياأللفاظ] وما رواه الشيخ أبو علي في كتابه االحتجاج (٢٠٩ ط. أعلمي) عن أمير المؤمنين

(عليه السالم) وقد سئل عن القضاء والقدر فقال ال تقولوا وكلهم الله تعالى إلى أنفسهمفتوهنوه وال تقولوا جبرهم فتظلموه ولكن قولوا الخير بتوفيق والشر بخالن الله وكل سابق

في علم الله.وما روي أن الحجاج بن يوسف كتب إلى الحسن البصري وإلى واصل بن عطا وإلى عامر بن القبي

وإلى عمرو بن عبيد يسألهم عن القضاء والقدر فأجاب أحدهم ال أعرف إال ما قاله أميرالمؤمنين (عليه السالم).

أتظن أن الذي نهاك دهاك وإنما دهاك أسفلك وأعالك وربك بري من ذلك [ذاك].وأجاب اآلخر أنا ال أعرف إال ما قاله أمير المؤمنين (عليه السالم) إن كانت المعصية حتما كانت

ظلما [إن كان الرزق في األصل محتوما فالوزار في القصاص مظلوم] وأجاب اآلخرما قاله أمير المؤمنين (عليه السالم) ما حمدت الله عليه فهو منه وما استغفرت الله منه [عنه]

فهو منك. وأجاب اآلخر أنا ال أعرف إال ما قاله أمير المؤمنين (عليه السالم) انظر أن الذي فتح عليك الطريقلزم عليك

المضيق [هذا] في العقل ال يليق من وسع عليك الطريق لم يأخذ عليك المضيق فلماوصلت إليه األجوبة قال قتلهم الله أخذوه من عين صافية ليس فيها كدر وال وعر (شرح

طريحي) [رواه في كنز الفوائد باختالف في األلفاظ كبير (١ / ٣٦٥)].

(٦٦)

Page 66: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

أقول: ذهب أبو الحسن األشعري ومن تابعه إلى أن األفعال كلها واقعةبقدرة الله تعالى وأنه ال فعل للعبد أصال، وقال بعض األشعرية أن ذات الفعل من

الله والعبد له الكسب، وفسروا بأنه كون الفعل طاعة أو معصية،وقال بعضهم معناه أن العبد إذا صمم العزم على الشئ خلق الله تعالى الفعل

عقيبه.وقالت المعتزلة والزيدية واإلمامية: إن األفعال الصادرة من العبد

وصفاتها، والكسب الذي ذكروه، كلها واقعة بقدرة العبد واختياره وأنه ليسبمجبور على فعله بل له أن يفعل وله أن ال يفعل وهو الحق لوجوه.

األول: أنا نجد تفرقة ضرورية بين صدور الفعل منا تابعا للقصدوالداعي، كالنزول من السطح على الدرج، وبين صدور الفعل ال كذلك،

كالسقوط منه إما مع القاهر أو مع الغفلة.فإن نقدر على الترك في األول دون الثاني ولو كانت األفعال ليست منا

لكانت على وتيرة واحدة من غير فرق، لكن الفرق حاصل، فيكون منا، وهوالمطلوب.

الثاني: لو لم يكن العبد موجدا ألفعاله المتنع تكليفه وإال لزم التكليفبما ال يطاق، وإنما قلنا ذلك ألنه حينئذ غير قادر على ما كلف به، فلو كلفلكان تكليفا بما ال يطاق، وهو باطل باالجماع، وإذا لم يكن مكلفا لم يكن

(٦٧)

Page 67: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

عاصيا بالمخالفة لكنه عاص باالجماع.الثالث: أنه لو لم يكن العبد قادرا موجدا لفعله لكان الله أظلم

الظالمين.وبيان ذلك: أن الفعل القبيح إذا كان صادرا منه تعالى استحالت معاقبة

العبد عليه ألنه لم يفعله، لكنه تعالى يعاقبه اتفاقا فيكون ظالما، تعالى اللهعنه.

الرابع: الكتاب العزيز الذي هو فرقان بين الحق والباطل مشحونبإضافة الفعل إلى العبد، وأنه واقع بمشيئته كقوله: (فويل للذين يكتبون

الكتاب بأيديهم (١)، إن يتبعون إال الظن (٢)، حتى يغيروا ما بأنفسهم (٣)،من يعمل سوءا يجز به (٤)، كل امرئ بما كسب رهين (٥)، جزاء بما كانوا

يعملون (٦)، إلى غير ذلك، وكذلك آيات الوعد والوعيد والذم والمدحوهي أكثر من أن تحصى.

قال: (الثالث: في استحالة القبح عليه تعالى، ألن له صارفا عنه وهوالعلم بالقبح، وال داعي له إليه، ألنه أما داعي الحاجة الممتنعة عليه، أو

الحكمة وهو منتف هنا، وألنه لو جاز صدوره عنه المتنع إثبات النبوات).أقول: يستحيل أن يكون الباري تعالى فاعال للقبيح، وهو مذهب

المعتزلة، وعند األشاعرة هو فاعل الكل حسنا كان أو قبيحا، والدليل على ماقلناه وجهان:

--------------------(١) البقرة ٧٩.

(٢) األنعام ١١٦.

(٣) واألنفال ٥٣.(٤) النساء ١٢٣.

(٥) الطور ٢١(٦) والواقعة ٢٤.

(٦٨)

Page 68: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

األول: أن الصارف عنه موجود، والداعي إليه معدوم، وكلما كانكذلك امتنع الفعل ضرورة، أما وجود الصارف فهو القبح والله تعالى عالمبه، وأما عدم الداعي فألنه إما داعي الحاجة إليه وهو عليه محال ألنه غير

محتاج، وأما داعي الحكمة الموجودة فيه وهو محال ألن القبيح ال حكمةفيه.

الثاني: أنه لو جاز عليه القبيح المتنع إثبات النبوات، والالزم باطلإجماعا فالملزوم مثله.

بيان المالزمة أنه حينئذ ال يقبح منه تصديق الكاذب ومع ذلك ال يمكنالجزم بصحة النبوة وهو ظاهر.

قال: وحينئذ يستحيل عليه إرادة القبيح ألنها قبيحة.أقول: ذهبت األشاعرة إلى أنه تعالى مريد لمجموع الكائنات حسنة

كانت أو قبيحة، شرا كانت أو خيرا، إيمانا كان أو كفرا، ألنه موجد للكلفهو مريد له (١).

وذهبت المعتزلة إلى استحالة إرادته للقبيح والكفر وهو الحق، ألنإرادة القبيح أيضا قبيحة، ألنا نعلم ضرورة أن العقالء كما يذمون فاعل

القبيح فكذا مريده واألمر به.فقول المصنف فحينئذ أتى بفاء النتيجة أي يلزم من امتناع فعل القبيح

امتناع إرادته (١).--------------------

(١) في الحاشية: ذهبت األشاعرة إلى أنه ال يفعل القبيح.إن قلت ورد في النقل الصحيح من أنه تعالى خالق الخير والشر في القرآن المجيد مثل قوله تعالى

(قل كل من عند الله) يدل بظاهره على خالف ما ذكرت فكيف المخرج منه؟قلت: كل من الخير والشر والحسنة والسيئة يقال على المعنيين، والخير تارة يطلق على (مالئم)الطبع كالمستلذ من المدركات ويقابله الشر فيكون بمعنى غير المالئم له كالحيات والعقارب

وما أشبهها من المؤذيات فإن خلق [الله] يشتمل على حكم [البتة] وأخرى على ما يرادفالحسن والمصلحة ويقابله السيئة فيكون معنى ما يرادف القبيح والمفسدة، وكونه خالق الشر

هو ما كان بالمعنى األول ال الثاني، أو الثاني ويكون المراد خلق تقدير ال خلق تكوين،والحسنة تارة تطلق على ما يستطاب كالخصب وسعة الرزق ويقابلها السيئة كالجدب وضيق

الرزق كما في قوله تعالى (فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه، وإن تصبهم سيئة يطيروابموسى ومن معه) وأخرى على الطاعة يقابلها السيئة كالمعصية والمنسوب إليه من السيئة

هو ما كان بمعنى األول دون الثانية (س ط).

(٦٩)

Page 69: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

قال: (الرابع: في أنه تعالى يفعل لغرض لداللة القرآن عليه،والستلزام نفيه العبث وهو قبيح).

أقول: [ذهبت األشاعرة إلى أنه ال يفعل لغرض (*)]وإال لكان ناقصا مستكمال بذلك الغرض، وقالت المعتزلة إن أفعال الله

معللة باألغراض وإال لكان عابثا تعالى الله عنه، وهو مذهب أصحابنا اإلماميةوهو الحق لوجهين:

نقلي، وعقلي:أما النقلي: فداللة القرآن عليه ظاهرة كقوله تعالى: (أفحسبتم أنما

خلقناكم عبثا وأنكم إلينا ال ترجعون (١)، وما خلقت الجن واإلنس إالليعبدون (٢)، وما خلقنا السماء واألرض وما بينهما باطال ذلك ظن الذين

كفروا (٣).وأما العقلي: فهو أنه لوال ذلك لزم أن يكون عابثا، والالزم باطل

فالملزوم مثله.--------------------

(١) ليس في النسخة الحجرية.(١) المؤمنون ١١٥.

(٢) الذاريات ٥٦.(٣) سورة ص ٢٧.

(٧٠)

Page 70: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

أما بيان اللزوم فظاهر، وأما بطالن الالزم فألن العبث قبيح والقبيح اليتعاطاه الحكيم، وأما قولهم: لو كان فاعال لغرض لكان مستكمال بذلك،

فإنما يلزم االستكمال أن لو كان الغرض عائدا إليه لكنه ليس كذلك، بل هوعائد إما إلى منفعة العبد أو القتضاء نظام الوجود وذلك ال يلزم منه

االستكمال.قال: (وليس الغرض االضرار لقبحه بل النفع).

أقول: لما ثبت أن فعله تعالى معلل بالغرض، وأن الغرض عائد إلىغيره، فليس الغرض حينئذ إضرار ذلك الغير، ألن ذلك قبيح عند العقالء

كمن قدم إلى غيره طعاما مسموما يريد به قتله، فإذا لم يكن الغرض اإلضرارتعين أن يكون النفع وهو المطلوب.

قال: (فال بد من التكليف (١) وهو بعث من يجب طاعته على ما فيهمشقة على جهة االبتداء بشرط اإلعالم).

أقول: لما ثبت أن الغرض من فعله تعالى نفع العبد، وال نفع حقيقيإال الثواب ألن ما عداه إما دفع ضرر أو جلب نفع غير مستمر، فال يحسن أن

يكون ذلك غرضا لخلق العبد ثم الثواب يقبح االبتداء به كما يأتي.فاقتضت الحكمة توسط التكليف، والتكليف لغة مأخوذ من الكلفة وهي

المشقة واصطالحا ما ذكره المصنف، فالبعث على الشئ هو الحمل عليه،ومن تجب طاعته هو الله تعالى، فلذلك قال على جهة االبتداء ألن وجوب

طاعة غير الله كالنبي (صلى الله عليه وآله) واإلمام علي (عليه السالم) والوالد--------------------

(١) قوله فال بد حينئذ من التكليف ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وليجزي الذيأساؤا بما علموا أو يجزي الذين أحسنوا بالحسن (س ط).

(٧١)

Page 71: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

والسيد والمنعم تابع ومتفرع على طاعة الله (١).وقوله على ما فيه مشقة، احتراز عما ال مشقة فيه، كالبعث على النكاح

المستلذ وأكل المستلذات من األطعمة واألشربة.وقوله بشرط اإلعالم أي بشرط إعالم المكلف. بما كلف به وهو من

شرائط حسن التكليف وشرائط حسنه ثالثة:(األول): عائد إلى التكليف نفسه وهو أربعة:

األول: انتفاء المفسدة فيه ألنه قبيح.الثاني: تقدمه على وقت الفعل.

الثالث: إمكان وقوعه ألنه يقبح التكليف بالمستحيل.الرابع: ثبوت صفة زائدة على حسنه إذ ال تكليف بالمباح.(الثاني): عائد إلى المكلف وهو فاعل التكليف وهو أربعة:

األول: علمه بصفات الفعل من كونه حسنا أو قبيحا.الثاني: علمه بقدر ما يستحقه كل واحد من المكلفين من ثواب

وعقاب.الثالث: قدرته على إيصال المستحق حقه.

الرابع: كونه غير فاعل للقبيح.(الثالث): عائد إلى المكلف وهو محل التكليف وهو ثالثة:

--------------------(١) كبعث الوالد ولده على الصالة وغره فإنه يقال أمره بها وال يقال كلفه بها وكذلك النبي واإلمام

والسيد فإن طاعتهم متفرعة على طاعة الله وحملهم عليها ال يسمى تكليفا حقيقة.

(٧٢)

Page 72: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

األول: قدرته على الفعل الستحالة تكليف ما ال يطاق كتكليف األعمىبنقط المصحف والزمن (١) بالطيران.

الثاني: علمه بما كلف به أو إمكان علمه به، فالجاهل المتمكن منالعلم غير معذور.

الثالث: إمكان آلة الفعل ثم متعلق التكليف إما علم، أو ظن، أوعمل، أما العلم فإما عقلي، كالعلم بالله وصفاته وعدله والنبوة واإلمامة، أو

سمعي كالشرعيات، وأما الظن فكما في جهة القبلة، وأما العملفكالعبادات.

قال: (وإال لكان مغريا بالقبيح حيث خلق الشهوات والميل إلى القبيحوالنفور عن الحسن فال بد من زاجر وهو التكليف).

أقول: هذا إشارة إلى وجوب التكليف في الحكمة (١) وهو مذهبالمعتزلة وهو الحق خالفا لألشعرية فإنهم لم يوجبوا على الله تعالى شيئا ال

تكليفا وال غيره.والدليل على ما قلناه أنه لوال ذلك لكان الله فاعال للقبيح.

وبيان ذلك: أنه خلق في العبد الشهوة والميل إلى القبائح والنفرةوالتأبي عن الحسن فلو لم يقرر (٢) عبده عقله ولم يكلفه بوجوب الواجب وقبح

القبيح ويعده ويتوعده لكان الله تعالى مغريا له بالقبيح، واإلغراء بالقبيح قبيح.--------------------

(١) الزمانة العاهة ورجل زمن أي مبتلى، زمن الشخص فهو زمن مرض يدوم زمانا طويال (م.ع).

(٢) ووجوب التكليف عقال عندنا معشر اإلمامية وكذلك عند المعتزلة أما األشاعرة فقد نفوا ذلكوزعموا أنه يجوز [الخلق] منه فرد عليهم المصنف بقوله (وإال الخ...).

(٣) من التمكن واإلقرار واالستقرار يقال قر واستقر.

(٧٣)

Page 73: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

قبيح.قال: (والعلم غير كاف الستسهال الذم في قضاء الوطر).

أقول: هذا جواب عن سؤال مقدر، تقدير السؤال أنه لم ال يكونالعلم باستحقاق الذم على القبيح زاجرا عنه، والعلم باستحقاق المدح على

الحسن داعيا إليه وحينئذ ال حاجة إلى التكليف لحصول الغرض بدونه.أجاب المصنف بأن العلم غير كاف ألنه كثيرا ما يستسهل الذم على

القبيح مع قضاء الوطر منه، خاصة مع حصول الدواعي الحسية التي هي فياألكثر تكون قاهرة للدواعي العقلية (١).

قال: (وجهة حسنه التعريض للثواب أعني النفع المستحق المقارنللتعظيم واالجالل الذي يستحيل االبتداء به).

أقول: هذا أيضا جواب عن سؤال مقدر، تقدير السؤال أن جهة حسنالتكليف، إما حصول العقاب وهو باطل قطعا، أو حصول الثواب، وهو

أيضا باطل لوجهين:األول: أن الكافر الذي يموت على كفره مكلف مع عدم حصول

الثواب له.الثاني: أن الثواب مقدور لله تعالى ابتدأ فال فائدة في توسط

التكليف.--------------------

(١) فإن كثيرا من الخلق ال يعبأ بالمدح والذم، ويترجح شهوته وميله الطبيعي على احتفال العقالءبمدحه وذمه، وعلى أن المدح والذم ال يكونان من العقالء إال فيما تستقل عقولهم بحسنة أوقبحه، أما ما ال يستقل كما هو أكثر التكاليف فال يتحقق االغراء و [هو رد] أن جهة حسنالتكليف إن كانت حصول العقاب فذلك إضرار وهو قبيح، وإن كانت حصول الثواب فهو

باطل لما ترى من أن الكافر يموت على الكفر فال يحصل له ثواب مع أنه مكلف، وأيضايمكن إيصال الثواب بال توسط التكليف [فكان] ال لفرض (س ط).

(٧٤)

Page 74: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

أجاب عنه، بأن جهة حسنه هو التعريض للثواب ال حصول الثواب،والتعريض عام بالنسبة إلى المؤمن والكافر، وكون الثواب مقدورا لله ابتداءمسلم، لكن يستحيل االبتداء به من غير توسط التكليف، ألنه مشتمل على

التعظيم، وتعظيم من ال يستحق التعظيم قبيح عقال.وقول المصنف في تعريف الثواب، أنه النفع المستحق المقارن

للتعظيم، فالنفع يشتمل الثواب والتفضل والعوض، فبقيد المستحق خرجالتفضل، وبقيد المقارن للتعظيم خرج العوض (١).

قال: (الخامس: في أنه تعالى يجب عليه اللطف وهو ما يقرب العبدإلى الطاعة ويبعده عن المعصية، والحظ له في التمكين وال يبلغ االلجاء،

لتوقف غرض المكلف عليه فإن المريد لفعل من غير إذا علم أنه ال يفعله إالبفعل يفعله المريد من غير مشقة، لو لم يفعله لكان ناقضا لغرضه وهو قبيح

عقال) (٢).أقول: ما يتوقف عليه إبقاء الطاعة وارتفاع المعصية تارة يكون التوقف

عليه الزما وبدونه ال يقع الفعل، وذلك القدرة واآللة، وتارة ال يكون كذلكبل يكون المكلف باعتبار الطاعة المتوقف عليه أدنى وأقرب إلى فعل الطاعة

وارتفاع المعصية وذلك هو اللطف.--------------------

(١) الثواب والجزاء ويكون في الخير والشر واألول أكثر وفي اصطالح أهل الكالم هو النفعالمستحق المقارن للتعظيم واالجالل (س ط).

(٢) أال ترى إلى من أراد من غيره حضور طعام ثم [هيأ له] علم ال يحضر إال مع نوع من اللطفكإرسال رسول مثال فمتى لم يفعل عده العقالء مناقضا لغرضه مخالفا لمقتضى الحكمة (س ح

ط).

(٧٥)

Page 75: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

فقوله: والحظ له في التمكين (١) إشارة إلى القسم األول كالقدرة فإنهاليست لطفا في الفعل بل شرطا في إمكانه.

وقوله: وال يبلغ االلجاء، ألنه لو بلغ االلجاء لكان منافيا للتكليف،إذا تقرر هذا فاعلم أن اللطف تارة يكون من فعل الله، فيجب عليه، وتارةيكون من فعل المكلف فيجب عليه تعالى إشعاره به، وإيجابه عليه، وتارة

يكون من فعل غيرهما فيشترط في التكليف العلم به، وإيجاب الله ذلكالفعل على ذلك الغير وإثباته عليه.

وإنما قلنا بوجوب ذلك كله على الله، ألنه لوال ذلك لكان ناقضا لغرضهونقض الغرض قبيح عقال.

وبيان ذلك: أن المريد من غيره فعال من األفعال، ويعلم المريد أنالمراد منه ال يفعل المطلوب إال مع فعل يفعله المريد مع المراد منه،

من نوع مالطفة أو مكاتبة، أو إرسال إليه، أو السعي إليه، وأمثال ذلك منغير مشقة عليه في ذلك، لو لم يفعل ذلك مع تصميم إرادته لعده العقالء

ناقضا لغرضه، وذموه على ذلك.وكذا القول في حق الباري تعالى مع إرادة إيقاع الطاعة، وارتفاع

المعصية، لو لم يفعل ما يتوقفان عليه لكان ناقضا لغرضه، ونقض الغرضقبيح تعالى الله عن ذلك.

قال: (السادس: في أنه تعالى يجب عليه فعل عوض اآلالم الصادرة--------------------

(١) قوله والحظ له في التمكين لتخرج القدرة فإنها ليست لطفا في العقل وإن كانت تقرب إلىالطاعة تبعد عن المعصية، بل أي شرط في إيجاده وإن قيده بكونه حدا ال يبلغ حد

[االلجاء] فإنه لو كان كذلك كجذب العبد قهرا من الزنى إلى مجلس العلم لكان منافياللتكليف مع ثبوته.

(٧٦)

Page 76: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

عنه ومعنى العوض هو النفع (١) المستحق الخالي من التعظيم واالجالل، وإاللكان ظالما تعالى الله عن ذلك ويجب زيادته على األلم وإال لكان عبثا).

أقول: األلم الحاصل للحيوان إما أن يعلم فيه وجه من وجوه القبح،فذلك يصدر عنا خاصة، أو ال يعلم فيه ذلك فيكون حسنا، وقد ذكر لحسن

األلم وجوه.األول: كونه مستحقا.

الثاني: كونه مشتمال على النفع الزائد العائد إلى المتألم.الثالث: كونه مشتمال على دفع الضرر الزائد عنه.

الرابع: كونه بما جرت به العادة.الخامس: كونه مشتمال على وجه الدفع وذلك الحسن.

قد يكون صادرا عنه تعالى،وقد يكون صادرا عنا، فأما ما كان صادرا

عنه تعالى على وجه النفع فيجب فيه أمران:أحدهما: العوض عنه، وإال لكان ظالما تعالى الله عنه، ويجب أن

يكون زائدا على األلم إلى حد الرضا عند كل عاقل، ألنه يقبح في الشاهدإيالم شخص لتعويضه عوض ألمه من غير زيادة الشتماله على العبثية.

وثانيهما: اشتماله على اللطف، إما للمتألم أو لغيره ليخرج من--------------------

(١) فالنفع جنس يندرج تحته [المقصود] وغيره وقيد المستحق بفتح الحاء فخرج للتفضل ألنهليس باالستحقاق، وقيد الخالي عن التعظيم واالجالل فخرج للثواب ألنه مقارن بهما ومنع

صدور اآلالم منه تعالى إنزالها بالخلق كاألمراض وغيرها أو إباحتها للمكلف كذبح األنعام وندبه إليها كما في األضاحي أو إيجابها كما في الكفارات والنذر أو بتمكينه [إيانا] غير العاقل

من الحيوان كالسباع من الوحوش والطيور والهوام (س ط).

(٧٧)

Page 77: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

العبث، وأما ما كان صادرا عنا مما فيه وجه من وجوه القبح، فيجب على اللهاالنتصاف للمتألم من المؤلم لعدله، ولداللة السمع عليه، ويكون العوض

هنا مساويا لأللم وإال لكان ظالما.وهنا فوائد:

األولى: العوض هو النفع المستحق الخالي من تعظيم وإجالل فبقيدالمستحق خرج التفضل، وبقيد الخلو عن التعظيم خرج الثواب.

الثانية: ال يجب دوام العوض ألنه ال يحسن في الشاهد ركوب األهوالالخطيرة ومكابدة المشاق العظيمة لنفع منقطع قليل.

الثالثة: العوض ال يجب حصوله في الدنيا، لجواز أن يعلم اللهالمصلحة في تأخيره بل قد يكون حاصال في الدنيا وقد ال يكون.

الرابعة: الذي يصل إليه عوض ألمه في اآلخرة، إما أن يكون من أهلالثواب، أو من أهل العقاب، فإن كان من أهل الثواب فيكفيه إيصاله أعواضهإليه بأن يفرقها الله تعالى على األوقات، أو يتفضل عليه بمثلها، وإن كان منأهل العقاب أسقط لها جز من عقابه بحيث ال يظهر له التخفيف بأن يفرق

القدر على األوقات.الخامسة: األلم الصادر عنا، إما بأمره تعالى أو إباحته، والصادر عن

غير العاقل كالعجماوات وكذا ما يصدر عنه من تفويت المنفعة لمصلحة الغير--------------------

(١) ذهب بعض العدلية إلى أن العوض في هذا األخير ليس على الله بل على الحيوان المؤذي،وقال بعضهم ال عوض في جنابتها أصال، واألول أقرب إلى الصواب ألنه تعالى هو الذي مكنهوجعل فيه الشهوة لإليالم ولم يجعل له عقال زاجرا عنه مع أنه كان يمكن أن ال يخلقه أو اليخلق فيه تلك الشهوة أو يخلق معها العقل الزاجل حتى ال يفعل، فلما لم يكن شئ من ذلك

كان بمنزلة االغراء فيجب فيه العوض عليه تعالى.

(٧٨)

Page 78: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

وإنزال العموم الحاصلة من غير فعل العبد يجب عوض كله على الله تعالىلعدله وكرمه (١).

قال:--------------------

(١) احتج من أوجب العوض على الحيوان نفسه بقوله يوم نقيض للجماء من القرناء والقصاصيومئذ ليس إال بأخذ العوض فيكون العوض عن الحيوان ثابتا واحتج من أسقط العوض بالكلية

بقوله (جرح العجماء جبار) أي [] والجواب عن الحجتين إجماال وتفصيال:أما األول فألنهما خبرا آحاد فال ينهضان حجة فيما طريقه العلم، وأما الثاني [نعني] األول

باحتمال أن يراد من الجماء المظلوم ومن القرناء الظالم على طريق االستعارة، ووجهالمشابهة مشاركة المظلوم للجماء في عدم القوة على دفع العدو به، ومشاركة الظالم للقرناءفي القوة على ذلك، وعن الثانية بأن المراد انتفاء القصاص وهو ال يوجب إسقاط العوض فإن

العوض غير القصاص (س ط).

(٧٩)

Page 79: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

الفصل الخامسفي النبوة

النبي (صلى الله عليه وآله) هو اإلنسان المخبر عن الله تعالىبغير واسطة أحد من البشر).

أقول: لما فرغ من مباحث العدل أردف ذلك مباحث النبوة، لتفرعهاعليه.

وعرف النبي (١): بأنه اإلنسان المخبر عن الله تعالى بغير واسطة أحدمن البشر، فبقيد اإلنسان (٢) يخرج الملك، وبقيد المخبر عن الله يخرج

--------------------(١) النبي في اللغة مأخوذ من [النبوة والنباوة] وهي االرتفاع سمي به الرتفاع شأنه وسطوع أمره،

أو من [النبي] وهو الطريق سمي به لكونه طريقا موصال إلى الحق ووسيلة وداعية إليه، أومن األنبياء وهي األخبار سمي به إلخباره عن الله تعالى فعلى األولين النبوة كاألبوة...

(مجمع البحرين ومعجم مقاييس اللغة البن فارس) قال النبي الطريق وبنو أصل صحيح يدلعلى ارتفاع....

(والشرط العقالء أن يكون بني كل نوع منه).(٢) قال قلت كيف صح االحتراز باالنسان مع أنه جنس، والجنس ما به االشتراك، وما به

االشتراك غير ما به االمتياز.قلت للجنس جهتان، جهة عموم وبها يقع االشتراك، وجهة خصوص وبها يقع االمتياز، والرسول

بمعنى النبي وقد يخص بمن له كتاب أو شريعة، وبعثة األنبياء مع حسنها خالفا للبراهمةواجبة خالفا لألشاعرة.

(٨١)

Page 80: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

المخبر عن غيره، وبقيد عدم واسطة بشر يخرج اإلمام والعالم، فإنهما مخبرانعن الله تعالى بواسطة النبي (صلى الله عليه وآله).

إذا تقرر هذا، فاعلم أن النبوة مع حسنها (١) خالفا للبراهمة (٢) واجبةفي الحكمة خالفا لألشاعرة (٣).

والدليل على ذلك، هو أنه لما كان المقصود من إيجاد الخلق هوالمصلحة العائدة إليهم، كان إسعافهم بما فيه مصالحهم وردعهم عما فيه

مفاسدهم واجبا في الحكمة، وذلك إما في أحوال معاشهم أو أحوالمعادهم.

أما في أحوال معاشهم: فهو أنه لما كانت الضرورة داعية في حفظالنوع االنساني إلى االجتماع الذي يحصل معه مقاومة كل واحد لصاحبه فيما

يحتاج إليه، استلزم ذلك االجتماع تجاذبا وتنازعا يحصالن من محبة كلواحد لنفسه وإرادة المنفعة لها دون غيرها، بحيث يفضي ذلك إلى فساد النوع

واضمحالله.فاقتضت الحكمة وجود عدل يفرض شرعا يجري بين النوع، بحيث

--------------------(١) أما حسنها فالشتمالها على الفوائد الجليلة والمنافع الجزيلة كمعاضدة العقول فيما دلت عليهتأكيد الحجة لإلفادة ما لم تدل عليه كما هو أكثر التكاليف وحفظ نوع اإلنسان من التلف ألن

اإلنسان مدني بالطبع ال يمكنه التعيش الذي به البقاء بدون اجتماعه مع نبي نوعه ومشاركتهمعهم فيما ال يتم النظام إال به كأن يحطب [أحدهم وأخر يصنع] آلة يقطع بها الحطب،

[ولما يتحصل] حينئذ من النفوس المختلفة األمارة بالسوء التجاوب والتنازع والتغالبالمفضي إلى الفساد والمفضي إلى االضمحالل (س. ط).

(٢) النافين لحسنها رأسا فضال عن وجوبها، ومهما يكن فحسنها ثابت ألنه ال يستهدف منها إالهداية البشر إلى مصالحهم وتجنيبهم المفاسد وإغناء علومهم وتعديل نظام نشأتهم وتكثير

خيراتهم الخ...(٣) النافين لوجوبها على الله وإن أثبتوا حسنها وهم أخطأوا ألن إثبات الحسن في العقل هو إثبات

لوجوب إجرائه.

(٨٢)

Page 81: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

ينقاد كل واحد إلى أمره وينتهي عند زجره.ثم لو فرض ذلك الشرع إليهم لحصل ما كان أوال، إذ لكل واحد رأييقتضيه عقله، وميل يوجبه طبعه، فال بد حينئذ من شارع متميز بآيات

ودالالت تدل على صدقه كي يشرع ذلك الشرع مبلغا له عن ربه، يعد فيهالمطيع ويتوعد العاصي ليكون ذلك أدعى إلى انقيادهم ألمره ونهيه.

وأما في معادهم: فهو أنه لما كانت السعادة األخروية ال تحصلإال بكمال النفس بالمعارف الحقة واألعمال الصالحة، وكان التعلق باألمورالدنيوية وانغمار العقل في المالبس البدنية مانعا من إدراك ذلك على الوجهاألتم والنهج األصوب، أو يحصل إدراكه لكن مع مخالجة الشك ومعارضة

الوهم.فال بد حينئذ من وجود شخص لم يحصل له ذلك التعلق المانع،

بحيث يقرر لهم الدالئل ويوضحها لهم ويزيل الشبهات ويدفعها، ويعضد مااهتدت إليه عقولهم ويبين لهم ما لم يهتدوا إليه، ويذكرهم خالقهم

ومعبودهم، ويقرر لهم العبادات واألعمال الصالحة ما هي وكيف هي، علىوجه يوجب لهم الزلفى عند ربهم ويكررها عليهم ليستحفظوا التذكير

بالتكرير، كي ال يستولي عليهم السهو والنسيان اللذان هما كالطبيعة الثانيةلالنسان.

وذلك الشخص المفتقر إليه في أحوال المعاش والمعاد وهو النبي (صلىالله عليه وآله) والنبي واجب في الحكمة وهو المطلوب.

قال: (وفيه مباحث:األول: في نبوة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله (بن عبد الله بن

عبد المطلب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ألنه أظهر المعجزة على يده

(٨٣)

Page 82: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

إذا تقرر هذا فاعلم: أن الناس اختلفوا في عصمة األنبياء (عليهم السالم)فجوزت الخوارج عليهم الذنوب، وعندهم كل ذنب كفر، والحشوية جوزوا

اإلقدام على الكبائر ومنهم من منعها عمدا ال سهوا وجوزوا تعمد الصغائرواألشاعرة منعوا الكبائر مطلقا وجوزوا الصغائر سهوا، واإلمامية أوجبوا العصمة

مطلقا عن كل معصية عمدا وسهوا (١) وهو الحق لوجهين:األول: ما أشار إليه المصنف وتقريره أنه لو لم يكن األنبياء معصومين

النتفت فائدة البعثة والالزم باطل فالملزوم مثله (٢) بيان المالزمة أنه إذا جازتالمعصية عليهم لم يحصل الوثوق بصحة قولهم لجواز الكذب حينئذ عليهموإذا لم يحصل الوثوق لم يحصل االنقياد ألمرهم ونهيهم فتنتفي فائدة بعثهم

وهو محال.الثاني: لو صدر عنهم الذنب لوجب اتباعهم لداللة النقل على وجوب

اتباعهم لكن األمر حينئذ باتباعهم محال، ألنه قبيح، فيكون صدور الذنبعنهم محاال وهو المطلوب.

قال: (الثالث: في أنه معصوم من أول عمره إلى آخره، لعدم انقيادالقلوب إلى طاعة من عهد منه في سالف عمره أنواع المعاصي الكبائر

والصغائر وما تنفر النفس منه).--------------------

(١) واعلم أن ما يتعلق به إما اعتقاد ديني ذهني أو فعلي واألول ال يقع فيه الخطأ باتفاق الناس، إالما نقل عن [الفصيلية] قبحهم الله من تجويز الكفر على األنبياء ألن المعصية عندهم كفر وقد

جوزوها عليهم، والثاني إما أن يتعلق بتبليغ الشوائع ونقل أحكامها وهو ال يقع فيه الخطأما يتعلق إال باالتفاق أو يتعلق بفعلها فكذلك غير أن الشيخ أبا جعفر بن

الوليد [...] وسهو النبي (صلى الله عليه آله) [من الله] ليس كسهو غيره من الشيطان وأقبح بوقوعه منهبحديث ذي الشمالين ورده المصنف بالضعف وبمخالفة االجماع ودالئل العقل ولعله أليق

بمنصب النبوة والله أعلم.(٢) من أصحاب الحديث والمثوبة وأمثالهم من الشذاذ.

(٨٤)

Page 83: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

أقول: ذهب القائلون بعصمتهم فيما نقلناه عنهم إلى اختصاص ذلكبما يعد الوحي، وأما قبله فمنعوا عنهم الكفر واالصرار على الذنب وقال

أصحابنا بوجوب العصمة مطلقا قبل الوحي وبعده إلى آخر العمر والدليل عليهما ذكره المصنف وهو ظاهر.

وأما ما ورد في الكتاب العزيز واألخبار مما يوهم صدور الذنب عنهمفمحمول على ترك األولى، جمعا بين ما دل العقل عليه وبين صحة النقل مع

أن جميع ذلك قد ذكر له وجوه ومحامل في مواضعه.وعليك في ذلك بمطالعة كتاب تنزيه األنبياء الذي رتبه السيد

المرتضى (ره) (١) علم الهدى الموسوي وغيره من الكتب ولوال خوف اإلطالةلذكرنا نبذة من ذلك.

قال: (الرابع: يجب أن يكون أفضل أهل زمانه لقبح تقديم المفضولعلى الفاضل عقال وسمعا قال الله تعالى: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن

يتبع أمن ال يهدي إال أن يهدى فما لكم كيف تحكمون) (١)).أقول: يجب اتصاف النبي (صلى الله عليه وآله) بجميع الكماالت

والفضائل ويجب أن يكون في ذلك أفضل وأكمل من كل واحد من أهل زمانهألنه يقبح من الحكيم الخبير أن يقدم المفضول المحتاج إلى التكميل على

الفاضل المكمل عقال وسمعا.أما عقال: فظاهر إذ يقبح في الشاهد أن يجعل مبتدئا في الفقه مقدما على

ابن عباس وغيره من الفقهاء، ويجعل مبتدئا في المنطق مقدما علىأرسطو أو مبتدئا في النحو مقدما على سيبويه والخليل، وكذا في كل فن من

الفنون.--------------------

(١) يونس ٣٥.

(٨٥)

Page 84: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

كالقرآن (١) وانشقاق القمر (٢)، ونبوع الماء (٣) من بين أصابعه وإشباع الخلقالكثير من الطعام القليل، وتسبيح الحصى في كفه وهي أكثر من أن تحصى،

وادعى النبوة، فيكون صادقا، وإال لزم إغراء المكلفين بالقبيح، فيكونمحاال.

أقول: لما كانت المصالح تختلف بحسب اختالف األزمانواألشخاص، كالمريض الذي تختلف أحواله في كيفية المعالجة واستعمال

األدوية بحسب اختالف مزاجه في تنزالته في المرض، بحيث يعالج في وقتبما يستحيل معالجته به في وقت آخر، كانت النبوة والشريعة مختلفتين

--------------------(١) إعلم أنه ال نزاع في كونه كتابا مفصال مشتمال على العلوم الكثيرة من المباحث

اإللهية وعلوم االختالق وعلم السلوك إلى الله وعلم أحوال القرون الماضية واألممالخالية وغير ذلك من األمثال العجيبة والقصص الغريبة، ومن المعلوم من حال نبينا (صلى الله عليه وآله) أنه

نشأ فيمكة يتيما وهي يومئذ خالية من العلماء والكتب والمباحث الحقيقية ولم

يسافر عنها إال مرتين إلى الشام بطلب التجارة في مدة يسيرة وقد علم من سفره أنه لم يواظبعلى القراءة واالستفادة من أحد وانقضى على هذه الصفة من عمره أربعون سنة ثم بعدها ظهر

منه مثل هذا الكتاب الشريف على لسانه فإن هذا معجز ظاهر، فإن ظهور مثله على مثل هذااإلنسان الخالي عن البحث والطلب والمطالعة والتعلم ال يمكن إال بالوحي من عند الله والعلم

به ضروري (س ط).(٢) قوله وانشقاق القمر وذلك ليلة أربع عشر من ذي الحجة، اجتمع الناس عنده وقالوا ما من نبي

إال وله آية فما آيتك في هذه الليلة؟ فقال الذي تريدون، فقالوا أن يكون لك عند ربك قدرفمر القمر أن ينقطع قطعتين فهبط األمين جبرئيل (عليه السالم) وقال: يا محمد (صلى الله عليه وآله) أن الله

يقرئكالسالم ويقول لك إني أمرت كل شئ بطاعتك فرفع رأسه وأمر القمر أن ينقطع قطعتين

فصار قطعتين فسجد النبي شكرا لله تعالى، وقال عد كما كنت فعاد والناس ينظرون إلى ذلكثم أعرض أكثرهم وقالوا سحر القمر سحر القمر مع أن االتفاق حتى من السحرة على أن

السحر ال يؤثر شيئا وال يخيل في السماويات فأنزل الله عز وجل (اقتربت الساعة وانشق القمروإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر) (س ط).

(٣) قوله ونبوع الماء الغزير من بين أصابعه الشريفة حتى اكتفى منه ألف وخمسمئة رجال قالجابر ولو كنا مائة ألف لكفانا وهذا أعظم من معجزة موسى بن عمران من انفجار الحجر له

بضربه بالعصا ألن الحجر معدن له في الجملة بخالف األصابع (س ط).

(٨٦)

Page 85: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

بحسب اختالف مصالح الخلق في أزمانهم وأشخاصهم، وذلك هو السر فينسخ الشرائع بعضها لبعض إلى أن انتهت النبوة والشريعة إلى نبينا محمد

(صلى الله عليه وآله) الذي اقتضت الحكمة كون نبوته وشريعته ناسختين لماتقدمهما باقيتين ببقاء التكليف، والدليل على صحة نبوته هو أنه ادعى النبوةوأظهر المعجزة على يده، وكل من كان كذلك كان نبيا حقا، فيحتاج إلى

بيان أمور ثالثة:األول: أنه ادعى النبوة.

الثاني: أنه ظهر المعجزة على يده.الثالث: أنه كل من كان كذلك فهو نبي حق.

أما األول: فهو ثابت إجماعا من الناس بحيث لم ينكره أحد.وأما الثاني: فألن المعجز هو األمر الخارق للعادة المطابق للدعوى

المقرون بالتحدي المتعذر على الخلق االتيان بمثله، أما اعتبار خرق العادة إذلواله لما كان معجزا كطلوع الشمس من مشرقها، وأما مطابقة الدعوى

فلداللته على صدق ما ادعاه، إذ لو خالف ذلك كما في قضية مسيلمةالكذاب لما دل على الصدق، وأما التعذر على الخلق فألنه لو كان كثير

الوقوع لما دل أيضا على النبوة.وال شك أيضا في ظهور المعجزات على يد نبينا وذلك معلوم بالتواتر

الذي يفيد العلم ضرورة، فمن ذلك القرآن الكريم الذي تحدى به الخلقوطلب منهم االتيان بمثله فلم يقدروا على ذلك، وعجزت عنه مصاقع

الخطباء من العرب العرباء حتى دعاهم إلى محاربته ومسايفته الذيحصل به ذهاب نفوسهم وأموالهم وسبي ذراريهم ونسائهم، مع أنهم كانوا

أقدر على دفع ذلك لتمكنهم من مفردات األلفاظ وتركيبها، مع أنهم كانوا منأهل الفصاحة والبالغة والكالم والخطب والمحاورات واألجوبة فعدولهم عن

(٨٧)

Page 86: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

ذلك إلى المحاربة دليل على عجزهم إذ العاقل ال يختار األصعب مع إنجاعاألسهل إال لعجزه عنه.

ومن ذلك انشقاق القمر ونبوع الماء من بين أصابعه وإشباع الخلقالكثير (١) من الطعام القليل، وتسبيح الحصى في كفه، وكالم الذراع

المسموم، وحنين الجذع، وكالم الحيوانات الصامتة، واإلخبار بالغائبات،واستجابة دعائه وغير ذلك مما ال يحصى كثرة (٢).

--------------------(١) قوله وإشباع الخلق الكثير من الطعام القليل وذلك كرات منها لما نزل قوله تعالى وأنذر عشيرتك

األقربين أمر عليا (عليه السالم) أن أئتني بفخذ شاة وعسى من لبن واجمع لي بنو هاشمففعل ودعاهم وكانوا أربعين رجال فأكلوا حتى شبعوا ولم يبن النقص في الطعام إال أثر

أصابعهم ولما دعاهم إلى اإلسالم قام أبو لهب لعنه الله وهو يقول كاد أن يسحركم محمد(صلى الله عليه وآله) فقاموا بأثره فقال النبي (صلى الله عليه وآله) يا علي افعل [...] مثل ما فعلت ففعل

وكان األمركذلك، ثم أمره الفعل ثالثا في اليوم اآلخر ففعل علي (عليه السالم) [فدعاهم] النبي (صلى الله عليه آله) إلى

اإلسالم وقال كل من آمن بي فالخالفة له من بعدي فما أجابه إال علي (عليه السالم)فبايعه على الخالفة.

- ومنها يوم ذبح له جابر بن عبد الله األنصاري عناقا يوم الخندق وخبز له صاعا ثم دعاه فقال (صلى اللهعليه وآله)

أنا وأصحابي فقال نعم، ثم جاء إلى امرأته وأخبرها بذلك فقالت وأنت قلت له امضوأصحابك قال ال بل هو قال أنا وأصحابي قلت نعم فقالت هو أعرف بما قال، فلما جاء قالما عندكم قال جابر ما عندنا إال عناق في التنور وصاع من شعر، فقال أقصد أصحابي عشرة

عشرة ففعل فأكلوا حتى شبعوا.- ومنها يوم دعته أم سليم فصنعت له مدين من شعير طبخته وعصرت عليه من عكة كان فيها

سمن، فقام النبي (صلى الله عليه وآله) ومن معه وهم أربعون رجال فدخل عليه النبي (صلى الله عليه وآله)وقال أدخلوا

علي عشرة عشرة وفعلوا كذلك فأكل الجميع حتى شبعوا (ش ط).(٢) وكتسبيح الحصى في كفه وحنين الجذع وإقبال الشجرة إليه وتكليمه الذئب والثعبان والجانوالضب والظبية والطير والناقة والحمار وإدرار شاة أم معبد حين مسحها بيده ولم تكن قبله بسنة

درت، وتعليم غنم قوم من عبد القيس بإصبعه لما سألوه ذلك فابيض ذلك الموضع وبقي إلىاليوم معروفا في نسلها، والصاق يد معاد بن [غفرة] [.... أبو جهل] وعبوره مع جيشه

على الماء، وغوص قوائم ابن مالك في [الصحراء] حين تبعه قاصدا به السؤ والتصاقالصخرة بيد أبي جهل حين هم أن يرميه بها وشهادة الحجر والمدر برسالته [في حكاية

سبحت] وتسليم الركن المغربي عليه (صلى الله عليه وآله) إلى غير ذلك.

(٨٨)

Page 87: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

وذلك معلوم في كتب المعجزات والتواريخ، حتى حفظ عنه ما ينيفعلى األلف أعظمها وأشرفها الكتاب العزيز الذي ال يأتيه الباطل من بين يديه

وال من خلفه، ال تمله الطباع وال تمجه األسماع، وال يخلق بكثرة رد إليه والتنجلي الظلمات إال به.

وأما الثالث: فألنه لو لم يكن صادقا في دعوى النبوة لكان كاذبا وهوباطل، إذ يلزم منه إغراء المكلفين باتباع الكاذب وذلك قبيح ال يفعله

الحكيم.قال: (الثاني: في وجوب عصمته.

العصمة (١) لطف خفي يفعل الله تعالى بالمكلف، بحيث ال يكون لهداع إلى ترك الطاعة وارتكاب المعصية مع قدرته على ذلك، ألنه لوال ذلك

لم يحصل الوثوق بقوله: فانتفت فائدة البعثة، وهو محال).أقول: إعلم أن المعصوم (عليه السالم) يشارك غيره في األلطاف المقربة

ويحصل له زائدا على ذلك ألجل ملكة نفسانية لطيفة بفعله الله بحيث اليختار معه ترك طاعة وال فعل معصية مع قدرته على ذلك، وذهب بعضهم إلى

أن المعصوم ال يمكنه االتيان بالمعاصي وهو باطل وإال لما استحق مدحا.--------------------

(١) العصمة بالكسر لغة اسم من عصمه الله من المكروه ويعصمه من باب [ضرب] أي حفظهووقاه ومنعه عنه (مجمع البحرين بتصرف).

وفي االصطالح هي ملكة اجتناب المعاصي مع التمكن منها، وقيل هي ملكة تمنع الفجورويحصل بها العلم بمصايب المعاصي ومناقب الطاعات.

وقال الراغب هي فيض إلهي يقوي به اإلنسان على تحري الخير وتجنب الشر حتى تصير كمانع لهوإن لم يكن منعا محسوسا (نقل من شرح دعاء عرفة في قوله وهب لي عصمة تدنيني من

خشيتك وهو للسيد علي خان بن الميرزا...).

(٨٩)

Page 88: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

وأما سمعا: فما أشار إليه في اآلية المذكورة وغيرها.قال: (الخامس: يجب أن يكون منزها عن دناءة اآلباء وعهر

األمهات (١) وعن الرذائل الخلقية، والعيوب الخلقية، لما في ذلك من النقصفيسقط محله من القلوب والمطلوب خالفه).

أقول: لما كان المطلوب من الخلق هو االنقياد التام للنبي (صلى الله عليهوآله) وإقبال القلوب عليه، وجب أن يكون متصفا بأوصاف المحامد من كمال

العقل والذكاء والفطنة، وعدم السهو، وقوة الرأي، والشهامة والنجدة والعفووالشجاعة، والكرم والسخاوة والجود واإليثار، والغيرة والرأفة والرحمة

والتواضع واللين وغير ذلك، وأن يكون منزها عن كل ما يوجب التنفير عنهوذلك:

أما بالنسبة إلى الخارج عنه فكما في دناءة اآلباء وعهر األمهات.وإما بالنسبة إليه، فإما في أحواله فكما في األكل على الطريق ومجالسةاألراذل وأن يكون حائكا أو حجاما أو زباال أو غير ذلك من الصنائع.وأما في أخالقه فكالحقد والجهل والحسد والفضاضة والغلظة والبخل

--------------------(١) فائدة: قيل [إن] آباء النبي (صلى الله عليه وآله) من آدم إلى عبد الله (صلى الله عليه وآله) كانوا وا حدا

وخمسين رجالعلى عدد ركعات الصالة اليومية، سبعة عشر كانوا أنبياء وسبعة عشر كانوا أوصياء وسبعة عشركانوا ملوكا والظاهر أن هؤالء لم يكونوا أهل الفترة كما ذكره البعض بل كانوا على المذهب

الحق عالمين بشريعة الموحدين ويؤيد هذا ما رواه أبو جعفر محمد بن بابويه عن النبي (صلى الله عليه وآله)في حق عبد المطلب (عليه السالم) (س ط).

قال أبو جعفر: في آباء النبي (صلى الله عليه وآله) اعتقادنا فيهم أنهم مسلمون قال الله تعالى (الذين يراك حينتقوم وتقلبك في الساجدين يريد به تنقله) وقال نبيه (صلى الله عليه وآله) ما زلت أتنقل من أصالب الطاهرين

إلى أرحام المطهرات حتى أخرجني الله تعالى إلى عالمكم هذا، فدل على أن آباءه كلهمكانوا مؤمنين إذ لو كان فيهم كافر لما استحق الوصف بالطهارة لقول الله تعالى إنما المشركون

نجس فحكم على الكفار بالنجاسة (تصحيح االعتقاد بصواب االنتقاد) (المفيد).

(٩٠)

Page 89: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

والجبن والمجون، والحرض على الدنيا واالقبال عليها، ومراعاة أهلهاومعاضاتهم (١) في أوامر الله، وغير ذلك من الرذائل.

وأما في طباعه كالبرص والجذام والجنون والبكم والبله واالبنة (٢) لمافي ذلك كله من النقص الموجب لسقوط محله من القلوب.

قال:--------------------

(١) عفو: أصالن يدل أحدهما على نكر الشئ واآلخر على طلبه والظاهر إرادته إعفاءهم وهو منعافاه يعافيه معافة - معجم مقاييس اللغة.

(٢) األبنة: العيب وال يوبن ال يعاب - مجمع البحرين.

(٩١)

Page 90: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

الفصل السادسفي اإلمامة وفيه مباحث:

األول: اإلمامة رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص مناألشخاص نيابة عن النبي (صلى الله عليه وآله) وهي واجبة عقال، ألن اإلمامة

لطف (١) فإنا نعلم قطعا أن الناس إذا كان لهم رئيس مرشد مطاع ينتصفللمظلوم من الظالم، ويردع الظالم عن ظلمه، وكانوا إلى الصالح أقرب،

ومن الفساد أبعد، وقد تقدم أن اللطف واجب (٢)).--------------------

(١) قال المصنف في بعض كتبه ونعم ما قال اإلمامة لطف عام والنبوة لطف خاص، إلمكان خلوالزمان من نبي حي بخالف اإلمام، وإنكار اللطف العام أشر من إنكار اللطف الخاص، وإلى

هذا أشار الصادق (عليه السالم) بقوله عن منكر اإلمام هو شر الثالثة.- ذكر أبو جمهور األحسائي في كتابه غوالي الآللئ عن الصادق (عليه السالم) أنه قال:

الناصبي شر من اليهود، قيل كيف ذلك يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال إن اليهودي منع لطفالنبوة وهو خاص والناصبي منع لطف اإلمامة وهو عام.

(٢) إن قلت ال نسلم أن كل لطف واجب على الله تعالى، بل الواجب عليه منه ما لم يقم غيرهمقامه، أما إن أمكن قيام الغير لم يتعين، وهو الوجوب بل الواجب [أو] إذ، ذلك

أحدهما ال بعينه سلمنا لكن ال نسلم أن [الثانية] لطف [للطف] بل إنما يكون لطفا، ما إذاكان اإلمام ظاهرا مبسوط اليد قائما زاجرا عن القبائح قادرا على تنفيذ األحكام وإعالء لواء

اإلسالم، أما مع غيبته وكف يده فال النتفاء الفائدة قلت: التجاء العقالء أجمع، في جميع األعصارواألمصار إلى نصب رؤساء في حفظ نظامهم وضبط أحوالهم، يدل على انتفاء الطريق،سوى اإلمامية، وعدم قيام غيره مقامه وإال لكانوا يلتجئون إليه ويتمسكون به، فانحصر

(٩٣)

Page 91: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

أقول: هذا البحث، وهو بحث اإلمامة من توابع النبوة وفروعها،واإلمامة رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص إنساني، فالرئاسة جنس

قريب، والجنس البعيد هو النسبة، وكونها عامة فصل يفصلها عن واليةالقضاة، والنواب، وفي أمور الدنيا بيان لمتعلقها، فإنها كما تكون

في الدين فكذا في الدنيا وكونها لشخص إنساني فيه إشارة إلى أمرين:أحدهما: أن مستحقها يكون شخصا معينا معهودا من الله تعالى ورسوله

ال أي شخص اتفق.وثانيهما: أنه ال يجوز أن يكون مستحقها أكثر من واحد في عصر واحدوزاد بعض الفضالء في التعريف بحق األصالة وقال في تعريفها، اإلمامة

رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص انساني بحق األصالة، واحترز بهذاعن نائب يفوض إليه اإلمام عموم الوالية فإن رئاسته عامة لكن ليست

باألصالة.والحق أن ذلك يخرج بقيد العموم، فإن النائب المذكور ال رئاسة له

على إمامه فال تكون رئاسته عامة، ومع ذلك كله فالتعريف ينطبق على النبوةفيحنئذ يزاد فيه بحق النيابة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أو بواسطة بشر.

إذا عرفت هذا فاعلم: أن الناس اختلفوا في اإلمامة هل هي واجبة أم ال،فقالت الخوارج ليست بواجبة مطلقا، وقالت األشاعرة والمعتزلة بوجوبها

على الخلق ثم اختلفوا، فقالت األشاعرة ذلك معلوم سمعا، وقالت المعتزلةعقال، وقال أصحابنا اإلمامية هي واجبة عقال على الله تعالى وهو الحق،

--------------------(١) اللطف فيه فتعين وجوبه، والفائدة التي تحصل من اإلمام موجودة وإن كان غائبا فإن نفسوجوده لطف، وإن كان تصرفه لطفا آخر فإن تجويز ظهوره في كل وقت يبعث على الطاعات

ويزجر عن المعاصي (س ط).

(٩٤)

Page 92: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

والدليل على حقيته هو أن اإلمامة لطف، وكل لطف واجب على اللهفاإلمامة واجب على الله تعالى.

أما الكبرى: فقد تقدم بيانها.وأما الصغرى: فهو أن اللطف كما عرفت هو ما يقرب العبد إلى الطاعة

ويبعده عن المعصية وهذا المعنى حاصل في اإلمامة (١).وبيان ذلك: أن من عرف عوائد الدهماء، وجرب قواعد السياسة،

علم ضرورة أن الناس إذا كان لهم رئيس مطاع مرشد فيما بينهم يردع الظالمعن ظلمه والباغي عن بغيه، وينتصف للمظلوم عن ظالمه، ومع ذلك

يحملهم على القواعد العقلية والوظائف الدينية، ويردعهم على المفاسدالموجبة الختالل النظام في أمور معاشهم، وعن القبائح الموجبة للوبال في

معادهم، بحيث يخاف كل مؤاخذته على ذلك، كانوا مع ذلك إلى الصالحأقرب ومن الفساد أبعد وال نعني باللطف إال ذلك فتكون اإلمامة لطفا، وهو

المطلوب.واعلم: أن كل ما دل على وجوب النبوة فهو دال على وجوب اإلمامة،إذ اإلمامة خالفة عن النبوة قائمة مقامها، إال في تلقي الوحي اإللهي بال

واسطة، وكما أن تلك واجبة على الله تعالى في الحكمة هكذا هذه، وأما--------------------

(١) قال الشيخ الطوسي في الغيبة (ص ٤) والذي يدل على وجوب الرئاسة ما ثبت من كونها لطفافي الواجبات العقلية مضارات واجبة، كالمعرفة التي ال تعرى مكلف من وجوبها عليه، أال

ترى أن من المعلوم أن من ليس بمعصوم من الخلق متى خلوا من رئيس مهيب يردع المعاندويؤدب الجاني ويأخذ على يد المتغلب ويمنع القوي من الضعيف... وقع الفساد وانتشر

الحبل... ومتى كان لهم رئيس هذه صفته كان األمر بالعكس من ذلك من شمول الصالحوكثرته وقلة الفساد و... والعلم بذلك ضروري ال يخفى على العقالء فمن دفعه ال يحسن

مكالمته.

(٩٥)

Page 93: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

الذين قالوا بوجوبها على الخلق فقالوا يجب عليهم نصب الرئيس لدفع الضررمن أنفسهم ودفع الضرر واجب.

قلنا: ال نزاع في كونها دافعة للضرر وكونها واجبة، وإنما النزاع فيتفويض ذلك إلى الخلق لما في ذلك من االختالف الواقع في تعيين األئمة،فيؤدي إلى الضرر المطلوب زواله، وأيضا اشتراط العصمة ووجوب النص

يدفع ذلك كله.قال: (الثاني: يجب أن يكون اإلمام معصوما وإال تسلسل، ألن

الحاجة الداعية إلى اإلمام هي ردع الظالم عن ظلمه واالنتصاف للمظلوممنه، فلو جاز أن يكون غير معصوم الفتقر إلى إمام آخر ويتسلسل وهومحال، وألنه لو فعل المعصية فإن وجب االنكار عليه سقط محله من

القلوب، وانتفت فائدة نصبه، وإن لم يجب سقط وجوب األمر بالمعروفوالنهي عن المنكر وهو محال، وألنه حافظ للشرع فال بد من عصمته ليؤمن

من الزيادة والنقصان، وقوله تعالى: (ال ينال عهدي الظالمين) (١).أقول: لما أثبت وجوب اإلمامة شرع في تبيين الصفات التي هي شرط

في صحة اإلمامة، فمنها العصمة وقد عرفت معناها، واختلف في اشتراطها فياإلمام فاشترطها أصحابنا االثني عشرية واإلسماعيلية خالفا لباقي الفرق واستدل

المصنف على مذهب أصحابنا بوجوه:األول: أنه لو لم يكن اإلمام معصوما لزم عدم تناهي األئمة والالزم

باطل فالملزوم مثله.بيان المالزمة: إنا قد بينا أن العلة المحوجة إلى اإلمام هي ردع الظالم

عن ظلمه، واالنتصاف للمظلوم عنه، وحمل الرعية على ما فيه مصالحهم،وردعهم عما فيه مفاسدهم، فلو كان هو غير معصوم افتقر إلى آخر يردعه

--------------------(١) البقرة ١٢٤.

(٩٦)

Page 94: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

عن خطئه وننقل الكالم إلى اآلخر، ويلزم عدم تناهي األئمة وهو باطل.الثاني: لو لم يكن معصوما لجازت المعصية عليه، ولنفرض وقوعها

وحينئذ يلزم إما انتفاء فائدة نصبه أو سقوط األمر بالمعروف والنهي عنالمنكر، والالزم بقسميه باطل فكذا الملزوم.

بيان اللزوم: أنه إذا وقعت المعصية عنه، فإما أن يجب االنكار عليه أوال، فمن األول يلزم سقوط محله من القلوب، وأن يكون مأمورا بعد أن كان

آمرا ومنهيا عنه بعد أن كان ناهيا، وحينئذ تنتفي الفائدة المطلوبة من نصبهوهي تعظيم محله في القلوب واالنقياد ألمره ونهيه، ومن الثاني يلزم عدم

وجوب األمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو باطل إجماعا.الثالث: أنه حافظ للشرع وكل من كان كذلك وجب أن يكون

معصوما.أما األول: فألن الحافظ للشرع، إما الكتاب أو السنة المتواترة أو

االجماع أو البراءة األصلية أو القياس أو خبر الواحد أو االستصحاب فكلواحد من هذه غير صالح للمحافظة.

أما الكتاب والسنة: فلكونهما غير وافيين (١) بكل األحكام مع أن للهتعالى في كل واقعة حكما يجب تحصيله.

وأما االجماع فلوجهين:--------------------

(١) قوله أما الكتاب والسنة لكونهما غير وافيين الخ... غير مسلم به، قال تعالى وفيه تبيان كلشئ ونقل عن أهل العصمة أنه ما من شئ إال وفيه كتاب أو سنة، وعن أبي عبد الله (عليه السالم) ما

من أمر يختلف فيه اثنان إال وله أصل في كتاب الله عز وجل ولكن ال تبلغه عقول الرجال،وعن أبي الحسن موسى (عليه السالم) قال بل كل شئ في كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله)،

ومقصوده إثبات الحاجة إلى اإلمام الحافظ للدين فإنه ال يقدر على استخراج جميع األحكاممن الكتاب والسنة غيره، وهو من العلل الموجبة لنصب اإلمام المعصوم الذي بقوله الفصل

يرتفع االختالف وتسلم الشريعة وهو الذي يعلم تأويل المتشابه الخ...

(٩٧)

Page 95: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

األول: تعذره في أكثر الوقائع مع أن لله فيها حكما.الثاني: أنه على تقدير عدم المعصوم ال يكون في االجماع حجيته،

فيكون االجماع غير مفيد لجواز الخطأ على كل واحد منهم وكذا على الكلولجواز الخطأ على الكل أشار تعالى بقوله: (أفإن مات أو قتل انقلبتم على

أعقابكم) (١)، وقال النبي (صلى الله عليه وآله) (أال ال ترجعوا بعدي كفارا)،فإن هذا الخطاب ال يوجه إال إلى من ال يجوز عليه الخطأ قطعا، إذ ال يقال

لإلنسان ال تطر لعدم جواز ذلك عليه قطعا (٢).وأما البراءة األصلية: فألنه يلزم منها ارتفاع أكثر األحكام الشرعية إذ

--------------------(١) آل عمران ١٤٤.

(٢) [فائدة في جملة أحاديث وأخبار].- عن بكير بن أعين قال: كان أبو جعفر (عليه السالم) يقول إن الله أخذ ميثاق شيعتنا بالوالية لنا

وهم ذر، يوم أخذ الميثاق على الذر باالقرار له بالربوبية ولمحمد (صلى الله عليه وآله) بالنبوة، وعرض اللهعز وجل على محمد (صلى الله عليه وآله) أمته في الطين وهم أظلة، وخلقهم من الطينة التي خلق منها آدم

(عليه السالم)، وخلق الله أرواح شيعتنا قبل أبدانهم بألفي عام وعرضهم عليه عرفهم رسولالله (صلى الله عليه وآله) وعرفهم عليا (عليه السالم) ونحن نعرفهم في لحن القول - أصول الكافي (١ /

.(٤٣٨وبهذا اإلسناد قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ألصحابه: آمنوا بليلة القدر إنها تكون لعلي بن أبي

طالب ولولده األحد عشر من بعده - أصول الكافي (١ / ٥٣٣) قال (من بعدي).- وبهذا اإلسناد أن أمير المؤمنين (عليه السالم) قال ألبي بكر يوما (ال تحسبن الذين قتلوا في

سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) وأشهد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مات شهيدا واللهليأتينك فأيقن إذا جاءك، فإن الشيطان غير متخيل به، فأخذ علي (عليه السالم) بيد أبي

بكر فآراه النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال (صلى الله عليه وآله) له يا أبا بكر آمن بعلي وبأحد عشر من ولدهوأنهم مثلي

إال النبوة وتب إلى الله مما في يدك فإنه ال حق لك فيه، قال ثم ذهب فلم يره أصول الكافي(١ / ٥٣٣) أقول الحديث ضعيف السند بالحسن بن العباس بن الحريش (الحريش).

- عن أبي سعيد رفعه عن أبي جعفر (عليه السالم) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من ولدي اثنيعشر نقيبا نجيبا

محدثون مفهمون آخرهم القائم بالحق يمألها عدال كما ملئت جورا (أصول الكافي ١ /٥٣٤) وال يخفى ما فيه في قوله (اثني عشر) ولعله سهو من النساخ واألصح (أحد عشر).

- أقول وجدت هذه األخبار في الهامش ونقلتها كما جاءت.

(٩٨)

Page 96: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

يقال األصل براءة الذمة من وجوب أو حرمة.وأما الثالثة الباقية: فيشترك في إفادتها الظن، والظن ال يغني من الحق

شيئا، خصوصا والدليل قائم في منع القياس، وذلك ألن مبنى شرعنا علىاختالف المتفقات كوجوب الصوم آخر شهر رمضان وتحريمه أول شوال،واتفاق المختلفات كوجوب الوضوء من البول والغائط، واتفاق القتل خطأوالظهار في الكفارة هذا مع أن الشارع قطع يد سارق القليل دون غاصب

الكثير، وجلد بقذف الزاني وأوجب فيه أربع شهادات دون الكفر، وذلك كلهينافي القياس وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (تعمل هذه األمة برهة

بالكتاب وبرهة بالسنة وبرهة بالقياس فإذا فعلوا ذلك فقد ضلوا وأضلوا).فلم يبق أن يكون الحافظ للشرع إال اإلمام (عليه السالم) وذلك هو

المطلوب، وقد أشار الباري تعالى بقوله: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولياألمر منهم، لعلمه الذين يستنبطونه منهم) (١).

وأما الثاني: فألنه إذا كان حافظا للشرع ولم يكن معصوما لما أمن فيالشرع من الزيادة والنقصان والتغيير والتبديل.

الرابع: أن غير المعصوم ظالم وال شئ من الظالم بصالح لإلمامة فالشئ من غير المعصوم بصالح لإلمامة.

أما الصغرى: فألن الظالم واضع للشئ في غير موضعه وغيرالمعصوم كذلك.

وأما الكبرى: فلقوله تعالى: (ال ينال عهدي الظالمين) (٢)، والمراد--------------------

(١) النساء ٨٣.(٢) البقرة ١٢٤.

(٩٩)

Page 97: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

بالعهد عهد اإلمامة لداللة اآلية على ذلك (١) (*).قال: (الثالث: اإلمام يجب أن يكون منصوصا عليه (٢) ألن العصمة

من األمور الباطنة التي ال يعلمها إال الله تعالى فال بد من نص من يعلمعصمته عليه أو ظهور معجزة على يده تدل على صدقه).

أقول: هذه إشارة إلى طريق تعيين اإلمام، وقد حصل االجماع علىأن التنصيص من الله ورسوله وإمام سابق سبب مستقل في تعيين اإلمام (عليه

السالم)، وإنما الخالف في أنه هل يحصل تعيينه بسبب غير النص أم ال،--------------------

(١) قد اعترف الزمخشري في كشافه والقاضي في تفسيره أن هذه اآلية تدل على أن الفاسق اليصلح لإلمامة، وأن النبي (صلى الله عليه وآله) معصوم قبل النبوة مع أنهم ذكروا سبب نزول قوله تعالى

(وأحل لكم ليلة الصيام الرفث الخ..) وهو أنه لما أوجب الله الصوم على الناس كان وجوبهحيث لو صلوا العشاء اآلخرة أو رقدوا ال يحل لهم األكل والشرب والجماع إلى الليلة القابلة

ثم إن عمر باشر بعد العشاء فندم وأتى النبي (ص) واعتذر إليه فقام إليه رجال واعترفوا بماصنعوا بعد العشاء فنزلت اآلية فهما قد اعترفا بأن عمر غير صالح لإلمامة من حيث ال يشعران

(س ط).(٢) عن أبي عبد الله (عليه السالم) في قول الله عز وجل ال (إنما وليكم الله ورسوله والذينآمنوا) قال إنما يعني أولى بكم أي أحق بكم وبأموركم من أنفسكم وأموالكم، الله ورسولهوالذين آمنوا يعني عليا وأوالده األئمة (عليهم السالم) إلى يوم القيامة ثم وصفهم الله تعالى

فقال الذين يقيمون الصالة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، وكان أمير المؤمنين (عليه السالم) فيصالة الظهر وقد صلى ركعتين وهو راكع وعليه حلة قيمتها ألف دينار وكان النبي (صلى الله عليه وآله)

كساهإياها وكان النجاشي أهداها له فجاء سائل فقال السالم عليك يا ولي الله وأولى بالمؤمنين من

أنفسهم تصدق على مسكين فطرح إليه الحلة وأومأ بيده إليه أن احملها فأنزل الله عز وجل فيههذه اآلية، وصير نعمة أوالده بنعمته فكل من بلغ من أوالده مبلغ اإلمامة يكون بهذه النعمة

مثله فيتصدقون وهم راكعون والسائل الذي يسأل أمير المؤمنين من المالئكة والذين يسألوناألئمة من أوالده يكونون من المالئكة.

عن أبي جعفر (عليه السالم) أن في السماء سبعين صفا من المالئكة لو اجتمع أهل األرض كلهميحصون عدد كل صف منهم ما أحصوهم وأنهم ليدينون بواليتنا (أصول الكافي ١ /

.(٤٣٧

(١٠٠)

Page 98: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

فمنع أصحابنا اإلمامة من ذلك مطلقا وقالوا ال طريق إال النص، ألنا قد بينا أنالعصمة شرط في اإلمامة، والعصمة أمر خفي ال اطالع عليه ألحد إال الله (١)

فال يحصل حينئذ العلم بها، في أي شخص هي، إال بإعالم عالم الغيبوذلك يحصل بأمرين:

أحدهما: إعالمه بمعصوم كالنبي (صلى الله عليه وآله) فيخبرنا بعصمةاإلمام (عليه السالم) وتعيينه.

وثانيهما: إظهار المعجزة على يده الدالة على صدقه في ادعائه اإلمامةوقال أهل السنة إذا بايعت األمة شخصا غلب عندهم استعداده لها، واستولى

بشوكته على خطط اإلسالم صار إماما، وقالت الزيدية كل فاطمي عالم زاهدخرج بالسيف وادعى اإلمامة فهو إمام والحق خالف ذلك من وجهين:

األول: أن اإلمامة خالفة عن الله ورسوله فال يحصل إال بقولهما.الثاني: أن إثبات اإلمامة بالبيعة والدعوى يفضي إلى الفتنة، الحتمال

أن تبايع كل فرقة شخصا أو يدعي كل فاطمي عالم اإلمامة، فيقع التحاربوالتجاذب.

--------------------(١) قوله تعالى (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصالة ويؤتون الزكاة

وهم راكعون) أطبق أئمة التفسير من الفريقين على أن هذه اآلية نزلت في علي (عليه السالم) حين تصدقبخاتمه على السائل وهو راكع ورواه المخالف والمؤلف بطرق عديدة منها ما رواه الثعلبي

بإسناده إلى أبي ذر قال سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) بأذني هاتين وإال فصمتا ورأيته بعيني هاتين وإالفعميتا يقول علي قائد البررة علي قاتل الكفرة منصور من نصره مخذول من خذله، أما أني

صليت يوما مع النبي (صلى الله عليه وآله) فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد فأومأ (عليه السالم) إليهوهو راكع فأخذ الخاتم من خنصره اليمنى فلما فرغ النبي (صلى الله عليه وآله) قال اللهم إن موسى قال رب

اجعل لي وزيرا من أهلي فأنزلت سنشد عضدك بأخيك (اآلية) فاجعل لي وزيرا من أهلي أشدبه عضدي فما استتم دعاءه حتى نزل جبرئيل بهذه اآلية إنما وليكم الله ورسوله (اآلية) (س

ط).

(١٠١)

Page 99: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

قال: (الرابع: اإلمام يجب أن يكون أفضل الرعية مطلقا لما تقدم فيالنبي.

أقول: يجب أن يكون اإلمام أفضل أهل زمانه ألنه مقدم على الكل،فلو كان فيهم من هو أفضل منه لزم تقديم المفضول على الفاضل وهو قبيح

عقال وسمعا، وقد تقدم بيانه في النبوة.قال: (الخامس: اإلمام بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) علي بن أبيطالب عليه الصالة والسالم للنص المتواتر من النبي (صلى الله عليه وآله)

وألنه أفضل زمانه لقوله تعالى: (وأنفسنا وأنفسكم) (١).ومساوي األفضل أفضل، والحتياج النبي (صلى الله عليه وآله) إليه في

المباهلة، وألن اإلمام (عليه السالم) يجب أن يكون معصوما، وال أحد من غير--------------------

(١) قال الشيخ أبو علي لما دعا النبي (صلى الله عليه وآله) إلى المباهلة يعني نصارى نجران العاقب والسيدومن

معهما قالوا حتى نرجع انتظر فلما خال بعضهم إلى بعض قالوا للعاقب وكان ذا رأي لهم ياعبد المسيح ما ترى قال والله لقد عرفتم أن محمدا نبي مرسل ولقد جاءكم بالفضل من أمرصاحبكم والله ما باهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم وال نبت صغيرهم فإن أبيتم إال ألف دينكم

فوادعوا الرجل وانصرفوا في بالدكم وذلك بعد أن غدى النبي (صلى الله عليه وآله) أخذا بيد علي بن أبيطالب والحسن والحسين (عليهم السالم) بين يديه وفاطمة (عليهما السالم) خلفه وخرج

النصارى يقدمهم أسقفهم أبو حارثة فقال األسقف إني ألرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبالمن مكانه ألزال بها فال تباهلوا فال يبقى على وجه األرض نصراني إلى يوم القيامة، فقالوا يا

أبا القاسم إنا ال نباهلك ولكن نصالحك فصالحهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أن يؤدوا إليه كلعام

ألفي حلة ألف في رجب وألف في صفر وعلى عارية ثالثين درعا (نرسا عارية) وعارية ثالثينقوسا وثالثين رمحا إن وقع كبير باليمن، فقال (صلى الله عليه وآله) والذي نفسي بيده أن الهالك قد تدلى

على[أهل نجران ولو العنوا لمسخوا قردة وخنازير والضطرم الوادي عليهم نارا وما حال الحول

على النصارى كلهم حتى يهلكوا (انتهى س ط) (اآلية ٦١ سورة آل عمران).(الزمخشري في الكشاف) (تفسير الشوكاني فتح القدير ج ١ ص ٣١٦ (آل عمران) مستند

أحمد والمستدرك ٣ / ١٥٠ والبيهقي ٧ / ٦٣ في شأن اآلية.

(١٠٢)

Page 100: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

ممن ادعي له اإلمامة بمعصوم إجماعا فيكون هو اإلمام، وألنه أعلم لرجوعالصحابة في وقائعهم إليه ولم يرجع هو إلى أحد منهم، ولقوله (صلى آلله عليه

وآله): (أقضاكم علي (عليه السالم)))، والقضاء يستدعي العلم، وألنه أزهد من غيرهحتى طلق الدنيا ثالثا.

أقول: لما فرغ من شرائط اإلمامة شرع في تعيين اإلمام، وقد اختلفالناس في ذلك، فقال قوم إن اإلمام بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)

العباس بن عبد المطلب لمكان إرثه، وقال جمهور المسلمين هو أبو بكر بنأبي قحافة باختيار الناس له، وقالت الشيعة هو علي بن أبي طالب (عليه

السالم) بالنص المتواتر عليه من الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وذلك هو الحقوقد استدل المصنف على حقيقته بوجوه:

األول: ما نقلته الشيعة نقال متواترا بحيث أفاد العلم يقينا من قول النبي(صلى الله عليه وآله) في حقه سلموا عليه بإمرة المؤمنين، وأنت الخليفة من

بعدي، وأنت ولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي، وغير ذلك من األلفاظ الدالة علىالمقصود فيكون هو اإلمام وذلك هو المطلوب.

الثاني: أنه (عليه السالم) أفضل الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)فيكون هو اإلمام، لقبح تقديم المفضول على الفاضل، أما أنه أفضل

فلوجهين:األول: أنه مساو للنبي (صلى الله عليه وآله)، والنبي أفضل فكذا

مساويه، وإال لم يكن مساويا، أما أنه مساو له فلقوله تعالى في آية المباهلة:(وأنفسنا وأنفسكم)، والمراد بأنفسنا هو علي بن أبي طالب (عليه السالم) لما

ثبت بالنقل الصحيح، وال شك أنه ليس المراد به أن نفسه هي نفسه لبطالناالتحاد، فيكون المراد أنه مثله مساويه كما يقال زيد األسد، أي مثله في

الشجاعة، وإذا كانت مساويا له كان أفضل وهو المطلوب.

(١٠٣)

Page 101: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

الثاني: أن النبي (صلى الله عليه وآله) احتاج إليه في المباهلة في دعائهدون غيره من الصحابة واألنساب، والمحتاج إليه أفضل من غيره خصوصا في

هذه الواقعة العظيمة التي هي من قواعد النبوة ومؤسساتها.الثالث: أن اإلمام يجب أن يكون معصوما وال شئ من غير علي (عليه

السالم) ممن ادعيت له اإلمامة بمعصوم فال شئ من غيره بإمام.أما الصغرى: فقد تقدم بيانها.

وأما الكبرى: فلإلجماع على عدم عصمة العباس وأبي بكر فيكونعلي (عليه السالم) هو المعصوم فيكون هو اإلمام، وإال لزم إما خرق االجماع لو

أثبتناها لغيره أو خلو الزمان من إمام معصوم وكالهما باطالن:الرابع: أنه أعلم الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيكون هو

اإلمام أما األول فلجهات (١):األولى (٢): أنه كان شديد الحدس والذكاء والحرص على التعلم، ودائمالمصاحبة للرسول (صلى الله عليه وآله) الذي هو الكامل المطلق بعد الله

تعالى، وكان شديد المحبة له والحرص على تعليمه وإذا اتفق هذا الشخصوجب أن يكون أعلم من كل أحد بعد ذلك المعلم وهو ظاهر.

الثانية: أن أكابر العلماء من الصحابة والتابعين كانوا يرجعون إليه فيالوقائع التي تعرض لهم، ويأخذون بقوله ويرجعون عن اجتهادهم، وذلك

بين في كتب التواريخ والسيرة (٣).الثالثة: إن أرباب الفنون في العلوم كلها يرجعون إليه، فإن أصحاب

--------------------(١) في األصل (فلوجوه). (٢) في األصل (األول). (٣) أخرج الحاكم في المستدرك (ج ٣ ص

١٢٢) من حديث أنس قال: قال (صلى الله عليه وآله): يا علي أنت تبين ألمتي ما اختلفوا فيه من بعدي.

(١٠٤)

Page 102: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

التفسير يأخذون بقول ابن عباس وهو كان أحد تالمذته، حتى قال أنه شرحلي في باء: (بسم الله الرحمن الرحيم) من أول الليل إلى آخره

وأرباب الكالم يرجعون إليه، أما المعتزلة فيرجعون إلى أبي علي الجبائي،وهو يرجع في العلم إلى أبي هاشم، وهو يرجع إلى محمد بن الحنفية وهو

يرجع إلى أبيه علي (عليه السالم).وأما األشاعرة: فإنهم يرجعون إلى أبي الحسن األشعري وهو تلميذ

أبي علي الجبائي.وأما اإلمامية: فرجوعهم إليه ظاهر ولو لم يكن إال كالمه في نهج

البالغة، الذي قرر فيه المباحث اإللهية في التوحيد والعدل، والقضاءوالقدر، وكيفية السلوك ومراتب المعارف الحقية، وقواعد الخطابية وقوانين

الفصاحة والبالغة، وغير ذلك من الفنون لكان فيه غنية للمعتبرة وعبرةللمتفكر، وأما أرباب الفقه فرجوع رؤساء المجتهدين من الفرق إلى تالمذته

مشهور، وفتاويه العجيبة في الفقه مذكورة في مواضعها، لحكمه في قضيةالحالف أنه ال يحل قيد عبده حتى يتصدق بوزنه فضة، وحكمه في قضية

صاحب األرغفة وغير ذلك (١).الرابعة: قول النبي (صلى الله عليه وآله) في حقه (عليه السالم) (أقضاكم

علي) (٢)، ومعلوم أن القضاء يحتاج إلى العلوم الكثيرة فيكون محيطابها.

الخامسة: قوله (عليه السالم): (لو ثنيت لي الوسادة فجلست عليها--------------------

(١) سيأتي ذلك في باب تعداد فضائله (عليه السالم).(٢) بعض مصادر الحديث مصابيح السنة (٢ / ٢٠٣) ط. مصر وأخبار القضاة البن وكيع (١

٨٤) ط. بيروت وعن عمر بن الخطاب في آمالي الطوسي ٢٥٦ علي أقضانا وفي صحيحالبخاري كتاب المحاربين وسنن أبي داود (٢ / ٢٢٧). لوال علي لهلك عمر.

(١٠٥)

Page 103: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل اإلنجيل بإنجيلهم وبين أهل الزبوربزبورهم، وبين أهل الفرقان بفرقانهم، والله ما من آية نزلت في ليل أو

نهار أو سهل أو جبل إال وأنا أعلم فيمن نزلت، وفي أي شئ نزلت) (١).وذلك يدل على إحاطته (عليه السالم) بمجموع العلوم اإللهية وإذا كان

أعلم كان متعينا لإلمامة وهو المطلوب.السادسة: أنه أزهد الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيكون هواإلمام، ألن األزهد أفضل، أما أنه أزهد فناهيك في ذلك تصفح كالمه فيالزهد، والمواعظ واألوامر والزواجر، واإلعراض عن الدنيا، وظهرت آثار

ذلك عنه حتى طلق الدنيا ثالثا وأعرض عن مستلذاتها في المأكل والمشربوالملبس، ولم يعرف له أحد ورطة في فعل دنيوي حتى أنه كان يختم أوعية

خبزه فقيل له في ذلك، فقال أخاف أن يضع فيه أحد ولدي أداما (٢) ويكفيكبزهده أنه آثر بقوته وقوت عياله، المسكين واليتيم واألسير حتى نزل في ذلك

قرآن على أفضليته وعصمته (٣).قال: (واألدلة في ذلك ال تحصى كثرة).

أقول: الدالئل على إمامة علي عليه الصالة واإلسالم أكثر من أنتحصى (٤) حتى أن المصنف (ره) وضع كتابا في اإلمامة وسماه كتاب

--------------------(١) تاريخ البالذري وحلية األولياء ورواه فرات بن إبراهيم في تفسيره عن زاذان ق ٦٩ طبع نجف.

(٢) مناقب ابن شهرآشوب (٢ / ٩٨).(٣) اإلنسان ٨ - ويطمعون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا.

(٤) وعن أبي الحكم بن عيينة واألعمش و... وغيرهم بالطرق المتصلة إلى جابر أنه كان يدور فيالمدينة ويقول قال النبي (صلى الله عليه وآله) علي خير البشر من أبى فقد كفر ومن رضي فقد شكر، معاشر

الناس أدبوا أوالدكم على حب علي (عليه السالم) فمن أبى فانظروا في شأن أمه وروى هذا الخبر أحمدبن حنبل وجملة الشيعة (س ط).

- ويقول النبي (صلى الله عليه وآله) أنا مدينة العلم وعلي بابها ومن ورد المدينة فليأت الباب، رواه جابروابن

عباس وأحمد والثقفي وابن جبير وكثير منهم حتى نقل بعضهم إجماع األمة جعل نفسه الشريفةتلك المدينة ومنع الوصول إليها إال بواسطة الباب، فمن دخل منه كان له عن المعصية جنة

واقية وفاز فوزا عظيما [واهتدى] صراطا مستقيما.- أقول هذا الحديث رواه الطبراني في الكبير عن ابن عباس وص ١٠٧ من الجامع الصغير

للسيوطي والحاكم في مناقب علي ٢٦٦ والترمذي باب ٢٠ من كتاب المناقب والطوسي فيأماليه ص ٥٨٨ وغيرهم.

(١٠٦)

Page 104: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

األلفين، وذكر فيه ألفي دليل علال إمامته، وصنف في هذا الفن جماعة منالعلماء مصنفات كثيرة ال يمكن حصرها، ولنذكر هنا جملة من ذلك تشرفا

وتيمنا بذكر فضائله (١) (عليه السالم) وهو من وجوه:--------------------

(١)... من غيره طلق الدنيا [ثالثا] وقال إليك عني [أبي] تعرض أم إلي تشوقت ال حانحينك، هيهات غري غيري ال [حاجة] لي فيك وقد طلقتك ثالثا ال رجعة فيها، وقال

(عليه السالم): إليك عني يا دنيا فحبلك على غاربك قد انسللت من مخالبك وأفلت منحبائلك واجتنبت الذهاب في مداحضك... واغربي عني فوالله ال أذل لك فتستذليني وال

أسلس لك فتقوديني وأيم الله يمينا استثني فيها بمشيئة الله، ألروضن نفسي رياضة تهش معهاإلى القرص إذا قدرت عليه مطعوما وتقنع بالملح مأدوما [أداما] وألدعن مقلتي كعين ماء نضب

معينها [ستفرغه دموعها] نهج البالغة (٤ / ١٦) و (٣ / ٧٣) الشيخ محمد عبده - دارالمعرفة بيروت وبمعناه في مناب ابن شهرآشوب (٢ / ١٠٣ و ١٠٢).

[والمتواتر المشهور] على أنه (عليه السالم) كان [أعلم وأزهد] الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)حتى نقل المخالف والمؤلف أنه كان يختم على أوعية خبزه فقيل له في ذلك فقال أخاف أن

يضع فيه أحد ولدي أداما، ويكفيك زهده أنه آثر بقوته وبقوت عياله ثالث ليال وباتوا علىالطوى فأنزل الله فيهم ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا، وأما ظهور المعجزة

في يده فكثير متواتر كرد الشمس عليه مرتين والقصة بكل منها مشهورة، وقلع الصخرة عن فمالقليب ومحاربة الجن وتطويق خالد بالحديد ومجيئ الثعبان إليه فكلمه وانصرف فقيل له في

ذلك فقال (عليه السالم) هو حاكم من حكام الجن سئل في قضية أشكلت عليه، وكان قددخل الثعبان بالباب الكبيرة من مسجد الكوفة حيث هي اآلن، كره بنو أمية ظهور هذه الفضيلةفربطوا على الباب فيال وسموه باب الفيل، وتسليم الذئب عليه بإمرة المؤمنين وخضوع األسدله فورا وخطابه مع الجري * عرضت علي واليتك فلم أقبلها فمسخت وحكاية [الجلندي *]والكندي وحكاية [الجلندب *] والمخاض ومسخ الرجل كلبا بما كان فيه وكقلع باب خيبر

وإخباره بالمغيبات إلى غير ذلك (س ط) ٧.

(١٠٧)

Page 105: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

األول: قوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذينيقيمون الصالة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (١)، وذلك يتوقف على

مقدمات.األول: إنما للحصر بالنقل عن أهل اللغة قال الشاعر:

أنا الذائد الحامي الذمار وإنما * يدافع عن أحسابهم أنا أو مثليفلو لم يكن للحصر لم يتم افتخاره.

الثانية: إن المراد بالولي، إما األولى بالتصرف، أو الناصر إذ غير ذلكمن معانيه غير صالح هنا قطعا، لكن الثاني باطل لعدم اختصاص النصرة

بالمذكور فتعين المعنى األول.الثالثة: إن الخطاب للمؤمنين ألن قبله بال فصل: (يا أيها الذين آمنوا

من يرتد منكم عن دينه..) (٢)، اآلية ثم قال: (إنما وليكم اللهورسوله)، فيكون الضمير عائدا إليهم حقيقة.

الرابعة: إن المراد بالذين آمنوا في اآلية بعض المؤمنين لوجهين:الوجه األول: أنه لوال ذلك لكان كل واحد وليا لنفسه بالمعنى المذكور

--------------------* الجري والمار ما هي من أنواع الحيتان - إرشاد المفيد ص ١٨٣.

* هكذا في األصل.(١) المائدة ٥٥. تفسير الطبري ٦ / ١٦٥ وابن كثير ٢ / ٧١ والواحدي ١٤٨ والسيوطي في الدر

المنثور ٢ / ٢٩٥ أنها نزلت في علي (عليه السالم) وقصة الخاتم أخرجها الخطيب فيالمتفق والمفترق والثعلبي وكنز العمال ٦ / ٣٩١ الخ...

(٢) فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيلالله وال يخافون لومة الئم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم، إنما... ٥٤ - ٥٥

المائدة.

(١٠٨)

Page 106: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

وهو باطل.الوجه الثاني: أنه وصفهم بوصف غير حاصل لكلهم، وهو إيتاء الزكاة

حال الركوع إذ الجملة هنا حالية.الخامسة: أن المراد بذلك البعض هو علي بن أبي طالب (عليه السالم)

خاصة للنقل الصحيح، واتفاق أكثر المفسرين على أنه كان يصلي فسألهسائل فأعطاه خاتمه راكعا، وإذا كان (عليه السالم) أولى بالتصرف فينا تعين أن

يكون هو اإلمام ألنا ال نعني باإلمام إال ذلك.الثاني: أنه نقل نقال متواترا أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما رجع من

حجة الوداع أمر بالنزول بغدير خم (١) وقت الظهر، ووضعت له األحمال شبهالمنبر، وخطب الناس واستدعى عليا (عليه السالم) ورفع بيده وقال (صلى الله

عليه وآله):(أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم، قالوا: بلى يا رسول الله،

قال: فمن كنت مواله فهذا علي مواله، اللهم وال من وااله وعاد من عاداه،وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه كيف ما دار) وكرر ذلك

عليهم ثالثا، والمراد بالمولى هو األولى، ألن أول الخبر يدل على ذلك،وهو قوله (صلى الله عليه وآله): (ألست أولى بكم)، ولقوله تعالى في حق

الكفار: (مأواكم النار هي موالكم) (٢)، أي أولى بكم، وأيضا فإن غير ذلك منمعانيه غير جائز هنا كالجار، والمعتق والحليف، وابن العم، واستحالة

أن يقوم النبي (صلى الله عليه وآله) في ذلك الوقت الشديد الحر، ويدعو الناس--------------------

(١) مسند أحمد (١ / ٨٤ و ١١٨...) والترمذي (٢٠ / ٢٩٧) وأمالي الطوسي ٢٣١ و ٢٥٢الخ...

(٢) الحديد ١٥.

(١٠٩)

Page 107: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

ويخبرهم بأشياء ال مزيد فائدة فيها، بأن يقول من كنت جاره أو معتقه أو ابنعمه فعلي (عليه السالم) كذلك، وإذا كان علي (عليه السالم) هو األولى بنا

فيكون هو اإلمام.الثالث: ورد متواترا أنه (صلى الله عليه وآله) قال لعلي (عليه السالم):

أنت مني بمنزلة هارون من موسى إال أنه ال نبي بعدي (١)، أثبت له جميعمراتب هارون من موسى واستثنى النبوة، ومن جملة منازل هارون من موسى أنه

كان خليفة له لكنه توفي قبله وعلي (عليه السالم) عاش بعد رسول الله (صلى اللهعليه وآله) فتكون خالفته ثابتة إذ ال موجب لزوالها.

الرابع: قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسولوأولي األمر منكم) (٢)، فالمراد بأولي األمر إما من علمت عصمته أو ال،والثاني باطل اتفاقا الستحالة أن يأمر الله بالطاعة المطلقة لمن يجوز عليه

الخطأ، فتعين األول، فيكون هو علي بن أبي طالب (عليه السالم) إذ لم يدعالعصمة إال فيه وفي أوالده فيكونون هم المقصودين وهو المطلوب، وهذا

االستدالل بعينه جار في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا معالصادقين) (٣).

الخامس: أنه (عليه السالم) ادعى اإلمامة وظهر المعجزة على يده، وكلمن كان كذلك فهو صادق في دعواه،

أما أنه ادعى اإلمامة، فظاهر مشهور في كتب السير والتواريخ حكاية--------------------

(١) حديث المنزلة: البخاري (٣ / ٥٤ و ٢ / ١٥٨) ومسلم (١ / ٩٨ و ١٨٨...) وأحمد(١ / ١٧٠) ومسند الطيالسي ح ٢٠٥ و ٢٠٩ والترمذي وابن ماجة وأمالي الشيخ المفيد ص

٥٧ وآمالي الطوسي ٢٣٢ - ٢٥٩.(٢) ١٧٦ النساء - ٥٩.

(٣) ١٧٧ التوبة - ١١٩.

(١١٠)

Page 108: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

أقواله وشكايته ومخاصمته حتى أنه لما رأى تخاذلهم عنه قعد في بيته واشتغلبجمع كتاب ربه، طلبوه للبيعة فامتنع، فأضرموا في بيته النار وأخرجوه قهرا

ويكفيك في الوقوف على شكايته في هذا المعنى خطبته الموسومة بالشقشقيةفي نهج البالغة (١).

وأما ظهور المعجزة فكثيرة:منها: قلع باب خيبر (٢).

ومنها: مخاطبة الثعبان على منبر الكوفة (٣).ومنها: رفع الصخرة العظيمة عن فم القليب لما عجز العسكر عن

--------------------(١) نهج البالغة لمحمد عبده (١ / ٣٠) واحتجاج الطبرسي (١٩١) ط بيروت قال: أما والله لقد

تقمصها فالن، [ابن أبي قحافة]، وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى...فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجا... فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقرها

آلخر بعد وفاته... إلى أن قال (عليه السالم): لوال حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر...أللقيت حبلها على غاربها...

- ومن جملة ما يذكر في إثبات مجاهرة األمير (عليه السالم) بإظهار الخالف كالمه في نهجالبالغة (ص ٤٩) فوالله ما زلت مدفوعا عن حقي مستأثرا علي منذ قبض الله نبيه،... وقوله

قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما من الناس أحد أولى بهذا األمر مني (تاريخ الطبري ٥ / ١٧١)وقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) يا علي ستغرر بك األمة بعدي (البخاري في تاريخه الكبير ١ / ١٧٤)

ومستدرك الحاكم وتلخيصه (٣ / ١٤٠) وتاريخ بغداد (١١ / ٢١٦) وقوله (عليه السالم) حتى ماوجدت إال القتال أو الكفر بالله أثناء إشارته لمسبب قتاله طلحة والزبير ومعاوية ودفعه عمن تقدم

ألنه لم يجد األعوان وإال لكان لزمه ذلك.أقول هذا ما أنكرته الصحابة على أبي بكر، وما حدث يوم السقيفة الخ...

(٢) إرشاد المفيد (٦٧) أعالم الورى (١٠٧ و ١٨٣).وحديث خيبر رواه البخاري كتاب المغازي باب ٣٨ وكتاب الجهاد والسير باب ١٠٢ وباب ١٢١ وفي

أماكن أخرى / وفي آمالي المفيد ٥٦ والطوسي ٣١٣ وتفسير الرازي (١٣ / ١٧٠) ط.البهية وكنز العمال (٥ / ٤٢٨).

(٣) إرشاد المفيد ١٨٣ وأعالم الورى ١٨١.

(١١١)

Page 109: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

قلعها.ومنها: رد الشمس حتى عادت إلى موضعها في الفلك وغير ذلك مما

ال يحصى (١).وأما أن كل من كان كذلك فهو صادق فلما تقدم في النبوة.

السادس: أن النبي (صلى الله عليه وآله) أما أن يكون قد نص على إمامأو ال. الثاني باطل على جهتين:

األولى: أن النص على إمام واجب تكميال للدين وتعيينا لحافظه فلوأخل به رسول الله (صلى الله عليه وآله) لزم إخالله بالواجب.

الثانية: أنه (صلى الله عليه وآله) لما كان من شفقته ورأفته للمكلفين ورعايتهلمصالحهم بحيث علمهم مواقع االستنجاء والجنابة وغير ذلك، مما ال نسبةله في المصلحة إلى اإلمامة، فيستحيل في حكمته وعصمته أن ال يعين لهممن يرجعون إليه في وقائعهم وسد عوراتهم ولم شعثهم، فتعين األول، ولم

يدع النص لغير علي (عليه السالم) وأبي بكر إجماعا فبقي أن يكون المنصوصعليه إما عليا (عليه السالم) أو أبا بكر والثاني باطل فتعين األول أما بطالن الثاني

فلوجوه:األول: أنه لو كان منصوصا عليه لكان توقيف األمر على البيعة معصية

قادحة في إمامته.الثاني: أنه لو كان منصوصا عليه لذكر ذلك وادعاه في حال بيعته أو

بعدها، أو قبلها، إذ ال عطر بعد عرس، لكنه لم يدع ذلك فلم يكون منصوصاعليه.

--------------------(١) حديث الراهب والصخرة: إرشاد المفيد ١٧٦ ورد الشمس: أعالم الورى ١٨٠ وآمالي المفيد

٩٤ وأخباره مألت الكتب كمدينة المعاجز ومناقب ابن شهرآشوب الخ...

(١١٢)

Page 110: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

الثالث: أنه لو كان منصوصا عليه لكانت استقالته من الخالفة في قوله:أقيلوني فلست بخيركم وعلي (عليه السالم) فيكم (١) من أعظم المعاصي.

إذ هو رد على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) فيكون قادحا في إمامته.الرابع: أنه لو كان منصوصا عليه لما شك عند موته في استحقاقه

الخالفة، لكنه شك حيث قال يا ليتني كنت سألت رسول الله هل لألنصار فيهذا األمر حق أم ال (٢).

الخامس: أنه لو كان منصوصا عليه لما أمره رسول الله (صلى الله عليه--------------------

(١) الفصول المختارة من العيون والمحاسن ص ١٩٧ - سر العالمين (٢٠ - ٢٢) علم اليقين(٢ - ٦٣٢) وقوله إني وليت عليكم ولست بخيركم فإن رأيتموني على الحق فأعينوني وإن

رأيتموني على الباطل فسددوني.وقوله ع، أما والله ما أنا بخيركم ولقد كنت لمقامي هذا كارها ولوددت أن فيكم من يكفيني أفتظنون

أني أعمل فيكم بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ إذن ال أقوم بها، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله)كان يعصم

بالوحي وكان معه ملك وإن لي شيطانا يعتريني فإذا غضبت فاجتنبوني... (إلى قوله) وإنزغت فقوموني).

هذا في كتب العامة: مسند أحمد (١ / ١٤) والرياض النضرة (١ / ١٧٠) وكنز العمال (٣ /١٢٦) وطبقات ابن سعد (٣ / ١٣٩) والطبري (٣ / ٢١٠) وابن هشام (٤ / ٣٤٠)

والعقد الفريد (٢ / ١٥٨) الخ... تلخيص الشاقي (٢ / ٩).(٢) وليتني كنت تركت بيت فاطمة (عليه السالم) لم اكشفه وليتني في ظلة بني ساعدة ضربت على يد أحد

الرجلين فكان هو األمير وكنت الوزير (الطبري ٣ / ٤٣٠) ط دار المعارف بمصر وقوله:وددت أني كنت سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن هذا األمر فيمن هو؟ فكنا ال تنازعه أهله

(الطبري٣ / ٤٣١) والعقد

الفريد (٢ / ٤٥٢) ومثله في اإلمامة والسياسة البن قتيبة، وقول عمر بنالخطاب في صحيح البخاري (إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت، أال وإنها كانت كذلك

ولكن الله وقى شرها) باب رجم الحبلى من الزنا (١٤ / ١٨٠) دار صعب، وأحمد (١ /٥٥) وابن هشام (٤ / ٢٣٨) وكنز العمال (٣ / ١٣٩)... فكيف يوصف ما عقد الرسول

وعهد فيه بأنه (فلتة).

(١١٣)

Page 111: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

وآله بالخروج مع أسامة بن زيد ألنه (صلى الله عليه وآله) كان عليال وقدنعيت إليه نفسه، حتى قال نعيت إلي نفسي ويوشك أن أقبض ألنه كان

جبرئيل يعارضني بالقرآن كل سنة مرة وأنه عارضني به السنة مرتين، فلو كانوالحال هذه واإلمام هو أبا بكر لما أمره بالتخلف (١) عنه، لكنه (صلى الله عليه

وآله) حث على خروج الكل، ولعن المتخلف وأنكر عليه لما تخلف عنهم.السادس: أنه ال واحد من غير علي (عليه السالم) من الجماعة الذين

أدعيت لهم اإلمامة يصلح لها فتعين هو (عليه السالم).أما األول: فألنهم كانوا ظلمة لتقدم كفرهم، فال ينالهم عهد اإلمامة

لقوله تعالى: (ال ينال عهدي الظالمين).قال: (ثم من بعده ولده الحسن (عليه السالم) ثم الحسين (عليه السالم)

ثم علي بن الحسين (عليه السالم) ثم محمد بن علي الباقر (عليه السالم) ثمجعفر بن محمد صادق (عليه السالم) ثم موسى بن جعفر الكاظم (عليه السالم)ثم علي بن موسى الرضا (عليه السالم) ثم محمد بن علي الجواد (عليه السالم)

ثم علي بن محمد الهادي (عليه السالم) ثم الحسن بن علي العسكري (عليهالسالم) ثم محمد بن الحسن صاحب الزمان صلوات الله عليهم، بنص كل

سابق منهم على الحقه (٢) واألدلة السابقة.أقول: لما فرغ من إثبات إمامة علي (عليه السالم) شرع في إثبات إمامة

--------------------(١) أي اللحاق بجيش أسامة، ومن طرائف ما روي أن أبا الحسن علي بن ميثم قال ألبي الهذيل

العالف قد ثبت أن إبليس يعلم الشر كله والخير كله، قال أبو الهذيل أجل، قال فأخبرني عنإمامك الذي تأتم به بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) هل يعلم الخير كله والشر كله، قال ال، فقال له

فإبليس أعلم من إمامك إذن، فانقطع أبو الهذيل (العيون والمحاسن ص ٦).(٢) أصول الكافي وإكمال الدين وكفاية األثر وأمالي المفيد والطوسي واالرشاد الخ... تواترت

األحاديث في هذه الكتب وغيرها.

(١١٤)

Page 112: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

األئمة القائمين باألمر بعد ه والدليل على ذلك وجوه:األول: النص من النبي (صلى الله عليه وآله) فمن ذلك قوله للحسين

(عليه السالم): هذا ولدي الحسين إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعةتاسعهم قائمهم أفضلهم، ومن ذلك ما رواه جابر بن عبد الله األنصاري قال

لما قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولياألمر منكم) (١)، قلت: يا رسول الله عرفنا الله فأطعناه وعرفناك فأطعناك فمن

أولي األمر الذي أمرنا الله بطاعتهم، قال: هم خلفائي يا جابر وأولياء األمربعدي:

أولهم أخي علي (عليه السالم) ثم من بعده الحسن ولده، ثم الحسين ثمعلي بن الحسين ثم محمد بن علي، وستدركه يا جابر فإذا أدركته فاقرأه منيالسالم، ثم جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر بن علي بن موسى الرضا ثم

محمد بن علي ثم علي محمد ثم الحسن بن علي ثم محمد بن الحسنيمأل األرض قسطا وعدال كما ملئت جورا وظلما (٢).

ومن ذلك ما روي عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال: إن الله اختار مناأليام يوم الجمعة، ومن الشهور شهر رمضان، ومن الليالي ليلة القدر،

واختار من الناس األنبياء، واختار من األنبياء الرسل، واختارني من الرسل، اختارمني عليا واختار من علي الحسن والحسين، واختار من الحسين

األوصياء وهم تسعة من ولده ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وانتحالالمبطلين وتأويل الجاهلين (٣).

--------------------(١) نقله في منتخب األثر بأكثر من ٣٦ طريقا وفي مسند أحمد ابن حنبل: هذا ابن إمام أخو إمام

أبو أئمة تاسعهم قائمهم (كشف اليقين) (م. األثر الباب السابع).(٢) منتخب األثر الباب الثامن بأكثر من خمسين طريقا.

(٣) المصدر السابق الباب السادس بأكثر من مائة وأربعين طريقا.

(١١٥)

Page 113: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

الثاني: المتواتر من كل واحد منهم على الحقه وذلك كثير (١) اليحصى، نقلته اإلمامية على اختالف طبقاتهم.

الثالث: أن اإلمام يجب أن يكون معصوما وال شئ من غيرهمبمعصوم فال شئ من غيرهم بإمام.

أما األول: فقد مر بيانه.وأما الثاني: فباإلجماع أنه لم يدع العصمة في أحد إال فيهم في زمان

--------------------(١) من ذلك ما رووه عن جابر بن سمرة بطرق عديدة بعضها في

صحيح البخاري وبعضها في صحيح مسلم وبعضها في حلية األولياء، ومن ذلك ما رواه واهب بن عبد...مسندا برجاله

وأحمد محمد بن عبد الله الجوهري مسندا إلى عبد الله بن أبي برجا له وفي آخره فإذا هلكواماجت األرض بأهلها.

قال علي بن محمد قال الكيدري كل من قال بهذا العدد قال بهؤالء ومن قال بغيرهم لم يقل بهفالقول به دون القول بهم فرق لإلجماع، وفيه أخبار كثيرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: يخرج

من صلب الحسين (عليه السالم) أئمة تسعة تاسعهم قائمهم، ومن ذلك ما رواه أخطب خوارزم مسنداإلى سليم بن قيس إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وصاحب الكفاية وصاحب كشف الحيرة وصاحب

المقتضب وصاحب مراصد العرفان بأسانيدهم إلى سلمان إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وصاحب بصائراإلنس بإسناده إلى جابر واستيفاء الروايات بذلك ال يحتمله هذه المختصر (س ط) ففي

صحيح البخاري (ج ٤ في كتاب األحكام) يكون اثنا عشر أميرا فقال كلمة لم أسمعها فقالأبي أنه قال كلهم من قريش وفي صحيح الترمذي (٢ / ٤٥ ط. دهلي مثله) وفي صحيح

مسلم كتاب اإلمارة (٢ / ١٩١ ط. مصر) وفي مواضع أخرى، وكذلك في صحيح أبي داودكتاب المهدي (٢ / ٢٠٧) وفي مسند أحمد في أربع وثالثين طريقا وفي المستدرك علىالصحيحين في كتاب معرفة الصحابة وفي منتخب كنز العمل وتاريخ بغداد وتاريخ الخلفاء

وينابيع المودة الخ... فهذه األحاديث مما روته العامة من أنه يكون اثنا عشر خليفة كلهم منقريش إال على مذهب الشيعة اإلمامية فبعضها يدل على أن اإلسالم ال ينقرض وال

ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة وإن وجود األئمة (عليه السالم) ستمر إلى آخر الدهر الخ...فسذه الخصوصيات لم توجد إال في األئمة وأين تذهب بهم المذاهب (منتخب األثر بتصرف

وزيادة ص ١٩).في كفاية األثر الجوهري مسندا برجاله إلى أبي هريرة.

(١١٦)

Page 114: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

كل واحد منهم فيكونون هم األئمة (عليهم السالم) وبيانه كما تقدم.الرابع: أنهم كانوا أفضل من كل واحد من أهل زمانهم، وذلك معلوم

في كتب السير والتواريخ فيكونون أئمة لقبح تقديم المفضول على الفاضل.الخامس: أن كل واحد منهم ادعى اإلمامة وظهر المعجز على يده

فيكون إماما.وبيان ذلك: قد تقدم ومعجزاتهم قد نقلتها اإلمامية في كتبهم (١) فعليك

في ذلك بكتاب خرائج الجرائح للراوندي وغيره من الكتب (٢) في هذا الفن.فائدة

اإلمام الثاني عشر (عليه السالم) حي موجود من حين والدته، وهي سنةست وخمسين ومئتين إلى آخر زمان التكليف ألن كل زمان ال بد فيه من إمام

معصوم (٢) لعموم األدلة وغيره ليس بمعصوم فيكون هو اإلمام.--------------------

(١) وليست الشيعة وحدها روت معجزاتهم (عليهم السالم) بل أجمع الرواة على نقل مثلما روته الشيعة وبطرقهم وهاك بعض أسماء كتبهم، الفصول المهمة البن صباغ المالكي،

المناقب البن المغازلي الشافعي، مناقب علي (عليه السالم) للحافظ أبي عبد الله أحمد بن حنبلوكتاب علي للحافظ القفال الشاستي الحنفي الكوفي، والنص الجلي، والخصائص

للنسائي، ومناقب علي (عليه السالم) للثعلبي والفضائل للسيوطي صاحب المستدركالخ... وفرائد السمطين ونظم درر السمطين ومودة القربى ورياض الفكر ومناقب أخطبالخطباء الخوارزمي ومحاسن األزهار وكتاب نزهة األبصار وكفة الراغب ودرر االصداق

وإسعاف الراغبين وينابيع المودة ونور األبصار وذخائر العقبى ولم نذكر ذلك إال على سبيلالمثال ال على سبيل الحصر، أما كتب الشيعة فانظر البحار ومدينة المعاجز وكتب الصدوق

والمفيد والطوسي والكليني والمجلسي وغيرهما.(٢) تقدم آنفا تحت رقم ١.

(٣) قد اشتهر بين الفريقين بل نقل إجماع المسلمين أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: من مات ولم يعرفإمام

زمانه مات ميتة جاهلية وإمام زماننا هو القائم المنتظر محمد بن صفي بن علي بن محمد بنعلي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم

السالم) الحاضر في األمصار الغائب عن األبصار فيظهر بعد غيبة طويلة فيمأل األرض قسطاوعدال كما ملئت ظلما وجورا يفتح الله على يديه مشارق األرض ومغاربها، بشرنا بذلك النبي

(صلى الله عليه وآله) وقال طوبى للصابرين في غيبته، طوبى للمقيمين على محبته أولئك من وصفهم الله فيكتابه فقال (يؤمنون بالغيب) وقال (أولئك حزب الله

هم المفلحون) (ش ط).

(١١٧)

Page 115: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

وأما االستبعاد ببقاء مثله فباطل، ألن ذلك ممكن خصوصا قد وقع فياألزمنة السالفة في حق السعداء واألشقياء ما هو أزيد من عمره (عليه السالم).

وأما سبب خفائه (عليه السالم)، فإما لمصلحة استأثره بعلمها أو لكثرةالعدو وقلة الناصر، ألن حكمته تعالى وعصمته (عليه السالم) ال يجوز معهما

منع اللطف فيكون من غير العادة وذلك هو المطلوب.اللهم عجل فرجه وأرنا فلجه واجعلنا من أعوانه وأتباعه وأرزقنا طاعته

ورضاه واعصمنا من مخالفته وسخطه بحق الحق والقائل بالصدق.قال:

(١١٨)

Page 116: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

الفصل السابعفي المعاد

اتفق المسلمون كافة على وجود المعاد البدني وألنه لواله لقبحالتكليف وألنه ممكن، والصادق قد أخبر بثبوته فيكون حقا، واآليات الدالة

عليه وإنكار على جاحده).أقول: المعاد زمان العود أو مكانه، والمراد به هنا الوجود الثاني

لألجسام وإعادتها بعد موتها وتفرقها وهو حق واقع خالفا للحكماء، والدليلعلى ذلك من وجوه:

األول: إجماع المسلمين على ذلك من غير نكير بينهم فيه وإجماعهمحجة (١).

الثاني: أنه لو لم يكن المعاد حقا لقبح التكليف والتالي باطل والمقدممثله.

بيان الشرطية: أن التكليف مشقة مستلزمة للتعويض عنها، فإن المشقةمن غير عوض ظلم، وذلك العوض ليس بحاصل في زمان التكليف، فال بدحينئذ من دار أخرى يحصل فيها الجزاء على األعمال، وإال لكان التكليف

ظلما وهو قبيح تعالى الله عنه.--------------------

(١) أي االجماع الكاشف عن قول المعصوم على نحو القطع وقد سبق بيانه.

(١١٩)

Page 117: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

الثالث: أن حشر األجسام ممكن والصادق أخبر بوقوعه فيكون حقا.أما إمكانه: فألن أجزاء الميت قابلة للجمع وإفاضة الحياة عليها، وإال

لما اتصف بها من قبل، والله تعالى عالم بأجزاء كل شخص لما تقدم منأنه عالم بكل المعلومات وقادر على جميعها، ألن ذلك ممكن والله تعالى قادر

على كل الممكنات فثبت أن إحياء األجسام ممكن.وأما أن الصادق أخبر بوقوع ذلك فألنه ثبت بالتواتر أن النبي كان يثبت

المعاد البدني ويقول به فيكون حقا وهو المطلوب.الرابع: داللة القرآن على ثبوته (١) وإنكار على جاحده فيكون حقا.

أما األول: فاآليات الدالة عليه كثيرة نحو قوله تعالى: (وضرب لنامثال ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول

مرة وهو بكل خلق عليهم) (٢)، وغير ذلك من اآليات.قال: (وكل من له عوض أو عليه عوض يجب بعثه عقال وغيره يجب

إعادته سمعا).أقول: الذي يجب إعادته على قسمين:

أحدهما: يجب إعادته عقال وسمعا وهو كل من له حق من الثواب أوالعوض ليصل حقه إليه، وكل من عليه حق من عقاب أو عوض ألخذ الحق

منه.--------------------

(١) [واآليات فيه كثير مثل قوله](بدلناهم جلودا غيرها) وقوله: (يوم تشقق األرض عنهم) (ذلك حشر علينا يسير) وقوله: (إذا

زلزلت األرض زلزالها وأخرجت األرض أثقالها) وقوله: (أفال يعلم إذا بعث ما في القبوروحصل ما في الصدور).

(٢) سورة يس آية ٧٨ - ٧٩.

(١٢٠)

Page 118: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

وثانيهما: من ليس له حق وال عليه حق من باقي األشخاص انسانيةكانت أو غيرها من الحيوانات اإلنسية والوحشية وذلك يجب إعادته سمعا

لداللة القرآن واألخبار المتواترة عليه.قال: (ويجب االقرار بكل ما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله) فمن

ذلك الصراط والميزان (١). وإنطاق الجوارح وتطاير الكتب المكانها، وقد أخبرالصادق بها فيجب االعتراف بها).

أقول: لما ثبت بنوة نبينا (صلى الله عليه وآله) وعصمته، ثبت أنه صادقفي كل ما أخبر بوقوعه سواء كان سابقا على زمانه، كإخباره عن األنبياءالسالفين وأممهم والقرون الماضية وغيرها، أو في زمانه كإخباره بوجوب

الواجبات وتحريم المحرمات وندب المندوبات والنص على األئمة وغير ذلكمن األخبار، أو بعد زمانه.

فأما في دار التكليف كقوله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السالم):ستقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين (٢).

أو بعد التكليف كأحوال الموت وما بعده، فمن ذلك عذاب القبر،والميزان والحساب، وإنطاق الجوارح، وتطاير الكتب وأحوال القيامة وكيفية

حشر األجسام وأحوال المكلفين في البعث، ويجب االقرار بذلك أجمع--------------------

(١) قوله قال والوزن يومئذ الحق قال الشيخ أبو علي قبل معناه أن الوزن عبارة عن العدل في اآلخرةوأنه ال ظلم فيها وقيل أن الله ينصب ميزانا له لسان وكفتان يوم القيامة فيوزن به أعمال العبادمن الحسنات والسيئات ثم اختلفوا في كيفية الوزن ألن األعمال أعراض ال يجوز وزنها فقيلتوزن صحائف األعمال وقيل تظهر عالمات الحسنات والسيئات في الكفتين فيراها اإلنسان

وقيل تظهر في صورة حسنة والسيئات في صورة سيئة وقيل توزن نفس المؤمن ونفسالكافر.

وقيل المراد بالوزن ظهور مقدار المؤمن في العظم ومقدار الكافر في الذلة (مجمع البحرين).(٢) مناقب ابن شهرآشوب (١ / ١٠٩).

(١٢١)

Page 119: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

والتصديق به ألن ذلك كله أمر ممكن ال استحالة فيه وقد أخبر الصادق بوقوعهفيكون حقا.

قال: (ومن ذلك الثواب والعقاب وتفاصيلهما المنقولة من جهة الشرعصلوات الله على الصادع به).

أقول: يريد أن من جملة ما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله) الثوابوالعقاب (١) وقد اختلف في أنهما معلومان عقال أم سمعا، أما األشاعرة فقالوا

سعما، وأما المعتزلة فقال بعضهم بأن الثواب سمعي إذ ال يناسب الطاعاتوال يكافي ما صدر عنه من النعم العظيمة فال يستحق عليه شئ في مقابلتهاوهو مذهب البلخي، وقالت معتزلة البصرة أنه عقلي القتضاء التكليف ذلك

ولقوله تعالى: (جزاء بما كانوا يعلمون) (٢).وأوجبت المعتزلة العقاب للكافر وصاحب الكبيرة حتما، وقد تقدم لك

من مذهبنا ما يدل على وجوب الثواب عقال، وأما العقاب فهو وإن اشتملعلى اللطيفة لكن ال يجزم بوقوعه في غير الكافر الذي ال يموت على كفره.

--------------------(١) عن أبي جعفر (عليه السالم) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) خمس أن أدركتموهن فتعوذوا

منهن بالله، لم تظهرالفاحشة في قوم قط حتى يعلمونها إال ظهر فيهم الطاعون واألوجاع التي لم تكن في أسالفهم

الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال ال أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان، ولميمنعوا الزكاة إال منعوا من المطر من السماء ولوال البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله

وعهد رسوله (صلى الله عليه وآله) إال سلط الله عليهم عدوهم وأخذوا بعض ما في أيديهم، ولم يحكموا بغيرما أنزل الله إال جعل الله بأسهم [بينهم] (أصول الكافي.

باب عقوبات المعاصي العاجلة ح ١ (٢ / ٣٧٣).(٢) الواقعة ٢٤ والسجد ١٧ وفي األصل جزاء بما كنتم تعلمون وهو ليس في الكتاب بحسب

المعجم المفهرس لعبد الباقي ويستدل عليه بقوله تعالى: وال تجزون إال ما كنتم تعملونوقوله اليوم تجزون ما كنتم تعملون وغيره (٣٩ - الصفات و ٢٨ - الجاثية).

(١٢٢)

Page 120: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

وهنا فوائد:األولى: يستحق الثواب والمدح بفعل الواجب والمندوب وفعل ضد

القبيح أو االخالل به، بشرط أن يفعل الواجب لوجوبه أو لوجه وجوبه،والمندوب كذلك وكذا فعل ضد القبيح أو االخالل به لقبحه ال ألمر آخر غير

ذلك، ويستحق العقاب والذم بفعل القبيح واالخالل بالواجب.الثانية: يجب دوام الثواب والعقاب للمستحق مطلقا كما في حق منيموت على إيمانه، ومن يموت على كفره لدوام المدح والذم على ما

يستحقان به، ويحصل نقيض كل واحد منهما لو لم يكن دائما إذ ال واسطةبينهما ويجب أن يكونا خالصين من مخالطة الضد، وإال لم يحصل

مفهومهما، ويجب اقتران الثواب بالتعظيم والعقاب باإلهانة، ألن فاعلالطاعة مستحق للتعظيم مطلقا، وفاعل المعصية مستحق لإلهانة مطلقا.

الثالثة: استحقاق الثواب يجوز توقفه على شرط، إذ لوال ذلك لكانالعارف بالله تعالى مع جهله بالنبي (صلى الله عليه وآله) مستحقا له وهو باطل،

فإذن هو مشروط بالموافاة لقوله تعالى: (لئن أشركت ليحبطن عملك) (١)،ولقوله تعالى: (ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر، فأولئك حبطت

أعمالهم في الدنيا واآلخرة وأولئك أصحاب النار) (٢).الرابعة: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) (٣) أولئك يستحقون

الثواب الدائم مطلقا، والذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك يستحقون العقابالدائم مطلقا، والذي آمن وخلط عمال صالحا وآخر سيئا، فإن كان السئ

صغيرا فذلك يقع مغفورا إجماعا، وإن كان كبيرا فأما أن يوافي بالتوبة فهو من--------------------

(١) الزمر ٦٥.(٢) البقرة ١١٧.

(٣) األنعام ٨٢ (أولئك لهم األمن).

(١٢٣)

Page 121: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

أهل الثواب مطلقا إجماعا، وإن لم يواف بها فإما أن يستحق ثواب إيمانهأو ال، والثاني باطل الستلزامه الظلم، ولقوله تعالى: (فمن يعمل مثقال ذرةخيرا يره) (١)، فتعين األول، فأما أن يثاب ثم يعاق وهو باطل باالجماع

على أن من دخل الجنة ال يخرج منها، فحينئذ يلزم بطالن العقاب أو يعاقبثم يثاب وهو المطلوب، ولقوله (عليه السالم) في حق هؤالء: يخرجون من

النار وهم كالحمم أو كالفحم فيراهم أهل الجنة فيقولون هؤالء جهنميون (٢)فيؤمر بهم فيغمسون في عن الحيوان فيخرجون ووجوههم كالبدر في ليلة

تمامه.وأما اآليات الدالة على عقاب العصاة والفجار وخلودهم في النار فالمراد

بالخلود هو المكث الطويل، واستعماله بهذا المعنى كثير، والمراد بالفجاروالعصاة الكاملون في فجورهم وعصيانهم وهم الكفار، بدليل قوله تعالى:

(أولئك هم الكفرة الفجرة) (٣)، توفيقا بينه وبين اآليات الدالة علىاختصاص العقاب بالكفار نحو قوله تعالى: (إن الخزي اليوم والسوء على

الكافرين) (٤) وغير ذلك من اآليات.ثم اعلم: أن صاحب الكبيرة إنما يعاقب إذا لم يحصل له أحد

األمرين:األول: عفو الله مرجو متوقع، خصوصا وقد وعد به في قوله تعالى:(ويعفو عن السيئات، ويعفو عن كثير (٥)، إن الله ال يغفر أن يشرك

--------------------(١) الزلزلة ٧.

(٢) انظر تفسيرات فرات ص ١٥٦.(٣) عبس ٤٢.(٤) النحل ٢٧.

(٥) الشورى (٢٥ - ٣٠).

(١٢٤)

Page 122: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء (١)، إن ربك لذو مغفرة للناس علىظلمهم (٢)) (٣)، وخلف الوعد غير مستحسن من الجواد المطلق، ولتمدحه

بأنه غفور رحيم وليس ذلك متوجها إلى الصغائر وال إلى الكبائر بعد التوبةلإلجماع على سقوط العقاب فيهما فال فائدة في العفو حينئذ فتعين أن يكون

للكبائر قبل التوبة (٤) وذلك هو المطلوب.--------------------

(١) النساء ٤٨.(٢) الرعد ٦.

(٣) [فائد في بعض روايات لبيان ما ورد في مطالب].(آ) عدة من أصحابنا عن سهل بن زيد عن علي بن أسباط عن ابن [عرفة] عن أبي الحسن (عليهالسالم) قال إن لله عز وجل في كل يوم وليلة مناديا ينادي مهال مهال عباد الله عن معاصي الله

فلوال بهائم رتع وصبية رضع وشيوخ ركع لصب عليكم العذاب صبا ترصون به رصا.(ب) عن أبي جعفر (عليه السالم) قال ما من عبد إال وفي قلبه نكتة بيضاء فإذا أذنب خرج في النكتة نكتة

سوداء فإن تاب ذهب ذلك السواد وإن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطي البياضفإذا غطى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبدا وقول الله عز وجل (كال بل ران على قلوبهم

ما كانوا يكسبون) (أصول الكافي).(ج) عن أبي عبد الله قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال الله عز وجل وعزتي وجاللي ال أخرج

عبدا منالدنيا وأنا أريد أن أرحمه حتى أستوفي منه كل خطيئة عملها بالسقم في جسده وأما بضيق في

رزقه وأما بخوف في دنياه فإن بقيت عليه شددت عليه عند الموت، وعزتي وجاللي [ال]أخرج عبدا من الدنيا وأنا أريد أن أعذبه حتى أوفيه كل حسنة عملها، أما بسعة رزقه

وبالصحة في جسمه وإما بأمن في دنياه فإن بقيت عليه بقية هونت بها عليه الموت (أصولالكافي) (١ / ٤٤٤) ج ٣.

(د) وحديث الكليني عن علي بن إبراهيم بإسناده عن أبي عبد الله (السالم) أن الله ليرفع بمن يصلي منشيعتنا عمن ال يصلي ولو أجمعوا على ترك الصالة لصلوا... وذكر مثله في الزكاة والحج

وقال: ولوال دفع الله الناس بعضهم ببعض اآلية (أصول الكافي ١ / ٤٥١).(٤) بعض األحاديث في التوبة والذنوب

- عن معاوية بن وهب قال سمعت أبا عبد الله (عليه السالم) يقول إن تاب العبد توبة نصوحا أحبه الله،وستر

عليه فقيل وكيف يستر عليه قال ينسي ملكيه ما كانا يكتبان عليه ويوحي إلى جوارحه وإلىبقاع األرض أن اكتمي عليه ذنوبه فيلقى الله عز وجل حين لقاه وليس شئ يشهد عليه بشئ

من الذنوب - أصول الكافي باب التوبة ح ١ (٢ / ٤٣١) (٢ / ٤٣٦ ح ١٢).- عن محمد بن مسلم عد أحدهما (عليه السالم) في قول الله عز وجل (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله

ما سلف (بقرة ٢٧٥) قال الموعظة التوبة - (أصول الكافي ٢ / ٤٣٢).- عن أبي عبيدة الحذاء قال سمعت أبا جعفر (عليه السالم) يقول: إن الله تعالى أشد فرحا بتوبة

عبده من رجل أضل راحلته وزاده في ليلة ظلماء فوجدها، فإنه تعالى أشد فرحا بتوبة عبده منذلك الرجال براحلته حين وجدها (أصول الكافي) (٢ / ٤٣٥ ح ٨) ومثله (١٣ / ٢ /

.(٤٣٦- عن زرارة قال سمعت أبا عبد الله (عليه السالم) يقول إن العبد إذا أذنب ذنبا أجل من غدوة

Page 123: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

إلى الليل فإن استغفر لم يكتب عليه - أصول الكافي (٢ / ٤٣٧).

(١٢٥)

Page 124: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

الثاني: شفاعة نبينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإن شفاعته متوقعة،بل واقعة لقوله تعالى: (واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) (١).

وصاحب الكبيرة مؤمن لتصديقه بالله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وإقرارهبما جاء به النبي هو اإليمان، إذ اإليمان في اللغة هو التصديق وهو هناكذلك، وليست اآلمال الصالحة جز منه لعطفها على الفعل المقتضي

لمغايرتها له، وإذا أمر باالستغفار لم يتركه لعصمته، واستغفاره ألمته مقبولتحصيال لمرضاته لقوله تعالى: (ولسوف يعطيك ربك فترضى) (٢)، هذا

مع قوله (صلى الله عليه وآله): ادخرت شفاعتي ألهل الكبائر من أمتي (٣).واعلم: أن مذهبنا أن األئمة (عليهم السالم) لهم الشفاعة في عصاة

شيعتهم كما هو لرسول الله (صلى الله عليه وآله) من غير فرق ألخبارهم (عليهمالسالم بذلك مع عصمتهم النافية للكذب عنهم.

الخامسة: يجب االقرار والتصديق بأحوال القيامة وأوضاعها وكيفية--------------------

(١) محمد ١٩.(٢) سورة الضحى آية رقم ٥.

(٣) أمالي الصدوق (٢ / ص ٧) والعيون باب ما جاء في التوحيد (١٣٦) ومثله في الخصالباب السبعة.

(١٢٦)

Page 125: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

الحساب وخروج الناس من قبورهم عراة حفاة، وكون كل نفس معها سائقوشهيد، وأحوال الناس في الجنة وتباين طبقاتهم وكيفية نعيمها من المأكل

والمشرب والمنكح وغير ذلك، ما ال عين رأت وال أذن سمعت وال خطر علىقلب بشر، وكذا أحوال النار وكيفية العقاب فيها وأنواع آالمها على ما وردت

بذلك اآليات واألخبار الصحيحة، وأجمع عليه المسلمون ألن ذلك جميعهأخبر به الصادق مع عدم استحالته في العقل فيكون حقا وهو المطلوب.

قال: (ووجوب التوبة).أقول: التوبة هي الندم على القبيح في الماضي والترك له في الحال،

والعزم على عدم المعاودة إليه في االستقبال، وهي واجبة لوجوب الندمإجماعا على كل قبيح وإخالل بواجب ولداللة السمع على وجوبها ولكونهادافعة للضرر، ودفع الضرر وإن كان مظنونا واجب، فيندم على القبيح لكونه

قبيحا ال لخوف النار وال لدفع الضرر عن نفسه وإال لم تكن توبة.ثم اعلم: أن من الذنب إما في حقه تعالى أو في حق آدمي، فإن كان في

حقه تعالى فإما من فعل قبيح فيكفي منه الندم والعزم على عدم المعاودة، أومن إخالل بواجب فإما أن يكون وقته باقيا فيأتي به وذلك هو التوبة منه، أوخرج وقته أن يسقط بخروج وقته كصالة العيدين فيكفي الندم والعزم على

عدم المعاودة أو ال يسقط فيجب فضاؤه، وإن كان في حق آدمي فأما أن يكونإضالال في دين بفتوى [خطيئة] فالتوبة إرشاده وإعالمه بالخطأ، أو ظلما لحقمن الحقوق فالتوبة منه إيصاله إليه أو إلى وارثه أو (االتهاب)، وإن تعذر عليه

ذلك فيجب العزم عليه.قال: (واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بشرط أن يعلم األمر

والناهي كون المعروف معروفا والمنكر منكرا وأن يكونا مما سيقعان، فإناألمر بالماضي والنهي عنه عبث، وتجويز التأثير، واألمن من الضرر).

(١٢٧)

Page 126: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

أقول: األمر طلب الفعل من الغير على جهة االستعالء، والنهي طلبالترك على جهة االستعالء أيضا، والمعروف كل فعل حسن اختص بوصف

زائد على حسنه، والمنكر هو القبيح.إذا تقرر هذا فهنا بحثان:

األول: اتفق العلماء على وجوب األمر بالمعروف الواجب والنهي عنالمنكر واختلفوا من بعد ذلك في مقامين:

[المقام األول]: هل الوجوب عقلي أو سمعي، فقال الشيخالطوسي (ره) باألول والسيد المرتضى (ره) بالثاني، واختاره المصنف واحتجالشيخ بأنهما لطفان في فعل الواجب وترك القبيح فيجبان عقال، قيل عليه أنالوجوب العقلي غير مختص بأحد، فحينئذ يجب عليه تعالى وهو باطل، ألنهإن فعلهما لزم أن يرتفع كل قبيح ويقع كل واجب، إذ األمر هو الحمل على

الشئ والنهي هو المنع منه، لكن الواقع خالفه، وإن لم يفعلهما لزم إخاللهبالواجب لكنه حكيم وفي هذا االيراد نظر، وأما الدالئل السمعية على

وجوبهما كثيرة.[المقام الثاني]: هل هما واجبان على األعيان أو الكفاية، فقال الشيخ

باألول والسيد بالثاني احتج الشيخ بعموم الوجوب من غير اختصاص بقولهتعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن

المنكر) (١).احتج السيد بأن المقصود وقوع الواجب وارتفاع القبيح فمن قام به كفىعن اآلخر في االمتثال ولقوله تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير

--------------------(١) ١١٠ - آل عمران.

(١٢٨)

Page 127: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر (١) (٢).[البحث] الثاني: في شرائط وجوبهما، وذكر المصنف هنا شرائط

أربعة:األول: علم اآلمر والناهي بكون المعروف معروفا والمنكر منكرا، إذ

لوال ذلك ألمر بما ليس بمعروف ونهى عما ليس بمنكر.الثاني: كونهما مما يتوقعان في المستقبل فإن األمر بالماضي والنهي

عنه عبث، والعبث قبيح.الثالث: أن يجوز اآلمر والناهي تأثير أمره ونهيه، فإنه إذا تحقق عنده

أو غلب على ظنه عدم ذلك ارتفع الوجوب.الرابع: أمن اآلمر والناهي من الضرر الحاصل بسبب األمر أو النهي،

أما إليهما أو ألحد من المسلمين، فإن غلب عندهما حصول ذلك ارتفعالوجوب أيضا، ويجبان بالقلب واللسان واليد وال ينتقل إلى األصعب مع

إنجاع األسهل.--------------------

(١) آل عمران ١٠٤.(٢) من يحب أن يصنع المعروف إلى الناس يصنعه وليس كل من يرغب فيه يقدر عليه وال كل من

يقدر عليه يؤذن له فيه فإذا اجتمعت الرغبة والقدرة واإلذن فهناك تمت السعادة للطالبوالمطلوب إليه أو فيه داللة على عدم [االستطاعة] لإلنسان كما تقدم (مجمع).(٢) المعروف ما عرف من طاعة الله والمنكر ما أخرج منها (مجمع البحرين).

(٢) والمنكر في الحديث عند المعروف، وكل ما قبحه الشارع وحرمه فهو منكر يقال أنكر الشئينكره فهو منكر واستنكره فهو مستنكر.

والمعروف الذي يذكر في مقابلته العقل الحسن المشتمل على رجحان فيختص بالواجب والمندوبويخرج المباح والمكروه وإن كان داخلين في الحسن نقل في مجمع البحرين.

والحمد لله رب العالمين

(١٢٩)

Page 128: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر    العلامة الحلي

فهذا ما تهيأ لي تتميمه (تنميقه) وكتابته، واتفق لي جمعه وترتيبه معضعف (ضيق) ياعي وقصر ذراعي، هذا مع حصول األسفار وتشويش

األفكار، لكن المرجو من كرمه تعالى أن ينفع به كما نفع بأصله، وأن يجعلهخالصا لوجهه، إنه سميع مجيب والله خير موفق ومعين، والحمد لله رب

العالمين وصلى الله على محمد وآله أجمعين.

(١٣٠)